حكم تمييز (رشوة)

محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 14/ 10/ 2003
برئاسة السيد المستشار/ كاظم محمد المزيدي رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود دياب وعاطف عبد السميع ونجاح نصار ومصطفى كامل.
(22)
(الطعن رقم 756/ 2001 جزائي)
1 – رشوة – جريمة [(أركانها)، (أنواع من الجرائم)] – موظف عام (الزعم بالاختصاص).
– جريمة الرشوة – تحققها من جانب الموظف أو من في حكمه: متى قبل أو طلب وعدًا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه ولو كان حقًا ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من أعمال وظيفته أو يزعم ذلك كذبًا.
– الزعم بالاختصاص – كافٍ لتحقق جريمة الرشوة في جانب الموظف أو من في حكمه دون اشتراط اقترانه بعناصر أو وسائل احتيالية – تحققه – ولو لم يفصح به الموظف صراحة – كفاية إبداء استعداده للقيام بالعمل المزعوم الاختصاص به أو الامتناع عن أدائه – علة ذلك.

2 – شرطه – رشوة – جريمة [(أنواع من الجرائم)، (الجريمة المختلقة)] – اشتراك – تمييز (سبب غير مقبول).
– اصطناع رجل الشرطة من الوسائل ما يسلس إلى المقصود في الكشف عن الجريمة – لا تثريب عليه ما دام لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة بطريق الغش أو الخداع أو التحريض على مقارفتها وبقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة.
– زعم الضابط أنه صاحب شركة ويرغب في رفع المنع المقرر عليها – يدخل في نطاق الإجراءات المتجهة إلى كشف جريمة الرشوة والاشتراك فيها – النعي باختلاق الجريمة – على غير سند.

3 – إثبات (شهود) – محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير أقوال الشهود) – استدلالات – تمييز (سبب غير مقبول).
– وزن أقوال الشاهد وتقديرها – مرجعه إلى محكمة الموضوع.
– اطمئنان المحكمة إلى أقوال ضابط الواقعة وشهادته – النعي في هذا الخصوص – غير مقبول.
1 – من المقرر أن جريمة الرشوة تتحقق من جانب الموظف أو من في حكمه متى قبل أو طلب وعدًا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه ولو كان حقًا، كما تحقق الجريمة أيضا في شأنه ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال وظيفته أو يزعم ذلك كذبًا، وكان مطلق القول يكفي لتوافر الزعم بالاختصاص – دون اشتراط إقترانه بعناصر أو وسائل احتيالية. وهو يتحقق ولو لم يفصح به الموظف صراحةً، بل يكفي مجرد إبداء استعداده للقيام العمل المزعوم الاختصاص به أو الامتناع عن أدائه، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمنًا الزعم بالاختصاص.

2 – من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه لا تثريب على رجل الشرطة أن يصطنع من الوسائل ما يسلس إلى مقصوده في الكشف عن الجريمة. طالما أنه لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة بطريق الغش أو الخداع أو التحريض على مقارفتها، وبقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة. وكان ما أورده الحكم من أن الضابط زعم للطاعن الثالث أنه صاحب شركة ويرغب في رفع المنع المقرر عليها، وما تلا ذلك من الوقائع – على التفصيل المار ذكره – إنما يدخل في نطاق الإجراءات المتجهة إلى كشف جريمة الرشوة والاشتراك فيها التي أسفرت تحريات الضابط عن مقارفة الطاعنين لها، ولم تجد المحكمة فيها ما يعيب إرادة الطاعنين، ومن ثم فإن النعي باختلاق الجريمة يكون على غير سند.

3 – من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع. وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ضابط الواقعة، ولم تجد في عدم إفصاحه عن مصدر تحرياته، ما ينال من شهادته فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 – فايز ……. 2 – أبو ……. 3 – شعبان ………….، في قضية الجناية رقم (1227) لسنة 2000 ((560) لسنة 2000 الفروانية) بأنهم في يوم 4/ 12/ 2000 بدائرة مخفر شرطة الفروانية – محافظة الفروانية. المتهم الأول: 1 – بصفته موظفًا عامًا في إدارة المنافذ قسم المعلومات والممنوعين بوزارة الداخلية، قبل وعدًا بعطية لأداء عمل زعم أنه يدخل في أعمال وظيفته، بأن قبل من المتهمين الثاني والثالث وعدا بإعطائه مبلغ ألف ومائة وخمسة وعشرون دينارًا، لقاء رفع المنع من على شركة الشاطئ لأعمال الصيانة والمقاولات الثابت بالحاسب الآلي، فقام بذلك إخلالاً بواجبات وظيفته،

على النحو المبين بالتحقيقات. 2 – بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويرًا في محررات رسمية هي بيانات أوامر المنع من استقدام العمالة الوافدة لشركة الشاطئ لأعمال الصيانة والمقاولات، المسجلة بإدارة الهجرة، وذلك بقصد استعمالها على نحو يوهم بمطابقتها للحقيقة. بأن قام بإدراج بيانات تتضمن رفع المنع عن الشركة المذكورة، وذلك بأجهزة الكومبيوتر، خلافًا للحقيقة، واستخراج برنت بذلك. وكانت تلك المحررات بعد تزويرها صالحة للاستعمال على ذلك النحو على الوجه المبين بالتحقيقات. المتهمان الثاني والثالث. 1 – اشتركا مع المتهم الأول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جريمة الرشوة. بأن اتفقا على موضوع الرشوة واقتسام المبلغ بينهم وساعداه، بأن أمداه بالبيانات اللازمة لذلك.

فوقعت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات. 2 – اشتركا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جريمة التزوير في محررات رسمية موضوع التهمة الثانية المسندة إليه. وذلك بأن اتفقا معه على ارتكابها وساعداه على ذلك، بأن أمداه بالبيانات المطلوبة لذلك، فقام المتهم الأول بذلك على الوجه المبين بالتهمة الثانية، وتمت الجريمة بناءً على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد (48 ثانيًا، ثالثًا)، 52/ 1، (257)، 259/ 1 من قانون الجزاء. و(35/ 1/ 2) (38)، (43 ( أ )) من القانون رقم (31) لسنة 1970.

حكمت المحكمة حضوريًا بحبس كل من الطاعنين ثلاث سنوات ونصف، مع النفاذ، وتغريم كل 2250 دينار. وإبعاد الثاني والثالث عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم (1187) لسنة 2001 ج – م. وبتاريخ 6/ 10/ 2001 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق التمييز.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن – بالنسبة إلى الطاعنين الثلاثة – قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث ينعي الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الأول بجريمتي قبول وعد برشوة لأداء عمل زعم بدخوله في أعمال وظيفته، والتزوير في محرر رسمي، ودان الآخرين بالاشتراك في الجريمتين، شابه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وذلك بأن دانهم رغم عدم توافر أركان الجريمة الأولى. وما يدل عليه مسلك الضابط من تدخل فيها واختلاق لها، واطراح دفعهم ببطلان القبض لحصوله بغير أمر من النيابة العامة وفي غير حالة تلبس بما لا يسوغ به اطراحه. وذلك يعيب الحكم بما يستوجب تمييزه.

وحيث إن الحكم الابتدائي – المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه – بين واقعة الدعوى في قوله: (وحيث إن واقعات الدعوى تتحصل وعلى ما يبين من سائر الأوراق، فيما قرر به عجيل ………. ضابط مباحث بإدارة الهجرة، من أن تحرياته توصلت إلى أن المتهمتين يقومون برفع القيود الأمنية من الحاسب الآلي الخاص بإدارة المنافذ مقابل مبالغ مالية. وعلى إثر ذلك توجه إلى المتهم الثالث (…..) وأبلغه بأنه مالك لشركة الشاطئ لأعمال الصيانة والمقاولات، وطلبت منه رفع منع الكفالات من على الشركة. فأبدى له الرغبة بتنفيذ ذلك، وطلب منه صورة اعتماد توقيع الشركة ومبلغ 1125 دينار، مقابل القيام بذلك العمل، وعلى ذلك قام بتسليمه المستند المطلوب، ثم قام بالاتصال عليه وطلب مقابلته أمام مبنى هجرة العاصمة وذلك لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وقام بتدبير المبلغ المطلوب من ماله الخاص، وقد تم اللقاء بينه والمتهم الثالث وحضر بعد ذلك المتهم الثاني (……) الذي طلب منه رؤية المبلغ المطلوب واستجاب لذلك، ثم قام بعد ذلك بالاتصال على المتهم الأول (الطاعن الأول) وطلب منه رفع المنع على أن يتم إعادته بعد الثانية عشر ظهرًا. وقد تم الرفع وتم التأكد من ذلك عن طريق برنت تم استخراجه بمعرفة الشرطي حامد ………. بالإدارة العامة للهجرة. وبعد ذلك طلب منه المتهم الثاني المبلغ المتفق عليه فسلمه له ثم قام بعد ذلك بالقبض عليه وعلى المتهم الثالث، ثم قام بعد ذلك بالقبض على المتهم الأول،

واعترف المتهمان الثاني والثالث بالواقعة، وأنكر المتهم الأول علمه بمبلغ الرشوة واعترف بقيامه برفع المنع من على شركة الشاطئ على سبيل الخطأ ثم قام بإرجاع المنع). وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة، استمدها من شهادة الضابط عجيل …… والشرطي حامد …….. والضابط بجاد …….، وخليل ……..، وسعد …….، وما اطمأن إليه من إقرار الطاعن الأول بأنه رفع المنع عن الشركة، وما ثبت من المطبوع الخاص برفع المنع، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن جريمة الرشوة تتحقق من جانب الموظف أو من في حكمه متى قبل أو طلب وعدًا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه ولو كان حقًا.

كما تتحقق الجريمة أيضا في شأنه ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال وظيفته أو يزعم ذلك كذبًا. وكان مطلق القول يكفي لتوافر الزعم بالاختصاص، دون اشتراط اقترانه بعناصر أو وسائل احتيالية. وهو يتحقق ولو لم يفصح به الموظف صراحةً، بل يكفي مجرد إبداء استعداده للقيام بالعمل المزعوم الاختصاص به أو الامتناع عن أدائه، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمنًا الزعم بالاختصاص. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فيما سلف، تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة الأولى التي دان الطاعن الأول بمقارفتها، والآخرين بالاشتراك فيها، فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون أو القصور في هذا الشأن يكون لا أساس له. لما كان ذلك، وكانت واقعة الدعوى كما حصلها الحكم وأدلة الثبوت التي عول عليها، لا يبين منها أن المحكمة قد تساندت في الإدانة إلى دليل مستمد من القبض الباطل المدعى به، فإن تعييب الحكم في خصوص ما رد به على الدفع ببطلان القبض – أيا ما كان وجه الرأي فيه – يكون غير منتج،

ومن ثم فهو غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه لا تثريب على رجل الشرطة أن يصطنع من الوسائل ما يسلس إلى مقصوده في الكشف عن الجريمة. طالما أنه لم يتدخل بفعله في خلق الجريمة بطريق الغش أو الخداع أو التحريض على مقارفتها، وبقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة، وكان ما أورده الحكم من أن الضابط زعم للطاعن الثالث أنه صاحب شركة ويرغب في رفع المنع المقرر عليها، وما تلا ذلك من الوقائع – على التفصيل المار ذكره – إنما يدخل في نطاق الإجراءات المتجهة إلى كشف جريمة الرشوة والاشتراك فيها التي أسفرت تحريات الضابط عن مقارفة الطاعنين لها، ولم تجد المحكمة فيها ما يعيب إرادة الطاعنين، ومن ثم فإن النعي باختلاق الجريمة يكون على غير سند. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع. وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال ضابط الواقعة، ولم تجد في عدم إفصاحه عن مصدر تحرياته، ما ينال من شهادته فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.