التعيين المؤقـت … والتعيين بعقد

اياد عبد اللطيف سالم

علينا التفريق بين المفهومين ، وأن لانخلط بينهما من غير معرفة ولا علم ، وأن لا نرتب على الإشتغال بهما ما لم ينص عليه العقد الذي هو شريعة المتعاقدين ، فليست المطالبة بتثبيت المشتغلين بالعقد المؤقت على الملاك الدائم من الحقوق المشروعة ، وما الترويج لذلك إلا إثارة للفوضى وإحلال الإرباك الإداري بدلا من الدعوة والعمل على إستقراره ، حيث لا يوجد في قواعد قوانين الخدمة المدنية العامة أو الخاصة ، ما يستند إليه في تعيين المؤقت بعقد على الملاك الدائم ، إلا من ناحية الأفضلية عند المنافسة على التعيين بصفة دائمة عرفا إداريا ، ويستدل من تسميته على أنه تعيين مقيد بظرف زمان ومكان محدد ومعلوم ، لأنجاز مهام وأعمال ذات طبيعة مؤقتة ، طارئة أو موسمية ، لا تتصف بالدوام والإستمرار ، ولا يمكن القيام بهما عن طريق تشغيل الموظفين الدائميين خارج أوقات الدوام الرسمي ، على وفق ساعات العمل الإضافي ، التزامن العمل فيهما مع أوقات الدوام الرسمي ، أو لأنها من الأعمال الخدمية التي لا يلبي ملاك العاملين الدائم تغطية حاجاتها من القوى البشرية العاملة ، الماهرة أو الحرفية أو المهنية المتخصصة ، لإنجاز ما يتطلبه المشروع من أعمال داعمة وساندة لإتمام الإنجاز الكلي المطلوب ، وذلك ما يتطلب تنظيم العلاقة العملية بين عناصر المشروع ، لضمان الحقوق بعد تحديد الواجبات بموجب تشريع كافل لتأمين متطلباته ، فكان القرار المرقم (603) في12/8/1987 النافذ (1) ، الخاص بتنظيم التعيين المؤقت ، حيث (( للوزير المختص ورئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة أو من يخولانه ، تعيين الذين أكملوا الثامنة عشرة من العمر ، بصفة موظفين مؤقتين في الأعمال ذات الطبيعة المؤقتة . على أن يقتصر التعيين في الأعمال والمهن التي تهدف إلى زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته وتحسين الأداء بوجه عام .

ويمنح الموظف المؤقت عند تعيينه ، الراتب الذي يستحقه حسب مهارته وكفاءته الفنية ، ويتم تحديد هذا الراتب من قبل لجنة مختصة تشكل في الجهة ذات العلاقة )) . كما أصدرت وزارة المالية ، تعليمات الخدمة المدنية عدد (11) لسنة 1987(2) ، التي جاء فيها أن (( يشترط لتعيين الموظف المؤقت في الوظائف ذات الطبيعة المؤقتة ، أن يكون مستوفيا لجميع شروط التعيين المقررة قانونا ، بإستثناء شرط الشهادة الدراسية لمن يعين في الوظائف المضافة بالقرار المرقـم (150) في 19/3/1987(3) ، ويقصد بالوظيفة المؤقتة : هي التي تنتهي بزمن محدد ، وتهدف إلى زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته وتحسين الأداء بوجه عام )) .

مع العلم بأن إستثناء شـرط الشهادة الدراسيـة ، يشمل من يعين في أحد العناوين العمالية المضافة الى العناوين الوظيفية ، بعد تحويل العمال الى موظفين بموجب القرار المذكور ، كما جاء في التعليمات على أن (( تقوم الوزارة أو الدائرة غير المرتبطة بوزارة ، بالإعلان عن الوظائف المؤقتة في لوحة الإعلانات المخصصة لذلك ، ويجب أن يتضمن الإعلان ، العمل الذي يقتضي القيام به ، والمدة المقررة لإنجازه . وتشكل في كل وزارة أو دائرة غير مرتبطة بوزارة لجنة أو أكثر ، تتولى إجراء إختبار المتقدمين للتعيين في الوظائف المؤقتة الشاغرة ، وتحديد رواتبهم حسب مهارتهم وكفاءتهم الفنية )) ، مما يستدل على ضرورة وجود ملاك للوظائف التي سيتم التعيين فيها بصفة مؤقتة ، في كل وزارة أو دائرة غير مرتبطة بوزارة ، يتناسب والحاجة الفعلية للقوى البشرية العاملة مؤقتا ، وإلا لما جرى إختبار المتقدمين للتعيين ، لغرض إنتقاء الأكثر مهارة وكفاءة ، لإشغال الوظيفة الشاغرة مؤقتا ، كما إن تشكيل اللجان مقيد بنوعية الوظائف الشاغرة وتخصصاتها المهنية والفنية ، لغرض تحديد الرواتب حسب الإستحقاق الفعلي لمستوى المهارة أو الحرفة العملية التطبيقية ودرجة الكفاءة الفنية .

ولعل مما تجدر الإشارة اليه في هذا المجال ، وإن كان بصيغة مختلفة ، هو تشغيل الأحداث الذين هم دون السن القانوني ، وبلغوا سن الخامسة عشرة من العمر ، بصفة أجراء في دوائر الدولة والقطاع الإشتراكي وبأجور يومية ، حسب أحكام القرار المرقم (604) في 12/8/1987(4) ، إعتبارا من 24/8/1987 ولغاية 29/4/1996 ، تأريخ نشر القرار المرقم (37) في 24/4/1996 (5) ، القاضي بإلغاء قرار تشغيل الأحداث آنف الذكر .

أما التعيين بعقد ، فقد كانت ظروف الضرورة القصوى المتمثلة في الحروب المستنزفة لقوى الطاقة البشرية ، وعزوف المواطنين عن الخدمة في دوائر الدولة ، وضعف الأداء الوظيفي النوعي المتخصص ، وفي كل التداعيات السلبية الناتجة عن كل منها ، سببا لتشغيل العمالة بصفة العقود ، وإن إختلفت الأسباب وتوحدت النتائج في كل منها ، حيث اللجوء إلى إستخدام البديل ، بالقدر الذي يتناسب والقوة المانعة من توفير القوى البشرية العاملة ، وخاصة إستثمار كادر الموظفين التنفيذيين من قاعدة المتقاعدين ، لما تمتلكه من خزين المؤهلات الإدارية والعلمية والفنية المتخصصة ، القادرة على سد الفراغ والعجز المؤقت في ملاكات العاملين في دوائر الدولة كما ونوعا ، من خلال الأداء العملي المباشر أو تدريب العاملين وتطوير كفاءاتهم ومهاراتهم العملية ، لغرض إستمرار الدولة في ممارسة نشاطاتها وإنجاز أعمالها ، على الرغم من النقص الحاد في عديد الكفاءات النوعية والتخصصية ، التي تحتاج إليها في مختلف مجالات العمل والحياة ، حيث اللجوء إلى إبرام العقود مع الأشخاص الذين تتفق معهم ، على قيامهم بأداء بعض الأعمال خلال فترة محددة ، للإفادة من خبراتهم العملية المتميزة ، على وفق الأثر القانوني المرتب لحقوقهم القائمة على أركان الرضا والمحل والسبب ، بحيث يتم التوافق في نوع من صيغ العقود الإدارية المسماة ب (عقد التوظيف) ، وهو إتفاق بين الإدارة وأحد الأفراد ، يتولى بمقتضاه أمر وظيفة عامة ومعينة تحت إشراف الإدارة ، فيحصل منها على عدد من الحقوق أهمها الراتب ، مقابل إلتزامه بأعباء الوظيفة المتعاقد عليها ووفقا لمقتضياتها .

ويعتبر عقد التوظيف من العقود الإداريـة ، لتعلقه بوظائف المرؤوسين المحددة بموجب نظام يحتاج إليـه القائمون بأعمال مؤقتـة عارضـة أو موسمية ، لا يمكن إنجازها من قبل الموظفين الدائميين بقرار من الوزير المختص ، كما إن من حق الإدارة أن تلزم المتعاقد معها شخصيا بتنفيذ العقد الإداري الذي إرتبط به طبقا لشروطه ، ولا يعفيه من ذلك سوى التأثير المباشر للقوة القاهرة أو إخلال الجهة الإدارية ببنود العقد ، ولما كانت الإدارة لا تستطيع التخلي عن مسؤولياتها أزاء المرافق العامة حتى وإن أشركت معها بعض أشخاص القانون الخاص ، فإن القانون العام يمنحها حقوقا لا مقابل لها في القانون الخاص ، بحيث تتمكن بواسطتها من الإضطلاع بمهامها المتصلة بحق الرقابة والتوجيه ، وتوقيع الجزاءات وتعديل العقود وإنهائها ، مما يقتضي الأخذ بنظرية الظروف الطارئة في إبرام العقود التي تتناول العلاقة بين الراغبين بالإشتغال ، وبين الجهات التي يرغبون في العمل لديها ، تتضمن جميع الشروط والأحكام والجوانب التفصيلية المتعلقة بالإشتغال ، وتخضع في تنظيمها لتعليمات تصدرها الجهة المخولة بذلك قانونا .

ولمتطلبات الحاجة ومقتضيات ظروف العمل التي سادت إبان الحرب العراقية الإيرانية ، صدرت قرارات عديدة ، تقضي بجواز تشغيل المتقاعدين من منتسـبي دوائر الدولة كافة ، بأعمال تتطابق أو تختلف طبيعتها عن طبيعة العمل الذي كانوا يزاولونه قبل الإحالة إلى التقاعد ، بدوام إعتيادي أو جزئي ، وبأجر مقطوع يعادل الحد الأدنى لأجر المهنة التي يعينون فيها ، على أن تتوفر في المتقاعد الشروط اللازمة لمن يشغل ذلك العمل ، ويستمر المشتغلون بتناول رواتبهم التقاعدية إضافة إلى الأجر الذي يتقاضونه عن إشتغالهم بموجب العقد ، في دوائر الدولة أو القطاعين المختلط والخاص ، على أن لا تحتسب مدة إشتغالهم تلك ، لأغراض الخدمة المدنية ، ولا يجوز إشتغال المحالين إلى التقاعد لأسباب تقصيرية أو لعدم الكفاءة . أما غير المعينين سابقا ومن العاطلين عن العمل أساسا ، فيخضعون لقواعد العمل المؤقت . ولا أثر قانوني ملزم للدولة من قبل المشتغلين بصفة مؤقتة ، على تثبيتهم على الملاك الدائم ، كما هو حاصل في مطالبات المتظاهرين .

إلا أن محاولات تحريف المفاهيم الإدارية المهنية التي جرت بها المقادير بعد الإحتلال ، أدت إلى عجز الدولة عن معالجة المشاكل الناتجة عنها ، حين تم فتح أبواب العمل بموجب العقد على مصراعيه خلطا غير متجانس بين المفهومين ، وتجديدهما سنويا بدون الحاجة إليهما ، مما دفع بالمشتغلين بموجبهما إلى الإعتقاد بحتمية حاجة الحكومة إلى خدماتهم ، وعدم إمكانيتها من الإستغناء عنهم ، إضافة إلى تجسد الشعور لدى المعينين بالعقود المؤقتة بالحاجة إلى الإستقرار الوظيفي ، الذي كفله مبدأ تكافؤ الفرص بالعمل الدائم ، وما يوفره من مردود مالي مضمون شهريا أثناء مدة الخدمة وبعد إنتهائها ، وما يقابله من وعود حكومية بالتعيين على الملاك الدائم ، بدعوى القضاء على البطالة ، وإن كان ذلك على حساب البطالة المقنعة ، وبدعم نص المادة (1/ثامنا) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014(6) ، الذي عرف الموظف المؤقت على أنه (( كل شخص جرى التعاقد معه وتوفرت فيه شروط التوظيف المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960- المعدل )) ، إضافة إلى نص المادة ( 18/ و) من قانون التقاعد ذاته ، التي قضت بإحتساب ( مدة العقد في الدولة للموظف المؤقت بعد 9/4/2003 ، وتستوفى عنها حصته من التوقبفات التقاعدية بنسبة (10%) عشرة من المائة من أجره شهريا ، وتتولى دائرته دفع حصة مساهمة الدولة البالغة (15%) خمسة عشر من المائة من أجره ) ، مما ساهم في التمييز بين من عمل قبل 9/4/2003 وما بعدها ، ومن غير الإشارة إلا أن آليات وشروط إحتساب مدة العقد لغرض التقاعد ، تختلف عن تلك المقررة لإحتسابها لأغراض العلاوة والترفيع ، بإعتبارها من ممارسات المهنة قبل التعيين على الملاك الدائم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3164) في 24/8/1987 .

2- نشرت التعليمات في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3183) في 4/1/1988 .

3- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3143) في 30/3/1987 .

4- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3164) في 24/8/1987 .

5- نشر القرار في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3615) في 29/4/1996 .

6– نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4314) في 10/3/2014 .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت