دراسة وبحث قانوني هام عن أساس المسئولية في الجريمة غير العمدية

اٍن البحث في أساس المسئولية في الجريمة غير العمدية اٍثار اهتمام الفقه القانوني , وحاول فقهاء القانون من خلال البحث والدراسة , اٍن يضعوا تصورات و نظريات تحاول اٍن تفسر هذا الأساس وخلصوا لاٍستنتاج بعض النظريات , ومن اٍهمها:

1- نظرية السبب الفعال ( Causa ejcente ) .

2- نظرية الغلط في التقدير ( Errore di valutazione ).

3- نظرية الخطر ( Oericolo ).

4- نظرية الإهمال ( Negligenza ).

5- نظرية المخاطر ( Rischo ).

6- نظرية التوقع ( Previdibilita ).

(1) نظرية السبب الفعال :

تعتبر هذه النظرية من نتاج فكر الفقه في إيطاليا من أمثال ( Stoppato ) و ( Manzini ) و ( Del Giudice ).

يقول ستوباتو أن المعاقبة على الحدث الضار عندما يكون نتاجاً مباشراً أو يحدث نتيجة لفعل إرادي يتم التعبير عنه بواسطة وسائل وأدوات تعد غير عادية في نظرية القانون. وعلى هذا فإن اللامشروعية في الجريمة العمدية تنصب على الغاية ( Fine ) في حين أنها في الجريمة غير العمدية تتعلق بالوسيلة ( Mezzo ) وتطلب ستوباتو لوجود الخطأ الجنائي توافر عنصرين:

أ – أن يكون الجاني سبباً فعلاً للحدث.

ب- أن يستخدم الجاني وسائل غير عادية في نظر القانون.

وقد انتقد الفقه العنصر الأول على أساس أنه لا توجد علاقة خاصة مع الخطأ وذلك لأن السبب شرط ضروري لنسب الحدث في جميع الجرائم العمدية وغير العمدية، أما العنصر الثاني فهو عنصر غامض، والقول بأن الوسيلة تعد غير عادية في نظر القانون يعني أنها وسيلة خطرة ( Pericolosa ) لها القدرة من حيث السببية لتحقيق الحدث. وعلى هذا كيف يمكن الكلام عن الخطورة دون ربطها بذلك الحكم الخاص بأن هذا السلوك أو تلك الوسيلة تعمل على تحقيق الحدث. ويؤكدون أن فكرة الوسيلة لا تتفق مع كثير من حالات الخطأ وبصفة خاصة أفعال السلوك الناتجة عن الإهمال، فمن ينام ويقع على عاتقه واجب اليقظة هل استخدم وسيلة غير مشروعة؟

ومن هنا كانت محاولة مانزيني حين يؤكد أن الخطأ يتكون من سلوك إرادي مخالف بصورة عامة أو خاصة للنظم والأوامر والذي يؤدي إلى حدث ضار أو خطر يعتبره القانون جريمة بشرط أن يقع بصورة غير عمدية. إلا أن أنتوليزي يعتبر أن هذا التعديل لم يؤدي إلى وجود معيار جديد سواء من حيث التحديد أو من حيث التطبيق العملي.

(2) نظرية الغلط في التقدير:

نادى بهذه النظرية كل من فون ليست ( Von list ) وليفي ( Levi ) وإلمنيا ( Alimana ). يقول ليفي : يجب البحث عن الجريمة غير العمدية في ذلك الغلط الذي يقع فيه الجاني تجاه الواقع، فالخطأ ما هو إلا غلط في التقدير تجاه تلك النتائج التي تترتب على الفعل.

ويقول المينا أن الجاني يقترف السلوك أحياناً وهو على إدراك تام به، وأحياناً أخرى يعبر عن السلوك بصورة لا شعورية، وهنا نجد أن الجانب يقع في غلط يعيب العملية النفسية والمنطقية لديه, وعندما يكون هذا الغلط واقع ولا يمكن إدراكه فإن الجاني يكون في حالة خطأ.

أما فون ليست فإنه يؤكد أن الرعونة ( Imprudenza ) تتأسس على غلط تجاه معنى الفعل الإرادي، وكذلك على إدراك معيب للعناصر التي يتسم بها معنى الفعل.

ولم تسلم هذه النظرية من النقد فعلى الرغم من أن أصحاب هذه النظرية قد عملوا على إيجاد التفرقة الدقيقة بين الغلط ( Errore ) والجهل ( Ignoranza ) فإنهم قد هدموا هذه التفرقة عندما اعتقدوا أن الفكرة التي يتم إدراكها والتي لم تستخدم بهد لأنها لم تدخل في مجال الإدراك يجب اعتبارها في مقام الشيء المجهول، ويؤدي تسلسل التفكير السابق إلى أن يترك الجهل الفني بدون عقاب والذي يعتبره الفقيه أحد الفروض التي تدخل تحت نطاق عدم الخبرة والإرادة ( Imperizia ).

ويرون علاوة على ذلك أن الغلط إما أن يكون في التقدير ( Giudizio ) أو في التنفيذ ( Esecuzinoe ) عندما يتنبأ أو يتوقع الجاني نتائج سلوكه وهذا الأمر يتعلق بالتوقيع ( Prevedillite ) المرتبط بمدى كفاية علاقة السببية الخاصة بالسلوك.

ويؤكد البعض أيضاًَ أن هناك فروضاًَ للخطأ لا تقابل فيها هذا الغلط كما هو حال سائق السيارة الذي يصطدم بأحد المارة لأنه قد غلبه النعاس، وكذلك في الحالات لتي يقع فيها الفعل الضار بسبب النسيان.

(3) نظرية الخطر:

يبحث أصحاب هذه النظرية عن معنى الخطأ في الطبيعة الخطرة للغلال وفي أهلية هذا الفعل في أن يكون مصدراً لخطورة تؤدي إلى الإضرار ويرون أن الذي يعاقب عليه في الخطأ غير العمدي ذلك الفعل الذي لا يعد ضاراً ولا غير مشروعاً لذاته، فالتجريم هنا لا يكون خشية هذا الفعل لأن المجتمع يخشى نتائجه المحتملة.

وهذا ما حاول تأكيده ( Grammatica ) عندما دلل على عدم منطقية الفكرة التقليدية للخطأ الجنائي، وعمل على صياغة نظرية شخصية عمل فيها على استبدال فكرة الخطأ بالجريمة ذات الخطر، ذلك لأن الأثر اللا إرادي للفعل لا يجب أن يكون عملاً للتقدير من قانون العقوبات، ولكن لا بد بالاعتداد فقط بتلك الخطورة التي عبر عنها في فعله الذي أدى إلى الحدث الضار، والخطورة التي يرمي إليها جرامتيكا كان لها معنىً خاص يختلف عن تلك التي نادت بها المدرسة الوضعية وذلك لأن لفظ الخطورة هنا قد استخدم للإشارة إلى الفعل أو الامتناع الذي يمكن أن ينتج عنه حدث ضار.

ولقد انتقد فلوران ( Florian ) هذه النظرية حيث أكد أن الخطر هنا يعطي سبباً لتجريم الخطأ ولكنه لا يوفر المعيار الذي على أساسه يمكن تعريفه.

ويرى البعض أيضاً أن معيار الخطر لا يعطي لنا معيار التفرقة بين القصد والخطأ والحدث المفاجئ ( Caso fortuito ) وذلك لأننا نرى في هذه الأنماط الثلاثة سوكاً ذا خطورة موضوعية.

(4) نظرية الإهمال:

هناك جمع صغير من الفقه على رأسهم ميتزجر ( Mezger ) في ألمانيا وأنتلوزي في إيطاليا يرى ضرورة البحث عن فكرة موحدة للجرائم غير العمدية بحيث تتضمن جميع صور الخطأ في إطار الإهمال، مع إعطاء الإهمال معنى الخمول العقلي، إن كل تصرف من جانب الفرد يتضمن في ذاته مخاطرة بإيقاع الضرر بالغير ما دام هذا التصرف في الجماعة. وإذا ما تم تجاز هذه الحدود فإن الخطأ هنت يتحقق، ذلك لأن الذي يعتد به لا طبيعة السلوك ولكن الطريقة المحددة التي يتصرف بمقتضاها الفرد.

وهنا يثور السؤال التالي: ما هي الحدود التي بناءً عليها تقاس تلك المخاطر المشروعة؟ وهنا نجد أن أصحاب هذه النظرية يلجئون بالضرورة إلى معيار الرجل العادية وإلى الفكرة المجردة للرجل العادي.

ومن هنا يكون الإهمال عبارة عن عدم إعمال لتلك القدرات الفعلية التي لو وجدت لتم تنظيم السلوك بصورة مختفة، وعلى هذا فإن عدم التبصر نجد جذوراً له في نقصان النشاط الضابط أو الموازن العملية النفسية.

وما من شك أن نقد مانزيق يكون صحيحاً هنا وخاصة بالنسبة لعدم الدراية والخبرة التي تتكون من عدم كفاءة مهنية لا تتطلب من الفرد أن يضعها في الاعتبار. فماذا يتكون الإهمال في هذه الحالة؟ هل يتكون من عدم تكملة الجاني لثقافته الخاصة أم زيادة مهارته الذاتية؟

ويرى المعارضون لهذه النظرية أنها تلغي أي معيار للتفرقة بين الخطأ والحدث المفاجئ الذي يظل جذوره في نطاق الخطأ مع التوافق.

(5) نظرية المخاطر:

نادى بهذه النظرية هرزوج ( Herzog ) في مؤتمر الدفاع الاجتماعي – ميلانو 1956 حيث يرى أن عدم الحيطة والاحتراز لا تعني أن الجاني لم يتوقع نتائج فعله وهي النتائج التي يتوقعها بسهولة أي شخص عادي، بل على العكس يتوقع هذه النتائج ولكنه يخاطر ويغامر. فالردع هنا لا يجب أن يعتمد على كون الآثار والنتائج حدثت أو لم تحدث. ذلك لأن الخطأ غير العمدي هو في الواقع جريمة ذات الخطر ( Delitto di rischio ).

وما من شك أن هذه النظرية قد انتقلت من القانون المدني إلى القانون الجنائي وهي تعبير عن النظرية التقليدية للخطأ, ولكن الذي يهم الفقه الجنائي هنا هو ذلك الفعل الشخصي الذي يعد عاملاً أساسياً في الحكم عرى الخطورة، وعلى ذلك يكون الخطأ ممثلاً في قيام الجاني بالتصرف مع المخاطرة بإحداث الضرر.

ويرى المعارضون لهذه النظرية أنها تتضمن على شيء من الحقيقة لا الحقيقة كلها،ه وذلك أنها ترتبط فقط بفكرة الخطأ مع التوقع، فإذا لا يوجد هذا التوقع فإن الجاني لا يتمثل تلك المخاطرة ومع ذلك يكون مسئولاً على غياب هذا التمثيل.

(6) نظرية التوقع:

يكاد يجمع الفقه المعاصر سواء في فرنسا أم في إيطاليا على أن التوقع هو المعيار الأمثل لتحديد طبيعة الخطأ، فالخطأ الجاني يتحقق في حالة عدم توقع النتائج الضارة للفعل الذي يرتكبه الجاني، أو أن يعتقد الجاني أن هذه النتائج سوف تتحقق أول لأنه لم يتخذ الاحتياطات الضرورية لمنع تحققها، ولا تستند هذه النتيجة للإرادة الإيجابية للجاني بل إلى تحقق خطأ في الإدراك أو وجود عدم حرص في التعبير عن الإرادة.

ويرجع الفقه الإيطالي نظرية التوقع إلى أرسطو وإلى قانون أكويليا ( Lax Aquilia )، كما يجد معضدين لها في المدرسة التقليدية من أمثال نيكوليق، وكارنييلوتي، وفون ليست، وميتفرجو.

ويتفق فقهاء المدرسة الوضعية على فكرة التوقع وعلى رأسهم فري ( Ferri ) الذي يؤكد أن الخطأ يتكون من حالة عدم انتباه وحرص, ومن الخطأ إبعاد توقع الحدث من فكرة الخطأ وأن تعتمد فقط على علاقة السببية للإرادة.

ويؤكد الفقه المعاصر ضرورة ربط فكرة التوقع بالإدراك وخاصة عند الرجل المتوسط والرجل العادي.

ويرون أنه يستبعد الخطأ ويتحقق الحادث المفاجئ إذا ما توافرت عناصر ثلاث:

أ – تحقق سلوك مشروع مع مساهمة اللا مشروعية في تحقيق الحدث.

ب- أن يكون إدراك الباعث على التصرف لم يكن قد خضع من قبل لعملية التوقع للحدث.

ج – ألا يكون هناك وسيلة أخرى يمكن بها تحقق الحدث.

ويرون أن محل التوقع لا يجب أن ينصب فقط على الحدث بل لا بد أن يرتبط بالمعيار العام لخطورة السلوك.

وهناك من يعتد بالاتجاه المادي في التوقع الذي يتطلب دراسة حالة بأهلية الجاني لكي يتوقع في الظروف الخاصة التي وقع فيها الفعل، الأمر الذي يتطلب دراسة ذكاؤه، وثقافته وخبراته.

في حين يعتد آخرون بالاتجاه الشخصي في التوقع حيث يكون من الضروري الاعتداد بالأهلية العادية للتوقع بالنسبة لطبيعته الاجتماعية أو المهنية التي يلتحق بها الفرد وهنا يكون من الواجب أن يوضع في الاعتبار العوامل النفسية الهامة للشخصية مثل السن، والجنس، والظروف الصحية.

ومن الواضح أن التوقع يرتبط بالعامل النفسي، فالخطأ هنا عيب في الإرادة أو عيب في الإدراك أو الذكاء.

ولم تسلم هذه النظرية أيضاً من النقد وكان على رأس المنتقدين في إيطاليا ستوباتو، وولجورج، ومانزيق، وفري. ويمكننا تلخيص هذا النقد فيما يلي:

أ – أن التوقع ليس عاملاً أساسياً مكوناً للخطأ لأنه يؤثر الذكاء ( Intelleto ) وليس على الإرادة .

ب- ليس على الفرد واجب توقع شيء معين عن فكرة، وبمعنى آخر لا يكون الإنسان في درجة تسمح له بتوقع شيء بعيد عن فكره.

ج – يحكم على الحدث الضار مقدماً ( a posteriori ) عند استخدام معيار التوقع، فالقاضي ينكر ويؤكد التوقع لحدث لم يتحقق بعد.

د – من غير المعقول أن نحاسب شخصاً لم يتوقع ما توقعه شخص آخر كان أكثر منه ذكاء أو حرصاً. إن العدالة الجنائية لا تضع في الاعتبار الشخص بتوقعاته ولكن بأفعاله وتركه.

وإذا كانت هي أهم النظريات التي تعمل على تحديد طبيعة الخطأ فإن الفقه الحديث يرفض تلك النظريات التقليدية بما في ذلك نظرية المخاطر ( Risk ) لأنها تعمل على تشويه فكرة الخطأ غير العمدي علاوة على أنها فرضت على النظام الجنائي بسبب الميول الفقهية المادية في التجريم. ويطالب الفقه الحديث بنظام متحد للجريمة على أساس الخطر إلى جانب الجرائم التقليدية للضرر حتى يمكن العمل بنظام منعي فعال إلى جوار النظام الردعي.