إجراءات إثبات الأوقاف في المحاكم

تتبع المحاكم في إجراءاتها في إثبات الأوقاف الأحكام المقررة لها في الفقه الإسلامي, وبالتحديد لما هو مشهور من مذهب الحنابلة في الغالب كونه المرجعية الفقهية للقضاء, وهو المذهب السائد في السعودية. وهناك بعض القرارات الملزمة من مجلس القضاء الأعلى لا يملك القضاء مخالفتها, ولا يكاد يختلف القضاة في أحكامهم المتعلقة بالأوقاف إلا في النزر القليل منها. وأشير إلى ما سبق أن ذكرته كثيرا هنا إلى أننا بحاجة إلى مدونة فقهية ملزمة في التعاملات المالية والأحوال الشخصية والجنائية وغيرها من مسائل الفقه, لا بسبب تفاوت أحكام القضاة – وإن كان من الأسباب -, ولكن لأجل بيان الأحكام الفقهية للناس والكشف لهم عن ما ستؤول إليه تعاملاتهم في حال قاموا بها, فهل هي صحيحة أصلا أم لا؟ وهل الشروط التي ضمنوها في العقود صحيحة أم باطلة؟ وغيرها كثير مما يتطلب بيانه للناس قبل إقدامهم على التصرفات والعقود.

وبخصوص الأوقاف فالجانب الموضوعي لأحكامه لم ينظم كما أسلفت كغيره من المسائل الفقهية في المملكة إلا بعض المسائل القليلة الصادرة بقرارات ملزمة, أما في الجانب الإجرائي فقد وردت أحكامه في نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/21 في 20/5/1421هـ, ومن هذه الإجراءات: أن على طالب تسجيل الوقف أن يقدم طلباً بذلك إلى المحكمة المختصة مشفوعاً بوثيقة رسمية تثبت تملكه لما يريد إيقافه, ويجوز أن يثبت الوقف في المحكمة التي يقع فيها العقار أو محكمة البلد التي يكون فيها الموقف, ويقصد بوثيقة التملك: إما صك حجة استحكام أو صك منحة أو ما تفرع عنهما من صكوك ولا يقبل غير ذلك, ويتم إثبات الوقفية بإقرار الموقف أو من يمثله بذلك لدى القاضي على أن يحدد مصرف الوقف والناظر عليه, ثم يتم التهميش على الصك وسجله بذلك, ويسلم الصك للناظر على الوقف وفي الغالب يكون الموقف نفسه, وأما صكوك الأوقاف الخيرية العامة فتسلم إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقـــاف والـدعوة والإرشاد، أو أحد فروعها, ويسلم للموقف صورة عنها.

وبين نظام المرافعات الأحكام المنظمة لكيفية توثيق وإثبات أوقاف غير السعوديين في المملكة, ويظهر منها تشديد المنظم في جانبي المصرف والنظارة وهو أمر مقبول ومعتبر ليتوافق مع سياسات الدولة العامة, حيث نص النظام على أنه لا يجوز تسجيل وقفية عقار في المملكة مملوك لأجنبي إلا بالشروط الآتية: أن يكون الوقف طبقاً للمقتضيات الشرعية, أن يكون الوقف على جهة بر لا تنقطع, وأن يكون الوقف على أفراد سعوديين أو على جهات خيرية سعودية، وأن يكون الناظر على الوقف سعوديا, أن ينص في حجة الوقف على أن يكون للمجلس الأعلى للأوقاف حق الإشراف على الوقف, وأن يكون الوقف خاضعاً لنظام الأوقاف في المملكة.