ظاهرة العنف الأسري
منصور الزغيبي

صدر أخيراً نظام الحماية من الإيذاء بعد موافقة مجلس الوزراء عليه في جلسته الأخيرة الذي جاء في 17 مادة، وإن كان في الحقيقة أنه جاء أخيراً إلا أنه يجب أن يحتفل به، والأوجب كذلك في الوقت نفسه أن يتم تفعيله على أرض الواقع في أسرع وقت ممكن، وما نرجوه هو أن تصدر اللائحة في شكل يستوعب ضبابية بعض المواد، ويسد الثغرات والنواقص التي تعتري بعض مواد هذا النظام أثناء التطبيق، وإن كان هناك بعض المواد التي تعتبر أنها جددت في بعض الإجراءات المتبعة، وسهلت آلية البلاغ، ووفرت الحماية والضمانات للمبلغ، وكذلك معاقبة من يرى أو يعلم عن حال إيذاء، ويتكتم عليها.

الكثير من البيوت فيها من الأسرار والأحزان التي لم تصل إلى الجهات المعنية، ولا يعلم عنها، بحكم أن المعنفة أو المعنف يخشيان أن ينتج من أخبارهما لأي أحد عن حالات عنف يعانيان منها، سينتج من ذلك ضرر أكبر ومحاسبة ممن يمارس التعنيف والأذى الجسدي واللفظي ضدهما، والكثير من هؤلاء يرون أن الحلول صعبة بل شبه مستحيلة، لأنه ليس لهم مسكن يأويهم ويحميهم من الواقع الذي هم فيه، وليس لهم دخل ثابت يغنيهم عن حاجة أحد، فيضطرون للبقاء تحت رحمة المعنف، وهؤلاء المساكين تجد أرواحهم ذابلة وقلوبهم مزروعة حزناً، والتعب النفسي يسيطر عليهم، وهناك من يفكر بالانتحار أو حاول، وهناك من انتحر بسبب ذلك.

إن ملف العنف الأسري يبقى من الملفات الحساسة والمهمة التي تحتاج إلى عناية فائقة من الجهات المعنية، والتعامل معه بحساسية وحذر وبذل كل أنواع الجهد، لأن لنا أخوات وأبناءً وإخواناً يعيشون تحت وطأة الظلم وأصواتهم مغيبة، ولم تصل إلى الجهات المعنية بحكم الرضوخ تحت سلطة الخوف والتفكير بالنتائج في حال إبلاغها، فضلاً عمن لا يستطيع بأي شكل من الأشكال الإبلاغ عن ذلك ومقاومة الإيذاء وتحمل نتائج تبليغه.

من الوعي الحقوقي على مستوى الأفراد والمجموعات يجب الاطلاع وقراءة الأنظمة، وأن يعرف كل مواطن ما له وما عليه، ويستحسن الاستعانة بمن يثق فيهم من خبراء القانون والمحامين والمستشارين، من أجل التنوير في فهم نظام الحماية من الإيذاء وغيرها من الأنظمة المرتبطة في الشكل الصحيح.

ونظام الحماية من الإيذاء الجديد هو الآن تحت التفسير والدرس والتجربة، ويحتاج إلى قراءة قانونية واعية، من أجل فهمه ومعرفة إجراءاته على أفضل وجه، وهو يبقى نظاماً جديداً، يحتاج بعض الوقت والتجربة، لتظهر أثاره كحال أي نظام سابق، ولم ينص النظام على المحكمة التي يدخل تطبيق هذا النظام ضمن اختصاصها، إلا أن عموم نظام الإجراءات الجزائية يجعل تطبيق النظام من اختصاص المحكمة الجزائية المختصة.

هذه الحروف ما هي إلا لفتة سريعة ومقدمة لأهمية الموضوع الذي يحتاج إلى طرح مكثف في جميع القنوات الإعلامية، من أجل الإسهام في تضيق دائرة العنف الاجتماعي داخل البيوت، ورفع كمية الوعي، ووضع حد لمن يتجاوز الحدود من دون ضمير وحس إنساني يوقظه من غفلته وظلمه، والمقالة القادمة ستكون أكثر تركيزاً في قراءة نظام الحماية من الإيذاء.

* كاتب سعودي.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت