الاختلاط وآثاره الجنائية
أ. د. محمد رفعت زنجير

الاختلاط وآثاره الجنائية

كم من جرائم ترتكب بسبب الاختلاط؟!

وكم من حوادث اغتصاب واعتداء سببها الاختلاط؟!

وكم من جرائم قتل أو مخدرات سببها الاختلاط؟!.

هذه الجرائم لها أثر على أمن الأمة وكيانها وحياتها الاجتماعية، فهي ترهق القضاة والمحاكم، وتقلق رجال الأمن، وتكلف الدول أموالاً باهظة لتطويقها ومحاربتها.

وكثيراً ما يعترف الجناة أمام المحاكم بأن السبب الأساسي لاقتراف الجريمة هو الاختلاط، ولمثل هذه الحالات نجد الكاتبة الأمريكية (هيلسيان ستانسبري) تقول: “إن القيود التي يفرضها المجتمع العربي على الفتاة صالحة ونافعة، أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم، وامنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا. امنعوا الاختلاط، فقد عانينا منه في أوروبا وأمريكا الكثير، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعاً معقداً، مليئاً بكل صور الإباحية والخلاعة، وإنَّ ضحايا الاختلاط والحرية قبل سن العشرين يملؤون السجون والأرصفة، والبارات والبيوت السرية، إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا الصغار، قد جعلت منهم عصابات أحداث، وعصابات (جيمس دين)، وعصابات للمخدرات والرقيق”.[1]

هذه هي بعض آثار الاختلاط في الغرب[2]، فهل نجد عاقلاً مخلصاً لدينه وأمته يدعو إليه ويرضاه لأبناء العرب والمسلمين؟!.

مما يؤسف له أن داء الاختلاط دب إلى المجتمعات الإسلامية، فلنقرأ الخبر التالي الذي أوردته صحيفة (المسلمون) [3] عن حادثة وقعت في القاهرة: “اعترف طالب عمره 16 سنة أمام وكيل نيابة الأحداث، بقيامه بخطف تلميذة بالمرحلة الإعدادية، عند مرورها أمام فيلا والده في المعادي، قال: إنه قام بذلك تحت تأثير فيلم أجنبي شاهده في الفيديو، وأنه قام بتقليد بطل الفيلم، وقيد ضحيته بالحبال، ووضع عصابة على عينيها، وحبسها في الجراج”.

هل تقع مثل هذه الجريمة لو تربى النشء تربية إسلامية قويمة؟! لماذا توضع الأفلام الأجنبية في أيدي الأطفال؟، لماذا لا نربي الأطفال على الفضيلة والاحتشام؟، لماذا لا نمنعهم من مشاهدة المناظر المثيرة التي تعرضها بعض برامج التلفزيون والفيديو؟، لماذا لا نبين لهم أن المرأة الأجنبية لا يصح مشاهدة جسمها أو الاستماع إلى غنائها، أو الحديث معها لغير سبب؟.

لو أن أطفالنا تربوا على قيم الإيمان والخلق العربي الرفيع؛ لقلت نسبة الجرائم أو تلاشت، لكن عندما يشاهد الطفل أبويه يستمتعان بمشاهدة الأفلام المحرمة، سرعان ما يألفها، ويقوم بمشاهدتها في غياب الوالدين، ويحاول أن يمثل في الواقع ما رآه في الأفلام، ومن ثم تقع الجرائم، وأبشع ما تكون الجرائم عند الاعتداء على المحارم، وهي تتم بنسبة كبيرة في المجتمعات التي يغيب فيها الحجاب، وينتشر الاختلاط.

إن القضاء على الاختلاط المحرم لا يكون فقط بقرار حكومي يحظره في المدارس والجمعات ومؤسسات الحكومة… بل يبدأ القضاء على الاختلاط من التربية السليمة في البيت أولاً، وذلك عندما يكون الأبوان قدوة صالحة للأبناء، وأن تبث الرجولة في الفتى، والأنوثة في الفتاة، ويطهر البيت من كل شريط أو فيلم، أو صحيفة تروج للانحلال والميوعة.

ومما يؤكد خطورة دعوة الاختلاط وأنها سبب للجريمة الخبر الآتي: “سجلت الدوائر القضائية في عدد من العواصم الأوروبية زيادة في بلاغات انتحار السيدات في ثلاثة الأشهر الأخيرة، أوضحت التحقيقات المبدئية في هذه البلاغات أن معظم المنتحرات لجأن إلى وضع حد لحياتهن بسبب عدم الاستقرار النفسي والأسري…”. هذا في أوروبا، أما في أمريكا فقد “ازداد عدد النساء المترددات على هيئات الأحوال الشخصية في الولايات المتحدة الأمريكية ليسجلن في خانات المواليد الجدد أبناء لهن غير شرعيين”[4].

إن المرأة كيان إنساني عاطفي قبل أن تكون يداً عاملة، وهي سكن نفسي للرجل إذا التقيا على مائدة الأسرة في ظل الشريعة، وفي غياب سلطة الشريعة، وخلال لقائهما في المنتديات والمسرح والسينما والشاطئ والنوادي المختلطة، يتوتر هذا الكيان العاطفي، ويصبح مصدر متعة تقلق الرجل ليلاً ونهاراً عملية البحث عنها، وتكون النتيجة هي الاعتداء المتبادل، وازدياد نسبة الجريمة.

ومن الجرائم التي تزداد في جو الاختلاط: جرائم الاغتصاب والسرقة والقتل!، فمثلاً عندما يتنافس أكثر من رجل على حب فتاة تكون زميلة لهم في العمل، فإنها لا بد أن تقبل أحدهم وترفض الآخرين، فيؤدي ذلك إلى اشتعال نار العداوة والبغضاء في النفوس، ثم يبدأ الكيد والدس والتشهير، ويستتبع ذلك أمور كثيرة: قتل.. خيانة.. اغتصاب.. غدر… وغالباً ما تنتهي محطتها الأخيرة في قاعة المحكمة!.

كذلك السرقة في جو الاختلاط تكون سهلة، والنساء عادة أكثر غفلة من الرجال!، فيندس السارق في صفوفهن، ويتعرف عليهن بأية طريقة ممكنة، ثم يقوم بالسرقة، ويلوذ بالفرار!.

وما نقرأه يومياً من قصص وأحداث تنشرها الصحف والمجلات يفوق الوصف!، وهذا كله يرجع إلى أسباب يكون الاختلاط في مقدمتها.

إن الحقيقة واضحة كالشمس، ولكن بعضنا يغمضون أعينهم ويصرون على إنكار الشمس!، ولقد أحسن من قال: [5]

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفمُ طعمَ الماءِ من سقم

وستبقى هذه الأمة تعيش محنة الصراع بين الخير والشر، الخير الذي يضرب جذوره في أعماق التاريخ، والشر المدجج بالسلاح القادم من حضارة الغرب، فإلى أن يأذن الله بالفتح المبارك، وينجلي هذا الليل الحالك الطويل، وتعود للأمة كرامتها وعزتها: يجب على المسلمين أن يتمسكوا بدينهم وأخلاقهم في وجه كل الزلازل والأعاصير!، وصدق الله العلي العظيم إذ يقول: ﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

[1] روائع البيان، للصابوني، (2 /389-390)، نقلاً عن جريدة الجمهورية القاهرية، 9 يونيو 1962م.

[2] جاء في موقع عبد الدائم الكحيل للإعجاز العلمي في القرآن والسنة مقال بعنوان: (هل الاختلاط محرم؟ ولماذا حرم الإسلام خلوة الرجل بالمرأة؟) ومما ورد فيه: ((وقد أفادت الإحصاءات أن جرائم الأحداث لها سبب مهم جداً، وهو الاختلاط غير المشروع بين الجنسين. كما ثبت أن الاختلاط بين الجنسين بشكل مبالغ فيه قد سبب الكثير من الانحرافات والجرائم والمشاكل النفسية. وقد يكون من أفظع نتائج الاختلاط جرائم الاغتصاب. ويكفي بان نعلم أن في الولايات المتحدة الأمريكية تم اغتصاب (19) مليون امرأة!! أما في ألمانيا فيتم تسجيل (35) ألف جريمة اغتصاب كل عام! ، وفي أمريكا يولد كل عام مليون طفل من جرائم الزنا والاغتصاب، وبالمقابل تتم عمليات إجهاض عددها يفوق المليون عملية وذلك كل سنة. وهنالك الكثير من النتائج السيئة على كلا الجنسين من جراء إباحة اختلاطهما بصورة غير مشروعة، تثير الغرائز والعواطف وتغوص بالإنسان إلى مستنقعات الرذيلة)).

[3] العدد (154)، في 26/5/ 1408هـ.

[4] صحيفة المسلمون، العدد (167)، في 28 /8 /1408هـ.

[5] بردة المديح، للبوصيري، ص (20).

إعادة نشر بواسطة محاماة نت