دور العوامل الأسرية في غرس ثقافة العنف عند الأطفال (العنف المدرسي أنموذجا)

 

د. فرحات نادية، أستاذة محاضرة (أ) بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة حسيبة بن بوعلي، الجزائر

ملخص

يتغلغل فعل العنف، عبر نماذجه المختلفة في ميادين الحياة الخاصة والمجتمعية والدولية، فإن العنف ينبثق من الأخر، فإن تأثير بروز العنف في المجال الشخصي لأفراد على زيادة وتعزيز نزعة العنف عندهم ونقل ممارستها إلى المجال المجتمعي العام والى المستوى العالمي.

Abstract Violence, through its various models in the fields of private, community and international life, permeates violence. The impact of violence in the personal sphere of individuals increases and strengthens their tendency to violence and transfers their practice to the community and to the global community.

مقدمة
تعتبر المدرسة المؤسسة الاجتماعية الثانية بعد الأسرة التي تقوم بتنشئة الطفل وتهذيبه وتوجيهه تربويا وأخلاقيا حتى تنتج فردا صالحا وواعيا اجتماعيا، إلا أن الملاحظ للمحيط المدرسي أن هناك ظواهر انتشرت بسرعة بين أعضائها وفي مختلف اتجاهات علاقاتها، ومن أخطرها: ظاهرة العنف المدرسي التي عرفت انتشارا مذهلا بين التلاميذ والمعلمين وبين التلاميذ فيما بينهم. ولمعرفة أسباب الظاهرة وعوامل انتشارها وأهم آثارها على الفرد والمجتمع جاءت المداخلة بعنوان ” واقع العنف في المدرسة الجزائرية”.

فما مفهوم العنف والعنف المدرسي؟ وما أشكاله؟

ـ ما هي عوامل انتشاره؟

ـ ما هي عوامل انتشاره؟

ـ وما هي النتائج المترتبة عن هذه الظاهرة؟

أولا: مدخل لظاهرة العنف:

مفهوم العنف المدرسي:” مجموع السلوكات العدائية غير المقبولة اجتماعيا والتي من شأنها أن تؤثر سلبا على النظام العام للمدرسة سواء مورست داخل حرم المؤسسة التربوية أو خارجه”.

ويعرف أيضا على ” أنه عنف ملموس مادي ويتمثل في التخريب داخل الفصول الدراسية، وفي ساحات المؤسسات التعليمية والمشاجرة بين المعلمين فيمابين، ومع الأطر التربوية، والمشرفين على التسيير الإداري “.

ـ” هو عنف محسوس معنوي كالتهكم والسخرية والاستهزاء والشتم والتحريض على الفوضى والعصيان والتمرد وإثارة المشاكل.

ـ يعرفه الأخصائي النفسي ” عبد الرحمان العمري على أنه ” ممارسة نفسية أو بدنية أو مادية يمارسها أحد أطراف المنظومة التربوية وتؤدي إلى إلحاق الضرر بالمتعلم أو المعلم أو بالمدرسة ذاتها “.1

ويعرف أيضا على أنه كل تصرف يتخطى حدود النقاش والحوار إلى استخدام القوة الجسدية أو اللفظية داخل المحيط المدرسي.

كما عرفها آخرون على أنها نقيض للتربية السليمة وهدر لكرامة الشخص وتهميش الآخر والحط من قيمته وإنسانيته وبالتالي هي تولد إحساس بعدم الثقة وتدني مستوى الذات وتكوين مفهوم سلبي خاطئ لدى الفرد.

ويعتبر العنف في بعض الأحيان وسيلة لتحقيق التفوق، وفي أحيان أخرى يعد وسيلة لتحقيق الكنف وفي أحيان يعد وسيلة للمقاومة، وفي أحيان أخرى يعد وسيلة للهيمنة والضبط والسيطرة.لهذا يوجد ثلاثة أشكال من العنف المدرسي وهي:

عنف ممارس من قبل التلاميذ ضد بعضهم.

عنف موجه من قبل المعلمين لتلاميذهم.

عنف موجه من قبل التلاميذ لمعلمهم والطاقم التربوي وكل شكل يحقق هدف أو غاية وهو وسيلة لتحقيق غاية.

وتعتبر الإساءة للأطفال عنفا ممارسا عليهم حيث يرى جلGill :

” أن إساءة معاملة الطفل هي استعمال القسوة والعنف المتعمد وليس العارض أو نتيجة الصدفة من أي جهة تتولى رعاية الطفل سواء أكان الوالدين أم المؤسسات أو الأشخاص وذلك يهدف إنزال الضرر بالطفل أو عرقلة نموه نموا سليما “.1

ثانيا: أسباب العنف

هناك عدة أسباب متداخلة ساهمت في انتشار ظاهرة العنف يمكن حصرها فيما يلي:

1-عوامل مدرسية

-قسوة المعلمين واستخدام العقاب.
-تسلط الإدارة المدرسية .
-ممارسة المعلمين للعنف.
-ضيق المساحة التي توتر الأطفال والتلاميذ.

ـ إهمال وقت النشاطات والنشاطات التربوية وميولات التلاميذ.
ـ استخدام الأسلوب التقليدي في التعليم.
ـ عدم وضوح القواعد التطبيقية المقبولة من المرفوضة.
ـ عدم احتواء المدرسة على عدد كافي من المرافق الضرورية.

2-عوامل أسرية:

ويمكن حصرها فيما يلي :

-أساليب التنشئة الأسرية الخاطئة (التسلط، التفرقة والتميز بين الأبناء،القمع الفكري، الإهمال، القسوة).
-عدم الاستقرار الأسري وظهور الصراعات والخلافات الزوجية.
-فقدان الحنان نتيجة الطلاق أو الهجر
-ضيق السكن وكثرة أفراده.
-عدم تحقيق حاجات الأطفال خاصة المادية منها.

3- أسباب مجتمعية:

– ثقافة المجتمع: وما تعبر عنه القيم التقليدية وطرق التفكير وأساليب الحياة المجتمعية وكذا الثقافات الغريبة.

– الجو أو المناخ السياسي والاقتصادي غير مستقر في المجتمع.

-ـ الفقر وما يولده من شعور بالظلم والإحباط.

4- وسائل الإعلام:

ساهمت وسائل الإعلام في نشر ثقافة العنف عند الأطفال من خلال البرامج التي تبثها خاصة البرامج الخاصة بالأطفال من مسلسلات كارتونية التي تدور كلها حول الصراع والحروب واستخدام القوة وهذا ما أثر وبشكل كبير في شخصية الطفل الذي أصبح يمثل تلك الأدوار التي شاهدها وخزنها في فكره وذهنه.

أنواع العنف الأسري ضد الأبناء:

1ـ الإهمال: ويعتبر أحد أشكال إساءة معاملة الطفل وأكثرها خطورة على نفسيته ولقد عرفت منظمة الصحة العالمية الإهمال الذي يتعرض له الطفل في النقاط التالية:1

عدم الاهتمام بالصحة العامة للطفل ويشتمل على الحرمان من الرضاعة وإهماله في حالة مرضه.

الاهمال في المظهر العام ( النظافة والملبس) للطفل .

عدم الاهتمام بدوافع الطفل وإشباع حاجاته الطبيعية.

إهمال الطفل في مواقف اللعب وخصوصا المرافق التي تتطلب مشاركة الآخرين.

إهمال تعليم الطفل منذ الطفولة.

وهذا ما يؤشر على فشل الولدين في رعاية الأبناء.

استخدام العنف البدني بالضرب وحتى الإصابات بالأذى.

ثالثا:خصائص الأسرة المعنفة

تشير بعض الدراسات إلى أن الآباء المدمنين على تعاطي المخدرات هم الأكثر ممارسة للعنف ضد الأبناء كما ” خبرات الطفولة المسيئة لدى الآباء تؤثر في إساءة معاملة أطفالهم لأن هذه الخبرات الصدمية المؤلمة التي تعرض لها الآباء في الطفولة ترتبط بانخفاض تقدير الذات “

كما أن الأولياء في هذه الأسر يفكرون بأسلوب الكل أو لا شيء وهذا يعني أنه لا توجد الوسطية والواقعية في الفكر.

فقد أشارت الدراسات أن الآباء الذين يسوؤون إلى أبنائهم لديهم نقص في مهارات حل المشكلات وقصور في التفكير، وعدم تفهم لحاجات الأطفال وأسلوب تنشئتهم وتوجيههم بشكل سليم.

