موضوع النظام القانوني لتشغيل البحارة في إطار عقد الإلتزام البحري

كلمة الباحث لتقديم موضوع الأطروحة أثناء المناقشة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.

بادئ ذي بدء أحمد الله العلي القدير الذي وفقني على إتمام هذا العمل ومتابعة مسيرتي الدراسية التي قدرها الله فما كان من شيء أن يجري في ملكه إلى بمشيئته جلا جلاله ** إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ**.
ويطيب لي بعد هذا العمل المتواضع أن أجزي الشكر الجزيل و الامتنان العظيم للأستاذة الفاضلة الدكتــــورة نورة غزلان على سعة الصدر و رحابة نفس قبول الإشراف على هذا العمل، وعلى كل مجهوداتها القيمة في تأطير هذا البحث.

ولا يسعني أيضا في هذا المقام إلا أن أتقدم بأسمى آيات الشكر و العرفان إلى لجنة المناقشة كل واحد باسمه الدكتورة حليمة بن حفو والدكتور أحمد الدراري بتفضلهما لمناقشة هذا العمل المتواضع وإثرائه بأفكارهما القيمة، فلهم مني كل الثناء والتقدير.

كما أشكر السيد حسن رفيق رئيس مصلحة رجال البحر بأكادير الذي تفضل بتأطيرنا على المستوى العملي رغم انشغالاته المهنية، فأعطى هو الأخر من وقته الثمين الشيء الكثير.
كما أغتنم الفرصة لأتقدم بالشكر الجزيل و التقدير العميق إلى الحضور الكريم الذي شرفني بحضوره لهذه الجلسة العلمية التي أقف فيها أمام ثلة من الأساتذة لمناقشة رسالة تقدمت بها لنيل دبلوم نهاية التكوين في سلك الماستر المتخصص المقاولة والقانون تحت عنوان” النظام القانوني لتشغيل البحارة في إطار عقد الالتزام البحري مصلحة رجال البحر بأكادير كورش ميداني”.
هذه الرسالة لا أدعي لها الابتكار و التجديد أو الكمال و الجود بقدر ما هي مساهمة متواضعة ومحدودة لا تدعي قطعا استنفاذ كل ما دار و يدور و ما سيدور حول مسألة تشغيل البحارة بالمغرب.

سيدتي الرئيسة السادة أعضاء لجنة المناقشة المحترمين أيها الحضور الكريم

كما، لا يخفى على أحد أن السفينة لا يمكنها أن تجوب البحار ما لم تتولى مجموعة من الأفراد تسيرها و السهر على سلامتها و سلامة من يوجد على متنها وهؤلاء يعرفون بالبحارة أو رجال البحر أو طاقم السفينة.
و عرف المشرع المغربي البحارة من خلال الفصل 166 من قانون التجارة البحرية لسنة 1919 بأنهم ” يعتبر كبحار فيما يرجع لتطبيق هذا القانون كل شخص ذكرا كان أو أنثى يقوم بأشغال على ظهر إحدى البواخر المتجولة في البحر”.

فضلا عن ذلك فقد قام القانون التأديبي و الجنائي للملاحة التجارية – الذي يشكل النص الثاني الذي صدر بموجبه الظهير المؤرخ في 31 مارس 1919- بالتدقيق في لفظ البحار حيث اعتبرهم ” الأشخاص ذكورا أو إناثا المسجلين على القائمة سواء من أجل الخدمة على السطح أو الآلات أو الخدمة العامة”
ونظرا لظروف اشتغال البحارة والتي أقل ما يقال عنها أنها صعبة و تختلف عن الظروف التي تشتغل فيها باقي الفئات المأجورة فقد تدخل المشرع المغربي لحمايتهم سواء على مستوى تسجيلهم أو تكوينهم أو تشغيلهم، فاستقلت بذلك فئة البحارة بنظام قانوني خاص ينظمها ويحكم مختلف الإشكاليات التي تطرحها الممارسة العملية، والبحث عن النظام الأساسي للبحارة يقودنا مباشرة إلى المقتضيات المنظمة في أحد أجزاء قانون التجارة البحرية الصادر بتاريخ 31 مارس 1919 ولذلك كان طبيعيا مع وجود هذا النص الخاص أن ينص المشرع صراحة على استثناء البحارة من الخضوع للمقتضيات التي جاءت بها مدونة الشغل إلا احتياطيا كما أكدت ذلك المادة 3 من مدونة الشغل.

وعلى ضوء ما تقدم نستخلص أن صفة بحار في التشريع المغربي تتأسس على معياريين:
الأول: هو إجرائي أو شكلي يتمثل في أن الشخص الذي يرغب في الولوج إلى المهنة يجب أن يكون مسجلا في سجل خاص تمسكه السلطة البحرية ممثلة في مديرية الملاحة التجارية التابعة لوزارة التجهيز والنقل بالنسبة للسفن التجارية، و مندوبيات الصيد البحري بالنسبة للبحارة العاملين على ظهر سفن الصيد وهذا السجل هو سجل رجال البحر وذلك بعد التوفر على شروط محددة و التي تتوج بتسليم هذا المرشح الدفتر المهني البحري.
الثاني: فهو موضوعي يتجسد في أن الشخص حتى يوصف بأنه بحار مهني يجب عليه أن يباشر عمله على متن السفينة وخدمة لها.

