عقد الإجارة في الفقه الإسلامي والقانون المدني الكويتي

عقد الإجارة من أقدم العقود على وجه الأرض، فقد كان الإنسان يتعامل بها قديماً، فجاء الإسلام وأقر ما فيها من خير للبشرية ورفع ما فيها من الضرر على الناس جميعاً، فكانت الشريعة الإسلامية رحمة للعاملين، قال تعالى: -وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين-.

وتملك الأشياء ليس بمقدور كل الناس حتى يشتروا ويتملكوا ما يحتاجون إليه، فكانت الإجارة تيسيراً على البشر ورفعاً للحرج، قال تعالى: -وما جعل عليكم في الدين من حرج-.

والإجارة كما عرفها ابن قدامة، هي بيع المنافع، ويعرف القانون المدني الكويتي عقد الإجارة بأنه عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم.

فهو عقد كسائر العقود، فيه إيجاب وقبول وأساسه استيفاء المنفعة للعين المؤجرة، فأصول عقد الإجارة تتمثل في النصوص القانونية وأقضيات المحاكم المختصة باعتبارها سوابق قضائية محكومة بالنصوص والأحكام معاً

والحق أن يقال إن القانون الكويتي اكتفى بالقواعد العامة بشأن عقد الإجارة تاركاً للشراح التفصيل في ذلك.

بينما تجد في الفقه الإسلامي تفصيلات كثيرة لم تتطرق إليها القوانين المدنية، انظر على سبيل المثال لا الحصر في كتاب مرشد الحيران مادة -589 – 594- تجوز إجارة الدواب والعربات للحمل بشرط بيان ما يحمل عليها وتعيين المدة أو الحمل الذي يراد حمله والمكان الذي يتم نقلها إليه، وانظر ما قاله العلامة السنهوري.

معايير عقد الإجارة..
الأركان والشروط -العقيدة والصيغة-
إن دراسة الشروط والأركان أمر ضروري للقارئ لمعرفة عقد الإجارة وما يترتب عليه من آثار ملزمة بالنسبة للمتعاقدين، سواء في إجارة العقارات أو المنقولات كالأجهزة والمعدات والآلات.. إلخ.. أو أثرها في العقود الأخرى، كعقد السمسرة.

وهذه القضية هي من الأهمية بمكان لاسيما لمدير المحفظة في سوق الأوراق المالية، فهو في التكييف الفقهي سمساراً، فإذا اختل شرط من الشروط أو الأركان، بطل العقد وكان للمساهمين الحق في عزله ووقف تعاملاته المالية، كما سنبين ذلك لاحقاً في مقالات أخرى، فأركان العقد، عاقد ومعقود عليه وصيغة.

أما الحنفية فركن العقد عندهم هو الصيغة وهي الإيجاب والقبول، أما الأمور الأخرى فهم يخالفون الجمهور، حيث يعدونها من أطراف العقد وليست في أصل العقد، فالعاقدان وهما المؤجر والمستأجر لابد من توفر العقل والتكليف والرشد

ونقصد بالعقل أي سلامة المؤجر والمستأجر في تصرفاته المالية التي تدل على كمال العقل وحسن التدبير والبعد عن التبذير والإسراف، وهو ما يسمى في كتب أصول الفقه بكمال الأهلية لدى المتعاقد وعلى ذلك المذاهب الفقهية الأربعة والقانون المدني الكويتي، ففي كتب المذهب الحنفي قال صاحب البدائع والذي يرجع إلى العاقد العقل وهو أن يكون العاقد عاقلاً حتى لا تنعقد الإجارة من المجنون، والصبي الذي لا يعقل كما لا ينعقد البيع منهم.

وكذلك قال العلامة القدوري ولا يجوز تصرف الصغير إلا بإذن وليه، وكذا لا يجوز تصرف المجنون المغلوب على عقله بحال، وعند المالكية في أقرب المسالك، ولا يصح تصرف مجنون وصبي وتبذير، فالمجنون حتى يفيق من جنونه والصبي حتى يبلغ راشداً عاقلاً.

وقال صاحب الإقناع: ولا يصح عقد صبي أو مجنون، وقال الشيخ منصور البهوتي: أن يكون العاقد جائز التصرف فلا يصح من صغير ومجنون.

وانظر كذلك ما جاء في القانون المدني الكويتي مادة 85/1 الصغير والمجنون محجورون لذاتهم..

انظر كذلك المذكرة الإيضاحية بأن المجنون والمعتوه كالقاصر محجور عليهما لذاتهما.. وهو يوافق الفقه الإسلامي وتبنته مجلة الأحكام العدلية.

الشروط
وتوفر الشروط والأركان أمر مهم جداً لصحة العقد للمتعاقدين في البيع والإجارة، حيث تترتب عليه الآثار من الانتفاع بالعين المؤجرة للمستأجر وتملك المؤجر للأجرة.

وهذه الشروط ضرورية جداً في العاقد للعين المؤجرة من العقار أو المنقول، وكذلك في الأجير المشترك وهو ما يتعلق بأعمال السمسرة وإدارة شركة محافظ سوق الأوراق المالية باعتبار أن مدير المحفظة أجير مشترك، وهو الذي يتقبل مجموعة أعمال في وقت واحد، وهذه طبيعة عمل السمسار،

فإذا خالف مدير المحفظة شروط التعاقد بينه وبين المساهمين بإساءة التصرف في إدارة المحفظة، فهنا وجب على القضاء التدخل ومنع المدير والحجر عليه نتيجة الغبن الذي حصل وسوء التصرف بأموال المساهمين -انظر إلى كلام المذكرة التوضيحية للقانون المدني الكويتي،

ومن ناحية أخرى انعقد الإجماع في الفكر القانوني المعاصر على وجوب تدخل القاضي لإيقاع الحجر على السفيه وذي الغفلة، وذلك لأن السفه والغفلة لا يمسان من الإنسان إدراكه، كما هو الشأن عند الصغير والمجنون والمعتوه، وإنما مجرد تدبيره أمره،

فهما يتمثلان في ضعف الملكات الضابطة التي تعتري الإنسان فتجعله يسرف في إنفاق ماله أو يغبن في معاملاته، وذلك أمر لا يمكن الاطمئنان إلى وجوده ما لم يتثبت منه القاضي، كما أن الفقه الإسلامي اتجاها قوياً يقول بوجوب تدخل القاضي لإيقاع الحجر على السفيه-.

وقد جاء في المادة 85 وفقرتها الثانية تقضي بأن الحجر لا يقع على السفيه وذي الغفلة إلا بحكم القاضي.

صيغة العقد
من أركان العقد الأساسية في الفقه الإسلامي وكذلك في القانون، وأهل القانون يطلقون عليه الرضى، المتمثل بالإيجاب والقبول، فالحنفية يتفقون مع أهل القانون بأن الرضى المتمثل بالإيجاب والقبول هو ركن العقد الأساسي، بينما المالكية والشافعية والحنابلة يرون العاقد والمعقود عليه والصيغة هي أركان العقد.

والصيغة ما دل عليه التعاقد من الإيجاب والقبول، وكل ما يدل عليه من القول أو الفعل أو الإشارة المفيدة، سواء كان العاقدان في مجلس العقد أم تم إنجاز الصيغة بإحدى الوسائل المعاصرة كالهاتف أو الإنترنت أو الفاكس.. إلخ

– وسنتكلم لاحقاً إن شاء الله تعالى عن موضوع المجلس وشرط الحنفية في اتحاد مجلس العقد والخلاف مع الجمهور وما الذي أخذ به المشرع الكويتي، قال الإمام القدوري من الحنفية،

وينعقد بالإيجاب والقبول إذا كان بلفظ الماضي، فإذا أوجب أحد المتعاقدين الإجارة فالآخر بالخيار إن شاء قبل في المجلس، وإن شاء رده وأيهما قام من المجلس قبل القبول بطل الإيجاب، وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم العقد ولا خيار لواحد منهما إلا من عيب أو عدم رؤية،

فإذا ظهر للمستأجر عيب في البيت أو الشقة كتلف الأدوات الصحية أو رداءة التمديدات الكهربائية أو تحطم النوافذ أو غيرها من الأمور، فالمستأجر يتوقف عن المضي في العقد ويطالب ببيت آخر أو شقة أخرى بدل الأولى لوجود العيب والخلل في العقار، أو يشترط الصيانة للأشياء التالفة في البيت قبل الاستلام.

– وكذلك في المنقول كالآلات والأجهزة والسيارات.. إلخ.. لابد من فحص المستأجر للعين المؤجرة حتى لا ينشأ الخلاف بينه وبين المالك أو المؤجر، ويجب عرض الآلات والأجهزة المعقدة على جهات فنية لإبداء الرأي فيها، أما حين يستلم المستأجر السيارة أو غيرها من الأجهزة ويوقع العقد فهنا يلزمه الاستمرار في العقد ولا يجوز له الرجوع إذا وجد عيباً في العين المؤجرة، لأن من خصائص العقد الالتزام والعمل بآثاره بين المتعاقين..