بحث قانوني و دراسة تطبيقية حول الجرائم ضد الإنسانية

أ/ عيسى العماوي

المبحث الأول
حالة البوسنة والهرسك بدولة يوغسلافيا السابقة.

تمهيد:
كانت يوغسلافيا السابقة تتكون من ست جمهوريات، صربيا وهي أكبر الجمهوريات وعاصمتها بلجراد، وكرواتيا وعاصمتها زغرب، وسلوفانيا وعاصمتها لوبيانا، والبوسنة والهرسك وعاصمتها سراييفو، وجمهورية مقدونيا وعاصمتها تيوجراد، وإقليمان هما فوديفونيا وكسوفا. وفي داخل كل جمهورية توجد طوائف ذات ثقافات مختلفة، وقوميات متباينة وعرقيات بينهما ثارات قديمة، تصل في بعض الجمهوريات إلى عشرين جماعة عرقية وإلى أربعة عشر لغة ولهجة كما يوجد تفاوتا في التاريخ والدين وحتى الطباع البشرية ذاتها [1] .
عاشت يوغسلافيا كدولة موحدة لمدة أربعة وسبعين عاما لم يتم خلالها أي تجانس يذكر بين شعوب هذه الجمهوريات وقد اتضح ذلك بعد سقوط الحزب الشيوعي الحاكم وظهور العصبيات القديمة والقوميات التي أصبحت تنادي الاستقلال والانفصال عن الحكومة المركزية في بلجراد ونتج عن ذلك استقلال كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا وقد رفض الصرب الانفصال ومعهم مجلس الرئاسة اليوغسلافي الذي يسيطرون عليه وبدأ الصرب يجهزون جيوشهم لتأديب الدول التي انفصلت ثم اندلعت الحرب بين كرواتيا والصرب عام 1991م بعد أن أعلنت كرواتيا استقلالها [2] .
وسوف استعرض وقائع ما حدث في البوسنة والهرسك في أربعة مطالب:
المطلب الأول: وصف الحالة واندلاع الحرب في البوسنة والهرسك.
المطلب الثاني: أنواع الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في البوسنة والهرسك.
المطلب الثالث: المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة.
المطلب الرابع: نماذج من المحاكمات التي تمت لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية بيوغسلافيا السابقة.

المطلب الأول: وصف الحالة واندلاع الحرب في البوسنة والهرسك.

بعد اندلاع الحرب بيت الصرب والكروات بدأت شرارة الحرب تنتقل إلى البوسنة والهرسك ذات الغالبية المسلمة الذين كانوا يقفون على الحياد وعدم الانحياز إلى أحد الطرفين المتحاربين وكان من أهم أسبابها الأطماع الصربية في ضم بعض أراضي البوسنة والهرسك إلى جمهورية صربيا حتى يصبح لها منافذ على البحر الادرياتيكي الشيء الذي لا يمكن تحقيقه دون شطر البوسنة والهرسك إلى قسمين. لذلك بدأ الصرب بتحريض الأقلية الصربية في جمهورية البوسنة ومدها بالسلاح للوقوف في وجه المسلمين الذين كانوا يسعون للانفصال ثم بدؤوا في ضرب حصار اقتصادي محكم على شعب البوسنة مما أدى إلى انتشار البطالة وشح المواد الغذائية ثم بدأ الجيش الصربي في الدخول إلى أراضي البوسنة بحجة ضرب الكرواتيين ولكنهم حولوا الحرب إلى البوسنة أيضا حيث بدؤوا بتدمير المساجد والمكتبات الإسلامية الأثرية وإغلاق الحدود بينها وبين الجمهوريات الأخرى، ثم مارسوا أشكالا مختلفة من أشكال التصفية العرقية التي تمثلت في الطرد والإجبار على الرحيل والاستيلاء على الأراضي بالقوة والإبادة والقتل، والاعتقال والإذلال، والحصار واغتصاب النساء وكان كل ذلك يتم أمام صمت العالم الذي كان يقف موقف المتفرج حيال هذه الجرائم التي يعد من أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي عرفتها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فبالرجوع إلى نصوص الاتفاقية الدولية نجد أن تلك الجرائم التي حدثت ضد شعب البوسنة والهرسك تشكل نموذجا للجرائم ضد الإنسانية التي ذكرها نظام المحكمة الجنائية الدولية والأنظمة الدولية الأخرى التي عرفت هذه الجرائم [3] .
وقد أصدر مجلس الأمن قرارات عديدة لوقف العدوان والاشتباكات المسلحة والجرائم ضد قوانين الحرب والجرائم ضد الإنسانية تنفيذا لما تنص عليه هذه الاتفاقية والمواثيق من التزامات دولية على أطرافها خصوصا أن جمهورية يوغسلافيا السابقة كانت موقعة عليها جميعا، ومن المعلوم طبقا للقانون الدولي أن الدولة الخلف تكون ملتزمة بما قام به السلف حتى تعلن انسحابها من تلك المعاهدات، ومع هذه القرارات المتكررة فإن الإبادة والتطهير العرقي والقتل والتهجير القسري والاغتصاب بالقوة للفتيات والنساء فضلا عن الانتهاكات الجسمية الإنسان والأطفال بصفة خاصة ظلت مستمرة ضد شعب البوسنة والهرسك رغم التزام جمهورية يوغسلافيا “صربيا والجبل الأسود” وكرواتيا والمجتمع الدولي بوقف هذه الأعمال فضلا عن المحاكمة عليها أو تسليم مرتكبيها لمن وقعت على أرضهم هذه الانتهاكات، فضلا عن اتفاق دول العالم على أن ما حدث في البوسنة والهرسك في تلك الفترة المظلمة أنما هو من الجرائم ضد الدولية التي يجب معاقبة مرتكبيها وإخضاعهم للمحاكمة في إطار القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان [4] .

لقد أدى العدوان الصربي إلى تجهيز الآلف من المسلمين، وسبب أكبر مأساة عرفتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية إذ بلغ عدد المهاجرين ( 1.270.000 ) لاجئ كما أن هناك حوالي ( 400.000 ) ألف معتقل في المعسكرات الصربية وحدثت جرائم اغتصاب ضد النساء من ست سنوات فما فوق ولم تسلم العجائز منه مما يظهر البعد النفسي لمثل تلك العملية البشعة، “حقد دفين-وانتقام” كما أن الضحايا يغتصبن في اليوم أكثر من مرة وبشكل جماعي حيث سجلت حولي ستون ألف حالة، كما سجلت حالات استخدم فيه الصرب المواد الكيميائية في قتل المسلمين ثلاثمائة وثمانية عشر مرة وقاموا بفرض حصار على المسلمين لتجويعهم ليموتوا جوعا أو بانتشار الأوبئة بينهم لعدم وجود الماء لديهم للتنظيف. ومن ناحية ثانية تعرضت بعض المدن البوسنية لهجوم كرواتي نتج عنه مذابح عديدة كمدينة “موستار” التي تعرضت لمذبحة راح ضحيتها مائة وأربعة من المسلمين كما قام الكروات بتجهيز “ستة عشر ألف” مسلم وقد تعرضوا للجوع والتعذيب [5] .
لقد أجمع الرأي العالمي العام على أن النزاع في البوسنة والهرسك الذي بدأ عام 1992م وانتهى 1995م أنه نموذج لحروب التطهير العرقي، وكان هذا النزاع أعنف الأحداث التي يشهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية وقد نجح “سلوبودان ملوزوفتش” الرئيس الصربي في إثارة عداء الجماعات اليوغسلافية العرقية والقومية التي رفضت الخضوع لهيمنة الشعب الصربي وحزب “ملوزوفتش” الذي كان تصوره لمشروعه السياسي الصربي أولا في كرواتيا ومن ثم البوسنة والهرسك لإيجاد دول متجانسة عرقيا وذلك بالاستيلاء على أراضي من دول أخرى وقد استعمل سلاح التطهير العرقي والعنف المبرمج لمحو أي أثر للجماعات العرقية الأخرى التي تعايشت سابقا مع الصرب وكان هذا “التطهير” هدف الحرب وليس نتيجتها غير المقصودة [6] .

المطلب الثاني: أنواع الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في البوسنة والهرسك.

1. التعذيب والقتل والتمثيل
لقد مارست القوات الصربية أشكالا من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت ضد سكان البوسنة والهرسك الذين كانوا يتعرضون للتعذيب والاضطهاد والتمثيل بهم بتقطيع الأطراف وبقر بطون الحوامل إضافة إلى ذبح الرقاب بالسكاكين وقد أصبح هذا النوع من الذبح عاديا يشاهده الناس على شاشة التلفاز أو الصحف، ومن أمثلة هذه الجرائم التي تعد جرائم ضد الإنسانية كما عرفتها الاتفاقيات والأنظمة الدولية وآخرها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في الفقرة (أ /1 ) من المادة ( 7 ) ما يرويه القاضي الشرعي عزيز شروان في مجلة الرابطة الإسلامية عن جرائم القتل التي حدثت في قرية “سترميتسا” بالبوسنة حيث أحرق فيها الصربيون ثمانية وثلاثون شخصا من البوسميين ثم اعترضوا طريق خمسين نازحا من المسلمين في قرية “شهدان” ودفعوا بهم في نهر “ليما” ثم انهالوا عليهم بالرصاص حتى قضوا عليهم داخل النهر فماتوا غرقا كما يروي أن ثمانمائة فردا مسلما قتلوا ذبحا في المناطق التابعة لبلدية “فيشي غراد” وستة آلاف ذبحوا في “غورا جدا” وقد توالت أعمال القتل للسكان وتعذيبهم وحرقهم في المدن البوسنية من قبل القوات الصربية ففي مدينة “براتوناس” التي بلغ فيها تعداد السكان المسلمين خمسة وعشرون ألف نسمة ثم اقتياد عددا من المسلمين إلى الملعب الرياضي قتل منهم ثلاثمائة شخص والقوا جثثهم في نهر “درينا” وحفروا للآخرين مقابر جماعية دفنوا فيها بعد أن مثلوا بهم. وقد تم العثور على جثث عدد كبير من النساء وقد اغتصبن وقطعت صدورهن كما وجدت مجموعة من جثث الأطفال دون سن الخامسة، وهكذا استمر القتل في جميع المدن البوسنية إلى أن بلغ عدد القتلى مائة وأربعون ألف قتيل تم قتل معظمهم في شكل مجازر جماعية ذبحوا أو مثل بجثثهم [7] .
وهذه المجازر التي ارتكبت اعتبرت مثالا واضحا لجرائم القتل والتعذيب ضد الإنسانية التي حرمتها الأنظمة والمواثيق.