كما تلعب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية دورا كبيرا في دفع الآباء إلى الإساءة للأبناء، فقد أكدت الدراسات أن هناك علاقة بين البطالة وممارسة العنف ضد الأطفال، فقر الأسرة يجعلها

رابعا: الأسباب التي شجعت على زيادة العنف.

إن عدم التبليغ بممارسة العنف على الأطفال من قبل الأسرة ترجع إلى عدة أسباب يمكن تلخيصها فيما يلي:

الخوف من الجهة المعنفة.

2ـ التهديد: في حالة تهديد المعتدي الطفل وأهله إذا أخبروا الشرطة بالقتل والانتقام …الخ.

لا يمكن للطفل في كثير من الأحوال الإبلاغ عن أهله خوفا من أن يطرد ويعاقب بشدة أكثر.

ليس من السهل التبليغ عن الوالدين لما يحمله الطفل لهما من قيمة عاطفية واجتماعية

الخوف من العار والفضيحة التي قد تلحق بالأسرة إن تعرض الابن إلى العنف خاصة العنف الجنسي.

عدم وجود قوانين وضعية تمكن من الحد من مثل هذه الظواهر.

ابتعاد المجتمعات عن المنهاج السليم في تربية الأبناء.1

خامسا: العنف المدرسي.

تفشي ظاهرة التسرب من التعليم.

انهيار الصورة الاعتبارية للمعلم.

اكتساب الطلاب مفهوم العنف كسلوك تربوي.

التفاعل المؤثر مع المناهج التعليمية وزوال الاستفادة منها بزوال المسبب لمعلولة استيعابها.

عدم القدرة على اكتشاف مواهب الطلاب وقدراتهم.

زوال القوة التعليمية.

التسرب وانحراف التلاميذ.

أضرار العنف المدرسي:

توليد الكره للمدرسة وللمعلم.

تنامي الكره بين الطلبة بسبب العنف.

تعطيل سير العملية التربوية.

تغييب أسلوب الحوار والنقاش في المحيط المدرسي.

نتائج العنف المدرسي:

أولا:على المجال النفسي السلوكي:

تشجيع ردة الفعل بالعنف المضاد كتحطيم الأثاث المدرسي مثلا.

2ـ الكذب: يتخذ التلميذ الكذب وسيلة هروب.

3ـ الخوف: الخوف من المدرسة ومن التعليم.

العصبية والتوتر وغياب الاطمئنان والأمان النفسي.

التمارض كوسيلة للتغيب عن المدرسة.

تكوين مفهوم سلبي عن الذات وعن الآخرين.

كما ” تظهر لديهم أعراض الاكتئابية والانسحاب الاجتماعي والعزلة الاجتماعية وأفكار تدميرية وتفكيكية “1

آثار ممارسة العنف على الطفل.

1ـ النتائج السلوكية:

يعاني الأطفال المعنفين من الخجل المفرط والخوف وظهور الأنماط السلوكية المرفوضة اجتماعيا داخل المدرسة وخارجها، كما تظهر بعض السلوكيات الأخرى كفقدان الشهية أو السمنة وغيرها من المظاهر.

2ـ النتائج الاجتماعية:

إن الطفل المعنف لا يستطيع تكوين علاقات اجتماعية لأنهم ” يجدون صعوبة في التفاعل الاجتماعي مع الآخرين… ويظهرون نقص في الكفاءة الاجتماعية وفي القدرة على الامباثية أو التعاطف”.1

أستراليا:قال وزير التربية في استراليا سنة 2009 أن مستويات العنف في المدارس مرتفعة، فقد تم فصل 55000تلميذ من المدارس ثلثهم بسبب ممارستهم للعنف الجسدي داخل المدرسة، أما في فرنسا فقد أعلن الوزير عام 2000 أن 39 مدرسة من أصل 75000 تعاني من العنف بدرجة خطيرة و300 مدرسة كانت تعاني من العنف بعض الشيء أما في اليابان فقد وصل العنف إلى مستويات عليا حيث بلغت عام 2007 52762 حالة و7000 هم من المعلمين، أما في مصر فقد نشر في جريدة الشروق اليوم : 19ـ10ـ 2010 وجود 14 ضحية و6 حالات انتحار و16 حالة عنف من المدرسين ضد التلاميذ و15 حالة عنف من أولياء التلاميذ ضد المعلمين .

أما في الجزائر فقد صرخ مدير الأمن العمومي عيسى نايلي أنه تم تسجيل 90 حالة عنف خلال الأشهر الست بالمؤسسة التربوية أسفرت عن 230 ضحية و99متورط والعنف الجسدي واللفظي هو الأكثر انتشارا في الأوساط المدرسية.

ففي دراسة قامت بها الدكتورة بكوش أمال مختصة نفسية على 300حالة من العنف المدرسي وجدت 51 تتعلق بالعنف اللفظي ضد الأساتذة و30 ممن مارسوا التخريب وتكسير الأثاث،و29 ممن اعتدوا على أساتذتهم، و40 منها داخل المؤسسةالتربوية و60 خارجها.

الخاتمة

تعتبر الأسرة المؤسسة الأولى التي يتلقى الفرد فيها القواعد الأولى لتهذيب السلوك وغرس القيم والعادات، والطفل هو الحلقة التي تربط الأسرة بالمجتمع، ينقل ما تعلمه من أسرته إلى المجتمع الخارجي، والمدرسة هي أول المؤسسات التي ينقل اليها سلوكاته وأفكاره وثقافته المكتسبة عن طريق السنة الاجتماعية بشكل قصدي أو غير قصدي.

فعنف الطفل ما هو إلا تعبيرا عن العنف الذي تلقاه من أسرته، بمختلف الأساليب التي استخدمها الآباء في تعاملهم مع الأبناء، وانعكس ذلك بشكل تلقائي على الحياة المدرسية للأبناء في علاقته مع زملائه من جهة وعلاقته مع معلمه من جهة أخرى، ومع الهيكل البنائي من جهة ثالثة.

فسلوك العنف في لمدرسة هو تعبير عن حالة اللامعيارية في المدرسة الجزائرية التي أصبحت تتسم طريقة تواصلها بأفرادها بأسلوب عنيف بأشكاله المتعددة وهي الصورة التي تربى عليها الفرد وأنشئ في ضوئها.

قائمة المصادر والمراجع

رجاء، مكي، سامي عجم، أشكالية العنف، العنف المتسرع والعنف المدان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،لبنان،2008.
حسين توفيق إبراهيم،ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية،ط1،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت 1986.
الزيم عباس عمارة،مدخل إلى الطب النفسي،ط1، ادرأه الثقافة للنشر والتوزيع،بيروت 1986.
بلقاسم سلاطنية، ساميو حميدي، العنف والفقر في المجتمع الجزائري،دار الفجر للنشر والتوزيع،الجزائر،2008.
مديحة احمد عبادة،خالد كاظم أبو دوح، العنف ضد المرأة دار الفجر للنشر والتوزيع، 2008.
كاظم وليا أغا،علم النفس الفيزيولوجي،دار الأفاق الجديدة،لبنان، 1980.
طلعت إبراهيم لطفي، دارسات في علم الاجتماع الجنائي، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2008.
محمود الطواب، علم النفس الاجتماعي، جامعة الإسكندرية، مصر، 2007.
نقلا عن:محمد صابل الخضر حمادنه، دور الإدارة المدرسية في الحد من ظاهرةالعنف في المدارس الأردنية، المجلة الدولية التربوية المحصصة، المجلد 3،العدد7، 2014..
نقلاعن:طه عبد العظيم حسين،سكولوجية العنف العائلي والمدرسي،دار الجامعة الجديدة،الإسكندرية،2007.
مبروك بوطقوقة، العنف الممارس ضد الأطفال في المجتمع:aranthropos.com
1نقلا عن:محمد صابل الخضر حمادنه، دور الإدارة المدرسية في الحد من ظاهرةالعنف في المدارس الأردنية، المجلة الدولية التربوية المحصصة، المجلد 3،العدد7، 2014، ص57.

1نقلاعن: طه عبد العظيم حسين، سكولوجية العنف العائلي والمدرسي،دار الجامعة الجديدة،الإسكندرية،2007،ص170.

1 طه عبد العظيم، مرجع سابق، ص 199

1مبروك بوطقوقة، العنف الممارس ضد الأطفال في المجتمع: www.aranthropos.com

1طه عبد العظيم، مرجع سابق، ص 204.

1طه عبد العظيم، نفس المرجع، ص 207.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت