المعيار المعتمد للتفرقة بين العمل الاداري والعمل التشريعي

بسم الله الرحمن الرحيم
توطئه :
لابد من التعرض بشكل القرار الاداري من الناحية الموضوعية حيث نجد ان القرار الاداري إما ان يكون قراراً فردياً أو قراراً لائحيا أي قرار تنظيمي .

فالقرار الاداري الفردي هو الذي يتعلق بشخص معين بذاته أو بأشخاص معينين بذواتهم في حين نجد أن القرار اللائحي أو التنظيمي لا يخاطب شخصاً أو أشخاص محددين بذواتهم وانما يتضمن قاعدة عامة مجردة تنطبق على كل شخص في المركز القانوني الذي تتوافر فيه شروط هذه القاعدة العامة .

وتعتبر جميع اللوائح الإدارية قرارات تنظيمية لانها تضع قواعد عامة مجردة تنطبق على جميع المواطنين أو على طائفة منهم. (1)
غير أن الثابت ان هذه القرارات التنظيمية للمرافق والمصالح العامة هي لوائح بالتأكيد لانها تتضمن قواعد عامة مجردة . (2)

فالقرار الإداري بنوعيه الفردي واللائحي يكون قابلاً للطعن فيه بالإلغاء بينما العمل التشريعي لا يقبل الطعن بالإلغاء وإنما بعدم دستوريته أمام المحكمة العليا طبقاً للدستور ولأهمية التفرقة بيت العمل الإداري والتشريعي لا بد أن نعرض على ما أستقر عليه الفقه في هذا المضمار في اليمن وفرنسا ومصر ثم نعرض بعد ذلك أهم المبادئ التي ترسخت للتفرقة بين العملين .
أولاً : رأي الفقه اليمني :-
يلاحظ أن المعيار الشكلي أو العضوي هو المعتمد للتفرقة بين العمل الإداري والعمل التشريعي ، فاللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية وما يتفرع عنها من سلطات إدارية هي مجرد قرارات إدارية باعتبار مصدرها ومن ثم فهي تخضع للطعن بالإلغاء أمام القضاء المختص تماماً مثل القرارات الإدارية الفردية ، وذلك على خلاف التشريعات الصادرة من البرلمان أو السلطة التشريعية فهي تتمتع بحصانة قضائية لا يجوز الطعن فيها بالإلغاء أو بالتعويض وهذا الرأي أورده الاستاذ الدكتور / احمد عبد الرحمن شرف الدين / رئيس قسم القانون العام بكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء .(3)

اذا تعتبر تلك اللوائح قرارات إدارية تنظيمية وفقاً للمعيار الشكلي لصدورها من السلطة الإدارية التي هي جزء من السلطة التنفيذية وهناك معيار ىخر هو المعيار الموضوعي وبتطبيق هذا المعيار فإن تلك اللوائح تعد أعمال تشريعية لانها تتضمن قواعد عامة مجردة ولا تنطبق على حالة أو جالات معينة أو أشخاص محددين بذواتهم.
ثانياًُ :- رأي فقهاء القضاء الإداري في مصر وفرنسا :-
*بالنـسبة للقضاء في فرنسا ومصر فأنهما إعتنقا المعيار الشكلي ورتبا على ذلك جواز الطعن بالإلغاء في هذه اللوائح بسبب عدم مشروعيتها بإعتبارها قرارات إدارية تنظيميه صادرة عن السلطة الإدارية وكذلك طلب التعويض عما قد ينتج تطبيقها من أضرار.(4)
ولقد أكدت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري هذا الأمكر إذ أوضحت أن شراح القانون العام وقضاء وجلس الدولة في مصر وفرنسا إستقروا على ( إخضاع اللوائح إلى أختصاص القضاء الإدارية أخذاً للمعيار الشكلي ” أي ا لجهة التي اصدرت اللائحة او القرار ” في التفرقة بين القرارات التشريعية والقرارات الإدارية ومادام ان القرار صادر من السلطة التنفيذية فهو قرار إداري جائز الطعن فيه أمام هذه المحكمة .(5)

*ويجمع فقه القانون العام سوا في فرنسا او في مصر على ترجيح المعيار الشكلي بصدد تحديد الاعمال التشريعية حيث يعتبر قانونا كل ما يصدر عن البرلمان في نطاق وظيفته التشريعية وفقًا للدستور بحيث لايخضع لرقابة القضاء الإداري ويخرج عن إختصاصه ولقد أكدت مجلس الدولة المصري هذا الإتجاة إذ قالت محكمة القضاء الإداري في هذا الشأن ( أن فقه القانون العام وقضاء مجلس الدولة في فرنسا ومصر قد جريا على الأخذ بالمعيار الشكلي لا الموضوعي في التفرقة بين العمل التشريعي الذي هنو بمنأى عن الإلغاء والعمل الإداري القابل للإلغاء أي أن العبرة بالجهة التي أصدرته).

وعلى هذا الأساس تخرج جميع القوانين التي يسنها البرلمان من اختصاص القضاء الإداري سواءً كانت هذه القوانين تتضمن قواعد عامة مجردة كما هو الحال بالنسبة لغالبية القوانين أو لا تضع قواعد عامة مجردة وهذا ما نصت به المحكمة الإدارية العليا بقولها ( لا عبرة .. بأن يكون .. القانون غير منطونٍ على قاعدة عامة مجردة لانه يكفي من ناحية الشكل أن يكون صادراً وفقاً للإجراءات الدستورية المتبعة بالنسبة إلى سائر القوانين مما لا يجوز معه الطعن فيه او التقرير باختصاص القضاء الإداري بالنظر فيما تضمنه من أحكام .(6)

ثالثاً :- المبادئ القانونية التي قررتها محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا في التمييز بين القرار الإداري والعمل التشريعي .(7)
* المبدأ (88) معيار التفرقة بين العمل الإدارية والعمل التشريعي :-
أن القضاء الإداري قد استقرعلى أن معيار التفرقة بين العمل التشريعي الذي يخرج عن أختصاصه وبين العمل الإداري الذي يدخل في صميم هذا الاختصاص عدا ما تعلق بأعمال السيادة هو معيار شكل فالأعمال التشريعية هي تلك التي تصدر بهذا الوصف في السلطة التشريعية أو من الجهة القائمة بمقتضى الدستور بشئون التشريع اما القرارات الصادرة من السلطة التنفيذية وان تناولت من حيث الموضوع ثمة قواعد لائحية او تنظيمية ذات صفة عامة فأنها لاتعدو أن تكون قرارات إدارية يجوز الطعن فيها بالالغاء أمام القضاء الإداري .(8)
*المبدأ (94) ( اعمال تشريعية – لوائح تنفيذية – لوائح مستقلة- لوائح تفويضية تتولها السلطة التنفيذية طبقاً لأحكام الدستور والمبادئ الدستورية تعتبر قرارات إدارية )
( أن قاعدة الفصل بين السلطات وفقاً لما أجمع عليه فقهاء القانون العام في العصر الحديث وطبقاً لإسس النظام الديمقراطي والمبادئ الدستورية تقوم على عدم الفصل بين السلطات فصلاً تاماً وإنما تتمثل في الفصل المحدود بتعاونها وتساندها بحيث تتداخل في الاختصاصات بينها أحياناص بما يحقق الصالح العام وعلى ذلك قد تقوم السلطة التشريعية بأعمال هي من اختصاص السلطة التنفيذية كما تقوم السلطة التنفيذية باعمال هي أصلاص من اختصاص السلطة التشريعية ومن تلك الأعمال التي تقوم بها السلطة التنفيذية وهي في الاصل من اختصاص السلطة التشريعية – اللوائح التكميلية أو التنفيذية واللوائح المستقلة .. واللوائح التفويضية …… وقد أتجه شراح القانون العام وقضاء مجلس الدولة في مصر وفي فرنسا إلى اخضاع اللوائح المتقدمة الذكر بانواعها إلى اختصاص القضاء أخذاً بالمعيار الشكلي ( أي الجهة التي أصدرت اللائحة أو القرار) في التفرقة بين القرارات التشريعية وما دام ان القرار صادر من السلطة التنفيذية فهو قرار إداري جائز الطعن فيه امام هذه المحكمة .(9)

الهوامش :-
1. القضاء الإداري د. عبد الغني بسيوني – طبعة 92 .
2. الوجيز في القانون الإداري د. احمد شرف الدين ص 130 .
3. د. أحمد شرف الدين مرجع سابق .
4. القضاء الإداري د. عبد الغني بسيوني طبعة 96 .
5. عبد الغني بسيوني مرجع سابق .
6. عبد الغني بسيوني مرجع سابق ص111-113.
7. القرار الإداري في قضاء مجلس الدولة د. حمدي ياسين عكاشة .
8. محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 957 /16 ق 26/1/65 .
9. محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 4081/7 ق 20/12/54

مدونة المحامي اليمني عبدالرقيب محمد القاضي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت