إذا أراد الحائز تحرير العقار فيجب عليه أن يقوم بعرض التحرير على الدائنين المرتهنين وعرض الحائز يجب أن يتضمن عدد من البيانات التي أشار إليها القانون وكلٌ من هذه البيانات يحقق غرضاً معيناً ، لذلك ومن اجل بحث إجراءات التحرير سنقسم هذا الموضوع الى الفقرات الآتية :-

أولاً :- عرض الحائز :

إذا أراد الحائز تحرير العقار من الحقوق المسجلة عليه ، فان أول إجراء يجب أن يقوم به ، هو أن يوجه الى الدائنين المسجلة حقوقهم على العقار قبل تسجيل سند ملكيته في محال إقامتهم المختارة المحددة في العقد إعلانات تشمل على البيانات التي أشارت إليها المادة ( 1308/2) مدني عراقي ، إذ نصت (( 2- وعليه إذا أراد التحرير أن يوجه للدائنين المسجلة حقوقهم في محال إقامتهم المختارة إعلانات تشمل على البيانات الآتية:-

أ-خلاصة من سند ملكية الحائز (1) تقتصر على بيان نوع التصرف وتاريخه وتحديد العقار تحديداً دقيقاً وتعيين مالكه السابق . وإذا كان التصرف بيعاً يذكر أيضا الثمن وملحقاته.

ب-بيان بالحقوق التي تم تسجيلها على العقار قبل تسجيل سند الحائز وتاريخ تسجيلها ومقدار و أسماء الدائنين(2). وقد أضاف القانون المدني المصري الى هذه البيانات بيان آخر يتمثل بضرورة ذكر تاريخ تسجيل ملكية الحائز ورقم هذا التسجيل (3).

ج- المبلغ الذي يقدره الحائز قيمة للعقار ، ويجب ألا يقل هذا المبلغ عما يلزم بحسب السعر الذي يتخذه أساسا لتقدير الثمن في حالة نزع الملكية وألا يقل في أي حال عن الباقي في ذمة الحائز من ثمن العقار إذا كان التصرف بيعاً.

والعلة التي من اجلها استوجب المشرع ذكر هذه البيانات هي من اجل تمكين الدائنين من العلم بكل ما يهمهم معرفته ليتمكنوا على ضوء ذلك أن يقدروا ما إذا كان من مصلحتهم قبول العرض أو رفضه، إذ إن كل بيان من البيانات التي أوجب القانون ذكرها يؤدي من ناحية معينة الى تحقيق هذا الهدف. فذكر سند ملكية الحائز ونوع التصرف وتاريخه واسم المالك السابق للعقار وتحديد العقار، تحديداً دقيقاً وكذلك ذكر الثمن وملحقاته يكون ضروريا للدائنين في معرفة أي عقار يتم تحريره ، وهل يناسب المبلغ الذي عرضه الحائز مع قيمته أم لا يتناسب ، وكذلك لمعرفة الثمن الذي اشترى به الحائز العقار المرهون من اجل أن لا تقل القيمة التي يعرضها الحائز عن المتبقي في ذمته ، ولكي يستطيع الدائنون ان يقبلوا العرض أو يرفضوه(4) وكذلك لكي يتعرفوا على الشخص الذي يدعي انه أصبح حائزاً للعقار المرهون وذلك حتى تتاح لهم الفرصة للتأكد من صفته، وانه قد تلقى الحق الذي يمنحه صفة الحائز ليستوثقوا من انه حائز يجوز له تحرير العقار و إجبارهم على ما يقتضي إليه هذا التحرير، أم انه ليس كذلك ولا يجوز له من ثم إجراء التحرير(5). أما بالنسبة الى ذكر تاريخ تسجيل ملكية الحائز ، فانه يحدد هل إن ما تلقاه من ملكيه يكون نافذاً في حق الدائنين أم غير نافذ وكذلك يحدد الدائنين الذين تنفذ حقوقهم في مواجهة الحائز. اما الغرض من ذكر الحقوق التي تم تسجيلها على العقار وكذلك المبلغ الذي يقدره الحائز قيمة للعقار وأسماء الدائنين وقيمة ديونهم ومراتبهم ، فيتمثل بتمكين كل دائن من معرفة مرتبته في ضوء الحقوق المسجلة على العقار ، وهل إن العرض مفيد له أم انه لن يحصل منه على شيء لتأخره في المرتبة(6).

ثانياً : مضمون العرض :-

من البيانات الأساسية التي أشارت إليها المادة (1308/2/ج) مدني عراقي . البيان الذي يحدد فيه الحائز القيمة التي يعرضها كمقابل للعقار ، ويلاحظ بان من مصلحة الحائز أن يحدد القيمة الحقيقة للعقار المرهون والتي تتناسب مع قيمته ، بعبارة أخرى، يجب على الحائز أن يكون جاداً في عرضه وفي تحرير العقار وان يراعي الاعتدال في عرضه والا فانه معرض لرفض عرضه من قبل الدائنين المرتهنين، إذا كان لا يمثل القيمة الحقيقية للعقار المرهون، ومن ثم يستطيع الدائنون طلب بيع العقار بالمزاد العلني إذا كان عرض الحائز لا يتناسب مع القيمة الحقيقة للعقار المرهون (7). وقد يقوم الحائز بعرض قيمة العقار على الدائنين المرتهنين ، ولكن يحصل خطأ مادي في الرقم الذي عرضه الحائز كما لو عرض مبلغ يزيد على السعر الذي يتخذ أساسا لنزع الملكية أو يزيد على ما هو مستحق في ذمته فما هو الحكم في هذه الحالة ؟ للإجابة على ذلك ظهر في نطاق الفقه رأي(8) ذهب الى إن الحائز لا يلتزم بدفع الرقم الخاطئ الذي عرضه ، حتى ولو قَبَلَ الدائنون المرتهنون عرضه، وفي هذه الحالة يقوم الحائز بعرض جديد لقيمة العقار المرهون وبإجراءات جديدة يصحح فيها الرقم الخاطئ ، وفي هذه الحالة يكون للدائنين المرتهنين مدة جديدة يحق لهم خلالها أما قبول العرض أو رفضه.

ونحن نؤيد هذا الرأي الفقهي ونرى بان هذا الحكم يمكن الأخذ به في القانون المدني العراقي ، استناداً للمادة ( 184) مدني ، والتي اشارت الى تطبيق أحكام العقد على الإرادة المنفردة إلا ما تعلق منها بضرورة وجود ارادتين متطابقتين ، وبما إن تحرير العقار يتم بالإرادة المنفردة لحائز العقار المرهون ، لذلك يجب تطبيق أحكام العقد على هذه الحالة ، وبذلك يطبق حكم المادة (120) مدني عراقي والتي نصت على (( لا يؤثر في نفاذ العقد مجرد الغلط في الحساب ولا الغلط المادي وإنما يجب تصحيح هذا الغلط )) . ويلاحظ أنه إذا انتقلت ملكية العقار المرهون الى الحائز عن طريق البيع ، فلا يتقيد بثمن العقار ، إذ يستطيع تقدير قيمة للعقار تقل أو تزيد على الثمن الذي اشترى به العقار المرهون أما في القانون الفرنسي ، فان الحائز إذا اكتسب ملكية العقار المرهون بطريق الشراء ، فلا يحق له أن يعرض ثمناً للعقار اقل من ثمن الشراء (9). ولكن حق الحائز في تقدير قيمة العقار يكون مقيداً بقيدين أشارت اليهما المادة (1308/2/ج) مدني عراقي . وهذين القيدين هما:-

الأول: ألا يقل الثمن الذي يعرضه الحائز عن السعر الذي يتخذ أساسا لتقدير الثمن في حالة نزع الملكية وهذا السعر هو الضريبة التي تدفع عن العقار، وبذلك يجب على الحائز إذا اراد تحرير العقار إلا يعرض ثمناً للعقار اقل من السعر الذي يتخذ اساساً لنزع الملكية وهو الضريبة التي تدفع عن العقار. أما في قانون المرافعات المصري فان هذا القيد يمكن الأخذ به ايضاً إذ إن المادة (414) من قانون المرافعات عندما أوجبت أن تتضمن قائمة شروط البيع التي يلتزم من يباشر الإجراءات بإيداعها قلم كتاب المحكمة (( شروط البيع والثمن الأساسي )) فإنها أشارت الى إن تحديد هذا الثمن يكون وفقاً للفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المرافعات . فالمادة (37) من قانون المرافعات هي التي تحدد قواعد تقدير قيمة الدعوى إذ نصت هذه المادة في فقرتها الأولى على انه (( يراعى في تقدير قيمة الدعوى ما يأتي :- 1- الدعاوى التي يرجع في تقدير قيمتها الى قيمة العقار يكون تقدير هذه القيمة باعتبار مائة وثمانين مثلاً من قيمة الضريبة الأصلية المربوطة عليه إذا كان العقار مبنياً ، فان كان من الأراضي يكون التقدير باعتبار سبعين مثلاً لقيمة الضريبة الأصلية فإذا كان العقار غير مربوط عليه ضريبة قدرت المحكمة قيمته)) . وقد نصت الفقرة الثانية من المادة ذاتها على انه ((فإذا كانت [الدعوى] متعلقة بحق انتفاع أو بالرقبة قدرت باعتبار نصف قيمة العقار)) . ومثال على ذلك ، لو إن الضريبة التي كانت مفروضة على العقار المبني هي 100000 دينار سنوياً ، فان السعر الذي يتخذ أساسا لتقدير الثمن في حالة نزع الملكية والذي يلتزم الحائز بان لا يعرض اقل منه يمكن معرفته من خلال ضرب 100000 x 180 فيكون الناتج هو السعر الذي يتخذ أساسا لتقدير الثمن في حالة نزع الملكية . أما بالنسبة الى الأراضي فيستخرج هذا السعر من خلال ضرب 100000 x 70 . كذلك يلاحظ من نص المادة (37) مرافعات مصري بان العقار إذا كان غير مربوط عليه ضريبة قدرت المحكمة قيمته.

والثاني :- ألا يقل الثمن المعروض عن الباقي في ذمة الحائز من ثمن العقار ، إذ يستطيع أن يدفع هذا الباقي كله للدائنين دون أن يصيبه ضرر من ذلك(10). فإذا كان الحائز قد اشترى العقار المرهون من المدين الراهن بمبلغ مليون دينار ودفع الى البائع ((الرهن)) 500000 ألف دينار ، فعندما يريد الحائز في هذه الحالة تحرير العقار يجب ألا يقل ما يعرضه عن 500000 إلف دينار وهو المتبقي في ذمته من ثمن العقار المرهون(11). ويلاحظ في الغالب ، إن المبلغ الذي يعرضه الحائز هو الثمن الذي اشترى به العقار، أما إذا انتقل العقار الى الحائز دون مقابل ، كأن يكون موهوباً له ، ففي هذه الحالة يعرض القيمة التي يشاء ، ولكنه يتقيد بالقيدين السابقين. وإذا كانت أجزاء العقار مثقلة برهون مختلفة ، فان حقوق الرهن لا ترد على العقار في مجموعة ، إذ يرد كل منها على جزء منه فقط ، وفي هذه الحالة يجب على الحائز إن يحدد قيمة كل جزء على حده ويعرضها على الدائنين المرتهنين لهذا الجزء، حتى وان كانت هذه الأجزاء قد بيعت للحائز بثمن إجمالي(12). ولابد من الإشارة ، الى أن الحائز لا يلتزم بعرض قيمة العقار المرهون عرضاً حقيقاً ، بل يكفي أن يظهر استعداده بوفاء الديون المسجلة على العقار الى القدر الذي قوم به العقار . فإذا اظهر هذا الاستعداد أصبح ملزماً بالبقاء على عرضه ، ومصدر التزامه هو إرادته المنفردة ، وهذا ما نصت عليه المادة (1308/3) مدني عراقي، إذ نصت ((3- وعليه أن يذكر في نفس الإعلان انه مستعد أن يوفي الديون المسجلة الى القدر الذي قوم به العقار وليس عليه أن يصحب العرض بالمبلغ نقداً بل ينحصر العرض في إظهار استعداده للوفاء بمبلغ واجب الدفع في الحال ، أيا كان ميعاد استحقاق الديون المقيدة))(13).

____________________

[1]- أنظر المادة (2183) مدني فرنسي ، إذ اشارت الى وجوب اعلان خلاصة للعقد تشتمل على تاريخ العقد وصفته واسم البائع أو الواهب وتعينه تعيناً دقيقاً ، وطبيعة الشيء المبيع أو الموهوب وموقعه ، وإذا كان الامر خاصاً بمجموعة اموال اشتملت الخلاصة على بيان الملك والمقاطعة التي فيها هذا الملك واشتملت ايضا على الثمن والتكاليف الداخلة في ثمن البيع أو قيمة الشيء إذا كان موهوباً .

2- أنظر، المادة (1065/ د) مدني مصري (موافق) والمادة (2183) مدني فرنسي(موافق). ويلاحظ بان القانون المدني الاردني لم يحدد الإجراءات اللازمة لتحرير العقار .

3- أنظر، المادة (1065/ ب) مدني مصري .

4- أنظر، د. غني حسون طه ، محمد طه البشير ، مصدر سابق ، ص462. د. شمس الدين الوكيل ، مصدر سابق ، ص350 . وفي الفقه الفرنسي أنظر ، laniol، Ripert et Becque،op،cit.N.1227.

5- انظر، د.جلال محمد إبراهيم ، مصدر سابق، ص331.

6- انظر، د.احمد سلامه ، التأمينات المدنية ، مصدر سابق، ص283.

7- انظر، د. شمس الدين الوكيل ، مصدر سابق، ص350. د. سمير عبد السيد تناغو ، مصدر سابق ، ص276.

8- انظر، د.احمد سلامه ، التأمينات المدنية ، مصدر سابق، ص266.

9- انظر، Planiol، Ripert et Becque،op،cit.N.1227.

10- انظر، محمد طه البشير ،الوجيز في الحقوق العينية التبعية، مصدر سابق ، ص149.

11- ويلاحظ بان الحائز لا يجوز له التمسك بالمقاصة فيما بينه وبين البائع ليصل الى انقاص الثمن المستحق في ذمته . أنظر ،

Josserand،op.cit.،P.1033،N.1923;colin،Capitantetdela orandie’re،op.cit.،P.1129،n.1849;Planiol،Ripert et Becque’ ،op.cit.، P.572،n.1231.

12- انظر، د. سمير عبد السيد تناغو ، مصدر سابق ، ص277.

13- تقابلها المادة (2184) مدني فرنسي . اذ نصت (( يقرر المشتري أو الموهوب له في نفس الورقة استعداده لان يوفي في الحال الديون والتكاليف الرهنية)) أنظر كذلك، المادة (1066) مدني مصري.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .