الحلول القانونية في تطبيق التجارة الإلكترونية

عبد الرحمن مرعي القحطاني,
لإيجاد تنظيم قانوني وتشريعي لاعتماد التعاملات الإلكترونية والعقود المبرمة من خلالها, لا بد من إعادة النظر في الأنظمة والقواعد القانونية التي تعوق استخدام السجلات الحاسوبية كأدلة في الدعاوى القضائية.

يشهد قطاع التجارة في المملكة العربية السعودية اهتماماً واسعاً من قبل ولاة الأمر، ومنذ عهد الملك عبد العزيز – رحمه الله – في تشريع الأنظمة التجارية وتحديثها لمواكبة التطورات الإقليمية والدولية في هذا المجال، دون إخلال يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وبما أن المعاملات التجارية في تزايد مستمر وتطورات متلاحقة واستحداث طرق بديلة عن الطرق العادية أو التقليدية في مجال هذه المعاملات, ظهرت (التجارة الإلكترونية) وأصبحت المعاملات التجارية الدولية على مستوى العالم في تزايد مستمر عن طريق التبادل الإلكتروني، الذي يعتمد على استخدام بدائل للأشكال الورقية للاتصال وتخزين المعلومات.

وقد قامت لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي بإعداد قانون نموذجي للتجارة الإلكترونية عام 1996م، ليعالج المشاكل التي قد تنشأ عند عقد الصفقات إلكترونياً وعمل سلطات التصديق، وفي نهاية عام 2000م انتهت اللجنة إلى إعداد قانون موحد للتوقيعات الرقمية يعطي التوقيع الإلكتروني حجية التوقيع اليدوي.

وفي ظل اهتمام حكومتنا الرشيدة بهذه التطورات الدولية للمعاملات التجارية، صدرت الموافقة السامية على تشكيل لجنة فنية دائمة للتجارة الإلكترونية على مستوى الوكلاء المختصين في وزارات التجارة المالية والاقتصاد الوطني، البرق والبريد والهاتف، مؤسسة النقد العربي السعودي، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، كما تم تشكيل فريق استشاري من رجال الأعمال المؤهلين علمياً في مجال تقنية المعلومات.

والهدف من ذلك نشر تقنيات التجارة الإلكترونية في المملكة, ومتابعة التطورات في هذا المجال، والتنسيق لإيجاد البنية المواتية مع متطلباتها وتحديد احتياجاتها، ليتسنى للجهات المختصة اتخاذ الخطوات اللازمة لمواكبة التطورات المتسارعة وتسخيرها لخدمة الاقتصاد الوطني.

ومن هذه الاحتياجات تشريع نظام وطني يتعلق بالتجارة الإلكترونية، مواكباً لجميع التطورات القانونية على المستوى الدولي، وحيث إنه ستنشأ عوائق قانونية في تشريع نظام للتجارة الإلكترونية، منها الاعتراف بالمعلومات التي تحفظ وتقدم لتحل محل الكتابة والتواقيع الإلكترونية ورسائل البيانات وحجيتها في الإثبات أمام الجهات القضائية، كما أن توقيع العقود ونفاذها بين الأطراف من أهم المشاكل التي تواجه (التجارة الإلكترونية)، لأن معظم قوانين التعاقد تستخدم مفاهيم إرسال وتسلم العرض والقبول لغرض تحديد وقت تشكيل العقد، وقد يكون من الصعب تحديد المكان الذي أرسلت منه رسالة ما إذا استلمت فيه، وحيث إن رسائل البيانات لا تبين عادة المكان الجغرافي الذي توجد فيه نظم الاتصالات ما يصعب معه معرفة القانون الواجب التطبيق.

كما أن التوقيع التقليدي بخط اليد في العقود يوفر شروطاً إضافية مثل تأكيد العقود والتوقيع من قبل الشهود على إتمامها وصحتها، حيث إن إبرامها بطريقة الوسائل الإلكترونية يثير شكوكاً حول الإعراب عن النية من قبل الأطراف في صحة صدق نية الأطراف في إبرام العقد والالتزام به، لأنها تنشأ بواسطة حواسيب دون تدخل مباشر من الإنسان.

ولإيجاد تنظيم قانوني وتشريعي لاعتماد التعاملات الإلكترونية والعقود المبرمة من خلالها, وضمان الوفاء بالتزاماتها وحفظ حقوق الأطراف، واعتماد حجية التوقيعات الإلكترونية، لا بد من إعادة النظر في الأنظمة والقواعد القانونية التي تعوق استخدام السجلات الحاسوبية كأدلة في الدعاوى القضائية، والتأكد من أن هذه القواعد تتفق مع التطورات في مجال التكنولوجيا، وتوفير الوسائل الملائمة لتمكين الجهات القضائية من تقييم مصداقية البيانات الواردة في تلك السجلات، وتوفير الضمان القانوني في سياق استخدام وسائل المعالجة الآلية للبيانات على أوسع نطاق ممكن في التجارة الدولية، ووضع نصوص للمبادئ القانونية التي تنطبق على تكوين العقود التجارية الدولية بالوسائل الإلكترونية، والسماح بأن تكون المعاملات التجارية أو المستندات مسجلة ومنقولة بشكل مقروء حاسوبياً، كالكتابة في المعاملات التجارية أو المستندات ذات الصلة بالتجارة مكتوبة، حيث إن وزارة التجارة أعطت هذه المواضيع والتطورات الدولية بشأن التجارة الإلكترونية اهتماماً كبيراً، فقد بادرت إلى الرفع للمقام السامي باقتراح تكوين لجنة فنية دائمة للتجارة الإلكترونية بهدف متابعة التطورات والتعامل معها في هذا المجال, لتسخيرها لخدمة الاقتصاد الوطني، وبناءً عليه صدرت الموافقة السامية بتاريخ 17/ 5/ 1422هـ على الإطار العام لخطة العمل لاستكمال متطلبات نشر التجارة الإلكترونية في المملكة، وتوجيه الجهات المختصة للإسراع في تنفيذ المهام التي تقع في نطاق اختصاصها.

كما أن وزارة التجارة في ظل اختصاصها أصدرت كتيباً تحت عنوان (التجارة الإلكترونية في المملكة.. انطلاقة نحو المستقبل)، ويأتي هذا الإصدار في إطار اهتمام الوزارة بتوضيح ما تم عمله في هذا المجال لمواكبة التطورات الدولية فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية.

ونود أن نوضح من وجهة نظرنا أن تقوم اللجنة الفنية الوطنية بالتنسيق مع الجهات الأخرى، مثل وزارة العدل وديوان المظالم، وترشيح بعض المحامين الذين يهتمون بمواضيع التجارة الإلكترونية ليكون لهم دور فعال في تفعيل أهداف هذه اللجنة لإيجاد التنظيم القانوني والتشريعي اللازم لاعتماد التجارة الإلكترونية وتفاعل الجهات القضائية مع هذه التطورات الدولية.

محامٍ ومستشار قانوني

إعادة نشر بواسطة محاماة نت