دلالة المنقول في المال محل جريمة السرقة

المؤلف : فاضل عواد محميد الدليمي
الكتاب أو المصدر : ذاتية القانون الجنائي

لا يقصد بالمنقول المعنى الذي يحدده القانون المدني بأنه: “كل شيء يمكن نقله وتحويله دون تلف، ويعتبر عقاراً بالتخصيص المنقول الذي يضعه مالكه في عقار مملوك له رصداً لخدمة هذا العقار أو استغلاله”(1).

فالقواعد الجنائية الموضوعية قد حددت مدلول المنقول في تعريفها لجريمة السرقة بأنها: “اختلاس مال منقول لغير الجاني عمداً، ويعتبر مالاً منقولاً لتطبيق أحكام السرقة النبات وكل ما هو متصل بالأرض أو مغروس فيها بمجرد فصله عنها والثمار بمجرد قطفها والقوى الكهربائية والمائية وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى”(2)، من هذا فإن مدلول المنقول في القانون الجنائي يقصد به كل ما يمكن نقله من مكان إلى آخر بفعل الجاني، أي إخراجه من حيازة إلى أخرى ولو كان عقاراً وفقاً لمدلول القانون المدني، فيعد منقولاً في نظر القانون الجنائي العقار بالاتصال أو العقار بالتخصيص، فيكون سارقاً من يختلس الأبواب والنوافذ إذا انفصلت عن المبنى، وكذلك من يختلس أدوات زراعية خصصها مالك الأرض لخدمة أرضه(3).

وعلى هذا النحو إن القانون الجنائي يعطي للمنقول مدلولاً أوسع من القانون المدني، فلا يُخرج من عداد المنقولات ومن نطاق السرقة غير المال الثابت في موضعه الذي لا يتصور رفعه من ذلك الموضع كقطعة أرض أو بناء في مجموعة(4)، وبالتالي لا تقع عليها جريمة السرقة لأن التشريعات الجنائية متفقة على أن محل السرقة مال منقول، فلا يتصور وقوعها على عقار ثابت لا يمكن نقله حتى لو أُتلف.

إلا أن هناك من يذهب(5) إلى أن العبرة في تحديد معنى المنقول والعقار بالقواعد المقررة في القانون المدني مع ملاحظة أن المقصود به في جريمة السرقة هو المنقول بطبيعته، فالعقارات بالتخصيص هي منقولات بطبيعتها يصح أن تكون محلاً للسرقة، والمنقولات بحسب المآل هي عقارات بطبيعتها واغتصاب حيازتها بحالها لا يعد سرقة ومع هذا لا يمنع جواز السرقة منها. وينطوي هذا الرأي على تناقض، فله إما أن يرتضي بالاحتكام إلى قواعد القانون المدني في تحديد معنى المنقول والعقار أو أن يترك ذلك للقانون الجنائي الذي يجعل محل السرقة هو المنقول بطبيعته، فتحفظه بالقول بأن محل السرقة هو المنقول بطبيعته هو إقرار صريح بحد ذاته بذاتية القواعد الجنائية الموضوعية(6).

وبناءاً على ذلك يتبين بأن القانون الجنائي الموضوعي (القواعد الموضوعية) له أحكامه ونظرياته التي يصيغها مع ما يتلاءم مع غايته وأهدافه الذاتية غير مكترث لأحكام القوانين الأُخر التي تحمي مصالح خاصة قد تصطدم بالمصلحة العامة التي يسعى المشرع الجنائي إلى حمايتها، فاختلاف المدلول لمصطلح أخذ به القانون الجنائي وقانون آخر غير جنائي يفضي إلى الاختلاف في الأحكام والآثار التي تترتب عليه، وهذه نتيجة لأزمة ومنطقية لما يتمتع به القانون الجنائي الموضوعي من ذاتية خاصة تستند إلى فلسفة خاصة كانت هي المسوغ لتشريعه ووجوده.
___________
1- ينظر: المادة (62/2) والمادة (36) من القانون المدني العراقي.
2- ينظر: المادة (439) من قانون العقوبات العراقي.
3- حيث قضت محكمة النقض المصرية بأن “الحكم المطعون فيه إذا اعتبر اختلاس الأبواب والنوافذ والأخشاب سقف منزلي المدعين بالحق المدني سرقة يكون قد اقترن الصواب، ويضحى معنى الطاعن في هذا الصدد على غير أساس”، نقض 3 ديسمبر 1980، مجموعة أحكام محكمة النقض، س31، رقم 204، ص1059.
4- في تفصيل ذلك ينظر: د. فوزية عبد الستار، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة 2000، ص699-705، د. شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، دار النهضة العربية، القاهرة 1992، ص833-834، د. ماهر عبد شويش الدرة، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، المكتبة الوطنية، جامعة الموصل 1997، ص269، د. عبد العظيم مرسي وزير، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، جرائم الاعتداء على الأموال، دار النهضة العربية، القاهرة 1993، ص30-35، د. عوض محمد عوض، دراسات في فقه القانون الجنائي الإسلامي، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، (بلا سنة طبع، ص58-66.
5- ينظر: د. حسن محمد أبو السعود، قانون العقوبات المصري (القسم الخاص)، ج1، مطابع رمسيس، الإسكندرية 1950-1951، ص464، أشار إليه السيد يس السيد، المرجع السابق، ص204.
6- ينظر: السيد يس السيد، ذاتية قانون العقوبات، المجلة الجنائية القومية، المجلد السابع، العدد الثاني، 1964، ص204.