دراسة وبحث قانوني هام عن صعوبات تحد من مردودية المفوض القضائي

من إعداد الأستاذ سعيد القرشي مفوض قضائي لدى المحكمة الابتدائية بالجديدة

رئيس المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين الجديدة

بسم اللـه الرحمان الرحيم .. و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ..

في البداية ، اسمحوا لي ، أن أتوجه بالشكر الجزيل ، لكل من ساهم من قريب أو بعيد في تنظيم هذه الندوة العلمية ، التي تخدم جانب التكوين و التعلم في شخص الإنسان ، كي ينمو ويسمو ويرتفع ، وإني لآمل أن يرتفع يوما ما تنظيم الندوات العلمية ، وحضورها بالمحاكم وكل المهن المرتبطة بالعدالة ، إلى فرض وإلزام بدل الإرادة و الاختيار ، للحاجة الماسة للتكوين ، و التكوين المستمر، للأجيال المتعاقبة على إدارة العدل بالوطن ، و قد وجه لذلك ، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره اللـه بمناسبة ترؤسه بتاريخ 29 يناير 2003 بالقصر الملكي بأكادير افتتاح السنة القضائية 2003 بقوله ”… ولأن تأهيل العدالة رهين بالتكوين الجيد للقضاة ، وبتحسين الوضعية المادية للقضاة المبتدئين والأعوان القضائيين … وبموازاة مع ذلك ، فإننــا ننتظر من حكومــة جلالتنــا أن تسرع بتفعـيـل ما يوفره إصلاح نظـام التعليم والتكويـن الجامعــي و القضائي ، من إمكانيات الانفتاح والشراكة ، لتامين تكوين عصري ومتين لقضاتنا ، ولكل المهن المرتبطة بالعدالة .. ” .

وبخصوص الموضوع الذي اخترت المشاركة به في هذه الندوة ” صعوبات تحد من مرد ودية المفوض القضائي ” ارتأيت تناوله من خلال المباحث التالية :

المبحث الأول : الرهانات التي عقدت على مهنة المفوض القضائــــي .

المبحث الثاني : عوائق حالت و تحول دون المردود الجيد لمهنة المفوض القضائي .

المبحث الثالث : الحلول المقترحة .

و ذلك ، تماشيا مع المدة الزمنية المحددة ، و ليكون فاتحة البحث و الرأي و الرأي الآخر، فالإلمام بكل جوانبه يحتاج إلى تأليف كتب ..

المبحث الأول : الرهانات التي عقدت على مهنة المفوض القضائي :

من المعلوم أن الظهير الشريف بمثابة قانون المؤرخ في 15 يوليو 1974 والمتعلق بالتنظيم القضائي ، قد أحدث كتابة مكلفة بالضبط بمحاكم المملكة )وتتكلف هذه الكتابة باستخلاص

الرسوم القضائية ، وضبط الحسابات ، وإنجاز الإجراءات المسطرية التي يأمر بها القاضي ،

//2//

وإعمال الإنذار والإثبات والتبليغ والتنفيذ والتسييرات القضائية ..( وبذلك تقوم كتابة الضبط بمهام قبل الجلسة وأثناء الجلسة وبعد الجلسة . وبالتالي تقوم بمهام داخل المحكمة و بمهام خارج المحكمة . ورغم المجهودات التي بذلتها وزارة العدل على مستوى التكوين والتحفيز لأطرهذه الكتابة ، لضمان نجاح هذه الازدواجية في العمل – عمل داخل المحكمة وعمل خارج المحكمة – لم تكلل بالنجاح، واعترفت وزارة العدل في شخص السيد وزيرالعدل في إحدى مذكراته بالقول : ” في النظام القضائي المغربي شكلت صعوبة تبليغ الاستدعاءات وكذا الأحكام والقرارات و الأوامر وتنفيذها ، إحدى الأسباب الأساسية والكبيرة في إضعاف فعالية القضاء وعطائه ، وتدني ملحوظ لنتائج وآثار عمله على مستوى ضمان حقوق المواطن والمتقاضي وعلى مستوى مردوديته في المجتمع الذي يعتبر الجهاز القضائي إحدى أسباب توافقه وانسجامه و أمنه واطمئنانـه … وبعد ست سنوات من تطبيق قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 ، فكر المشرع في خلق مهنة حرة توكل إليها مهام التبليغ والتنفيذ ، وهي مهام كتابة الضبط خارج المحكمة ، فوضع ظهير 440-80-1 بتاريخ 25/12/1980 نشر بالجريدة الرسمية عدد 3564 بتاريخ 18/01/1981 بعد أن وافق عليه مجلس النواب بتاريخ 08/07/1980 بقانـون رقــم 41.80 . . ” .

و طبيعي أن يكون الهدف هو تفادي نواقص النظام القديم – نظام كتابة الضبط – وطبيعي أن تكون هذه المهنة الجديدة ، لونا من ألوان تحديث جهاز العدل وتخليقه وتأهيله ، ليكفل للناس بنزاهته وفعاليته واستقلاليته سيادة القانون وإشاعة الثقة والأمن على الأشخاص والممتلكات وتحفيز التنمية والاستثمار وتوطيد الاستقرار وترسيخ الديمقراطيـة .

– ولعل أول الرهانات : المنتظرة من إحداث مهنة المفوض القضائي ، هو فك الارتباط مع السلطات المحلية .. لأن مبدأ فصل السلط المنصوص عليه دستوريا يمنع اعتماد إدارة العدل في خدماتها على السلطات المحلية ..

– وثاني الرهانات : إجراء التبليغ بطريقة سليمة تتوفر فيها كافة الضمانات، بواسطة أشخاص مؤهلين التأهيل الكافي ، للرفع من مردودية الجهاز القضائي ، بإحداث قطيعة مع الأخطاء المؤثرة على نظامية التبليغ وحجيته ، وتفادي الانتقادات القاسية التي يتعرض لها الجهاز القضائي ، فـي هذا الجانــب .. ) فهذه المهمة كانت تسند لمن هم في أدنى السلاليم من موظفي كتابة الضبط ، وقد تجدهم أميين أو أشباه أميين ، ويقتصر غالبا مجال عملهم في المجال الحضري ، حيث لما صعب على المحاكم تغطية كل ترابها تمت الاستعانة بالسلطة الإدارية ، فأصبحت المهمة تسند بهذه الإدارة أيضا لأدنى الدرجات الشيوخ والمقدمين ، وتجدهم غالبا أميين أو أشباه أمييـن ( .

– وثالث الرهانات : القضاء على التراكم الناتج عن تعذر التبليغ والتنفيذ بالوسائل المتوفرة

بالنظام القديم .. )فبمرور ست سنوات فقط ، على العمل بظهير 15 يوليو 1974 والمتعلق

//3//

بالتنظيم القضائي ، ورغم استعانة المحاكم بالسلطات الإدارية والدرك الملكي في مهمتي التبليغ والتنفيذ ، وتجنيد موظفين من كتابة الضبط لهذه الغاية ، وتوفير وسائل التنقل لهم … عرفت معظم المحاكم تراكما كبيرا للقضايا غير الجاهزة للنطق بالحكم ، وبالأحكام المحكومة والغير المنفذة . وهذا عرض الجهاز القضائي بالبلاد لسيل من الانتقادات ( .

– ورابع الرهانات : العمل على تقليص عمر الملف بالمحكمة من يوم تسجيله إلى يوم البث فيه ، والعمل على أن تتم إجراءات التنفيذ بالسرعة والفعالية المطلوبة ، وبواسطة أشخاص أكفاء ومؤهلين ، تتوفر فيهم الضمانات التي تحقق للقضاء هيبته وللأطراف حقوقهم .

– وخامس الرهانات : التكيف مع صيرورة العولمة والمنافسة الحادة ، بتحديث الإدارة القضائية ، وذلك استجابة للمهام الجديدة للعدالة المعاصرة ، وتلبية لتطلعات المواطنين إلى عدالة حديثة متكيفة مع الواقع الاجتماعي و الاقتصادي للمجتمع المعاصر ، بتقوية ثقة المواطنين في العدالة ، لتكون عدالة رفيعة في أدائها ، بسيطة في مساطرها ، سهلة من حيث الولوج إليها ، هدفها توفير السلم الاجتماعي ، والمساهمة في التنمية الاقتصادية ، عن طريق حل النزاعات . والمهن المرتبطة بقطاع العدالة ، بالطبع ، تساهم يوميا في إدارة العدالة بواسطة القاضي ، المحامي ، الخبير ، المترجم ، كاتب الضبط ، الموثق … و بإحداث مهنة المفوض القضائي ، يواكب المشرع المغربي الأنظمة القضائية المقارنة في إسنادها لمهام التبليغ و التنفيذ إلى قطاع مهني مهيكل يتمتع بالاستقلالية منظم بقانون خاص ، يساهم بدوره في الإدارة اليومية للعدالة .

المبحث الثاني : عوائق حالت و تحول دون المردود الجيد للمفوض القضائي :

أولا : عوائق مرتبطة بالتشريع :

أ : عدم احتكار المفوض القضائي لاختصاصاته أضر بالمهنة و حد من مردودية المفوض القضائي :

– الارتباك عند المخاض وعند الميلاد :

أحدثت مهنة المفوض القضائي بمقتضى القانون 41.80 سنة 1980 ، وأسندت إليها مهام كانت تضطلع بها كتابة الضبط خارج المحكمة ، وحيث أن ميلاد مهنة المفوض القضائي جاء كرد فعل لتجاوز الآثار السلبية التي أحدثها اضطلاع كتابة الضبط بهذه المهام ، ولتفادي الانتقادات التي انهالت على الدولة جراء هذه النتائج السلبية ، لتطبيق ظهير التنظيم القضائي

لسنة 1974 في هذا الجانب . فكان لا بد من القيام بعملية جراحية قيصريـة و فصل هذا

الاختصاص عن كتابة الضبط ، وإسناده لهيئة المفوضين القضائيين ، تضطلع به وتحتكره ،

لتسأل عن النتائج ، وليكون التقييم موضوعيا فيما بعد .. وكانت النية في ظروف الإحداث

//4//

تتجه إلى هذا المنحى ، فالمشروع الذي قدم أمام مجلس النواب كان ينص : ” يحق للأعوان القضائيين وحدهم القيام بعمليات التبليغ اللازم للتحقيق في القضايا ووضع الإجراءات المتطلبة في تنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات … ” ، لكن بعد المناقشة من طرف لجنة التشريع تم إدخال تعديل على المقترح وأزيلت لفظة ”وحدهم ” ، وبالتالي اتجهت نية المشرع إلى إزالة الطابع الاحتكاري في البداية ، و عول على الإدارة في فرضه متى استأنست الرشد في المهنة و القدرة على النهوض بأعباء التبليغ و التنفيذ بالمحكمة . وبذلك أصيبت المهنة في مرحلة المخاض فولدت معوقة !؟ و لم تتدارك الإدارة هذه الإعاقة في وقت مبكر ، فتعمقت ، فتعثر تحقق الهدف .

وانطلقت المهنة تعمل بداية سنة 1990 بالمحكمة الابتدائية بالرباط ، وكان على الممارسين الأحرار الحضور يوميا بكتابة الضبط لتسلم الإجراءات وإرجاعها ، وبطبيعة الحال لم يلقوا الترحيب لسببين : الأول ، أنهم يحضرون لينزعوا منهم اختصاصاتهم ! والثاني ، لمستواهم العلمي وطموحهم و تخصصهم ، يسرعون بالإنجاز ويجيدونه ، فيفتضح أمر تراخي البعض ورداءة إنتاجه . رد الفعل إذا رفض هذه المهنة وعرقلة عملها، بعدم تيسير تسليمها والتسلم منها، وبالتحريض ضدها…

و ما هي إلا شهور على الممارسة ، صدرت ملاحظات غير مشجعة عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب بالمؤتمر 21 المقام بأكادير أيام 4 و 5 و 6 يوليو 1991 ، إذ أوصت لجنة القضايا المهنية ” بالتحفظ حيال نظام الأعوان القضائييـن ، لما أبرزته التجربة من سلبيات .. ” وبالمؤتمر 21 صدرت توصية دعت المحامين إلى التمسك بالمادة 22 من القانون 41.80 ، للحيلولة دون الاحتكارية. علما أن النظام المقارن أقر – وخاصة النظامين الفرنسي والتونسي – بالطابع الاحتكاري لمهام المفوضين القضائييـن .

– فكيف أثر الطابع الاختياري على مرد ودية المفوض القضائي :

* لم يرق الجهاز العمومي بالمحكمة أن ينافسه خواص في مهامه ، فكان طبعا التنافر و التدافع إلى حد الصراع أحيانا ببعض المحاكم .

* لم يرق وكلاء المتقاضين الأداء عن إجراءاتهم ، و قد ألفوا الانجاز العمومي المجاني ، فكان طبعا الإعراض و الرفض لهؤلاء الخواص الأحرار ، و دعم الجهاز العمومي ،على حساب هذه المهنة الحرة .

* و لم يرق بعض المسئولين القضائيين تشبث هؤلاء الأحرار بالاستقلالية و القانون بديلا عن التبعية و الطاعة ..

ما جعل المفوض القضائي القادم للعمل بمهنة حرة مستقلة منظمة ، ينوب عن الدولة ، و يسدي

//5//

خدمات للمتقاضين و العدالة ، و يبني مستقبله ، ما فتئ يحس و كأنه قادم إلى ساحة معركة ، عليه أن يحارب ليبقى ، فتحطمت معنوياته ، و أحس بأن لا أمان له بهذه المهنة ، و أنها ليست مهنة المستقبل ، و أنها فقط للاحتياط ، فغادرها العديد منهم ، إما إلى خارج المغرب ، و إما إلى مجالات أخرى ، و من بقي منهم كان عرضة للمطاردة و الملاحقة جراء الشكايات الكيدية و المواقف العدائية لبعض الجهات المسئولة ..

و جراء ذلك، و جراء هذا الجو المشحون ، الذي وجد المفوض القضائي نفسه يتخبط فيه ، لم يشعر معه المتقاضون بالأمان ، فسرت موجة من الرفض لخدماته ، بمبرر أنه غير محمي ، و ليس لمحاضره قيمة ، كقوة محاضر الموظف العمومي المنتمي للمحكمة . و إلى يوما هذا ما يزال هذا الانطباع سائدا ببعض المحاكم ، إذ لا يصل المفوض القضائي من الإجراءات إلى القليل الناذر، في حين تستحوذ كتابة الضبط على كل شيء، و كأنها الأصل وهو الاستثناء ، لا العكس !

إن ازدحام كل الطرق التقليدية في الممارسة ، إلى جانب المفوض القضائي ، جعل المفوضين القضائيين لا يتصورون وجودهم بالمحاكم إلا كلاعبي الاحتياط ، لا ينادى عليهم إلا عند الضرورة ، و لملئ الفراغ أو مساعدة المحكمة مجانا ، على تصريف قضاياها ، وخاصة عندما تطلب منها الحملات..

إن هذا الارتباك في التنظيم و التشريع – و بمجال غير مسموح فيه بذلك – أضر بقطاع العدل ، و أضر بالمتقاضي ، و أضر بسمعة القضاء ، و أضر بمهنة المفوض القضائي ، و عطل رسالتها في النهوض بالعدالة بالبلاد ، إلى جانب باقي المتدخلين في إدارة العدالة بالوطن .

و أمام هذا الضرر الحاصل ، لا يشفع للمسئول عن هذه الحالة قول : المرحلة الانتقالية و اللحظة التجريبية في أفق منح الاستقلالية… فالمشرع المغربي لم يكن “مخترعا ” و إنما مقلدا، فيعود إحداث المهنة في فرنسا إلى قانون مؤرخ في 30مارس 1808 ، و يعود إحداثها في تونس إلى قانون 14 يونيو 1957، و النتائج ظاهرة للعيان ، و لو وجد المشرع المغربي أحسن لما قلد ! فلم الارتجال و تعذيب جيل بكامله ، يجربون به ، حتى يكاد عدد مهم منه يحاكم ، و عدد آخر يغادر، و الباقي مجرد صابر، لم يجد سبيلا للهروب ..

و رغم تدخل المشرع و تعديل قانون 80/41 بعد مضي 26 سنة ، بالمصادقة على القانون 03/81 بتاريخ 14 فبراير 2006 ، و إسناده جملة الاختصاصات في مجال التبليغ و التنفيذ

للمفوض القضائي و حصر الاستثناء في إجراءات التنفيذ المتعلقة بإفراغ المحلات و البيوعات

العقارية و بيع السفن و الطائرات و الأصول التجارية ، ما تزال كتابة الضبط ببعض المحاكم

تقوم بجميع الاختصاصات ، و كل محكمة تخلق الذرائع و التفاسير، و كأننا في دويلات لا محاكم

بداخل دولة .. و الوزارة الوصية تتفرج ، وكأن الأمر لا يعنيها ..

//6//

ب : الأتعاب الزهيدة انعكست سلبا على الدو الهام لمهنة المفوض القضائي في واقع العدالة .

– التسمية بالأجور دليل اهانة من طرف وزارة العدل :

المفوض القضائي أثناء ممارسته لمهامه واختصاصاته يبذل جهدا باستخدام ما تراكم لديه من معرفة و خبرة ، و لم يبذل جهدا عضليا ، فالأجدر أن تسمى مستحقاته أتعابا لا أجرا ، فهو ليس بأجير يعتمد على مجهود عضلي ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى فالمهن الحرة لا تسعى إلى الربح بقدر ما تسعى إلى تحقيق هدف إنساني و اجتماعي ، و تقدم المساعدة ، و المقابل الذي تحصل عليه ، شرفي يسمى أتعابا كتقليد أرستقراطي .. و قد سمت وزارة العدل مستحقات المفوض القضائي أجرا، فهذا يناقض الوصف و التصنيف، و بالتالي ،عربون الاحتقار، و يعكس الاعتبار الحقيقي لمهنة المفوض القضائي من طرفها . فهذه الأخيرة لم تعر اهتماما إلى انعكاس هذه التسمية على قيمة الإجراءات التي ينجزها المفوض القضائي و المحاضر التي يحرر، ففي تقدير المواطن ” الذي يدفع الأجر يحصل على المقابل الذي يريد ” ، فيخال المفوض القضائي كعامل ظرفي لديه ، يخاطبه كما يريد و يحتج عليه كما يريد ، فقد دفع له أجرا ! .

– مقدار الأجور تزكية للاهانة و زيادة في التحقير .

أصدر الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية بتاريخ 08/12/1988 القرار رقم 159.89 حدد بمقتضاه ما سماه الأجور المستحقة على الإجراءات التي يقوم بها الأعوان القضائيون في الميادين المدنية و التجارية و الإدارية ، و ربما تملكه الحياء من فعلته أو تخوف من إقدام بعض المنظمات الحقوقية على مقاضاته لعدم احترامه حقوق الإنسان ، فتراجع عن هذا القرار، و لم يمض على وضعه سوى حوالي ثمانية أشهر، فعاد و أصدر القرار رقم 1145.89 بتاريخ 26/07/1989 ، و بدوره جاء مجحفا ، و زاد الطينة بلة ، إصدار قرار آخر مشترك لوزير العدل ووزير المالية و الاستثمارات الخارجية بتاريخ 13/05/1997 رقم 898.97 حدد التعويض المستحق عن إجراءات المفوض القضائي في الميدان الجنائي في ثلاث دراهم . و رغم مرور ستة عشر سنة على آخر قرار محدد لمستحقات إجراءات المفوض القضائي ، جاء قرار وزير العدل رقم 1129.06 بتاريخ 15/06/2006 بتحديد تعريفات عقود المفوضين القضائيين على الإجراءات التي يقومون بها في الميادين المدنية و التجارية و

الإدارية ، بدوره مخيبا للآمال ، و مكرسا للنظرة الدونية التي تتعامل بها وزارة العدل مع هذه المهنة ، على عكس الجاري به العمل بالأنظمة العربية المجاورة ، كي لا نقول الغربية .

هذا القرار بفعل الزمن تقدم خطوة إلى الأمام ، بالزيادة في المبالغ ، و تراجع خطوتين إلى الوراء بالإجهاز على مكسبين بمقتضى القرارين السابقين – 1988 و 1989- بعدم اعتبار الزمن المستغرق في الانجاز و تعويضه ، وبتحديد سقف للأتعاب ..

و كما تعلمون ، فلضمان المردود الجيد ، يجب على المفوض القضائي أن يستثمر أولا في مكتبه ، فلا بد له من مكتب بمواصفات تطمئن الزبناء ، و تمنحهم الثقة في خدماته ، و لا بد له من مساعدين أكفاء – كاتب و كاتبة على الأقل – ، و لا بد له من وسائل العمل داخل المكتب و خارج المكتب ، و كل ذلك يتطلب نفقات .. و كيف الحال إذا لم تغط المداخيل النفقات ؟ و كيف الحال إذا لم تكن بيد المفوض القضائي ضمانات قوية لتحصيل هذه “الشحاتة ” ؟ من يؤد ؟ و متى ؟ و كيف ؟ و إذا لم يحصل الأداء السابق واللاحق أو أحدهما، ما العمل ؟ سيضحي المفوض القضائي طبعا بما هو ضروري ليستمر في الوجود ! – لأن الكمالي غير موجود أصلا – . و إذا ساء حال المفوض القضائي : بدون مكتب ، بدون وسيلة تنقل ، بدون هندام محترم ، بدون و بدون … فكيف سيكون مردوده ؟ فلن يكون إلا ضعيفا طبعا ، والعكس صحيح تماما ..

ج : ضعف الحماية أثر بشكل كبير على مرد ودية المفوض القضائي :

* اعتبر المشرع المغربي الحماية القانونية حق للمفوض القضائي ، إذ نص بالمادة 27 من القانون 81.03 ” يتمتع المفوض القضائي أثناء مزاولة مهامه بالحماية القانونية التي تنص عليها مقتضيات الفصلين 263 و 267 من القانون الجنائي ” . الحماية إذا مقررة سواء أثناء الممارسة أو بسببها .. والحماية هي ضد الإهانة بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها أو بكتابة أو رسوم غير علنية ، وذلك بقصد المساس بشرفه أو شعوره أو الاحترام الواجب لسلطته .. والحماية أيضا ضد العنف أو الإيذاء…

و تعود الغاية في ذلك إلى الرفع من معنوياته وتحسيسه بالانتماء إلى جهاز المحكمـة .

لكن كل هذا أفرغ من فحواه ، بعدم التنصيص صراحة على الاعتماد على محضر

المفوض القضائي لتحريك المتابعة ، فما يتعرض له المفوضون القضائيون باستمرار من إهانات و اعتداءات ، وعدم الأخذ بأقوالهم بمحاضرهم ضد الفاعلين ، ولو جاءوا ملطخين

بالدماء إلى النيابة العامة ، لينقص من شجاعتهم واندفاعهم وبالتالي من مردوديتهم .

* ولتفادي الإهانات والاعتداءات وأفعال المقاومة والعصيان وما شابه ذلك ، يلجأ المفوض القضائي بكثرة إلى المادة 17 من القانون 81.03 ”يمكن للمفوض القضائي عند الاقتضاء

الاستعانة بالقوة العمومية أثناء مزاولة مهامه ، وذلك بعد الحصول على إذن من وكيل الملك طبقا لمقتضيات القانون الجاري به العمل”، وهذا اللجوء من غير المتيسر في جميع الحالات، و في جميع المحاكم ، فالأمر يبقى رهينا بتقدير وكيل الملك ، ويختلف التعاطي معه باختلاف ميزاج الأشخاص .. هذا ناهيك عن الدور الذي تلعبه القوة المؤازرة بالميدان، المتأرجـح بين الحماية

//8//

الخاصة للمفوض القضائي ، دون التدخل لدفع أفعال العرقلة والحيلولة دون حجز الممتلكات ، وبين الحضور لحفظ الأمن والنظام العام فقط ، ولا دخل لها في عمل المفوض القضائي وما يلاقيـه … وكم من إهانات واعتداءات حصلت على مرأى ومسمع من القوة المؤازرة ، دون أن تحرك هذه الأخيرة ساكنا ، و لا جدوى من الشكاوي دون إثبات ، فمحضر المفوض القضائي وأقواله لا يعتد بها لوحدها …!

وهذا الحال من الحماية والمؤازرة، يعوق المردود الجيد للمفوض القضائي بشكل كبير .

د : كثرة الواجبات وغموض الحقوق ، كثرة الرقابة المفروضة و شكل التعاطي مع الشكايات ، أثر سلبا على مردود المفوض القضائي .

* الواجبات : بتصفح النصوص المنظمة للمهنة بالقانون 81.03 تجد المشرع قد أغرق المفوض القضائي في كم من الواجبات، و كبله بكم آخر من الممنوعات ، حتى صارت تعرف المهنة بمهنة الواجبات ، و بتدبرها تدرك بأن المهنة ليست حرة على الإطلاق ،