العمل التابع والعمل المستقل في قانون ضريبة الدخل

إعادة نشر بواسطة محاماة نت
المؤلف : خيري ابراهيم مراد
الكتاب أو المصدر : المعاملة الضريبية للشخص غير المقيم في قانون ضريبة الدخل العراقي

ماهية العمل التابع
نتطرق في هذا الموضوع الى مفهوم دخل العمل التابع وموقف المشرع العراقي منه من خلال الفرعين التاليين:
الفرع الاول
مفهوم دخل العمل التابع
يراد بالدخل الناجم عن العمل التابع، ذلك الايراد الذي يحققه القائم به عندما يقوم بعمله تحت ادارة واشراف رب العمل. فالعامل في المصنع او المتجر او المزرعة انما يقوم بعمله لحساب صاحب العمل، ويخضع في قيامه لعمله لسلطة هذا الاخير، بما تعنيه من مكنات الاشراف والتوجيه وطاعة الاوامر. فالعامل في مثل هذه الفروض يدور بالتالي في فلك تبعية قانونية لرب العمل، فهو لايتمتع بالاستقلال في قيامه بتنفيذ العمل المكلف به(1). ان الايراد الذي يتقاضاه القائم به، قد يكون بشكل رواتب او اجور او مزايا عينية او نقدية او توزيع سلع مجانية او اكراميات. ويستوي ان تدفع هذه المبالغ سنوياً او شهرياً او اسبوعياً او يومياً.
الفرع الثاني
موقف المشرع العراقي من دخل العمل التابع
اعتبر المشرع الضريبي العراقي، ان جملة الايرادات التي تفرض عليها ضريبة الدخل باعتبارها وعاءً خاضعاً للضريبة “الرواتب ورواتب التقاعد والمكافآت والاجور المقررة للعمل بمقدار معين لمدة محددة والمخصصات والتخصيصات لغير العاملين في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي والمختلط بما في ذلك المبالغ النقدية او المقدرة بما يخصص للمكلف مقابل خدماته كالمسكن والطعام…”(2). ان هذه الايرادات لاتخرج عن كونها دخولاً مشتقة من العمل التابع، فهي تدفع اما لقاء القيام بخدمات واعمال رئيسة كرواتب المستخدمين واجور العمال(3)، واما تدفع لقاء تأدية بعض الاعمال الاضافية او لقاء بعض الامور التي تقتضيها الوظيفة او العمل، كالمخصصات على اختلاف انواعها، واما تدفع بمناسبة ترك الخدمة كرواتب التقاعد والمكافآت وما اليها(4).
_________________
[1]- د. حمدي عبد الرحمن ود. محمد محي مطر- قانون العمل- مصدر سابق- ص7-8.
2- الفقرة (5) من المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 82 المعدل.
3- يعرف الراتب او الاجر بأنه كل مبلغ نقدي او عيني يدفعه المكلف او المنشأة الى شخص طبيعي او معنوي او الى ورثته بعد وفاته- مقابل وضع نفسه تحت تصرف المكلف او المنشأة والعمل لحسابه شريطة ان تربطه رابطة التبعية بالنسبة للعمل الذي يتقاضى عنه الاجر على ان يكون هذا الاجر ضمن الحدود المرسومة قانوناً بالنسبة لمن كان مركزهم تنظيمياً او في الحدود المعقولة والمتعارف عليها لمن كان مركزهم تعاقدياً سواء اكان له صفة الدورية ام التكرار أو كان على شكل دفعة مقطوعة ومهما كانت التسميات التي تطلق عليه- انظر في ذلك: د. عبد الحميد الرفاعي- التكاليف في ضريبة الارباح التجارية والصناعية- دراسة مقارنة- رسالة دكتوراه- مقدمة الى جامعة القاهرة- 1971- ص983-984. مشار اليه في مؤلف: – صادق الحسيني-ضريبة الدخل- مرجع سابق- ص81.
4- د. صالح يوسف عجينه- ضريبة الدخل في العراق- مرجع سابق- ص145.

ماهية العمل المستقل
لكي نصل الى النتيجة البحثية في هذا الموضوع سنركز فيه على مدلول دخل العمل المستقل وخصائص ذلك الدخل من الناحية الضريبية وموقف المشرع العراقي منه وفق الفروع الثلاثة التالية:
الفرع الاول
مدلول دخل العمل المستقل
“المهن الحرة”(1)
يراد بالعمل المستقل، ذلك العمل الذي يؤديه صاحبه دون ان يخضع عند ادائه له لاشراف وتوجيه شخص آخر، انما يكون حراً يتمتع بكامل الاستقلال، كالطبيب في عيادته والمحامي في مكتبه(2). فالطبيب يستقل بأداء العمل فيما يتعلق بالتشخيص وتقدير اوجه العلاج وكل مايتعلق به دون ان يخضع في ذلك لتوجيه المريض، وكذلك بالنسبة للمحامي حيث يمارس عمله في دراسة القضية ومتابعة اجراءاتها دون أي توجيه او اشراف من الموكل. وبذلك يكون كل من الطبيب والمحامي في حالة من الاستقلال تجاه الطرف الاخر بالرغم من تقاضي اجر او اتعاب منه(3). ويلاحظ ان العمل المستقل (المهن) بحد ذاته يدل على معنى واسع. فهي تفيد ممارسة النشاط الاقتصادي على وجه الاعتياد وبقصد التكسب والارتزاق. وبهذا المعنى تصبح المهن في مدلولها شاملة لكل انواع النشاط التي يقوم بها الانسان بصورة مستقلة لغرض توفير وسائل عيشه، كالمهن التجارية والصناعية ومهن المحامين والاطباء والصنّاع المستقلين، فكل واحد من هؤلاء يمارس مهنته التي يتكون منها مركزه ويبنى بها مستقبله في الحياة(4).
الفرع الثاني
خصائص المهن غير التجارية
تتميز المهن غير التجارية ببعض الخصائص هي:-
1- الاستقلال في العمل:- ومعنى ذلك ان صاحب المهنة لايرتبط بغيره برابطة عقد العمل او بعلاقة اخرى قوامها التبعية القانونية والاقتصادية. بكلمة اخرى ان صاحب المهنة يمارس نشاطه بصورة حرة من دون ان يكون تابعاً او خاضعاً في عمله الى شخص معنوي او طبيعي(5).
2- ان العمل هو العنصر الغالب فيها:- ومعنى ذلك ان المهن غير التجارية تعتمد اساساً على المجهود الشخصي. اما دور رأس المال فيها فهو قليل عادةً(6)، فمهنة الطبيب مثلاً تعد من المهن غير التجارية كونها تعتمد على جهود الطبيب الذهنية. ومع ذلك فانه يستعمل في عيادته بعض الاثاث وبعض الاجهزة التي تساعده على ممارسة نشاطه في عيادته وهي هنا لاتمثل رأس المال، فليس لها الا دور ثانوي في هذا النشاط. وهذا مايميز المهن غير التجارية عن المهن التجارية والصناعية التي يلعب فيها رأس المال دوراً هاماً(7).

الفرع الثالث
موقف المشرع العراقي من دخل العمل المستقل
فرض المشرع الضريبي، الضريبة على ايراد المهن باعتبار ان الاخيرة احد مصادر الدخل، فقد نص على “تفرض الضريبة على مصادر الدخل الاتية:
1- ارباح الاعمال التجارية او التي لها صبغة تجارية والصنائع او المهن …..”(8). ويلاحظ ان المشرع العراقي عندما عدّ المهن احد مصادر الدخل التي تفرض عليها الضريبة، فلم يقصد في ذلك الا المهن غير التجارية. ذلك لان المشرع عندما عَدّد مصادر الدخل المختلفة في الفقرة (1) من المادة الثانية اعلاه، فيما عدا المهن غير التجارية. ومن حيث انها قد نصت في الوقت نفسه على المهن دون ان يصفها بوصف معين، فانه يستتبع ذلك بطبيعة الحال ان تصبح كلمة (المهن) مقصورة في معناها على المهن غير التجارية فقط. اذ ليس من المعقول ان تنصرف الى المهن التجارية والصناعية مادام القانون قد نص على هذه المهن الاخيرة في مقدمة الفقرة (1) من المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل. ومع ذلك نرى ان المشرع الضريبي العراقي لو كان قد استعمل عبارة المهن غير التجارية عوضاً عن كلمة المهن فقط لكان من الافضل ولتحاشي الالتباس والغموض في نصوص القانون، بسبب ذكر المشرع للاعمال التجارية والصنائع الى جانب المهن مما قد يؤدي الى حدوث ذلك الالتباس. ولذلك نرى ان قصد المشرع من ذلك هو ان يحول دون افلات أي دخل من أي نشاط يمتهنه الانسان من الضريبة.
_____________________
[1]- يسمى العمل المستقل ايضاً بالمهن غير التجارية تمييزاً عن المهن التجارية.
2- د. عدنان العابد- د. يوسف الياس- قانون العمل- بغداد- جامعة بغداد- كلية القانون- الطبعة الثانية- 1989- ص7. كذلك انظر: د. شاب توما منصور- شرح قانون العمل- بغداد- الطبعة الثالثة- طبع شركة الطبع والنشر الاهلية- 1968- ص11.
3- د. شاب توما منصور- المصدر نفسه- ص11.
4- د. صالح يوسف عجينه- ضريبة الدخل في العراق- مرجع سابق- ص161-162.
5- د. حسين خلاف- تطور الايرادات العامة في مصر الحديثة- مصدر سابق- ص155-156.
6- د. حسين خلاف- المصدر نفسه- ص155.
7- د. صالح يوسف عجينه- ضريبة الدخل في العراق- مرجع سابق- ص164.
8- الفقرة (1) من المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 82 المعدل.