تحديد المدلـــول الجنائي للحيـــازة

المؤلف : فاضل عواد محميد الدليمي
الكتاب أو المصدر : ذاتية القانون الجنائي

الحيازة في رأي جارسون (GARSON) سيطرة واقعية وإرادية للحائز على المنقول تخوله مكنة الانتفاع به أو تعديل كيانه أو تحطيمه أو نقله(1). فهي كأصل عام سلطة فعلية لشخص على شيء، يستعملها بصفته مالكاً أو صاحب حق عليه، سواء استندت هذه السلطة إلى حق أو لم تستند(2)، وبذلك فهي تسلط فعلي على مظهر الحق والذي غالباً ما يطابق الواقع(3).

من هذا فإن الحيازة في القانون الجنائي ليست حقاً بل مركزاً واقعياً، وبذلك قد تكون مشروعة مستندة إلى سبب قانوني صحيح أو لا تكون كذلك كالأشياء المغتصبة حيث يشكل اختلاسها سرقة لأن القانون الجنائي يحمي الحيازة المجردة سواءاً أكانت مشروعة أم لا(4).

فما يقصده المشرع الجنائي من الحيازة التي تدخل لحمايتها في عدة جرائم منها جرائم انتهاك حرمة ملك الغير م(428/2) عقوبات عراقي، هي ليست الحيازة بمفهومها المستقر في القانون المدني الذي يشترط فيها أن تكون حيازة مشروعة (مستندة إلى سبب قانوني صحيح) حتى يضفي حمايته المدنية عليها، حيث تشكل هنا مركزاً قانونياً، وإن ما يقصد بها الحيازة الفعلية (الواقعية) سواءاً كانت هذه الحيازة مشروعة (قانونية) أم لا، وسواءاً كان الحائز مالكاً للشيء (المنقول أو العقار) ام لا، تقديراً من الشارع أن التعرض المادي للحائز دون اللجوء إلى القضاء ولو استناداً إلى حق مقرر يعد أن الجاني قد أقام بنفسه العدل مما يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام(5).

حيث تقتضي المصلحة العامة، وبدون شك، احترام الحالات الواقعية وعدم التعرض لها بما يكدرها، فاستعمال وسائل القوة (مادية أو معنوية) ضد الحائز أمر يهدد الأمن والاستقرار في المجتمع، لذلك وجب أن لا يسمح بها المشرع ولو كانت أعمال القوة هذه صادرة من صاحب الحق نفسه. وبذلك تتبين لدينا الذاتية الخاصة بالقواعد الجنائية الموضوعية في إضفائها مدلولاً خاصاً بها للحيازة، حيث أعطتها مدلولاً أوسع، وهي أن تكون حيازة واقعية (شرعية أم غير شرعية) بينما أعطتها القواعد المدنية الموضوعية مدلولاً ضيقاً وهو أن تكون حيازة قانونية (شرعية)، وهذا كله أثر ناتج عن خصوصية القانون الجنائي في تحديد مفاهيمه (اصطلاحاته) لإضفاء الحماية الجنائية عليها وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة.
____________
1- ينظر: د. سليمان عبد المنعم، د. محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات البناني (القسم الخاص)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1996، ص26.
2- ينظر: مدحت محمد الحسيني القاضي، الحماية الجنائية للحيازة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1989، ص17.
3- وما يجدر التنبه له هو أن الحيازة أعم من الإحراز، حيث اختلط الأمر على بعض فقهاء القانون فبدا لهم أن إنشاء حيازة جديدة على مال معين يقتضي بالضرورة أنها حيازة قائمة عليه، وهذا الظن يصدق غالباً ولكنه لا يصح دائماً، وهو على فرض صحته لا يفيد بحكم اللزوم أن الحيازة في القانون والإحراز في الشريعة الإسلامية متماثلان، فالإحراز وفقاً لمفهومه في الشريعة هو حفظ المال وفقاً للعرف السائد، أي اتصال الجسم بالشيء المحرز، أما الحيازة فتعني أن الشيء في مكنة الشخص ولو كان غير متصل به جسمانياً أي سيطرة شخص على مال معين سيطرة فعلية، وهذا المعنى للحيازة يفيض عن معنى الإحراز ويتسع لغيره، فحفظ المال يقتضي السيطرة عليه أما السيطرة على المال فلا تهدف دائماً إلى حفظه بل إنها قد تهدف إلى نقله أو تغيير صورته أو إهلاكه، ولهذا يصح القول بأن كل إحراز حيازة والعكس غير صحيح، فالإحراز أخص من الحيازة، وإن كليهما يعني سيطرة الشخص على الشيء سيطرة مادية، فلو ترك شخص باب بيته مفتوحاً وخرج منه فدخل لص وسرق بعض متاعه فلا قطع عليه وإن وجب تعزيره، أما امتناع القطع فلاختلال الحرز وأما وجوب التعزير فلثبوت الملكية للغير أساساً ولإزالة حيازة هذا الغير عند من يعتد بشرط الحيازة أيضاً، على الرغم من أن الحنفية يرون بأن القطع يكون في هذه الحالة فعندهم البناء بمجرده يكفي للإحراز سواءاً أغلق بابه أو لم يغلق.
وللتفصيل في ذلك ينظر: د. عوض محمد عوض، دراسات في فقه القانون الجنائي الإسلامي، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، بلا سنة، ص89-104، د. عبد الحكم فوده، جرائم العرض في قانون العقوبات، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 2001، ص14-15.
4- ينظر: د. سليمان عبد المنعم، د. محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات اللبناني (القسم الخاص)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت 1996، ص26.
5- ينظر: مدحت محمد الحسيني القاضي، الحماية الجنائية للحيازة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1989، ص17-18.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت