الجرائم باسم الشرف بين حقوق المرأة والطفل

تعد الجرائم باسم الشرف من أكبر الانتهاكات لحقوق المرأة لأنها في نهاية المطاف تؤدي إلى قتلها وإنهاء وجودها ككائن فعال في المجتمع، ولا تقتصر بشاعة هذه الجرائم على ما تؤدي إليه من نتائج سلبية كارثية على المرأة فقط بل إنها تتعدى إلى انتهاكات أخرى بحق أشخاص آخرين ومنهم الطفل الذي يستغل أحيانا كثيرة ويتم توظيفه كأداة للقيام بهذه الجريمة للتخلص من العقوبات المفروضة على مرتكبي هذه الجريمة

وبما أن الطفل الذي هو دون الثامنة عشرة من العمر يعامل كقاصر فإن عقوبته تكون باعتباره حدثا ولا يتعرض للمحاكمة والعقوبة القاسية والرادعة وهذا ما يدفع بذويه لدفعه للقيام بجريمة يقتل فيها إما أخته أو ابنة عمه أو غيرها من القريبات، أو أحيانا يقوم الجاني البالغ بفعلته ويحمل الطفل وزر الجريمة تخلصا من العقاب.

منفذ للقاتل وعقبة أمام الأداة

ورغم أن القوانين تعاقب الجاني نوعا ما وكما هو معلوم فإن المرسوم رقم 1 للعام 2011 شدد العقوبة عليه إلا أن هذا لم يغلق الباب نهائيا أمام المنافذ القانونية التي من خلالها يقوم الجاني بفعلته ويفلت من العقاب، وأول هذه المنافذ هو استخدام الطفل في القيام بهذه الجريمة ودون أن يؤدي ذلك إلى إنزال العقاب بأي منهما والمسألة تكمن في استغلال الطفولة هنا قبل أو مع استغلال المرأة، فالطفل أيضا في هذه العملية يصبح مجنيا عليه فعليا وجانيا شكليا وليس حقيقيا لأنه غير قادر على مناقشة ودراسة قراراته بل إنه يبقى أسير ما يملى عليه من الكبار الذين يقومون بانتهاك لحقوقه وهو أنه يجب عدم إجبار الطفل على فعل ما يعرضه للخطر وهذه أكبر الأخطار لأنها تؤدي إلى أذى كبير على نفسية هذا الطفل وتبقى الصورة عالقة في مخيلته ما أحيا وتتم عملية إجبار الطفل أحيانا كثيرة للقبول بهذا الأمر وهذا اعتداء على حريته أو أن التهمة تلصق به حتى دون إخباره إلا في نهاية الأمر وبعد أن تتم الجريمة وتتم عملية خداعه بأنه لن يعاقب وبأن ما يقوم به هي خدمة لشرف العائلة دون أن يكون في علمهم بأن معاقبة الطفل هنا تكون داخلية نفسية وليست بالضرورة أن تكون قانونية، فما يتعرض له الطفل من عقوبة تبقى مؤثرة على مسار حياته إلى الأبد.

رادع ذو حدين

وحين نسعى إلى حل ورادع لمثل هذا الفعل غير الأخلاقي لا نجد من مناص سوى البحث في كيفية ردع القاتل الذي يكون طفلا وهنا نقع بين حدي المعادلة التي لا تصح المعادلة إلا بهما فإما أن نعاقب الطفل وهو بريء بحكم عمره وإما أن نجعل من قتل المرأة أمرا جائزا وهذا ما يعد أكبر خطيئة بحق المرأة، فكيف نوفق بين المحافظة على حق الاثنين ومنعهما من التجاوز والاعتداء على حق الآخر؟ إن الطريق يمر هنا عبر البحث عن السبب الحقيقي وراء هذا التناقض بين حق الطفل وحق المرأة ذلك التعارض الذي يجب ألا يكون موجودا ولكنه موجود بفعل الفاعل الذي هو الجاني الحقيقي وهو الرجل، إذا فمعرفة السبب والعائق الحقيقي يجعلنا في راحة فهنا يجب البحث عن الرادع الذي يمنع الرجل من محاولة دفع القاصر إلى ارتكاب الجريمة فيجب وضع العقوبة المناسبة على ذوي الطفل الذي يقتل بداعي الشرف لأنه بهذه الطريقة سننقذ المرأة من دفع الأب لابنه لقتل أخته مثلا ونحمي الطفل في نفس الوقت من الاستغلال ولكن المشكلة في استصدار مثل هذا القانون له مصاعب شتى وتلزمه صياغة قانونية متينة ومدروسة وحتى أن البعض قد يعتبر ذلك ضربا من الخيال أو الشيء غير القابل للتطبيق وعدم القدرة على التحكم به وذلك لأن لكل شخص حريته الخاصة ومسؤوليته عن أفعاله الخاصة وهنا يظهر حد ثالث للمعادلة يجب مراعاة عدم تجاوزه ورغم أنه من شأن قانون رادع أن يحد من هذه الجرائم ويقلل من نسبتها كثيرا فإن هذا يبدو صعبا ولكن لكل شيء منافذ قانونية.
إذا…….

ولكن إذا كانت الأسئلة حول طريقة الخروج من الحيرة كثيرة فإنه من الواجب طرح السؤال التالي: إن كان الآباء يتنافسون في الحضانة أولا ومن ثم وأحيانا كثيرة على أمور وأحوال أخرى متعلقة بالطفل مادون الثامنة عشرة فلماذا لا يتربعون على عرش المسؤولية عن تصرفات هؤلاء الأطفال، أليست هذه التصرفات نابعة من تأثيرات التربية التي تلقاها الأطفال من هؤلاء الآباء؟ أليس من الواجب معاقبة الولي في حالة قيام الصغير بعمل ما وخاصة إذا كان الأمر يتعدى كونه أمرا طبيعيا ليكون جريمة.
والحقيقة أنه يجب البحث عن رادع للوالدين الذين يكونان الدافع الأول وراء قيام القاصر بجريمته ولذلك فيجب وضع قوانين تسطر عقوبات رادعة للدافع وهنا نمنع القائم بالجريمة مباشرة من القيام بها ولا أعتقد بأن هذا المطلب للخروج من النفق خيالي ودون أثر ايجابي لأنه من شأنه أن يقلل كثيرا جدا من هذه الحالات ولاشك وأسأل حول كيفية معاقبة الدافع مرة أخرى وأطرح هذا السؤال على كل من يعد غيري.