بحث ودراسة حول أحكام حماية البيئة في التشريع الإسلامي

مقال حول: بحث ودراسة حول أحكام حماية البيئة في التشريع الإسلامي

دور الشريعة الإسلامية في حماية البيئة

د. صالح درويش الكاشف، أستاذ الفقه وأصوله المساعد بجامعة الأزهر بغزة – فلسطين

مداخلة نشرت في كتاب أعمال المؤتمر الدولي الخامس عشر لمركز جيل البحث العلمي حول أليات حماية البيئة
ملخـص البحث
استهدف البحثُ دراسة دور الشريعة الإسلامية في حماية البيئة، من خلال الكشف عن المنهج التشريعي التفصيلي لها في تحقيق ذلك، وإبراز النصوص الشرعية والقواعد الفقهية الداعية لحماية البيئة وتنميتها، باستخدام منهج استقرائي تحليلي واستنباطي. وقد تبيَّن أنَّ الشريعة الإسلامية تميَّزت بمنظومة متكاملة من التوجيهات والتشريعات والمبادئ التي تهدف لحماية ورعاية البيئة بكافة أشكالها ومكوناتها، وأنها انفردت بتقديمِ منهجٍ واقعي عملي في هذا المجال، ينطلق من الوازع الديني الداخلي، وصولاً للتشريعات التطبيقية، ووضعِ الآلياتِ الرقابيةِ والعقابيةِ للمخالفين والمعتدين، وتحريمِ وتجريمِ كل ما من شأنه إلحاق الضرر بها أو أحد مكوناتها، واعتباره مستحقاً للعقوبة المناسبة.

ABSTRACT

This research aimed the study of the Islamic law role environment protection through the enclosure of detailed legislatives approach for that and to highlight the legal texts and jurisprudential rules for protecting and developing the environment by using the inductive analytical and deductive approach. It has been shown that the Islamic law has characterized by an integrated system of the directives, legislations and principles that aim to protect and nuture the environment in all it is forms and components. Islamic law is unique in providing practical approaches in this field based on the itarnal religious belief, reaching the applicable legislation and establishing the super visory and punitive mechanisms for violators and aggressors, prohibiting and criminalizing any body harming the environment and any of its components and considering him deserving the appropriate punishment.

المقدمة
الحمد لله الذي أنزل في كتابه ما فيه الخير للبشرية في دنياهم وأخراهم، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، وعلى آله وصحبه ومن والاهم، وبعد. فإنَّ قضية البيئة وآليات حمايتها أصبحت حديث المهتمين أجمعين، وباتت تؤرق كل إنسانٍ حر يطمحُ في مستقبلٍ آمنٍ للأجيال القادمة، خالٍ من التلوثٍ والإشعاعات، فالتلوث قد زاد أثره وعظم خطره، وصارت البيئة تئنُّ من ذلك وتشتكي، ولو كان لها صوت يُسمَع لصكَّت أسماعَنا صرخاتهُا، ولذلك قامت دولٌ ومؤسسات، وجمعياتٌ وهيئات لمواجهة هذا الخطر المحدق، وكان من جملة هذه الجهود ما قام به مركز جيل البحث العلمي قبل أربع سنوات من تنظيم مؤتمر ليصب في هذا المضمار، وقد عزموا أن يكملوا مشوارهم، فكان هذا المؤتمر لهم مع شركائهم بعنوان: ” آليات حماية البيئة “، فأحببتُ أن أشاركَ فيه وأبيِّنَ دور الشريعة الإسلامية في حماية البيئة ورعايتها، وأُظْهِرَ الآليات العمليةَ التطبيقيةَ لتحقيق ذلك، وما يترتبُ عليها من مسؤولية ناتجةٍ عن الإضرار بها.

أهمية الدراسة:

تبرز أهمية الموضوع وأسباب اختياره في النقاط التالية:

إظهار الدور المشرق للشريعة الإسلامية في الحفاظ على البيئة ورعايتها، من خلال الكشف عن المنهج التشريعي التفصيلي لها، وبيان الآليات المتبعة في سبيل تحقيق ذلك.
إبراز النصوص الشرعية التي تزخر بها شريعتنا، وكذلك القواعد الفقهية الداعية لحماية البيئة وإعمارها وتنميتها، والضوابط الشرعية الحاكمة لتصرفات الإنسان مع البيئة وحدودها.
بيان الآليات الرقابية والعقابية التي دعت الشريعة الإسلامية لإقامتها والتي تسهم في الحفاظ على البيئة ورعايتها، ومدى القدرة على توظيف هذه الآليات في الواقع المعاصر.
إثراء المكتبة الإسلامية بموضوعات تسهم في توظيف الفقه الإسلامي في حل القضايا التي تواجه المسلم في هذا عصرنا الحالي.
إشكالية البحث:

تدور إشكالية هذا البحث حول الإجابة عن الأسئلة الآتية:

من ما هو موقف الشريعة الإسلامية من قضية حماية البيئة؟
ما هو منهج الشريعة الإسلامية للوصول إلى حماية البيئة ورعايتها؟
ما هي الآليات العملية التطبيقية لتطبيق المنهج الشرعي في حماية البيئة؟
منهج البحث:

اعتمد الباحث في هذا البحث على المنهج الاستدلالي الاستقرائي والتحليلي والاستنباطي، حيث قام بتتبع ما يتعلق بموضوع البيئة من وجهة نظر إسلامية، واستقراء النصوص الشرعية، والقواعد الفقهية، والتشريعات والنظم التطبيقية والأفكار المتعلقة بالبيئة والتي شرعها الإسلام لحماية البيئة وذلك من مصادرها والاطلاع على آراء العلماء فيها، ثم تحليلها ومناقشتها؛ وصولاً لمنهج متكامل لحماية البيئة ورعايتها في الشريعة الإسلامية.

الدراسات السابقة:

كثرت الأبحاث والدراسات حول موضوع البيئة؛ لأهميته وخطورته، وسأقتصر على ذكر بعض هذه الدراسات التي تناولته من وجهة نظر شرعية، ومنها:

رعاية البيئة في شريعة الإسلام، للدكتور يوسف القرضاوي، دار الشروق- القاهرة، ط 1421ه-2001م.
وقد تحدث فيه الدكتور القرضاوي بشكل مطول عن البيئة ومكوناتها، والتأصيل الشرعي لحماية البيئة، وأطال النفس في ذكر الركائز الإسلامية لرعاية البيئة من التعمير والتثمير وغيرها، وذكر عدداً من الأخطار المحدقة بالبيئة، وبعض الوسائل المعاصرة للتقليل منها أو منعها، والدراسة على قيمتها العلمية لم تركز بشكل كبير على الأمور المترتبة على مخالفة الشريعة في موضوع حماية البيئة، وعلى المسؤولية الناشئة في هذا المجال في الشريعة الإسلامية، وهذا ما أفردته بالحديث في مبحث خاص في هذا البحث.

أحكام البيئة في الفقه الإسلامي، للدكتور عدنان ضاهر، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بغزة، 2009م.
وتلتقي هذه الدراسة مع البحث في مقدمتها من تعريفاتٍ وحديثٍ عن منهج الشريعة في حماية البيئة، أما البقية الباقية من الدراسة هي عبارة عن أحكام فقهية تناولت أحكام الاعتداء على مصادر المياه ونحوها، ولم تتعرض للجانب الرقابي والعقابي والآليات التي وضعتها الشريعة لحماية البيئة، وهو ما ذكرته في هذا البحث.

تدابير رعاية البيئة في الشريعة الإسلامية، للدكتور سري زيد الكيلاني، مجلة دراسات بالجامعة الاردنية، علوم الشريعة والقانون، المجلد 41، العدد 2، سنة 2014م.
وهذا البحث على الجهد الراقي المبذول فيه إلا أنه اقتصر بعد المقدمات والحديث عن فلسفة رعاية البيئة في الإسلام على التدابير الشرعية فقط في رعاية البيئة، ولم يجعل للجانب الرقابي والعقابي مكاناً في بحثه، وربما أتى عليه الباحث في أبحاث أخرى.

وعليه أقول: إنَّ هذا البحث يلتقي مع ما سبقه في عددٍ من الجوانب، لكنَّه يتميز بإظهار منهج الشريعة الإسلامية الواضح في حماية البيئة ورعايتها بطريقة مفصَّلة، والحديث عن المسؤولية الناشئة في مجال حماية البيئة في الشريعة الإسلامية في دراسة واحدة مفصلة، وهذا ما لم يجتمع في أيٍّ من الدراسات السابقة.

خطة البحث:

وقعتْ هذه الدراسة في أربعة مباحث، وخاتمةٍ، على النحو التالي:

المبحث الأول: مفهوم البيئة في الشريعة الإسلامية.

المبحث الثاني: حماية البيئة في الشريعة الإسلامية.

المبحث الثالث: منهج الشريعة الإسلامية في حماية البيئة.

المبحث الرابع: المسؤولية الناشئة في مجال حماية البيئة في الشريعة الإسلامية.

المبحث الأول: مفهوم البيئة وحمايتها في الشريعة الإسلامية

تمهيد وتقسيم:

أفصح هذا المبحث عن تعريف البيئة في اللغة والاصطلاح العلمي والشرعي، وكذلك بيَّن مفهوم حماية البيئة في الشريعة الإسلامية، وذلك في مطلبين على النحو التالي.

المطلب الأول: تعريف البيئة في اللغة والاصلاح

لبيان المقصود بالبيئة يحسن بنا تعريفها في اللغة، ثم في الاصطلاح العلمي العامِّ لها، وكذا تعريفها في اصطلاح الشريعة الإسلامية، ومن ثم تعريف علم البيئة، وقد وقع هذا المطلب في أربعة فروع على النحو التالي.

أولاً: تعريف البيئة في اللغة

يرجع أصل لفظ البيئة في اللغة إلى الفعل ” بَوَأَ “، ويستخدم في عدة معان منها ([1]):

النزول والإقامة: ومنه ” باءَ ” أي: حلَّ ونزل وأقام، والاسم منه ” البيئة ” أي: المنزل والمقام، والباءَة والمباءَة، وهي مَنزلة القوم، ويقال قد تبوَّؤوا، وبوّأهم اللهُ تعالى مَنْزِلَ صِدْق، والأصلُ في الباءةِ المَنْزِل، ثم قيل لِعَقْدِ التزويج باءةٌ؛ لأَنَّ مَن تزوَّج امرأَةً بَوَّأَها منزلاً.
اتخاذ المكان وتهيئته وإصلاحه، يقال: بَوَّأَهُم مَنْزِلاً: أي نَزَلَ بهم إِلى سَنَدِ جَبَل، وأَبَأْتُ بالمَكان أَقَمْتُ به، وبَوَّأْتُكَ بَيتاً: اتَّخَذْتُ لك بيتاً، ومنه قوله عز وجل: (أَنْ تَبَوَّءا لقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيوتاً) ([2])، أَي: اتَّخِذا، وقيل تَبَوَّأَه: أَصْلَحه وهَيَّأَه.
الحال: يقال باء بِبيئَةِ سَوء، أي بحالة سوء، وإنه لحسن البيئة: أي الحالة. ولهذا ذكر المعجم الوسيط المعاصر معنى ” البيئة “: المنزلُ والحال، ويقال بيئة طبيعية، وبيئة اجتماعية، وبيئة سياسية([3]).
ويمكن أن يكون هناك علاقة بين المعاني السابقة المذكورة وبين البيئة في العرف السائد، من جهة أنَّ المقصود بالبيئة في الاصطلاح العلمي عند الكثيرين هي: المكان أو الحيز المحيط بالإنسان، وما يؤثر في الإنسان من محسوسات وغيرها، وحالة الإنسان معها، ولعلَّ هذا وجه العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى العام لها، وبهذا تكون اللغة العربية قد استوعبت أصول ومدلولات هذه الكلمة، وإن كان مصطلح البيئة قد تطور كثيراً في عصرنا الحالي، حتى أصبح يطلَق على حالاتٍ كثيرة تشمل ما يختص بالإنسان والطبيعة ([4]).

ثانياً: تعريف البيئة في الاصطلاح العلمي.

اختلفت تعريفات البيئة في الاصطلاح العلمي حتى أنَّها لم تستقر على تعريف جامع مانع لها، ويرجع السبب في ذلك إلى اختلافهم في نظرتهم للبيئة بين مركِّز على الجانب الماديِّ لها وأنها مستودع للموارد الطبيعية والبشرية، وآخر يبرزُ الجانبَ الطبيعي لها، وثالث ينظر لها على أنها مجموعة من العوامل المتجانسة الطبيعية والاجتماعية والثقافية، وسوف نذكر بعض تلك التعريفات، وذلك على النحو التالي:

عرفها بعضُهم بأنها: الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، بما يضم من ظاهرات طبيعية وبشرية ويتأثر بها ويؤثر فيها([5]).

وقد عبَّرت عن ذلك المادة الأولى من النظام العام للبيئة في المملكة العربية السعودية بقولها: “البيئة: كل ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء ويابسة وفضاء خارجي، وكل ما تحتويه هذه الأوساط من جماد ونبات وحيوان وأشكال مختلفة من طاقة ونظم وعمليات طبيعية وأنشطة بشرية”([6]).

وعرَّفها غيرُهم بأنها: ” المحيط الذي تعيش فيه الكائنات الحية – ويدعي أيضا بالمحيط الحيوي- الذي يتضمن بمعناه الواسع العوامل الطبيعية والاجتماعية والثقافية والإنسانية التي تؤثر على أفراد وجماعات الكائنات الحية، وتحدد شكلها وعلاقاتها وبقائها “([7]).

ويظهر مما سبق أنَّ البيئة لها معنيان: الأول: المعنى الواسع والشامل وهو البيئة الطبيعية والبشرية وكل ما يحدث فيها من تأثيرات من كلا الطرفين، والثاني: المعنى الضيق وهو النظر في الموارد الطبيعية التي أودعها الله من ماء وهواء ونبات وحيوان وغير ذلك([8]).

والذي يميل إليه الباحث هو أنَّ البيئة بمعناها الشامل هو الأقرب إلى الصواب، لكنَّ المعنى المقصود في بحثنا هو الاقتصار على البيئة الطبيعية وكيفية الحفاظ عليها من التلوث؛ لأن هذا هو المعنى الذي يقفز إلى الذهن عند الحديث عن البيئة، ولأنه لا يُطلق لفظ البيئة على أي من النشاطات البشرية إلا مقيداً؛ كأن يُقال: بيئة اقتصادية، أو بيئة سياسية ونحو ذلك.

ثالثاً: تعريف البيئة في الشريعة الإسلامية.

لم ترد كلمة ” البيئة ” في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة، لكن مدلولها كان مرتبطاً دائماً بكلمة الأرض في القرآن الكريم، فقد استخدم القرآن بدلاً من كلمة البيئة مصطلح الأرض للدلالة على المحيط أو المكان الذي يعيش فيه الإنسان، شاملة ما عليها من جبال وسهول، وما فيها من نباتات وحيوانات، وما حولها من كواكب وأجرام([9]).

وقد وردت كلمة الأرض في القرآن الكريم ما يقرب من (545) مرة منها قوله سبحانه: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض قَالُواْ إنما نَحْنُ مُصْلِحُونَ(([10])، وقوله عز وجل: )وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا(([11])، وقوله U: )هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا (([12]).

قال الجصاص: “نسبهم إلى الأرض؛ لأن أصلهم وهو آدم خلقه من التراب، والناس كلهم من آدم u. وقيل: إن معناه إنه خلقكم في الأرض، وقوله “واستعمركم فيها” يعني: أمركم بعمارتها بما تحتاجون إليه، وفيه دليل على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية “([13]).

وقال تعالى: ) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأرض جَمِيعاً(([14])، قال أبو بكر بن العربي: ” فَخَلْقُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأَرْضَ ، وَإِرْسَاؤُهَا بِالْجِبَالِ ، وَوَضْعُ الْبَرَكَةِ فِيهَا ، وَتَقْدِيرُ الْأَقْوَاتِ بِأَنْوَاعِ الثَّمَرَاتِ وَأَصْنَافِ النَّبَاتِ إنَّمَا كَانَ لِبَنِي آدَمَ ؛ تَقْدِمَةً لِمَصَالِحِهِمْ ، وَأُهْبَةً لِسَدِّ مَفَاقِرِهِمْ …؛ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْقُدْرَةِ الْمُهَيِّئَةِ لَهَا لِلْمَنْفَعَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ إنَّمَا هُوَ لِحَاجَةِ الْخَلْقِ ؛ وَالْبَارِئُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْهُ مُتَفَضِّلٌ بِهِ “([15]).

ومن ثم فإنَّ علماء المسلمين لم يستخدموا كلمة (البيئة) استخداما اصطلاحياً إلا منذ القرن الثالث الهجري وربما كان ابن عبد ربه صاحب كتاب (العقد الفريد)، هو أقدم من نجد عنده المعنى الاصطلاحي للكلمة في كتاب (الجمانة) ويقصد به الإشارة إلى الوسط الطبيعي والجغرافي والمكاني والإحيائي الذي يعيش فيه الكائن الحي بما في ذلك الإنسان، وللإشارة إلى المناخ الاجتماعي والسياسي والأخلاقي والفكري المحيط بالإنسان([16]).

ويتبيَّن من خلال ما سبق أنَّ البيئة في المدلول القرآني هي الأرض، وقد حفل القرآن بالحديث عن الأرض في معرض التأكيد على عمارتها مما يؤيد أن البيئة في المدلول القرآني هي الأرض بما عليها من مكونات وما في جوفها من مسخرات، وعلى ضوء ذلك يمكن القول بأن: “البيئة في المصطلح الإسلامي هي الأرض وما يتصل بها ويؤثر فيها باعتبارها منزل إقامة الإنسان إلى حين، وهي تشمل البر والبحر والجو، وهي لا تقتصر على ما هو مشاهد من مكونات ومسخرات وإنما تتعداه إلى ما هو غائب؛ لأنَّ الله سمى الجنة أرضاً في القرآن وهي من المغيبات، وبذلك يشمل مسمى البيئة في الإسلام عالمي الشهادة والغيب إلا أنَّ البحث سيقتصر على عالم الشهادة، والبيئة الطبيعية التي هي كوكب الأرض([17]).

رابعاً: تعريف علم البيئة (الإيكولوجيا ).

علم البيئة هو: العلم الذي يهتم بعلاقة الترابط بين الأشياء الحية وبين أوساطها البيئية، وبمعنى آخر: هو العلم الذي يهتم بالعلاقات بين المستوطنات والمجموعات من الكائنات الحية ([18]).

ويهدف هذا العلم إلى الحفاظ على البيئة، وإظهار مكانة الإنسان فيها، ودوره في الحفاظ عليها، وتبيان أماكن الخطر التي تهدد الحياة البيئية وآثارها السلبية على حياة مختلف الكائنات الحية بما فيها الإنسان؛ ولهذا أصبح لهذا العلم دور ملحوظ في مختلف مشاريع التنمية، وبات يشكل الأرضية التي تنطلق منها الدراسات التحضيرية لهذه المشاريع؛ لمعرفة الآثار التي تتركها هذه المشاريع على البيئة على المدى القريب والبعيد([19]).

المطلب الثاني: مفهوم حماية البيئة في الشريعة الإسلامية.

أولَتْ الشريعة الإسلامية البيئة اهتماماً كبيراً، من جهة حمايتها والمحافظة عليها من لحوق أي ضرر أو أذى بها، ووضعت لذلك القواعد الصارمة والأحكام اللازمة لمنع الاعتداء عليها أو المساس بها؛ لتحقيق الانتفاع الكامل بها والاستفادة من مواردها.

وتقوم فكرة حماية البيئة في الشريعة الإسلامية على أساس عقدي([20])، فقد ربط الله سبحانه وتعالى بين الدنيا وإصلاحها وبين الآخرة، وجعل الثواب الأخروي ثمرة من ثمرات العمل الدنيوي الصالح، ومنها الحفاظ على البيئة ورعايتها وعدَّ ذلك عملاً تعبدياً فيه صلاح البلاد ورضا رب العباد، وفي ذلك يقول الله تعالى ( وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )([21])، بل حصل الربط بين الحفاظ على البيئة وحمايتها والإيمان بالله تعالى، ويظهر ذلك جلياً في الحديث الصحيح الذي قَالَ فيه رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ .. “([22]).

ومما لا يخفى أنَّ هذه العناية الإلهية بالبيئة تعطيها قدسية تنسجم وتتكامل مع ما تمتاز به العقيدة الإسلامية، من تزويد الإنسان بشحنات إيمانية لها أثرها الإيجابي الفعال، في رسم سلوكه تجاه العمل الصالح، بدافع من تكوينه الوجداني في إطار الشريعة، التي تحض على الممارسات البيئية الصحيحة، كالنظافة وتجنب الإسراف والتبذير، وإماطة الأذى عن الطريق، وغيرها من الأعمال التي تعتبر من ضروب التقرب إلى الله تعالى وابتغاء مرضاته، ويستحق فاعلها الأجر والثواب باعتبارها ضمن شعب الإيمان([23]).

كما تتأسس قضية حماية البيئة على مبدأ الاستخلاف في الأرض، وأنَّ الله تعالى خلق الإنسان لعمارتها والقيام بها والحفاظ عليها وعلى سائر مكوناتها، وعمارة الأرض إنما تتم بالغرس والزرع والبناء، والإصلاح والإحياء، والبعد عن كل إفساد وإخلال، فالعقيدة الإسلامية حدَّدت بدقة علاقة الإنسان بالكون؛ فالإنسان مجرد خليفة في الأرض: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }([24])، وهذه الخلافة تستلزم التعامل مع البيئة باعتبارها نعمة من الله تعالى، سخرها للإنسان ليستخدمها فيما خُلِقت له، ويستمتعُ بها في حدود حاجته من غير إسراف ولا تقتير([25]): {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }([26]).

وتتأكد أهمية حماية البيئة في الإسلام من خلال كثرة النصوص المتعلقة بالبيئة في القرآن والسنة، فالمتتبع لآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يلحظ مقدار ما حظيت به البيئة من اهتمام بالغ في الحث على المحافظة عليها، وحرمة الاعتداء على مكوناتها، والإفساد فيها.

ويمكننا في نهاية هذا المطلب تلخيص فكرة حماية البيئة في الشريعة الإسلامية من خلال بيان ربط الشريعة الإسلامية بين حماية البيئة وبين العقيدة الإسلامية، واستنادها على مبدأ الاستخلاف في الأرض، وأنَّ الله تعالى خلق الإنسان لعمارتها والقيام بها والحفاظ عليها وعلى سائر مكوناتها، ومن خلال كثرة النصوص الآمرة بالمحافظة عليها في القرآن والسنة، وهذا ما سنعرض له بالتفصيل في المبحث القادم من هذا البحث على النحو التالي.

المبحث الثاني: حماية البيئة في الشريعة الإسلامية

تمهيد وتقسيم:

أماط هذا المبحثُ اللثامَ عن جملة من النصوص البيِّنات من الآيات والأحاديث النبوية المتعلقة بحماية البيئة والمحافظة عليها، والحث على تعميرها والتحذير من الإفساد فيها، وقد وقع المبحث في مطلبين، تحدثت في الأول منهما عن حماية البيئة في القرآن الكريم، واستأثر الثاني بالحديث عن حماية البيئة في السنة النبوية، وذلك على النحو التالي. المطلب الأول: حماية البيئة في القرآن الكريم

ذكرنا فيما سبق أنَّ البيئة هي الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، أو المحيط الذي تعيش فيه الكائنات الحية، وأنَّ كلمة ” البيئة ” لم ترد بذات اللفظ في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة، بل استخدم القرآن مصطلح الأرض عوضاً عنها للدلالة على المحيط أو المكان الذي يعيش فيه الإنسان شاملة ما عليها من جبال وسهول، وعليه فإنَّ توجيه القرآن لحماية الأرض منصبٌّ تجاه الأرض والحفاظ عليها من العبث والإفساد، وأنَّ الإنسان مستخلف فيها، وكذا الحديث عن التوازن البيئي فيها، وغيرها، وعليه يمكننا بيان حماية البيئة في القرآن الكريم على النحو التالي.

حثَّ القرآن الكريم المسلمَ على الحفاظ على البيئة وحمايتها، والمحافظة على خيراتها، فقد قال تعالى ( كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْق اللَّه وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ )([27])، فقد عبَّر المولى عز وجل بالنهي عن الفساد بلفظ ” لا تعثوا ” وهذه الكلمة تحتمل معانٍ عدَّة منها ” ولا ترضوا، ولا تفعلوا، ولا تتمادوا “، وعليه فالنهي عن الفساد في الأرض نهي عن الفعل ونهي عن الرضا به ونهي عن التمادي فيه([28])، وهذا من تمام الحفاظ على البيئة، وقد أكَّد القرآن على هذا المعنى في مواضع عدَّة فقال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )([29])، وفيها أنَّ الله خلق الأرض صالحة ماتعة، فهي من حيث الأصل مستكملة كل مقومات الصلاحية لسدِّ حاجات الإنسان، فهي بكل ما فيها وما عليها خُلقت على الوجه الملائم لمنافع الخلق ومصالح الناس، وقد نهانا ربنا عن الإفساد فيها بعد ذلك، وأنَّ المساس بالتخريب في جزء منها هو كتخريبها كلها، فاستخدام القرآن لمصطلح (الأرض) الجامع الكلي لتكون محل الإفساد وليس بقعة منها أو عنصراً من عناصرها مثل الهواء أو الماء يدلُّ على أنَّ فساد أي جزء أو عنصر فيها هو فساد لبقية الأجزاء والعناصر، فهي مقر الإنسان ومعاشه وموطن حياته ([30])، والنهي عن الإفساد يدخل فيه النهي عن إفساد النفوس بالقتل وغيره، وإفساد الأموال بالسرقة والغش وغيرها، وإفساد الأديان وإفساد الأنساب وإفساد العقول، وذلك لأن المصالح المعتبرة في الدنيا هي هذه الخمسة، فمنع إدخال ماهية الإفساد في الوجود يقتضي المنع من جميع أنواعه([31]).
وقال تعالى: ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ([32])، وفيه أنَّ ما نحياه من سوء الأحوال البيئية فهو بسب ما اقترفت أيدي البشر من عبث في هذه البيئة وعلى ظهر هذه الأرض، وأنَّ هذا السوء قد طال ما ينتفع به الناس من خيرات الأرض برها وبحرها، وفساد البر يكون بفقدان منافعه وحدوث مضارِّه، مثل حبس الأقوات من الزرع والثمار والكلأ، وفي موتان الحيوان المنتفع به، وفي انتقال الوحوش التي تصاد من جراء قحط الأرض إلى أرضين أخرى، وفي حدوث الجوائح من جراد وحشرات وأمراض، وفساد البحر كذلك يظهر في تعطيل منافعه من قلة الحيتان واللؤلؤ والمرجان، ونضوب مياه الأنهار وانحباس فيضانها الذي به يستقي الناس([33]).

لفتَ القرآن الأنظار للبعد الجمالي للبيئة، وخلق روحاً من التآلف بينها وبين البشر، من خلال الإحساس بما تنطوي عليه من متعة وبهجة وسرور، وكل ذلك لاستشعار قيمتها والمحافظة عليها، فقد حدثنا القرآن أنَّ الله تعالى خلق البيئة جميلة بهيجة ونقية تسرُّ الناظرين، قال الله تعالى: ( أَفَلَمْ يَنظُرُوا إلى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج )([34])، والبهيج: الشيء المشرق الجميل الذي يدخل البهجة والسعادة والسرور إلى من نظر إليه، وهذا الوصف يدل على دقَّة صنع الله تعالى([35])، وقال الله تعالى: ( وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج)([36])، وقال: ( وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )([37])، حيث تشير هذه الآيات ونحوها إلى أن الله تعالى خلق الفضاء، والأرض، والبحار، والأشجار، ومصادر المياه، وغيرها من مظاهر البيئة وعناصرها، سليمة نقية طيبة نافعة للإنسان، بل إن هذه الآيات أضفت على هذه المذكورات بعداً جمالياً وذوقياً، لتنبّه الإنسان على ضرورة مراعاة هذا الخلق النقي الجميل، والحرص على استمراره وتنميته، والمحافظة عليه([38])، وقال أيضاً مفصِّلاً بعض هذه النعم: ( اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ )([39]).
فمن هذه الآيات ندركُ مكانة البيئة في الإسلام، وأنَّ الله تعالى منح الإنسان الموارد الكونية والبيئية النافعة له، فيسرها له للانتفاع بها في أغراض شتَّى، وجعل هذه الأغراض المادية سبيلاً من سبل الإعانة على الحياة، وهدفاً من الأهداف الكلية للوصول إلى معرفة الله تعالى، والمتمثلة في الألوهية الكاملة له U([40])، وقد اتضح أنَّ القرآن يسلك طريقين في الحفاظ على البيئة هما([41]):

الأول: الضوابط العديدة التي وضعها القرآن على تصرف الإنسان في مكونات البيئة، حيث نهاه عن الفساد في الأرض، وإهلاكه الحرث والنسل، كما نهاه عن الإسراف، ودعاه إلى التوسط والاعتدال في كل أحواله فلا إفراط ولا تفريط.

الثاني: عرض البعد الجمالي والمشرق للبيئة وحث الإنسان على ضرورة مراعاة هذا الخلْق النقي الجميل، والحرص على استمراره وتنميته، والمحافظة عليه، وكذا تكفُّل الله تعالى بحفظ النوع والسلالة لجميع المخلوقات، وجميع ما على ظهر الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

المطلب الثاني: حماية البيئة في السنة النبوية.

تمهيد:

اشتملت السنة النبوية على كثيرٍ من التوجيهات والإرشادات التي تحثُّ على حماية البيئة من التلوث، ورسمت منهجاً رائعاً في كيفية التعامل مع البيئة، وحمايتها وتطويرها، وذلك من خلال جملة كبيرة من الأحاديث التي وردت في كتب السنة النبوية المطهرة، ولقد راعت السنة في توجيهاتها عناصر البيئة المختلفة، فدعت إلى المحافظة على البيئة المائية والبرية والجوية، ويمكننا تسجيل بعض تلك الأحاديث على النحو التالي.

يقول عليه الصلاة والسلام: ” لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسلُ فيه “([42])، فقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلم من أن يقضي حاجته في الماء العام الذي يستخدمه الناس في شربهم وطهارتهم وذلك للحفاظ على الموارد المائية للمجتمع، وكذلك نهاه أن يغتسل في هذا الماء لما يتسبب فيه هذا التصرف من تلويث المياه ويؤدي الى عفونتها، ويفوت على الناس الانتفاع بها، فضلاً عن انتقال الجراثيم من خلالها ([43]).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار، وثمنه حرام “([44])، فقد أفاد الحديث أنَّ ما ذكر من الماء والأعشاب وما يوقد به النار مما كان في الملك العام فهو للجميع، لا يجوز لأحدٍ أن يستأثر به لنفسه دون غيره أو يحجزه عن غيره([45])، وعليه فإنَّ المحافظة عليها مسؤولية الجميع، فكما كانوا في الانتفاع منه سواء، فهم في الحفاظ عليه سواء.
يقول صلى الله عليه وسلم :” ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة“([46])، وفيه دعوة الى حماية الغطاء النباتي والموارد الزراعية، وذلك من خلال تشجيع المسلمين على النهوض بعملية التشجير، المتمثلة في غرس الأشجار وزراعتها وذلك من خلال الترغيب في الأجر الأخروي.
ويبلغ الأمر النبوي الكريم غايته في الحثِّ على الزراعة وتعمير الأرض وتشجيرها عندما يقول: ” إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ “([47])، وفي هذا بالغ الاهتمام من الإسلام بالبيئة؛ لأنَّ الأشجار تُخلِّص البيئة من كمياتٍ كبيرة من غاز ثاني أوكسيد الكاربون المضر بالصحة، كما لها دور كبير في إنتاج كمية كبيرة من الأوكسجين اللازم لحياة الإنسان والحيوان، كما تقوم الأشجار أيضاً في المناطق الصناعية والمدن التي تحيط بها الجبال أو الصحارى بتقليل كمية الأتربة والماد الملوثة الموجودة في الهواء حيث تعمل كمصفاة منقية للهواء، ومن هنا نجد أنَّ كثيراً من المدن في عالمنا اليوم قد لجأت إلى إنشاء ما يُسمى بالحزام الأخضر حول المدن، كما أنَّ للأشجار دوراً كبيراً في تثبيت الرمال، ومنع زحفها، وبالتالي تؤدي الى منع ظاهرة التصحر التي تهدِّدُ كثيراً من الدول([48]).

يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ “([49])، وهذا الحديث يبيِّن أن َّ الإسلام قد حارب ظاهرة التصحر بتشجيعه على إحياء الأرض الموات وزراعتها وإصلاحها وتنميتها وإقامة أسباب المعيشة فيها، وذلك بتشجيع الناس على إحياء الأرض مقابل تمليكهم إياها، وفي ذلك توسيع لحركة الجد والنشاط في المجتمع، وفتح لباب العمل في استصلاح الأراضي والزراعة وما يتعلق بها، وخلق فرص للعمل في هذا الجانب المهم للمجتمع.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” .. وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن طريق الناس لك صدقة .. ” ([50])، وفيه الترغيب في المحافظة على نظافة البيئة، وذلك من خلال الدعوة الى إماطة الأذى عن الطريق، وكذا ترغيبه في الحفاظ على جمال البيئة من خلال قوله صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ الله جميلٌ يحبُ الجَمالَ “([51]).
ومن خلال ما سبق يتبين أنَّ السنة النبوية المطهرة أرست معالم رائعة في بيان جزاء الذي يحافظ على البيئة، ويحميها من الفساد، ويصونها من التدمير والعبث، وتمثل ذلك في الجزاء الأخروي والدنيوي، وذلك من خلال بيان ما أعده الله تعالى لعباده من الثواب للمطيعين، وقد تعلق هذا الجزاء على العناية بعناصر البيئة ترغيباً وترهيباً بما يكشف مدى اهتمام الإسلام بعناصر البيئة ومصادرها ومقوماتها([52]).

وفي ضوء ذلك يظهر أنَّ حياته صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده، كانت نموذجاً تطبيقياً للأخلاق الإسلامية، والمعاملات التي حدَّدتها الشريعة في كلِّ شيء، حتى التعامل مع النبات، والحيوان، والطير، والجماد، وسائر عناصر الطبيعة الأخرى، كالأرض، والماء، والهواء. وعليه فقد جاءت تعاليم الإسلام واضحة فيما يتعلق بعناصر البيئة، من حيث الأشكال المتعددة من أوجه الرعاية، وطريقة تعامل المسلم معها([53])، وهذه التعاليم الواضحة المستمدة من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية رسمت منهجاً واضحاً للشريعة الإسلامية في حماية البيئة، وبيان هذا المنهج هو موضوع المبحث القادم من هذا البحث بعون الله تعالى على النحو التالي.

المبحث الثالث: منهج الشريعة الإسلامية في حماية البيئة

تمهيد وتقسيم:

يعدُّ هذا المبحث صلب هذا البحث، وعموده الفقري، وخلاصة كل ما ذكرناه سابقاً، ذلك أنَّ الإسلام بنصوصه وتشريعاته وقواعده الفقهية ومقاصده الشرعية رسم منهجاً واضح المعالم بما يتعلق بحماية ورعاية البيئة، وصيانتها من ما من شأنه أن يُلحِق الضرر بها أو يفسدها، بل ذهبَ إلى ما هو أبعد من ذلك في الحث على الاهتمام بها وتنميتها وإصلاحها وتطويرها، وعليه فإنَّ المقصود بمنهج الشريعة الإسلامية في حماية البيئة هو بيان الطرق والآليات والإجراءات التي وضعتها الشريعة لحماية ورعاية البيئة، ومن خلال البحث والاستقراء يمكن تقسيم ذلك إلى أربعة مناهج كما يلي:

الأول: المنهج الإيماني الاعتقادي، الثاني: المنهج التوجيهي الإرشادي، والثالث: المنهج التشريعي التطبيقي، والرابع: المنهج الرقابي والعقابي.

وسوف نتناول بيان هذه المناهج من خلال المطالب الآتية، على النحو التالي.

المطلب الأول: المنهج الإيماني الاعتقادي.

ذكرتُ فيما سبق أنَّ الشريعة الإسلامية جعلتْ لقضية حماية البيئة بعداً عقدياً، وربطتْ بين الدنيا وإصلاحها وبين الآخرة، وجعلت الثواب الأخروي ثمرة من ثمرات العمل الدنيوي الصالح، ومن هذا العمل الصالح الذي يرضي الله تبارك وتعالى هو حماية البيئة ورعايتها، فالبيئة هي المكان والوسط الذي يعبدُ العبدُ فيه ربه، وينفذ فيه أوامره، ويحقِّق فيه عمارة الأرض وفق منهج الله القائم على مبدأ استخلاف الإنسان في الأرض، لهذا ربط الإسلام بين حماية البيئة والمحافظة عليها وبين الإيمان كما أخبر رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ .. “([54])، فقد أفاد الحديث أنَّ إماطة الأذى والحفاظ على نظافة البيئة من شعب الإيمان.

ويتجلى البعد الإيماني في موضوع حماية البيئة من خلال الربط الوثيق بين صلاح الإنسان وبعده عن المعاصي وبين صلاح بيئته، فكلما زاد صلاح الإنسان كانت البركة والنماء والجمال في بيئته ومحيطه، وقد أشار القرآن لذلك في قوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )([55])، وقد تكفَّل الله للكافرين بإصلاح معاشهم ودنياهم وبيئتهم بشرط أن يستقيموا على طاعة الله وينقادوا لطريق الله، هذا واضح في قوله تعالى ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا )([56])، والآيات والأحاديث في تقرير هذا المعنى كثيرة، ولا غرابة في هذا الربط بين الأمرين؛ فالإسلام يستند في رعايته للبيئة إلى تصور فكري أو فلسفة جامعة مانعة، تعلي من شأن الإنسان، وتتسامى به ليكون حقَّاً خليفة الله في أرضه، تحببه في الخير وتحبب الخير إليه، وتمزج دينه بدنياه، وتجعل الدنيا جسراً للآخرة([57])، وبالتالي ينتج عنه أهمية الإحساس بالأمانة في التعامل مع البيئة، وحمل المسؤولية، وأنَّ مآل العمل إلى الله تعالى والحساب عنده، وهذا يدعم التوحيد: عقيدة وسلوكاً، ويجعل تصرفات الإنسان مع عناصر البيئة محكومة ومنضبطة بحدود الله وشرعه وبغية مرضاته، وهذا يضمن جودة العمل على سطح المعمورة، وصدق الأداء في التعامل مع البيئة وعناصرها([58]).

ويمكن البناء على ما سبق أنَّ غياب الوازع الديني، وانعدام الجانب الروحي والأخلاقي على حساب المصالح الذاتية للأشخاص والمؤسسات والدول، ينتج عنه الفساد الذي ظهر في ربوع الأرض، وانتشار المواد المسرطنة التي أضرت بصحة الإنسان، وكذا النفايات النووية التي تدفن في بلاد الفقراء والمحرومين لحساب الدول الكبرى التي غاب ضميرها الإنساني من أجل كسب المال وتحقيق الأهداف الخاصة؛ لذلك يجب أن ننادي بأهمية وجود هذا الوازع الداخلي كخطوة أساسية على طريق الوصول لحماية ورعاية البيئة. فالنتيجة التي نخلص إليها في نهاية هذا المطلب هي: ” أنَّ فساد البيئة من فساد الإنسان، وأنَّ صلاح البيئة لا يكون إلا بصلاح الإنسان، ولن يصلح الإنسان إلا بصلاح قلبه ونفسه، ولا صلاح للقلب والنفس إلا بالدين والإيمان والاهتداء بهدى الرحمن” ([59]).

المطلب الثاني: المنهج التوجيهي الإرشادي.

إنَّ الناظرَ في آيات القرآن الكريم، والمتتبعَ لأحاديث سيد المرسلين، يجد أنها زخرت بالنصوص التوجيهية والآمرة بحماية البيئة ورعايتها والمحافظة عليها من العبث، والنهي عن الإضرار بها أو بأحد محتوياتها، ووضعت الضوابط العديدة الحاكمة لتصرف الإنسان في مكوناتها، ففيها النهي عن الفساد في الأرض، وإهلاكه الحرث والنسل، كما فيها النهي عن الإسراف، والدعوة إلى التوسط والاعتدال في كلِّ ما يتعلق بالتعامل معها، وقد ذكرتُ في المبحث الثاني من هذا البحث بعضاً من نصوص الكتاب والسنة التي تشهد لما ذكرتْ، ومن أعظم الأدلة التي تبيِّن المكانة المرموقة التي تربعت البيئة على عرشها في شريعتنا، وضرورة حفظها وحمايتها، ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده من الوصية بالبيئة حال الحرب والخوف، فقد تجاوز الأمر بالحفاظ على البيئة الأحوال الطبيعية إلى حالة الحرب والخوف، فقد أوصى قادتَه وأوصى خلفاؤُه من بعده بعدم قطع الأشجار أو حرقها، فقد ورد عن الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في وصاياه لقادته قبل الحرب: ” …ولَا تَقْطَعُوا مُثْمِرًا، وَلَا تُخْرِبُوا عَامِرًا، وَلَا تَذْبَحُوا بَعِيرًا وَلَا بَقَرَةً إِلَّا لِمَأْكَلٍ، وَلَا تُغْرِقُوا نَخْلًا، وَلَا تُحْرِقُوهُ “([60])، وفي الحديث دلالة بالغة على اهتمام الاسلام بالبيئة الحيوانية والبيئة النباتية والطبيعية في أصعب الظروف.

إنَّ الأدلة المرشدة لحماية البيئة ورعايتها كثيرة جداً، وتتمحور جميعها حول جانب المحافظة على البيئة ومصادرها من الضرر والأذى والفساد والتلوث، والإسراف والتبذير، والاستنزاف الجائر، واللهو والعبث، والاستخدام في غير حاجة الإنسان ونفعه، وذلك في صورة النهي عن تلك السلوكيات الضارة بالبيئة، ومنها ما يتعلق بجانب استغلال البيئة ومواردها، بالعمل على تنميتها وتكثيرها وتطويرها وإصلاحها، من خلال الدعوة والتوجيه والحث على السلوكيات النافعة للبيئة، وتوجيه سلوك الأفراد نحو تنمية واستثمار البيئة بالعمل على جعلها سليمة نظيفة صالحة ومثمرة منتجة؛ لينتفع بها الإنسان المعاصر، ومدخرة لتنتفع بها الأجيال القادمة، ومن مجموع النصوص الواردة في موضوع حماية البيئة يمكن تسجيل ملامح المنهج الذي رسمته الشريعة الإسلامية في حماية البيئة في النقاط التالية:

نشر الوعي لدى الفرد والمجتمع بأهمية البيئة والمحافظة عليها، ومن مظاهر نشر هذا الوعي كثرة المؤلفات الإسلامية التي تختص بالبيئة قديماً وحديثاً، وقد أُلِّفت كتباً تتعلق بالبيئة الجوية، والحيوانية، وعلم الحيوان، والبيئة الطبيعية والنباتية، وكذا ما يتعلق بقضايا البيئة المعاصرة([61]).
الدعوة للانتفاع من موارد البيئة، والحث على تنميتها وتطويرها واستثمارها.
الدعوة إلى المحافظة على التوازن البيئي.
التدريب والتوجيه على احترام البيئة.
التأكيد على التوسط والاعتدال في استعمال واستغلال موارد البيئة وعدم إهدارها والإسراف فيها.
التحذير والترهيب من الإضرار بمقومات البيئة وعناصرها المختلفة.
المطلب الثالث: المنهج التشريعي التطبيقي.

بان لنا من خلال ما سبق أنَّ الشريعة الإسلامية انطلقت من الجانب الإيماني والوازع الأخلاقي في حماية البيئة ورعايتها، ولم تكتف بذلك بل ذهبت للجانب التوعوي والإرشادي، وكذا الترهيب والتخويف من عواقب الإضرار بها، وفي هذا المطلب سيتبيَّن لنا أنَّ تلك التوجيهات والإرشادات السابقة قد ترجمتها الشريعة إلى جملة تشريعات تطبيقية تحمي البيئة وتحافظ عليها، وذلك من خلال ثلاثة جوانب: الأول: ربط حماية البيئة بمقاصد الشريعة، الثاني: ربطها بقواعد الفقه الكلية، الثالث: ربطها بالمسؤولية الجماعية، ويمكن بيان ذلك مختصراً على النحو التالي.

أولاً: مقاصد الشريعة ودورها في حماية البيئة([62]).

إنَّ أحكام التشريع الإسلامي مُنطَوية على مقاصدٍ وغايات، وحِكَمٍ وأسرار، وهذه الغايات جاءت لتحقيق مصالح العباد في الداريْن([63])، وحفظ البيئة وحمايتها ورعايتها تحقيق لهذه المقاصد التي جاءت الشريعة بها، وتنطوي هذه المصالح على ضروريات خمس هي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال([64])، ففي حماية البيئة ورعايتها حفظ للدين؛ لأن الاعتداء على البيئة ينافي التدين الحقيقي، ويخالف الإيمان الذي يعدُّ الحفاظ على البيئة شعبة منه، وينافي مبدأ الاستخلاف في الأرض، وعمارتها وإصلاحها، وكذلك الأمر في حفظ النفس والعقل والنسل، فإنَّ الاعتداء على البيئة، وتلويث مصادرها واستنزافها وإهدارها، وتلويث مكوناتها وما ينتج عنه من مواد سامة وإشاعات خطيرة تهدِّد حياة الإنسان ووجوده بما تحمل من أسباب الهلاك والدمار، وكذلك استخدام الأرض والبيئة في انتاج المواد المخدرة الضارة بجسم الإنسان وعقله،كل ذلك يخالف مقاصد حفظ النفوس والعقول، ومن ناحية أخرى فإنَّ رعاية البيئة وحمايتها تتضمن المحافظة على المال الذي جعله الله قواماً لمعيشة الإنسان، فالأرض مال، والزرع مال، والأنعام مال.. وهكذا، فالحفاظ على البيئة حفاظ على المال بكافة أشكاله وأنواعه وموارده، فلا إسراف ولا إهدار ولا استنزاف لغير حاجة أو ضرورة.

وعليه فإنَّ رعاية البيئة بالحفاظ عليها وإصلاحها يحقِّق مقاصد الشريعة ويحمي ضرورياتها الخمس، وفي المقابل فإنَّ العبثَ بها، وإفسادها، وتلويثها، واستنزاف مواردها، وإهدارها بغير حاجة، يضيع هذه المقاصد، ويُفوِّت الضروريات كلها.

ثانياً: قواعد الفقه الكلية وحماية البيئة.

إنَّ علم القواعد الفقهية من العلوم الضرورية التي تضبط المسائل والأحكام المندرجة تحتها، فهي عبارة عن أصولٍ فقهية كلية في نصوصٍ موجزةٍ دستوريةٍ تتضمنُ أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها([65])، وهذه النصوص الدستورية الموجزة قد تكونت معالمها تدريجياً بالاجتهاد من دلائل النصوص الشرعية، وعلل الأحكام، ومقاصد الشريعة، فهذه القواعد تعدُّ خلاصة النصوص الشرعية من القرآن والسنة، وخلاصة اجتهادات الفقهاء، وقد دُوِّنت بطريقة موجزة على غرار القواعد القانونية، وخدمت هذه القواعد جُلَّ القضايا الحياتية، ومن جملتها قضية حماية البيئة ورعايتها، والقواعد الضابطة لهذا الموضوع كثيرة جداً أشير لبعضها، وأحيل على غيرها في مواضعها، وذلك على النحو التالي.

قاعدة ” الأمور بمقاصدها “: ومعنى القاعدة: إنَّ نيَّة المكلَّف معتبرة في أعماله وتصرفاته، فالأحكام الشرعية التي تترتب على أفعال المكلَّفين منوطة بمقاصدهم من تلك الأفعال، فأعمال الإنسان وتصرفاته القولية والفعلية تخضع أحكامها الشرعية التي تترتب عليها لمقصودهِ الذي يقصدهُ منها([66])، وعليه فمن عمل عملاً مباحاً ولا يقصد به إضرار البيئة فترتب عليه الإضرار فلا شيء عليه لعدم قصده، ويضمن ما أفسده أو أضر الغير به، وكذا لو عمل مباحاً ونوى به طاعة الله في خدمة البيئة والمحافظة عليها، فإنه يثاب عليه لقصده الحسن ونيته الصالحة([67]).
قاعدة ” لا ضرر ولا ضرار“: فالقاعدة تدلُّ على تحريم سائر أنواع الضَّرر، وحرمة إلحاقهِ مطلقاً من أيِّ أحد بأيِّ أحد؛ ونفي الضرر يعني دفعَهُ قبل الوقوع بأسباب الوقاية الممكنة، وإزالتَهُ بعد وقوعهِ بما يمكنُ من التدابير التي تزيل آثاره، وتمنع تكراره، وإنزال العقوبات الشرعية المستحقَّة على فاعله؛ لضمان عدم عودته إلى ذلك الضرر([68])، وتشكل هذه القاعدة وما يتفرع عنا من قواعد طوق حماية شامل للبيئة من جميع الأضرار التي يمكن إلحاقها بها، بل تشكل ردعاً لمن تسول له نفسه بالاعتداء على البيئة من خلال تضمينه قدر إفساده وإنزال العقوبة به جزاءً لفعله الضار المفسد، وهذه القاعدة من القواعد الكبرى التي يتفرع عنها العديد من القواعد منها: ” الضرر يزال”، ” الضرر الأشد يدفع بالضر الأخف “، ” اختيار أخف الضررين “، ” الضرر لا يزال بمثله “، وغيرها من القواعد.
قاعدة ” إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام “: ومفادها أنه إذا تساوت مصلحتان في فعل أو إقامة مشروع معين يتصل بحماية البيئة ورعايتها، بحيث تجلب الأولى مصلحة وتجلب الأخرى مفسدة، أو كانت هناك مصلحة مباحة من جهة ومحرمة من جهة أخرى، فإن التحريم هو الذي يُغلَّب في هذه الحالة، ويوقف هذا المشروع؛ كما في قيام الدولة ببعض المشروعات أو المصانع او المفاعلات النووية وغيرها، بحيث تجلب بعض المصالح لكن أضرارها على البيئة والإنسان تفوق بكثير تلك المصالح والفوائد العائدة على الدولة، من حيث المخاطر والإشعاعات والتلوث، فإنا في الحالة هذه نقدِّم جانب المنع على جانب الجواز، وجانب التحريم على جانب الإباحة تغليباً للمصلحة العامة للإنسان والبيئة الطبيعية والحيوان([69]).
ومن خلال ما سبق يظهر أنَّ القواعد الفقهية مليئة بالتشريعات والضوابط التي تحكم علاقة الإنسان بالبيئة، ومن أحب أن يبسط له في علمه في هذا الجانب فليراجع: مجلة الأحكام العدلية، وكتب الأشباه والنظائر، وكتب القواعد الفقهية المعاصرة، فهي زاخرة بتلك القواعد المتعلقة بالبيئة ورعايتها.

ثالثاً: المسؤولية الجماعية في حماية البيئة.

اعتمدَ التشريعُ الإسلامي على مبدأ المسؤولية الجماعية في الضبط الاجتماعي، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ” كُلُكُم راعٍ ومسؤولٌ عنْ رَعيتِهِ “([70])، فقد خاطب الله تعالى عباده في القرآن بصيغ الجمع، وأمرهم بالتعاون على البر والتقوى، فقال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)([71])؛ ليعزز روح التوجيه الجماعي والمساءلة الجمعية مما يدعم القيم ويفرض السلوك القويم، وذلك أنَّ الجميع مسؤول عن حماية البيئة ورعايتها والحفاظ عليها، والأخذِ على يد من يريد إفسادها وتلويثها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” المسلمون شركاءٌ في ثلاثٍ: في الماءِ، والكلأِ، والنارِ “([72])، وقد أفاد الحديثُ أنَّ ما ذكر من الماء والأعشاب وما يُوقد به النار مما كان في الملك العام فهو للجميع، وأنَّ المحافظة عليها مسؤولية الجميع، فكما كانوا في الانتفاع منه سواء، فهم في الحفاظ عليه سواء.

المطلب الرابع: المنهج الرقابي والعقابي.

يُقصد بالمنهج الرقابي تلك الآليات الرقابية المتمثلة بالأجهزة، والمؤسسات والفعاليات، والإجراءات العملية، والنظم التطبيقية، التي جاءت بها الشريعـة وقررتهـا؛ ليتم من خلالها ضبط التزام الناس بالتشريعات، والمبادئ، والقواعد العامة، والنظـم المقررة شرعاً، للاستصلاح والتعامل مع الموارد البيئية، بقصد رعايتها والحفاظ عليها([73])، أما المنهج العقابي فيقصد بها تلك التشريعات والاجراءات الرادعة للعابثين بالبيئة ومكوناتها وصولاً لبيئة محمية ونقية، وسأقتصر هنا بالحديث عن الجانب الرقابي، وأترك الحديث عن المنهج العقابي للمبحث القادم، ويمكن حصر أدوات المنهج الرقابي البيئي في الإسلام في ثلاث أجهزة أساسية، سنتحدث بإيجاز عن كل نوع منها على النحو التالي.

جهاز الحسبة: وهي ” وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين، يُعيَّن لذلك من يراه أهلا له فيتعين فرضه عليه”([74])، فالحسبة هي ولاية في الدولة الإسلامية من أهم الولايات الإدارية ذات الصفة الرقابية، وهي ولاية منوط بها مراقبة السلوك البشري في مجتمع المسلمين، وقذ فصَّل الفقهاء في كتبهم عن أعمال هذا الجهاز وصلاحيته بما يخدم الحفاظ على المجتمع بشكل عام وتنظيمه، وعليه وفي ضوء معطيات قضايا البيئة ومشكلاتها، فإن الرجوع إلى الميراث الفكري الإسلامي، المتمثل في النظم وآلياتها، مثل نظام الحسبة، ومحاولة فهمه وتفعيله، يعتبر أمراً ضرورياً وهاماً في هذا الوقت، حيث يقع على ولاة الأمور واجب تفعيل هذه النظم الإسلامية المتعلقة بالحفاظ على البيئة ورعايتها، بما يحقق الرقابة الفاعلة بشأن حماية البيئة من العبث بها([75]).
جهاز القضاء: هو جهاز سيادي في المجتمع أُسِّس لحل النزاعات والفصل بين الخصومات، ولأن قراراته نافذة ولها طابع الإلزامية يمكن لهذا الجهاز تقدير العقوبات المترتبة على الأفعال الضارة المتعلقة بالعبث بالبيئة، والإضرار بها، وذلك من باب التعزيرات([76]) التي سمحت بها الشريعة الإسلامية.
جهاز الشرطة: ويراد بهم الجند الذين يعتمد عليهم الخليفة أو الوالي في استتباب الأمن، وحفظ النظام، والقبض على الجناة والمفسدين، وإقامة التعزير والتأديب في حقِّ من لم ينته عن الجريمة، وما إلى ذلك من الأعمال الإدارية التي تكفل سلامة الجمهور وتحقيق طمأنينتهم، ويقوم هذا الجهاز على تنفيذ الأوامر القضائية كما تقتضيه رعاية المصالح العامة في المجتمع والدولة([77])، ويمكن الاستفادة منه في منع الاعتداءات على البيئة ومحاسبة مرتكبيها.

المبحث الرابع: المسؤولية الناشئة في مجال حماية البيئة في الشريعة الإسلامية

يُقصد بالمسؤولية الناشئة في مجال حماية البيئة في الشريعة الإسلامية هي المؤاخذة وتحمل نتائج الأفعال الضارة التي تتعلق بالبيئة المتمثلة بالاعتداء عليها أو على أحد مكوناتها، وهي أحد صور منهج الشريعة العقابي للمعتدين على البيئة، ومصطلح المسؤولية مصطلح قانوني يعبِّر عنه الفقهاء بالضمان أو التعويض المالي، ومعناه: “ردُّ مثل التالف إذا كان مثلياً، أو قيمته إذا كان لا مثل له”([78])، أو هو: تغريم الإنسان وإلزامه بتعويض الغير مما أصابه من ضرر، فالضمان هو التعويض المالي الذي يلتزم به كل شخص سبَّب ضرراً للغير([79])، فكل من أتلف مالاً للغير، كإحراق الزرع أو قطع الشجر، أو تلويث الماء، يجب عليه تعويض المتضرر مما أصابه من تلف في ماله، إما بردِّ مثله إن كان مثلياً، أو قيمته، وعلَّة الضمان في هذه الحال هي الضرر؛ لأنَّ الضرر مطلقاً يوجب التعويض، ولا يشترط في الفاعل الذي أحدثه القصد أو العمد أو الإدراك أو التمييز، فمبنى الضمان هو جبر الضرر وترميم آثاره، لا عقوبة زجر، بل هو بدل مال لا عقوبة أفعال([80]).

ومن خلال تتبع النصوص المتعلقة بالبيئة وتحريم الاعتداء عليها بإفسادها، نرى كيف عالج الإسلام هذه المشكلة بالتوجيه والإرشاد تارة، والمكافأة تارة أخرى، ثم العقوبة في نهاية الأمر، وعليه فهناك مسؤولية تقع على من يُلحق الضرر بالبيئة أو يتسبب في تلويثها بما يحقق ضرراً للآخرين، وقد شرعت الشريعة عقوبات أخرى مترتبة على التسبب في تلويث البيئة أو إلحاق الضرر بها أو بأحد مكوناتها سوى عقوبة الضمان أو التعويض المالي؛ كالعقوبات البدنية: مثل التوبيخ والإنذار والضرب والحبس، حيث يوقعها الحاكم على كل من يرتكب مخالفة، أو عملاً يُلحق الضرر بأيٍّ من الموارد البيئية؛ كقطع الأشجار، أو غيرها، وكذلك الشأن في تلويث الهواء بدخان المصانع، وما تؤدي إليه من الأضرار الجسيمة التي تفوق المصلحة الحاصلة منهـا، فللدولة عندئذ إيقاع العقوبة التعزيرية الرادعة مالية كانت أم بدنية، أم إغلاق المصنع وإيقافه عن العمل، حسب ما يراه الجهاز القضائي المختص في الدولة([81])، فمن حقِّ الدولة منع استخدام المواد والأدوات الملوثة للبيئة، وكذلك منع الأيدي العاملة التي تقدم خدماتها ملوثة غير نظيفة، وكذا منع مداخن الأفران والمصانع في الأماكن السكنية التي تلوث البيئة وتضر بالسكان، ومنع الذبح في الطرقات، وكذلك يترتب عليها مسؤولية التخلص من النفايات الطبية والصلبة بطريقة صحية تضمن سلامة البيئة وعدم تلوثها، وكذا تشكيل جهة تراقب كل ما يتعلق بالبيئة والحفاظ عليها، ومحاسبة المخالفين، كما سبق ذكره.

وينبغي التنبيه على أنَّ تقدير العقوبة وتقريرها بخصوص الاعتداء على البيئة يُحدَّد بحسب نوع الجناية، وحال الجاني، وعظم الجريمة، وذلك رعاية للمصالح، على أنه يشترط في تطبيق هذه العقوبات التعزيرية، التدرج في العقوبة من الأخف إلى الأشد، تحقيقاً للردع والتأديب، فلا يجوز المعاقبة بالعقوبة الأشد متى كانت الأخف رادعة وكافية للتأديب، ومحققة للمقصد؛ لأن المقصود الأعظم هو حماية البيئة وليس إيقاع العقوبة([82]).

الخاتمة:

بعد إتمام النعمة من الله تعالى، وبعد حمد الله سبحانه وتعالى على الانتهاء من البحث، وقبل أن أضع قلمي أودُّ أن أُسطِّر ما توصلت إليه من نتائج في هذا البحث، ثم أُردِفُ تلك النتائج ببعضِ التوصيَّات، وذلك على النحو التالي:

أولاً: النتائج:

أولتْ الشريعة الإسلامية البيئة اهتمامها وعنايتها، وذلك من خلال منظومة متكاملة من التوجيهات والتشريعات والمبادئ بهدف حماية البيئة بكافة أشكالها ومكوناتها، ووضعت من الضوابط ما يمنع من الاعتداء عليها أو إهدارها أو استنزاف مواردها.
تقوم فكرة حماية البيئة في الإسلام على أساس عقدي، فقد اعتبرت الحفاظ على البيئة ورعايتها من القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وجعلت هذه الرعاية جزءاً من العقيدة، وبهذا تضيف الشريعة إلى البعد القانوني والتشريعي بعداً آخر وهو البعد التعبدي، مما يدفع المسلم على سرعة الامتثال لهذه الأحكام.

اعتمدَ التشريعُ الإسلامي على مبدأ المسؤولية الجماعية في حماية البيئة ورعايتها، وذلك من خلال إشراك الجميع في الحق في الاستفادة من عناصر البيئة جميعها، وكذا إشراكهم في مسؤولية حمايتها والحفاظ عليها.

تنفرد الشريعة الإسلامية بتقديم منهج واقعي في مجال رعاية البيئة ينطلق من الإيمان والعقيدة بضرورة الحفاظ عليها، مروراً بالتوجيه والإرشاد والترغيب بأهمية ذلك، وصولاً للتشريعات التطبيقية في صورة قواعد فقهية، وإيجاد أجهزة مختصَّة تضبط التزام الناس بما شرعته من أحكام وقواعد لرعاية البيئة، وأخرى تُقدِّر العقوبات المناسبة التي توقعها على المستحقين لها.

إنَّ الشريعة الإسلامية تحرم كافة الجرائم البيئية، وكل ما من شأنه إلحاق الضرر بالبيئة أو أحد مكوناتها، وتعتبر من يتسبب في ذلك مستحق للعقوبة التعزيرية المناسبة للجريمة، ولمرتكبها، ولطبيعة الاعتداء.
ثانياً: التوصيات:

ضرورة نشر التوعية المجتمعية بأهمية المحافظة على البيئة وحرمة الاعتداء عليها وتلويثها.
طرح الجوائز التحفيزية لمن يقوم بمساهمات أو أعمال مبتكرة تساعد وتساهم في تحسين البيئة وتحقيق جمالها.
الاهتمام بفقه البيئة في دراسات الفقه الإسلامي بكليات الشريعة والقانون في الجامعات العربية والاسلامية.
التعاون مع المجتمع الدولي بمختلف الصور في سبيل حماية البيئة ومنع تلويثها، والانضمام للعهود والاتفاقيات الدولية المنعقدة لحماية البيئة ما لم تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ضرورة إفراد دراسات مستقبلية تهتم بوضع آليات عملية لتطبيق الرؤية الشرعية في حماية البيئة بشكل واقعي وعملي وملموس.
قائمة المصادر والمراجع:

أولاً: القرآن الكريم.

ثانياً: السنة النبوية:

أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني ت. 275هـ، سنن أبي داود، حكم على أحاديثه: المحدث محمد ناصر الدين الألباني، دار الكتاب العربي – بيروت.
أحمد بن حنبل: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني ت. 241هـ، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط.2، 1420 هـ، 1999م.
البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ت. 256هـ، الأدب المفرد، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، دار البشائر الإسلامية – بيروت، ط.3، 1409 ه- 1989م
البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ت. 256هـ، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث- القاهرة، ط. 1432هـ، 2011م.
البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخراساني، أبو بكر البيهقي، السنن الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت.
مسلم: أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم النيسابوري ت. 261 هـ، صحيح مسلم، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة فياض للطباعة- المنصورة – مصر، بدون سنة الطبعة.
ثالثاً: كتب التفسير:

ابن عاشور: : محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، دار سحنون للنشر والتوزيع – تونس، سنة: 1997م.
أبو حيان الأندلسي: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي ت: 745هـ، البحر المحيط في التفسير، تحقيق صدقي محمد جميل، دار الفكر – بيروت
الرازي: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط.3 سنة 1420 هـ.
رابعاً: المراجع اللغوية:

إبراهيم مصطفى وآخرون: إبراهيم مصطفى، وأحمد حسن الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد علي النجار، المعجم الوسيط، تحقيق: مجمع اللغة العربية، طبعة دار الدعوة.
ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ت. 395 هـ، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، طبعة اتحاد الكتاب العرب، سنة 1423هـ- 2002م.
ابن منظور: محمد بن مكرم بن منظور المصري، لسان العرب، دار صادر- بيروت، الطبعة الأولى.
الزبيدي: محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الزبيدي الملقب بـ”مرتضى”، ت. 1205هـ، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق : مجموعة من المحققين، طبعة دار الهداية.
خامساً: الفقه العام والمؤلفات:

ابن العربي: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي، ت543هـ، أحكام القرآن، تعليق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت.
ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، مقدمة ابن خلدون، دار القلم- دمشق، سنة 1984م.
ابن عثيمين: محمد بن صالح بن محمد العثيمين، ت 1421هـ، شرح رياض الصالحين، دار الوطن للنشر- الرياض، طبعة 1426هـ.
البورنو: محمد صدقي بن أحمد بن محمد البورنو أبي الحارث الغزِّي، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط.4 سنة 1416هـ- 1996م.
الجصاص: أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي، ت: 370هـ، أحكام القرآن، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ط.1، سنة 1415هـ/1994م
الزحيلي: وهبة مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر- دمشق، ط.31، سنة 1430هـ، 2009م
الزرقا: مصطفى بن أحمد الزرقا، المدخل الفقهي العام، دار القلم- دمشق، ط.1، سنة 1418هـ-1998م.
السحيباني: عبد الله عمر السحيباني، أحكام البيئة في الفقه الإسلامي، دار ابن الجوزي، سنة 2008م.
الشاطبي: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي ت790ه، الموافقات، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط1، 1417هـ-1997م
شحاتة: عبد الله محمود شحاتة، رؤية الدين الإسلامي في الحفاظ على البيئة، ط.1، دار الشروق- القاهرة.
عودة: عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، ط دار الكتاب العربي- بيروت.
غرابية، الفرحان: سامح غرايبة، يحيى فرحان، المدخل إلى العلوم البيئية، دار الشروق- عمان، سنة 1987م.
الفقي: محمد عبد القادر الفقي، البيئة مشاكلها وقضاياها وحمايتها من التلوث، مكتبة ابن سيناء, سنة 1993م.
القرضاوي: يوسف القرضاوي، رعاية البيئة في شريعة الإسلام، دار الشروق- القاهرة، ط 1421ه-2001م.
قلعجي، قنيبي: محمد رواس قلعة جي وحامد صادق قنيبي، معجم لغة الفقهاء، دار النفائس، بيروت، ط1، 1405هـ-1985م.
سادساً: الرسائل الجامعية:

ضاهر: عدنان ضاهر، أحكام البيئة في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بغزة، سنة 2009م.
المسيكان: حماية البيئة، دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون الكويتي، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الشرق الأوسط، سنة 2012م.
سابعاً: المجلات العلمية:

دنيا: شوقي دنيا: الإسلام وحماية البيئة، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، العدد 48، ط 2001م.
الكبيسي: عبد العزيز شاكر حمدان الكبيسي، حماية البيئة في ضوء السنة المطهرة، بحث منشور على الشبكة العنكبوتية، شبكة الألوكة العلمية.
الكيلاني: سري زيد الكيلاني، الرعاية الرقابية والعقابية للبيئة الطبيعية في الإسلام، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، مجلد (13)، عدد (2)، 1438ه‍/2017م.
الكيلاني: سري زيد الكيلاني، تدابير رعاية البيئة في الشريعة الإسلامية، مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، مجلد (41)، عدد (2)، 2014م.
ثامناً: المواقع الإلكترونية:

موقع الملتقى الفقهي، رابط: http://fiqh.islammessage.com/ .
([1]) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة (1/290) ، ابن منظور: لسان العرب (1/36)، الرازي: مختار الصحاح (1/73)، الزبيدي: تاج العروس من جواهر القاموس (1/157).

([2]) سورة يونس: آية (87).

([3]) إبراهيم مصطفى وآخرون: المعجم الوسيط (1/75).

([4]) السحيباني: أحكام البيئة في الفقه الإسلامي (ص23) بتصرف.

([5]) الفقي: البيئة مشاكلها وقضاياها (ص10).

([6]) الصادر بالمرسوم الملكي رقم: م/34 وتاريخ 28/7/1422هـ، وقرار مجلس الوزراء رقم: 193 وتاريخ 7/7/1422هـ، ل%D

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

شارك المقالة

التعليقات معطلة.