قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية :

ان من حاز منقولاً لا مالك له ، بنية تملكه ، يتملكه في الحال عن طريق الاستيلاء ، ورأينا ايضاً ان المنقول المملوك يمكن تملكه بالتقادم الطويل شأنه في ذلك شأن العقار . أما الآن فنتناول حالة تملك المنقول المملوك بالحيازة في الحال ، أي دون حاجة إلى تقادم ما. فالقوانين الحديثة تقرر بأن من حاز وهو حسن النية منقولاً أو سندا لحامله مستنداً في حيازته إلى سبب صحيح فإنه يصبح مالكاً له . فقد نصت المادة 976 ف1 من القانون المدني المصري على ان : “من حاز بسبب صحيح منقولاً أو حقاً عينياً أو سندا لحامله فإنه يصبح مالكاً له إذا كان حسن النية وقت حيازته ” (1). وقضت المادة (1163 ف1) من القانون المدني العراقي بأن : “من حاز وهو حسن النية منقولاً أو سندا لحامله مستندا في حيازته إلى سبب صحيح فلا تسمع عليه دعوى الملك من احد ” (2). فهذه النصوص تقرر القاعدة المعروفة في فقه القانون المدني بقاعدة ” الحيازة في المنقول سند الملكية ” اود سد الحائز” وفق ما تذهب إليه غالبية الفقه (3)، لأن الحيازة في القوانين المدني لا تكتسب الملكية فحسب بل كذلك الحقوق العينية الاخرى (4). ولم تكن هذه القاعدة مقررة في القانون الروماني لأن الرومان لم يفرقوا بين المنقول والعقار من حيث انتقال الملكية أو من حيث التملك بالتقادم غير انه ما أن طلع القرن الثامن عشر حتى تحولت الافكار إلى ضرورة حماية حائز المنقول حسن النية مما قد يتعرض له من اخطار تهدد الثقة في المعاملات فظهرت قاعدة الحيازة في المنقول على يد الفقهاء الفرنسيين القدامي ، وبهم تأثر المشرع الفرنسي فأقر القاعدة في المادة 2279 من القانون المدني بقوله :

(( Em fait de meubles’s la possession vaut titre ))

الأساس القانوني للقاعدة :

اختلف الفقهاء حول تأصيل هذه القاعدة . فذهب البعض إلى ان هذه القاعدة قد رسمت طريقا قانونياً لكسب ملكية المنقول بطريق الاستيلاء كا ما في الامر انه استيلاء من نوع خاص لانه يقع على منقول مملوك للغير. وذهب فريق اخر إلى ان هذه القاعدة تقوم على أساس التقادم المكسب ، ولكنه تقادم فوري يتم حال ابتدائه. وذهب فريق ثالث إلى ان قاعدة الحيازة في المنقول عبارة عن قرينه قانونية على الملكية انشأها المشرع لمصلحة الحائز حسن النية ، وهذه القرينة قاطعة على الملكية لا تقبل اثبات الدليل العكسي. وقد سار القضاء الفرنسي على اعتبار الحيازة قرينة على الملكية ، وان كانت بعض احكامه توحي بأنها قرينة قانونية تقبل اثبات العكس. ومهما يكن من امر هذا الخلاف فأن الحيازة تعتبر ، في القوانين الحديثة والعربية منها خاصة ، سبباً للتملك وقرينة على وجود السبب الصحيح وحسن النية ما يقم الدليل على خلاف ذلك.

الحكمة من تقرير القاعدة :

