بحث قانوني حول اخلاقيات الوظيفة العامة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

أصبح موضوع أخلاقيات الوظيفة العامة من المواضيع التي تحظى باهتمام كبير ومتزايد في الآونة الأخيرة وذلك لكونها من أهم دعامات النجاح في وضع المؤسسات فهي تعكس ثقة المنظمة او المؤسسة في موظفيها وأجهزتها وكذلك ثقة المجتمع .
وكما هو معروف فلا يتوقف أمر أخلاقيات العمل عند المدارس و الجامعات والوزارات والمؤسسات العامة بل يأخذ الأمر بعداً اكبر في الحياة العملية سوا في القطاع العام أو القطاع الخاص .
وتلقى أخلاقيات العمل اهتماماً كبيرا فنجد أكثر الجامعات تدّرس مادة في أخلاقيات العمل و الإدارة ,و نجد أن أخلاقيات العمل تجد جذورها بالفعل منذ الدراسة الابتدائية و ذلك بان ينشأ الطالب على الغش في الامتحانات أو نقل الواجبات هي عملية لا يصح أن يقوم بها الشخص السوي و يتم التعامل مع هذا الأمر بصرامة , و بذلك يعتاد الطالب على احترام حقوق الآخرين في ابسط الأشياء مثل الانتظار في الطابور و الالتزام بقواعد المرور , فهذه الأشياء البسيطة تؤخذ بجدية شديدة جدا و بالتالي يترعرع الطالب وهو يحترم فضيلة الصدق و العدل و الأمانة وأداء الواجب وهذه هي محاور أخلاقيات العمل .
وعلية ارتأيت تكريس ورقتي البحثية لموضوع أخلاقيات الوظيفة العامة وأثرها في تقليل الفساد الإداري ،وستتضمن هذه الورقة ما يلي :
أولاً :مفهوم أخلاقيات الوظيفة العامة
ثانياً : عناصر اخلاقيات الوظيفة العامة
ثالثاً: مصادر اخلاقيات الوظيفة العامة
رابعاً :أثر الالتزام باخلاقيات الوظيفة العامة على تحسين الاداء
خامساً أخلاقيات الوظيفة العامة و الفساد الاداري
سادسا :اخلاقيات الوظيفة العامة في الاردن
سابعاً :الخاتمة

اولاً :مفهوم أخلاقيات الوظيفة العامة :
تعددت المفاهيم التي جاءت في سبيل بيان وتحديد مفهوم أخلاقيات الوظيفة العامة فهنالك من عرّفها بأنها مجموعة من الآداب والقيم أو القواعد التي تعتبر صوابا بين أصحاب مهنة معينة.
والبعض الأخر عرف كلمة الأخلاقيات بأنها : وثيقة تحدد المعايير الأخلاقية والسلوكية المهنية المطلوب ان يتبعها أفراد جهة مهنية. وتعرف بأنها بيان المعايير المثالية لمهنة من المهن تتبناه جماعة مهنية أو مؤسسة لتوجيه أعضائها لتحمل مسؤولياتهم المهنية.” ولكل مهنة أخلاقيات وآداب عامة حددتها القوانين واللوائح الخاصة بها، ويقصد بآداب وأخلاقيات المهنة مجموعة من القواعد والأصول المتعارف عليها عند أصحاب المهنة الواحدة، بحيث تكون مراعاتها محافظة على المهنة وشرفها .

ثانياً : عناصر أخلاقيات الوظيفة العامة:
تعرض الكثير من الدارسين والباحثين والكتاب إلى عناصر أخلاقيات الوظيفة العامة وتتمثل فيما يلي :
1. الالتزام بالقوانين والانظمة.
2. احترام القيم والعادات التي يقوم عليها المجتمع.
3. العدالة والإنصاف وعدم التحيز .
4. احترام الوقت و التقيد بالدوام.
5. الانتماء والولاء للمنظمة .
6. حب العمل.
7. الأمانة والنزاهة و الحكمة والإخلاص.
8. السرعة والإتقان في انجاز العمل.
9. المحافظة على ممتلكات الدولة أو الشركة.
10. تنمية الكفاءات العلمية والعملية من قبل المديرين.

ثالثاً: مصادر أخلاقيات الوظيفة العامة
لابد من تحديد المنبع الذي نستقي منه الاخلاقيات التي لابد من التقيد به في نطاق الوظيفة العامة بشكل خاص ،وتتمثل هذه المصادر فيما يلي :-

1- الدين “العقيدة “
يشكل الدين المصدر الاساسي من مصادر القيم الاخلاقية التي لابد من الالتزام بها من الكافة .
فالدين يحض على الاستقامة والطاعة كما يحض على النزاهة في العمل مع الآخرين فهذا من وجهة وأما من الجهة الأخرى فلأنه هو المصدر الحقيقي للمسئولية الشخصية والتي تتبع الرقابة الذاتية. فالرقابة بأنواعها من تقاليد حديثة لا يمكن أن تحقق الرقابة الجدية. والفوائد المستوحاة إذا لم تكن نابعة من ذا بالفرد، وتتبع أهمية الرقابة الذاتية نظراً لصدورها عن الفرد ذاته انطلاقة من إيمان وإحساس بأهمية النقد الذاتي وفائدته والوعي الأكيد بالمسئولية الذاتية نتيجة اندفاع داخلي دون الخوف من عقاب أو طمع في جزاء أو نتيجة ضغط أو إكراه .
. ويؤدي كل ذلك إلى دعم وشائج الصلة وتعزيز الثقة بين الرؤساء والمرؤوسين وجمهور المنتفعين المتعاملين مع التنظيم أو المؤسسة .
ومصدر هذه الرقابة في القرآن الكريم من قوله تعالى ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ” التوبة 105، وقوله صلى الله عليه وسلم ” إنما الأعمال بالنيات” رواه البخاري .

2- الأسرة
بما ان الاسرة هي النواه الاولى التي ينخرط فيها الانسان فأنه من الطبيعي ان ينقل الفرد كل سلوك ورثه من اسرته الى التنظيم او مكان عملة وهذا السلوك يعبر عن واقع بيئته المعيشية وظروف حياته المادية.
فمثلا الأسرة التي تربي أبناءها على المبادئ والمثل الدينية من صدق وأمان واحترام يبقى هؤلاء الأبناء متمسكين بهذه المبادئ ، وإما التي تربي أبناءها على عدم احترام القيم والمبادئ والتشكيك فيهما ، فأن هؤلاء الأبناء سينقلون نظرتهم إلى القيم والمبادئ إلى التنظيم الذي سوف يعملون فيه .

3- المؤسسات التعليمية
إن المؤسسة التعليمية لها دور كبير في إعداد الطلبة لدخول المجال الوظيفي وفي تكوين الشخصية ، حيث تستطيع توجيهم وتوعيتهم وتدريسهم بعض المساقات في الدين والأخلاق والعلاقات العامة حتى تنجح في تنمية سلوك الطالب الإيجابي تجاه المسئولية والانتماء والإخلاص .

4- المجتمع
إن المجتمع الذي تسوده قيم سياسية أو اجتماعية أو عقائدية متناغمة لابد وأن ينقل أفراده هذه القيم إلى التنظيم ، وإذا كانت هذه القيم تحرص على وضع حد للمخالفات واللاأخلاقيات وتعاقب المعتدي ولا تراعي فرداً على آخر لجاهه أو مكانته في المجتمع فإنها ستسيطر على الفرد وحال انتقاله إلى المؤسسة أو التنظيم .

5- القيادة والقدوة
إن القيادة الإدارية الناجحة هي التي تستطيع أن تبت في الهياكل الجامدة روح الحياة عن طريق إشعار كل موظف في الإدارة بأنه عضو في جماعة تعمل متساندة ومجتمعة لتحقيق هدف معين في التنظيم ،فالحياة في أي تنظيم لا تنبعث من الهيكل الذي تقوم عليه ،بل تتوقف علي خصائص القيادة يجب أن تصدر قراراتها في سهولة ولطف ولين دون تكليف ،وأن تقوم السلطة لا على التسلط والمقصود بالتسلط هو” القوة التي تجعل المرؤوسين يذعنون لها عن رهبة وليس عن رغبة ”
أن القيادة القدوة هي التي تأخذ الأمور بقوة ليس فيها شدة ولين ليس فيه ضعف ،وتستطيع أن تغرس فضائل الأخلاق في نفوس المرؤوسين وتوجد روح الجماعة التي تتعاون فيما بينها ،وتحترم الآخرين ،وتكون خادمة لمصالح العامة لا سيدة لها لأنها اكتسبت هذه الأخلاق من رؤسائها وتسقيها لمرؤوسيها0

6- الحس الوطني
وهو الشعور بالمسؤولية والانتماء إلى هذا الوطن الذي تعيش تحت سمائه وتأكل من خيراته بأنه أمانه وفي الوقت الذي سوف تخونه فقد خنت الله ورسوله والمجتمع فمن المعلوم أن حب الأوطان من الإيمان فيجب أن يتحول حبنا لوطننا من مجرد شعارات إلى أفعال من خلالها نحاسب أنفسنا وننصح الآخرين حتى لا يتحول الوطن إلى مجرد مطية مال عام منهوب وسائب .