وعلى العموم يمكن تعريف البحار بأنه كل شخص سواء كان ذكرا أو أنثى يقوم بأشغال على ظهر سفينة محددة لحساب مجهز واحد و أن يكون هذا الشغل دائما و يتعلق بتسييرها أو قيادتها أو صيانتها أو استغلالها وبناء عليه يمكن استبعاد مجموعة من الأشخاص من اكتساب صفة بحار- وإن كان عملهم يتصل بالسفينة – من قبيل الأشخاص الذين يوجدون على متنها بصفة مؤقتة من أجل القيام ببعض أعمال الشحن والتفريغ، أو الأشخاص الذين يشتغلون بصفة خاصة في سفن نقل الأشخاص كالموسيقيين و الحلاقين وغيرهم.

فإن لفظ البحارة في التشريع المغربي ينصرف أولا إلى كل من الربان بالرغم من وضعيته المتميزة واختصاصاته الواسعة يدخل ضمن أفراد الطاقم حيث يشمله هو الأخر التعريف الذي جاء به المشرع المغربي في سبيل تعريف البحارة ومن تم تسري عليه المقتضيات المقررة للبحارة إلا ما استثني منها صراحة.

هكذا فشمولية لفظ البحارة لمختلف الفئات التي تشتغل على ظهر السفينة و تنوع و تعدد هذه الأخيرة تقتضي دراستها من جوانب عدة لاستخلاص هذا التعدد و انعكاسه على علاقات الشغل البحري.
إلا أنه وحتى نعطي كل ذي حق حقه، اقتصرنا من خلال هذا البحث المتواضع على البحارة وذلك على ضوء النص القانوني ومرد ذلك إلى خصوصيات فئة الربابنة سواء من حيث المعالجة التشريعية أو الفقهي أو القضائية.

ونافلة القول، إن لفظ البحارة ينصرف إلى كل من الضباط الذين يشتغلون في مصلحة سطح السفينة أو مصلحة الآلة، كما يرأسون أفراد الطاقم المرؤوس الذي يتكون أساسا من الملاحين و نوتيه حدث و نوتيه مبتدئ وهذين الفئتين تم تعويضهما على مستوى الممارسة العملية بلفظ متدرب أما الفئة الأخيرة من فئة البحارة فهم أفراد الخدمة العامة كالخدم – طباخ السفينة…

سيدتي الرئيسة السادة أعضاء لجنة المناقشة المحترمين أيها الحضور الكريم
تدخل هذه الرسالة في إطار المواضيع التي تهتم بدراسة و تحليل كيفية اشتغال البحارة بالمغرب وذلك بمسائلة النص القانوني بالواقع العملي لتحديد الثغرات التي تعتريه.

من هنا يكتسب هذا الموضوع أهميته و راهنتيه سواء من الناحية العلمية أو العملية.

فمن الناحية الأولى: تكمن في أن موضوع البحارة يعد من أحد مواضيع القانون البحري إلا أنه لم تتم دراسته كموضوع مستقل وقائم الذات بما يكفي خصوصا باللغة العربية سواء على الصعيد الأكاديمي في إطار البحوث الجامعية أو على صيد المؤلفات و الدراسات الفقهية مقارنة مع باقي مواضيع القانون البحري، كما أن هذا الموضوع يتسم بندرة العمل القضائي المنشور بالرغم من أن واقع الحال يؤكد أن أغلب علاقات الشغل البحري تنتهي بين جدران المحاكم.

أما من الناحية العملية فقيمة الموضوع تتجلى في الأهمية الحيوية للقطاع البحري الذي يعتبر قطب الرحى في تحريك عجلة التنمية الشاملة بالمغرب ويمكن القول إن البحارة يشتغلون في أحد أهم القطاعات الاقتصادية بالمغرب سواء تعلق الأمر بالملاحة التجارية أو الصيد البحري، وقد راهن المغرب على أن تنظيم ظروف اشتغال البحارة و حمايتهم هو استثمار في الموارد البشرية.

لكن، تنظيم الشغل البحري وفق مقتضيات تشريعية و تنظيمية قديمة تعود لسنة 1919 تقتضي منا الوقوف على مدى دقة و نجاعة هذه المقتضيات و مساهمتها في ضبط و حماية البحارة على أرض الواقع.

سيدتي الرئيسة السادة أعضاء لجنة المناقشة المحترمين أيها الحضور الكريم
إن القيمة العملية لهذا البحث تبرز أكثر عند مقاربة موضوع تشغيل البحارة من زاوية عملية صرفة وذلك من خلال الفرصة التي أتيحت لنا قصد إجراء تدريب تحت إشراف السلطة البحري بأكادير لمدة 3 أشهر فحاولنا من خلالها معالجة الموضوع على ضوء الممارسة العملية.

ويبدو من خلال ملامسة أهمية الموضوع الملامح الأولى لعناصر الإشكالية المراد الوقوف عليها وتحليلها عبر مراحل هذا البحث، من هنا جعلت من التساؤل عن الخصوصيات التي تميز تشغيل البحارة السؤال المحوري لهذا البحث و الذي تتناسل في خضمه جملة من التساؤلات الفرعية نصوغها على الشكل التالي:

هل كل من يشتغل على ظهر سفينة معينة يعتبر بحارا أم أن هناك معايير و ضوابط لاكتساب صفة بحار مهني؟

ومادامت فئة البحارة تخضع احتياطيا لمدونة الشغل فما هو المعيار الفاصل بين تطبيق قانون الشغل البحري و مدونة الشغل على البحارة؟

تبعا لخصوصيات تشغيل البحارة فقد تم وضع قواعد خاصة لتنظيم الإطار التعاقدي الذي يجمعهم بالربان و هو ما يعرف بعقد الالتزام البحري فأين تتجلى خصوصيات هذا العقد سواء على مستوى المعالجة التشريعية و الفقهية و القضائية؟

ولقد اقتضت طبيعة الموضوع الميدانية الاستعانة ببعض مناهج البحث العلمي التي من شأنها الإسهام في حصر عناصر إشكالية البحث.

هكذا تم توظيف المنهج الوصفي التحليلي للوقوف على السمات المميزة لتشغيل البحارة بالمغرب وإبراز خصوصيات اشتغال هذه الفئة مقارنة مع باقي الفئات المأجورة.

كما تم السعي إلى المزاوجة بين الجانب النظري و العملي – لأن الاقتصار على البحث بما هو نظري غالبا ما يؤدي إلى نتائج متواضعة- أما الجانب العملي الذي ستعنى من خلاله على أسلوب المقابلات الشخصية و اللقاءات التواصلية مع الفاعلين المباشرين في هذا الموضوع للاستفادة من تراكم خبراتهم، ساعدنا لإبراز خصوصيات تشغيل فئة البحارة و ملامسة ذلك على أرض الواقع العملي.

إن الإشكالية التي طرحها موضوع “النظام القانوني لتشغيل البحارة في إطار عقد الالتزام البحري” تفرض علينا اعتماد خطة للبحث تراعي الجوانب المختلفة لهذا الموضوع، حيث قسمت موضوع البحث إلى فصلين استهلتهما بفصل تمهيدي حاولت من خلاله تحديد ضوابط ولوج مهنة البحارة اعتبارا لأن المشرع المغربي حدد مجموعة من الشروط لولوج مهنة البحارة و ربطها أساسا بنظام التسجيل البحري الذي تشرف عليه السلطة البحرية المختصة.
هكذا انصب مضمون هذا الفصل على تحديد هذه الشروط المتمثلة في كل من:

شرط الجنسية المغربية حيث حرص المشرع المغربي على دفع المجهزين إلى إعطاء الأولوية في التشغيل للبحارة المغاربة وذلك لاعتبارات تتعلق بالاقتصاد الوطني، وحماية لليد العاملة الوطنية من مزاحمة اليد العاملة الأجنبية.

لكن، السؤال الذي طرح نفسه في معرض حديثنا عن الجنسية المغربية هو تحديد الوضعية القانونية للبحار الأجنبي بالمغرب.

إجمالا يمكن القول إن البحار الأجنبي يكتسب صفته كبحار طبقا لقانون جنسيته وبعد الحصول على الإذن بالركوب يخضع للتشريع المطبق على البحارة المغاربة العاملين على ظهر السفن المغربية.

السن القانوني : المحدد في 16 سنة كما هو منصوص عليه في قانون التجارة البحرية وتماشيا مع التوصيات الدولية التي تمنع تشغيل أي شخص دون الحد الأدنى للسن القانوني للتشغيل على أية سفينة.

شرط القدرة البدنية: باختصار يمكن التأكيد أن الشغل البحري غير متاح للأشخاص المعاقين وبالتالي فالنشاط البحري يشكل استثناءا من الالتزام باستخدام نسبة معينة من العاملين المعاقين الذي نصت عليه العديد من التشريعات الاجتماعية ومنها التشريع المغربي طبعا.

شرط التكوين المهني البحري:
يعتبر هذا الشرط أهم شرط يشترط عند ولوج مهنة البحارة، الذي تختلف درجته بحسب نوع المهمة التي سيشغلها الشخص مستقبلا على ظهر السفينة و تماشيا مع نوع الملاحة التي تباشرها هذه الأخيرة وقد جاء التنصيص على ذلك صراحة في قانون التجارة البحرية.

ويتعين التمييز و نحن بصدد الحديث عن التكوين المهني البحري بين فئتين من البحارة:
الفئة الأولى: هي فئة البحارة التي تشتغل على ظهر سفن الملاحة التجارية حيث يتم تكوينهم بالمعهد العالي للدراسات البحرية بالدار البيضاء و الذي تشرف عليه وزارة التجهيز والنقل.

أما الفئة الثانية فهي فئة البحارة العاملين على ظهر سفن الصيد البحري حيث يتم تكوينهم – كل بحسب تخصصه- بمعاهد الصيد البحري المحدثة لهذا الغرض والموزعة على ربوع المملكة والذي يأتي على رأسها المعهد العالي للصيد البحري بأكادير الذي يعد مؤسسة تعنى بتكوين ربابنة و ضباط الصيد البحري بالمغرب و هو تابع للسلطة الوصية على قطاع الصيد البحري،

إجمالا وبعد استنفاد هذه الشروط يتعين على الشخص الذي يرغب في الولوج إلى المهنة إتباع إجراءات وخطوات إدارية لتسجيله في سجل رجال البحر تتلخص هذه الإجراءات في وضع ملف للتسجيل لدى السلطة البحرية المختصة.

سيدتي الرئيسة السادة أعضاء لجنة المناقشة المحترمين أيها الحضور الكريم
بعدما حددنا وإياكم الوضعية المهنية للبحارة بالمغرب نمر مباشرة للحديث عن الإطار القانوني المنظم للعلاقة بين المجهز و البحارة، و المتجسد في عقد الالتزام البحري.

هذا العقد هو عقد شغل إلا أنه عقد شغل من نوع خاص استقل بقواعد خاصة تميزه عما هو مألوف في بقية عقود الشغل.

أول ملاحظة يمكن إثارتها ونحن بصدد الحديث عن هذا العقد هي مسألة المصطلح الذي تبناه المشرع المغربي من خلال قانون التجارة البحرية حيث عبر عن العقد الذي يربط بين المجهز أو الربان والبحارة بعقد التزام بحري [[1]]contrat d’engagement maولم يستعمل لفظ عقد الشغل البحري كما أخد بذلك الفقه المغربي.

هكذا، جاء الفصل 165 من قانون التجارة البحرية على أن ” كل عقدة أبرمت بين أحد مجهزي البواخر أو ممثله وبين أحد البحارة للقيام بانجاز عمل على ظهر باخرة مجهزة تحت الراية المغربية تعتبر عقدة التزام البحار و يجري عليها مفعول مقتضيات ظهيرنا الشريف هذا”.

ماذا نستنتج من هذا التعريف؟
هو أن المقتضيات المنظمة لعقد الالتزام البحري تسري على مختلف العاملين على ظهر السفن المغربية سواء كانون أجانب أو مغاربة بقدر ما لا تسري على العاملين على ظهر السفن الأجنبية ولو كانوا مغاربة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهذا العقد يبرم من أجل تقديم خدمة على ظهر سفينة معينة وخلال رحلة بحرية أو عدة رحلات وتكون هذه الخدمة لحساب المجهز أو من ينوب عنه وتحت إشرافه و خدمة للسفينة، بمعنى أن المقتضيات المنظمة لهذا العقد تسري خلال فترات الإبحار، وحتى لا تفوتني الإشارة في هذا الصدد أن البحارة العاملين في الصيد الصغير لا يخضعون لهذه المقتضيات وغير خاف على أحد أن طرفا عقد الالتزام البحري هما كل من المجهز أو من ينوب عنه من جهة و البحار من جهة ثانية.

كما عمد المشرع إلى تنظيم هذا العقد الذي حدد له شروط تختلف عما هو مألوف في قانون الشغل العادي حيث مبدأ حرية التعاقد فعقد الالتزام البحري لا يمكن للمتعاقدين الخروج عن الأحكام التي اشترطها المشرع المغربي.

يمكن ملامسة هذا التدخل من خلال اشتراط المشرع ضرورة كتابة عقد الالتزام البحري وهو بذلك يشكل استثناءا من الرضائية التي تتسم بها عقود الشغل عموما فهذا العقد هو من العقود الشكلية كما لا يمكن إثباته إلا بالكتابة كما نص على ذلك الفصل 167 من قانون التجارة البحرية حيث يتطلب المشرع المغربي لقيام عقد الالتزام البحري شرط الكتابة ، وإن كانت صياغة الفصل 167 من ظهير 31 مارس 1919 المتعلق بقانون التجارة البحرية قد توحي بأن الكتابة التي يتحدث عنها المشرع، هي للإثبات فقط وليست للانعقاد، إلا أنه – من وجهة نظري- اعتبر عقد الالتزام البحري هو عقد شكلي يجب أن يكون مكتوبا وأن يتضمن مجموعة من البيانات التي يجب أن يتم إثباتها أمام السلطة البحرية، و إلا فتكون باطلة في نظر القانون البحري.

هذا فضلا عن أن المشرع المغربي أحاطه بمجموعة من الضمانات، حيث جاء بمجموعة من الشروط الشكلية التي قل نظيرها بالنسبة لباقي عقود الشغل الأخرى من قبيل كتابة العقد كما تقدم معنا إضافة ضرورة تضمين العقد مجموعة من البيانات الإلزامية من قبيل تحديد مدة العقد سواء أكان محدد بمدة محددة أو لمدة غير معينة أو للقيام برحلة ما.

كما يشار وجوبا في عقد الالتزام البحري إلى نوع الخدمة التي يتعهد بها البحار ( ربان – ضابط ميكانيكي- طباخ – ملاح…)، و تاريخ الشروع في مزاولة الخدمة و السفينة المعنية وطبعا مبلغ الأجرة وهذه البيانات الإلزامية هي على سبيل الحصر لكن ليس هناك ما يمنع الأطراف من إدراج بيانات أخرى– والشاهد على قولنا ملحق هذا البحث-

والشرط الثالث الذي لا نجد له نظير في عقود الشغل الأخرى ما يعرف بشرط انعدام التزام سابق أو عدم جواز الجمع بين التزامين بحريين أو أكثر، بمعنى أنه لا يمكن للبحار أن يبرم عقدي التزام بحري في نفس الوقت كما لا يمكن للبحار أن يلتزم بموجب عقد جديد إلا بعد أن يصبح حرا من أي التزام سابق وللتأكد من وضعية البحار يمكن الرجوع إلى دفتره المهني البحري لتحديد هذه الوضعية.

سيدتي الرئيسة السادة أعضاء لجنة المناقشة المحترمين أيها الحضور الكريم
إن أهم ما يميز عقد الالتزام البحري و يبرز من خلاله خصوصيات هذا العقد على مستوى الممارسة العملية هو تدخل السلطة البحرية في مختلف مراحله.
حيث تتدخل على ثلاثة مستويات يمكن اختزالها كما يلي:

أولا: تسجيل بنود العقد في سجل البحارة
لكن المشرع المغربي لم يحدد البنود و الشروط التي يجب أن تضمن في سجل البحارة أو تلحق به كما أنه من الصعب أن تلحق جميع عقود التزام البحارة بهذا السجل و يبقى التأكيد أن الممارسة العملية للسلطة البحرية بأكادير تعمل على تسجيل بنود كل عقد التزام بحري على حدة، في سجل خاص بالمندوبية – سجل العقود- و يتضمن بالأساس اسم البحار والمهمة الموكولة إليه على متن السفينة والدبلومات التي تشفع له بتقلد هذه المهمة إضافة إلى معلومات تتعلق بالسفينة فضلا عن الرقم الترتيبي للعقد داخل السنة، كما يتم تسجيل جميع البحارة المعنيين في سجل البحارة والمهمة و تاريخ الركوب وذلك في وثيقة خاصة بذلك- الوثيقة رقم 7 من ملحق هذا البحث-

ثانيا: هو أن السلطة البحرية تتأكد من أن المتعاقدين خصوصا البحار قد أدركا تماما بنود العقد وشروطه و يتمثل ذلك بإلقاء أسئلة عليهما أو بقراءة نص العقد بصوت مرتفع وهذا ما نص عليه صراحة الفصل 170 من ق- ت- ب إلا أن هذا الشرط قد تم التخلي عنه على مستوى الممارسة العملية لاستحالة تطبيقه على أرض الواقع حيث يتم التعامل مباشرة مع المجهز أو نائبه و يسجل الغياب التام للبحار في مرحلة التعاقد أمام هذه السلطة.

ثالثا: تأشيرة السلطة البحرية على عقد الالتزام البحري
بعد استنفاد هذه المراحل يكتب لعقد الالتزام البحري الوجود القانوني هذا الوجود يرتب على عاتقيه التزامات.

هي التزامات ملقاة على الأجير البحار وهي أداء العمل المتفق عليه والتزام البحار بعدم استغلال السفينة لمصلحته الشخصية.

و التزامه بإنقاذ السفينة في حالة تعرضها لخطر ما وهذا الالتزام هو التزام قانوني يفرض تلقائيا على البحار حتى ولو لم يكن منصوص على ذلك في العقد.
في مقابل ذلك رتب المشرع المغربي على المجهز أو ممثله مجموعة من الالتزامات نحو البحارة، هذه الالتزامات يمكن تقسيمها إلى التزامات عادية تتجسد في :
الالتزام بأداء الأجرة المتفق عليها كما هي منصوص عليها وجوبا في عقد الالتزام البحري.

لكن السؤال الذي فرض نفسه في هذا المضمار هو كيف يتم تحديد أجرة البحار بالمغرب؟ اختزالا للإجابة عن هذا التساؤل يمكن تحديد الكيفية التي تحدد بها أجرة البحارة على ثلاثة صور:

– إما أن تحدد بحسب الشهر: وهو المعمول به بامتياز في سفن الملاحة التجارية

– إما إن تحدد بالرحلة وهو المعمول به بالنسبة لسفن الصيد في أعالي البحار- على ألا تقل عن 3500 درهم كحد أدنى للأجور كما جاء على لسان السيد عبد الرحمان اليزيدي الكاتب العام للنقابة الوطنية لضباط وبحارة الصيد بأعالي البحار.

أما الصورة الثالثة في تحديد الأجرة فهي المحددة بصفة غير ثابتة و الحديث هنا يتجه مباشرة إلى البحارة العاملين مقابل الحصة فهذه الفئة لا تتقاضى أجرا ثابتا و لا أجرا مضمونا في الحدود الدنيا وهذا النوع من الأجور هو المعمول به في الصيد الصغير ( الصيد الساحلي والتقليدي ).

والسؤال المطروح هو كيف يتأسس هذا النمط في تحديد الأجرة بالمغرب؟.
يوزع منتوج الصيد بين المجهز وأفراد الطاقم طبقا لنظام الحصص و تحت إشراف السلطة البحرية وتماشيا مع ما تمليه الأعراف و العادات المهنية في هذا الباب وذلك طبعا بعد خصم المصاريف المشتركة التي كلفتها عملية الصيد.
هكذا تكون حصة كل بحار يشتغل على مراكب الصيد بحسب المهمة التي يشغلها.
لكن، الإشكال الذي فرض نفسه علينا و نحن بصدد الحديث عن البحارة العاملين مقابل حصة هو تحديد وضعيتهم القانونية وهل ما يتقاضونه يمكن وصفه بأنه أجر أم أنه نصيب وهل هؤلاء البحارة هم أجراء أم شركاء للمجهز؟

اختزالا للجدل الفقهي الذي أثير في هذا الصدد يمكن التأكيد أن البحارة العاملين مقابل حصة هم أجراء تابعين للمجهز…

ومن الالتزامات الأخرى الملقاة على عاتق المجهز هو التزام هذا الأخير بإيواء البحارة و إطعامهم وهذا الالتزام تفرضه طبيعة الشغل البحري الذي يؤدى في انعزال شبه تام عن اليابسة إضافة إلى ذلك يلزم المجهز وطبق لما ينص عليه قانون التجارة البحرية بعلاج البحار المصاب حيث ألزم المشرع على المجهز بأن يتحمل نفقات علاج البحار المصاب بمرض أو حادث وقع له أثناء تأدية مهامه على ظهر السفينة.

كما تجدر الإشارة إلا أن التزام المجهز ليس على إطلاقه حيث أعفى المشرع المغربي الشركات التي لا تستغل إلا بواخر المجهزة للملاحة الساحلية والتي تقل حمولتها عن 25 طن وكذا الشركات التي لا تستغل إلا سفن الصيد الصغير من الإنفاق على علاج البحار المريض وأحال على القوانين الخاصة بمسؤولية المؤاجرين عن الحوادث التي تصيب العمال وكما لا يخفى على أحد أن البحارة بمختلف أنواعهم يخضعون لظهير 1963 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية فضلا على أن التأمين على حوادث الشغل للطاقم المكون للبحارة هو إجباري .

وكالتزام أخر يلقى على عاتق المجهز أو ممثله هو ترحيل البحار إلى وطنه وهذا الالتزام هو الأخر التزام قانوني يفرض على المجهز تلقائيا ولا حاجة للتنصيص عليه في العقد.

سيدتي الرئيسة السادة أعضاء لجنة المناقشة المحترمين أيها الحضور الكريم
مما لا شك فيه أن تشغيل البحارة يكتسي طابعا خاصا يميزه عن تشغيل باقي الفئات المأجورة على عدة مستويات، لدى لا غرابة إن تدخل المشرع المغربي لتنظيم تشغيل البحارة على ظهر السفينة بوضع ضوابط تحدد الكيفية و الظروف التي يتعين احترامها عند تنفيذ عقد الالتزام البحري بما في ذلك مدة الشغل و التي حددها المشرع المغربي في 8 ساعات في اليوم و 48 ساعة في الأسبوع باستثناء سفن الصيد، كما يمكن تجوزها و بدون تحديد لأي حد أقصى وذلك لأجل تحقيق متطلبات سلامة السفينة و هذا الأمر خاضع لسلطة الربان فضلا عن ذلك تدخل المشرع المغربي و أقر للبحارة الحق في راحة يومية و شهرية وسنوية.

و قد عرف المشرع المغربي راحة البحارة بأنها” الوقت الذي يكون للبحارة الحق في قضائه داخل الأماكن التي يسكنونها داخل الباخرة”

ماذا يفهم من ذلك؟
يفهم من ذلك أن البحارة وهم على متن السفينة إما أن يكونوا في وقت خدمة أو وقت راحة و هو بذلك يخالف بقية الأجراء.

– هكذا تحدد مدة الراحة اليومية في 8 ساعات متواصلة زيادة على أربع ساعات اللازمة لتناول الطعام والنظافة.

– بينما حددت مدة الراحة الأسبوعية في يوم كامل. و دليلنا في ذلك الفصل 176 المكرر ثلاث مرات من قانون التجارة البحرية.

إضافة إلى ذلك يستفيد البحارة من عطلة سنوية مؤدى عنها – يومين ونصف عن كل شهر من الإبحار.

سيدتي الرئيسة السادة أعضاء لجنة المناقشة المحترمين أيها الحضور الكريم
كما هو معلوم فعقد الالتزام البحري هو عقد شغل من نوع خاص إلا أن له مسار يقطعه- شأنه في ذلك شأن بقية عقود الشغل الأخرى- وقد حدت من خلال الفصل الثاني من هذا البحث أسباب انتهاء هذا العقد حيث نص المشرع المغربي على مجموعة من الأسباب بتحققها تنتهي العلاقة الشغلية القائمة بين البحارة والمجهز و انطلاقا من كون عقد الالتزام البحري من عقود المدة فشيء طبيعي أن ينقضي هذا العقد بحلول أجله وليس هناك ما يلزم الطرفين باحترام أجل معين للإخطار موازاة مع ذلك لا يجوز لأحد الطرفين أن يستقل بإنهائه بإرادته المنفردة قبل حلول أجله.

كما ينتهي هذا العقد بالفسخ لعدم التنفيذ إلا أنه يتعين التأكيد أن الفسخ يكون أمام السلطة البحرية اللهم إذا تعذر ذلك حيث يحال النزاع والحالة هذه على الفصل 205 مكرر قصد إجراء محاولة المصالحة.

فضلا عن ذلك فإن عقد الالتزام البحري ينتهي بنفس الأسباب الكلاسيكية لانتهاء عقود الشغل عموما من قبيل وفاة البحار اعتبارا لأن عقد الالتزام البحري ينبني على الاعتبار الشخصي، كما ينتهي هذا العقد بالفسخ من المجهز أو ممثله لسبب مشروع ولا يستحق البحار في هذه الحالة أي تعويض، هذه الحالات هي المنصوص عليها في الفصل 198 من قانون التجارة البحرية إذا تغيب من الباخرة بغير موجب طيلة مدة تزيد على ثلاثة أيام.
و الفسخ ليس حكرا على المجهز أو ممثله بل يمكن للبحار أن يعمد إلى فسخ العقد و دون أن تترتب في ذمته أي تعويضات لفائدة المجهز.

هذه الأسباب التي تقدمت معنا يمكن تكيفها على أنها أسباب راجعة لإرادة المتعاقدين، إلا أن هناك أسباب خارجة عن إرادة المتعاقدين يمكن أن تؤدي إلى إنهاء عقد الالتزام البحري ومن بينها القوة القاهرة وبيع السفينة أو عدم صلاحيتها للملاحة ولا بأس من الإشارة إلى أن المالك الجديد غير ملزم بالعقود التي أبرمها المالك أو المجهز السابق و تدخل ضمنها عقود استخدم البحارة و لخطورة هذا المعطى تدخل المشرع المغربي من خلال المادة 19 من مدونة الشغل.

سيدتي الرئيسة السادة أعضاء لجنة المناقشة المحترمين أيها الحضور الكريم
لقد انصبت النقطة الأخيرة من هذا البحث على تحديد الآليات القانونية لتسوية نزاعات الشغل البحري الفردية لأنه من الطبيعي أن ينشأ نزاع بين البحارة والمجهز بموجب تنفيذ عقد الالتزام البحري هذا ما دفع بالمشرع المغربي إلى التدخل عبر إحداث آلية قانونية خاصة استقلت بها فئة البحارة عن غيرها من الفئات المأجورة وهذه الآلية هي مسطرة المصالحة البحرية .

هي مسطرة إلزامية أحال عليها المشرع المغربي من خلال الفصل 205 مكرر من قانون التجارة البحرية وهي تختلف عن مسطرة الصلح التمهيدي الذي جاءت به مدونة الشغل في إطار الفصل 41 و532.

بالرجوع إلى النص القانوني يلاحظ أن المشرع المغربي استعمل لفظ المصالحة- ولم يستعمل لفظ الصلح أو التصالح المنصوص عليهما في مدونة الشغل.

كما نؤكد أن نزاعات الشغل البحري الفردية استعمل المشرع لفظ المصالحة إلا أن المحضر المنجز نتيجة هذه المسطرة يسمى محضر الصلح أو عدم الصلح حسب الأحوال.

على العموم فإن المصالحة البحرية هي إجراء مسطري تقوم به السلطة البحرية المختصة من أجل حل نزاع قائم بين المجهز و البحارة – باستثناء الربان- وذلك بناء على طلب من أحد الأطراف.

لكن السؤال الذي فرض نفسه هو الأخر، هو تحديد مدى إلزامية اللجوء إلى مسطرة المصالحة البحرية بمعنى هل يمكن للبحارة اللجوء مباشرة إلى القضاء كما هو الحال على ذلك بالنسبة للأجير في إطار الصلح التمهيدي؟
اختزالا للمحطات الأساسية في الإجابة عن هذا التساؤل يمكن التأكيد أن هذه المسطرة هي مسطرة إلزامية ويتعين على المحكمة أن ترفض أي طلب لم يستوفي هذه المسطرة قبلا – الحكم بعدم القبول- وذلك ما أكده العمل القضائي الصادر في هذا الشأن كما أن المحضر المحرر من طرف السلطة البحرية يعتبر إذنا بالتقاضي يسمح للبحارة رفع دعواهم أمام القضاء .
لكن كيف يتم تحريك هذه المسطرة على مستوى الممارسة العملية؟
تتلخص هذه الإجراءات في ضرورة تقديم شكاية إلى السلطة البحرية المختصة- و للأمانة العلمية وحتى لا تفوتني الإشارة في هذا المضمار أن السلطة البحرية بأكادير تمسك سجل خاص بالشكايات تقييد فيه جميع الشكايات المقدمة من طرف البحارة و تكون مرقمة برقم تسلسلي حسب السنة- بعد ذلك يتم استدعاء الطرفين عن طريق توجيه استدعاء إداري معتمدا في ذلك على القوانين الجاري بها العمل وشروط التعاقد و ما تمليه الأعراف المهنية.

لهذه المسطرة فرضيتين: الفرضية الأولى وهي فشل مسطرة المصالحة حيث يتعين على المندوب المختص أن يحرر محضر عدم الصلح الذي يعتبر إذنا بالتقاضي يسلم للمعني بالأمر قصد رفع دعواه أمام القضاء.

الفرضية الثانية: وهي نجاح مسطرة المصالحة حيث يحرر محضر صلح بين الأطراف

لكن الإشكال الذي واجهنا في هذا الباب هو تحديد القيمة القانونية لمحاضر الصلح المحررة أمام السلطة البحرية؟
حقيقة يجب الرجوع إلى القواعد العامة لنؤكد أن عقد الصلح المحرر أمام السلطة البحرية هو عقد رسمي.

لماذا؟
لأنه مبرم أمام جهة رسمية مخول لها قانونا القيام بهذه المسطرة و كما لا يخفى على أحد أن الصلح المبرم بكيفية رسمية ينتج أثاره اتجاه الأطراف ولو كان أميا والشاهد على ذلك من النصوص الفصل 427 من ق.ل.ع.

كما يمكن اقتباس القيمة القانونية لهذه المحاضر من خلال مدونة الشغل حيث جعل المشرع المغربي من الاتفاق الذي يتم التوصل إليه في إطار الصلح التمهيدي نهائيا و غير قابل للطعن أمام المحاكم الابتدائية وهو ما جاء في المادة 41 منها.

وعلى مستوى الممارسة العملية فإن البحار لا يمكنه أن يتقدم بشكاية جديدة في موضوع سابق أجريت بخصوصه مسطرة المصالحة وفي الحالة التي لم يفي فيها المجهز بالتزاماته التي تعد بها أمام السلطة البحرية والمضمنة في المحضر، يتم تحرير محضر عدم الصلح و يرفق بمحضر الصلح الذي تم التوصل إليه سابقا وذلك من أجل إحالة النزاع على أنظار السلطة القضائية.

و بمجرد تحرير هذا المحضر ترفع السلطة البحرية يدها عن النزاع الذي يصبح من اختصاص المحكمة الابتدائية.

وغني عن البيان أن البحارة يخضعون لنفس ما تخضع له باقي الفئات المأجورة من حيث إجراءات التقاضي سواء على مستوى الدعوى أو التبليغ أو التنفيذ وغير ذلك.

إلا أنه وكما تعلمون فإن القاضي ملزم بإجراء محاولة التصالح بين الأطراف في بداية الجلسة كما ينص على ذلك الفصل 277 من ق.م.م.

لكن السؤال الذي ألح نفسه علينا هو هل القاضي ملزم بإجراء محاولة تصالح أخرى عملا بمقتضيات الفصل 277 من ق.م.م في نزاعات الشغل البحري؟

إجمالا يمكن القول إن الفصل 205 مكرر من .ق.ت.ب اعتبر المصالحة التي تقوم بها السلطة البحرية بمثابة المحاولة التي يجب إجراءها على يد قاض الصلح طبقا للقوانين الجاري بها العمل وعبارة قاضي الصلح كما لا يخفى عليكم ارتبطت بمحاكم الصلح التي أنشأتها سلطات الحماية.

ماذا نستنتج من ذلك؟
نستنتج أن المحكمة الابتدائية عند نظرها في نزاعات الشغل البحري تكون غير ملزمة بإجراء محاولة التصالح طبقا للفصل 277 ق.م.م مادامت هذه المحاولة قد تمت فعلا أمام السلطة البحرية.

و لو افترضنا جدلا أن القضاء المغربي يجري هذه المحاولة – وهذا ما تجري به الممارسة العملية طبعا- فإن التصالح المبرم أمامه في إطار الفصل 277 ق.م.م يضع حدا للنزاع وينفذ بقوة القانون و لا يقبل أي طعن وهنا يكمن الاختلاف بين الصلح المحرر في إطار المصالحة البحرية طبقا للفصل 205 مكرر من قانون التجارة البحرية و التصالح المبرم أمام السلطة القضائية في إطار الفصل 277 من ق.م.م.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن المحكمة الابتدائية تعقد جلساتها في القضايا الاجتماعية بقاض منفرد و بمساعدة كاتب الضبط وذلك خلال المرحلة الابتدائية أما مرحلة الاستئناف سواء تم أمام غرفة الاستينافات بالمحكمة الابتدائية أو ما محاكم الاستئناف فهي تعقد بقضاء جماعي.

لكن مع إحداث غرف تسمى غرف الاستئناف بالمحاكم الابتدائية والتي تختص بالنظر في بعض الاستينافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا يطرح التساؤل حول القضايا الاجتماعية التي لا تتجاوز قيمتها 20.000 درهم هل تقبل الطعن بالاستئناف أمام غرفة الاستئناف؟

يكفينا الرجوع إلى الفصل 19 من ق.م.م لتتضح لنا الرؤية بأن المحاكم الابتدائية تبت ابتدائيا في جميع القضايا الاجتماعية مع حفظ حق الاستئناف، إلا أن الجهة التي تختص بالاستئناف تختلف بحسب مبلغ الطلب .
بيت القصيد، أنه إذا كان أقل من 20.000 درهم انعقد الاختصاص لغرف الاستينافات أما إذا تعدى ذلك انعقد الاختصاص لمحكمة الاستئناف.

أساتذتي الأفاضل الأجلاء أعضاء لجنة المناقشة المحترمين
لو أن العرفان يخط لكم بالأقلام لجفت خجلا قبل أن تكتب أسمائكم ولكن يكفيني أن أفتخر اليوم أن أقف أمامكم لمناقشة هذه الرسالة المتواضعة التي تقدمت بها لنيل دبلوم نهاية التكوين في سلك الماستر المتخصص المقاولة والقانون فشكرا جزيلا لكم مرة أخرى أساتذتي الأفاضل الدكتـــورة نورة غزلان و الدكتورة حليمة بن حفو و الدكتور أحمد الدراري و أستاذي السيـــد حسن رفيق و هذا أقل ما تقدمه حروفي وكلماتي في حقكم فتقبلوا مني باقات الشكر والعرفان ونتمنى أن نكون عند حسن ظنكم، كما نشكر الحضور الكريم على حسن إصغائه و السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته.