دراسة تحليلة حول امكانية الاكراه البدني كوسيلة من أجل منع التهرب الضريبي

مقدمة عامة

كانت الضريبة في العصور القديمة تدفع عينا كمحصولات زراعية أو مواشي مثلا، بل حتى الفقير يدفع الضريبة بقيامه بخدمات اجبارية كالسخرة لخدمة الأعيان، حيث كان الوجود الانساني في المجتمعات القديمة والعصور الوسطى هو المادة الخاضعة للضريبة، والتي عرفت آنذاك بضريبة الرؤوس حيث أضفت صفة السلعة على الإنسان، مما حط من كرامته وجعل المكلفين ينظرون إلى أن الضريبة مهانة ومذلة لا يدفعها إل الضعفاء.

ومن جهة أخرى كان الحاكم في الماضي يجبي الضرائب لحسابه الخاص لا فرق في ذلك بين ماله والمال العام من حيث التحصيل أو فيما يتعلق بالانفاق مما يكرس لدى المكلفين بان الضرائب لا تفرض عليهم بغية تحقيق مصالح عامة، وبالتالي فما هي إلا مظهر من مظاهر الظلم، وهو الشعور الذي ظل مخيما على الملزم بالرغم من تغيير نمط المنظومات الضريبية وتطور نظم الدول وسيادة الدساتير.
وهكذا تحول تدبير الشأن الجبائي إلى واقع من المعاناة وتحولت الضريبة إلى آليات إصلاحية قهرية في السياسة العامة، خاصة أنها كانت باهضة التكاليف تخضع للتقلبات المالية والسياسية للدولة، مما ولد النفور من الضريبة، واعتبر أدائها مجرد خضوع.

مما أدى بارتكاز إدارات الضرائب سواء إدارة تحديد الأوعية أو إدارة التحصيل على امتياز السلطة العامة والخزينة العامة، وفرضت الأداء الجبري للضريبة تمثل في الحجز والإكراه البدني بتجريم الغش الضريبي، وأصبحت الإدارات لا تهتم بأولويات تطوير الشأن الجبائي وعلاقتها بالمكلفين، باعتبارها الأداء الضريبي واجب اجباري وهذا الأخير ضمانة فعالة لمردودية الضريبة وممانعة قوية من التهرب[1].

وفي مرحلة تشكيل النظام الجبائي المغربي الحديث، وذاك بإحداث ما يسمى “بضريبة الترتيب” بقيت الانتقادات موجهة إليه نظرا لعدم توفره على مسطرة قانونية واضحة تضمن حقوق المكلفين وتقييم تجأوزات القباض، مما احتدم بسببه النقاش خلال مؤتمر مدريد سنة 1880 ودفع إلى إبرام اتفاق 30 مارس 1881 بموجبه تم تحديد مسطرة فرض واستخلاص الضريبة الفلاحية. وهذه العلاقة اللامتكافئة بين المكلف وإدارة الضرائب حتى في عصرنا الحديث وصفها البعض بعقد الإدعان في القانون المدني[2].

إن تدبير الفعل الضريبي بهذه الصورة وعلى هذا النمط أسس إيديولوجية ضريبية منحرفة وطمس معالم ميلاد وعي ضريبي مما ساعد على خلق الأرضية الخصبة لتفشي ظاهرة التهرب من الضريبة وولد سلوك لدى الملزمين بأن سلوك التهرب ليس بالعمل القبيح[3].

لذا أصبح الفرد في مجتمعنا الحالي كلما يسمع كلمة (ضريبة) يشعر بثقل على كاهله نظرا لما تمثله من اقتطاعات مالية وذلك بالتعسف في فرضها دون احترام المقدرة التكليفية للملزم ولا يمكن هذا فقط في وجود توزيع غير عادل للدخول أو الحد من القدرة على الادخار والاستثمار بل تتعداها إلى تلاشي واجب أداء الفرض الضريبي لدى الملزم حيث كلما زاد العبئ الضريبي كلما كبر حجم التهرب الضريبي[4]. إذا وكشكل من أشكال المقأومة الضريبية وكسلوك تتحكم فيه المعطيات الخارجية المرتبطة بارتفاع مستوى الضغط الضريبي وغياب العدالة الجبائية أحيانا وضعف الإدارة الجبائية أحيانا أخرى، تجعل من المواطن أكثر قابلية للتجاوب مع هذه الممارسة الغير مكلفة من الناحية المادية وترسخ في ذهن المتهربين إحساس مفاده ان التهرب من الضريبة وسيلة من وسائل الدفاع الشرعي في مواجهة ضريبة غير عادلة، وهناك بعض الممولين يعتبرون ان القدرة على التهريب من الضريبة دليل على الذكاء والقوة وعلو المكانة الاجتماعية[5]، بل هناك من يقول بأن المتهرب من الضريبة إنما هو (سارق شريف) لا يسرق سوى الدولة وهي شخص اعتباري[6].

والتهرب الضريبي ينقسم إلى شكلان أساسيان يمكن أن نحددهما في التهرب الضريبي الداخلي والتهرب الضريبي الخارجي، فإذا كان للدولة السلطة في اتخاذ أي قرار على أقاليمها فإن سلطة فرض الضرائب تعتبر من خصوصيات السيادة المعترف بها لأي دولة.

يتمثل التهرب الضريبي الداخلي في خرق القانون ويتم داخل الحدود الإقليمية للدولة وعرفت الدكتورة (سوزي عدلي ناشد) التهرب الداخلي “هو التهرب الذي يحدث داخل إقليم الدولة بالمخالفة لأحكام القانون الضريبي الداخلي وذلك بصرف النظر عن جنسية الممول ما إذا كان من رعايا الدولة أو شخصا أجنبيا عنها. فالعبرة هنا ليست بالجنسية ولكن بما يترتب على التهرب من خسارة ومن ضياع مورد هام من موارد الدولة الاساسية”[7] كما يمكن أن نرصد حق الدولة في متابعة المكلف المتهرب من الضريبة على المستوى الخارجي حيث نصت المادة الثالثة المتعلقة بإقليمية الدولة في فقرتها الأولى أنه “تفرض الضريبة على الشركات، سواء كان مقرها بالمغرب أو خارجه بالنسبة لجميع للأرباح والدخول المتعلقة بالسلع التي تملكها والنشاط الذي تقوم به والعمليات الهادفة إلى الحصول على ربح تنجزها بالمغرب ولو بصورة عرضية”[8].

فالتهرب الضريبي الدولي هو شكل من أشكال التهرب الضريبي بصورة عامة إلا أن ما يميزه هو الصفة الدولية ويحدث هذا النوع من التهرب عبر حدود إقليمية الدولة.
حيث أن الممول يهدف إلى التخلص من الضريبة كليا أو جزئيا مستعملا في ذلك كافة الوسائل المشروعة أو الغير مشروعة. وبالتالي ينقسم التهرب الخارجي إلى تهرب ضريبي دولي مشروع وتهرب ضريبي غير مشروع. فالأولى يعني التخلص من الضريبة دون العبث بالقانون أو الإخلال بأحكامه. وهذا النوع من التهرب له انعكاسات اقتصادية واجتماعية خاصة على مستوى العالم الثالث الذي تراجع نصيبه من الناتج المحلي الاجمالي للعالم خلال العقود الثلاث الماضية اما الثاني فهي لا تهدف إلى استغلال الحوافز الضريبية التي تكرسها منظومة ضريبية ما بل إلى غسيل الأموال المستفادة من الممنوعات وإلى إخفاء أنشطة مقاولاتية غير مشروعة.

وتعود ظاهرة التهرب الضريبي إلى مجموعة من الأسباب التي ساهمت في تفشيها من أهمها نذكر بعض الأسباب الاقتصادية والاجتماعية:

من أهم الاسباب الاقتصادية: هشاشة الاقتصاد الوطني كضعف البنية التحتية المؤهلة للاقتصاد الوطني والمشجعة على الاستثمار، ضعف تأطير الدولة للإستثمارات الخاصة وكذا محدودية دعم الدولة للمقأولات الصغرى والمتوسطة وانتشار الاقتصاد الغير مهيكل[9].

أما الأسباب الاجتماعية: فيمكن تلخيصها في غموض مفهوم التهرب الضريبي أول شيء ثاني شيء الإرث الثقافي والرفض الضريبي، غياب الوعي الجبائي، ضعف التربية على تعميق المصلحة العامة، صعوبة تحديد الوعاء وتعقد إجراءات التحصيل.

وتعتبر مظاهر التهرب الضريبي تلك التصرفات المشابهة له أو التي تختلف عنه حسب المنظور القانوني لكن من حيث المنظور الاقتصادي تبقى مطابقة له من هنا يبقى تمييز التهرب الضريبي عن غيره من الممارسات المشابهة له ضروريا لإزاحة كل خلط أو غموض وسوف نميزه عن كل من التصرفات التالية (التملص الضريبي والغش الضريبي والتجنب الضريبي).

التملص الضريبي: التملص يفترض تحقق الواقعة المنشئة للضريبة بالفعل، غير أن الملزم يتملص من أدائه وذلك بعدم دفع الفريضة الضريبية كليا أو جزئيا مستغلا سواء الإعفاءات الضريبية أو القانون الضريبي أو النقص الذي يعتري نصوصه.

غير أن ظاهرة التملص وإن كانت تحدث دون مغالطة للأحكام والقوانين الوضعية في إطار المنظومة الضريبية بشكل مباشر، فإنها من المنظور الاقتصادي لها انعكاسات على المجتمع، ولهذا لا يخرج التملص الضريبي عن نطاق التهرب الضريبي باعتباره سلوكا سلبيا يهدف ولو بكيفية غير مباشرة تفويت مورد ضريبي هام على خزينة الدولة[10].
وتستعمل كلمة الغش في مفهومها الواسع كمرادف لكلمات (الاختلاس، التلاعب، النصب) حيث أن الغش هو تعريف معتمد للقوائم المالية في إطار الدخل الواجب عليه الضريبة. وفي تقرير صادر عن الأمم المتحدة عرفت كل من الغش والتهريب الضريبي بما يلي:”في التشريعات الأنكلوسكسونية هو الفرق المعتمد للقوانين الجبائية ولكن ليس بالأهمية التي تجعله سببا في متابعة جنائية بل مجرد عقوبة جنائية. وفي نفس هذه الدول يمكن تعريف التهرب الضريبي بالفرق الذي يؤدي إلى المتابعة الجنائية”[11].

التجنب الضريبي: إذا كان التهرب الضريبي من الضريبية هو تلك المساعي والجهود والمحاولات التي يقوم بها المكلف بالضريبة بهدف التخلص من كل أو جزء من التزاماته القانونية بأداء الضريبة فإن التجنب الضريبي غير ذلك حيث يفيد امتناع الفرد عن القيام بأية تصرفات تنشئ الواقعة الضريبية وبالتالي لا يجب عليه دفع الضريبة[12].

اما عبارة التهرب الضريبي حاليا واسعة الاستعمال من لدن العموم، لكن الغرابة أن قلة قليلة من يقدر على إعطائه تعريفا دقيقا. حتى المتخصصين في المادة الضريبية وأنهم متفرقين حول الموضوع إذ لا نجد له تعريفا في التشريع الضريبي المغربي سواء في قانون الإطار للإصلاح الضريبي أو المدونة الضريبية الجديدة التي تضمنها القانون المالي رقم 43.06 للسنة المالية 2007[13] ولا تتضمن هذه المدونة إلا أفعالا يمكن احتسابها تهربا ضريبيا كذكره عبارة “المساهمة في أعمال تهدف إلى التملص من دفع الضريبة الواردة في المادة 187 من مدونة الضرائب.
أما على مستوى التشريع الضريبي الفرنسي فإن (charles robbez masson)” ذهب إلى القول “لقد صدمنا للوهلة الأولى للغياب الكامل لتعريف التهرب” في التشريع الضريبي الفرنسي. والبحث في أسباب غياب الدقة توجهنا إلى اكتشاف جذور مصطلح التهرب فقد حدد بلاتير (A.Platier) تاريخ ميلاد عبارة التهرب قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بقليل.

ومازال الخلاف قائما بين الفقهاء حول تحديد مفهوم التهرب الضريبي وفي هذا السياق حأول كثير من الفقهاء إعطاء تعريف للتملص الضريبي إلا أن محأولتهم كانت محل انتقادات عديدة فبعضهم حأول وضع تعريف شمولي منهم السيد (محمد كامل الحاروني) عرفه هو: “الإخفاء المعتمد لمصدر من ومصادر الإيراد الضريبي فلا تفرض عليه الضربية المستحقة”.

أما السيد كوبي (Golfet) فقد فرق بيت التهرب الضربي البسيط والتهرب الضريبي المركب حيث عرف الأول أنه “كل إخفاء أو محاولة إخفاء معتمد للضريبة المستحقة، عن طرق القيام بأي فعل أو إغفال ناتج عن استعمال طرق احتيالية بينما عرف الثاني أنه “كل فعل أو إغفال تم اقترافه عن سوء نية وبطرق تمكن الفاعل من التمصل من أداء الضريبية المستحقة عليه قانونا”.

أما السيد محمد سعيد وهبة فيقول بأنه “الإفلات من دفع الضرائب ومن تحمل عبئها في وقت واحد”.

ويتضح ان المحاولات جاءت كلها ناقصة نظرا للأخذها بعين الاعتبار عنصر واحد أو أكثر من العناصر المكونة لسلوك التهرب الضريبي إذا فاعطاء تعريف شامل للتهرب الضريبي يعتبر أمرا في غابة الصعوبة بسبب عدم قدره هذه التعريفات على مجاراة مختلف التغيرات التي عادة ما تطرأ على ممارسة هذا السلوك نتيجة للأساليب الحديثة التي يعمد المتهربون إلى ابتكارها باستمرار.

واستندا إلى ما سبق يممن استخراج تعريف لهذا السلوك معتقدين أنه يجمع بين مختلف العناصر المكونة لهذا التحرف: “فالتهرب الضريبي هو مخالفة للقوانين والانظمة الجبائية هدفه التخلص كليا من الضريبة المستحقة للفائدة الخزينة العامة أو التقليل من أسس فرضها عن طريق إخفاء مصدر من مصادر الإيراد أو القيام بأفعال هادفة أو باستعمال منأورات احتيالية.”

ومن التعريفات الأنيقة أيضا للتهرب الضريبي “أنه فن تحاشي السقوط في حقل جاذبية القانون الضريبي”

ويمكن أن نعزي اختيارنا لهذا الموضوع لعدة إكراهات فرضتها الضرفية الاقتصادية التي يمر بها المغرب وتتمثل في:

دور الاستثمار في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ارتكاز جلب الاستثمار في المغرب على منح العديد من الامتيازات الضريبية.
وقد حاولنا تحديد الموضوع بدقة حينما تناولنا فقط الشق المتعلق بالانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للتهرب الضريبي مما يسهل علينا وضع الاشكالية التي نود معالجتها في هذا البحث فتتجلى في مدى تأثير التهرب الضريبي على المجالين الاقتصادي والاجتماعي في المغرب.

وفي يتعلق بالمنهج الذي انصب اختيارنا عليه لحل هذه الاشكالية فهو النهج التحليلي إذ سوف نعمد إلى تحليل النموذج وإعطاء التفسيرات.

وسوف نعمد من أجل تنوال مختلف حيثيات هذا البحث على التقسيم التالي:

الفصل الأول: التهرب الضريبي والفعالية الاجتماعية:

إذ سنبين خلال هذا الفصل الآثار الاجتماعية للتهرب ومدى اضطراب السلم الاجتماعي وضعف التضامن الاجتماعي وكذا اختلال بنيات توزيع الدخول.

كما سنبين الضغط الضريبي والمقاربة الاجتماعية ومدى اختلال بنيات توزيع الدخول وتكريس الفوارق الاجتماعية كما سنتطرق في الفصل الثاني للتهرب الضريبي والفعالية الاقتصادية إذ سنبرز آثار التهرب على النمو الاقتصادي أي على السياسة التوجيهية الاقتصادية وعلى الانتاجية وتوزيع الدخل.

كما سنبين آثار التهرب على الاستثمار مدى تراجع الاستثمار ومدى جاذبية سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي.

وأخيرا سنحاول معالجة هذه الظاهرة من خلال تبيان بعض سبل الحد من التهرب الضريبي في خاتمة الموضوع.

الفصل الأول: التهرب الضريبي والفعالية الاجتماعية.

يقول الاستاذ نجيب اقصبي “إن الفقر والبؤس والشقاء لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصبحوا أساس لوعاء ضريبي أوفر مردودية وأكثر عدالة.

إذ تعد الضريبة من بين الادوات الأساسية التي تمتلكها الدولة لتطبيق سياستها الجبائية والمالية وإحداث تغيرات في البنيات الاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمع، كإعادة توزيع الدخول بين مختلف طبقاته وتوجيه الاستثمار لتنمية قطاعات انتاجية معينة وخلق فرص العمل”

إلا أن التهرب من الأداء الضريبي من شأنه أن يحول دون تحقيق هذه الأهداف.

إذ من المعلوم أن المغرب يعيش أزمة اجتماعية ما فئات التقارير الدولية امتثالية التي يصدرها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة حول التنمية البشرية سنة 1990 التعبير عنها بكل صراحة.

واستمرار هذه الأزمة مع انطلاق مجموعة من الورشات والمبادرات الوطنية الكبرة في مجالات الشغل والشكير والتعليم لحلها. وعبرت مجموعة من التقارير الوطنية والدولية عن تفاقم الاختلالات الاجتماعية بالمغرب.

وبالتالي يطرح مدر مقاربة الضغط الضريبي من الناحية الاجتماعية (المبحث الأول)، وآثاره (المبحث الثاني).

المبحث الأول: الضغط الضريبي والمقاربة الاجتماعية:

هناك من يعرف الضغط في مدلوله الفيزيائي. يفيد معنى القوة الممارسة من طرف كتلة على مساحة معنية.

(Force qui agit sur une surface donner) مفهوم الضغط الضريبي فلم يحمل الاتفاق على مفهوم موحد بشأنه وعموما يمكن القول بأن مفهوم الضغط الجبائي يحيل على معنيين:

معنى واسع: يقصد به العلاقة بين مجموع الاقتطاعات الضريبية وواجبات الضمان الاجتماعي والناتج الداخي أو الناتج الوطني،
معنى ضيق: يفيد العلاقة الموجودة بين مجموع الاقتطاعات الضريبية والناتج الداخلي أو الناتج الوطني الخام هذه العلاقة يمكن قياسها من خلال المعادلة التالية:
المداخيل الضريبية

x 100

الناتج الداخلي الخام

يعتبر الضغط الضريبي هو نسبة الضريبة مقارنة مع كمية الثروة المنتجة ويسمح بتحديد العبء الضريبي الذي يتحمله الملكف سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا أو الاقتصاد الوطني ككل وعادة ما يسحب الضغط الضريبي على أساس العلاقة التالية:

إلا أن المعادلة لا تؤشر لتوزيع بين فئات الملزمين عموما وبين الفئتين الأساسيتين أصحاب الأجور أصحاب الأرباح وتبعا لهذا يحل العبء الضريبي في المغرب إلى 44% وخصوصا على الأشخاص الذاتيين في حين يبلغ في دول أخرى كمصر 21% وفي تركيا 33% أما في الولايات المتحدة الأمريكية يتجأوز 32% وفي ألمانيا 45%[14].

إلا أن هذه المقاربات لا تعطي الكثير من الدلالات حيث أن الرقم الحقيقي الضريبي أعلى مما ذكر.

مما يظهر الفرق بين الضغط الضريبي الرسمي والضغط الحقيقي والذي من تداعياته اختلال بنيات توزيع الدخول (المطلب الأول). وبالتالي تتكرس الفوارق الاجتماعية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: إختلالات بنيان توزيع الدخول:

إن ظاهرة التهرب الضريبي تشل بناء عدل لتوزيع في خيرات المجتمع حيث ان النظام الضريبي لا يشكل فقط أداة للتنمية الاقتصادية بل وسيلة لإعادة توزيع الخيرات وبهذا يجدر على الدولة العمل على التوزيع العادل للعمال العمومي من أجل تحقيق نسبة نمو مرتفع ودائم بغاية تقليص الفوارق الاجتماعية وتجديد التضامن داخل المجتمع. إلا أن تحقيق هذا التوازن بين فئات المجتمع يتطلب نجاعة سياسية اقتصادية وتحكما دقيقا في المردودية الضريبية، كما يثور النقاش حول هذا الموضوع نظرا التهرب العديد من المكلفين من أداء الضرائب المستحقة عليهم.

وبالتالي يشعر الملزم بعدم تحقيق العدالة في توزيع خيرات الأمة مهما نصت التشريعات على ذلك حيث يعيش واقعا مخالفا لذلك فالإدارة لا تتعامل بصورة واحدة مع جميع الأفراد هذه السلوكات يتولد عنها شعور في النفس نتنج عنه ردة فعل سلبية كغياب المواطنة والامتناع عن المساهمة في تحمل الأعباء العمومية والعمل على التهرب من الضريبة.

فإعادة توزيع الدخول العمومية يصعب تحري إقامة العدل فيها بين مختلف فئات المجتمع، مما يخشى فيها الاستمالة أو الانحياز إلى خدمة طبقة دون غيرها، وبهذا يصبح للضرائب أثار واضحة على إعادة توزيع الدخل مسبقا بين الأفراد داخل المجتمع.

ذلك أن اختناق الدخول يفرض الضرائب من جهة، وارتفاع الأسعار من جهة أخرى. لن تترك الخيار لذوي الدخول المحدودة إلا التهرب من الأداء دون المبالاة بالجزاءات المفرضة في هذا المجال[15]. خاصة الجنائية منها باعتبار ان قطع الاعناق أهون من قطع الأرزاق.

فأين يتضح انعكاسات التهرب الضريبي على الاختلال إعادة توزيع الدخل مسبقا من خلال الضرائب؟

وهل يطال آثار التهرب من الضريبة صندوق دعم الموارد الأساسية المحدث لفائدة الطبقات المعوزة؟

أولا: ارتفاع الضريبة على الاستهلاك

تضطر الدولة إلى رفع أسعار الضرائب المباشرة خاصة الضريبة على الشركات وضريبة التسجيل التي تعرف تهربا قويا إلى ثلث محاصيلها أو اكثر من ذلك. فتواجد مقأومة شديدة من مجموعات ضاغطة داخل البرلمان. عندئذ لا تجد الدولة حلا إلا الزيادة في الضرائب الغير المباشرة والتي بدورها عرفت تدخلات فرق الضغط عند المناقشة والمصادقة على القانون المنظم للضريبة على القيمة المضافة وكانت النتيجة افتقار هذه الأخيرة إلى الموضوعية والتجانس وبالتالي أقل عدالة[16]. وبالتالي نلاحظ أن أسعار الضريبة على القيمة المضافة المعتبرة ضريبة على المواد في كل مستويات مراحل الانتاج والتسويق إلى حين تقديمها إلى المستهلك النهائي، فقيمة الضريبة تترأوح بين السعر العادي 20% والاسعار المنخفضة 14% و10% و7% غير أن الأسعار المنخفضة تفرض مع شرط الحق في الخصم مما يؤدي إلى ارتفاع أثمنة المواد المفروضة عيلها هذه الضريبة بالأسعار المنخفضة وهي الأعباء التي تستحملها الطبقات الاجتماعية الفقيرة مقابل تهرب الممولين من التزامات هذه الضريبة.

وإذا كان واجب على الدولة نهج سياسية إعادة توزيع الدخل الوطني وفق محددات ملائمة كالضرائب حيث تعتبر وسيلة فعالة فإن تخفيض سعر الضريبة على القيمة المضافة لا يستفيد منه الفقراء إلا بنسبة قليلة جدا إلا أنه وأن سلمنا بهذه المعادلة فإن الأعفاء الوحيد في هذا المجال لصالح هذه الفئة من المجتمع هو رفع الشريحة المعفاة من الضريبة العامة على الدخل بالنسبة لإصحاب الأجور من 18.000 درهم إلى 20.000 درهم بمقتضى القانون المالي للسنة المالية 2006 لترتفع هذه الشريحة إلى 24.000 درهم كدخل سنوي حسب قانون المالية لسنة 2007 أي 2000 درهم كأجرة شهرية وهو المبلغ الذي لا يكفي لسد حاجة أسرة فقيرة.

فالحصيلة السنوية لهذه الضريبة لا يتجأوز 12 مليار درهم[17] بينما يصل مبلغ التهرب الضريبي ما يناهز 80 مليار وبالتالي كان على الدولة لو حصلت على هذا المبلغ الضائع لاستغنت على فرض الضريبة على القيمة المضافة التي تشمل لهيب أثمنة السلع الاستهلاكية التي ترهق الطبقات المعوزة في المجتمع[18] وبالتالي فالضرائب التي الهدف الوحيد منها جمع أكبر إيرادات ممكنة لا تراعي الحد الأدنى الضروري لمعيشة المكلف بها تنفي العائلة بمفهومها الاجتماعي أمام الضريبة حيث كمثال إذا استوى ملتزما في الدخل ليستويان أمام الضريبة فإنهما ليس لزاما ان يستويان أمام الأعباء الضريبية، إذ يمكن أن يعول احدهما عائلة مكونة من 5 أفراد في حين يكون إلى الجانب الآخر مساعد على الأعباء العائلية وهكذا لا تتوازن الأعباء الضريبية مع التكاليف العائلية[19].

بهذه الإكراهات التي غلت يد الدولة في تحقيق الأعباء اليومية للطبقات المعوزة كان سببها الأساسي ندرة الإيرادات العامة، الراجح واقعيا أما ما يتم تفويته عن خزينة الدولة بالتهريب الضريبي.

ثانيا: صندوق الدعم وإكراهات التهريب الضريبي:

إذا كان المغرب دولة ضريبية بامتياز فإن ما يخشى على النظام الضريبي خيفة خاصة تجاه الطبقات المعوزة. وبالتالي يبقى البحث في عدالة الضريبة مقرونا بالبحث في عدالة توزيع الدخل الضريبي بين مختلف مكونات المجتمع حسب عوزها ذلك ان الضريبة ليست إيرادات عامة فحسب ولكنها تتحول بعد تحصليها إلى نفقات عمومية والتي يجب أن توزع بالتسأوي بين طبقات المجتمع بمقتضى معيار الحاجة والعوز ليسود الائتلاف والتسامح بين أطياف الدولة وإذا كانت الدولة تخصص من ميزانيتها ا تدعم به أسعار بعض المواد الغذائية لصالح الفقراء وذور الدخل المحدود
فإن هزالة المبالغ المخصصة لدعم الموارد الأساسية للغذاء اليومي لا تفي بحاجات الفقراء مما اشعل فتيل الاحتجاجات الاجتماعية على ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ومع ذلك هذا الصندوق لا يستفيد منه فقراء العالم القروي لأنهم غالبا ما يستهلكون ما ينتجون من منتوجات فلاحية لمن كانت له القدرة على ذلك والذي لا يملك أرضا ولا يستطيع العمل بالحقول الفلاحية فإنه يعيش تحت عتبة الفقر.

ومن خلال المادة 19 المتعلقة بالاعفاء دون الحق في الخصم نلاحظ فيما يخص الضريبة على القيمة المضافة انها تعفى منها المواد التالية الخبز والكسكس والسميد وأنواع الدقيق المستعملة للعذاء وكذا الحبوب المستعملة لصنع الدقيق الحليب وقشدة الحليب الطري والزبدة ذات الصنع التقليدي اللبن الطري أو المجمد زيت الزيتون والمنتجات الثانوية المستخرجة فهذه المواد رغم إعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة ودعهما يفضل صندوق دعم الأسعار المواد الأساسية نرى أن ثمنها فوق طاقة الفقير.

أما بعض المواد الأخرى التي تحض بدورها بالإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة كالزرابي ذات الطابع التقليدي المصنعة محليا وغيرها تبقى مواد غير أساسية في جدولة غذاء الفقير.

وكخلاصة يمكن القول بأن المواد المذكورة أغلبها لا يستفيد من دعم أسعارها فقراء العالم القروي وهم الشريحة الأكبر في المغرب وحتى وفقراء المجال الحضري بل حتى ذووا الدخل المحدود لا يستطيعوا مسايرة لارتفاع المهول للأسعار المواد الغذائية رغم دعم بعضها وإعفاء بعضها الآخر وذلك لهزالة صندوق دعم للأسعار وقلة الاعفاءات أو وهي إعفاءات مع الحق الخصم وذلك كله ناتج عن انعكاسات التهرب الضريبي.

المطلب الثاني: التهرب وتكريس الفوارق الاجتماعية:

إذا كان لا يمكن نفي تأثر الضرائب في الحياة الاقتصادية والاجتماعية فإن العدالة الاجتماعية بمفهومها الحديث تقتضي مبدئيا التقليل من الضرائب غير المباشرة التي تطال الفقير والغني على السواء وليست الضرائب غير المباشرة التي تثقل كاهل الفقير خاصة وإنما جميع الضرائب بمختلف أنواعها فإذا كانت الضرائب غير المباشرة تطال واحد عن كل ثلاثة أشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تصيب واحد من كل ثمانية أشخاص في فرنسا غير أنها تطال واحد من كل خمسة أفرد في المغرب[21].

غير أن الاتجاه السياسي في الاستثمار انعكس بدقة مقصوده نحو التخفيف من الاعباء الضريبية عن المقاولات وتحميل المكلف العادي وهذا يعني أن القسط الأوفر من الضغط الجبائي يتحمله الملزمون الصغار والمتوسطون والذين تشكل منهم نسبة المأجورين 70% تقريبا[22] وهذا الاتجاه السياسي وليد إكراهات مالية متعددة إضافة إلى ما تكونه ظاهرة التهرب الضريبي من مبالغ مالية على خزينة الدولة.

وقد أثرت هذه الظاهرة بشكل سلبي على السياسة الاجتماعية للدولة خاصة على مستوى التشغيل (أولا) والسكن الاقتصادي (ثانيا).

أولا: تقليص فرص الشغل:

تجأوزت كتلة الأجور بالوظيفة العمومية سنة 1993 بنسبة 10,5% من الناتج الوطني الخام، مما يمثل ثلث الدخل الوطني الأجمالي[23] فإذا كانت ميزانية السنة المالية 2007 وصلت إلى ما قدره 17.957 مليار درهم.

فإن نفقات الوظيفة بلغت تقريبا 63 مليار درهم رغم المغادرة الطوعية التي مرت عليها سنتين مع أن المناصب التي ألغيت بمقتضاها لم تعوض ، مما يحيلنا على أن سياسة التشغيل كاصح فعل اقتصادي لا زالت ترتكز بالأساس على القطاع حيث يشكل مستوى الاستخدام بهذا القطاع نسبة 20% من المناصب المحدثة سنويا لتبقى نسبة البطالة 1.10 مليون خلال سنة 2001 علما ان الساكنة النشيطة في المغرب تمثل 10.67 مليون سنة 2001 ومن بين هذه الساكنة النشيطة 30% من سكان المدن يعتبرون بدون عمل وهكذا أصبحت البطالة سنوية. وبالتالي ذات تدعيات خطيرة من حيث تعطل مردودية الكفاءات والقدرات المعطلة المتمثلة في عدم مشاركة المعطلين وهم القادرين عل العطاء في النسيج الاقتصادي إضافة إلى انعكسات البطالة بالدفع إلى الهجرة الأدمعة خارج الوطن لتستفيد منها دول لم تنفق أي شيء لتكوينها.

ولتخفيف هذه الأزمة شكلت الحكومة صناديق في إطار ميزانيات الدولة كصندوق النهوض بتشغيل الشباب وصندوق تمويل نفقات التجهيز ومحاربة البطالة الذي حل محله صندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وهي الصناديق التي تزايدت معها العطالة لضعف المبالغ المخصصة لها.

وخذا يدل على ندرة الأموال العمومية حث لو وضعت 80 مليار درهم المفوتة على خزينة الدولة بسبب التهرب الضريبي الحالي أو الجزئي في استثمارات عمومية محكمة لا ستوعبت كل البطالة[24].

وهكذا اتضح صورة حجم المبالغ المالية المكونة على خزينة الدولة بسبب التهرب الضريبي وما يمكن تحقيقه من انجازات لو استطاعت إدارات الضرائب تحميل تلك المبالغ ومالها من انعكاسات اقتصادية وسياسية بتفويتها عن الخزينة.

ثانيا: ضعف قدرة الحصول على سكن اقتصادي:

تتزايد مدن الصفيح وينشر السكن العشوائي. وذلك لسد العجز المالي الذي يتجأوز 750 ألف وحدة مما يدفع ب 2% من السكان الحضريين والسكان القرويين المحادين للمدن يعيشون في بنايات قصديرية، وذلك بالرغم من بناء 90 ألف سكن سنويا إلى هناك أحياء لا تتوفر أبسط ظروف العيش الكريم يفتقرون إلى الكهرباء والصرف الصحي الذي يتسبب في أمراض خطيرة والماء الصالح للشرب الذي يقف أمام منبع صغير طوابير مقابل هذا نجد أحياء تتوفر على جميع وسائل العيش الكريم شوارع كبيرة وإنارة جيدة وكل هذا يدفعنا للتساؤل حول سبب هذه المفارقة العجبية أهناك طبقة كافأة جاهدة في صغر سنها وحققت مستقبلا زاهرا وهناك طبقة لعرضت للخمول وخانها المستقبل؟ أم هي اللاعدالة في تكافؤ الفرص إن هذه الأسئلة تحيل إلى مدى عجز الدولة في تحقيق تنمية بشرية حقيقة متكافئة وديموقراطية تزيل الفوارق الاجتماعية الخطيرة، وتعمق مدى مسأوئ التهرب الضريبي الذي يقود إلى ارتفاع في حصيلة الإيرادات العمومية وبالتالي تخفيض النفقات العامة. مما شل يد الدولة لاطلاق يدها اشباعا لحاجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

وهكذا يظهر عجز الدولة حتى في توفير ابسط شروط العيش أنها انعكاسات التهرب الضريبي الذي باستمرار هذه السياسية قد يتفاقم حجمه وتتسع قاعدته.

المبحث الثاني: الآثار الاجتماعية للتهرب الضريبي:

تعد ظاهرة التهرب الضريبي مشكلة مالية فقط. ولكنها أصبحت قضية ذات أبعاد اجتماعية خاصة إذ علمنا أن العدل في مجال تحصيل الضريبة بين الملزمين لكن نصوص التشريع القانوني مهما بلغت دقتها وعادلتها يبقى نجاحها رهين بمدى وكيفية تطبيقها. ونجد أن أخطر آثار التهرب الضريبي الطي يسفر عن ضعف المردودية الجبائية هو أن عددا كبيرا من المتهربين الذي يسفر عن ضعف المردودية الجبائية هو أن عددا كبيرا من المتهربين ذوي المداخيل المرتفعة سرعان ما تتضاعف ثرواتهم ويتهربون من الضريبة بينما بعض الملزمين يؤدون الضرائب والرسوم بشكل منتظم خوفا من تراكم المبالغ الجبائية على مديونياتهم. وبالتالي يؤدي إلى اللامسأواة.

المطلب الأول: اضطراب السلم الاجتماعي:

إن التنمية البشرية تتطلب نماءا اقتصاديي قادرا على تحريك هذه التنمية وبالتالي تخفيف الفقر، غير أن النمو الاقتصادي يستدعي رفع وثيرة الاستثمار العمومي الخاص. وذلك على جميع مناحي الحياة الاقتصادية إلا أن التنافسية على جلب الاستثمارات الأجنبية أصبحت على اشدها واصبحت تلزم بضرورة تبني تشريع جبائي مبسط وعادل في فرضه واشعاره وجباية محاصيله وهي الإكراهات القوية التي تعترض طريق مسار الدولة التنموي باعتبار أن خزينة الدولة تعتمد على عائدات الضرائب وغياب قدرتها على الإدراك. إن تخفيض الضرائب يمكن أن يجنبها التهرب الضريبي. فما هي انعكاسات التهرب الضريبي على الخدمات الاجتماعية؟ (أولا) وهل تشكيل التهرب غياب المواطنة الجبائية؟ (ثانيا).

أولا: الحديث التهرب ونقص الخدامات الاجتماعية:

إن الحديث من الضريبة يحيلنا إلى مدى استفادة المواطن عامة والملزم خاصة من عائدات هذه الضرائب سواء على المستوى الصحي أو على مستوى التعليم أو غيرها من الاحتياجات الاجتماعية الضرورية على مستوى التعليم مؤشرات التعليم في المغرب حسب تحقيق وطني أجرته مديرية الإحصاء سنة 1997 فإن اللذين يعرضون القراءة والكتابة 11.3 مليون أي نسبة الأمية في المغرب تفوق 60% من مجموع المغاربة ويبدو أن نسبة الامية هاته لا تشمل فقط المواطن العادي بل تطال الوظائف التمثيلية والعليا في الدولة.

من خلال هذا يصعب الحديث عن معرفة جبائية لدى شعب ترتفع فيه نسبة الأمية خصوصا إذا كانت هذه النسبة تطال الوظائف التمثيلية التي تضيع إرادة الأمة في تشكل قوانين ملزمة[25]. والحقيقة أن القضايا في المغرب كانت دائما مطروحة على أعلى المستويات، نقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أكد على ضرورة التفكير في تحديد الصورة النموذجية للمغرب الغد ومعنى ذلك أن تصور السلطات العمومية لمفهوم المواطن الواعي لم تتحقق بعد وهذا ما يستدعي ضرورة التفكير الجدي في قضية التعليم، سيما بعد فشل اللجنة الوطنية التي عهد إليها النظر في المشاكل التي تحول دون وجود سياسة تعليم متكاملة[26].

على مستوى الصحة: إن نقص الإيرادات العامة جعلت الدولة غير قادرة على الوفاء بسياسة التأمين الإجباري عن المرض ونظام المساعدة الطبية لفائدة الفئات السكانية الضعيفة اقتصاديا، أو بالأحرى لصالح الطبقات الفقيرة. فبالاستشفاء لم يعد يخضع لمبدأ مجانية الصحة العمومية، في بلد يعيش أغلبية سكانه على عتبة الفقر، فهناك ارتفاع لكلفة الأدوية، ومحدودية في الولوج للعلاج.

وامام نقص الخدمات الصحية خاصة بالمناطق النائية لا زالت الدولة تنهج سياسة ترقيعية أصفر بمقتضى قانون التصفية 98.07 عن بناء وتجهيز 33 مركزا للولادة ومستشفيين قرويين و16 مركزا صحيا قرويا، واستصلاح عشر مستشفيات وذلك لتدارك تقليص الفوارق الاجتماعية بين الحواضر والبوادي بين الفئات الفقيرة والغنية.

إن تفشي ظاهرة التهرب، وانعكاساتها المالية أثرت بصفة مباشرة على الميدان الاجتماعي وتمظهرت في الجانب الصحي بمختلف مستوياته علاجية ودوائية وغيرها.

ثانيا: غياب المواطنة الجبائية:

إن “حد المواطنة الحقيقية ستبقى ناقصة وصورية وهشة ما لم يتم توطيدها بمضمون اقتصادي واجتماعي وتحصينها بروح أخلاقية”[27]

فأول التزام على المواطن تجاه وطنه انخراطه في تحمل التكاليف العامة وهي أعباء عامة دستورية، والمفروضة حسب مقدرة كل فرد، وبالتالي فالمكلف ووفاء منه لهذا الالتزام لا يجب ولا بحل له التهرب من الضريبة، باعتباره له سلبية لا تنحصر في تفويت إيرادات عمومية على خزينة الدولة بل تتجأوز ذلك فقد يتسبب في تعطيل دواء مريض أو تأخر تدخل استشتفائي تجاه مريض أو حرمان طفل من تمدرس هذا كله من جراء تهرب ملزم بالضريبة وهو ما لا يرضاه مواطن كامل المواطنة.

ويستند واجب التضامن الوطني إلى حاجة الدول لأموال إضافية فرضتها ظروف استثنائية. إنه تكليف مؤقت كما يقولون. لكن نرى بأن زوال تلك الظروف ومستقبلا سوف لا يقود بالضرورة إلى حذف هذا التكليف.

جميع الضرائب أينما طبقت كانت مؤقتة في بدايتها فرضت لأسباب ظرفية ثم انقلبت بعد حين إلى دائمة واستقرت بصورة نهائية في النظام الضريبي رغم زوال أسباب فرضها مثال (الضريبة على الأرباح المهنية التي أحدثت عام 1941 كانت أصلا استثنائية ومؤقتة ثم استقرت بعض السنوات في النظام الضريبي المغربي.

وعليه ينبغي إعادة النظر فيه وفهمه على أنه “ضريبة لأجل التنمية” يتحملها كل مواطن بمجرد الحصول على دخل مهما بلغ حجمه أم بمجرد قيامه بمعاملة معينة، وإلا حرمنا معظم المواطنين من القيام بواجبهم حيال وطنهم[28].

المطلب الثاني: ضعف التضامن الاجتماعي:

إذا كان التهرب الضريبي أربك السياسة الجبائية في المغرب، حيث أصبحنا أمام تغييرات تشريعية ضريبية مستمرة على رأس كل قانون مالي تقريبا، فإن غياب هذا الاستقرار الضريبي ساهم في عدم طمأنة الملزمين على أوضاعهم الضريبية، مما يدفعهم للجوء إلى التهرب من الضريبة، تفاديا لما قد يطرأ من تغييرات في الشريع الجبائي من حين لآخر. والاستقرار من أهم العوامل النفسية من حيث الاعتياد التعاملي ومن حيث الأمان على المعاملات الضريبية مستقبلا، مما يساعد على إقبال المكلفين على أداء الضرائب الواجبة عليهم.

إضافة إلى عدم المسأواة أمام تطبيقات القانون بين المواطنين، وبالأخص بين الملزمين في المجال الجبائي، وذلك على هامش المساطر الضريبية، وهذه المحاباة الناتجة عن الزبونية أو السلطة أو عن طريق الارتشاء، مما ساند إدارة الضرائب لتبدو متجاوزة أمام ظاهرة التهرب، وأصبح المتهرب يتفاخر بهروبه من الضريبة، مما يسود معه الاعتقاد أن لا يؤدي الضربية إلا مهان أو ضعيف، ويقوي بالتالي الشعور بضرورة التحدي عن طريق التهرب من الضريبة.

أولا: غياب الوعي الجبائي:

يعتبر الوعي الجبائي من أهم وسائل المساعدة لأي جهاز جبائي من أجل تحقيق أهدافه المتمثلة في زيادة مردودية الضرائب وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لها، ولكن مما يؤسف له ان الوعي الجبائي ضعيف لدى عامة الملكفين وتعتبر هذه الظاهرة عادية في دول العالم الثالث، فأغلبية المكلفين تحأول ما أمكنها التملص من أداء الضريبة والتهرب منها وهناك بعض الفئات من الملزمين الذين يفاخرون بكونهم لا يؤدون الضرائب مع أن العكس هو الذي كان من المفروض أن يكون، لأن المواطن الصالح هو الذي يؤدي الضرائب ويفاخر بأدائها.

أما بالنسبة لأسباب انعدام الوعي الضريبي: فهي عديدة، وتتمثل أساسا في كون الملزم غائب عن المسرح الجبائي، وبالتالي فهو يشعر بالانعزال والنفور من الإدارة الجبائية مع أنه هو المعني بالضريبة، ولهذا يصبح انعدام الوعي لدى المواطنين ناتج أساس عن إهمال الإدارة الجبائية لهذا الجانب، وعدم تواجد خطة للتوعية الجبائية، إلى جانب النصوص القانونية والمسطرات والجدأول الخاصة بفرض الضريبة.

والملاحظ هو أن كل ما يتعلق بالجهاز الجبائي الحالي ما هو إلا عبارة عن نصوص قانونية جامدة، حيث لا يتمكن الملزم بالضريبة من الاطلاع على المعلومات والتوضيحات الاضافية التي تتطلبها تلك النصوص وذلك عن كريق وسائل الاعلام، كالجرائد والكتب، والبرامج الإذاعية والتلفزية[29]. إذن فغياب الوعي الجبائي، يترتب عنه بصفة أساسية البحث عن كل الوسائل التي تجعل المكلف يتحلل من كل زأوية من كل التزاماته تجاه الإدارة الجبائية، من خلال رفض الخضوع للضريبة، وبصرف النظر عن تلك التأثيرات التي تمارس على المشرع، تكاد الطرق التي يسلكها المكلف عن طريقتين الرشوة والتهرب الضريبي[30] وهكذا تمثل قلة الوعي الضريبي دافعا إلى التهرب، حيث الملزم لا يستطيع التخلي عن قسط من أحب ما يملك وهو المال لخزينة الدولة.

إذ لم يكن اليقين ووعي بمآل مساهمته الضريبية على المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي. فالوعي الضريبي هو المؤسس الرئيسي لإستجابة المكلف لدفع الضريبة.

وقد أجرت القناة الثانية بحثا بسوق محلي فيما يتعلق بسبب تحصيل المجلس الجماعي لرسوم محلية، أسفرت عن النتائج التالية:

90% من دافعي الرسوم يرون انعدام الاساس القانوني لهذه الرسوم وبالتالي فهي غير قانونية وتعتبر نوع من الإبتزاز والاختلاس؛

6% يعبترون هذه الرسوم مساعدة للمجلس؛

4% أنه هذه الرسوم في مقابل استغلال الأراضي الجماعية التي عليها السوق، وبغرض تنظيف أرض السوق بعد فضه، وبالتالي على الجميع دفعه.

من هنا يمكن أن نستنتج، ان من لهم وعي تام وكامل بدور الضريبة أو الرسم غاليا ما يخلصون في آداءاتهم الجبائية. وفي المقابل كيف يؤدي الضريبة من يعتبرها ابتزازا أو اختلاسا من لدن سلطات إدارية[31] ؟

ثانيا: التخلص من الضريبة والذهنية المجتمعية:

إن الاجراءات الجبائية لم تعمل في الحقيقة على زيادة تعميق توجهات التجارب السالفة للسياسة الجبائية المغربية.

وهكذا لم ينبن تدبير الشأن الجبائي على أسس تحوط كيانه وتحميه من التهرب الضريبي الذي ينخر جسمه، وبالتالي ترسخ في نهج تسيير الفعل الضريبي سبقية المقاربة المالية، وعزز هذا الاتجاه ما تم تفويته من إيرادات عامة على خزينة الدولة بسبب تفشي ظاهرة التخلص من الضريبة، لينعكس هذا الاتجاه على أخلاقية وذهنية ليس فحسب ملزم بالضريبة ولكن على كافة أفراد المجتمع.

فالضريبة مهما عظم دورها تعتبر من خلال نفسية الملزم انتقاصا من ماليته، وذلك ناتج عن اختلال تدبير الفعل الجبائي تشريعا وتنفيذا للمنظومة الضريبية، مما جعل تقبل الضريبة والوفاء في آدائها رهين بمدى شعوره الانتمائي للمجتمع، ومستواه الأخلاقي والعقدي الذي يحتم عليه الاخلاص في تمويل التكاليف العمومية[32].

فإذا كان فرض الضريبة ارتبط تشريعيا بشرط الاستطاعة والمقدرة التكليفية، فواقعيا يخرج تنفيذ منظومة الضريبة عن سكة هذا الشرط الدستوري، حيث يؤدي الضريبة ملزم مقهور اجتماعيا في أجرته أو دخله الضعيف مع تغطية تكاليف الأسرة ألزمه القدر بعولها لكونه الموظف أو العامل الوحيد في الأسرة وبالمقابل قد لا يؤدي الضريبة غني أو ذا مدخول كبير جدا لحظوته الاجتماعية ونفوذه، أو حتى وإن أداها فدخله يجعله فوق أريكة رغم الاقتطاع الضريبي.

وبالتالي إذ اعتبرنا الضريبة واجب مواطنة فإنه لزاما يؤخذ فيها بعين الاعتبار المقدرة التكليفية للمواطن تشريعيا وتنفيذيا فإن هذه المقدرة التكليفية حق مواطنة.

وهذه الاختلالات في المنظومة الضريبية والتي فاقم منها انتشار ظاهرة التهرب الضريبي بشكل مهول، كانت من محاذيرها عدم هبوط سلوكات التهرب الضريبي إلى تصرف مشين يجب اجتنابه، حيث لازال لم يوازيه المنظور الاجتماعي بالسرقة أو اختلاس الأموال العمومية، ويؤكد ذلك بعض الاحتجاجات التي نددت باختلاسات الأموال العمومية وبضرورة الضرب على أيدي المختلسين، وإلزامية تعميم المحاسبة والمساءلة، في حين لم يشهد تاريخ الجباية في المغرب أي اعتصام مجتمعي تنديدا بالتهرب الضريبي، وهذا خير شاهد على أن التهرب من الضريبة في ذهنية المجتمع لا يعتبر حتى سلوكا مخلا بالأمانة، مما جعله غير منبوذ في الأواسط الاجتماعية، ولم يلق أي مقأومة من لدن أفراد أسرة المتهرب، أو من أصدقائه وجيرانه، وفي المقابل كان المتهرب من الزكاة. فعدم التشهير بالمكلف الأمين ومكافئته على إخلاصه الضريبي جعله واقعيا في كفة موازية لكفة المتهرب، أو أقل في المنظور الاجتماعي الذي لا زال يفاخر فيه المتهرب لتحديه الضريبي لنفوذه السياسي أو الاقتصادي أو الإداري، مما يكشف عن غياب الأخلاق الضريبية في ذهنية المجتمع.

خاتمة الفصل الأول:

بالرغم من أن إشكالية التهرب الضريبي بكل أشكاله وأساليبه نالت اهتماما ملحوظا فإن هاجس التهرب من دفع الجباية، انطلاقا من عدة أسباب يجعل كل من المشرع والملزم في صراع أزلي وتجاذب مستمر، فإذا كان المشرع يستفيد من إستناده على ضمانات التحصيل، ثم الجزاءات الخاصة بجريمة الغش الضريبي، فإن الملزم أو الخاضع للضريبة لا يتوانى في إيجاد أفضل الثغرات القانونية والحيل وحتى التهرب عنوة أحيانا.

والتهرب الجبائي كما رأينا كسلوك سلبي ارتبط ظهوره بظهور الضريبة نفسها، وتطورت أساليبه وفقا لتطورها.

كما أن أهميته من الناحية المالية والاقتصادية والاجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن حقبة زمنية إلى أخرى حسب عدة عوامل. ولم تستطع السلطات العامة المغربية رغم استراتيجية الإصلاحات الجبائية المعتمدة منذ عقد الستينيات، أن تبلور سياسة جبائية جديدة تعتمد في المقام الأول على تسخير اقدرات الترميمية التي تزيد النظام الجبائي إلا تأزما وتعقيدا، هذا ويمكن القول أن التهرب الضريبي يعتبر بمثابة مرآة يعكس الصورة الحقيقية للعيوب والتناقضات العميقة التي يعاني منها النظام الجبائي المغربي ذلك وأنه وبدلا من تدعيم مبدأ العدالة الضريبية وتوسيع نطاق تطبيقه، مما إدى إلى تفشي عدة أمراض إجتماعية داخل المجتمع المغربي كالتهرب الجبائي، الفساد الإداري التهريب وغيرها…

ومن الأكيد أن الإستمرار في نهج السياسة القائمة على تقليص الدور الداخلي للدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتجسيد الأداة الجبائية كوسيلة لإعادة توزيع الدخل وتمويل برامج التنمية من شأنه أن يفضي إلى حدوث اختلالات اقتصادية عميقة تؤدي إلى الوقوع في أحضان التبعية المالية والاقتصادية للمؤسسات المالية الدولية وتأثيرها على الاستثمار والسياسة الاقتصادية للدولة.

وضعف مردودية الخزينة وهذا ما سنتناوله بالدراسة في الفصل الثاني من هذا البحث.

الفصل الثاني: التهرب الضريبي والفعالية الاقتصادية:

إن التقدم السريع الذي يشهده العالم حاليا، له انعكاسات هامة على التطور الاقتصادي والاجتماعي لكافة الدول، ولا يمكن لأية دولة أن تجاري هذا التطور وتستفيد منه إلا إذا اعتمدت تخطيطا اقتصاديا واجتماعيا محكما، يطعى الأولية للقطاعات المنتجة … غير أن الحصول على هذه المعلومات يتوقف بالأساس على توحيد الأنظمة المحاسبية لمختلف المقاولات والفاعلين الاقتصاديين، ونشر هذه المعلومات بصفة دورية حتى تتمكن الجهات المخططة من الحصول على احصائيات كاملة ودقيقة حول الاقتصاد الوطني بكافة مكوناته[33].

ولتحقيق هذه الغاية وجب أولا مكافحة ظاهرة التهرب الضريبي الذي يعتبر عاملا معرقلا لكل تخطيط اقتصادي يهدف إلى تحقيق تقدما للدول السائرة في طريق النمو. فالتهرب. مبني أساسا على التضليل واخفاء الحقائق فالمتهرب يلجأ إلى تقديم مستندات تتضمن معلومات خاطئة حول طبيعة وحجج النشاط الذي يقوم به. وهذا العمل يفضي لا محالة إلى إفشال جميع مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المراد تنفيذها لكونها تستند على أسس غير سليمة. ولعل أهم المحأور الأساسية هنا هي تلك المتعلقة بأثره على النمو الاقتصادي (المبحث الأول) وآثاره على الاستثمار (المبحث الثاني)

المبحث الأول: آثار التهرب الضريبي على النمو الاقتصادي:

إن انتشار ظاهرة التهرب الضريبي يحبط أي خطة في اتجاه التنمية، ويربك سياستها التداخلية، فيضطرها إلى تغيير مساراتها وتعديل خططها، وهو ما يؤدي إلى اختلال السياسة التوجيهية للاقتصاد.