7- الذات
إن الإنسان لا يسعى إلى تحقيق غاية ما إلا إذا كان لها صدى في نفسه وتستثير شغفاً خاصاً عنده، ومن هذا فإن العمل الأخلاقي لابد وأن يبدو جميلا وجذابا أمام الذات الإنسانية لكي تقدم عليه ،وبالتالي فإن هذه الذاتية ستعمل على إخضاع القواعد الأخلاقية نفسها إلى نظرة الفرد وتقديره الخاص وهذا أمر محفوف بالمخاطر لأنه يعطي القواعد الأخلاقية الثبات والاستقرار.

رابعاً :أثر الالتزام باخلاقيات الوظيفة العامة على تحسين الاداء
بما أن الموظف هو جزء من المجتمع فعليه يجب أن يحقق التوافق بين المصالح الشخصية والمصالح العامة ، فقد يلجأ الموظف العام الى استغلال وظيفة لتحقيق مصالحه الشخصية . إن عدم الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة سوف يؤدي إلى ضعف دور الحكومة لأنه يقلل من مصداقية وصورة الحكومة في أذهان الجمهور فضلاً عن الآثار السلبية الناشئة عن فقدان الثقة من الحكومة والتي تنعكس بشكل ومباشر في عدم الاستقرار السياسي ، كذلك هناك أثار اقتصادية تتمثل في ضعف سمعة البلد في معاملاته الاقتصادية والإقليمية والدولية وتبديد الثروات والمساعدات والقروض كما حدث في العراق بعد الاحتلال فضلاً إن هناك آثار قانونية ، إدارية ، أخلاقية ، اجتماعية.
تأسيسا على ما سلف هناك مجموعة من المبررات تدفع المنظمات على اختلاف أنواعها باتجاه تحسين الأداء هي :-
1-إن الالتزام بالمعايير الأخلاقية للوظيفة العامة سوف يؤدي إلى تنمية قدرات العاملين وتحفيزهم على تحسن الأداء .
2-احترام حقوق ومصالح الآخرين سوف يؤدي إلى زيادة الثقة بالمنظمة ويعزز من مكانتها لدى زبائنها .
3-تطور القدرات المهنية والتعرف على آخر المستجدات في مجال عمله سوف تؤدي إلى تحسين الأداء .
4-الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية وقواعد السلوك الوظيفي عامل أساس في تحسين كفاءة أداء العاملين في المنظمة .
5-الشفافية في تنفيذ الأعمال الموكلة للعاملين سوف يعزز من الطاقة الذهنية للمنظمة لدى الجمهور ويحافظ على موقفها التنافسي .
6-الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية يعزز من الأداء المنظمي من خلال العمل كفريق واحد .
7- ضمان حرية الرأي والتفكير للعاملين سوف يعزز من ولائهم تجاه المنظمة التي يعمل بها وبالتالي تحسين أدائهم.

خامساً أخلاقيات الوظيفة العامة و الفساد الإداري
إن أخلاقيات الوظيفة العامة تتشابه إلى حد كبير مع المعايير والقيم التي تركز عليها مع أخلاقيات الإدارة في شركات الإعمال فالنزاهة والأمانة والامتثال للقانون وغيرها هي مبادئ أخلاقية ضرورية في المؤسسات الحكومية كما هي ضرورية في شركات الإعمال. إن مرونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة ضرورة في المؤسسات الحكومية ليس فقط في جعل الوظيفة العامة أكثر استقامة واستجابة للتطور المهني في حقل الإدارة العامة وأداء الواجبات بطريقة فعالة بل بتقدم الخدمة العامة على الخدمة الذاتية ، وهذا هو جوهر الصراع بين الفرد ومبررات قيامه للفساد حيث إن المواجهة الحقيقية للفساد لا تكون بين القواعد والنظم والإجراءات إن ما يكمن في النفوس والاتجاهات والضمائر. إذن ما ينبغي التأكيد عليه هو اعتماد الحصانة والاستقامة والرقابة الذاتية في مواجهة الفساد والتي عادة ما تغير من القيم والمعتقدات بعيداً عن حسابات الربح والخسارة وهذا ما يتفق مع النموذج الياباني الذي يؤكد على العوامل الناعمة ( القيم والمبادئ والاتجاهات ، أي نقل مركز التأثير في مواجه الفساد من الجوانب الخارجية الفعلية الى الجوانب الداخلية الذاتية الناعمة – النوعية والمعيارية – إذن لا مناص من البعد الإنساني وان المؤسسة بدون التزام نفساني حي شبيه بالفرد الخالي من الروح.

في هذا السياق يمكن أن تلعب أخلاقيات الوظيفة العامة دوراً فعالاً في إدارة هذا البعد الإنساني وعوامل الروح في مواجهة الفساد حيث الأخلاقيات لا تحمي فقط الفساد وحسب بل وإنها توجد ذلك الإحساس العميق في نقوس الأفراد العاملين والمواطنين بالفخر والاعتزاز ، إن دعم البعد الإنساني في الالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية لابد أن يأتي بمشاركة فعالة من قبل الجمعيات المهنية الخاصة بالإدارة العامة أو الجمعيات المهنية القطاعية للموظفين الذي يعملون في قطاعات مثل السياحة ، الزراعة ، النفط. إن تفعيل الإبعاد التي تم الإشارة إليها أعلاه سوف يقلل من الآثار السلبية من الفساد الإداري الآتية :-
1- بضيف النمو الاقتصادي الناشئ من ضعف الاستثمار.
2- الأضرار بجودة البيئة الأساسية والخدمات العامة
3- التأثير على الأداء الاقتصادي من خلال تشويه عناصر النفقات الحكومية .
4- يؤدي إلى زيادة التكاليف الإدارية بسب الخسارة في العائدات الحكومية.
وتأسيسا على ما سلف، تحاول الحكومات والإدارات مواجهة الفساد من خلال عدد من الممارسات هي:
أ‌- إصدار مدونة أخلاقيات الوظيفة العامة التي تتضمن مجموعة من المبادئ والقيم التوجيهية من اجل الاستقامة في الوظيفة والارتقاء بها من حيث السمعة والنزاهة والجدارة .
ب‌- إعداد برامج تدريبية في مجالات أخلاقيات الوظيفية العامة وحسب القطاعات وإلزام الموظفين العاميين بها بما يؤدي إلى خلق الاهتمامات وإيجاد الخبرات اللازمة للارتقاء بالوظيفة العامة والحد من أسباب ومظاهر الفساد .
ج- التقييم لمجالات الفساد في كل المؤسسات العامة من اجل توجيه الجهود اللازمة لتوعية الموظفين والحد منها .
د- إيجاد حوافز خاصة بأخلاقيات الوظيفة العامة على مستوى المؤسسات القطاع العام كله وعلى مستوى الأفراد في كل مؤسسة حكومية .
وأخيراً فإن أخلاقيات الوظيفة العامة قد أصبحت حاجة ضرورية في مواجهة الفساد الإداري؛ تعبر عن المسؤولية المتعددة المستويات بدءاً من المسؤولية الذاتية على مستوى الفرد والمسؤولية الأخلاقية في الولاء للمثل والمسؤولية المهنية والمسؤولية العامة وصولاً إلى المسؤولية الوطنية والقومية والمسؤولية الدولية .

سادسا :أخلاقيات الوظيفة العامة في الأردن
اقر مجلس الوزراء الأردني في عام 2006 مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة بموجب القرار رقم 1758 تاريخ 11/7/2006 كأداة من أدوات التطوير والتحديث في القطاع العام وعلى الرغم من اقرار مدونة قواعد السلوك الوظيفي واخلاقيات الوظيفة العامة عام 2006 الا ان تفعيلها تأخر اربع سنوات ، لتفعل عام 2010 تحت شعار شرف الوظيفة العامة من كرامة المواطن.

وكان الدور ملقى على عاتق وزارة تطوير القطاع العام والتي حملت مسؤولية تفعيل المدونة لتحقق رؤيتها المتمثلة في ادارة حكومية موجهة بالنتائج ومتوجهة للمواطن تعمل بكفاءة وفاعلية .
هذه الرؤية جاءت بتوجيهات ملكية سامية ، فقد اوعز جلالة الملك عبدالله الثاني في كتاب التكليف للحكومة بضرورة ان يصدر عن الحكومة وثيقة ملزمة لكل العاملين في القطاع الحكومي وعلى جميع مستويات الخدمة المدنية توضح كل المعايير الاخلاقية والقانونية التي يجب على الموظف العام الالتزام بها طوال فترة خدمته .
والمدونة فعلت لتكون المسار الذي يجب ان يتخذه الموظف العام الخاضع للخدمة المدنية او المؤسسات والدوائر المستقلة لتحديد مهامه ومسؤولياته .

دواعي اصدار المدونة :
– ان التشريعات الاردنية لا تخلو من النصوص العامة المنظمة لعلاقة الموظف بالوظيفة والمعززة لمبادئ المساءلة والشفافية، الا انه ونظراً لصعوبة المام الموظف العام بتلك النصوص المتناثرة في طيات التشريعات المختلفة، وخوفا من الاجتهاد بالتفسير لتلك النصوص عند التطبيق جاءت المدونة لتشكل إطاراً متكاملاً جُمع خلاله العديد من النصوص العامة المنظمة لعلاقة الموظف بالوظيفة والمعززة لمبادئ المساءلة والشفافية المقرّة تشريعياً أو محتواها، ووضعها في متناول يد الموظف.
وهي تشكل مرجعية توضيحية تضمنت العديد من المعايير والمبادئ الأساسية المفسرة لتلك النصوص واللازمة لتطبيقها بشكل يضمن سلامة التطبيق وتوحيد إجراءاته بين الجهات المختلفة.
وهي اداة وقائية وتوجيهية تُعنى بمنع المخالفات قبل وقوعها، حيث انه من خلال توضيح مهام ومسؤوليات الموظف وحقوقه بشكل واضح ودقيق وتعريفه معايير السلوك الوظيفي السليم وأوجه المخالفات والمحظورات المختلفة، سوف يساعد على الوقاية من ارتكاب تلك المخالفات قبل وقوعها.

مدى إلزامية المدونة :
ان المدونة بإطارها الحالي ملزمة، حيث تستند بالزاميتها على بعدين اساسيين، البعد الأول هو السند التشريعي الذي صدرت بموجبه المدونة، والبعد الثاني فهو اطار المتابعة والمساءلة القانونية لاوجه المخالفات المتعلقة باحكام المدونة.
اما بالنسبة للبعد الاول، فقد صدرت مدونة قواعد السلوك الوظيفي واخلاقيات الوظيفة العامة بموجب قرار مجلس وزراء رقم (1758) لعام 2006، وذلك استنادا لكون مجلس الوزراء، صاحب الصلاحية وصاحب الولاية على الوظيفة العامة، وله إصدار أي بلاغات أو قرارات لتنظيم عمل موظفي الدولة وإرساء قواعد ومبادئ للارتقاء بأداء القطاع العام.
ومن ناحية اخرى فان انظمة الموارد البشرية العاملة بالقطاع العام بما فيها نظام الخدمة المدنية تنص على ان مخالفة الموظف للتشريعات المنظمة لعلاقته بالوظيفة العامة بما فيها القرارات المعمول بها، تستوجب ايقاع عليه إحدى العقوبات المحددة في تلك الانظمة.
وعليه وبناء على ما سبق، وحيث أن المدونة قد صدرت بموجب قرار مجلس الوزراء، ووفقاً لمفهوم النصوص الواردة في انظمة الموارد البشرية بالقطاع العام ، فإن أي مخالفة للمدونة تستوجب المساءلة واتخاذ الإجراءات والعقوبات التأديبية بموجب تلك الانظمة، أي أن المدونة ملزمة.
الية التعامل مع اوجه المخالفات المتعلقة باحكام المدونة في ظل عدم تحديد المدونة للعقوبات المتعلقة بتلك المخالفات:
إن المدونة لم تأت لتحل محل أي من التشريعات الحالية المنظمة لعلاقة الموظف بالوظيفة والمعززة لمبادئ المساءلة والشفافية، وانما وكما تم الاشارة سابقا الى انها جاءت لتشكل إطاراً متكاملاً جُمعت خلاله معايير السلوك الوظيفي الواردة في النصوص المقرة تشريعيا او محتواها ووضعها في متناول يد الموظف.
وبالتالي فان معظم اوجه المخالفات لاحكام المدونة تم تغطيتها اصلاً من خلال التشريعات الاخرى ذات العلاقة المنظمة لعلاقة الموظف بالوظيفة العامة مثل قانون العقوبات، نظام الخدمة المدنية، قانون سرية الوثائق والمعلومات، قانون اشهار الذمة المالية، قانون مكافحة الفساد، وانظمة الموارد البشرية في المؤسسات المستقلة وغيرها، وعليه فان المساءلة لاوجه مخالفات المدونة تتم من خلال تفعيل وتنظيم علاقة المدونة بتلك التشريعات.

و في ضوء ماسبق فقد قامت وزارة تطوير القطاع العام من خلال محور الاطار التشريعي للخطة التنفيذية لتفعيل المدونة بالعمل على حصر كافة اوجه المخالفات الواردة في المدونة وتحديد وما يماثلها من عقوبات في التشريعات الأخرى، كما وتعمل ايضا على تحديد اوجه المخالفات التي لم يتم تغطيتها بوضوح باي من التشريعات الاخرى، منها على سبيل المثال المخالفات المتعلقة بتضارب المصالح، وذلك تمهيدا لتحديد الاطار التشريعي اللازم لتغطية تلك المخالفات والعقوبات التي تتناسب معها.
وتعتبر المدونة اداة وقائية لمنع الوقوع بالمخالفات وذلك لان ضمان عدم وقوع تجاوزات سلوكية من قبل موظفي القطاع العام، لا يتأتى فقط من خلال توفر الاطر التشريعية المنظمة لذلك وانما من خلال الالتزام بتطبيق معايير السلوك الوظيفي السليم الواردة في تلك التشريعات، حيث كما سبق واشرت الى ان التشريعات الاردنية مليئة بالنصوص المنظمة لعلاقة الموظف بالوظيفة العامة والتي تعتبر تدابير علاجية تشتمل على الثواب والعقاب لتقويم السلوك ومعالجة الخلل الواقع،الا اننا لا نزال نرصد تجاوزات سلوكية في الوظيفة العامة.

ويرجع السبب فيها بالاغلب الى عدم المام بعض موظفي القطاع العام بأوجه المخالفات والمحظورات لمعايير السلوك الوظيفي السليم، الامر الذي يتسبب في الوقوع بتجاوزات سلوكية غير مقصودة من شانها التاثير على مستوى ثقة المواطن بالخدمات التي تقدمها الحكومة ونزاهتها في تقديم تلك الخدمات، وعليه فقد ركزت المدونة من خلال احكامها المختلفة على تعريف الموظف بمعايير السلوك الوظيفي السليم وتوضيحها، الامر الذي سوف يساعد على الوقاية من ارتكاب تلك المخالفات قبل وقوعها.
والسبب الاخر غياب الرقابة الذاتية للموظف على سلوكيته، حيث يلتزم بها فقط في حال وجود رقابة عليه من قبل المسؤول.
حيث عملت وتعمل وزارة تطوير القطاع على توفير تدابير احترازية وقائية لتكون بمثابة السياج الذي يحمي الموظف من الوقوع في التقصير أو الخطأ، اضافة الى تنمية وتحفير الرقابة والمساءلة الذاتية لدى موظفي القطاع العام، وذلك من خلال تفعيل الجانب الفقهي والديني لأحكام المدونة واعداد دليل للممارسات اضافة الى إتاحة المجال أمام موظفي القطاع العام للاستفسار حول المدونة وبنودها والحالات التي قد يتعرض لها الموظفون وينتابهم الشك حول كيفية التصرف او التعامل معها من خلال تفعيل آليات الاستفسار.

كيفة تفعيل الجانب الفقهي والديني لأحكام المدونة
نظرا لأهمية البعد الديني وأثره على الأخلاقيات الوظيفية، فقد سعت الوزارة الى تفعيل هذا الجانب من خلال عدة مجالات منها تفعيل الشراكة مع دائرة الافتاء العام والذي تم تتويجها بتوقيع مذكرة التفاهم معهم، اضافة الى إعداد دليل فقهي للأخلاقيات الوظيفية- بالتعاون مع دائرة الافتاء العام -موجهاً لكافة الموظفين والمواطنين لحثهم على الالتزام بالمدونة وبنودها من خلال تسليط الضوء على المستند الشرعي لمرتكزات المدونة ضمن ادلة شرعية من الكتاب والسنة وشموله على صور من التطبيق الحقيقي والعملي لمعايير السلوك من قصص الأنبياء والصالحين والصحابة رضوان الله عليهم.
هذا ويتم الاستفادة من هذا الدليل في الجلسات الحوارية مع موظفي الوظائف القيادية والاشرافية التي تعقدها الوزارة بمشاركة دائرة الافتاء العام، كما وقد تم ادخال مضامينه ضمن الرسائل التوعوية التي تم توجيهها للموظفين والمواطنين من خلال الحملة التوعوية الخاصة بالمدونة.
هذا واود التوضيح الى ان الدليل متوفر على الموقع الالكتروني للوزارة ودائرة الاقتاء، اضافة الى توفر نسح ورقية منه لدى الوزارة.

نص مدونة السلوك الوظيفي
المادة (1) : تسمى هذه القواعد مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة للعاملين في المركز الوطني لحقوق الإنسان.
المادة (2) : تعتمد التعاريف الواردة في تعليمات إدارة الموارد البشرية في المركز الوطني لحقوق الإنسان والصادرة بموجب المادة (22) من قانون المركز رقم (51) لسنة 2006 لغايات هذه القواعد.
المادة (3) : تهدف هذه القواعد إلى ما يلي:
‌أ. إرساء معايير أخلاقية، وقواعد ومبادئ أساسية لآداب الوظيفة وقيم وثقافة مهنية عالية لدى موظفي المركز، وتعزيز الالتزام بهذه المعايير والقواعد والقيم، وترسيخ أسس الممارسات الجيدة والحاكمية الرشيدة، وذلك من خلال توعية موظفي المركز وتوجيههم نحو الأخلاقيات الوظيفية السليمة وأطر الانضباط الذاتي التي تحكم سير العمل في المركز والمنسجمة مع قانونه، وكذلك من خلال بيان واجباتهم ومسؤولياتهم الوظيفية ودورهم في تحسين الخدمات وتعزيز مبدأ المساواة بين الجميع والمنصوص عليها في تعليمات الموارد البشرية.
‌ب. تعزيز ثقة الجمهور والمؤسسات بعمل المركز، وزيادة الاحترام والتقدير لدوره في توفير الخدمات بأفضل طريقة ممكنة ضمن معايير تتسم بالمصداقية والشفافية.
المادة (4):
1- تسري أحكام هذه القواعد على جميع الموظفين العاملين في المركز الوطني لحقوق الإنسان.
2-ترتكز هذه القواعد على أسس العدالة ومبادئها، وعلى تكافؤ الفرص، والشفافية، والمساءلة، والنزاهة المهنية، والحيادية، والانتماء للمركز والإصرار على تحقيق رسالته وأهدافه، وتحمل المسؤولية، وعلى الموظف الالتزام بأحكام هذه القواعد.
3- أي مخالفة لأحكام هذه القواعد تستوجب المساءلة واتخاذ الإجراءات الوقائية وصولا إلى العقوبات التأديبية وفقاً لتعليمات المركز إذا اقتضى الأمر ذلك.

المادة (5) على الموظف الالتزام بما يلي:
1- أداء مهام وظيفته بنشاط ودقة وأمانة، والانتظام بساعات الدوام الرسمي.
2- التعامل مع الجمهور والزملاء في العمل والرؤساء والمرؤوسين بلباقة وكياسة وعدالة واحترام.
3- تنفيذ أوامر وتوجيهات رؤساءه المتصلة بالعمل والمتفقة مع القوانين والأنظمة المعمول بها.
4- تطبيق مبدأ المشاركة وبناء روح الفريق في العمل.
5- المحافظة على أموال المركز ومصالحه وسمعته.
6- الإلمام بالتشريعات والتوجهات التي تحكم عمل المركز والحرص على استمرار تنمية ذاته وتطوير قدراته.
7- الحيادية والتعامل مع الجمهور بعدل ومساواة وبلا أي محاباة أو تمييز أو انحياز لأي طرف من الاطراف.
8- السرية المهنية فيما يتعلق باسرار العمل الرسمية أو اسرار الناس التي تم الاطلاع عليها بحكم العمل وعدم إفشائها أو استعمالها بصورة غير رسمية مهما كانت الأسباب الا بأذن خاص من المرجع المختص (المفوض العام).
9- النزاهة بوضع المصلحة العامة للمركز فوق أي مصلحة شخصية (تضارب المصالح) مهما كانت، بما يتضمنه ذلك من الامتناع عن استثمار الوظيفة لتحقيق مصالح شخصية في أي وقت من الأوقات
10- الموضوعية في اتخاذ القرارات والبناء على الحقائق ودون ان تتأثر بالانطباعات الشخصية أو الأفكار المسبقة.
11- المحافظة على أموال المركز وممتلكاته وترشيد الاستهلاك وضبط النفقات وعدم هدر الموارد والعمل على استخدامها بشكل صحيح وفعال ، بما في ذلك عدم استخدام أي من أجهزة المركز أو معداته في تسيير أموره الشخصية سواء داخل أو خارج ساعات الدوام الرسمية.
12- المحافظة على سجلات المركز وعدم اتلافها.
13- على موظف المركز المحافظة على سمعته المتميزة وعليه ان ينأى عن الشبهات و مواطن الخلل وأي من الاعمال التي تنم عن استغلال أو استثمار لوظيفته أو محاولة ذلك في منفعة شخصية له أو لعائلته أو أصدقائه أو مؤسسات أخرى له علاقة بها.
14-على الموظف معاملة زملاءه معاملة حسنة ، والحرص على المحافظة على كرامتهم واسرارهم والتعامل معهم باحترام ، بما في ذلك احترام خصوصياتهم.
15-على الموظف العمل على تنفيذ وإرساء وتجذير الثقافة المؤسسية الصحيحة في العمل بما في ذلك مراعاة أصول التخاطب المؤسسي والالتزام بالتسلسل الوظيفي وسرعة الاستجابة للمهام الوظيفية وتنفيذها بدقة وأمانة.
المادة (6) : يحظر على الموظف:
1- ترك العمل أو التوقف عنه دون إذن مسبق.
2- الاحتفاظ خارج العمل بأية وثيقة أو مخابرة رسمية أو صور عنها أو تسريبها أو التصريح عنها دون إذن بذلك.
3- استغلال وظيفته لخدمة أغراض أو أهداف حزبية أو منفعة شخصية.
4- العمل خارج أوقات الدوام الرسمي دون الحصول على إذن مسبق.
5- إساءة استخدام الصلاحيات الممنوحة له بموجب قانون أو تعليمات المركز من حيث رفض أو تأخير شكوى أو التهاون أو التراخي في معالجتها وبلا سبب أو أسباب مشروعة.
6- التوقف أو التلكؤ أو عرقلة متابعة شكوى أو طلب مساعدة في حالة توافر مصلحة شخصية أو عائلية أو غيرها.
7- استخدام أجهزة الحاسوب لاغراض شخصية أو لاغراض التسلية أو استخدام البرامج الترفيهية.
8- استخدام الحاسوب للاطلاع على مواد إباحية أو أي مواد مخلة بالآداب أو الأخلاق العامة.
9- طلب الرشوة العينية أو النقدية أو قبول الهدايا أو الإكراميات أو المنح أو المنافع أو اي خدمات ناتجة عن عمله مباشرة أو بالواسطة، له أو لأي من أفراد عائلته.
10- الاستمرار بالعمل في المركز بعد ساعات الدوام الرسمية للقيام باعمال خاصة.
11- التعامل مع الجمهور بفظاظة أو بمفاضلة أو تحيز أو تحامل أو تعصب.
12- التعبير أو التصريح عن وجهة نظر المركز دون الحصول على اذن مسبق من المرجع الإداري المختص.
13- ان يكون عضوا في مجالس إدارة الشركات أو المؤسسات العاملة ضمن ذات أهداف وغايات المركز ، ولا يوجد ما يمنع من ان يكون موظف المركز عضواً في الهيئات العامة لمثل تلك الشركات أو المؤسسات.
14- امتلاك شركة أو مؤسسة بأسمة، كما ويمنع عليه ان يكون شريكا في أي من المؤسسات أو الشركات الربحية أو غير الربحية التي تقوم بأعمال شبيهة بأعمال المركز.
15- يمنع على الموظف التحرش بزملائه أو زميلاته أو بأي من المراجعين أو المشتكين بما في ذلك التحرش الجنسي وكذلك إساءة التصرف أو الخروج عن قواعد السلوك السائدة.
16- تناول المشروبات الروحية أو أي من المسكرات أو المؤثرات العقلية اثناء أوقات الدوام الرسمي.
17- يمنع على الموظف اقامة علاقات مشبوهة مع ذوي الأسبقيات من المحكومين بجرائم، بما في ذلك الجريمة المنظمة والترويج للبغاء أو الاتجار بالبشر ……. أو الإرهاب.
المادة (7) أحكام عامة:
أ. يتوجب على الموظف الإطلاع على هذه المدونة والإلمام بمحتوياتها والالتزام بأحكامها نصاً وروحاً.
ب. يلتزم الموظف بالتوقيع على هذه المدونة واعتبارها جزءاً من وثيقة أو عقد استخدامه.
‌ج. المفوض العام مسؤول عن الإشراف على تفعيل تطبيق هذه القواعد.

سابعاً :الخاتمة
خلاصة ما تقدم ينبغي على كافة الجهات التقيد بأخلاقيات الوظيفة العامة لما لها من أهمية كبير وخاصة إذا ما تحدثنا عن الفساد فالتقيد والالتزام بأخلاقيات العمل تحد منه بل تقضي عليه إذا ما تم الالتزام بها بحرفيتها .
كما عدد من التوصيات المقترحة :
التوصيات :
1-إلزام المنظمات على اختلاف أنواعها بوضع أسس ومعايير أخلاقية للوظيفة العامة .
2-تدريب الموظفين وبشكل دوري على المهام والمسؤوليات التي تقع على شاغل الوظيفة العامة .
3- توعية العاملين بإبعاد المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية وأثرهما على تحسن الأداء
4-ضرورة وضع برامج فعالة للحد من الفساد الإداري لان ذلك من شأنه أن يحفز الموظفين على الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة .
لمزيد من المعلومات يرجى الرجوع إلى :
1- د.انمار أمين حاجي و د. محفوظ الصواف “أخلاقيات الوظيفة العامة وأثرها على أداء منظمات الأعمال ”
2- مدونة قواعد السلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة .
3- احمد محمود البوتي ” أخلاقيات الأعمال في تقليل الفساد الإداري ”
المؤتمر العلمي الذي عقد بتاريخ 31/12/2008
4-عقل،محمود عطا حسين.القيم السلوكية .مكتب التربية العربية لدول الخليج .الرياض 2001.
5- نجم،نجم عبود،أخلاقيات الادارة في عالم متغير،المنظمة العربية للعلوم الادارية .القاهرة 2000.