والغرض من هذه القاعدة هو توطيد الائتمان والثقة في المعاملات فيقدم من يريد التعامل بمنقول مع الحائز وهو آمن لا يخشى ان تمتد إليه يد شخص يثبت فيما بعد انه المالك الحقيقي ، فتسترده منه. ثم ان حائز المنقول يبدو في نظر الناس كانه هو المالك الحقيقي ، ولا تخضع المنقولات كقاعدة عامة ، لاجراءات تسجيل او شهر كما هو الحال في العقارات. ولهذا فلا تثريب على من يتعامل مع حائز المنقول واعتقد بأنه هو المالك مع ملاحظة ان المنقول سريع التداول بطبيعته ، فلا يتيسر لمن يتعامل بالمنقول ان يتحقق من ملكية الحائز ، بل انه يعتبر من الشطط ان نلزمه بالتثبت من ذلك. فقاعدة الحيازة في المنقول تهدف اذن إلى حماية من يتعامل بمنقول بحسن نية مع غير صاحب الحق ، ولهذا يكتفي القانون لاستقرار حق المتصرف إليه بحيازته للمنقول وهو حسن النية على سبب صحيح . وبعد هذه الكلمة التمهيدية التي تناولنا فيها التعريف بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية ومصدرها واساسها القانوني والحكمة من تقريرها فأننا نعرض فيما يلي لنطاق تطبيق هذه القاعدة ثم لشروطها ثم لأثارها ، وأخيراً للاستثناء الذي يرد عليها ونعي به حالة المنقولات المسروقة أو الضائعة.

أولاً :  نطاق تطبيق القاعدة

يفهم من النصوص القانونية ان نطاق تطبيق قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية ينحصر في المنقولات المادية التي تجوز حيازتها ويمكن تداولها من يد إلى يد دون حاجة غلى اتباع اجراءات أو شكليها خاصة ، وكذلك في السندات لحاملها لان الحق الذي يعبر عنه السند يندمج في السند نفسه ويتداول معه كأنه منقول ذو قيمة مالية. ويترتب على ذلك ان هذه القاعدة لا تسري على ما يسمى بالمنقولات المعنوية كالمصنفات الفكرية والمخترعات والديون والسندات التي لا تنتقل ملكيتها إلا بطريق التحول. ولا تسري هذه القاعدة على المنقولات المخصصة للنفع العام كالاسلحة والمهمات الحربية والآثار والكتب التي تحتويها المكتبات العامة وذلك لأن الاموال العامة لا تصلح محلا للحيازة. ولا تسرى هذه القاعدة على المجموعات القانونية كالتركات ومحال التجارة .. فالتركه ، منظوراً إليها بمجموعها ، عيارة عن الذمة المالية عند الوفاة ، فهي بهذا الاعتبار شيء غير مادي وإنما تصور مجرد (5). أما المحل التجاري فهو كذلك مجموعة قانونية تشمل عدا المقومات المادية ، كالبضائع الموجودة فيه، مقومات اخرى معنوية كالاسم التجاري والعملاء والحق في الايجار وغير ذلك. فكل هذه الاشياء تكون مجموعة واحدة تعتبر من الاشياء غير المادية التي لا تقبل الحيازة وبالتالي لا تخضع لحكم قاعدة الحيازة في المنقول (6). ولا تنطبق هذه القاعدة كذلك على المنقولات التي اصبحت عقارات بالتخصيص ، لأنها تعتبر جزءاً متمما للعقار الذي خصصت لخدمته او لاستغلاله فتخضع لما يخضع له العقار من أحكام. على انه إذا انقطعت علاقة التخصص واستردت العقارات بالتخصيص صفتها المنقولة فتلقاها حائز حسن النية كان له ان يتمسك بقاعدة الحيازة في المنقول.

وإذا كان الاصل ان قاعدة الحيازة في المنقول تسري على المنقولات المادية فإنه يستثنى من ذلك :

( أ ) المنقولات التي يشترط القانون للتصرفات الواردة عليها استيفاء شكلية خاصة كالسفن والطائرات . فنظام القيد (الشهر) الذي تخضع له التصرفات التي ترد على مثل هذه المنقولات كفيل بامكانية التثبت من مالكها الحقيقي ، فلا تتحقق الحكمة التي شرعت من اجلها قاعدة الحيازة في المنقول ، خاصة وان التعامل بهذه المنقولات لا يجري بالسرعة التي يجري بها في المنقولات الاخرى.

( ب ) المنقولات التي يتلقاها الحائز باعتبارها تابعة لعقار ولو لم تكن هذه المنقولات عقارات بالتخصيص ، كما لو اشترى الحائز منزلاً بما فيه من أناث من غير مالك فلا يكون له التمسك بقاعدة الحيازة وادعاء تملك الاناث بمقتضى هذه القاعدة في مواجهة المالك الحقيقي ، ما لم يكن قد تملك العقار بالتقادم الخمسي ، لان المنقولات هنا تتبع العقار في مصيره (7).

ثانياً ــ شروط تطبيق القاعدة :

يشترط لتطبيق قاعدة الحيازة في المنقول توفر ثلاثة شروط هي :

1- ان تكون هناك حيازة مكتملة الشروط ، 2- ان تكون الحيازة مقترنة بحسن النية ، 3- ان تستند الحيازة إلى سبب صحيح.

وتتولى ايضاح هذه الشروط فيما يلي :

الشرط الأول : الحيازة :

فيشترط ان يضع الحائز بدء على المنقول الذي يمكن ان ترد عليه الحيازة على نحو ما بينا سابقاً . ويجب ان تكون الحيازة قانونية مكتملة العناصر والشروط . فلا بد ان يتوفر للحيازة ركناها المادي والمعنوي ، فلا يعتبر الحائز العرضي حائزاً بالمعنى القانوني . ويجب كذلك ان تكون الحيازة خالية من العيوب.

ويشترط في الحيازة ان تكون حيازة حقيقية ، بمعنى ان يكون المنقول بين يدي الحائز فيسيطر عليه سيطرة فعلية تتفق في مظهرها مع الحق الذي يدعى الحائز كسبه على المنقول.

أما الحيازة الحكمية فلا تكفي للتمسك بقاعدة الحيازة، فيترتب على ذلك ان مشتري المنقول من غير مالكه لا يستطيع ان يتمسك بالقاعدة إذا هو ترك ، وهو حسن النية ، المنقول لدى بائعة على سبيل الوديعة أو الإيجار (8).

واما بالنسبة للحيازة الرمزية التي تتوفر بالتسليم الرمزي كتسليم مفاتيح المخزن الذي توجد فيه المنقولات او تسليم سندات شحن البضائع فيذهب بعض الفقهاء إلى كفاية هذه الحيازة للتمسك بالقاعدة (9). فحيازة السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى امين النقل أو المودعة في المخازن تقوم مقام حيازة البضائع نفسها (10). وإذا كان هذا الفريق من الفقهاء يذهب إلى امكان التمسك بقاعدة الحيازة في المنقول في احوال كهذه ، فضل الاخير. فإذا اشترى شخص البضاعة من غير مالكها وتسل من البائع وهو حسن النية مستندات الشحن ، ثم تسلم شخص آخر البضاعة ذاتها وكان هو ايضاً حسن النية فلا يستطيع ان يتمسك بقاعدة الحيازة إلا من تسلم البضاعة (11). ويرى فقهاء آخرون ان الحيازة الحقيقية قد تتوفر في صورة لا يتم فيها تسليم الشيء مادياً إلى الحائز بل بتسليم اشياء اخرى تعد رمزاً له وتقوم مقامه مما يتوفر معه معنى الحيازة الحقيقية كتسليم المفاتيح او وضع علامة على المنقول أو تسليم السندات المعطاة عن البضائع (12). وفي رأينا ان القول بأن الحيازة الحقيقية قد تستفاد من التسليم الرمزي مسألة وقائع يستقل بتقديرها قاضي الموضوع ، فهو يفصل في تحقق الحيازة الحقيقية من عدمها تبعاً لما يتبين لع ظروف كل قضية من مدى سيطرة الحائز على المنقول ووقوع الشيء فعلاً تحت تسلط الحائز أو كونه غير واقع تحت تسلطه لا مجرد حيازة المفاتيح او وضع العلامات أو ما إلى ذلك.

الشرط الثاني ــ حسن النية :

ويشترط كذلك ان يكون الحائز ضمن حسن النية وقت حيازته (13). فإذا كان حسن النية وقت تلقي الحق ولكنه اصبح سيء النية عند التسليم فإنه لا يتملك المنقول بمقتضى قاعدة الحيازة . وهذا بخلاف ما هو مقرر بشأن التقادم القصير (الخمسي)، حيث وجدنا ان بعض القوانين العربية الحديثة تشترط توفر حسن النية تلقي الحق. والمقصود بحسن النية هنا، كما في التقادم الخمسي ، ان يجهل الحائز انه يتعدى على حق الغير ، اي ان يعتقد بانه تلقي المنقول من مالك ، شريطة إلا يكون هذا الجهل ناشئاً عن خطأ جسيم أو ان تكون حيازته قائمة على الغصب والاكراه.

وحسن نية مفترض حتى يقوم الدليل على العكس . فالقانون يقيم قرينه لمصلحة الحائز من مجرد حيازته للمنقول على وجود حسن النية والسبب الصحيح إلا إذا ثبت العكس (14). ولهذا يكلف من يدعى سوء نية الحائز بتقديم الدليل على ذلك. وتوفر حسن النية من عدمه مسألة موضوعية متروك تقديرها للقاضي فله ان يستخلصها من وقائع وظروف الدعوى.

الشرط الثالث ــ السبب الصحيح :

ويشترط اخيراً ان يستند الحائز في حيازته إلى سبب صحيح : والمراد بالسبب الصحيح هنا هو السبب ذاته على نحو ما ذكرناه بشأن تملك العقار بالتقادم الخمسي ، فنحيل عليه مع ملاحظة اختلاف السببين من حيث عبء الاثبات ، فإذا كان من يتمسك بالتقادم الخمسي يجب عليه اثبات السبب الصحيح ، فإنه بالنسبة لقاعدة الحيازة في المنقول قد افترض المشرع وجوده ، إذ اعتبر الحيازة في المنقول قرينة على وجود السبب الصحيح وحسن النية ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك (15).

ويلاحظ من جهة اخرى ان السبب الصحيح المقصود هنا يختلف كذلك عن السبب الصحيح في التقادم الخمسي من حيث التسجيل . فطالما كان التقادم قاصراً على العقارات فإنه يشترط في التصرفات الناقلة حتى تعتبر سبباً صحيحاً ان تكون مسجلة. اما فيما يتعلق بقاعدة الحيازة في المنقول فلا يشترط ذلك لان التصرفات في المنقول لا تخضع لقيد التسجيل. ومن أمثلة السبب الصحيح ان يفسخ او يبطل سند المتصرف فيعتبر غير مالك نظراً للأثر الرجعي للفسخ أو البطلان ، فيكون للحائز الذي تسلم المنقول ان يتملكه بالحيازة لأن التصرف في هذه الحالة يصلح سبباً صحيحاً يتمسك به المتصرف إليه . ومن الأمثلة الاخرى التي يسوقها الفقه المصري (16) ما لو باع مالك المنقول منقوله مرتين ويسلمه للمشتري الثاني ، ففي هذه الحالة انتقل ملكية المنقول للمشتري الأول ، ولكن البائع ، أي المالك القديم يبيع المنقول ثانية لمشتر آخر ويسلمه المبيع ، فيكون للمشتري الاخير ان يتمسك بقاعدة الحيازة في المنقول لأن البيع الثاني يعتبر بالنسبة إليه سبباً صحيحاً (17).

ثالثاً – اثار الحيازة في المنقول :

إذا توافرت الشروط السابقة ترتبت على حيازة المنقول آثارها. وهذه الاثار تتمثل في كسب الحائز ملكية المنقول وفي سقوط التكاليف والقيود العينية التي تثقله. فلحيازة المنقول اثران : الأول مكسب للملكية والثاني مسقط للتكاليف.

الأثر المكسب :

فمن حاز منقولاً ، وتوفرت لحيازته الشروط المتقدمة ، فإنه يكسب ملكية المنقول الذي وردت عليه الحيازة فوراً او بحسب تغيير القانون المدني العراقي ، لا تسمع عليه دعوى المالك من أحد .” دون حاجة إلى مرور مدة معينة على حيازته . فإذا رفع المالك الأصلي على الحائز دعوى الاستحقاق كان للأخير دفع الدعوى بأنه قد تملك المنقول بالحيازة ، وإذا اعتدى الغير على الحائز فاغتصب منه المنقول أمكنه ان يسترده منه استناداً إلى أنه تملكه بالحيازة. ولا يترتب في بعض القوانين الاخرى على حيازة المنقول كسب ملكيته فحسب ، بل يترتب على ذلك ايضاً كسب الحقوق العينية الأخرى على المنقول ولهذا فإن من الجائز في هذا القانون ان يقتصر قصد الحائز على كسب حق انتفاع أو رهن حيازة (18).

على انه لابد من ملاحظة ان قاعدة الحيازة في المنقول لا تحول دون بقاء حق المتصرف في ماله من دعاوي شخصية قبل الحائز ، فلا يجوز حائز المنقول ان يتمسك بقاعدة الحيازة في مواجهة من تصرف إليه ، لأن علاقتهما يحكمها التصرف المبرم بينهما. فإذا كان للمتصرف دعوى شخصية ضد الحائز كدعوى المطالبة بالثمن او بباقي الثمن أو دعوى فسخ التصرف أو ابطاله ، فإن هذه الدعاوي تبقى قائمة . وإذا نجح المتصرف في دعواه أمكنه استرداد المنقول دون ان يكون للحائز الامتناع عن الرد بحجة انه تملك المنقول بالحيازة (19).

الأثر المسقط :

والحيازة لا تكسب ملكية المنقول فحسب ، بل هي ايضاً تؤدي إلى سقوط التكاليف والقيود العينية التي تنقل المنقول (20). فلو وضع الحائز يده على منقول مرهون رهن حيازة ملكه في الحال خالياً من الرهن.

وهذا بخلاف العقار. حيث رأينا ان الاصل في التقادم المكسب أن يكسب الحائز ملكية العقار بالحالة التي كان عليها عند بدء التقادم. فيكسب الحائز العقار مثقلاً بالتكاليف العينية التي كانت تثله ما لم تكن هذه التكاليف قد انقضت بسبب من اسباب الانقضاء الخاصة بها. والأثر المسقط قد يترتب مع الاثر المكسب وقد يترتب منفرداً . فمثال الحالة الاولى حالة مشترى المنقول من غير مالكه إذا كان هذا المنقول مرهوناً للغير ، فإن للمشتري الذي تسلم المنقول ان يتملكه خالياً من الرهن ، فالحيازة هنا ترتب عليها كسب الملكية وسقوط الرهن. على انه لا يكفي في هذه الحالة ان يكون الحائز حسن النية بالنسبة للملكية بل ينبغي ان يكون كذلك بالنسبة للتكاليف . فلا بد ان يكون جاهلاً انه تلقى المنقول من غير مالكه وجاهلاً بوجود الرهن (21). ومثال الحالة الثانية حالة مشتري المنقول من مالكه دون دفع ثمنه إلى البائع ثم بيعه إلى مشتر اخر يتسلم المنقول وهو حسن النية اي أنه يجهل امتياز البائع الأول، فيمتلك المشتري الثاني (الحائز) المنقول حالياً من حق امتياز البائع الأول بمقتضى الاثر المسقط لقاعدة الحيازة . اما الأثر المكسب فلا محل للكلام عنه لان المشتري قد تلقى الحق من مالك. وللأثر المسقط تطبيقات تشريعية متعددة فمن أمثلة ذلك ما جاء في القانون المدني العراقي المادة 1376 منه من ان امتياز بائع المنقول يبقى ما بقى المبيع محتفظاً بذاتيته ” . . . . دون اخلال بالحقوق التي كسبها الغير حسن النية . . ” . ومن امثلة ذلك ايضاً ما ورد في المادة 1364 ف1 من القانون المدني العراقي بأنه : “لا يحتج بحق الامتياز على من حاز المنقول بحسن نيه” . والأثر المسقط للحيازة لا يزيل التكاليف التي كانت على المنقول فقط. بل يؤدي ايضاً إلى سقوط القيود العينية كشرط المنع من التصرف . فإذا وجد هذا الشرط وتصرف المالك في المنقول رغم لك وتسلمه المتصرف إليه وهو حسن النية غير عالم بوجود هذا الشرط فإنه لا يجوز لمن تقرر شرط المنع لمصلحته ان يحتج به على الحائز.

رابعاً ــ المنقولات المسروقة أو الضائعة :

انه إذا توفرت شروط تطبيق قاعدة الحيازة في المنقول فان الحائز يتملك المنقول في الحال ولا يجوز لمالكه الحقيقي استرداده من الحائز. ولكن ، استثناء من احكام القاعدة المتقدمة ، اجاز القانون لمالك المنقول أو السند لحامله إذا خرج من تحت يده بضياع أو سرقة او غصب أو خيانة امانة(22). ان يسترده من الحائز ولو كان حسن النية ومستنداً في حيازته إلى سبب صحيح وذلك خلال ثلاث سنوات من تاريخ الضياع او السرقة أو الغصب او خيانة الأمانة (23). فيتضح من ذلك ان حائز المنقول بحسن نية وسبب صحيح لا يمكنه ان يتمسك بحيازته غذا كان هذا المنقول قد خرج من تحت يد صاحبه بناء على أحد الأسباب التي عددها النص المذكور ، بل يجوز للمالك ان يسترده من الحائز بشرط ان يقع الاسترداد خلال ثلاث سنوات من وقت تحقق السبب الذي أدى إلى خروج المنقول من يد صاحبه .

والحكمة من ذلك ان المنقول الذي يخرج من تحت يد مالكه لسبب من هذه الاسباب انما يخرج من تحت يده كرها وبدون ارادته ، ولا يمكن نسبة أي خطأ او تقصير إليه ، فأكثر الناس حرصاً على امواله قد يكون عرضة لضياعها أو سرقتها ، ولم تكن له يد في إيجاد المظهر الخارجي الذي خدع الحائز حين ظن ان المتصرف هو المالك (24). ويلاحظ ان مدة السنوات الثلاث ليست مدة تقادم بل هي مدة سقوط، ولهذا فهي لا تقبل الوقف او الانقطاع . اما إذا انقضت هذه المدة فأن الحائز يستطيع ان يتمسك بقاعدة الحيازة ف المنقول في مواجهة المالك الحقيقي ، بمعنى ان حكم القاعدة ينطبق كما لو لم يكن المنقول ضائعاً او مسروقاً (25). فيتضح من ذلك ان الاستثناء المتقدم يعطل تطبيق قاعدة الحيازة في المنقول تعطيلاً مؤقتاً، أي خلال السنوات الثلاث التي يحول المالك الاصلي خلالها استرداد المنقول من الحائز. وإذا كان حق المالك في استرداد المنقول من يد الحائز حسن النية يسقط بمضي ثلاث سنوات من تاريخ السرقة او الضياع فإن الحائز إذا كان سيء النية أو كان هو السابق أو واجد الشيء لا يستطيع كسب ملكية المنقول بالحيازة وحدها بل بالتقادم الطويل ، ولهذا فإن للمالك رفع دعوى الاسترداد على اي من هؤلاء طالما ان مدة التقادم العادي لم تكتمل بعد.

_______________

1- انظر ايضاً : المادة 2279 من القانون المدني الفرنسي والمواد 930-934 من القانون المدني السويسري.

2- يلاحظ بأن المشرع العراقي قد اجري بعض التعديل على القاعدة ، فقد قلب حكمها الايجابي القاضي بجعل الحيازة سنة الكية إلى حكم صلبي يقضي بعدم سماع الدعوى على حائز . المنقول وعلى هذا تكون القاعدة كما اقرها القانون العراقي انه : “لا تسمع على الحائز دعوى الملكية في المنقول ” (انظر : حامد مصطفى ، الملكية العقارية في العراق ، جـ1 ، القاهرة 1964، ص383).

3- راجع: عبد المنعم فرج الصدد ، حق الملكية ، القاهرة 1964، ف438 ، عبد المنعم البدراوي، شرح القانون المدني ، في الحقوق العينية الاصلية ، طـ2 ، القاهرة ، 1956، ف542 ، عبد الفتاح عبد الباقي ، دروس الاموال ، القاهرة ، 1956 ، ف331 ، منصور مصطفى منصور ، حق الملكية او القانون المدني المصري ، القاهرة ، 1965 ، ف184.

4- يلاحظ ان المادة 1163 ف1 من القانون المدني العراقي قد اغفلت عبارة ” او حقاً عينياً” الواردة في الفقرة الاولى من المادة 976 من القانون المدني المصري. والظاهر انه اراد بذلك قصر حكم القاعدة على حق الملكية. وليس من شك في عيب ” هذا الحل من ناحية السياسة التشريعية لان الحيازة إذا كانت تصلح لدفع دعوى الملكية فإنها تصلح من باب اولى تدفع دعوى الحقوق العينية الأخرى المتفرعة عن حق الملكية كحق الانتفاع او الحقوق العينية الاقل من الملكية كالرهن الحيازي وحقوق الامتياز (انظر: الناهي ، المرجع السابق ، ص39-399) . اما في القانون المدني المصري فيجوز ان يقتصر قصد الحائز على كسب حق انتفاع او رهن حيازة.

5- انظر: ريبير وبولانجيه ، ، جـ2، ف2810.

6- راجع: أوبري ورو ، المطول في القانون المدني الفرنسي ، ط6 ، باريس 1951 ، جـ2 ، ف95 ، ص151 .

7- انظر: كولان وكابيتان وجوليودولا مور الندير، المطول في القانون المدني ، ج2 باريس 1959 ، ف496 ، اوبري ورو ، المرجع السابق ، جـ2 ، ص153 ، عبد الفتاح عبد الباقي ، الاموال ، ف334 ، عبد المنعم الصدة ، المرجع السابق ، ف442. ويرى بعض الفقهاء ان القول بان قاعدة الحيازة في المنقول لا ترى على المنقولات التي يتم التعامل فيها باعتبارها تابعة العقار على اطلاقه غير صحيح. فإذا باغ شخص عقاراً يملكه وكانت به بعض منقولات لا يملكها دخلت في البيع باعتبارها من توابع العقار فتنتقل ملكية العقار إلى المشتري بالعقد ، وتنتل ملكية المنقولات إليه بمقتضى قاعدة الحيازة في المنقول ولا يستطيع مالك المنقولات ان يستردها من المشتري (منصور مصطفى منصور ، الملكية ، 35 ص 439-440).

8- انظر: عبد المنعم البدراوي، شرح القانون المدني ، في الحقوق العينية الاصلية ، طـ2 ، القاهرة ، 1956 ، ف543 ، محمد كامل مرسي، الحقوق العينية الاصلية ، ج1، حق الملكية بوجه عام ، القاهرة 1949، ف416 ، عبد الفتاح عبد الباقي ، الاموال ، ف334 ، عبد المنعم الصدة ، المرجع السابق ، ف445 ، منصور مصطفى منصور ، الملكية ، ف1855 ، ص441.

9- او ربى ورو المرجع السابق ، جـ2 ، 165 ص ص153 ، عبد الفتاح عبد الباقي ، الاموال ف334 ، منصور مصطفى منصور ، الملكية ، ف1859 ، ص440.

10- انظر المادة 954 ف1 من القانون المدني المصري التي تنص على انه : “تسليم السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى امين النقل او المودعة في المخازن يقوم مقام تسليم البضائع ذاتها”.

11- وعلى هذا نصت الفقرة 2 من المادة 954 من القانون المدني المصري بقولها : “على انه إذا تسلم شخص هذه المستندات وتسلم آخر البضاعة ذاتها وكان كلاهما حسن النية فإن الاضاءة تكون لمن تسلم البضاعة”.

12- محمد كامل مرسي ، المرجع السابق ، ف416 ، محمد عبد اللطيف ، التقادم المكسب والمسقط ، طـ 2 ، القاهرة ، 1966 ف585.

13- انظر المادة 976 ف1 من القانون المدني المصري . اما المادة 1163 ف1 من القانون المدني العراقي فلم تفضى بوجوب توفر حسن النية وقت الحيازة . ومع ذلك فإن مما لا شك فيه ان الحكم في القانونين واحد لأن حسن النية وصف في الحائز فينبغي توفر عند تحقق هذا الوصف. وعليه فلا يكفي ان يكون الحائز حسن النية وقت تلقي الحق فحسب ، من يجب ان يستمر كذلك حق يجوز المنقول فعلاً ، فإذا ساءت نيته خلال هذه الفترة ثم تسلم المنقول فإنه لا يستطيع التمسك بقاعدة الحيازة في المنقول ، ولا يكون له ان يتملكه إلا بالتقادم الطويل (انظر : الناهي ، المرجع السابق ، ص396).

14- انظر المادة 1163 ف2 مدني عراقي.

15- المادة 1163 ف2 مدني عراقي.

16- انظر مثلا : عبد المنعم البدراوي ، المرجع السابق ، ف543 ، منصور مصطفى منصور ، حق الملكية ، ف185 ص444.

17- ويرى البعض ان هذا الاستنتاج لا يصدق دائماً على القانون المدني العراقي. ذلك ان هذا قد اعتبر كما سنرى ، وخلافاً للقانون المدني المصري ، خيانة الامانة من جملة الاستثناءات الواردة على قاعدة الحيازة في المنقول (م1164 مدني عراقي) . ويترتب على ذلك انه حيث يتبين ان المشتري يعتبر متسلماً ولو حكماً للبيع حيث يبقى المبيع تحت يد البائع بإذن من المشتري فإن يد البائع تعتبر في هذه الحالة أمانة ، فإذا تصرف بالمنقول بعد ذلك اعتبر خائناً للأمانة وكان المشتري الأول استرداده من المشتري الثاني (انظر في معنى الامانة المادة 950 ف1 مدني عراقي). أما إذا لم يحصل ما يستفاد منه اعتبار المشتري الأول متسلما للمبيع كان المشتري الثاني ان يتمسك بقاعدة الحيازة في المنقول إذا كان حسن النية (راجع: الناهي ، المرجع السابق ، ص397-398).

18- وهذا ما صرحت به المادة 976 ف1 من القانون المدني العراقي بقولها : “من حاز بسبب صحيح منقولاً او حقاً عينياً على منقول …”.

19- راجع: كولان وكابيتان وجوليودو لاموراندبير ، المرجع السابق ، جـ2 ، ف500 .

20- وقد اشارت الفقرة الثانية من المادة 976 من القانون المدني المصري إلى الأثر المسقط بقولها : “فإذا كان حسن النية والسبب الصحيح قد توفر لدى الحائز ف اعتباره الشيء خالياً من التكاليف والقيود العينية ، فإنه يكسب الملكية خالصة منها . اما القانون المدني العراقي فلم يشر إلى الاثر المسقط لقاعدة الحيازة في المنقول ، وان كان قد اورد لها بعض التطبيقات في المادتين 1364 و 1376.

21- انظر: منصور مصطفى منصور ، حق الملكية ، ف186 ، عبد المنعم البدراوي ، الحقوق العينية ، ف54.

22- انظر المادة 1164 من القانون المدني العراقي ، وانظر ايضاً المادة 2297 ف2 من القانون المدني الفرنسي التي تتضمن نفس الحكم.

23- يقصد بالضياع في هذا الخصوص خروج المنقول من يد صاحبه بسبب قهري كالنسيان أوا لفيضان أو اي حادث مما ثل. اما السرقة فمعناها بحسب قوانين الجزاء : اختلاس منقول مملوك الغير ، ولكن لا يلزم للاسترداد ان تكون السرقة معالياً عليها كما لو كان العقار متوفقاً على طلب المسروق منه . أما الغصب فهو الحصول على منقول مملوك للغير باستعمال القوة او التهديد بها . واما خيانة الامانة فهي حالة ما إذا عهد إلى شخص منقول مملوك قفير بأية كيفية كانت فاستعمله لنفسه أو لقاعدة شخص آخر او تصرف فيه بطريق مخالف للغرض الذي عهد إليه من اجله حسب ما هو مقرر قانوناً او حسب التعليمات الصادرة إليه.

24- انظر: عبد المنعم البدراوي ، الحقوق العينية ، ف548.

25- راجع: كولان وكابيتان وجوليودو لاموراندبير ، المرجع السابق ، جـ2 ، ف506.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .