أثر التغيرات التي يقيمها المستأجر في المأجور

مقارنة تشريعيه حول موقف المدونات العربيه من مصير المحدثات التي يقيمها المستأجر في المأجور

للطالبة – حنين نصار

لقد عرف القانون المدني الأردني الإيجار في المادة 658 على أن ( الإيجار تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معينة لقاء عوض معلوم ) .
ومن هذا التعريف يتبين بأن عقد الإيجار عقد رضائي لا يحتاج إلى شكلية معينة ، وانه عقد ملزم للجانبين ، أي انه يرتب التزامات متقابلة بين طرفي العقد وانه عقد معاوضة لأن كلا طرفي العقد يأخذ مقابلا لما يلتزم به ، كما انه من أعمال الإدارة لا من أعمال التصرفات ،لأنه لا ينقل حقا عينيا على الشئ المؤجر، بل ينشئ التزاما شخصيا بين المؤجر و المستأجر،كما انه عقد يخول المستأجر الحق في الانتفاع بالعين دون أن يخوله حق ملكيتها ،عدا عن كونه عقد مؤقت بمدة معينة ([1](.
وعلى أساس الخصيصة الأخيرة – أي كون عقد الإيجار عقد مؤقت- فأن المستأجر ملزم بإعادة المأجور إلى المؤجر بعد انتهاء مدة الإيجار بالحالة التي تسلمه بها وهذا ما تقضي به المادة 700 مدني ، ولكن كثيرا ما يحصل أن يقوم المستأجر بتشييد بناء أو غرس أشجار أو القيام بتحسينات مما يزيد في قيمة المأجور، فتبدأ مطالبة المستأجر للمؤجر بقيمة تلك التحسينات بعد انقضاء مدة الإجارة .

وقد عالج المشرع هذه الحالة في المادة 701 مدني والتي نصت على “1. إذا أحدث المستأجر بناءً أو غراسا في المأجور ولو بإذن المؤجر كان للمؤجر عند انقضاء الإيجار أما مطالبته بهدم البناء أو قلع الغراس أو أن يتملك ما استحدث بقيمته مستحق القلع إن كان هدمه أو إزالته مضرا بالعقار .

2. فان كان الهدم أو الإزالة لا يضر بالعقار فليس للمؤجر ان يبقيه بغير رضا المستأجر ” (2)

ومن هنا نرى إن المشرع الأردني قد تعامل مع المستأجر كتعامله مع المحدث سيء النية رغم انه قد حصل على إذن المالك (3) ، وبهذا يكون قد جاء حكمه مجحفا بحق المستأجر إذ ساوى بين المستأجر الذي يحدث بناءً أو غراسا بإذن المؤجر وبين الذي يحدثها دون إذنه ،وكان الأولى به أن يفرق بينهما نظرا لحسن نية المستأجر في الحالة الأولى ولا أدل عليها من قيامه بأخذ إذن المؤجر وسوء نيته في الحالة الثانية إذ تغافل عن الحصول على الإذن أو حتى قام بالاحداثات رغم المعارضة من قبل المؤجر

وخاصة أن هذا ما ذهبت إليه العديد من التشريعات العربية الموازنة مثل التشريع العراقي و المصري و الجزائري وهو ما سأبينه تاليا

أولا :- التشريع العراقي :-

قد عالج المشرع العراقي مسألة التحديثات التي يجريها المستأجر في المأجور بطريقه مختلفة(1) وفقا لما جاء في المادة 774 من القانون المدني العراقي والتي وضحت حكم هذه التحديثات بثلاث حالات ، أولهما إن تكون تلك التحسينات قد قام بها المستأجر على الرغم من معارضة المؤجر أو دون علمه ، وثانيهما إن يكون إحداث تلك التحسينات قد جرى بعلم المؤجر و دون اعتراض منه ،وثالثها إن يكون المستأجر قد احدث تلك التحسينات بأمر المؤجر ، وسنتعرض للحالات الثلاث تباعا .

أولا : إحداث التحسينات بمعارضة المؤجر أو دون علمه

لقد عالجت هذه الحالة الفقرة 1 من المادة 774 من القانون المدني ونصها (إذا انقضت الإجارة وكان المستأجر قد بنى في المأجور بناء أو غرس فيه أشجارا أو قام بتحسينات أخرى مما يزيد في قيمته وكان ذلك على الرغم من معارضة المؤجر أو دون علمه ، ألزم المستأجر بهدم البناء وقلع الأشجار و إزالة التحسينات، فإذا كان ذلك يضر بالمأجور جاز للمؤجر أن يمتلك ما استحدثه المستأجر بقيمته مستحقا للقلع ).

ويظهر من النص المتقدم إن القانون قد ساوى بين الحالة التي يكون فيها المؤجر معارضا للمستأجر في أحداث تلك المنشأت وحالة إحداثها دون علمه ، فإذا ثبت قيام المؤجر بمعارضة المستأجر بأحداث تلك التحسينات فأن الجزاء الذي يترتب على ذلك هو إلزام المستأجر بهدم البناء وقلع الأشجار و إزالة التحسينات ، أما إذا كان الهدم أو القلع مضرا بالمأجور فوفقا للمادة السابقة جاز للمؤجر تملك ما استحدثه المستأجر من بناء أو غراس أو تحسينات بقيمتها مستحقة للقلع .
وقد بينت محكمة التمييز في قرار لها كيفية تقدير القيمة المستحقة للقلع وذلك بتقدير قيمة تلك المنشأت مقلوعة ( أي أنقاضا ) وتقدير أجرة قلعها ثم طرح أجرة القلع من القيمة المذكورة والمتبقي يمثل القيمة مستحقة للقلع . (2)

ثانيا : إحداث التحسينات بعلم المؤجر ودون اعتراض منه :-

أما إذا كانت التحسينات و الإضافات قد حصلت بعلم المؤجر ودون اعتراض منه ، فأن المؤجر يلزم بأن يرد للمستأجر القيمة الأقل مما أنفقه أو ما زاد في قيمة المأجور ، ما لم يكن هناك اتفاق خاص يقضي بغير ذلك وهذا ما عالجته الفقرة 2 من المادة 774 مدني عراقي .
ويتبين من ذلك انه عند إقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة من قبل المستأجر مطالبا بقيمة التحسينات و الإضافات التي أحدثها في المأجور بعلم المؤجر ودون اعتراض منه ، فأن على المحكمة المختصة أن تنتخب خبيرا أو أكثر من المختصين لتقدير قيمة تلك الإضافات والتحسينات ، على أن تكلف الخبير أو الخبراء المنتخبين بتقدير قيمة تلك الإضافات والتحسينات مادة وعملا وقت التشييد ، وقيمتها قائمة وقت النخلية ويحكم على المؤجر بأن يرد للمستأجر الأقل قيمة منهما . وهذا ما قضت به محكمة التمييز العراقية في قرار لها (….إذ كان عليهم – أي الخبراء- أن يقدروا كلفة الإضافات والمنشات مادة وعملا وقت التشييد ثم قيمة تلك المنشأت قائمة وقت التخلية وعلى المحكمة الحكــم بالأقل منهما) (1).

هذا في حال عدم طلب المستأجر -عند إقامة الدعوى – استلام المحدثات التي أحدثها أما إذا طالب باستردادها هنا يجب التمييز ما بين إذا كان رفع تلك المحدثات لا يسبب ضررا بالمأجور و إذا كان رفعها يسبب ضررا بالمأجور ، ففي الحالة الأولى ليس هناك ما يمنع من استجابة المحكمة لطلب المستأجر برفع تلك المحدثات مادامت لا تسبب ضررا بالمأجور ، فيما يمتنع على المحكمة الاستجابة لطلب المستأجر إذا كان في رفع تلك المحدثات ضررا للمأجور انطلاقا من القاعدة الفقهية ( لا ضرر و لا ضرار) ، وفي هذه الحالة تقدر قيمة تلك المحدثات وفقا للطريقة التي تم بيانها سابـقاً .

ثالثا : إحداث التحسينات بأمر المؤجر
وقد يحصل أن يقوم المستأجر بأحداث التحسينات و الإضافات بأمر المؤجر ، وكثيرا ما يحصل ذلك في الحالة التي يكون فيها المأجور عند إشغاله من قبل المستأجر تنقصه كثيرا مــن المتطلبات الضرورية لأجل جعله بالشكل الذي يمكن استيفاء منفعته .
وفي هذه الحالة فـأن المؤجر يلتزم بأن يرد للمستأجر ما أنفقه بالقدر المعروف ، ما لم يكن هناك اتفاق قد حدد مصير تلك الإضافات بعد انتهاء مدة الإجارة ، وفي هذه الحالة فأن المؤجر ملزم بما ورد بهذا الاتفاق وهذا ما قضت به المادة 774 /3 مدني عراقي

ثانيا : المشرع الجزائري :-

بالنسبة للمشرع الجزائري فقد عالج ما يتعلق بالمحدثات التي يقيمها المستأجر في المأجور في المادة 504 من القانون المدني الجزائري والتي نصت على “إذا أحدث المستأجر في العين المؤجرة بناء أو غرسا أو غير ذلك من التحسينات العادية مما يزيد من قيمة العقار، فعلى المؤجر أن يرد له عند انقضاء الإيجار ما أنفقه من التحسينات أو ما زاد في قيمة العقار ، ما لم يكن هناك اتفاق يقضي بخلاف ذلك ، فإذا كانت تلك التحسينات قد استحدثت دون علم المؤجر أو رغم معارضته ، كان له أن يطلب من المستأجر إزالتها ، وله أن يطلب تعويضا عن الضرر الذي أصاب العقار من هذه الإزالة إن اقتضى الحال ذلك ، فإذا اختار المؤجر أن يحتفظ بهذه التحسينات على أن يرد إحدى القيمتين المتقدم ذكرهما ، جاز للمحكمة أن تمنحه أجلا للوفاء بها.” (1)
ومن هذه المادة نجد أن المشرع الجزائري قد قسم حالات إحداث المستأجر بناء أو غرس أو أي تحسينات أخرى إلى حالتين .
حيث جاء متوافق مع ما ذهب إليه المشرع العراقي من حيث حكم ما يحدثه المستأجر من تحسينات و إضافات على المأجور بعلم المؤجر ودون اعتراضه

أما فيما يتعلق بالحالة الثانية وهي في حال إحداث المستأجر تحسينات و إضافات دون علم المؤجر أو رغم معارضته فقد ذهب مذهبا مغايرا إذا وضع المؤجر أمام خيارين أما أن يطلب إزالة هذه المحدثات ودون الالتفات إلى كون إزالتها مضره بالعقار أم لا ، ففي حال وجود ضرر كل ما للمؤجر هو المطالبة بتعويض عنه بعد إزالتها ، أو له أن يختار الاحتفاظ بهذه المحدثات وعندها يتوجب عليه أن يؤدي للمستأجر قيمة ما أنفقه من تحسينات أو ما زاد في قيمة العقار أيهما يشاء وفي حال اختيار المؤجر أن يحتفظ بالتحسينات فيجوز للمحكمة أن تمنحه أجلا للوفاء وهذا تسهيلا على المؤجر.

ثالثا : المشرع المصري :-

لقد تناول المشرع المصري مسألة مصير المحدثات التي ينشئها المستأجر في المؤجر في المادتين 580 و 592 من القانون المدني المصري (1)
فقد جاء في المادة (580):
(لا يجوز للمستأجر أن يحدث بالعين المؤجرة تغييرًا بدون إذن المؤجر إلا إذا كان هذا التغيير لا ينشأ عنه أي ضرر للمؤجر، فإذا أحدث المستأجر تغييرًا في العين المؤجرة مجاوزًا في ذلك حدود الالتزام الوارد في الفقرة السابقة جاز إلزامه بإعادة العين إلى الحالة التي كانت عليها وبالتعويض إن كان له مقتضٍ).
و المادة (592):

( إذا أوجد المستأجر في العين المؤجرة بناءً أو غراسًا أو غير ذلك من التحسينات مما يزيد في قيمة العقار التزم المؤجر بأن يرد للمستأجر عند انقضاء الإيجار ما أنفقه في هذه التحسينات أو ما زاد في قيمة العقار ما لم يكن هناك اتفاق يقضي بغير ذلك.
فإذا كانت تلك التحسينات قد استحدثت دون علم المؤجر أو رغم معارضته كان له أيضًا أن يطلب من المستأجر إزالتها وله أن يطلب فوق ذلك تعويضًا عن الضرر الذي يصيب العقار من هذه الإزالة إن كان للتعويض مقتضٍ.)
و نتوصل من استقراء هاتين المادتين إلى الحكمين التاليين :-

أولا : للمستأجر أن يقيم مباني جديدة بالعين المؤجرة إليه ولو بدون إذن المؤجر أو علمه متى كانت هذه المباني لا ينشأ عنها ضرر للمؤجر، وهذا أيضًا ما يذهب إليه أوبري ورو و بلانيول و ريبير حيث يسمحون للمستأجر أن يقيم بالعين المؤجرة كل ما يقتضيه شؤون الاستغلال للعين المؤجرة طالما لا ينشأ عن ذلك ضرر للمؤجر(2)
ثانيا : يعطي المشرع للمؤجر قبل المستأجر الذي يقيم بناءً في العين المؤجرة الحق في أن يحتفظ بالبناء عند انقضاء الإيجار على أن يرد للمستأجر ما أنفقه في بنائه أو ما زاد في قيمة العقار أما في حال أن البناء حصل دون علم المؤجر أو بالرغم من معارضته فإن له الطلب من المستأجر إزالة البناء بالإضافة إلى المطالبة بالتعويض إذا كان له مقتضٍ.

وبهذا نجد أن المشرع الأردني لم يكن موفقا عندما ساوى بين المحدث سيء النية وبين المستأجر ولم يكن موفقا حين ساوى بين المستأجر الذي يقوم بالاحداثات بناءً على إذن المالك وبين من يقوم بها دونه .