إن نهج سياسة ثنائية التدخل الجبائي والتنمية تستدعي أولا الانطلاق من توضيح أي شكل من السياسة الجبائية في خدمة أي شكل من التنمية، مع أن الكتاب اختلفوا في تحديد الهدف الأساسي للضرية حيث يرى البعض “كجيز ولوفير، برجرو وتروتابا” أنها وسيلة لتغطية نفقات الدولة لا يجوز عبرها التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن البعض يقول على أن للضريبة دوراً ماليا وآخر اجتماعيا واقتصاديا، إلا أن قسماً آخر من المفكرين يؤكد على أن الدور الأساسي ليس مالياً بل اقتصادياً.

وهكذا أصبحت الضريبية في الدول المتقدمة مصدراً مهماً للتمويل، وأداة ناجعة لتشجيع أنشطة دون أخرى، وآلية للتأثير على دخول الطبقات، غير أن الأهمية التوجيهية للضريبة تختلف بحسب درجة تدخل الدولة. حيث كلما كان تدخل الدولة عميقاً كلما وجدت الحكومة في الضريبة أداة مطيعة للتوجيه.

المطلب الأول: آثار التهرب على السياسة التوجيهية الاقتصادية:

إن انتشار ظاهرة التهرب الضريبي يحبط أي خطة في اتجاه التنمية، ويربك سياستها التدخلية فيضطرها إلى تغيير مساراتها وتعديل خططها، وهو ما يؤدي إلى اختلال السياسة التوجيهية للاقتصاد، حيث تعمد الدولة إلى الزيادة في أسعار الضرائب أو تفرض ضرائب جديدة تعويضاً عن النقص الحاصل في خزينتها وهي ضرائب تنزل بثقلها على الملزم ذو الدخل الثابت أو المحدد، بحيث تتوسل أسرع الطرق في التحصيل – عن طريق المنبع – مما يشكل ضغطاً ضريبيا يرهنه إلى مزيد من العوز فهي ضرائب تصيب المستهلك الذي غالباً ما يكون على عتبة الفقر أو دونها أو موظفا بسيطاً لا يكاد يغطي حاجياته الأساسية، وهذا الوضع يؤثر بدوره على سياسة إعادة توزع الدخل والتي تعد من بين أهم السياسات التدخلية للدولة، حيث تلعب من خلالها دوراً موازناتيا يهدف للحد من التفاوت بين الطبقات الاجتماعية وذلك بفرض ضرائب تصاعدية ذات سعر مرتفع على الدخول المرتفعة، وبإعفاء الدخول المنخفضة أو بتخفيض عبئها.

أولا: الدور الاقتصادي للضريبة:

إن قدرة الدولة على الإنفاق العام وزيادة معدل النمو الاقتصادي تتوقف على ما يتاح لها من الموارد المالية اللازمة لتمويل استثماراتها، وتعتمد الدولة على تطوير المصادر الداخلية للتمويل من ناحية والاستعانة بمصادر التمويل الخارجية من ناحية أخرى. ويبرز دور الضرائب وأهميتها في تعزيز التمويل الداخلي وزيادة الموارد المالية التي تتطلبها عملية التنمية. ويتم تطوير مصادر التمويل الداخلية وفي مقدمتها الضرائب من خلال تعبئة الموارد القومية اللازمة لعملية التنمية، من أجل خلق دخول تنتج ضرائب جديدة.

إن دور النظام الضريبي يتمثل في دعم وإسناد عملية التنمية الاقتصادية من خلال توجيه الموارد قنوات الاستثمار التي تخدم عملية التنمية وزيادة الطاقات الانتاجية.

وإعادة توزيع الدخل والثروات وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
إن تحقيق التوازن بين خصوصية البلد وطبيعة التكوين الضريبي ينبثق عنه سياسة ضريبية تتفاعل مع مرحلة التطور وتوفر مقتضيات النمو وعناصره الضرورية، ولاسيما عنصر رأس المال الضروري في عملية التنمية الاقتصادية، وتساعد على تقليص الفجوة بين الإدخار والاستثمارات وتعمل على تعبئة الموارد المالية لتمويل الاستثمارات المنتجة.

إن فاعلية النظام الضريبي في تحقيق التوازن الاقتصادي تبرز من خلال دور النظام في درء الانصرافات والتقلبات التي تنثاب حركة النشاط الاقتصادي.

ففي القراق تم استخدام الضرائب للحفاظ على الوضع التوازني وحماية النشاط الاقتصادي من التقلبات والأزمات الاقتصادية، إذ أن السياسة الضريبية تلعب دوراً ملحوظا في إخلال التوازن والاستقرار الاقتصادي وتنظيم حجم الإنفاق الحكومي[34].

ثانيا: الأنشطة الاقتصادية الغير مهيكلة:

إن غياب المناخ الاستثماري الملائم خاصة للمشاريع الجينية، يعزي إلى عدة عوامل من أهمها غياب التشريعات التحفيزية والشفافة، وغياب الضريبة التفضيلية، وغموض السياسات الاقتصادية وكثرة التدخلين وفي الشأن الاستثماري، خاصة على مستوى التراخيص، رغم الحديث عن الإدارة ذات الشباك الواحد، وتبسيط مسالك إنشاء المشاريع، والعمل على النقص من عبئ كثرة الوثائق وبالرغم من إحداث المراكز الاستثمارية ويضاف إلى هذه الإكراهات صعوبة الولوجيات للأبناك والمصارف حصولا على قروض كافية وبفوائد منخفضة وعلى أمد طويل. زيادة على ارتفاع أسعار الطاقة خاصة النفطية وأسعار اقتناء العقارات، الناتجة عن المضاربة.

فالدولة لم تعمل على تشجيع الموارد الذاتية، وذلك بإصدار الإعفاء التام من الضرائب للأرباح الغير موزعة.

كل هذه الاكراهات المعقدة وغيرها تؤسس للاقتصاد غير منظم اقتصاد موازي للاقتصاد الوطني، وهو الاقتصاد الخفي أو المستثر، والذي يتخفى عن البحث والتقصي الهادف إلى الإحصاء تحديدا للكمية الدقيقة، وعن المحاسبين الذين لم يصلوا إلى تقدير هذا النوع من النشاط وتحديد تطوره، وبالتالي لم يخضع لأي تنظيم أو هيكلة من لدن الدولة. وبهذا فهو لا يساهم في الأعباء العامة المتمثلة في الضرائب إلا بعض الرسوم المحلية للجماعات المحلية[35].

والأنشطة الممارسة في هذا القطاع نوعان: أنشطة سرية وأنشطة ظاهرة.

فإذا نظرنا إلى هذه الأنشطة بصفة منفردة تتبادر إلى الذهن على أنها لا تشكل أية أهمية في المشاركة في الضريبة، بينهما إذا تمت ملاحظتها على المستوى الإجمالي، فبالتأكيد أنها تشكل دعامة جبائية لا يستهان بها، فالقطاع غير مهيكل قد يضر بوحدات لها مكانة مالية مهمة والتي يمكن أن تتخلص من الضريبة كليا أو جزئيا.

فالقطاع الغير مهيكل يكشل مجموعة من الأنشطة (التجارة الصغيرة، التهريب …) بحيث يصعب إدراج مثل هذه الأنشطة ضمن إطار التنظيم الاقتصادي للدولة، بالإضافة إلى كون الموارد المتأتية من هذا القطاع لا تضخع للفرض الضريبي، لأنها لا تكون محل تصريحات شفوية أو كتابية لدى الإدارات الجبائية، وهو ما يفسح المجال للمقاولات والوحدات الانتاجية للتهرب.

هكذا فإن هذا النشاط السري يساهم في حرمان الخزينة من إيردات هامة كان من المستوجب إخضاعها للفرض الضريبي لما لها من إمكانات لتوسيع الأساس الضريبي والتخفيف من الضغط الضريبي على المؤسسات المنظمة التي تلجأ في ظل هذا الحيف إلى التملص الضريبي، وهذا راجع لسببين أساسيين:

أولهما: أن المؤسسات الغير منظمة ذات كلفة أقل من مثيلاتها في القطاع المنظم باعتبارها لا تتحمل العديد من المصاريف ذات الطابع الرسمي ومن ضمنها الضرائب.

ثانيهما: أن هذه المؤسسات لا تقدم أية وثيقة إثبات للمؤسسات الأخرى، بحيث تتعامل معها بدون فاتورة أو وصل ويكون الأداء نقدا فقط، مما يدفع بالمؤسسات المنظمة إلى ممارسة التهرب الضريبي[36].

وفي واقع الأمر، فإن هذا النشاط السري ما هو إلا نتيجة مباشرة لإرتفاع سعر الضرائب ولثقل الضغط الضريبي، والمغالات في الاقتطاعات الضريبية، والذي تلجأ إليه الدولة لإعادة ضبط التوازنات، لذلك فإن حلحلة مشكل الاقتصاد الموازي هو تخفيف الضرائب، وبالتالي ضرورة تراجع الدولة من الزيادة في السعر الضريبي، مما يدفع الفاعلين في الاقتصاد غير مهيكل إلى التصريح بأشنطتهم للاستفادة من حقوقهم في هذا المجال.

المطلب الثاني: آثار التهرب على الانتاجية وتوزيع الدخل:

إن انعكاس التهرب الضريبي من شأنه أن يحدث اضرابا في النظام الذي يضعه المشرع لتوزيع الأعباء العامة على الممولين ولئن كان المشرع يتوقع انعكاسات في سن القوانين الضريبية، فإن التهرب من هذه الضريبة يبطل هذه الانعكاسات، مما يكون له آثرا سلبيا في أداة التوجيه الضريبي كسياسة تدخلية.

كما أن انعكاس بعض الضرائب في معظم الأحول يكون ضد إرادة المشرع، مما يفرض قبل سن أي ضريبة أو تغيير أحكامها إخضاعها للدراسة والتحليل، غير أن التهرب الضريبي يعدم جدوى هذه الدراسة، ويشل نتائج هذا التحليل، ليصبح أي تقييم للضرائب غير مؤسس على مرتكزات علمية منبثقة من واقع تطبيق هذه الضرائب، ما دامت الإقرارات التي يصرح بها الملزمون، وكذا عمليات التحصيل التي تكون ناقصة كل سنة، مما يجعل وضعية الممول تأخذ بعدا لا يمت بصلة حقيقية للواقع في منظور إدارة الضرائب وهي تضع جدأول الأوعية الضريبية، اعتقادا منها أنه لا يوجد مكلف صادق في اقراراته الدخولية، وبالتالي فأي ضريبة أداها تبقى دون ما كان واجبا أن يؤديه حقيقة، مما يجعلها تغالي في مبالغ الضرائب، خاصة التي تعتمد الإقرار من الملزم، مما كان له آثارا على الانتاجية (أولا) وكذلك على إعاقة عملية توزيع الدخل (ثانيا)

أولا: الآثار على الانتاجية

تخلق الضريبة اختلالا توازنيا في الاتجاه الذي تغير فيه الاختيارات التي ينهجها الأفراد في غياب الضريبة، حيث وجود منظومة تغطي اقتطاعاتها الأنشطة الاقتصادية بغير ثمن تدخلات كثيرة للأفراد مقارنة مع مناخ لا يعرف وجود ضريبة. ذلك أن الأفراد مدعوون لضبط تصرفاتهم لملائمتها وبالتالي الإقبال على ممارسة الأنشطة التي تعرف سعرا ضريبيا مخفضا أو إعفاء كليا من الضريبة، على حساب الأنشطة المثقلة بالضرائب، أو بعبارة أخرى التي تشكوا عبئ ضريبيا، في هذا السياق يمكن التفكير في أن الضريبة خاصة عندما ترتفع أسعارها تعمل على تضريم الشغل والقدرة الانتاجية والاستثمار. وبهذا تصبح المعادلة منطقية أنه كلما أضيف التحصل الضريبي والاجتماعي إلى العمل إلا وكلفته ارتفعت، وكانت آثاره بالتالي مهمة ربحية هذا العمل من جهة، وعلى مدى توفير الشغل من جهة أخرى.

وهكذا تصبح المردودية الحقيقة الصافية بعد الاقتطاع للاستثمار ما يتعلق بالتحملات والعائدات التي ولدتها تلك الاستثمارات، إضافة إلى الاستهلاكات من الأرباح المفروضة عليها الضريبة حسب السعر الضريبي الواجب.

كما أنه كلما كانت شعلة الأسعار مرفوعة كلما كانت المردودية الصافية ضعيفة جدا، وبالتالي تكون الرغبة في الاستثمار بطريقة التبعية هي الأخرى، بحيث أن كل ضريبة تستلزم من الممول التنازل عن جزء من مدخوله لصالح الدولة. ويمكن إدراك هذا الطرح إذا علمنا أن شرائح الأسعار الضريبية تنتقل تصاعديا بدرهم واحد زيادة. وبالتالي كيف لملزم أن يثابر على زيادة دخله إذا علم أن ذاك سيكلفه سعرا ضريبيا مرتفعا ؟ هذا سيؤدي به إلى التقاعس والتكاسل عوض التعب والشقاء لصالح الضريبة ولا شك أن هذا السياق الذي طرحناه يوضح أن العبئ الضريبي، أو الضغط الضريبي الذي يساهم فيه التهرب الضريبي أو يؤدي إليه ذلك أن الدولة تحأول دائما تعويض ما تم تفويته عن خزينتها، وهكذا يتجلى بعد التهرب الضريبي على الانتاجية سواء في الإحجام عن الاستثمارات التي تعرف تضربيا مرتفعا، أو التقاعس عن الزيادة في الإنتاج.

ثانيا: آثار التهرب على توزيع الدخل:

إن الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها المالية العامة، بأدواتها المختلفة قد جعلت الضرائب من الأدوات الهامة في يد الدولة لتحقيق الكثير من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية … ومن بينها مساهمة الضرائب في إعادة توزيع الدخل القومي وبخلاف النفقات التي تعمل على التأثر في التوزيع الأولي للدخل.

إن الضرائب يرتكز دورها في إعادة التوزيع بالطرق التالية:

تغير الطلب على سلع الاستهلاك، وما يترتب عليه من تأثير في الأسعار وهو ما يعني التأثير في الدخول الحقيقية.
رفع أسعار بعض السلع عن طريق إضافة الضرائب إليها.
التأثير في مستوى التشغيل والانتاج، ومن ثم في عوائد عناصر الانتاج وهذا ما يعرف (بأثر الانتاج الكنزي) الذي يمثل الأثر غير المباشر للضرائب في توزيع الدخل القومي[37].
ويترتب من الاعتماد الغالبي على الضرائب غير المباشرة، انخفاض مستوى الدخول لمعظم المواطنين، باعتبارها ضرائب تصيب المستهلك الذي غالبا ما يكون على عتبة الفقر أو دونها، أو موظفا بسيطا ذو دخل ثابت أو محدود. وبذلك فإن ارتفاع سعر الضرائب غير المباشر إلى (20%) وإن كان يحقق إيرادات مباشرة وسريعة ويعوض خزينة الدولة كما يفوت عنها بسبب التهرب الضريبي يتفانى من جهة أخرى مع إعادة توزيع الدخل العادل للدخل، حيث الطبقات الغنية هي المستفيدة على حساب الطبقات العامة، ذلك أن الضرائب غير المباشرة المفروضة على السلع الاستهلاكية ومعاملات الأفراد تمس مباشرة الدخول الضعيفة والقدرة الشرائية لمجموع المستهلكين. مما يكون له آثارا وخيمة كانخفاض مستوى الدخل الفردي وسوء توزيع الدخل القومي.

وهذا النهج للسياسة الليبرالية الاقتصادية كان من نتائجها تركيز الثورة في يد نسبة قليلة من المواطنين باعتبار أن محاباة تراكم رأس المال على حساب توزيع عادل للدخول والثورات بين أفراد المجتمع نتجت عنه اختلالات اقتصادية والثورات بين أفراد المجتمع حيث نسبة المحظوظين من كبار الفلاحين والملاكين العقاريين وأرباب التجارة والصناعة الذين لا يتعدوا 20% من الساكنة المغربية والذين يستحوذون على أكثر من 66.6% من الدخل الوطني مقابل 35.4% ويقتسمها أكثر من 80% من المواطنين، والذين يتحملون تكلفة قوانين الاستثمار وضغطا ضريبيا يتجأوز قدرتهم الجبائية.

وهذه الضرائب غير المباشرة التي تقع على الاستهلاك فتؤدي إلى ارتفاع المنتجات ليزيد العبئ على الطبقات الفقيرة أكثر منها على الطبقات الغنية، يفيد أن الدولة لقلة إيراداتها العامة، ولكثرة تفشي التهرب الضريبي، نبحث لدى الملزمين أقصى ما يمكن استخلاصه مع محأولة منها كما ساد في الذهنية الاجتماعية “تجنب اضطهاد الدجاجة لأجل بيضها الذهبي”[39]. حيث أن الدولة تخفض الضرائب على الشركات تشجيعا منها الاستثمار باعتبار أن اشتغال السعر الضريبي يكبح الاستثمار، أما الضريبة على الاستهلاك وإن كانت من الممكن أن تحفض من وثيرة الإستهلاك فهي لا تكبحه حيث أن المواطن يستهلك مضطرا، وهذا يتنافى مع دمقطرة التدبير للشأن الضريبي، في حين أن الدولة الديمقراطية هي التي تعيد توزيع أقصى ما تستغله على مواطنيها مما يساهم منطقيا في نماء الانتماء للدولة.

المبحث الثاني: التهرب الضريبي وآثاره على الاستثمار:

مما لا شك فيه أن الضريبة من الوسائل المالية العامة المؤثرة بشكل كبير على الاقتصاد، والذي نستشفه من خلال التأثير على الادخار (جلب رؤوس الأموال)، التحفيظ على الاستثمار، الانتاج، الاستهلاك، ومحاربة التضخم … إلا أن التهرب من أدائها حال دون تحقيق الهدف الذي تسعى الدولة للوصول إليه.

وتظهر الانعكاسات الاقتصادية من خلال التأثير على مبدأ المنافسة الحرة بين المقاولات والأشخاص، وهو ما يعتبر من عوامل تخريب الاقتصاد الوطني. كما أن انخفاض معدلات الإدخار يجعل الدولة تقلص حجم الإعفاءات الممنوحة في إطار ترقية الاستثمارات، وهذا ما يؤدي إلى ركود اقتصادي نتيجة تقليص حجم الاستثمارات (المطلب الأول).

أنا الجانب الثاني فيتعلق بالإخلال بقواعد المنافسة النزيهة، حيث تصبح المؤسسات المتهربة من الضريبة أفضل من تلك التي تؤديها من حيث إمكانية تحسين الجهاز الانتاجي وتقوية مكانتها في السوق (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تراجع الاستثمار:

إن مقتضيات الواردة في التحفيز على الاستثمار والإدخار، تعتبر محدودة جدا وغير متناغمة، مما يركد أن الدولة لا تسعى بما يكفي لتحقيق الانصهار في السياسة الاقتصادية العامة كمكون من مكونات التنمية الشاملة، حيث لا زالت تغلب عليها المقاربة المالية في تدبير الشأن الجبائي، وإن كانت استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تستدعي استعمال عدد من المقاربات الجبائية البديلة لتوضيح الاخيارات التي يجب تطبيقها، وبالتالي رسم الأهداف التي ينبغي استباقها في مسلسل التنمية.

فالضرائب يجب فرضها بحيث يكون لها أقل أثر ممكن على الانتاجية، سواء من خلال الاستثمار الوطني أو الأجنبي.

خاصة وأن هيكلة توزيع الاستثمارات تتحكم فيها على أوسع نطاق، عوامل التنافسية والميزات النسبية، والدولة التي تحسن اغتنام ما يوفره نظامها الضريبي من فرص واحجتناب ما ينطوي عليه من مخاطر تهدد التوازنات الاستثمارية هي التي تسعى لاكتساب المناعة الاستراتيجية في الاستثمار والتنافسية الاقتصادية.

فإلى أي حد توجه الدولة اهتمامها للإنعكاسات مختلف الضرائب مساهمة في إنجاز الأهداف الاقتصادية الوطنية، خاصة إذا أدركنا أن المغرب كغيره من البلدان النامية يعاني من ظاهرة التهرب الضريبي، مع أن خزينته العامة يرتكز تمويلها أساسا على عائدات الضرائب.

وكيف يمكن أن تصبح الضريبة مع ما ينخر جسمها من تهرب ضريبي، مقودا تتحكم من خلاله الدولة في قيادة قافلة التنمية، وتوجيه الإقتصاد في إطار طريق سيار مأمون مممن التنميةـ وتوجيه الإقتصاد في إطار طريق سيار مأمون من المخاطر، مضمون الوصول؟

فإذا كان المغرب قد اعتمد قانون المنافسة، والذي حأول من خلاله ترسيخ المنافسة الممكنة[40].

فما هي تقنيات تهرب المقاولة على الصعيد الوطني (أولا) وما هي آثار التهرب الضريبي على البيانات التنافسية وسط المشاريع (ثانيا).

أولا: تقنيات تهرب المقاولة :

تعيش المقاولة المغربية وتحيى في ظروف تتسع بالعديد من الإكراهات فإلى جانب البناء الجبائي المعقد (الضريبة المهنية، الضريبة الحضرية والتي أصبحت تسمى الضريبة على السكن، الضريبة على النظافة والتي أصبحت تسمى بالضريبة على الخدمات الجماعية، الضريبة على الشركات والقيمة المضافة، حقوق الجمرك وحقوق التسجيل والتنبر) تجد المقاولة نفسها في مواجهة إدارة جبائية لا تحيد عن القاعدة العامة للإدارات العمومية بالمغرب إذ تتسم بالبطئ والروتينية، وقلة الكفاءات البشرية والمادية، إضافة إلى الزبونية المفرطة هذا وتتسم هذه الإدارة بالعديد من السلط المختلفة كسلطة المراقبة والسلطة الزجرية دونما الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المقأومة والعمل في إطار منظومة السوق التي أصبحت تفرض الالتزام بالعديد من الضوابط من أهمها السرعة والشفافية مما يؤكد رغبة التحرر قد تنزجع إلى تهرب ضريبي تتقوى فرص التهرب الضريبي كلما تركت للمقاولة أمر التصريح بأرباحها والعمليات التي تنجزها فقد أثبت الواقع عدم وجود حساب ختامي سليم من الأخطاء سواء أكانت مقصودة أو غير مقصودة. فالمحاسبة الخاصة بالمقاولة توفر لها العديد من الفرص لممارسة التهرب الضريبي خصوصا وأن الإدارة الجبائية لا تتوفر على الإمكانيات البشرية والتقنية لإجراء المراقبة وذلك بالنظر لحجج المقاولات من جهة وتعدد وسائل التهرب المتاحة لها ثانيا.

وتتعدد تقنيات تهرب المقاولة إن على المستوى الوطني أو الدولي.

التقنيات تهرب المقاولة على المستوى الوطني:

في هذا الإطار نجد الغش عن طريق الوسائل السرية، إلى جانب الغش في إطار المداخيل.

أ- الغش عن طريق الوسائل السرية: يتم هذا النوع من التهرب في إطار التحملات، فمن المعلوم أن الإدارة الجبائية تقوم بخصم التحملات التي تدلي بها المقاولة في محاسبتها وفي هذا الإطار يتم اللجوء إلى التهرب عن طريق مشتريات وهمية بواسطة فاتورات خاطئة ويتم الحصول على هذه الأخيرة عن طريق مشتريات وهمية أو خدمات غير موجودة أو تكون هذه الفواتير صحيحة من الناحية القانونية مما يصعب معه التعرف عليها.

التهرب عن طريق مستخدمين وهميين ووظائف وهمية:

وذلك عن طريق تقديم لائحة من المستخدمين غير موجودين وتسجيل مرتبات ضخمة، لمسيري الشركة مما يشكل فائض قيمة جبائي يمكن استرجاعه وعادة ما تلجأ المقاولة في هذا الصدد إلى التشغيل الوهمي لأفراد العائلة مما يجنبها المطالبة القانونية ويؤكد بالتالي الطابع العائلي للمقاولة.

التهرب عن طريق النفقات العامة:

وذلك عندما تسجل المقاولة في حساباتها نفقات تتمتع بها، كنفقات سيارات المسيرين ومساكنهم وتنقلاتهم وهذا إن وجدت فعلا هذه النفقات ووجد أصلا هؤلاء الأشخاص.

أما في إطار المداخيل، فيتم التهرب عن طريق البيع بدون فواتير، وأمام هذه التقنيات المتعددة الأشكال وقف المشرع المغربي عاجزا إذ قد يتفق المقأول والمشتري على البيع دون فاتورة وقد يتفقان على مستوى الأسعار، هذا في الوقت الذي لجأت فيه دولة متقدمة كفرنسا وسويسرا إلى تقنية (Coefficients expérimentaux)

ب- الغش عن طريق استغلال ثغرات القانون:

يتميز القانون الجبائي، كغيره من القوانين، بمجموعة من الثغرات الناتجة أساسا عن الغموض، وعدم التحديد الذي يتصف به، ويتيح ذلك الفرصة للتهرب وذلك عن طريق:

التهرب عن طريق المحاسبة: خاصة وأن الإدارة الجبائية لا تتوفر على إمكانية إعطاء الدليل على نقص الأرقام المصرح بها، ويعود ذلك لغموض المادة 213 من المدونة العامة للضرائب التي جاء فيها “إذا شابت حسابات سنة محاسبية أو فترة لفرض الضريبة إخلالات جسيمة من شأنها أن تشكك في قيمة الإثبات التي تكتسيها المحاسبة، جاز للإدارة أن تحدد أساس فرض الضريبة باعتبار العناصر المتوفرة لديها.

وهكذا فالمادة 213 وفي إطار تعدادها للإخلالات الجسيمة نجد الأخطاء أو الإغفالات غير الصحيحة الجسمية والمتكررة الملاحظة في ما تتضمنه المحاسبة من عمليات “هاته الفقرة التي تبقى غامضة طالما أن المشرع لم يحدد لائحة محددة لهذه الأخطاء، الإغفالات، البينات، الغير الصحيحة الجسيمة، هذه اللائحة التي تسمح للإدارة الضريبية بتقدير درجة خطورة هذه الأخطاء والإعفاءات.

التهرب عن طريق الأصول: إذ هناك شبه استحالة بالنسبة للإدارة والتحديد بدقة ما إذا كان مخزون السلع الذي تمت محاسبته في الأصول هو نفس المبلغ المصرح به من طرف الشركة لأن من التطبيقات التي جرت الشركة على ممارستها أن تصرح للخزينة بمخزون للسلع جد منخفض عن الحقيقة خاصة وأن الإدارة الجبائية لا تتوفر على الوسائل البشرية والمادية لمراقبة المقاولات وفي ظل هذه الوضعية تشير الإحصائيات المتعلقة بهذا الموضوع إلى أن عدد المحققين في حسابات الشركات التابعين للإدارة الضرائب لا يتعدى 400 مراقب في حين أن عدد الشركات التي يتعين من دفاتير حساباتها المقدمة لإدارات الضرائب يفوق 120 ألف شركة على أقل تقدير، ما يعني 300 شركة بالنسبة لكل مراقب علما بأن هذا الأخير لا يمكن أن يدرس ويدقق سوى حسابات ثماني شركات في السنة.
التهرب عن طريق الخصوم: تدفع الشركات في هذه الحالة بعدم وجود قواعد دقيقة للتقدير لدى الإدارة فمثلا قد تخفض المقاولة قيمة سلعتها بدون سبب وبسعر يقل عن التكلفة حيث يتم وصف السلع بالمعيبة أو المتعذر بيعها، وقد لا ينسجم هذا مع الواقع.

التهرب عن طريق إعادة التقويم: ويتم ذلك عن طريق رفع قيمة الاندثار القابل للخصم من الربح الخاضع للضريبة، وهذا يكلف الخزينة مبالغ مهمة.

ثانيا: تنافس المقاولة في ظل التهرب:

يعتبر تشجيع قيام الصناعات الوطنية وتدعيمها في مقدمة الأغراض الاقتصادية التي استعملت الضريبة منذ زمن بعيد من أجلها.

وهكذا حاول المخزن التصرف في سعر الجباية خاصة الرسوم الجمركية حسب الظروف، حيث سعى سنة 1748 إلى فرض سعر ب 20% عوض السعر القديم الذي يتراوح بين 5% و 15%، غير أنه عاد إلى نفس السعر بدخول سنة 1848 ليحأول مرة أخرى فرض سعر 20% سنة 1852 طيلة أربع سنوات، لينتهي ذلك بفرض سعر قار ونهائي يتمثل في 10% بإبرام المغرب اتفاقية مع انجلترا سنة 1856 بعد ذلك مع إسبانيا وفرنسا سنة 1860 ثم مع ألمانيا سنة 1861.

هذه الوقائع تحيلنا لطرح السؤال التالي: لماذا أصر المغرب على رفع سعر الرسم الجمركي؟ ولماذا تجتهد الدول المذكورة بما أوتيت من سلطة على تخفيض أسعار الصاكة آنذاك (هي الرسم الجمركي على الواردات) ؟ أليس بالنسبة للمغرب لضمان مورد يغذي خزينته العامة من جهة وحماية مشاريعه الوطنية في ظل التنافسية الأجنبية من جهة أخرى. وبالنسبة للدول الأجنبية محأولة منها تخفيف تكاليف مقأولاتها وبالتالي جعلها قادرة على المنافسة فعلى سبيل المثال إذا كان التاجر يتهرب من الضريبة على القيمة المضافة التي تبلغ 20% حيث أنه إذا كان سيبيع جهاز التلفاز ب 5000 درهم بما فيها جميع الرسوم (TTC) وتهربه من أداء 1000 درهم، فإنه بهذا يمكنه عوض بيعه هذا الجهاز ب 5000 أن يبيعه ب 4,5 ألف درهم عوض 5000 درهم مما سيجعل هذا الثمن مغريا للمشتري وبالتالي الإقبال على السلعة[41].

ويظهر هذا جليا بحيث إذا كانت المنظومة الضريبية تتضمن ما من شأنه أن يضمن نوعا ما المسأواة بين المقاولات أمام الأعباء الضريبية لخلق إنطلاقة شريفة للمنافسة الممكنة، فإن على إدارة الوعاء وإدارة التحصيل تجسيد هذه المسأواة على أرض الواقع في أواسط المشاريع دون استثناء حيث لا يمكن لشركة أو مقأولة عموما تلتزم بأداءاتها الضريبية سواء على مستوى الصدق إقراراتها التصريحية، أو باحترامها لمواعيد أدائها الضريبية، أن تكون في وضعية مالية مربحة مقارنة بمثيلة لها تتخذ التهرب من الضريبة نهجا لها، حيث هذه الأخيرة كما يشهد على ذلك المثال المذكور ستوظف ما تستفيده عن طريق التهرب في تخفيض أثمنة منتوجاتها أو خدماتها، مما سيفتح عليها أبواب الإقبال من لدن الراغبين في تنأول منتوجاتها، وبالتالي قلة استثمارها، وحتى إن اضطرت إلى الإغلاق الذي سيكون له انعكاسات ليس فقط على صاحبها بل كذلك على عملها وعائلتهم، أي بطالة وتشرد وعلى الخزينة العامة التي سيفوت عليها ما كانت تؤديه هذه المقاولات .

كما أن هناك تفاوت في المشاريع حيث المشاريع الكبرى لها القدرة على توظيف خبراء في مجال الضريبة والمحاسبة اللذين يدركون بكل دقة مسالك التهرب الضريبي، وهذه الإمكانيات لا تتوفر عليها المشاريع الصغرى.

القضاء على التهرب من شانه أن يوفر في أواسط المشاريع معاملة ضريبية مماثلة لمختلف الأنشطة والملزمين عندما تتماثل ظروفهم الاقتصادية. إضافة إلى أن توزيع العبئ الضريبي، قانونا وتطبيقا بين فئات المكلفين المختلفة يشجع على الإخلاص بالضريبة.

المطلب الثاني: التهرب وجاذبية الاستثمار:

إن أي تنمية حقيقية لابد وأن تتوفر لها ظروف اقتصادية مساعدة، بحيث تعرف المشاريع الاقتصادية المزمع إنجازها سيرها العادي والطبيعي وفق البرنامج المسطر لها وما توفر لها من إمكانيات. وفي ظل التغيرات الحادثة على مستوى الاقتصاد الوطني، وفي نظام جديد يعرف بالعولمة تسعى مختلف الدول إلى جلب أكبر قدر ممكن من التدفقات المالية، خاصة الاستثمارات منها، مستعملة في ذلك مجموعة من الوسائل أهمها الجبائية لمدى تأثيرها على قرار المستثمر من جهة وكذلك أهميتها في جذبه إليها من جهة أخرى.

ويعتبر الاستثمار من العوامل المحركة للاقتصاد، وذلك نظرا لإمكانياته في تكوين الرأسمال والتشغيل والإنتاج فهو إذن العنصر القادر على الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية في الدول النامية باعتبار تأثيراته على النشاطات الاقتصادية وبارتباطه بالإطار التأسيسي الاقتصادي والاجتماعي للدولة، إذ أنه قادر على خلق مسلسل تغيير هيكلي لتنمية مستمرة.

وإذا كان لا يمكن اعتبار الجباية بأية حال من الأحوال حقيقة مستقلة، حيث أنه مجال متعدد الجوانب وبنيات نشاط يؤسس لعلاقات في إطار مركب هو الإطار الاقتصادي، فإن تفاعل الجباية في واقعية الاقتصاد يجعلها تؤثر وتتأثر بالنظام الاقتصادي المتبع وفق علاقة جدلية، وبالتالي فإن أي خلل يعتري النظام الضريبي ينعكس دون شك على السياسة الاقتصادية ويؤثر بالتالي على الأنشطة الاقتصادية سلبا.

فما مدى تأثير التهرب الضريبي على جذب الاستثمارات الأجنبية (أولا) ؟ والاستثمارات الوطنية (ثانيا)

أولا: التهرب والاستثمارات الأجنبية:

أصبحت الدول ليس فحسب النامية ولكن المتقدمة منها تسابق إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية سواء منها الإنتاجية أو الاستهلاكية، وذلك بشتى ما أوتيت من آليات، والتي تبقى الحوافز الضريبية على رأسها.

ولئن كان المستثمر الأجنبي يطالب بالعديد من المزايا التي تشمل الإعفاءات والمميزات الضريبية كحفاز له للحصول على أكبر قدر ممكن من الربح من خلال استثماره فإن بعض الدول راهنت في سباقها على جلب الاستثمارات الأجنبية إلى إعفاءات كلية من الضريبة أو ما يسمى بالجينات الضريبية، إلا أن هذه الدول وإن كان ضروريا لها أن توازن بين حاجاتها إلى رأس المال الأجنبي للمساهمة في التنمية الاقتصادية وما يستدعيه من إغراءات بواسطة الامتيازات الضريبية وبين حاجاتها إلى الإيرادات الضرورية بدورها في التنمية الشاملة، فإنه في إطار هذه الاستراتيجية يمكن للدول أن تمنح المستثمر المزايا الضريبية وإن ضحت بالموارد الضريبية فإنها ستعوض تضحيتها بمنفعة مالية حقيقية، وذلك من خلال ما سينسب عليها من تدفقات رأس مال أجنبي الذي ما كان ليقبل عليها لولا الحوافز الضرورية غير أن الدولة لا يمكن لها أن تقدم على هذه السياسة وتلغي الضريبة التي هي الوسيلة الأساسية للحصول على الإيرادات والتي هي في أمس الحاجة إليها خاصة وهي تعاني من ندرة الأموال العمومية، في وقت لم يعد فيه التهرب من الضريبة كليا أو جزئيا ظاهرة ولكن بنية. ولئن أصبح استقبال الاستثمارات المباشرة الأجنبية من أولى أولويات المغرب لانطلاق اقتصادي، فإن المغرب اكتفى فقط بالمصادقة على عدة اتفاقيات شملت 30 بلدا لضمان ظفرة الاستثمار الأجنبي، إضافة إلى اتفاقية عدم الازدواج الضريبي مع أنه تم وضع إطار ضريبي لتشجيع الاستثمار الأجنبي، حيث تم إعفاء المقاولات بالمناطق الحرة من الضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل، لكن فقط طيلة الخمس سنوات الأولى على مباشرة العمل وبعد ذلك ودون مبدأ التدرج في التضريب لا تستفيد هذه المقاولات إلا من تخفيض ضريبي على مستوى الضريبة على الشركات من 8,75% إلى 10% ليس إلا.

بالرغم مما جاء في الخطاب الملكي ليوم الثلاثاء 8 ماي 1990 بمناسبة إقرار إحداث المحاكم الإدارية: “… إننا نقوم بمجهود كبير فيما يخص النظام الجبائي وننوي أن نقوم بعفو جبائي ونطلب من المستثمرين أن يأتوا ليستثمروا عندنا”

ونلاحظ أن كلمة العفو الجبائي وتكرسيه، تم توجيه الدعوة للمستثمرين للإستثمار لكن الواجب قرائته في الخطاب الملكي هو عبارة ” إننا نقوم بمجهود كبير فيما يخص النظام الجبائي” والمجهود طبعا لا يكمن في سن القانون الجبائي ولكن في الإكراهات المالية عند أجرئة الإعفاء، وبهذا جاء الإعفاء ناقصا لكن في حالة تظافر الجهود بين الإدارة والملزمين للإقلاع عن التهرب، فإن الدولة آنذاك ستكون في وضعية مالية مريحة، تؤهلها لنهج استراتيجية الحوافز الضريبية، فتتنازل عن جزء من إيراداتها الضريبية في شكل إعفاء للاستثمارات الأجنبية لإغرائها، نظرا لحاجة الدولة هذا النوع من الاستثمار خاصة إن تقررت هذه الإعفاءات لأوجه النشاط الاقتصادي المرغوب فيه لتحقيق التنمية الشاملة والكاملة. إلا أنه يبقى استخدام هذه الحوافز المالية بشكل معقلن في إطار خطة اقتصادية واجتماعية ملائمة، حيث ينبغي الحرص على التوازن بين هذه الاستثمارات والأرباح المحققة ومدى تشغيل الأيدي العاملة الوطنية ونقل التكنولوجيا وبين التحويلات للخارج[42].

ثانيا: التهرب والاستثمارات الوطنية:

ينبغي أن تكون الضريبة في خدمة التنمية الموضوعية، وإحدى أدواتها الفعالة، حيث من شأنها أن تحدث عامل إنجذاب نحو الأنشطة الاقتصادية الأكثر إنتاجية، حتى تكون الضريبة عاملا أساسا لكل سياسة تنموية. وفي إطار هذا المفهوم تصبح الضريبة أكثر ترشيدا وأحسن توجيها وتشجيعا للاستثمار الوطني للدفع به نحو إنتاجية أكثر، وجودة أعلى، وبالتالي يكون قادرا على خوض غمار المنافسة العالمية في ظل عولمة شرسة. والحالة هذه حيث سيعرف الاستثمار الوطني ازدهارا ستنتعش خزينة الدولة بفضل عائدات الضرائب التي ستكون قاعدتها قد توسعت ومداخيلها قد ارتفعت.

غير أن هذه الصورة ينبغي أن تكون عليها المنظومة الضريبية، تصطدم بواقع مأسأوي تمثلت في اتساع انتشار ظاهرة االتهرب الضريبي، لتقل موارد الدولة بسبب اعتماد خزينتها بالأساس على الضرائب. مما دفع بنهج سياسة ضريبية غير حكيمة اختزلت في المراقبة المالية كآلية وحيدة في تدبير الشأن الضريبي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الضغط الضريبي الذي سيعرقل مسار الاستثمار الوطني.

وهكذا إذا ما رغبنا الخروج من الأزمة يصبح المطلب الأول هو تخفيض العبئ الضريبي، وذلك للتحريض على العمل وبالتالي على الإدخار الذي سيشجع على الاستثمار. إلا أن تخفيض الضغط الضريبي سيبقى رهين بمدى إمكانية القضاء على التهرب من الضريبة كليا أو جزئيا، باعتبار أن التهرب هو السد المنيع لمنسوب مداخيل الخزينة والذي بسببة كما سبق ذكره سيدفع بالدولة إلى رفع أسعار الضريبة الذي يعني الزيادة في التكلفة الضريبيةـ الذي ستجعل المنتجين يعزفون من الاستثمرات الجديدة خاصة ذات التكاليف العالية، والغير المضمونة النتائج، ويتقاسعون عن الاجتهاد في العمل لساعات إضافية ما دام الناتج من الأرباح سيفقدونه في شكل ضرائب متقطعة، فضلا عن إقبالهم عن الإنتاج الاستهلاكي بدلا من الإقبال على الإنتاج الاستثماري تجنبا لفريضة الضريبة، مما سيكون له انعكاس إضافي متمثلا في تفشي الضغوط التضخمية.

ورغم مجهود الدولة في العمل على تقليص العبئ الضريبي كما تميز في ذلك قانون المالية لسنة 1995 في تعزيز تخفيف الضرائب لتحفيز الاستثمارات كأساس للنمو الاقتصادي[43].

وهكذا يبقى تشجيع القطاع الخاص والرفع من مردودريته وتوسيع نشاطه، حتى يلعب دورا أكثر ديناميكية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد رهين بتخفيض الضرائب وهو التخفيض الذي لن يكون معقولا إلا عند مكافحة التهرب الضريبي.

خاتمة الفصل الثاني:

نستنتج في إطار هذا الفصل أن محاذير التهرب اضريبي تختلف على المستوى الاقتصادي أو السياسي، ولانجانب الصواب إن أكدنا على أن نلازم ذلك راجع إلى ضعف حكامة توظيف الضريبة سياسيا، كبوصلة لتوجيه الاقتصاد تنوعا لقطاعاته، وتطويرا لآلياته، وازدهارا ونهوضا به.

فالتهرب من الضريبة أعاق تدبير الجباية، وعقد صعوبة تقييم السياسة الضريبية، وكان عاملا في اختلال العدالة الضريبية وتكريس اللامسأواة، وانعكس كذلك على رهانات اللامركزية حيث شل أداة الضريبة في استغلالها لبناء توازن بين الجهات وبتشجيع الاستثمار في جميع اقطابها، مما عثر مسار التنمية وعرقل إعادة توزيع الدخل الوطني ومدد الاستقرار السياسي.

إن التهرب الضريبي عطل التنافسية الممكنة بين مختلف المشاريع، وأشعف دعم الدولة للاستثمارات الجنينية كالمقاولات الصغرى والمتوسطة، وشل مجهود الدولة في خلق جاذبية قوية للاستثمارات الأجنبية لعدم قدرتها بتوسيع الإعفاءات الضريبية أفقيا وعموديا. ولا تنحصر سلبيات التهرب من الضريبة عند هذا الحد بل تتعداه إلى ما هو اجتماعي.

خاتمة عامة:

إن معظم فقهاء القانون الجبائي يتفقون على أن الضرائب اصبحت تشكل وسلية فعالة وضرورية لتوجيه السياسة الجبائي والاقتصادية للدول، وبالتالي فإن التهرب الضريبي يبقى هاجسا أمام السلطات العامة لكونه يستنزف هذه الضرائب التي تشكل ركيزة أساسية لتمويل النفقات وتأهيل الاقتصاد الوطني، ليصبح أكثر تنافسية خاصة في ظل العولمة وانفتاح الأسواق الخارجية، ذلك أن التهرب الضريبي ليس قدرا مقدرا، وإنما ميلاده وانتشاره كان نتاج اختلالات عددية ومختلفة وبالتالي فالقضاء على هذه الآفة يتطلب أولا إصلاح الاختلالات المولدة له، وخلق ممانعات قوية لرفض التهرب ومحاربته. لذل سنحأول ذكر بعض وسائل محاربة هذه الظاهرة وتتجلى في:

الآليات القانونية والقضائية للحد من التهرب الضريبي:
للحد من ظاهرة التهرب الضريبي والتخفيف منها وليس القضاء عليها بشكل نهائي لأن القضاء عليها معناه إلغاء الضريبة كليا، أي عندما يصبح الدواء أخطر من الداء استعملت العديد من الدول بعض الوسائل منها تجريم التهرب الضريبي واعتباره جريمة يعاقب عليها القانون.

تأهيل النصوص القانونية وتبسيط الإجراءات الشكلية:
من شأن النصوص القانونية أن تساعد الملزم على تحديد الإلتزام الضريبي الذي يتعين عليه الوفاء به دون اللجوء إلى مساعدة الغير كما أن سهولة فهمها يحد من التأويلات والتفسيرات الخاطئة.

تعزيز دور المراقبة الجبائية:
لقد ارتكز المغرب مثله مثل عدة دول بنظامه الجبائي على تقنية التصريح من طرف الملزم وهذا يقتضي تفعيل آليات المراقبة الجبائية.

حسن اختيار رجال الضرائب:
وذلك بتحسين تكوين الأطر التابعة للإدارة الجبائية وكذا الرفع من المستوى المادي والأدبي لرجال الضرائب وتجنب نقل الأطر التقنية إلى مصالح أخرى وتحديث وتطوير نظام المعلوميات بالإدارة الجبائية.

المراقبة الإدارية:
المراقبة التي تقوم بها الإدارة الجبائية وهي مراقبة تمارسها الإدارة الجبائية على نفسها بواسطة هيئات إدارية ومالية مختصة وذلك للحيلولة دون الوقوع في أخطاء أو مخالفات للقوانين والأنظمة قد تكون لها عواقب وخيمة على من المملولين والخزينة العامة على السواء.

إصلاح القوانين الضريبية:
إن نقطة البدء في سياسة مقأومة التهرب الضريبي يجب أن تكون بإصلاح النظام الجبائي لتجأوز ثغراته، والعمل على تحديثه لجعله أداة رئيسية في عملية إنجاح السياسة الاقتصادية.

تسيير الإجراءات الضريبية:
إن التسيير الإجرائي يجب أن يلمس كل من المنظومة الضريبية، والفعل أو العمل الإداري.

وضع مدونة ضريبية:
إن القانون يجب أن تسبقه أوراش دراسات تشارك فيها فعاليات مختلفة الاختصاصات، إلى جانب من يهمهم الأمر من الملزمين الذين يعيشون مشاكل الضرائب يوميا.

خلق قضاء ضريبي متخصص:
إن الفصل في المنازعات ليس بالمهمة التي تتمثل في تطبيق حلول نمطية على مشكلات نمطية تحدث في مسار الواقعة الضريبية، بل هو استيعاب ليس فحسب للقانون الضريبي ولكن للواقعة الضريبية، نهجا وروحا، فنا وتقنيا.

توجيه المراقبة:
إنه لمن العقلنة بمدلولها الواسع بالنسبة للملزم ألا يتهرب من الضريبة، وإن كان ليس بمصلحته بالمعنى النفعي، عندما تكون احتمالات المراقبة الضريبية قوية، هذا البعد الإداراكي للمكلف يمكن تفسيره عبر افضلياته كنتيجة لتصرف عقلاني ارتباطا مع وضعيته الحقيقية.

حرمان المتهربين من بعض الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية :
إن تشديد العقوبات سواء على مستوى الجزاءات الإدارية والمالية أو فيما يتعلق بالعقوبات الجنائية في التشريع الضريبي يبقى أمرا مرغوبا فيه، بل ضروريا، خاصة وأن الظاهرة تكاد أن تكون عامة، وانعكاساتها أصبحت خطيرة على ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي، ذلك أن سياسة تشديد العقاب في صورها التي سطرها القانون الضريبي حصرا غير كافية للقضاء على سرطان التهرب الضريبي، وبالتالي يجب تديعمها وتعزيزها باجراءات أخرى، وإن كانت تصب في نفس الإتجاه، غير أنه وإن كان لها لون آخر وطعما مختلفا فإن لونها يكون أسودا وطعمها مرا على المتهرب.

وكخلاصة للأساليب الحد من ظاهرة التهرب الضريبي سنختم بآية قرآنية: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” سورة الرعد الآية 11.

وفي الأخير فإن الإشكال الذي يطرحه التهرب الضريبي في المغرب يستوجب إحداث “مجلس وطني للضرائب” على غرار بعض الدول المتقدمة وعلى غرار بعض المجالس المحدثة في قطاعات أخرى في المغرب، بحيث يهتم هذا المجلس بدراسة مختلفة الجوانب المتعلقة بالضرائب من ضمنها مختلف الأسباب والعراقيل التي تحول دون الرفع من مردوديتها كالتهرب الضريبي وغيره.

ومن شأن هذا العمل أن يفضي إلى خلق فقه جبائي وطني يساعد على ضع استراتيجية محكمة، مبنية على دراسات وعلى أبحاث علمية تحدد بكل وضوح ودقة مختلف الوسائل الناجعة لإصلاح المنظومة الجبائية الوطنية ومحاربة هذه الآفة، تنزف سنويا ما يفوق ربع ميزانية الدولة، وهي مبالغ هامة من شأنها أن تعني المغرب على الإعتماد على عائدات الخوصصة، أو اللجوء إلى الإقتراض الخارجي لتسيير المرافق العامة وتنفيذ برامج التنمية.

لائحة المراجع المعتمدة في البحث:

القوانين:

المدونة العامة للضرائب.
قانون المالية رقم 43.06 السنة المالية 2007 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.232 بتاريخ 31 ديسمبر 2006، ج.ر عدد 5487 ص 3.
قانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية.
قوانين المالية للسنوات المالية 2004-2009.
الدستور المغربي 1996.
الكتب:

“التهرب الضريبي بالمغرب” البر الحسين، العدد الثاني يناير 2013، الطبعة الأولى 2013، الطبع طوب بريس الرباط.
“التشريع الضريبي المغربي”، ذ. السيد عبد المولى، الناشر: مكتبة الطالب –الرباط– يوليوز 1979.
“تصحيح الأساس الضريبي” ذ.عبد الثادر التحلاتي”، الطبعة الأولى ماي 2002.
“التشريع الضريبي المغربي”، الجزء الأول، محمد شكيري، الطبعة الثالثة 1999.
“التشريع الضريبي المغربي”، الجزء الثاني، محمد شكيري، الطبعة الثالثة 1997، 1998.
“الضرائب في الدول العربية” ذ.صباح نعوش – الدار البيضاء الطبعة الأولى، الناشر: المركز الثقافي العربي – بيروت لبنان – المغرب، الدار البيضاء.
“التشريع الضريبي المغربي” (الدليل الأبجدي والتحليلي لنصوص التشريع المحاسبي)، حلمي فاطمة، الجزء الخامس، الطبعة الأولى، 1998.
الأطروحات والرسائل:

“التهرب الضريبي وانعكاساته على التنمية بالمغرب”، ذ أحمد حليبة، أطروحة لنيل الدكتوراه الوطنية في القانون العام جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكدال – الرباط 2007-2008، الرقم الترتيبي في المكتبة
“مساهمة القاضي الضريبي في حماية الاستثمار”، ذ.الحبيب العطشان، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكدال – الرباط 2006-2007، الرقم الترتيبي في المكتبة
“الإصلاح الجبائي والتنمية في المغرب”، ذ.أديب عبد السلام، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكدال – الرباط 1994، الرقم الترتيبي في المكتبة
“إشكالية علاقة الملزم بالإدارة الضريبية”، ذ. حنان كيكي، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط، الرقم الترتيبي في المكتبة 593-أ.
“علاقة إدارة الضرائب المباشر بالملزمين وانعكاساتها”، ذ. جواد العسري، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، الرقم الترتيبي في المكتبة 189-1.
“الضريبة وإشكالية الانتقال الديمقراطي بالمغرب”، (مساهمة في رصد سيرورة مانعة القرار الضريبي منذ سنة 1956)، ذ.جميلة دليمي، جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء، 2004-2005، الرقم الترتيبي في المكتبة 257-1.
“المساطر الإدارية في تحصيل الديون العمومية”، محمد أعريف، رسالة لنيل دبلوم الماستر ، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط، يوليوز 2010، الرقم الترتيبي في المكتبة 480.
“اشكالية التهرب الضريبي في المغرب”، ذ. الصديق جعوان، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، 2001-،2002 الرقم الترتيبي في المكتبة 616.
“التهرب الضريبي الداخلي والدولي”، أحمد أنميلي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الأول – وجدة -، 2006-2007.
“موقع الاستثمار داخل السياسة الجبائية بالمغرب من خلال الإصلاح الجبائي”، ذ.أقزيبر محمد، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق الدار البيضاء 1998-1999.
“إشكالية علاقة الملزم بالإدارة الضريبية” أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، ذ.حنان كيكي، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، 2009.
المقالات:

“عوائق الإصلاح السياسي الإداري اقتصاد الوظيفة العمومية” مقال في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 8 مارس 1997، حميد قهوي.
“مقاربة تفسيرية لظاهرة التهرب الجبائي على الصعيب المحلي” (أديب محمد عالي)، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 37 مارس – أبريل 2001.
الجرائد:

جريدة المساء ليوم الجمعة 2017/03/31.
جريدة الصباح العدد 2969 ليومه الثلاثاء 2009/10/27.
جريدة العلم عدد 20251 الأحد 2005/6/31.
المواقع:

maghruss.com 31/05/2011 خالد مجدوب
aljazeera.net 18/08/2016
ah.dath.info 30/03/2017

 

إعادة نشر بواسطة محاماة نت