أكَّد كبار رجال القضاء المشاركون في حلقة نقاشية حول “قانون مكافحة الإرهاب واستقلال القضاء”، مساء أمس أن مصر ليست في حاجة إلى قانون لمكافحة الإرهاب؛ بسبب أن القانون 97 لسنة 92 قد غطَّى كل الجرائم المسمَّاة بالإرهابية، وشدَّدوا على أهمية أن يتمَّ الاستجابة لمطالبهم بشأن تعديل قانون السلطة القضائية بما يؤدي إلى استقلالية القضاء و أن مكافحة التطرف والتعصب تتحقق بنشر الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية، وليس بسن قوانين جديدة.

وطالب المشاركون الحكومة برفع السرية عن تحضيراتها لصياغة مواد القانون الجديد، وإشراك القوى السياسية والحزبية والمجتمعية في المناقشات التي ستجرى بشأنه.

وتساءل المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر: هل نحن في حاجةٍ إلى قانونٍ لمكافحة الإرهاب رغم الترسانة القانونية الشرسة الموجودة؟! وهل نحن في حاجةٍ إلى قانون جديد رغم وجود قانون 97 لسنة 1992م بتجريم الإرهاب؟! وهل سنجد في القانون المدَّعى إيجاده خلال الفترة القادمة تعبيرات مطَّاطة وسلطات استثنائية وأبعاد للرقابة القضائية؟!.

واستنكر أن يصبح مشروع القانون سرًّا حربيًّا، مؤكدًا أنه من الحقوق الطبيعية لكل فردٍ في هذه الأمة، معتبرًا أن هناك مؤشراتٍ تدل على أن القصد الحقيقي للقانون تكميم الأفواه وإحكام القبضة على مصر، مؤكدًا أن القضاة لا يبغون من وراء مناقشتهم إلا وجه الله ثم وجه الوطن.

وأوضح المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض أن اهتمام القضاء بهذا القانون نابعٌ من مهمتهم في الدفاع عن استقلالهم وتبصير الوطن بالإطار المحدقة به، مستنكرًا اللهفة إلى إخراج قانون للإرهاب بعد انتهاء قانون الطوارئ في يونيو 2008م، كأننا لا نستطيع أن نعيش بدون طوارئ وكأنَّ البلد ستقع.

وشدد د. محمد بدران أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة القاهرة في ورقته “التعديلات الدستورية والقانون المقترح” على أنه لا أحدَ ينكر أن قضايا أمن الدولة العليا فوق المصالح، ولكن شريطة ألا تتعارض مع حقوق الإنسان أو حرياته أو حرماته.

وأكد أن التعديلات الدستورية تمَّت بطريقة معيبة امتلأت بالحيل القانونية وتدابير تمت بليل لإهدار كل الضمانات المفروضة للإنسان وحقوقه تحت وطأة المادة 179، مشيرًا إلى أنه كان يتمنَّى ألا يكون القانون المدَّعى قانونًا دائمًا ومجسدًا في الدستور؛ كونه سيكون سُبَّة كبيرة في جبين أبناء هذا الجيل.

وحذَّر د. عوض محمد عوض الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية في ورقته “قراءة محايدة للمادة 179 من الدستور” التي عرضها المستشار محمود مكي لمرض الأول من خلوِّ القانون المزعوم من تعريفٍ دقيقٍ للجريمة الإرهابية؛ كي لا يُدخل البعض في الإرهاب ما ليس فيه، مشيرًا إلى أن بعض النظم السياسية انتهازية كالإرهابيين تمامًا، وقد تتوسَّع فيه لضرب خصومها السياسيين وشعوبها.

وطالب بضرورة وجود ضمانات كافية حتى لا تعصف الإجراءات بالحقوق والحريات ومبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

ووصف المستشار سمير حافظ ما يحدث بـ“الأزمة” قائلاً: إنها بدأت منذ الخمسينيات حينما أعلن العسكريون كفرهم بالقانون وخرجوا على مصر بما أسموه “الشرعية الثورية” التي جعلتهم يقولون إن القانون في إجازة.

وأضاف أنه عندما جاء السادات قرَّر أن يعود للشرعية القانونية، ولكنه غير المسمى، ولم يغير المضمون؛ حيث أكد أن كل شيء سيتم بالقانون رغم أن واقع ما يجري لا علاقة له بالقانون.

وأكَّد أن مصر ليست بحاجةٍ إلى هذا القانون؛ حيث إن الرئيس مبارك نفسه أكَّد أكثر من مرة أن مصر الدولة الوحيدة التي قضت علي الإرهاب، وأنها دولة مستقرة، مشددًا على أن إقرار القانون في يونيو بعد انتهاء العمل بقانون الطوارئ يجعل من القانون قانونًا للطوارئ في صورةٍ أخرى.

وحذَّر الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري من أنّ مصر ستنتقل من سيئ إلى أسوء مع إقرار هذا القانون، مشيرًا إلى أن النصوص المتوقَّعة ستكون واسعةً وفضفاضةً ستطول الجميع، رغم أن التجريم يُبنى في الأساس على تعريفات محدَّدة.

وشدَّد على أن التدخل الرئاسي المزعوم في القانون المدَّعى يعني استمرار إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية، وأن هناك هيئاتٍ معيَّنة قد تطولها الاتهامات المطاطة التي سمعنا عنها، مثل “تعطيل الدستور”، معتبرًا القانون المقترَح نوعًا من الاستدامة لقانون الطوارئ.

وأضاف المستشار محمد مختار أن القانون جاء لخدمة الوريث جمال مبارك، قائلاً: القانون سيُقرُّ رضينا أم لم نرضَ؛ نتيجةً للعينة الموجودة في المجلس ورئيسهم، ولكن لننظر إلى الهدف الحقيقي للقانون الذي سيجعل لكل ولد الحق في أن يرث منصبَ والده وامتيازاته”، مؤكدًا أن القانون جاء لمنع أية معارضة أو تحرُّك شعبي يمكن أن يكون مؤثرًا لما يُراد لمصر.

وطالب د. محمد نور فرحات واضعي القانون بضرورة تحديد الركن المادي للفعل الإرهابي، وأن تكون الإجراءات الملازمة لمواجهة الفعل الإرهابي مناسبةً تحت رقابة مسبقة من القضاة، مشيرًا إلى أن حقائق القانون وضحت للجميع دون إسهاب؛ حيث إن الكتاب يُقرأ من عنوانه.

وحذَّر السفير الدكتور عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدستوري والدولي ومساعد وزير الخارجية السابق من أن الإرهاب القادم سيكون غير متوقَّع من الفقر وتردي الأحوال وإساءة استخدام السلطات وعدم مراعاة القانون والدستور.

وأكَّد أن الوطن أصبح يسيطر عليه عديمو الكفاءة والفاسدون في وقت يظن النظام الحاكم أن البلد بلا رجال تقف له في مصر، مشيرًا إلى أن ذلك سيُحدث سلوكًا عدوانيًّا قد يؤدي إلى انفجارٍ.

واتهم الدكتور محمد أبو الغار منسق عام حركة 9 مارس الذين يصوغون القانون بأنهم باعوا أنفسهم للسلطة بثمن رخيص، رغم أنهم يحملون درجاتٍ علمية كبير ولديهم خبرة علمية كبيرة.

وأكد الدكتور مصطفى عفيفي أستاذ القانون الدستوري أن القانون المزمع إصداره فاقدٌ للشرعية الدستورية؛ كون المادة 179 لا تصلح كسندٍ دستوري لإصدار مثل هذه القوانين التي تلغي الدستور ومواد أساسية فيه أهمها الحقوق والحريات.

وطالب المستشار محمود الخصيري رئيس نادي قضاة الإسكندرية السابق واضعي القانون بتضمين جرائم تزوير الانتخابات وإمداد العدو الصهيوني بالبترول والغاز، وعدم تنفيذ الأحكام في الجرائم المزمع إدخالها للقانون، مشدِّدًا على أن يقدِّم كلٌّ من الدكتور مفيد شهاب والدكتور فتحي سرور استقالتهما قبل إصدار هذا القانون؛ حتى لا تتلوث أيديهما.

وطالب الدكتور يحيى القزاز عضو حركة 9 مارس وأستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان بإصدار قوانين تُدين إرهاب نظام الحكم المصري الخارج على القانون وإهانة الشعب، وقانون ثالث يحدِّد مسار الإنسان من المهد إلى اللحد بدلاً من إصدار قانون للإرهاب.

وأكَّد المستشار محمود مكي نائب رئيس محكمة النقض أن كل الظواهر تؤكد أن هناك نوايا خبيثةً للنَّيْل مما تبقَّى من حريات المواطنين، مؤكدًا أن القانون المزمع إصداره هو قانون للإرهاب فيه دعوة حقيقة للإرهاب ما دام لا يوجد استقلال حقيقي للقضاء.

وطالب القاضي وليد الشافعي الرئيس مبارك بالتدخل لوقف إصدار هذا القانون كما تدخَّل في مشكلة عصام الحضري وحلها، معتبرًا أن الشعب المصري أوْلى برعاية الرئيس من فرد واحد.

بدأت الحلقة النقاشية بوقفة تضامنية مع أهالي غزة؛ رفع الحضور فيها أيديهم بالدعاء، وطالب فيها المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر الأنظمة العربية بأن تترك موقف المتفرِّج وأن تتراجع الفصائل الفلسطينية عن الخلافات التي بينها، وحيَّا كفاح الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية.

وفي النهاية أكدت توصيات الندوة

أولا: إن الواجب الأساسي الملقي علي عاتق الحكومة في نص المادة ١٧٩ من الدستور هو أن «تعمل الدولة علي حماية الأمن والنظام العام في مواجهة خطر الإرهاب»، ومواجهة خطر الإرهاب تكون بإزالة أسبابه قبل وقوعه عن طريق تهيئة مناخ ديمقراطي يسوده الحوار، ويبث الأمل في نفوس المواطنين ويسعي لاكتساب ثقتهم، ويحقق عدالة اجتماعية تمتص غضب الساخطين وحقد المقهورين بما يمنع التفكير في ارتكاب جرائم إرهابية، إذ لا يمكن أن يكون مجرد تغليظ العقاب رادعا فأغلب هذه الحوادث يرتكبها أشخاص أوصلهم اليأس إلي حد الرغبة في الانتحار.

ثانيا: إن السماح لرجال الضبط بالقيام بإجراءات لا تتقيد بنصوص المواد ٤١ و٤٤ و٤٥، من الدستور يعني أن يسند إليهم اختصاصات قاضي التحقيق من قبض وتفتيش للأشخاص والمساكن ورقابة علي حرمات الحياة الخاصة للمواطنين وهو لا يطيح بحقوق المواطنين وحرياتهم فحسب بل هو إسناد عمل قضائي لهم وهذا خروج علي مبدأ الفصل بين السلطات واعتداء علي مبدأ استقلال القضاء، وتدخل صريح في شؤون العدالة وقضاء علي التوازن بين السلطات ومبدأ سيادة القانون وهي المبادئ الأساسية التي قام عليها الدستور.

ثالثا: إن الرقابة اللاحقة لا جدوي منها، فطالما أن المشروع قد أطلق سلطة رجال الضبط في اتخاذ إجراءات التحقيق.. فلم يعد للحاكم سوي أن يقدر قيمة الدليل المستمد من هذاالإجراء من الناحية الموضوعية رغم بطلانه فإذا ما أضيف إلي ما تقدم أن نص المادة ١٧٩ قد يسمح بإحالة القضايا إلي غير قاضيها الطبيعي فإن الحديث عن الرقابة اللاحقة يكون بغير طائل.

رابعا: إن لرئيس الجمهورية أن يحيل أي جريمة من جرائم الإرهاب إلي أي جهة قضاء يراها، ينتقص من مكانة رئيس الدولة فهو يحوله إلي مجرد خصم من خصوم الدعوي الجنائية لينال ما ينال الخصوم، كما أن قراره للإحالة هو بالضرورة قرار إداري يمكن الطعن عليه بعيب الانحراف وإساءة استعمال السلطة واستهداف غاية غير مشروعة وهو حرمان بالضرورة للمتهمين من حقهم في المثول أمام قاضيهم الطبيعي،

وحقهم المقرر في العالم أن تكون المحكمة ممثلة سلفا قبل صدور قرار الإحالة وإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون، وهي شبهات ستلازم حتما كل قرار ومن شأنها أن تثير تعاطف الرأي العام مع المتهمين ممايروج للإرهاب بدلا من القضاء عليه..

ولن يصدق أحد أن القضاء العسكري مثلا أقدر علي تحقيق العدالة من القضاء الطبيعي ولن يقبل القول بأنه أسرع في الفصل في القضايا بعدما شاع تشكيل دوائر خاصة للنظر في بعض القضايا.

خامسا: إن نص المادة ١٧٩ لم يشر إلي قصور في النصوص الموضوعية الخاصة بالجريمة الإرهابية وإنما اقتصر علي السماح بتعديل النصوص الإجرائية فقط، لذلك فإن النصوص القائمة منذ صدور القانون ٩٦ لسنة ١٩٩٢ بشأن مكافحة الإرهاب قد تجاوزت كل الحدود في تحديد ما يسمي بالجريمة الإرهابية فلم تقف عند تجريم الأفعال المدينة التي لها كيان مادي محسوس بل امتدت إلي النوايا واختارت أوصافاً مطاطة تقبل كل تأويل كالإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.. والاعتداء علي الحرية الشخصية وهي عبارات أشبه بالشراك التي تتسع للتنكيل بكل صاحب رأي،

لذلك كان من اللافت للنظر حديث رئيس اللجنة عن إضافة صور جديدة للجريمة الإرهابية استجدت بعد صدور النصوص القائمة، ولعل أخطر من كل هذا أن سلطة تكييف أفعال المواطنين بأنها جريمة إرهابية أو غير إرهابية باتت معقودة لرجال الضبط أنفسهم وليس القضاة مع ما تحتمه طبيعة عمل رجال الضبط من تغليب مظنة الاشتباه بالناس علي عكس عمل القاضي الذي يلزمه الدستور بأن المتهم بريء حتي تثبت إدانته، لذلك لما كان نص المادة ١٧٩ من الدستور لم يلزم الحكومة بإدخال تعديلات علي النصوص القائمة لمكافحة الإرهاب، وإنما غاية ما نص عليه هو مجرد السماح لها،

وقد يكون من الأولي أن تتروي الحكومة في طرح أفكارها هذه إلي مابعد إنهاء حالة الطوارئ وأن تقوم بإشاعة مناخ ديمقراطي حقيقي يكفل للمواطنين مشاركة جادة في صنع مستقبلهم وحل المشكلات التي تعصف بحياتهم لعلها تزيل بعض أسباب الاحتقان وتعيد للناس بعض الثقة، فإذا ظهرت من بعد ذلك أوجه قصور في النصوص القائمة عالجتها الحكومة بقدرها.