2. جرائم الاغتصاب وانتهاك أعراض النساء:
تعد جرائم الاغتصاب من أكبر الجرائم التي ارتكبها الصرب ضد النساء والفتيات بالبوسنة والهرسك وقد فعلوا ذلك كسياسة ممنهجة ومبرمجة لبث الرعب في قلوب المسلمين وإجبارهم على ترك ديارهم.
لقد سجلت لجنة متابعة التحقيق في مشكلة المغتصبات التي شكلتها الحكومة البوسنية ستين ألف حالة اغتصاب من النساء والفتيات البوسنيات وفي بعض الحالات سجلت إجبار الأباء على مشاهدة اغتصاب بناتهم وزوجاتهم لتبقى صورة بشعة في ذاكرتهم وكان الاغتصاب يتم في أكثر الأحيان بشكل جماعي بصورة تتقزز منها النفوس حتى أن الرجال لم ينجحوا من الاغتصاب ولا الفتيات المعاقات وكان اغتصاب النساء عملية مخطط لها تتبناها قيادة الصرب وجنودها حتى تظل المسلمات بعد ذلك ذليلات منكسرات، أي كان يتم ذلك بشكل منهجي ومبرمج وفي إطار الهجوم الواسع مما يؤكد أن الاغتصاب في البوسنة كان جريمة ضد الإنسانية وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) والمعاهدات والمواثيق الدولية الأخرى التي عرفت الجرائم ضد الإنسانية، ومن الأمثلة الصارخة للاغتصاب ما يروى عن أحد المعسكرات الذي يسمى معسكر “ترنوفو” بالقرب من مدينة “بنيا لوكا” احتجزت فيه أكثر من خمسة وعشرين ألف مسلمة تتراوح أعمارهن ما بين الرابعة عشر والخامسة والعشرين وحيث كان الصرب يدفعون لمن يقوم باغتصاب المسلمات مائة مارك لكل حالة وعندما تحمل المرأة سفاحا توضع تحت المراقبة الدقيقة لمدة ستة أشهر حتى ل تتمكن من إسقاط الحمل قبل هذه المدة، وقد ولد أكثر من اثني عشر ألف طفل سفاحا وقد تناقلت وكالات الأنباء والصحافة العالمية ما ذكره قائد الشرطة الصربية الجنرال “يسما دي لي رايكا” في مؤتمر صحفي في مطلع فبراير 1993م قوله إن قيام الجنود والسكان من الصرب بعمليات اغتصاب الفتيات والنساء المسلمات ليس بسبب جمالهن الزائد بل إن ذلك يتم لأغراض إستراتيجية تتعلق بالمهمة التاريخية التي نحملها لإجبار المسلمين على مغادرة البلاد وتنظيفها منهم تماما [8] .
إن أرقام اللاتي دنس الصرب شرفهن تقشعر له الأبدان، ففي شهر تشرين الأول 1992م قدرت وزارة الداخلية في البوسنة والهرسك أن خمسين ألف امرأة قد تم اغتصابهم والعديد منهن في حالة حمل نتيجة لذلك، وهذه بعض صور الاغتصاب التي تناولها مراسلو بعض الصحف في تقاريرهم:
قالت ثلاث فتيات تتراوح أعمارهم بين ” 15-20 ” عاما، أنهن كن من بين أكثر من مائة سيدة تعرضن للاغتصاب الجماعي، على مدى سبعة أيام في أواخر تموز ومطلع اب ( 1992م ) بعد أن احتجزن في مدرسة في بلدتهن “روجاتشيا” وقلن أنهن كن ضحايا حملة “تطهير عرقية” وقالت “سعيدة ايانوفيتش” اثنين وأربعون عاما: “غنني أعرف الأشخاص الذين أحرقوا منزلي وسرقوا أشيائي وأسروني لقد كانوا أصدقائي وجيراني” وقالت سميرة من فتيات البوسنة “أيضا أن مسلحين اقتادوها إلى المدرسة ليلة الأول من اب( 1992م ) واصطحبوها في سيارة مسددين مدينة مدية إلى رقبتها طول ثلاث ساعات ثم أخذوها إلى شقة جار صربي اغتصبها هو ثم جاء رجلان آخران لا تعرفهما واغتصبوها أيضا وذكرت سميرة أنها تعرضت الاغتصاب خلال أربعة أيام من السبع اليلي التي قضتها في المدرسة وكان ذلك دائما تحت تهديد السلاح في منتصف اليل، وذكرت “الفيرا زيمتش” سبعة عشر عاما أنها تعرضت للاغتصاب الجماعي ثلاثة مرات منها مرتان في المدرسة ومرة في شقة تناوب فيها خمس شبان صربيون الاعتداء عليها، وذكرت “سعيدة ايا نوفيتش” أن جميع النساء اللائي احتجزن في المدرسة وعددهن مائة امرأة اغتصبن” [9] .
وضمن وفد من السياسيين و الأطباء تم تشكيله بتكليف من الجماعة الأوروبية لتقص الحقائق في البوسنة والهرسك، قامت دكتورة “ليبي تانا” وهي أستاذة علم النفس بجامعة كوبنهاجن الدنماركية، بزيارة لبعض مدن وقرى البوسنة في يناير ( 1993م ) لجمع المعلومات الصحيحة عما تناقلته وكالات الأنباء من شيوع عمليات الاغتصاب لنساء المسلمين على أيد جنود الصرب، وقد تبين كما تقول د/ “ليبي” أن كل ما قيل صحيح، بل وتروي ما هو اكثر، حيث تؤكد أن الاغتصاب يتم بشكل منظم وبنفس الطريقة في كثير من الأماكن وفق تقسيم جغرافي، مما يدل على وجود نظام مرسوم يتبع، وأن المسألة ليست سلوكيات فرية ويستخدم الاغتصاب وفق للقرير الذي أعدته -/” ليبي ” كوسيلة للتعذيب، وقد تضمن التقرير بعض شهادات المجني علهن حيث اكدن أن المعتدين استخدموا السكاكين لإحداث جروح في أجسادهن قبل أو بعد اغتصابهن كعلامة مؤذية لفعل كريه [10] .
إن ما ذكر من صور وأمثلة لهو نموذج لجريمة الاغتصاب المصنفة ضمن الجرائم ضد الإنسانية التي أشارت إلها المادة ( 7 ) من نظام المحكمة الجنائية الدولية والتي ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق وبصورة منهجية ضد المسلمات في البوسنة والهرسك بواسطة الجنود الصرب.

3- التهجير “ابعاد السكان أو النقل القسري للسكان””
جريمة التهجير أو النقل القسري للسكان تعد من الجرائم ضد الإنسانية التي وردت بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الفقرة ( 1/ د) من المادة ( 7 ) وعرفتها الفقرة ( 2/ د) من نفس المادة وقد ارتكبت بصورة منهجية وفي إطار الهجوم الصربي الواسع الذي قام به الجنود الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك.
لقد تصاعدت أعمال العنف بصورة مذهلة واستعمال الصرب كل أنواع الأسلحة في حرب لم تشهد لها منطقة البلقان مثيلا، ففي خلال شهرين من بدء الحرب قتل أكثر من خمسين ألف مسلم، وغادر مائتا ألف مواطن مسلم مساكنهم هاربين من الموت الذي يلاحقهم على أيد الصرب ولم يمضي شهر أبريل 1992م إلا بعد قيام المخيمات ومراكز الإغاثة للهاربين من المسلمين في كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا وألمانيا والنمسا وتركيا وهولندا واستراليا ولقد هاجر عشرات الآلاف من مسلمي البوسنة والهرسك تحت ضغط الصرب الذين يفرضون عليهم إما ترك بلادهم والهجرة منها وإما قتلهم، وإما البقاء على شرط تنصيرهم على المذهب الأرثوذكسي، فالهجرة الإجبارية الواسعة تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها المسلمين بعمليات القتل والإبادة والوحشية أو التهجير ولقد مزقت الحرب العائلات المسلمة بين قتلى ومقاتلين ولاجئين، افترق الابن عن ابيه والزوجة عن زوجها وربما تجاوز الذين أرغموا على ترك منازلهم خلال أقل من سنة من زمن الحرب أكثر من مليون ونصف المليون من المسلمين [11] .
ونتيجة لهذه العمليات التي نفذتها القوات الصربية من طرد وتشرد لمن بق حيا من المسلمين في البوسنة بطريقة منهجية لأخلاء هذه البلاد من سكانها للاستيلاء عليها وكما تناقلتها وكالات الأنباء بأنه حتى ما قبل تاريخ 29/5/1992م تم تشريد نحو مليون مسلم من سكان “البوسنة والهرسك” ومن التقارير التي وردت لمجلس الأمن أن عمليات الطرد والعدوان تم على نطاق واسع حيث تشتت السكان في أكثر من إحدى عشر دولة اوروبية من دول الجوار فجمهورية “سلوفينيا” تأوي منهم ثلاثون الف نازح ومعظمهم من الأطفال وجمهورية “مقدونيا” تاوي مائة وثمانية وعشرون ألف نازح بينهم خمسة عشر ألف طفل، وفي المجر 45 ألف مسلم.وفي النمسا ثلاثين ألف مسلم لاجئ وفي إيطاليا خمسين ألف مسلم لاجئ وفي ألمانيا مائتا ألف مسلم وتركيا ألفان لجئوا إليها وكرواتيا ما يقارب من مليون مسلم، وقد روت “نهى كمال الدين” وهي طالبة جامعية شردت في مدينة “سراييفو” وطردت إلى حيث لا تدري أنهن خرجن بعد منتف اليل من “سراييفو” وكلهن من النساء والأطفال ورجال عجائز، مشيا على الأقدام لمسافات طويلة وكن يرين قذائف الصواريخ والمدفعية تضيء سماء “سراييفو” ويجدن صعوبة في السير بن المرتفعات والجبال يحملن حقائبهن على ظهورهن ومن بينهن عدد من النساء الحوامل [12] .
لقد جرت كل هذه الأحداث ولم تجد التدخل السريع من قبل المجتمع الدولي، وكانت الدول العظمى تكتفي بالقلق والتنديد فقط، وهذا ما يؤكد أنها تراعي مصالحها فقط، وأن الحرب على المسلمين في البوسنة والهرسك كان مخططا لها من الصرب بمباركة الدول العظمى.

4- السجن والحرمان من الحرية البدنية:
عن جريمة السجن والحرمان من الحرية البدنية إحدى الجرائم المنضوية تحت النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جريمة ضد الإنسانية وقد وردت في الفقرة ( 1/ ﻫ) من المادة ( 7 ) وقد مورست في البوسنة والهرسك بشكل فظيع من قبل الجنود الصرب عام 1992م واستمرت إلى عام 1995م وقد ذاق مسلمي البوسنة والهرسك مرارة الاعتقال والسجن والتعذيب في المعتقلات التي أعدت خصيصا لهذا الغرض ووثقت هذه الحالات في تقارير منظمات حقوق الإنسان ومنها ما يلي:
بعد سقوط مدينة “فكو فار” واستسلام المدنيين والعسكريين الذين تمت محاصرتهم سيقوا إلى معسكرات الاعتقال وقتل بعضهم، ثم تم اعتقال النساء كذلك وسيقوا إلى مراكز اعتقال في مدارس وصالات ملاعب رياضية وتم اغتصابهن كما كان هناك معسكر في “ترنيويوي” الصربي في شمال غرب البوسنة للاعتقال وقد كانت قوات الجيش والشرطة من الصرب يقومون بوضع سكان القرى والمناطق التي تسقط في أيديهم في هذه المعسكرات، وكانت هناك أربعة معسكرات اعتقال أخرى مورست فيها كافة أشكال التعذيب والاغتصاب يشكل مقصود ضد المعتقلين [13] .
وقد تحدث أحد المعتقلين عن الوضع داخل المعتقل فقال: المعتقل يتكون من غرفة ضيقة مساحتها ( 4×4 ) أمتار ويحشر في كل غرفة 45 معتقلا وينام الجميع على الأرض وقد مرت علينا أيام الشتاء ونحن لا نجد ما نفترشه ليقينا من برد الشتاء القارص أما الطعام فطيلة الشهور التي قضيناها لم يقدم لنا سوى الفاصوليا بعد طبخها بالماء ويتعمدون زيادة الملح في الطعام، وقد تسببت هذه الأوضاع داخل المعتقل إلى تفشي الأمراض الجلدية وأمراض السل والتيفويد كما كانت الصلاة ممنوعة داخل المعتقل ومن ضبط يصلي يصفى جسديا [14] .
ومن خلال الوقائع والإفادات التي وردت من داخل المعسكرات أعلاه، وما تم فيها من ممارسات لا إنسانية فإنها تشكل جريمة (ضد الإنساني) وينطبق عليها وصف الفقرة ( 1/ ﻫ) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية تماما.

