رقابة القضاء الاداري الأردني لدستورية القوانين

محكمة العدل العليا هي المحكمة الادارية الوحيدة في الأردن، وقد نصت المادة (100) من الدستور الحالي لسنة 1952 على انشائها بقولها: “تعين أنواع المحاكم ودرجاتها وأقسامهاواختصاصاتها بقانون خاص، على أن ينص هذا القانون على انشاء محكمة عدل عليا”.
وعندما صدر قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952 لم ينص على انشاء هذه المحكمة بصورة مستقلة، بل نصت المادة (19) منه على أن “تنعقد محكمة التمييز، بصفتها محكمة عدل عليا، من رئيس وأربعة قضاة على الأقل، للنظر في الطعون الادارية التي حددها القانون المذكور على سبيل الحصر، ومن بينها ما نصت عليه الفقرة (3) من المادة (10) بقولها: ” تختص محكمة العدل العليا في إبطال أي اجراء صادر بموجب نظام يخالف الدستور أو القانون بناء على شكوى المتضرر “.
يفهم من هذا النص أن المحكمة تختص برقابة دستورية الأنظمة (اللوائح) اذا طعن أو دفع أمامها بذلك لالغاء اي اجراء او قرار صادر بموجب نظام يخالف الدستور، مع ان الأنظمة ليست الا قرارات ادارية تنظيمية من حيث طبيعتها القانونية.
نخلص من ذلك الى خلو الدستور الأردني وقانون تشكيل المحاكم النظامية الصادر سنة 1952 ايضا من اي نص يخول محكمة العدل العليا الاختصاص برقابة دستورية القوانين.
وكذلك كان شأن قانون تشكيل المحاكم النظامية الصادر في ظل دستور سنة 1947.
ورغم ذلك كان لهذه المحكمة موقفها من الرقابة على دستورية القوانين، ويمكن التمييز بين مرحلتين مختلفتين:

المرحلة الأولى: الموقف السلبي لمحكمة العدل العليا
تعرضت محكمة العدل العليا لموضوع دستورية القوانين لأول مرة في القضية رقم 6/51، عندما دفع بمخالفة قانون العقوبات المؤقت للدستور لأنه يرتب أثرا رجعيا بفرضه عقوبات على أفعال ارتكبت قبل صدوره. حيث قررت:
ان صلاحية هذه المحكمة بصفتها محكمة عدل عليا قد حددت في الفقرة (3) من المادة (11) من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 71 لسنة 1951، فهذه الفقرة لم تخول محكمة العدل العليا حق مناقشة دستورية القوانين سواء أكانت قوانين مؤقتة أو غير مؤقتة، ولهذا لا تبقى ثمة فائدة عملية من أن تبحث المحكمة فيما اذا كان القانون رقم 60 لسنة 1951 الذي حوكم المستدعي بموجبه مخالفا لأحكام الدستور أم لا( ).
ويمكن توجيه النقد لهذا الحكم فقد استندت المحكمة في تبرير رفضها لرقابة دستورية القوانين الى قانون تشكيل المحاكم النظامية وأنه لم ينص على اختصاصها بذلك. فلماذا لم تستند هذه المحكمة إلى موقف القضاء المقارن الذي خول لنفسه حق مناقشة دستورية القوانين؟ ألم يكن بإمكانها الاحتجاج بمبدأ سمو الدستور؟ أليس بمقدورها أن تفصل في هذا الموضوع استنادا الى وظيفة القضاء وحقه في المفاضلة بين قانونين متعارضين أعمالا لمبدأ تدرج القواعد القانونية؟.
وقد عادت هذه المحكمة لتأكيد موقفها السلبي في القضية رقم 41/63 بمناسبة طعن تقدمت به إحدى الشركات تأسيسا على مخالفة القانون المؤقت رقم 13 لسنة 1963 لنص المادة (94) من الدستور، ومما ورد في حكمها( ):
بالرجوع الى الدستور نجد أن المادة (94) منه تنص على أنه: عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلا، يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية غير قابلة للتأجيل، شريطة أن لا تخالف أحكام الدستور.
من هذا النص يتضح أنه في الأوقات التي يكون فيها مجلس الأمة غير منعقد أو منحلا يختفي مبدأ الفصل بين السلطات مؤقتا وتجمع السلطة التنفيذية الى جانب مهام الادارة، وظيفة التشريع.
إن هذه المادة قد اشترطت لبقاء القوانين المؤقتة تصديق مجلس الأمة عليها، الأمر الذي يدل على أن هذا المجلس هو وحده المختص بمراقبة هذه القوانين من مختلف وجهات النظر، أي: الشرعية والملاءمة، وأن رقابة القضاء مستبعدة بقوة الدستور “.
وبتحليل عبارات هذا الحكم نلمس وللأسف أن المحكمة قد غالت في موقفها السلبي وفي تخليها عن ممارسة دورها ووظيفتها في هذا المجال، ويمكننا ابداء الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: إن قول المحكمة بأن ” مجلس الأمة وحده هو المختص بمراقبة هذه القوانين من جميع النواحي “، هو قول تنقصه الدقة ويفتقر الى الصواب، فالرقابة البرلمانية لا تكفي وحدها، كما أنها لا تنفي الرقابة القضائية، إذ أن لكل من الرقابيتين طبيعتها ومجالها الخاص به.
ويعلق أستاذنا الدكتور محمود حافظ على ذلك بقوله( ):
ينص الدستور الأردني على رقابة مجلس الأمة بتقريره ضرورة عرض القوانين المؤقتة عليه للبت في شأنها وتقرير مصيرها، ولكن رقابة مجلس الأمة وحدها لا تكفي لضمان التزام السلطة التنفيذية بأحكام الدستور، لأن هذه الرقابة متسمة بطابع سياسي، لذلك يجب أن تخضع القوانين المؤقتة لرقابة القضاء.

الملاحظة الثانية: لم تكتف المحكمة بتقرير عدم اختصاصها وحدها بالرقابة على دستورية القوانين، بل ذهبت الى تعميم هذا الحكم، والى الاحتجاج بأن الدستور قد استبعد هذه الرقابة بصورة عامة بقولها ” وان رقابة القضاء مستبعدة بقوة الدستور “. ونتساءل أين هو النص الدستوري الذي استبعد رقابة القضاء وحظر عليه القيام بهذه المهمة؟ كل ما في الأمر أن الدستور الأردني قد صمت عن ذكر أي نص يتعلق بهذا الموضوع، فلم يمنح القضاء ولم يمنعه من القيام بهذا الواجب.

الملاحظة الثالثة: أن المحكمة التي أصدرت هذا الحكم هي نفسها محكمة التمييز ولكنها تنظر الدعاوى الادارية بصفتها محكمة عدل عليا، وقد سبق لمحكمة التمييز الاقرار بحقها في رقابة دستورية التشريعات القوانين والأنظمة في حكمها الصادر سنة 1958( ) مما يستدعي القول بتناقض أحكامها لا لشيء إلا لتغير صفتها، أي: الاسم الذي يطلق عليها.

المرحلة الثانية: الموقف الايجابي لمحكمة العدل العليا
منذ عام 1966 بدأت رياح التغيير تهب على موقف المحكمة نحو إقرارها بحقها في مباشرة هذه الرقابة، وقد ظهرت الملامح الأولى لهذا التوجه الايجابي في القضية رقم 111/66 عندما طعن بدستورية أحد أنطمة الدفاع وبقانون الدفاع الذي صدر النظام سندا إليه. فأجابت المحكمة بقولها( ):
” لا يعتبر نظام الدفاع رقم (7) لسنة 1941وقانون الدفاع لسنة 1935 الذي صدر النظام بمقتضاه مخالفين لأحكام الدستور “.
وهكذا نجد أن المحكمة قد ناقشت الدفع المقدم في هذه الدعوى لتقضي بدستورية قانون الدفاع ومن ثم دستورية نظام الدفاع الصادر بموجبه وانهما غير مخالفين لأحكام الدستور.
أما التطور الواضح في موقف هذه المحكمة فقد ظهر بجلاء في حكمها الصادر في القضية رقم 35/67 حينما طعن أحد المرشحين لانتخابات مجلس النواب بصحة ترشيح ونيابة عضو آخر لأنه لم يكمل السن القانوني الذي اشترطه قانون الانتخاب المؤقت في المادة (17) منه، فدفع الخصم بعدم دستورية النص القانوني لتعارضه مع الحكم المنصوص عليه في المادة (70) من الدستور، فقضت المحكمة بما يلي( ):
أما ما ورد في الفقرة (ج) من المادة (17) من قانون الانتخاب المؤقت لمجلس النواب رقم 24 لسنة 1960 من انه يشترط في المرشح أن يكون قد أتم الثلاثين من عمره في أول كانون ثاني من السنة التي يجري فيها الانتخاب، فهو مخالف للدستور، إذ أن المادة (70) من الدستور تشترط أن يكون المرشح قد أتم الثلاثين من عمره وقت الترشيح. وبما أن قانون الانتخاب المشار إليه هو قانون مؤقت وقد نصت المادة (94) من الدستور على انه يجب أن لا تخالف القوانين المؤقتة أحكام الدستور، فإن الاشتراط الوارد في الفقرة (ج) سالفة الذكر لايعمل به “.
بإمعان النظر في عبارات هذا الحكم نجد أن المحكمة تعتد برقابة الامتناع وتطبقها في صورتها المثلى فهي تبحث في مضمون النصين القانوني والدستوري، وتقارن بينهما لتقرر بأن ما ورد في النص القانوني مخالف للدستور، وتضيف في نهاية حكمها: ولا يعمل به. ومما يلفت النظر ان هذا الموقف الايجابي هو عكس موقفها السابق في القضية رقم 41/63 الذي قررت فيه عدم اختصاصها بمناقشة دستورية القوانين مع أن الطعن في القضيتين كان متعلقا بقوانين مؤقتة، ولا شك بأن التحول الايجابي لهذه المحكمة جدير بالثناء عليه.

ويعتبر حكم العدل العليا في القضية الشهيرة رقم 44/67 من أبرز ما صدر عنها في هذا المجال( )، ونظرا لأهمية هذا الحكم الذي يعد من أمهات احكام القضاء الاداري الأردني، سنحاول إلقاء الضوء على وقائعه التي تتلخص بما يلي:
أعلنت الأحكام العرفية سندا للمادة (125) من الدستور( ) التي تنص على انه ” عند اعلان الأحكام العرفية للملك أن يصدر بمقتضى ارادة ملكية اية تعليمات( ) قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة، بقطع النظر عن اي قانون معمول به “. يتضح من النص الدستوري أن التعليمات العرفية تشريع استثنائي يجب العمل بأحكامها اذا تعارضت مع احكام اي قانون عادي، بقطع النظر عن اي قانون معمول به( ). وقد نصت المادة (20) من تعليمات الادارة العرفية لسنة 1967، على تحصين القرارات الصادرة بمقتضاها، أي أنها منعت محكمة العدل العليا وعطلت اختصاصها فيما يتعلق بهذه الطعون.
وكان من بينها قرار يمنع أصحاب السيارات الخصوصية من استعمالها لغايات السياحة، فطعنوا بهذا القرار لأنه لا يتعلق بأغراض الدفاع عن المملكة، لكن ممثل الحكومة طالب برد الدعوى لعدم اختصاص المحكمة بنظرها كما تنص المادة (20) من التعليمات العرفية.
فدفع وكيل المستدعين بعدم دستورية هذه المادة.
وبعد أن نظرت المحكمة في البينات المقدمة وفي دفوع الطرفين قضت بمايلي:
وحيث أثار الطرفان مسألة الدستورية فإننا نرى أن الرد عليها يقتضي البحث في الأمور التالية:
– اختصاص القضاء برقابة دستورية القوانين، ومدى هذه الرقابة؟
– حدود سلطة المشرع في إصدار التشريعات؟

ثم استعرضت المحكمة نصوص الدستور المتعلقة بالسلطات العامة واختصاصاتها، وقررت:
ويفهم من هذه النصوص المواد (24-27) من الدستور أن الدستور قد وزع السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، على هيئات ثلاث، فصل فيما بينها بصورة جعل استعمال السلطات لوظائفها ينتظمه دائما تعاون متبادل، على اساس احترام كل منها للمبادىء التي قررها الدستور.
فإذا وضعت السلطة التشريعية تشريعا غير دستوري، لم تستطع أن تجبر السلطة القضائية على تطبيقه دون الدستور، وإلا كان في هذا اعتداء من السلطة التشريعية على السلطة القضائية، وكلتاهما مستقلة عن الأخرى، وكلتاهما خاضعة للدستور.
ومن الواضح أن تشريعا يصدر من جهة عير مختصة، أو دون مراعاة لنص الدستور أو روحه، فإن على المحكمة أن لا تطبقه فيما يعرض عليها من القضايا، على اعتبار ان المحكمة تلتزم في تطبيقها للتشريعات المتفاوتة في القوة، بتطبيق التشريع الأعلى عند تعارضه مع تشريع أدنى.
والمحكمة بهذا لا تعتدي على السلطة التشريعية، ما دامت لا تضع بنفسها قانونا ولا تقضي بإلغاء قانون، ولا تأمر بوقف تنفيذه.
وغاية الأمر أنها تفاضل بين قانونين قد تعارضا فتفصل في هذه المسألة وتقرر أيهما أولى بالتطبيق. وإذا كان القانون العادي قد استبعد تطبيقه فمرد ذلك في الحقيقة والواقع الى سيادة الدستور العليا على سائر القوانين، تلك السيادة التي يجب أن يلتزم بها كل من القاضي والمشرع على حد سواء.
وبعد أن بينت المحكمة الأسس التي تسند إليها في إقرارها لرقابتها على دستورية القوانين، انتقلت من التعميم الى التخصيص أي لتحديد موقفها من الموضوع المباشر للطعن، بقولها:
ان الغايات المخصصة لتشريعات الأحكام العرفية هي صيانة الأمن وتأمين أغراض الدفاع عن المملكة، ولا يصح أن تجاوزها الى غيرها من الغايات حتى ولو كانت تهدف الى المصلحة العامة.

وتعلل المحكمة ذلك بقولها:
لقد منحت المادة (125) من الدستور المشرع سلطة مقيدة ومحددة بأغراض الدفاع عن المملكة، ولم تمنحه سلطة مطلقة تخوله منع المحكمة من رؤية القضايا التي لا تتعلق بهذه الأغراض.
لهذا فإن نص المادة (20) من التعليمات العرفية، الذي منع محكمة العدل العليا من نظر الطعون بكافة القرارات هو نص غير دستوري، ولا يعمل به..( ).
بقراءة متأنية لعبارات هذا الحكم نلاحظ:
1. أن المحكمة وبمنتهى الصراحة تحدد موقفها من موضوع الرقابة على الدستورية بقولها “وحيث أثار الطرفان مسألة الدستورية، نرى أن الرد عليها يقتضي البحث في: اختصاص القضاء برقابة دستورية القوانين، ومدى هذه الرقابة “؟.
2. استناد المحكمة الى مبدأ الفصل بين السلطات وان الدستور قد وزع الاختصاصات على هيئات ثلاث، على أساس احترام كل منها للمبادىء الدستورية.
3. استنادها ايضا الى وظيفة القضاء بقولها ” وغاية الأمر أنها تفاضل بين قانونين قد تعارضا فتفصل في هذه المسألة وتقرر أيهما أولى بالتطبيق “.
4. احتجاج المحكمة بمبدأ سيادة الدستور ” فمرد ذلك في الحقيقة والواقع الى سيادة الدستور العليا على سائر القوانين “.
5. تحدد المحكمة مدى هذه الرقابة وانها تنحصر في الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور، بقولها:
من الواضح أن تشريعا يصدر من جهة غير مختصة، أو دون مراعاة لنص الدستور أو روحه، فإن على المحكمة أن لا تطبقه فيما يعرض عليها من القضايا ” وقولها ” ان نص المادة. هو نص غير دستوري ولا يعمل به. لهذه الأسباب وبناء على هذا التحليل نقول بان هذا الحكم يعتبر من روائع الأحكام الصادرة عن القضاء الأردني، وعن هذه المحكمة بالذات. وهكذا استقر قضاء محكمة العدل العليا على حقها في بسط رقابتها على دستورية التشريعات بما فيها القوانين المؤقتة والقوانين العادية وتعليمات تشريعات الادارة العرفية( ).و قد تتابعت أحكامها في هذا الاتجاه كقاعدة عامة. ( ).

بعض الأحكام التي تمثل استثناء من القاعدة العامة:

إذا كانت محكمة العدل العليا قد استقرت على هذا النهج الايجابي، إلا هناك بعض الأحكام القليلة جدا التي خرجت عن هذا الاتجاه، نعرض لها رغم ندرتها من باب الأمانة العلمية هادفين الى التقويم الدقيق آملين أن يتلافى القضاء الأردني أي تناقض في أحكامه مستقبلا. وكما نعتقد فإن هذا الخروج عن القاعدة العامة ينحصر في حكمين فقط هما:

أولا: الحكم الصادر في القضية رقم 40/74 ومما جاء فيه( ):
” ان مناقشة القانون المؤقت في كونه مخالفا للدستور أو غير مخالف له، هو دخول في الموضوع لا تختص محكمة العدل العليا بالنظر فيه “.
ونتفق مع وجهة نظر منصور العواملة في تعليقه على هذا الحكم بقوله( ):
وهذا عود على حكميها الصادرين عامي 1951، 1963، وكانا في الاتجاه السلبي مما يجعلنا في حيرة من أمر محكمتنا الموقرة أهي مختصة برقابة مشروعية القوانين أم غير مختصة؟ ولا يخفف من هذه الحيرة إلا كثرة الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة وعن قضائنا بوجه عام بفرض الرقابة على مشروعية القوانين.

ثانيا: الحكم الصادر في القضية رقم 237/91 و مما ورد في حيثياته( ):
وبعد الاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا، نجد أن المستدعي يطعن بالقرار الصادر عن رئيس الوزراء المتضمن الأمر بتشكيل محكمة أمن الدولة وتعيين القضاة العسكريين وهو يطلب إلغاء القرار المذكور للأسباب المبينة في لائحة الدعوى وهي:

1- إن القرار صادر بناء على قانون غير دستوري،…
وعن السبب الأول فإن قانون محكمة العدل العليا رقم 11/89 خلا من اي نص يخول هذه المحكمة حق مناقشة دستورية القوانين. لذا لا يجوز للمحكمة النظر في صحة أعمال السلطة التشريعية من جهة انطباق القوانين على الدستور. وبالتالي فإن محكمتنا غير مختصة بالنظر في هذا السبب من أسباب الطعن.

تعقيب:

لقد صدر هذا الحكم في فترة حديثة نسبيا، في ظل استقرار المحكمة على نهج إيجابي معين، وبعد إقرار قانون محكمة العدل العليا المؤقت رقم 11 لسنة 1989 الذي أصبحت بموجبه محكمة قضاء اداري مستقلة تماما، لذا يبدو موقف المحكمة وما خلصت إليه في هذا الحكم عرضة للنقد وللباحث أن يتساءل عن السبب الكامن وراء هذا التراجع، وإنكار المحكمة لحقها في رقابة دستورية القوانين؟ بل وحتى مجرد مناقشة هذا الموضوع بقولها بصريح العبارة:
إن قانون المحكمة قد خلا من أي نص يخولها حق مناقشة دستورية القوانين، لذا لايجوز للمحكمة النظر في صحة أعمال السلطة التشريعية من جهة انطباق القوانين على الدستور( ).
و لايعذر للمحكمة تعللها بخلو قانونها من أي نص يخولها حق مناقشة دستورية القوانين، لأن رقابة الامتناع تمارس في مثل هذه الحالة، أي في ظل خلو الدستور، وقانون تشكيل المحاكم أو قانون المحكمة، من أي نص بهذا الشأن.
والأهم من ذلك أن محكمة العدل العليا قد مارست هذه الرقابة وقضت بحقها في مناقشة دستورية القوانين في العديد من الأحكام السابقة ولفترة زمنية طويلة، رغم عدم وجود أي نص قانوني بهذا الخصوص.
ورغم ذلك، فإننا نعتقد بأن هذين الحكمين هما مجرد استثناء من القاعدة التي درجت عليها المحكمة في بسط رقابتها على دستورية القوانين. ويشفع لها ما أظهرت من جرأة وشجاعة في دفاعها عن الحقوق والحريات العامة التي برزت من خلال أحكامها العديدة الصادرة عنها في هذا المجال.

هاني علي الطهراوي