ضوابط مزاولة غير السعوديين للعمل التجاري في المملكة العربية السعودية

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد

· التستر التجاري باب خلفي لممارسة غير السعوديين العمل التجاري بالمخالفة لنظام الاستثمار الأجنبي*

· المملكة تسمح للمستثمرين الأجانب بمزاولة العمل التجاري وتحمي المستثمر الوطني من منافستهم في قطاعات وأنشطة محددة

حرصت المملكة العربية السعودية على توفير فرص العمل لمواطنيها وحمايتهم في هذا الأمر من منافسة الأجانب لهم، خاصة في مجال الأعمال التجارية، ولذلك فإن الأنظمة المعمول بها في المملكة لا تجيز لهؤلاء الأجانب ممارسة هذه الأعمال إلا إذا كان مصرحا لهم بمزاولتها وفقا لنظام الاستثمار الأجنبي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 5/1/1421هـ ولائحته التنفيذية. وفي بحثه في هذا الشأن عن: “ضوابط مزاولة غير السعوديين للعمل التجاري في المملكة العربية السعودية”. طرح د.زهير عباس كريم تساؤلا مهما يبرز موضوع بحثه وأهميته وهو: ما هي الأعمال التجارية التي لا يجوز لغير السعودي مزاولتها في المملكة خارج إطار نظام الاستثمار الأجنبي؟، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار أن الأنظمة التجارية المعمول بها في المملكة، وخاصة نظام المحكمة التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/32) في 15/1/1350هـ لم يضع تعريفا محددا للعمل التجاري، كما أنه لا يوجد تعريفا جامعا مانعا له، وليس هناك معيارا واحدا لتحديده،…بالإضافة إلى محددات وضوابط ومعايير وتفاصيل أخرى نتابعها من خلال استعراضنا هذه الورقة العلمية التي تتكون من مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة..

يشير الباحث في مقدمة بحثه إلى ملحوظة مهمة تتمثل في وجود صعوبات حقيقية أمام تفعيل مبدأ منع غير السعوديين من مزاولة العمل التجاري في المملكة في غير الإطار النظامي؛ ذلك أن شراح الأنظمة التجارية لم يتفقوا على معيار واحد يمكن من خلاله تمييز العمل التجاري عن غيره: فبعضهم استند إلى اعتبارات اقتصادية كمعيار المضاربة ومعيار التداول، بينما اعتمد البعض الآخر على اعتبارات قانونية كمعيار الحرفة ومعيار المشروع أو المقاولة. إضافة إلى أن التعداد الوارد للأعمال التجارية في نظام المحكمة التجارية جاء على سبيل المثال وليس الحصر.

تحديد الأعمال التجارية

يرى د.زهير أنه لكي نفهم موضوع بحثه بشكل أكثر عمقا وتحديدا ينبغي أن نتعرف على الأعمال التجارية في النظام السعودي، والتي نصت عليها المادة الثانية من نظام المحكمة التجارية – السابق الإشارة إليه – حيث يتضح وجود نوعين من هذه الأعمال: أصلية، وتبعية.

فالنوع الأول وهو الأعمال التجارية بطبيعتها أو الأصلية، هي المهم – بحسب رأي الباحث – وتنقسم إلى قسمين: أولهما الأعمال التجارية المنفردة والتي تعتبر تجارية حتى ولو وقعت لمرة واحدة بصرف النظر عن صفة القائم بها سواء كان تاجرا أم غيره، وتتحدد في خمسة أعمال هي: شراء المنقول لأجل البيع، وكل ما يتعلق بسندات الحوالة (الكمبيالات)، وأعمال الصرافة، والسمسرة (الدلالة)، والأعمال المتعلقة بالتجارة البحرية. وثانيهما عبارة عن أعمال تجارية بطريق المقاولة أو المشروع والتي يقصد بها تلك الأعمال التي لا تعتبر تجارية إلا إذا تمت مباشرتها على وجه الاحتراف أو المقاولة، وتفترض فكرة المقاولة توافر شرطين أساسيين وهما: تكرار العمل على نحو متصل معتاد، ووجود تنظيم يهدف إلى القيام بالعمل على نحو مستمر، وتشمل أعمال المقاولة: مقاولة التوريد، ومقاولة الوكالة بالعمولة، ومقاولة النقل البري والبحري، ومقاولة المحلات والمكاتب التجارية، ومقاولة البيع بالمزاد، ومقاولة إنشاء المباني.

أما النوع الثاني فهو الأعمال التجارية التبعية، وهي أعمال مدنية بطبيعتها، ولكنها تكتسب الصفة التجارية لصدورها من تاجر وتعلقها بشئون تجارته.

التستر التجاري

ويعالج الباحث في المبحث الثاني “مزاولة غير السعودي العمل التجاري بالمخالفة لنظام مكافحة التستر”، مبينا إمكانية ممارسة غير السعودي العمل التجاري في حالتين: الأولى عندما يتم ذلك بصورة مباشرة باسمه الخاص مخالفا بذلك مبدأ منع الأجانب من ممارسة التجارة، والثانية من خلال اتفاق غير السعودي مع مواطن أو مستثمر أجنبي على أن يستعمل اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري في ممارسة العمل التجاري مخالفا بذلك نظام مكافحة التستر، والذي يُعاقب عليه كل من المتستر والمتستر عليه بالعقوبات المقررة في هذا النظام.

ويعرف التستر التجاري بأنه تمكين غير السعودي من ممارسة نشاط تجاري لا تسمح الأنظمة المعمول بها في المملكة بممارسته، سواء لحسابه الخاص أو بالاشتراك مع الغير، وذلك من خلال استعمال اسم المتستر أو ترخيصه، أو سجله التجاري، وسواء كان المتستر من المواطنين أو من المستثمرين الأجانب المرخص لهم مزاولة النشاط التجاري.

ويشير الباحث د.زهير إلى أن التستر بصفة عامة لا يقتصر على الأنشطة التجارية فقط، بالرغم من أنه الوضع الغالب في حالات التستر، وأن المتستر يكون غالبا مواطنا سعوديا، رغم أنه من الممكن أن يكون المتستر أجنبيا. أما المتستر عليه فهو كل شخص لا يحمل الجنسية السعودية. ويبرز الباحث وجود استثناءين على مبدأ منع غير السعودي من ممارسة التجارة خارج إطار نظام الاستثمار الأجنبي: يتعلق الأول بالأجانب المشمولين بقرار مجلس الوزراء رقم (3) وتاريخ 1/1/1398هـ، والاستثناء الثاني يشمل كل مواطني مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ويرصد البحث عددا من صور التستر التجاري، مقررا أن هناك بعض أنواع الأعمال التجارية المنفردة تعتبر مجالا للتستر التجاري مثل أعمال الصرافة، وأعمال الوساطة التجارية، وكذلك مقاولة الوكالات التجارية التي تعتبر من أمثلة الأعمال التجارية التي تتم بطريق المقاولة ويحصل فيها التستر التجاري، بالإضافة إلى وكالة العقود، ووكالة الأعمال أو الأشغال.

ويناقش الباحث أيضا ضبط مخالفات التستر التجاري والتحقيق والفصل فيها وعقوباتها، لافتا إلى أن الجهة المختصة بضبط هذه المخالفات هي وزارة التجارة والصناعة، وذلك عن طريق موظفين من الوزارة تكون لهم صفة مأموري الضبط، ويصدر قرارا بتسميتهم من معالي وزير التجارة والصناعة، وبالنظر إلى نظام مكافحة التستر ولائحته التنفيذية نجد أن دور الوزارة لا يقتصر على القيام بأعمال الضبط والتفتيش والتحري، بل أن الدور الأساسي الآخر للوزارة هو التوعية بمخاطر التستر والتحذير من أضراره على الاقتصاد الوطني.

وقد حددت المادة الثالثة من اللائحة اختصاصات موظفي الضبط مجتمعين أو منفردين وتشمل: البحث والتحري عن حالات التستر وجمع الأدلة وتقييمها والقيام بجميع الإجراءات النظامية للتثبت من وقوع مخالفة ومكان ارتكابها، وكذلك تلقي البلاغات والشكاوى وقيدها في سجل خاص يعد لذلك وإعداد محضر، والانتقال إلى موقع المخالفة وضبطها مع المستندات المؤيدة، وتفتيش جميع المنشآت والمحلات والمكاتب والمستودعات وما في حكمها. ومن الجدير بالذكر أن الجهة القضائية المختصة بالنظر والفصل في تلك المخالفات هي ديوان المظالم.

الاستثمار الأجنبي

يرى الباحث أن السماح لغير السعوديين بمزاولة العمل التجاري في المملكة ضمن إطار نظام الاستثمار الأجنبي، له ما يبرره: إذ لا يمكن لأي دولة مهما بلغ تطورها الاقتصادي أن تنعزل عن باقي دول العالم، كما أن الاستثمار يعمل على توطيد العلاقات الاقتصادية بهذه الدول، واستقطاب المعارف الفنية والصناعية، زيادة فرص العمل الوظيفية للمواطنين والحد من البطالة.

وبصفة عامة يخضع الاستثمار الأجنبي في المملكة للنظام الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 5/1/1421هـ ولائحته التنفيذية. ويتحدد الأشخاص المخاطبون بنظام الاستثمار الأجنبي وهم المستثمرون الأجانب والمستثمرون معهم في مشروعات مشتركة من المواطنين. ووفقا للمادة الخامسة من نظام الاستثمار الأجنبي والمادة الرابعة من لائحته التنفيذية، يجوز أن تكون الاستثمارات الأجنبية المرخص لها للعمل في المملكة طبقا للنظام بإحدى الصورتين: أولاهما هي منشآت مملوكة لمستثمر وطني ومستثمر أجنبي، والثانية منشآت مملوكة بالكامل لمستثمر أجنبي، ويستثنى من مجالات الاستثمار الأجنبي قطاعان مهمان هما: قطاع الصناعة، وقطاع الخدمات؛ وهو ما يمكن تبريره بتوفير الفرصة للمستثمر الوطني للاستثمار في هذه القطاعات والأنشطة بعيدا عن منافسة المستثمرين الأجانب.

وقد تضمن ذلك النظام ولائحته التنفيذية تحديدا لحقوق والتزامات المستثمر الأجنبي: فمن بين حقوقه على سبيل المثال التمتع بحوافز ومزايا وتملك عقارات وغيرها، وكمثال لالتزاماته التقيد بكل الأنظمة واللوائح والتعليمات المعمول بها في المملكة العربية السعودية وبالاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفا فيها. وتجدر الإشارة إلى أن من يرغب في الاستثمار في المملكة مزاولة نشاطه، بناء على ترخيص بذلك يصدر عن الجهة المختصة وهي الهيئة العامة للاستثمار، وهو ما يتم بعد توافر شروط وضوابط معينة ووفقا لإجراءات معينة.

ويختتم د.زهير بحثه بشرح مخالفات نظام الاستثمار الأجنبي، وعقوباتها التي تتدرج من حجب كل أو بعض الحوافز والمزايا المقررة للمستثمر الأجنبي، ومرورا بفرض غرامة مالية لا تتجاوز 500 ألف ريال سعودي، إلى إلغاء ترخيص الاستثمار الأجنبي. وقد كفل النظام للمستثمر الأجنبي أن يتظلم من هذه العقوبات.