5- الاضطهاد:
إن معنى الاضطهاد الوارد بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حسب الفقرة ( 2/ ز) من المادة ( 7 ) هو حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانا متعمدا أو شديدا من الحقوق الأساسية بشكل يخالف القانون الدولي، فعبارة الاضطهاد تواجه أي انتهاكات للحقوق الأساسية للمواطنين، حرم الشعب البوسني المسلم من حقوقه الأساسية في الحياة والحرية والمأكل والمشرب وحق تقرير المصير وقد تعرض جمع كبير من المسلمين إلى حملات إبادة وتنكيل وبطش ودمرت المساجد وحرموا من ممارسة شعائرهم الدينية وهجروا وذبح الكثير منهم ومنعوا الطعام والشراب مما يدل على أن جريمة الاضطهاد الموصوفة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية ارتكبت في حقهم تماما [15] .

6- الأفعال اللا إنسانية الأخرى:
أعلن مندوب الأمم المتحدة في سراييفو بتاريخ 16/ مايو /1992م أن الصرب يحتجزون أكثر من سبعين ألف طفل وامرأة من المسلمين وقد قاموا اقتل الأطفال الذين هم او ضحايا الحرب وأشدهم تأثيرا بها كما أصيب الكثير منهم بأمراض نفسية منها الاكتئاب والصرع وتم تشريد ستمائة وعشرين ألف طفل. وقد اعترف قائد القوات الدولية في البوسنة باستخدام الأطفال كدروع بشرية، كما تم استخدام الأطفال في تجارب معملية كما تم تنصير بعضهم [16] .
كما قامت مليشيات الصرب يوم 1/6/1992م بمحاصرة منطقة “زفروتك” وقبضوا على عدد من الشباب المسلم الذين لم يجدوا ما يدافعوا به عن انفسهم، وضربوا ضربا مبرحا ثم قاموا بتقطيع أطرافهم بالسواطير ثم أمروهم بالزحف وهم ينزفون وكان الذي يتوقف من الإعياء يقومن بقطع رأسه بالساطور ثم يلعبون برأسه الكرة وفي مدينة “ديوي” قامت المليشيات الصربية برش مبد حشري على ارغفة الخبز وأطعموها لأطفال المسلمين الذين أصابهم امراض رهيبة بسبب ذلك [17] .
عن هذه الأمثلة الواردة أعلاه من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك هي على سبيل المثال لا الحصر، وهي تعد من أبشع الجرائم التي ارتكبت في العالم، وقد صمت المجتمع الدولي ومجلس الأمن طول فترة الحرب، بل قام بإصدار امر منع السلاح لمسلمي البوسنة والهرسك والجماعات المتحاربة في حين أن روسيا استخدمت حق النقض لتأمين امدادات الوقود والذخائر والأسلحة على الصرب، وبعد أن نفذ الصرب كل خططهم تحرك المجتمع الدولي لإيقاف الحرب واتخذ مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم ( 808 ) في 22/ فبراير /1993م الذي يقضي بإنشاء محكمة دولية من أجل مقاضاة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني بيوغسلافيا السابقة منذ 1991م .

المطلب الثالث: المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة.

بعد مداولة الأحداث التي ارتكبت في البوسنة والهرسك وفي اطار ممارسة اختصاصاته المتعلقة بحفظ السلام والأمن العالميين قرر مجلس الأمن بمقتضى القرارين ( 808 ) لعام 1993م و( 817 ) لعام 1993م إنشاء محكمة دولية لمقاضاة الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وقد جاء إنشاء المحكمة كنتيجة طبيعية للأعمال اللا إنسانية والأفعال الإجرامية التي صاحبت تفكك الإتحاد اليوغسلافي السابق، فحصول هذه الدول على استقلالها وخاصة البوسنة والهرسك لم يتم إلا عبر ارتكاب الكثير من الجرائم البشعة التي ورد ذكرها سابقا كجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وطرد السكان من اراضيهم الاغتصاب المنظم للنساء البوسنيات وتدمير المنشآت ذات الطبيعة الثقافية كالمساجد والكنائس وغيرها من مواقع التراث الثقافي ومنع وصول الإمدادات الغذائية والمواد الطبية للمدنيين المحاصرين في المدن والقرى التي اعتبرها مجلس الأمن مناطق أمنة في البوسنة والهرسك [18] .
أساس إنشاء المحكمة :
استنادا إلى الفقرة ( 2 ) من القرار ( 808 ) كلف مجلس الأمن الأمين العام للأمم المتحدة بإعداد مسودة مشروع محكمة دولية جنائية خاصة بيوغسلافيا، السابقة، وأعرب الأمين العام في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن بأن المحكمة الدولية يجب أن تؤسس من قبل مجلس الأمن على أساس استخدام سلطات الفصل السابع، واستنادا إلى المادة ( 29 ) من ميثاق الأمم المتحدة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وبناء على ذلك صدر من مجلس الأمن في جلسته رقم 3217 بتاريخ 25/5/1993م القرار رقم ( 827 ) الذي تم بموجبه إقرار النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسلافيا السابقة [19] .

اختصاص المحكمة:

1- الاختصاص الموضوعي والشخصي للمحكمة:
حددت المادة ( 1 ) من النظام الأساسي للمحكمة على أن من سلطتها محاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي ارتكبت في يوغسلافيا السابقة، كما نص النظام الأساسي أيضا على المسؤولية الجنائية الفردية بما في ذلك رئيس الدولة بالنسبة بعض الانتهاكات المحددة التي ارتكبت خلال الاختصاص المؤقت للمحكمة وهذه الجرائم هي:
1- الانتهاكات الجسيمة لمعاهدات جنيف 1949م .
2- مخالفات قوانين وأعراف الحرب.
3- الإبادة الجماعية.
4- الجرائم ضد الإنسانية.
وقد كانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة تشمل عددا كبيرا من انتهاكات القانون الدولي الإنساني في اختصاصها لمكافحة كل الأطراف المتحاربة في يوغسلافيا [20] .

2- الاختصاص الزماني والمكاني للمحكمة:
حددت المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الاختصاص الزماني والمكاني للمحكمة، حيث يشمل الاختصاص الزماني الجرائم التي ارتكبت في يوغسلافيا السابقة منذ اليوم الأول من شهر يناير 1991م وحددت الاختصاص المكاني ليشمل إقليم جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية سابقا ويشمل مجالها البري والبحري والجوي [21] .
نص النظام الأساسي للمحكمة على تكوينها مشتملا على هيئتين أساسيتين: هيئة قضائية، وهيئة إدعاء، وتشكل هيئة القضاء من دائرتين للمحاكمة ودائرة للطعون وتتكون من أحد عشر قاضيا مستقلا يوزعون على هذه الدوائر على النحو التالي: ثلاثة قضاة في كل دائرة من دائرتي المحكمة، خمسة قضاة في دائرة الطعون وتقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بانتخاب قضاة المحكمة من قائمة يقدمها إليها مجلس الأمن، وما يميز هذه المحكمة اختيار القضاة عن طريق الانتخاب وتمتعهم بصفة الاستقلالية أما مكتب الإدعاء فيتكون من عدد من الموظفين يرأسهم مدع عام ويعين المدعي العام من قبل مجلس الأمن، بناء على ترشيح المدعي العام الأمم المتحدة، ويشترط فيمن يعين مدعيا عاما أن يكون على مستوى أخلاقي رفيع ولديه مستويات الخبرة والدراية في إجراء التحقيقات ومتابعة المحاكمات الجنائية، ويختار المدعي العام لمدة أربع سنوات يجوز تجديدها ويعاون المدعي العام في أداء مهام وظيفته عدد كاف من الموظفين يقوم بتعيينهم الأمين العام للعمل بوحدة التحقيق ووحدة المقاضاة أي تمثيل الاتهام [22] .

الاجراءات والأحكام:

تنقسم الإجراءات أمام المحكمة الدولية إلى ثلاثة مراحل هي:

1- إجراءات تسبق المحاكمة: وتتمثل في التحقيق الذي يجريه المدعي العام والذي نصت عليه المادة ( 16 ) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية، حيث يقوم المدعي العام بإجراء التحقيقات إما بحكم منصبه وإما بناء على معلومات يتم الحصول عليها من أي مصدر آخر. وقد توسع النظام الأساسي في تحديد المصادر التي يستطيع المدعي العام الاعتماد عليها في الحصول على هذه المعلومات فيجوز الحصول من الحكومات أو أجهزة الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الحكومية أو غير الحكومية ويكون للمدعي العام سلطة اجراء التحقيقات، واستجواب المتهمين والضحايا والشهود وجمع الأدلة والانتقال لإجراء التحقيقات في محل وقوع الجرائم المنسوبة إلى المتهمين [23] .

2- مرحلة المحاكمات: تبدأ المحاكمة بعد إحضار المتهمين أمام المحكمة ولتمكين المحكمة الدولية من مباشرة مهامها تفرض المادة ( 29 ) من النظام الأساسي على الدول واجب التعاون مع المحكمة في التحقيق مع الأشخاص وهذه المادة تتشابه مع المحكمة الجنائية الدولية في مجال التعاون الدولي وتقوم المحكمة بإصدار أوامر القبض بناء على طلب المدعي العام وتقوم بإجراءات المحاكمة كاملة بعد عرض المتهم عليها للمحاكمة وسماع البيانات وإصدار الحكم مع مراعاة الحقوق التي كفلها النظام الأساسي للمحكمة للمتهم وحقوق الشهود والمجني عليهم [24] .

3- إجراءات الاستئناف وإعادة النظر: تشتمل المحكمة على دائرة استئناف تتكون من ( 5 ) قضاة وتقوم الدائرة بالنظر في طلبات الاستئناف التي تقدم لها بالنسبة للأحكام التي تصدرها دائرتي المحكمة [25] .

