الاجراءات القانونية لمتابعة الأحداث الجانحين

مقال حول: الاجراءات القانونية لمتابعة الأحداث الجانحين

الاجراءات القانونية لمتابعة الأحداث الجانحين

الحدث بصفة عامة يقصد به ذلك الشخص الذي لم يبلغ بعد سن الرشد المقرر قانونا أي الثامنة عشرة سنة بالنسبة لسن الرشد الجزائي طبقا لنص المادة 442 من قانون الإجراءات الجزائية أو التاسعة عشرة بالنسبة لسن الرشد المدني طبقا لأحكام المادة 40 من القانون المدني الجزائري.

أما الحدث الجانح فهو كل شخص لم يكمل سن الرشد الجزائي و ارتكب فعلا مجرما و الجنوح بصفة عامة هو مجموعة الانحرافات التي لا يستقبلها المجتمع و تؤدي حتما بمرتكبيها إلى متابعات قضائية من أجل حمايتهم أو معاقبتهم

معظم التشريعات الحديثة تجمع على أن الحداثة مرحلة حرجة جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار، والمعروف أن الدعوى العمومية تبدأ بأول إجراء من إجراءات التحقيق الذي تباشره النيابة العامة و يسبق تحريك الدعوى العمومية مرحلة تمهيدية هامة لجمع الأدلة المثبتة لوقوع الجريمة و البحث عن مرتكبيها و تسمى هذه المرحلة مرحلة جمع الاستدلالات، مع الإشارة إلى أن معظم الدول المتقدمة خصصت شرطة خاصة بالأحداث .

خصوصية مرحلة البحث والتحري

تنص المادة من قانون الإجراءات الجزائية: « يقوم بمهمة الضبط القضائي رجال القضاء و الضباط و الأعوان و الموظفون المبينون في هذا الفصل 12 . و يتولى وكيل الجمهورية.. ويناط بالضبط القضائي مهمة البحث و التحري عن الجرائم المقررة في قانون العقوبات و جمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبيها مادام لم يبدأ فيها بتحقيق قضائي».

يباشر أفراد الضبطية القضائية وظائفهم بالنسبة للجرائم التي يرتكبها الأحداث، حيث أن السياسة الجزائية الحديثة في مضمار انحراف هؤلاء الجانحين و خاصة ما يهدف إليه المشرع من إصلاح و رعاية للحدث و جعله في المقام الأول تستدعي تخصيص ضبطية قضائية للجرائم التي يرتكبها هؤلاء الصغار و تقتضي كذلك فيمن يتولاها الخبرة و الدراية في شؤونهم .

فمرحلة جمع الاستدلالات هي مجموعة من الإجراءات التي تباشر خارج إطار الدعوى العمومية وقبل البدء فيها بقصد التثبت من وقوع الجريمة والبحث عن مرتكبيها وجمع الأدلة والعناصر اللازمة للتحقيق، فأهمية هذه المرحلة تكمن في تهيئة الدعوى إثباتاً أو نفياً، وتسهل مهمة التحقيق الابتدائي وبالتالي المحاكمة في كشف الحقيقة، كما تسمح هذه المرحلة بحفظ الشكاوى والبلاغات والتي لا يجدي تحقيقها لإثبات الجريمة والّتي يكون مآلها إمّا بصدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى العمومية بعد التحقيق أو الحكم بالبراءة في مرحلة المحاكمة وبالرّجوع لبعض القوانين العربية كالسوري على سبيل المثال جاء فيه:

«تخصص شرطة للأحداث في كل محافظة تتولى النّظر في كل ما من شأنه حماية الحدث».

ولعل التجربة العربية الأكثر نضوجاً في هذا الميدان هي تجربة شرطة الأحداث في مصر والتي أنشأت في سنة 1957. والجدير بالذكر أن حرص بعض التشاريع والأجهزة الشرطية على تخصيص قوة من الشرطة للتّعامل مع قضايا الأحداث يتوافق مع القاعدة الثانية عشرة من مجموعة الأمم المتّحدة لقواعد الحدّ الأدنى في تسيير العدالة والّتي أقرّها المؤتمر الدّولي السّابع للأمم المتّحدة حول الوقاية من الجريمة الذي أنعقد في ميلانو عام 1985 وقد جاء تحت عنوان”التخصص في مرافق البوليس” مفاده أنّ ضبّاط الشّرطة الّذين يعملون عادة في ميدان القضايا المتعلّقة بصغار السن أو الّذين يخصّصون للعمل في ميدان القضايا المتعلقة بصغار السن أو الذين يخصصون للعمل في ميدان الوقاية من إجـرام الصّغار

ولا شك أن تخصيص شرطة للأحداث للقيام بالإجراءات المطلوبة إلى ما قبل مرحلة المحاكمة يهيئ قدراً من الرعاية، كما يوفر الضمانات الكفيلة بحماية الحدث ويحد من الآثار السلبية التي قد تنجم جراء تعامل جهات أخرى غير متخصصة أو متفرغة وبالتالي ليست قادرة على إيلاء هذه القضايا بالدّرجة الّتي تستحقّها من الاهتمام والرعاية وحسن التصرّف.

تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأحداث

يختلف الوضع بعض الشيء بالنسبة لتحريك الدعوى العمومية في الجرائم التي يرتكبها الأحداث عن تلك المقررة للبالغين، فقد نص القانون على قواعد خاصة بهذا الصّدد تتلخص فيما يلي:

– المبدأ أنه لا يجوز إقامة الدعوى العامة في جرائم الأحداث مباشرة أمام المحكمة المختصة فلا تستطيع النيابة العامة أن تحرك الدعوى العامة ضد حدث عن طريق ادعاء مباشر أمام المحكمة المختصة كما هو الحال في الجرائم الّتي يرتكبها البالغون ولا بد في ذلك من ادعاء أولي أمام قاضي التحقيق والعلّة في هذا هي ذات العلة التي تقوم عليها أحكام الأحداث الجانحين وهي إصلاح الحدث وهذا لا يتم إلا بإجراء تحقيق لمعرفة عوامل جنوحه وتحديد العلاج المناسب لذلك.

و بالرجوع لأحكام المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص:

«يقوم وكيل الجمهورية:

– بتلقي المحاضر والشكاوى والبلاغات ويقرر ما يتخذ بشأنها.

– يباشر بنفسه أو يأمر باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للبحث والتحري عن الجرائم المتعلقة بقانون العقوبات.

– يدير نشاط ضباط وأعوان الشرطة القضائية في دائرة اختصاص المحكمة ويراقب تدابير التوقيف للنظر.

– يبلغ الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة لكي تنظر فيها أو تأمر بحفظها بقرار قابل دائماً للإلغاء.

– ويبدي أمام تلك الجهات القضائية ما يراه لازماً من طلبات.

– ويطعن عند الاقتضاء في القرارات التي تصدرها بكافة طرق الطعن القانونية.

1– د. إبراهيم حرب محيسن. إجراءات ملاحقة الأحداث الجانحين. ص39.

2– د. حسن الحوخدار قانون الأحداث الجانحين. ص148. 149.

– ويعمل على تنفيذ قرارات التحقيق وجهات الحكم».

«يمارس وكيل الجمهورية لدى المحكمة، الدعوى العمومية لمتابعة الجنايات والجنح التي يرتكبها الأحداث دون الثامنة عشرة من عمرهم.

وفي حالة ارتكاب جريمة يخول فيها القانون للإدارات العمومية حق المتابعة، يكون لوكيل الجمهورية وحده صلاحية القيام بالمتابعة وذلك بناءً على شكوى مسبقة من الإدارة صاحبة الشأن».

فوكيل الجمهورية إما أن يقوم بإحالة الحدث على جهة التحقيق أو إلى جهة الحكم مباشرة وذلك حسب الحالات وحسب خطورة الأفعال التي اقترفها:

– فيما يخص المخالفات: فالحدث يحال على محكمة المخالفات مباشرة وهذا طبقاً لنص المادة 446 من قانون الإجراءات الجزائية.

– فيما يخص الجنح والجنايات: فإنه يتعين على وكيل الجمهورية وجوباً طلب فتح تحقيق من طرف قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف خصيصاً بقضايا الأحداث وهذا حسبما جاء في نصّ المادة 452 من قانون الإجراءات الجزائية.

وفي حالة ارتكاب الحدث فعلاً يشكل جنحة وكان مع الحدث شركاء بالغون فوكيل الجمهوريّة يقوم بتشكيل ملف خاص للحدث يرفعه إلى قاضي الأحداث وهو ما جاء به نص المادة 452 الفقرة الثانية: «وإذا كان مع الحدث فاعلون أصليون أو شركاء بالغون في حالة ارتكاب جنحة فإن وكيل الجمهورية يقوم بإنشاء ملف خاص يرفعه إلى قاضى الأحداث».

وفي حالة تشعب القضية فإن وكيل الجمهورية يعهد لقاضي التحقيق بإجراء تحقيق نزولاً على طلب قاضي الأحداث وذلك بموجب طلبات مسببة حسب نص الفقرة الرابعة من المادة 452 من قانون الإجراءات الجزائية.

وإذا كان الفعل لا يشكل جرماً أو عدم توافر الأدلة الكافية فإن وكيل الجمهورية يقوم بحفظ الملف.

إذن كما قلنا فإن المبدأ الأساسي لا يجوز متابعة الحدث الجانح مباشرة أمام المحكمة الجزائية المختصة، كما لا يجوز للنيابة العامة أن تحرك الدعوى العمومية ضد الحدث عن طريق الاستدعاء المباشر مثل البالغين كما لا يجوز تطبيق إجراءات التلبس ضد الحدث الذي ضبط متلبساً بجنحة معينة مثلما نصت عليه المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص: « إذا لم يقدم مرتكب الجنحة المتلبس بها ضمانات كافية للحضور وكان الفعل معاقباً عليه بعقوبة الحبس ولم يكن قاضي التّحقيق قد أخطر بالحادث، يصدر وكيل الجمهورية أمراً بحبس المتهم بعد استجوابه عن هويته وعن الأفعال المنسوبة إليه.

ويحيل وكيل الجمهورية المتهم فوراً على المحكمة طبقاً لإجراءات الجنح المتلبس بها، وتحدد جلسة للنظر في القضية في ميعاد أقصاه ثمانية أيام ابتداءً من يوم صدور أمر الحبس.

ولا تطبق أحكام هذه المادة بشأن جنح الصحافة أو جنح ذات الصبغة السياسية أو الجرائم التي تخضع المتابعة عنها لإجراءات تحقيق خاصة، أو إذا كان الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجنحة قاصرين لم يكملوا الثامنة عشرة أو بشأن أشخاص معرضين لحكم بعقوبة الاعتقال».

وتقابل هذه المادة 174 المادة 05 من الأمر 75/ والمتعلق بالطفولة الجانحة.

والهدف من هذه الإجراءات الخاصة بالأحداث الجانحين هو أن الغاية الأولى التي أرادها المشرع هي إصلاح الحدث ومعالجته وإدماجه في المجتمع وذلك بعد إجراء تحقيق لإيجاد حل مناسب وناجع، وقد خولت المادة 448من قانون الإجراءات الجزائية المذكورة سابقاً المتابعة من صلاحية وكيل الجمهورية لوحده وحتى ولو كانت إدارة عمومية طرفاً في الدعوى فلا بد من تقديم شكوى للسيد وكيل الجمهورية، وهذا كله حرصاً من المشرع على وجوب معاملة الحدث معاملة خاصة تختلف عن تلك التي يتميز بها البالغون مراعاة لوضعه وسنه.

ونلاحظ أن المشرع الجزائري قد أوجد طريقا آخر لتحريك الدّعوى العموميّة دون المرور على النّيابة العامّة وهو طريق الادعاء المدني وفقا لما نصت عليه المادة 475 من قانون الإجراءات الجزائية والتي جاء فيها:

«يجوز لكل من يدعي إصابته بضرر ناجم عن جريمة نسبها إلى حدث لم يبلغ الثامنة عشرة أن يدعي مدنيا.

وإذا كان المدعي المدني قد تدخل لضم دعواه المدنية إلى الدعوى التي تباشرها النيابة العامة فإن ادعاءه يكون أمام قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المختص بشؤون الأحداث أو أمام قسم الأحداث.

أما المدعي الذي يقوم بدور المبادرة إلى تحريك الدعوى العمومية فلا يجوز له الادعاء مدنيا إلا أمام قاضي التحقيق المختص بشؤون الأحداث بمقر قسم الأحداث التي يقيم بدائرتها الحدث».

(1)– د – حمدي رجب عطية. الإجراءات الجنائية بشأن الأحداث. ص 72.

وأخيرا ينبغي القول يجب أن يعامل الحدث معاملة خاصة عند التعامل معه إذ يجب تفادي جو الرهبة المتوافر في المفهوم العام عن النيابة العامة سواء في مكان مباشرة الإجراءات أو كيفية مباشرتها

شارك المقالة

1 تعليق

  1. شكرا افادني كثيرافي بخثي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.