4- تنفيذ الحكم: تنفيذ عقوبة السجن التي تقضي بها المحكمة يتم في الدولة التي تختارها المحكمة من بين الدول التي تعلن لمجلس الأمن استعدادها لقبول أشخاص مدانين، ويتم تنفيذ العقوبة وفقا للقانون المعمول به للدولة المختارة وتشرف المحكمة على تنفيذ العقوبة بالتنسيق مع قضاة الدولة المختارة، والملاحظ هنا اختلاف تنفيذ عقوبة السجن عما هو مبين في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تضع رغبة السجين ضمن بنود مكان تنفيذ الحكم إلى جانب موافقة الدولة التي ترغب في التنفيذ [26] .
فبالرغم من أن النظام الأساسي للمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة بين هياكل المحكمة وسلطتها بوضوح إلا أن هناك عقبات اعترضت أعمال المحكمة منها صعوبة القبض على بعض المتهمين وتقديمهم للعدالة وصعوبة الحصول على الشهود الذين يخشون من الانتقام الفوري ضدهم أو ضد أقاربهم وهذه هي العقبات التي تعترض المحكمة الجنائية الدولية لأن في شتى مناطق العالم، كما أن هناك انتقادات وجهت لهذه المحكمة حول تأسيسها الذي لم يتم بناء على قانون أو بواسطة معاهدة دولية متعددة الأطراف تحت رعاية الأمم المتحدة كما أن ميثاق الأمم المتحدة لم يمنح مجلس الأمن سلطة أو تفويض لإنشاء محاكم أو هيئات قضائية بموجب الفصل السابع كما أن بعض أعضاء مجلس الأمن الدائمين لم يؤيدوا فكرة إنشاء المحكمة فقد رآها البعض مجرد عرقله تحول دون الوصول إلى تسوية للنزاع كما رأى بعض الأعضاء انشاء المحكمة يجب أن يكون بواسطة الجمعية العامة الأمم المتحدة [27] .
من أوجه النقد التي قدمت للمحكمة أنها تستند في إنشائها إلى قرار مجلس الأمن، مما أنها تعتبر أحد الأجهزة التابعة للمجلس وبالتالي لا يتوافر لها الاستقلال الكافي والحيدة التامة أثناء قيامها بوظيفتها القضائية وإنما تتأثر بالظروف السياسية في المجتمع الدولي بصفة عامة ومجلس الأمن بصفة خاصة كما أن النظام الأساسي لها لم ينص إلا على عقوبة واحدة وهي عقوبة الحبس واستبعدت العقوبات الأخرى [28] .

المطلب الرابع: نماذج من المحاكمات التي تمت لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية بيوغسلافيا السابقة.

1-محاكمة المتهم: “روسكو تاديلي”
الإتهام: ارتكاب “أفعال غير إنسانية”
الوقائع:
تتعلق هذه القضية بأحد المقيمين الصرب في مقاطعة “برييدور”، بالبوسنة والهرسك وكان الجيش الصربي و”جيش جمهورية البوسنة والهرسك الصربية” قد سيطر على مقاطعة برييدور عام 1992م واحتجز آلاف المدنيين من غير الصربيين داخل معسكرات ضمن خطة ” الصرب الكبرى” لطرد السكان غير الصرب من للإقليم وخلال الاحتجاز، أخضع السجناء لعمليات ضرب واعتداء جنسي ولعمليات إعدام وبعد انتهائها من سماع أقوال الشهود، توصلت غرفة المحاكمة التابعة للمحكمة الخاصة بيوغسلافيا السابقة إلى قناعة لا محل فيها لشك معقول بأن المتهم “روسكو تاديلي” قد قام بعمليات ضرب مبرح وطعن وبتر لأعضاء جسدية لأشخاص من أصل غير صربي في معسكر “أوما دسكا” وأماكن أخرى، أوشارك في أعمال من هذه مما أدى إلى العديد من الوفيات، فوجدته المحكمة مذنبا ب “أفعال غير إنسانية” باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، ووجدته غرفة الاستئناف في المحكمة الخاصة بيوغسلافيا في وقت لاحق مذنبا أيضا.
الحكم:
السجن لمدة تتراوح بين ستة وعشر سنوات عن الاعتداءات المختلفة [29] .

2- محاكمة المتهم “ديلي ..وآخرين”
الاتهام:
أ- القتل العمد:
ب- الاغتصاب.
ج- التعذيب.
د- الأفعال اللا إنسانية.
الوقائع:
تتعلق القضية بأحداث وقعت في وسط البوسنة والهرسك عام 1992م عندما استولت قوات تابعة للحكومة الصربية على سلسلة من القرى واحتجز الأشخاص اللذين اعتقلوا أثناء العمليات في معسكر سجن سيلبيبي، حيث تعرضوا للقتل والاغتصاب والتعذيب إضافة إلى إساءة المعاملة. وكان المتهمون هم آمر المعسكر ونائب آمر المعسكر وحارس في المعسكر، بعد انتهائها من سماع أقوال الشهود، توصلت إحدى غرف المحاكمة إلى قناعة لا محل فيها للشك المعقول بأن المتهمين الثلاثة كانوا متورطين في سلسلة من الأعمال ضد ضحايا متعددين تشمل عمليات ضرب “أدت إلى عدة وفيات”
واغتصاب وأشكال أخرى من التعذيب وإساءة المعاملة، وأسهم الحارس ونائب الآمر في هذه الأعمال على نحو مباشر بينما اعتبر الآمر مسؤولا لسماحه لأشخاص تحت إمرته بارتكابها دون اتخاذ أي إجراءات تأديبية ضدهم ووجد أن المتهمين مذنبون على نحو متباين بـ “القتل العمد” لضربهم أربعة رجال ضربا مبرحا أدى إلى وفاتهم، بـ”التعذيب”، لاغتصابهم امرأتين على نحو متكرر، وارتكاب أفعال ضد ثلاثة رجال،بما فيها الضرب والخنق والحرق بغرض المعاقبة والترهيب، وحبس رجل آخر في منزل لا نور فيه لليل والنهار كاملين من دون هواء كاف ومن دون طعام أو ماء، بهدف تخويفه قبل استجوابه بـ”التسبب قصدا في معاناة عظيمة وأذى للبدن والصحة” و”المعاملة اللا إنسانية” لأفعال مختلفة شملت الضرب والحرق والصدمات الكهربائية وإجبار رجلين على الممارسة الجنسية عن طريق الفم أمام أنظار السجناء الآخرين وإجبار أب وابنه على ضرب بعضهما بعضا، ووجد أن المتهمين الثلاثة مذنبون أيضا بـ”التسبب في معاناة عظيمة أو أذى للبدن والصحة” لإخضاعهم نزلاء السجن لظروف اعتقال غير إنسانية بما في ذلك جو من الرعب ولعدم كفاية مياه الشرب والرعاية الصحية وسواهما من التسهيلات.
الحكم:
السجن لمدد تتراوح بين 15 و 20 عاما عن أعمال القتل والعمد، وبين 7 إلى 15 سنه عن أعمال التعذيب وبين 5 و 10 سنوات عن التهم المختلفة المتعلقة بالتسبب عن قصد في معاناة عظيمة أو إلحاق أذى خطير بالبدن والصحة ،والمعاملة اللا إنسانية [30] .

3- محاكمة المتهم “انتو فودوندزيا”
الاتهام:
1- التعذيب.
2- الاغتصاب.
الوقائع:
هذه القضية تتعلق برجل شغل منصب القائد المحلي لوحدة خاصة من الشرطة العسكرية التابعة لـ”مجلس الدفاع الكرواتي” كانت موجودة في البوسنة والهرسك عام 1993م عندما كان “مجلس الدفاع الكرواتي” يقاتل ضد قوات مسلحة أخرى في البلاد. وبعد انتهائها من سماع أقوال الشهود، توصلت إحدى غرف المحكمة الخاصة بيوغسلافيا السابقة إلى قناعة لا شك فيها بأنه بينما كان “الشاهدة أ” وهي امرأة و”الشاهد د” وهو رجل رهن الاستجواب من قبل المتهم قام باعتداء خطير على “الشاهد د” وباغتصاب “الشاهدة أ” بحضور “الشاهد د” الذي كانت تربطه بها علاقة صداقة ووجدت المحكمة “أنتو فوروندزيا” مذنبا بالتعذيب والاغتصاب والاعتداء المتكرر على الكرامة الشخصية.
الحكم:
1- السجن عشر سنوات للتهمة الأولى.
2- السجن ثماني سنوات للتهمة الثانية.
3- تطبيق العقوبات متزامنتين [31] .

المبحث الثاني
حالة إقليم دافور في جمهورية السودان.

تمهيد:
شكل الصراع القبلي في دار فور منعطفا أمنيا خطيرا للسودان من خلال أبعاده المختلفة، وآثاره السالبة على كافة الأصعدة فقد أخذ الصراع بعدا اجتماعيا واقتصاديا وتنمويا وسياسيا، ولم تقتصر آثاره السلبية على السودان فحسب، بل على الدول المجاورة له كجمهورية تشاد، وإفريقيا الوسطى اللتان ترتبطان به من خلال حدود جغرافية مفتوحة، وقبائل مشتركة متداخلة توجد لها أصول وفروع في تلك الدول، لذلك كان هذا الصراع على رأس أولويات المجتمع الدولي والإقليمي عربيا وإفريقيا. ولعل التدخل السافر لعدد من الدول العظمى، وبخاصة من الدول الغربية بحجة انتهاك حقوق الإنسان في الإقليم كان سببا أساسيا في تدويل الصراع بسرعة فاقت كل التصورات، فأصبحت دارفور تشكل اهتماما خاصا لمنضمات حقوق للإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمنضمات الإنسانية الأخرى، ومنظمات المجتمع المدني.
لقد أخذ الصراع بعدا إعلاميا خطيرا اتضح من خلال ما تناقلته القنوات الفضائية، وما قدم من تقارير لمجلس الأمن ولجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فاتجهت المنظمات إلى الإقليم لدراسة الآثار السالبة التي نجمت عن هذا الصراع من نزوح للسكان، صنف بعضها أنه “تطهير عرقي”، وارتكبت بعض الجرائم الفردية التي صنفت أنها جرائم “ضد الإنسانية”، ارتكبتها قبائل تقطن الإقليم لتصفية حسابات كانت متراكمة منذ مئات السنين تمثلت في جرائم قتل والنهب المسلح والاغتصاب والتهجير القسري للسكان.وسوف أستعرض في هذه الحالة أربعة مطالب :

المطلب الأول: التعريف بإقليم دار فور.
المطلب الثاني: وصف حالة وأسباب الصراع في الإقليم وآثاره.
المطلب الثالث: أنواع الجرائم ضد الإنسانية التي نجمت عن الصراع القبلي في دارفور.
المطلب الرابع: المعالجة الدولية لمشكلة الصراع المسلح في دارفور.

المطلب الأول: التعريف بإقليم دار فور

1- الموقع:
يقع الإقليم في أقصى غرب السودان بين خطي عرض 9°-20° شمالا وخطي طول 12°-27.13° شرقا وتقدر مساحتها الكلية حوالي ( 196.404 ) ميل مربع وهي تساوي خمس مساحة السودان، ويعتبر البوابة الغربية للسودان حيث توجد حدود مشتركة بينه وبين كل من ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى ويربط سكانه رباط اجتماعي من حيث القبائل المشتركة والتي تمتد داخل حدود هذه الدول [32] .

2- القبائل:
يعتبر الصراع بدار فور صراعا قبليا نجم عن النزاعات التي نشأت بين قبائله المختلفة لذلك فإن التركيبة القبلية للسكان تلعب دورا بارزا للعيش المشترك في هذا الإقليم الذي يتكون من قبائل تفوق المائة وخمسين قبيلة ومن المعروف أن قبيلة الداجو الإفريقية هي أقدم القبائل التي سكنت هذا الإقليم ثم هاجرت إليه في زمن متأخر قبيلة البقارة ذات الأصول العربية التي اختلط أفرادها بالسكان الأصليين فتوالدت قبائل أخرى ذات جذور عربية غلب على سحنتهم السواد مثل “المسيرية والرزقات والبني هلبه”، ثم استقرت قبائل عربية أخرى في شما دارفور يحترفون التربة، الإبل “كالزيادية وبني حسين وبني عمران والمحاميد” ثم قدمت إلى الإقليم قبائل لإفريقية مختلفة من شمال وغرب إفريقيا واستقرت به لوجود بيئة طبيعية وظروف مناخية تساعدهم في تربية الماشية فتمازجت هذه القبائل أيضا مع السكان الأصليين فتوالدت قبائل منها “الفور- التنجر- الزغاوة- البرتي- الهبانية- المعاليا- التعايشة- الميدوب- البرقو- الداجو- التامة- العريقات- الصليحاب- الهوارة- الجوامعة- البرنو” وهو خليط من القبائل التي يصعب تصنيفها ويمتهن سكان الإقليم الزراعة والرعي وهما الحرفتان السائدتان في الإقليم إلى جانب التجارة التي يعمل بها قليل من السكان [33] .

المطلب الثاني: وصف حالة وأسباب الصراع في الإقليم وآثاره.

يعتبر التنافس بين المزارعين والرعاة على موارد المياه الشحيحة والكلأ والأرض الصالحة للزراعة من الأسباب المباشرة التي أدت إلى توتر الأوضاع بالإقليم ولعل الجفاف والتصحر الذي ضرب منطقة الساحل الإفريقي والتحولات البيئية التي نجمت عنه أدت إلى انحسار نطاق الرعي والموارد المائية في الوديان والبرك إلى جانب الزيادة الكبيرة في عدد السكان الذي أدى إلى الزيادة في طلب الموارد التي تكفل لهم الحياة في الإقليم، كما أن هناك بعض الرعاة نزحوا إلى الإقليم من دول الجوار “كدولة تشاد” بفعل الحروب التي دارت رحاها هناك فوجدوا مرتعا خصبا لماشيتهم فزاد ذلك ضغطا على الموارد الشحيحة الموجودة بالإقليم والتنافس الحاد الذي تطور إلى نزاع مسلح وصراع بين القبائل التي تسكن الإقليم علما بأن قبائل الإقليم تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين المجموعة الأولى تضم القبائل ذات الأصول العربية وتعمل بالرعي والمجموعة الأخرى تضم القبائل ذات الأصول الإفريقية وتعمل بالزراعة، وقد أدى التغير الذي طرأ على الأوضاع بالإقليم إلى شح موارد الرعي والزراعة معا فأصبح التنافس على الموارد من العوامل التي أوقدت الشرارة الأولى للنزاع بين القبائل الرعوية التي كانت إبلهم وماشيتهم تتعدى على مزارع القبائل التي تمتهن حرفة الزراعة ويقوم المزارعون باحتجاز الإبل والماشية ولكي تتمكن القبائل الرعوية من حماية إبلهم وماشيتهم كونوا مجموعات مسلحة من الفرسان لحمايتها وبنفس الطريقة كون المزارعون فرسانا منهم لحماية مزارعهم وقبائلهم من هجمات فرسان الرعاة وقد ازداد الأمر سوء للانتشار واسع للسلاح المتطور الذي كان منتشرا بالإقليم منذ الحروب الكثيرة التي شهدتها دولة تشاد فنشأت مجموعتان رئيسيتان مسلحتان متنافستان للإقليم، المجموعة الأولى تضم قبائل “الميسرسة، المحاميد، الرزيقات” وتسمى بالقبائل العربية انبثقت منها مليشيات مسلحة تعمل كعصابات نهب عرفت “بالجنجويد” والمجموعة الثانية تضم قبائل “الفور، والزغاوة، والبرنو” وتعرف بقبائل الزرقة التي انبثقت منها مليشيات تعرف “بالطرابورا” فاحتدم الصراع واشتدت الحرب التي نتج عنها دمار كبير في بعض مناطق الإقليم حرقت فيه قرى بأكملها وأتلفت المزارع ونفقت الماشية والإبل ونزح عدد كبير من السكان إلى الدول المجاورة وعند تدخل قوات الشرطة والأمن قاومتها المليشيات الناشطة في الإقليم بما في حوزتها من سلاح متطور فلم تستطيع السيطرة عليها بل بدأت المليشيات تهاجم بعض مراكز الشرطة وتستولي على أسلحتهم ثم تحتمي بمناطق وعرة للإقليم ل يمكن الوصول إليها كمنطقة جبل مره التي أصبحت مركزا لتدريب المليشيات فدخلت الحكومة طرفا في الصراع وأصبح أفراد الشرطة والقوات المسلحة يتعرضون للهجمات من قبائل الزرقة التي اعتبرت أن الحكومة تساند القبائل العربية [34] .
استفحل الصراع أكثر في الإقليم مما أدى إلى نزوح عدد كبير من سكان الإقليم إلى الدول المجاورة وتجمعوا في معسكرات اللجوء وتسارعت المنظمات الدولية والبعثات الإنسانية نحوه بدعوى العمل الإنساني وغوث اللاجئين واندست بينهم عناصر الاستخبارات من الدول المعادية للعروبة والإسلام بصفة عامة كإسرائيل وبدأت تحرض الحركات المسلحة المتقاتلة على مواصلة القتال وتمدها بالمال والسلاح كما انتشرت أعمال التبشير والتنصير وسط النازحين فأصبحت توزع لهم الطعام مقابل التنصير وتنشر الأكاذيب علميا بشكل واسع وممنهج حول ما يجري وسط المعسكرات في وسائل الإعلام المختلفة لبذر بذور الفتنة وتوسيع الصراع فتكونت حركات مسلحة كحركة “تحرير السودان” وحركة “العدل والمساواة” اللتان دخلتا في الحرب مباشرة مع قوات الحكومة نجم عنها الكثير من الدمار والخراب بالإقليم فأخذ الصراع بعدا آخر هو تدويل القضية التي اعتبرت من أجندة مجلس الأمن الرئيسية التي اتخذ فيها عدة قرارات وصدرت عنها عدة تقارير من المنظمات العاملة بالإقليم تحوي الجرائم التي نجمت عن الصراع فبعضها وصفتها بالإبادة الجماعية والبعض الآخر بالتطهير العرقي والبعض الآخر صنفها ضمن الجرائم ضد الإنسانية [35] .

المطلب الثالث: أنواع الجرائم ضد الإنسانية التي نجمت عن الصراع القبلي في دارفور.

أفرز الصراع القبلي في دارفور جرائم عديدة ضد الإنسانية مثل القتل والترحيل القسري للسكان، والاغتصاب، وذلك حسب الادعاءات التي قدمتها المنظمات الدولية العاملة بالإقليم، والبلاغات التي قدمت عن بعض السكان للجهات العدلية الوطنية بالإقليم وإلى الحكومة المركزية في الخرطوم، وقد نوقشت تقارير المنظمات الدولية في أروقة مجلس الأمن وصدرت عنها عدة قرارات دولية تتعلق بوقف أعمال العنف في الإقليم، وتقدين الجناة إلى محاكمة عادلة بواسطة المحكمة الجنائية الدولية، لذلك سأطرق إلى الجرائم التي وصفت بأنها وقعت ضد الإنسانية في الإقليم وذلك من المصادر السودانية من خلال تقارير اللجان الوطنية، والبلاغات التي رصدت في سجلات الشرطة والأجهزة العدلية بالولاية ما أوردته التقارير الدولية.

1- القتل العمد:
أثارت عدة جهات اتهام بارتكاب جريمة القتل في حق المدنيين أثناء النزاع المسلح في دارفور وعلى سبيل المثال ورد اتهام من قبل مرصد حقوق الإنسان الأمريكية، ومنظمة العفو الدولية ووزارة العدل السودانية وبعض مواطني دارفور مثل د/حسن هو والشيخ حماد عبد الله من مواطني كتم والكاتب د/حسين آدم الحاج وما أثاره مسؤول منظمة إنقاذ الطفولة الأمريكية أمام مجلس النواب الأمريكي، وقد أقرت حكومة السودان ممثلة في وزارة العدل بحدوث جرائم قتل كما توصلت اللجنة الوطنية التي شكلها رئيس الجمهورية لتقصي الحقائق حول الجرائم التي نجمت عن هذا الصراع إلى حدوث جرائم قتل كثيرة في الإقليم أثناء الصراع المسلح بين الحكومة والأطراف المسلحة المختلفة أو بين الأطراف المتنازعة، كما أن اللجنة شاهدت بنفسها في ولايات دارفور الثلاث مقابر قتلى النزاع المسلح في دارفور [36] .
يعد القتل من الجرائم الخطيرة التي يعاقب عليها قانون العقوبات في السودان وفي غيره من البلاد، غير أن القتل يصبح جريمة “ضد الإنسانية” عن توفرت عناصر محددة سلف ذكرها في الفصل الأول من هذه الدراسة من بينها أن تكون أفعال الجاني أو الجناة في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجهة ضد أ مجموعة من السكان المدنيين وأن يكون الجاني أو الجناة على علم بأن أفعالهم أو سلوكهم يشكل جزء من ذلك الهجوم المنهجي الواسع على مجموعة من السكان المدنيين لذلك يتعين علينا أن نحدد إذا كان الهجوم منهجي واسع النطاق من قبل حكومة السودان ضد أي مجموعة مسلحة أو مجموعة ضد حكومة السودان أو بين المجموعات المسلحة.

1- زارت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها رئيس جمهورية السودان إقليم دارفور وهي لجنة قضائية شكلت برئاسة رئيس قضاء السودان الأسبق وعضوية آخرين واستجواب الأفراد والجماعات والمسؤولين بحكومات دارفور، ففي مدينة كتم أفاد شهود على اليمين أنه بتاريخ 1/8/2003م هاجمت عناصر المعارضة من الميليشيات المسلحة المدينة وقتلت عددا من القوات النظامية والمدنيين ودمرت حماية الجيش ومقر الشرطة ونهبت سوق مدينة كتم وقد ثبت أمام اللجنة أيضا قتل 18 من ضباط وجنود القوات المسلحة و 3 من المدنيين، أعقب ذلك هجوم آخر بتاريخ 5/8/2003م أفاد الشهود على اليمين أنه نفذ بواسطة مجموعة مسلحة سموها “الجنجويد” وقتل 24 شخصا وجرح آخرون، كما تم نهب وحرق متاجر بسوق كتم، والقرى المجاورة لمدينة كتم حيث قتل رجل وامرأة بقرية “فتابرنو” وستة آخرون بقرية “أمر الله” و 12 مواطنا بقرية “كدكدل”، وقد اتضح للجنة القضائية من الإفادات في الحالتين أن الهجوم تم على نطاق واسع في المدينة وبطريقة مخططة ما يثبت أن جريمة ضد الإنسانية بمقتضى الفقرة (أ /1 ) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد ارتكبت في مدينة كتم [37] .
2- في محلية مليط التي يقدر عدد سكانها 206000 نسمة ومعظمهم من قبائل البرتي والميدوب والزيادية ويمارسون الزراعة والرعي وتجارة الحدود ثبت للجنة من شهود على اليمين أن المعارضة المسلحة هجمت على مدينة مليط بتاريخ 11/5/2003م وقتل نتيجة ذلك 11 فردا من القوات النظامية واثنين من المدنيين ومدير الجمارك بالمنطقة ودمرت حامية القوات المسلحة ونهبت البضائع والعربات بمحطة الجمارك، كما استمعت اللجنة القضائية لعدد ( 15 ) شاهدا على اليمين في مدينة الفاشر وأفادوا بأن المعارضة المسلحة هجمت على المدينة بتاريخ 21/7/2003م وقتل نتيجة ذلك اثنان من قوات الشرطة واثنان من المدنيين، كما نهبت ودمرت الوحدات الحكومية وبتاريخ 27/2/2004م تحركت القوات المسلحة مدعومة بقوات الدفاع الشعبي ونفذت عمليات حربية قتل فيها ( 13 ) مواطنا بمنطقة طويلة تسعة منهم بالقرب من منطقة جيلي. كما استمعت اللجنة إلى شهود من القوات المسلحة والمواطنين أفادوا علة اليمين أن المعرضة المسلحة هاجمت مدينة الفاشر بتاريخ 25/4/2003م وقتل في الهجوم ( 72 ) من ضباط وجنود القوات المسلحة وفقد ( 32 ) جنديا وكان ذلك الهجوم الشرارة التي أشعلت النزاع المسلح بين جميع الأطراف على نطاق واسع وفي قرية “سانيا دليبه” حدث نزاع مسلح بين القبائل التي تسكن المنطقة واستمعت اللجنة لشهادة مواطنين أفادوا على اليمين أن قرية “سانيا دليبه” وما حولها من قرى تعرضت لهجوم من قبائل عربية قتل فيه ( 18 ) مواطنا، وفي مدينة كأس أفاد الشهود على اليمين أن مجموعات عربية مسلحة أشاروا إليها باسم “الجنجويد” هجمت على قرى المنطقة وقامت بقتل ( 26 ) شخصا في قرى تيرنقو، نبقاية، بدو، ساني، وقتل 6 أشخاص بقرية ناما، وقتل ثلاثة أشخاص من القبائل العربية مما أدى إلى هجوم على قرية شطاية بتاريخ 2/4/2004م وقرية كايلك بتاريخ 11/2/2004م أدى إلى قتل عدد كبير من المواطنين حسب شهادة الشرتاي محمد سراج إدريس بالإضافة إلى ( 400 ) شخص قتلوا بقرية كايلك بسبب الأوبئة ونقص الغذاء الناتجة عن الحصار الذي فرضته المجموعات المسلحة العربية، وفي مدينة كلبس بلغ عدد القتلى من المدنيين ( 87 ) من القوات النظامية قامت بها مجموعة مسلحة أغلبها من قبيلة الزغاوة [38] .
ومن خلال ما ورد في تقرير اللجنة الوطنية من إفادات أخذتها من الشهود على اليمين يتضح أنه في إطار هجوم واسع النطاق تم حدوثه من قبل مجموعات مسلحة من قبائل عربية، والقوات المسلحة والدفاع الشعبي قتل عدد كبير من المواطنين، ومن القوات المسلحة، ومن المعارضة، ومن المرجع أن الهجوم تم بتخطيط مسبق وأن كل من اشترك فيه يعلم الغرض منه، وأن السلوك في تنفيذ الهجوم كان منظما مما يشكل أفعاله جرائم ضد الإنسانية ينطبق عليها ما ورد في الفقرة (أ /1 ) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

2- جرائم الاغتصاب:
راج الحديث عن جرائم الاغتصاب في وسائل الإعلام العالمية واتهمت مجموعة الأزمات الدولية كل من حكومة السودان والمليشيات باختطاف ست عشرة طالبة بمنطقة طويلة بولاية شمال دارفور، كما أفادت منظمة مرصد حقوق الإنسان الأمريكية في تقريرها الصادر بتاريخ 7/2/2004م أنه تم اغتصاب وممارسة العنف الجنسي مع ثلاث وتسعين فتاة بمنطقة طويلة ولم يذكر الاتهام أسماء المجني عليهن، وقد ورد في تقرير المنظمة إن الاغتصاب والعنف الجسدي ارتكبه أفراد من القوات المسلحة وبعض المليشيات كما ورد الاتهام في تقارير منظمة العفو الدولية، كما أثارت لجنة محامي دارفور نفس الاتهام غير أنها لم تحدد عددا ولم تذكر أسماء [39] .
زارت اللجنة الوطنية منطقة طويلة بتاريخ 13/9/2004م واستمعت إلى عدد كبير من الشهود من بينهم الضابط الإداري إسماعيل عمر حسين والمواطن أحمد عبد المولى، ورئيس وحدة الشرطة الرائدة وليد الشريف الإمام مؤيدين إفادات هؤلاء الشهود أنه بتاريخ 28/2/2004م تم اغتصاب عدد من النساء بمنطقة طويلة، وحسب إفادة الشاهد أحمد عبد المولى أنه أثناء تجمع عدد كبير من الرجال والنساء خارج قرية جيلي بالقرب من طويلة حضر شخصان يمتطيان جوادين وأخذ اثنين من البنات هما فتيحة ادريس وحواء جمعة واغتصباهما أمام ذلك الجمع بعد صربهما طلبت اللجنة الحضور من جميع النساء اللائي تعرضن للاغتصاب او العنف الجنسي للمثول أمامها لأخذ إفادتهن فمثل أمام اللجنة أربع نساء هن: المواطنة حواء جمعة عمرها 13 سنة من قرية نامي، فتيحة إدريس عمرها 15 سنة من قرية جيلي، نادية عبد الرحمان حسن عمرها 16 سنة من قرية حلة كلمة، ومريم أدم متزوجة وتسكن طويلة، كما استمعت اللجنة للشهود إبراهيم محمد صالح العمدة، العمدة محمد عثمان سام، اسماعيل أبكر حسن، ووالد إحدى البنات المغتصبات بالإضافة للنساء اللائي مثلن أمامها، وكانت إفادة النساء أنهن تعرضن لاغتصاب واستعانت اللجنة بالطبيب رائد شرطة عبد العظيم حسين والذي أفاد بعد إجراء الكشف الطبي أن هناك مؤشرات لممارسات جنسية مع المذكورات وبنا على ذلك شكلت وزارة العدل السودانية ثلاث لجان كل لجنة مكونة من قاضية ومستشارة قانونية وضابطة شرطة للتحري والتحقيق في جرائم الاغتصاب وقد حققت اللجنة التي شكلها وزير العدل بعد سماع المجني عليهن وبعد عرضهم على الأطباء وتوصلت إلى النتائج الآتية:
1- مفهوم الاغتصاب لدى بعض النساء بدارفور يعني إخراجهن من ديارهن عنوة وبالقوة والتعامل معهن بشدة وقوة وضربهن وقد اتضح ذلك من أقوال النازحات بالمعسكرات.
2- إن بلاغات الاغتصاب بلاغات تتم بصورة فردية وليست نتيجة لعمليات جماعية.
3- إن معظم بلاغات الاغتصاب مسجلة ضد مجهول.
4- جميع بلاغات الاغتصاب تحدث خارج المعسكرات.
5- عند زيارة بعض المعسكرات اتضح أن جرائم الاغتصاب مجرد ادعاءات وإشاعات وأن جميع النساء بالمعسكرات سمعن بها مجرد سماع.
استعرضت اللجنة الوطنية “القضائية” المكلفة بالتحقيق تقرير منظمة العفو الدولية بتاريخ 8/5/2004م بشأن جرائم الاغتصاب في دارفور نسب إلى بعض اللاجئات السودانيات التقت بهن المنظمة في تشاد وأن الإفادات التي وردت بالتقرير كانت سماعية.
وبما أن الاغتصاب كجريمة ضد الانسانية حسب معايير القانون الدولي كما ورد في المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يتطلب عنصر إيلاج الذكر في فرج أو دبر امرأة بالإكراه وأن يتم الاعتداء الجنسي بالقوة وهذه هي نفس عناصر الاغتصاب في قانون العقوبات السوداني غير أن ما يميز جريمة الاغتصاب كجريمة ضد الإنسانية أن ترتكب أفعال الاغتصاب بطريقة واسعة لإذلال أهل المغتصبات ويتم ذلك بعلم من يرتكب جريمة الاغتصاب.
يتضح من خلال ما ذكر أن الإفادات التي وردت أمام اللجنة في أحداث طويلة بدارفور ونتائج التحقيق لا تبين دليلا يثبت أن جرائم الاغتصاب تمت بطريقة واسعة وبتخطيط من مجموعة معينة ضد مجموعة أخرى، ولقد أثبت التحقيق أن جرائم اغتصاب حدثت في ولايات دارفور ولمن ليس بالصورة والعدد الذي أشاعته أجهزة الإعلام والمنظمات التي كتبت في هذا الشأن ولما يقدم من أسباب تقرر اللجنة أن جرائم الاغتصاب قد ارتكبت ويتم محاكمتها أمام القضاء المختص بالسودان وأنها لا تشكل جرائم ضد الإنسانية وفقا لما ورد في تعريف جريمة الاغتصاب في تعريف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية [40] .

3- جرائم التطهير العرقي:
عرف التطهير العرقي بصفة عامة بأنه يعني ترحيل جماعة عرقية أو جماعة تتحدث لغة واحدة أو يغلب فيها ثقافة معينة من رقعة ارض استقرت فيها قانونيا وإن يتم التطهير قسرا لتحل محل جماعة اخرى تختلف عن تلك المجموعة ثقافيا أو لغويا أو دينيا، والتطهير العرقي لا يختلف عن التهجير قسري وقد قررت المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة التي ورد اختصاصاتها في حالة البوسنة والهرسك بهذا البحث بأن التطهير العرقي يشكل جريمة ضد الإنسانية كما قد ورد الاتهام بالتهجير القسري في تقرير مرصد حقوق الإنسان الأمريكية بتاريخ 7/6/2004م بادعاء تهجير أكثر من 36 قرية في ولاية غرب دارفور كما اتخذت بعض التقارير نزوح سكان قرينة على النزوح القسري.
لقد أفاد تقرير لجنة تقصي الحقائق الوطنية ان اللجنة زارت مدينة كاس بدارفور وقد ثبت لها أن بعض مجموعات من القبائل العربية هجمت على منطقة ابرم وعلى وجه التحديد قرى “مرايه، وأمشوكة”، وهي منطقة بها أراضي خصبة ومياه وقد وقع الهجوم عام 2002م وأعقبه الاحتلال لهذه المنطقة بعد إجلاء سكانها الفور بالقوة ومازالت المجموعات العربية تسكن بالمنطقة وتزرع أراضيها وقد أقر معتمد كاس بهذا الادعاء، كما وردت عدة اتهامات بأن عددا من القرى تم حرقها فهرب أهلها منها وقد وردت هذه الادعاءات في تقارير شتى حيث أفادت منظمة مرصد حقوق الإنسان الأمريكية بتاريخ 7/7/2004م أنه في ولاية جنوب دارفور ثم حرق ( 21 ) قرية كذلك أفاد الشرتاي محمد بشار أمام اللجنة أن عدد ( 200 ) قرية بواد صالح قد تم حرقها كما ادعت مجموعة حقوق الإنسان السودانية أن عدد ( 435 ) قرية ثد تم حرقها وقد ثبت للجنة تقصي الحقوق أن ما تم في منطقة كاس من ترحيل لسكان قري أم شوكة ومراية بلا وجه يبيحه القانون الدولي والمحلي وأن عملية نزوح قبائل الفور من تلك المناطق تم بالقوة، وتنطبق جريمة “النقل القسري” على هذه الوقائع لذلك ترى اللجنة أن هذه الجريمة ضد الإنسانية تم ارتكابها في تلك القرى [41] .
المطلب الرابع: المعالجة الدولية لمشكلة الصراع المسلح في دارفور.
أصدر مجلي الأمن الدولي القرار رقم ( 1593 ) بخصوص قضية دارفور بالسودان بتاريخ 31/3/2005م وجاء في ذلك القرار ما يلي:
1- عن مجلس الأمن، يحيط علما بتقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في دارفور وإذ يشير إلى المادة ( 16 ) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي لا يبدأ بموجبها تحقيق أو إقامة دعوى أو الشروع فيها بواسطة المحكمة الجنائية الدولية لمدة 12 شهرا بعد طلب مجلس الأمن.
2- يقرر بأن الوضع في السودان ظل يشكل تهديدا للأمن والسلم العالميين وعملا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يقرر إحالة الوضع في دارفور منذ 1 يوليو 2002م إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية.
3- يقرر المجلس بأن الدول التي ليست في نظام روما الأساسي ليست ملزمة بالنظام فإنه يحث كل الدول والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية على التعاون الكامل.
4- يقرر المجلس أن المواطنين مسئولين حاليين أو سابقين أو موظفين من دولة مساهمة خارج السودان لم تكن طرفا في نظام روما الأساسي سيكونون خاضعين للسلطة القضائية الحصرية لتلك الدولة مقابل كل الأفعال المزروعة أو الإسقاطات الناشئة عن العمليات أو ذات الصلة بالعمليات في السودان صادق عليها المجلس او الاتحاد الإفريقي ما لم تتنازل تلك الدولة المساهمة عن مثل هذه السلطة القضائية الحصرية.
5- يدعو المدعي العام لمخاطبة المجلس خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تبني هذا القرار ذلك ستة أشهر في ما بعد حول الإجراءات المتخذة وفقا لهذا القرار.
6- يشجع المجلس المحكمة على أن تقوم حسب الاقتضاء وفقا لنظام روما الأساسي، بدعم التعاون الدولي بجهود داخلية لتعزيز سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان ومكافحة الإفلات من العقاب في دارفور [42] .
ويتضح جليا من خلال الاضطلاع على القرار أن هناك بعض التناقضات التي وردت بنصوص القرار أدت إلى رفضه من قبل حكومة السودان فقد أعرب السودان عن استنكاره للقرار ووصفته بأنه “غير عادل وغير حكيم وينم عن ضيق أفق” وذلك حسب تصريح وزير الدولة الخارجية السودانية واعتبر ان المحاكم السودانية قادرة على محاكمة المشتبه في ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وإذا ثبت عدم كفاءة العدالة السودانية فغن الحكومة ستلتزم بقرار مجلس الأمن وتحيل القضايا للمحكمة الجنائية الدولية كما وصفت منظمات حقوق الإنسان القرار بأنه تاريخي ولكنها شنت هجومها على حظر المحكمة الدولية محاكمة المواطنين الأمريكيين وقد وصف متحدث باسم منظمة العفو الدولية قرار استثناء المواطنين الأمريكيين بأنه “غير مقبول بالمرة” وأضاف المتحدث “عن القرار مثال على ازدواجية معايير العدالة ويناقض ميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة روما والقوانين الدولية الأخرى وكانت الولايات المتحدة قد رفضت القرار في وقت سابق حتى لا يحاكم به مواطنين امريكيين بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ووافقت عليه بعد أن تلقت ضمانات من الأمم المتحدة بعدم ملاحقة أي مواطن امريكي من قوات حفظ السلام امام المحاكم الدولية لذلك نجد أن القرار وفر حماية واضحة الأشخاص التابعين للولايات المتحدة الأمريكية فلن يكون المواطن الأمريكي الذي يدعم العمليات في السودان خاضعا للتحقيق أو إقامة الدعوى بموجب هذا القرار، وبذا يكون القرار خالف المادة الثانية من الفقرة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة “المساواة بين الدول” وذلك بإحالته مواطنين سودانيين إلى المحكمة الجنائية الدولية في حين اوجد نفس القرار حماية للمواطنين الأمريكيين المشاركين في العمليات أو الداعمين لها بالسودان. كما أن الانتقاد الآخر الذي وجه للقرار من جانب حكومة السودان هو ان السودان ليس عضوا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والانتقاد الآخر هو أن الأولوية في المحاكمات للقضاء الوطني حسب نظام المحكمة الجنائية الدولية فإن عجز القضاء الوطني او تهاون في المحاكمات فيمكن أن تتدخل المحكمة الجنائية الدولية [43] .
كما انه من خلال النقد الذي وجه للقرار أعلاه يتضح لنا ما ذكر في الفصل الثالث عن خطورة سلطة مجلس الأمن على المحكمة الجنائية الدولية في الإحالة الذي اتضح أنه يتناقض مع النظام الأساسي للمحكمة في هذا القرار كما أن ميمنة الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن جعل أعضاء المجلس يمنحونها استثناءات عن الملاحقة القضائية لمواطنيها إرضاء لها حتى لا تستخدم حق “النقض” وهذا ما ظلت تخشاه دول العالم الثالث والتي رفضت التوقيع على النظام الأساسي للمحكمة وهذا يطبق حاليا من قبل مجلس الأمن في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين والولايات المتحدة في العراق من جرائم ” ضد الإنسانية” تهدد الأمن والسلم ومجلس الأمن يغض الطرف عنها وهذا اختلال واضح في ميزان العدالة سواء كان من جانب مجلس الأمن أو من جانب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي منح مجلس الأمن هذه السلطة الخطيرة [44] .

الـخـاتـمـة :

تشتمل هذه الخاتمة على أهم النتائج التي احتوى عليها البحث وكذلك التوصيات والمقترحات التي خرجت بها هذا البحث:
أولا- النتائج :
إن اهم النتائج التي يمكن أن نستخلصها من هذه الدراسة تتمثل في الأتي:
1- إن الاهتمام الكبير الذي أولاه مشرعو وشراح القانون الدولي الإنساني لتطوير مفهوم الجرائم ضد الإنسانية يعود لخطورتها، وانتشارها مؤخرا في كثير من بلدان العالم، وما خلفته من دمار وكوارث أصابت البشرية وهزت الضمير الإنساني.
2- عن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وبخاصة المادة ( 7 ) منه هو اهم ما توصل إليه المشرعون في القانون الدولي الجنائي الإنساني، وهي جماع الاتفاقيات الدولية التي سبقت إقرار النظام الأساسي.
3- بالرغم من الشمولية التي يتسم بها النظام الأساسي إلا أنه يشتمل على عدد من الثغرات أهما ما يلي:
‌أ. التوصيات والتفسير لمفهوم الجرائم ضد الإنسانية يتسم بكثير من الغموض، وبخاصة الفقرة ( ل/1/7 ) التي تحدثت عن الجرائم اللا إنسانية حيث وردت بصورة عامة ولم تحدد هذه الجرائم.
‌ب. سلطة مجلي الأمن بخصوص الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية وكذلك السلطة المتاحة للمجلس في ايقاف التحقيق الأمر الذي يشكك في ثقة الدول نحو المحكمة، وكذلك من واقع التدخلات السياسية وقرارات مجلس الأمن من بعض الدول الكبري ذات العضوية الدائمة في المجلس.
‌ج. إن التعامل بمعايير مزدوجة التي يمارسها مجلس الأمن يحول دون تطبيق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في بعض مناطق النزاعات المسلحة والجرائم الواضحة ض الإنسانية في العالم مثل ما يحدث في فلسطين المحتلة من قبل إسرائيل، والجرائم التي ترتكبها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وأفغانستان، بينما تأخذ حالة إقليم دارفور حيزا واهتماما كبيرا في مجلس الأمن ولجنة حقوق الإنسان.
4- إن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لم يفرد نصا لرعاية وتعويض ضحايا الجرائم ضد الإنسانية من غير المجني عليهم كاللاجئين والأطفال غير الشرعيين الذين يولدون نتيجة الاغتصاب كما حدث في البوسنة والهرسك بممارسات جماعية ومنهجية.
5- من أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن العامل الأساسي في تأجيج الصراعات في عدد كبير من البلدان في العالم الثالث والتي تنجم عنها الجرائم ضد الإنسانية هو غياب التنمية وانتشار الفقر.
6- بالرغم من عدم ورود مصطلح الجرائم ضد الإنسانية، نصا في الشريعة الإسلامية إلا أن كل الجرائم التي وردت بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تحرمها الشريعة الإسلامية بنصوص واضحة في القرآن الكريم والسنة النبوية واجتهادات الأنظمة.
7- إن عدم الأخذ بعقوبة الإعدام في الجرائم ضد الإنسانية المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لا يتناسب مع خطورة بعض الجرائم كالإبادة القتل والترحيل القسري للسكان مما يدل على أن التشريع الجنائي الإسلامي كان أكثر جدية وعمقا في الحد من الجرائم ضد الإنسانية.
8- رفضت بعض الدول الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية والتوقيع على نظامها الأساسي خشية التدخل في شؤونها الداخلية، ويخشى بعضها أن تطال المحاكمات جيوشها التي ترتكب المجازر والفظائع كما هو الحال لما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية في بعض مناطق العالم.
9- هناك عدة صعوبات توجه تنفيذ إجراءات القبض والحضور للمتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في بعض مناطق العالم نظرا لإحجام بعض الدول التي رفضت التوقيع او المصادقة على المحكمة الجنائية الأمر الذي يفقد المحكمة مصداقيتها المطلوبة، ويعوق عمل المحكمة الجنائية الدولية وتعويض المجني عليهم.
10- من ناحية ثانية فإن صعوبة الحصول على الشهود تشكل ثغرة اساسية في استكمال الاجراءات القانونية، وذلك لخشية الشهود من الانتقام من فبل الجماعات المسلحة التي ترتكب الجرائم ضد الإنسانية. وبالتالي تحول دون المصداقية المطلوبة لعمل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والحد من شهادات الثبوتية القاطعة حيث يرجع المدعي العام إلى البيانات السماعية.
11- اعتماد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مناطق الصراع يؤثر في تحقيق العدالة. وذلك لأن بعض هذه المنظمات ذات توجيهات سياسية، وبعضها يعمل في التبشير والتنصير، وبعضها الآخر له اطماع وأجندة استراتيجية في بعض مناطق الصراع، كما أن عدد آخرا من المنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية المبرأة من الشبهات الموصوفة تفتقر إلى معرفة بوقائع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمناطق التي تنشط فيها وتقع في أخطاء فادحة في تقريرها في تقييم الأحداث.
12- اهتم الإسلام منذ بداية البحث المحمدية باحترام كرامة الإنسان وإنسانيته ومبدأ المساواة بين جميع الشعوب في العالم.

13- في كثير من الصراعات التي حدثت في العالم نجد أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة لا تتحرك بالسرعة المطلوبة لاحتواء هذا الصراع، بل تتأخر في التحرك حتى يستفحل الصراع وتكثر الجرائم ضد الإنسانية الناجمة عته وخير مثال ما حدث في البوسنة والهرسك من جرائم إبادة وقتل كان تأخر الأمم المتحدة لحسم الصراع عامل أساسي في التمادي والاستمرار في ارتكاب مثل هذه الجرائم.
14- إن الجرائم التي أفرزها الصراع القبلي في دارفور تحرمها الشريعة الإسلامية والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وقد دمر هذا الصراع النسيج الاجتماعي والثقافي في الإقليم.
15- بالرغم من دعوى الإسلام للمساواة ونبذ القبلية والعصبية وحثه على الالتزام بروابط الأخوة نجد أن النزاعات والصراعات التي نجمت عنها جرائم ضد الإنسانية أساسه قبلي، وعرقي خاصة في لإقليم دارفور الذي تنتشر فيه القبائل ذات الأعراق المختلفة العربية الإفريقية.
16- عن انتشار الأمية والتخلف وضعف الوعي الديني يفرز الثغرات العصبية التي تؤدي إلى الصراع، وبالتالي يؤدي إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
17- إن انتشار السلاح وحيازته بين المواطنين والمتاجرة فيه من الأسباب الرئيسية التي تؤجج الصراع المسلح الذي ينتج عنه افظع الجرائم ضد الإنسانية.
18- إن منهج الشريعة الإسلامية في درء النزاعات والصراعات والحروب الأهلية لهو الأمثل والتمييز الذي يجب اتباعه لحسم النزاعات التي تنشأ بين الدول، الإسلامية أو داخلها.
19- إن إشراق قضاة المحكمة الجنائية الدولية على تنفيذ حكم السجن في الجرائم ضد الإنسانية داخل سجون الدول المنفذة يعتبر تدخلا في شؤون الدول ويتعارض مع لوائح ونظم السجون الداخلية.
20- عن التماس رغبة المحكوم عليه في الجرائم ضد الإنسانية في الدول التي ينفذ فيها الحكم يجعل المحكوم عليه يمارس شعائره الدينية ومعتقداته بيسر ويحفظ له حقوقه في زيارة أسرته له دون تكاليف باهظة وعناء شديد.
ثانيا- التوصيات والمقترحات :
1- الدعوة إلى مؤتمر علمي تشارك فيه الأجهزة القضائية والعدلية والشرطية بالدول العربية تناقش فيه الجرائم ضد الإنسانية على ضوء ما ورد في الشريعة الإسلامية والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسد الثغرات الموجودة في النظام الأساسي والتواصل إلى حلول ومقترحات لها على هدى الشريعة الإسلامية.
2- إنشاء محكمة إقليمية عربية تنضوي تحت لواء الجماعة العربية وتكون مماثلة للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الجرائم ضد الإنسانية تفصل في مثل هذه الجرائم بعد عجز القضاء الوطني الفصل فيها ثم بعد ذلك يكن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية في حالة فشل المحكمة الجنائية الإقليمية.
3- وضع برنامج دعوي بواسطة بعض الهيئات والمنضمات الإسلامية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي او رابطة العالم الإسلامي وسط شعوب الدول الإسلامية التي تنتشر فيها الأمية والتخلف وتكثر فيها النعارات القبلية والعصبية للتوعية ونبذ الفتن والصراعات التي تؤدي إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
4- إنشاء آلية إقليمية لفض النزاعات داخل الدول العربية قبل استفحالها وتدويلها، وانتشار الجرائم الناجمة عنها وتفكك النسيج الاجتماعي جرائها.
5- التمسك بالشريعة الإسلامية والحكم بما انزل الله في المنازعات التي تحدث بين المسلمين.
6- تأهيل المحاكم الوطنية وتدريب قضاتها وجعل الجرائم ضد الإنسانية من اولوياتها الإسلامية في القضاء، وذلك تفاديا للتدخلات الدولية ولجوء المجني عليهم للمحكمة الدولية أو مجلس الأمن الدولي.
7- ضرورة تجريم الجرائم ضد الإنسانية في التشريعات الوطنية للدول ونشر مفهومها وسط المواطنين، وخاصة منفذي القوانين وسط مناطق النزاعات المسلحة والحروب التي لا يرتكبوها بحجة تنفيذ الأوامر الصادرة لهم.
8- السعي لاتخاذ كل الوسائل الممكنة لحث الدول غير الموقعة على نظام المحكمة الجنائية الدولية، وبخاصة تلك التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية أو إلزامها بطريقة، أو أخرى لاحترام المبادئ السامية التي قامت من أجلها المحكمة الجنائية الدولية، والسعي لإقناعها بالانضمام إليها.
9- دعوة جامعة للدول العربية والمؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي لحث الدول الكبرى لعدم التداخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية.
10- الدعوى إلى وضع قواعد وإجراءات واضحة وملزمة لجميع المنظمات والهيئات غير الحكومية التي تنشط في البلاد العربية والإسلامية لعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول واحترام الخصوصيات والعادات والتقاليد السائدة فيها.الدعوى إلى احترام القوانين الجنائية والمحاكم الوطنية لمعالجة القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في دولها.
دعوة الدول لتوخي الحذر والدقة في استعمال القوة العسكرية، وبخاصة سلاح الطيران والمدفعية الثقيلة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية لتحاشي الأضرار بالمدنيين الآمنين.
[1] – أحمد، محمد عبد القادر: مأساة البوسنة والهرسك، ص 18.

[2] – المرجع السابق، ص 12.

[3] – أنظر: الإمام، محمد فاروق: البوسنة والهرسك، شلال دم يتدفق، (دار عمار للنشر، الأردن، عمان، ط.1، 1993م)، ص 103.

[4] – عوض، محمد محي الدين: جرائم الصرب والكروات ضد شعب البوسنة والهرسك تكييفها والمحاكمة عنها دوليا (المجلة العربية للدراسات الأمنية، المركز العربي للدراسات الأمنية الرياض، السعودية، العدد 12، محرم 1414ﻫ)، ص 13.

[5] – خليفة، عبد الباقي: البوسنة حرب الإبادة مستمرة، (دورية الحرس الوطني، الرياض، السعودية، العدد 148، 1415ﻫ)، ص 26.

[6] -فلورانس، هارتمان: جرائم الحرب في البوسنة، http:www.Crimesofwar.orglarabic
Castewapat htm-22/11/1428, page 1.

[7] – الهادي، علي محمد: دورية الرابطة الإسلامية (مكتبة الملك فهد، الرياض، السعودية، العدد 333، ربيع الثاني 1413ﻫ)، ص 14.

[8] – الطيار، علي بن عبد الرحمان: انتهاكات حقوق الإنسان في البوسنة والشيشان، (مكتبة التوبة، الرياض، السعودية، ط.1، 1422ﻫ)، ص 139.

[9] – الإمام، محمد فاروق: البوسنة والهرسك، شلال دم يتدفق، ص 102.

[10] – الطيار، علي بن عبد الرحمان: انتهاكات حقوق الإنسان في البوسنة والشيشان، ص 141.

[11] – المرجع السابق، ص 152.

[12] – الفرماوي، عبد الحي: تاريخ ومذابح المسلمين في البوسنة والهرسك، (دار الاعتصام، القاهرة، مصر، د.ط، د.ت)، ص 114.

[13] – حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية، ص 561.

[14] – المجلي، محمد: الصرب يقتلون المسلمون قدر عدد قتلاهم، (مجلة الحرس الوطني، الرياض، السعودية، عدد 157، ربيع الآخر 1416ﻫ- سبتمبر 1995م)، ص 33.

[15] – الطيار، علي بن عبد الرحمان: انتهاكات حقوق الإنسان في البوسنة والشيشان، ص 99.

[16] – المرجع السابق، ص 150.

[17] – المرجع السابق، ص120.

[18] – هنداوي، حسام محمد: المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسمية في يوغسلافيا السابقة، (مجلة الدراسات الدبلوماسية، مكتبة الملك فهد، الرياض، السعودية، عدد 13، 1418-1998م)، ص 157.

[19] – السيد، مرشد أحمد.. الهرمزي، غازي أحمد: القضاء الدولي الجنائي، (دار الثقافة للنشر، عمان، الأردن، ص.1، 2004م)، ص17.

[20] – هنداوي، حسام محمد: المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، ص 189.

[21] – القهوجي، علي عبد القادر، القانون الدولي الجنائي، ص 280.

[22] – المرجع السابق، ص 182.

[23] – أنظر: المادة (16) من النظام الأساسي المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة.

[24] – أنظر: المادة(29) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

[25] – م(5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة.

[26] – هنداوي، حسام محمد: المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، ص 215.

[27] – بسيوني، محمد شريف: المحكمة الجنائية الدولية، ص 57.

[28] – القهوجي، علي عبد القادر، القانون الدولي الجنائي، ص 289.

[29] – تقرير: منظمة العفو الدولية، لمكافحة التعذيب، 20/1/2003م.

[30] – المرجع السابق.

[31] – المرجع السابق.

[32] – عبابنة، سليم: تاريخ السودان، (مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، السعودية، ط.1، 1996م)، ص 24.

[33] – محمد، التجاني مصطفى: الصراع القبلي في دارفور (مطابع السودان للعملة، الخرطوم، السودان، ط.1، 1999م)، ص 28.

[34] – أنظر: حقار، علي أحمد: البعد السياسي للصراع القبلي في دارفور، (مطبعة جامعة الخرطوم، الخرطوم، السودان، د.ط، 2003م)، ص 13.

[35] – أنظر: تقرير مركز الراصد للدراسات حول قضية دارفور، الأبعاد المحلية والدولية وآفاق الحل، (مطابع السودان للعملة، الخرطوم، السودان، 2005م)، ص 39.

[36] – تقرير اللجنة الوطنية: لتقصي الحقائق حول الإدعاءات بانتهاك حقوق الإنسان في دارفور،(الخرطوم، 2005م)، ص71.

[37] – أنظر: النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، م( 7 ).

[38] – أنظر: تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الادعاءات بانتهاك حقوق الإنسان في دافور، ص 75.

[39] – أنظر: تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الادعاءات بانتهاك حقوق الإنسان في دارفور، ص 75.

[40] – أنظر: المرجع السابق، ص 83.

[41] – تقرير اللجنة الوطنية، ص85.

[42] – قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1593 بشأن دارفور.

[43] – انظر: أبو الخير، السيد مصطفى أحمد: أزمات السودان الداخلية والقانون الدولي المعاصر، (ايتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط.1، 2006م)، ص 162.

[44] – أنظر: أبو الخير، السيد مصطفى أحمد: أزمات السودان الداخلية والقانون الدولي المعاصر، (ايتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط.1، 2006م)، ص 162.