بحث قانوني و دراسة حول اشكال التصرفات القانونية للشخص في مرض الموت

تصرفات المريض مرض الموت

الفهرس
القرار التمييزي (1) 1
القرار التمييزي(2) 2
المبحث الأول: البيع في مرض الموت 2
المطلب الأول:التعريف بالمريض مرض الموت 3
الفرع الأول: المريض مرض الموت في الشريعة الاسلامية 3
الفرع الثاني: المريض مرض الموت في التشريعات العربية 5
المطلب الثاني: شروط مرض الموت 9
الفرع الأول: ان يعجز الانسان عن متابعة أعماله المعتادة 9
الفرع الثاني: أن يغلب في هذا المرض الهلاك 10
الفرع الثالث: أن يموت الانسان على حاله تلك قبل سنةمن تاريخ المرض 11
المبحث الثاني: أحكام البيع في مرض الموت 12
المطلب الأول: حكم البيع في مرض الموت لأحد الورثة 12
الفرع الأول:موقف القانون المدني الاردني 13
الفرع الثاني:أثر التصرف على الورثة 14
الفرع الثالث: أثر التصرف على الدائن 14
المطلب الثاني: الحكم القضائي في القضية الحقوقية التمييزية 16
الفرع الأول: مضمون القرارين الحقوقيين التمييزيين 16
الفرع الثاني : التعليق على القراريين القضائيين 17
الخاتمة 19

المبدأ القانوني (1)

تمييز حقوق 1804/2006م
” يشترط لتطبيق المادة (543/1) من القانون المدني الباحثة في البيع في مرض الموت أن تتوافر ثلاثة شروط حتى يعتبر المرض مرض موت وهي أن يقعد المريض عن قضاء مصالحه العادية المألوفة التي يستطيع الأصحاء مباشرتها ولا يشترط في ذلك أن يلزم المريض الفراش وأن يغلب في هذا المرض الهلاك ويرجع في تقدير ذلك الى رأي الأطباء ،وأن ينتهي المرض فعلا بالموت ،وحيث أن مورِث المدعية ادخل الى المستشفى عام 1995 وتبين أنه مصاب بسرطان القولون المعترض وأجريت له العديد من العمليات الجراحية اللازمة ثم انتشر المرض في البطن والرئتين وتمت معالجته وتجاوب المريض مع العلاج واستقرت حالته في الفترة الاولى ثم أصبحت غير مستقرة تتحسن أحيانا وتسوء احيانا الى أن تدهورت حالته وتوفاه الله بتاريخ 20/8/1998 وقد أكد الأطباء أن مرضه يغلب فيه الموت لأن مرض السرطان المنتشر يؤدي الى الوفاة ، وحيث ان البيوع والتصرفات التي أجراها مورث المدعية تمت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من حياته فان مرضه يكون مرض الموت لأنه توفي قبل انقضاء سنة على اشتداد المرض ، وحيث أن الوريثة المدعيه لم تجز هذه التصرفات فانها تكون غير نافذة بحقها عملا بالمادة (544/1) من القانون المدني ويتوجب الحكم ببطلانها”.

المبدأ القانوني(2)

تمييز حقوق 1734/2007م

1) اذا لم تشر محكمة الموضوع في قرارها المطعون فيه الى البينة التي اعتمدتها في أن المرحوم قد تصرف بحصصه في شركته لمصلحة المميز فكان عليها التثبت من هذه المسألة قبل الفصل في الدعوى مما يجعل قرارها المطعون فيه مشوبا بعيب القصور في التعليل والتسبيب سابقا لأوانه .
2) اجازة بعض الورثة لتصرفات مورثهم في مرض الموت دون البعض الآخر لا تنفذ الا في حصص من أجاز منهم .
3) من المقرر قانونا بمقتضى المادتين (161،166) من قانون أصول المحاكمات المدنية أن المحكمة تحكم عند اصدارها الحكم النهائي في الدعوى بالرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة . “

المبحث الأول البيع في مرض الموت

من المعروف أن الشخص الكامل الاهلية حُر في التصرف في أمواله كلها أو جلها بالطريقة التي يراها مناسبة حال حياته سواء أكان ذلك تصرفا قانونيا بالبيع أم ماديا بالاتلاف ،الا اذا تعلق بها حق للغير كما في حالة الرهن ، كما من حقه أن يتصرف بها بمقابل أو دون مقابل دون أن يكون مسؤولا عن ذلك أمام أحد ،ويبقى حق الشخص كذلك الى أن يموت ومع ذلك ايضا فقد أجيز له التصرف في ماله بعد وفاته عن طريق الوصية ولكن قبل وفاة هذا الشخص فانه قد يصيبه مرض فيقعده عن ممارسة أعماله المعتادة وبالتالي هذا الشخص يطلق عليه في القانون تصرف المريض مرض الموت ولذا سنقوم بتقسيم هذا المبحث الى مطلبيين نتناول في المطلب الأول المقصود بالمريض مرض الموت ،ونتناول في المطلب الثاني الأساس القانوني للمريض مرض الموت .

المطلب الأول التعريف بالمريض مرض الموت

ان المريض مرض الموت قد يقوم بالعديد من الاعمال والتصرفات وبالتالي تنبه فقهاء القانون الى وضع تعريف يوضح من هو المريض مرض الموت وجاء الى جانبهم القضاء المدني حتى يبين في حكمه دلالة المريض مرض الموت ،ولذا سنقوم بتقسيم هذا المطلب الى فرعين ،نتناول في الفرع الأول المقصود بالمريض مرض الموت وفقا لما عرَفه فقهاء الشريعة الاسلامية ،ونتناول في الفرع الثاني المقصود بالمريض مرض الموت وفقا لتعريفه في التشريعات العربية .
الفرع الأول : المريض مرض الموت في الشريعة الاسلامية:
يعرف فقهاء الشريعة الاسلامية مرض الموت بأنه المرض الذي يعجز صاحبه عن القيام بمصالحه خارج البيت ان كان من الذكور وداخله ان كان من الاناث ويكون الغالب فيه موت المريض .
وبالتالي حتى يعتبر المريض مرض الموت يشترط فيه وفقا للشريعة الاسلامية أمور ثلاثة وهي:-
أولا: العجز عن العمل ،ولكن لا يشترط لاعتبار المريض عاجزا عن العمل أن يلازم الفراش على وجه الدوام ،كما لا يمنع من اعتباره مريضا مرض الموت انتقاله الى الجهة المختصة للتصديق على العقد الصادر منه ،لأن الكاتب المختص بالتصديق غير مقيد باثبات حالته.
ثانيا: غلبة الهلاك من المرض ،لأن من الأمراض ما يعجز الانسان معها عن القيام بمصالحه دون أن يغلب فيها الهلاك ومثاله كرمد العيون وكسر الساق .
وهنا فرَق فقهاء الشريعة الاسلامية بين الامراض غير المزمنة والأمراض المزمنة من خلال:
1)الأمراض الغير مزمنة :هي تلك الأمراض التي لاتستمر طويلا كالطاعون والكوليرا ،لأن من يمرض بها اما أن يبرأ أو يموت ،فاذا تصرف المريض بها وأعقب المرض الشفاء سرت عليه أحكام الأصحاء ،وان أعقب المرض الموت سرت عليه أحكام المرض .
2) الأمراض المزمنة: هي تلك الأمراض التي تستمر طويلا كالسل والفالج ،والرأي الراجح في شأنها أنه اذا كان ما بالمريض من علة آخذة في الازدياد فهي مرض موت.
ثالثا: أن ينتهي المرض فعلا بوفاة المريض ،وعلى ذلك اذا شفي من مرضه أخذ تصرفه حكم تصرف الأصحاء ،ولهذه العلة تعتبر تصرفات المريض مرض الموت صحيحة ونافذة أثناء مرضه لاحتمال أن يبرأ منها وبمعنى آخر أنه لايجوز لورثته الطعن في تصرفاته الا بعد وفاته .
وعلى هذا يلزم لاعتبار المريض مرض الموت أن يعجز عن القيام بمصالحه ،وأن يغلب فيه الهلاك عادة ،وأن يتصل به الموت فعلا ولو كان سبب الموت غير المرض ،كما اذا قتل أو غرق أو حرق ،فاذا لم يتوافر ذلك لا يعتبر المريض مرض الموت وتبعا لذلك تكون تصرفات الشخص كتصرفات الصحيح .
اما ان قدمت العلة ووقفت عند حد فهي مرض صحة ،والمعول عليه أن تقادم المرض يكون بمضي سنة بمعنى ان الرأي للطبيب فان تطاول الى سنة أو أكثر ولم يحصل فيه ازدياد ولا تتغيير في حالة المريض بحيث لا يخشى الموت منه اعتبرت تصرفات المريض بعد السنة كتصرفات الصحيح .

الفرع الثاني : المريض مرض الموت في التشريعات العربية :

لقد تَعرضت التشريعات العربية للأحكام القانونية في نطاق البيوع المختلفة ومنها التطرُق لبيع المريض مرض الموت لما لها من أهمية اذ انها أثارت العديد من التساؤلات القانونية ولذا سنعرض لأهم التشريعات التي اهتمت بهذا النوع من التصرفات القانونية.
أولا : موقف المشرع والقضاء المصري
نص المشَرع المصري على حكم بيع المريض مرض الموت في المادتين 477و478،وتنص المادة 477 على أنه :-
“1- اذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت فان البيع يسري في حق الورثة اذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تتجاوز ثلث التركة داخلا فيها المبيع ذاته.
2- أما اذا كانت الزيادة تجاوز ثلث التركة فان البيع فيما يجاوز الثلث لايسري في حق الورثة الا اذا أقروه أو رَد المشتري للتركة ما يفي بتكملة الثلثين .
3- ويسري على بيع المريض مرض الموت أحكام المادة 916”.

أما المادة 916 فتنص على أن:
“1- كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصودا به التبرع ،يعتبر تصرفا مضافا الى ما بعد الموت ،وتسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف .
2- وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو في مرض الموت ،ولهم اثبات ذلك بجميع الطرق ، ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند اذا لم يكن هذا التاريخ ثابتا.
3- واذا أثبت الورثة أن التصرف صدر در من مورثهم في مرض الموت ،اعتبر التصرف صادرا على سبيل التبرع ،مالم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك ،كل هذا مالم توجد أحكام خاصة مخالفة”.
تبنى المشرع المصري فكرة مؤداها أن كل تصرف صادر في مرض الموت هو تصرف على سبيل التبرع ،ويأخذ حكم الوصية ،فلا يكون جائزا الا في حدود ثلث التركة أما ما زاد عن الثلث ،فانه لا يكون نافذا في حق الورثة الا اذا أقروه الورثة بعد الوفاة وكانوا أهلا للتبرع عالمين بما يقرون به .
وحتى يستفيد الورثة من القرينة فعليهم أن يثبتوا أن التصرف صدر من مورثهم وهو في مرض الموت طبقا لنص المادة (916/2) .

موقف القضاء المصري:

لقد طبَق القضاء المصري نصوص المواد 477،916،في العديد من أحكامه القضائية ،فاستلزم لكي يكون المرض مرض موت أن يبين نوع المرض،وهل كان الهلاك غالبا فيه وقت حصول التصرف ،فاذا كان المتصرف في حال صحته وقت التصرف ،وأن هذا التصرف كان سابقا على فترة مرض عادي لا يغلب فيه الهلاك فان التصرف لا يكون في مرض موت ، كما قرر القضاء عدم اعتبار المرض مرض موت في حالة اذا تبين أن العقد صدر من الشخص بعد اصابته بمرض(الروماتيزم) ولكن ثبت أن حالة الشخص لم تكن تمنعه من مغادرة منزله ،أو ممارسة أعماله المعتادة من وقت لآخر ،وأنه لم يلزم منزله الا شهرا واحدا قبل موته .
ثانيا: موقف المشرع السوري
نَص المشرع السوري على النصوص المتعلقة ببيع المريض مرض الموت ،حيث نص في المادة 445 من القانون المدني السوري على أنه :
” 1- اذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت فان البيع يسري في حق الورثة اذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تتجاوز ثلث التركة داخلا فيها المبيع ذاته .
2- أما اذا كانت هذه الزيادة تجاوز الثلث التركة فان البيع فيما يجاوز الثلث لا يسري في حق الورثة الا اذا أقروه أو رَد المشتري للتركة ما بقي بتكملة الثلثين .
3- ويسري على بيع المريض مرض الموت أحكام المادة 877 والتي جاءت موسعة بقولها: -كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصودا به التبرع ،يعتبر تصرفا مضافا الى ما بعد الموت ،وتسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف ” .
ذهب المشرع السوري الى اعتبار البيع في مرض الموت هو بمثابة هبة مستترة يخضع فيها لأحكام الوصية والتي تكمن في شعور المريض بدنو أجله وتعلَق حق ورثته بتركته شرعا منذ ذلك التاريخ مما يجعل تبرعاته المنجزة حال حياته وسيلة لستر الوصية والخروج على أحكامها ،بمحاباة بعض الورثة وتفضيل بعضهم على البعض الآخر والايصاء للأجنبي بما يفوق الحد الجائز شرعا ،لذك اعتبرها المشرع قرينة على الايصاء وأخضعها لأحكامه.
وبالتالي فليس مرَد هذه القاعدة الى نقص أهلية المريض ، بل حماية ورثته من الوصايا المستترة التي يجاوز فيها الموصي الحد الجائز شرعا ،فالأثر المترتب على تصرفاته ليس البطلان النسبي كما في نقص الأهلية بل عدم نفاذ التصَرف حيال الورثة ودائي التركة اذا كانت مستغرقة للديون .

ثالثا: موقف المشَرع الاردني

لقد تطَرق المشرع الاردني الى مختلف أنواع البيوع ومنها بيع المريض مرض الموت ،وأفرد له نص المادة (543) من القانون المدني الاردني المتعلقة ببيع المريض مرض الموت والتي تنص على :-
“1- مرض الموت :هو المرض الذي يعجز فيه الانسان عن متابعة أعماله المعتادة ويغلب فيه الهلاك ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة فان امتد مرضه وهو على حالة واحدة دون ازدياد سنة أو أكثر تكون تصرفاته كتصرفات الصحيح.
2- يعتبر في حكم مرض الموت الحالات التي يحيط بالانسان فيها خطر الموت ويغلب في أمثالها الهلاك ولو لم يكن مريضا .”
ويلاحظ من هذا التعريف السابق أن مرض الموت هو الذي لايستطيع فيه الانسان أن يقوم بأعماله المعتادة ،التي يقوم بها كل يوم والتي يقوم بها الانسان العادي،ويغلب على هذا المرض الهلاك اي ينتهي به بالوفاة في الغالب .
ويجب حتى يعد المرض مرض موت أن يموت هذا الشخص قبل مرور سنة من تاريخ بداية المرض ،بحيث لو امتد به المرض دون أن يتفاقم سنة أو أكثر ،فان تصرفاته تكون كتصرفات الانسان الصحيح ولا تكون كتصرفات المريض مرض الموت بحيث لا تأخذ حكم الوصية ولو انتهى مرضه بالوقاة .
وكما يعتبر موت الانسان كما لومات في مرض الموت وتأخذ تصرفاته حكم الوصية اذا مات في الحالات التي يحيط بالانسان فيها خطر الموت كالحرب الأهلية والحروب بين الدول ،حيث يغلب في مثل هذه الظروف الهلاك .

المطلب الثاني شروط مرض الموت

حتى نأتي على حكم بيع المريض مرض الموت لا بد لنا ،من بيان أهم الشروط التي يمكن اعتبار الشخص فيها مريضا بمرض الموت أو لا ، ولذلك تثور العديد من التساؤلات من حيث ما هي الشروط التي تنطبق على أن المرض مرض موت؟ وللاجابة على هذه التساؤلات سنقوم بتقسيم هذا المطلب الى ثلاثة فروع على التوالي ،نتناول في الفرع الأول أن يعجز الانسان عن متابعة أعماله المعتادة ،ونتناول في الثاني أن يغلب في هذا المرض الهلاك ، ونتناول في الثالث أن يموت الانسان على حاله تلك قبل سنة من تاريخ المرض .

الفرع الأول : أن يعجز الانسان عن متابعة أعماله المعتادة

ولا يشترط فيه ملازمة المريض الفراش واقعاده عن العمل تماما بل عجزه عن القيام بعمله المعتاد ،كارتياد السوق والقيام بأعمال مهنته ان لم تكن شاقة وقضاء أعمالها المنزلية اذا كانت من الاناث،فاذا ضغط على نفسه وخرج من بيته لابرام العقد أو المثول أمام المحكمة ،فان تصرفه لا ينفي خطورة مرضه واقعاده عن عمله المعتاد .
ان عجز الانسان عن ممارسة أعماله المعتادة ،هو عدم قدرته على القيام بأعماله المألوفة في حياته اليومية، فان توقف الشخص عن مزاولته لمثل هذه الأعمال فانه يعد عاجزا عن متابعة أعماله المعتادة ،فالشخص اذا توقف عن ممارسة أعمال مهنته أو حرفته وامتد به المرض الى أقل من سنة انتهت في النهاية بموته فانه يعَد مريضا مرض الموت ،ولكن توقف الشخص عن ممارسة بعض نشاطاته الرياضية أو الثقافية أو الاجتماعية بسبب المرض لا يعَد توقفا عن عمل معتاد طالما ظَل يمارس مهنته أو حرفته كالمعتاد .

الفرع الثاني :أن يغلب في هذا المرض الهلاك

ويلحق الفقهاء بالمريض مرض الموت كل شخص وجد في حالة يغلب فيها الهلاك واتصل بها الموت فعلا ،ولو كان هذا الشخص معافى وليس به مرض ،كمن وجد في المعركة وقت التحام المقاتلين وقتل بالفعل ،و كمن وجد في سفينة خيف عليها من الغرق ،ووقع الغرق فعلا ،كل من هؤلاء في حكم المريض مرض الموت حال الخطر المحدق به ،بمعنى اذا اتصل به الموت في نفس الحالة .
وحتى يعَد المرض مرض موت وتأخذ تصرفات الانسان فيه حكم الوصية أن يغلب فيه الهلاك ،لأنه ليس كل مرض يغلب فيه الهلاك ، فاذا أصاب الشخص رشح أو انفلوانزا أو كسرت يده أو رجله أو أصيب بمرض عادي في الجهاز الهضمي فلا يعَد هذا المرض مرض موت ولو أدى بالانسان الى الوفاة ،لأن مثل هذه الأمراض لا يغلب فيها الهلاك ،وانما يغلب فيها الشفاء .
أما لو كان المرض مرضا يغلب فيه الهلاك كالسرطان اذا أصاب منطقة حساسة كالدم والدماغ والرئة ،اذا اكتشف متأخرا فانه يعَد مرض موت لأنه يغلب فيه الهلاك .
ويعَد في حكم مرض الموت الحالات التي يحيط بالانسان فيها خطر الموت، ويغلب فيها الهلاك ولو لم يكن مريضا ، كما لو كان الانسان في منطقة حرب أو جنديا مع الجيش أو في منطقة كوارث طبيعية ،فكل هذه الظروف التي يحيط فيها بالانسان خطر الموت ويغلب في أمثالها الهلاك اذا مات الشخص فيها يعتبر موته نتيجة مرض الموت وتأخذ تصرفاته فيها حكم الوصية ولو لم يكن مريضا .

الفرع الثالث:أن يموت الانسان على حاله تلك قبل سنة من تاريخ المرض

متى اعتبر الشخص مريضا بمرض الموت كالأمراض المستحيل الشفاء منها في هذه الحالة اذا كان يزداد باستمرار ،فاذا طال سنة ولم يزدد خطورة أو لم يعد يخشى منه الوفاة تعذر اعتباره مرض موت ، فاذا عاد بعد ذلك الى الازدياد ومات منه المريض اعتبر مرض موت خلال فترة الازدياد التي سبقت الوفاة فقط .
لا بد للانسان حتى يعد تصرفه قد صدر في مرض الموت أن يكون قد صدر في أقل من سنة من بداية المرض الذي أقعده عن متابعة أعماله المعتادة الى حين وفاته ،وهذا التاريخ يمكن أن يثبت بتقرير من الطبيب على أساس أول مراجعة له أو بتقرير يحدد فيه بداية المرض ،على أن بداية المرض تعد واقعة مادية يمكن للورثة أن يثبتوها بكل طرق الاثبات ،ومنها شهادة الشهود، فاذا كانت مدة المرض التي انتهت بالشخص الى الوفاة أقل من سنة ولو بيوم واحد أو بساعات أو بدقائق اذا عرفت لحظة المرض والوفاة بالضبط كان الشخص مريضا مرض الموت وتأخذ تصرفاته في فترة المرض حكم الوصية ،فاذا امتد مرضالانسان الذي أعجزه عن متابعة أعماله لسنة أو لفترة تزيد عن سنة فان مرضه لا يعد مرض موت ،بل يكون مرضا عاديا وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح ولا تأخذ حكم الوصية .

المبحث الثاني أحكام البيع في مرض الموت

لا شك في أنه متى كان الشخص في حال الصِحة ،يكون له أن يتصرف في أمواله بكافة التصرفات بين الأحياء ،دون قيد على حريته في ذلك ،وقد تعددت أحكام البيع في مرض الموت التي نَص عليها القانون المدني ، وكان لازما أن نبين حكم البيع في مرض الموت ،ولذا سنقوم بتقسيم هذا المبحث الى مطلبين نتناول في المطلب الأول حكم البيع في مرض الموت لأحد الورثة ،ونتناول في المطلب الثاني الحكم القضائي في القضية الحقوقية التمييزية.

المطلب الأول حكم البيع في مرض الموت لأحد الورثة

لقد تطرَقت العديد من التتشريعات القانونية بشأن البيع في مرض الموت لأحد الورثة ، من خلال أنه اذا كان التصرف تبرعا فانه يعتبر وصية ، وبالتالي يجب أن تنفذ في حق الورثة ،ولذا سنقوم بتقسيم هذا المطلب الى فرعين ،نتناول في الفرع الأول موقف القانون الاردني من بيع المريض مرض الموت،ونتناول في الفرع الثاني أثر التصرف على الورثة،ونتناول في الفرع الثالث أثر بيع المريض مرض الموت على الدائن.

الفرع الأول : موقف القانون الاردني من بيع المريض مرض الموت

لقد تَضمنت نصوص القانون المدني الاردني على بيع المريض مرض الموت وذلك في نص المادة (544/1) بقولها:
– “بيع المريض شيئا من ماله لأحد ورثته لا ينفذ ما لم يجزه باقي الورثة بعد موت المورث “.
عمل المشرع الاردني على التمييز بين جميع حالات المريض مرض الموت وذلك من حيث، فاذا كان الشخص مريضا مرض الموت ،وقام بابرام التصرفات القانونية ومنها عقد البيع ، فان المشرَع قد أعطى حكما خاصا بالنسبة لهذا البيع ،وذلك بسبب أن مثل هذا الشخص لا يكون في تصرفاته، مثل الشخص المعافى فقد يقوم بابرام تصرفات ضارة بالورثة أو بالدائنين .
وقد يقوم بمحاباة بعض الورثة لذلك فان المشرع قد أعطى لهذه التصرفات حكم خاص ،ونجد أن هذا الحكم في مجمله و كأنه وصية ،وهذا الحكم فرق المشرع فيه بين أثر التصرفات على الورثة و أثر التصرفات على الدائنين .

الفرع الثاني : أثر بيع المريض مرض الموت على الورثة

أن قيام الشخص ببيع شيء من أمواله لأحد ورثته في مرض الموت لا ينفذ في حق الورثة الباقين الا اذا اجازوه ، وكلمة لا ينفذ تدل على أن التصرف يكون صحيحا وليس باطلا ، ولكنه موقوف على اجازة الورثة ،فان اجازوه كان نافذا في حقهم من وقت ابرام التصرف، وان رفضوه يكون باطلا من ذات الوقت ايضا.
واجازة الورثة أو رفضهم للتصرف لا يكون معتدا به الا بعد وفاة مورثهم ،أو أن يكون مضى على مرضه سنة أو أكثر ، والسبب في ذلك أن مرور سنة أو أكثر على مرض الانسان يدل على أن مرضه لم يكن مرض موت، بل مرضا عاديا مزمنا،والمرض مهما طال فانه لا يؤثر على تصرفات الانسان من حيث سلامتها،ولا يعقل طالما ظل الانسان مريضا، أن تكون تصرفاته مقيدة ويتعلق بها حق الورثة ، وهذا واضح من نص المادة (543/1) من القانون المدني الاردني والتي قالت”فان امتد مرضه وهو على حالة واحدة دون ازدياد سنة أو اكثر تكون تصرفاته صحيحة ” ،لأن العبرة في اعتبار الشخص مريضا مرض موت أن ينتهي به الى الوفاة قبل مرور سنة من بداية المرض الى حين وفاته ولو لم يكن متفاقما أو متزايدا ،أو أن يكون بعد مرور سنة أو أكثر من بداية المرض الى حين وفاته بشرط أن يكون المرض متفاقما أو متزايدا .
ووفقا لما ذهب اليه المشرع المصري ،أنه وفي حالة اذا ما ثبت أن التصرف الصادر في مرض الموت يعتبر تبرعا ،تسري عليه أحكام التبرعات ، فيكون نافذا في حدود ثلث التركة بما فيها المبيع نفسه ، ولا تنفذ الزيادة في حق الورثة الا اذا أجازوها .

الفرع الثالث :أثر بيع المريض مرض الموت على المتصرَف له

قد يقوم الوارث بالتصرف في العين المبيعة له الى متصرف اليه وهنا يجب التمييز بين احتمالين:
1- أن يكون المتصرف اليه حسن النية ،وفي هذه الحالة قد يتصرف له الوارث بالعين المبيعة لقاء عوض واختار الورثة عدم اجازة التصرف ،فليس من حقهم أن يفسخوا البيع الذي أجراه المريض ،سندا بنص المادة 547 من القانون المدني الاردني التي تنص على أنه “1- لا يجوز فسخ بيع المريض اذا تصرف في المبيع تصرفا أكسب من كان حسن النية حقا في عين المبيع لقاء عوض .
2- وفي هذه الحالة يجوز لدائني التركة المستغرقة بالديون الرجوع على المشتري من المريض بالفرق بين الثمن وقيمة المبيع ، وللورثة هذا الحق ان كان المشتري أحدهم …..”.
اذا ليس من المقبول فسخ عقد تم مع متصرف اليه حسن النية ،وكل ما يمكن أن يفعله الورثة هو الرجوع على المشتري وهو أحد الورثة، بالفرق بين الثمن وقيمة المبيع .
2- أن يكون المتصرف اليه سيء النية أو كان التصرف تبرعا ولو لمتصرف اليه حسن النية ، وفي هذه الحالة كان من حق الورثة فسخ العقد للمتصرف اليه لتعود العين لهم ليقسموها بينهم حسب أنصبتهم ،على أن من حق المتصرف اليه، سيء النية أن يعود على المشتري بضمان التعرض والاستحقاق اذا تلقى الحق معاوضة واذا كان المتصرف اليه قد تلقى الحق تبرعا فلا يعود على المشتري في شيء ولو كان حسن النية .

المطلب الثاني الحكم القضائي في القضية الحقوقية التمييزية

لقد بحثت محكمة التمييز الاردنية بصفتها الحقوقية وقائع القضية الحقوقية التمييزية التي أخذت رقمين وهما،القضية الاولى ذات الرقم (1804/2006) والقضية الثانية ذات الرقم (1734/2007) ولذا سنقوم بتقسيم هذا المطلب الى فرعين ،نتناول في الفرع الأول وقائع القضيتين الحقوقيتي التمييزيتين،ونتناول في الفرع الثاني التعليق على القرارين القضائيين.

الفرع الأول:مضمون القرارين الحقوقيين التمييزيين

لقد بحثت محكمة التمييز الاردنية بصفتها الحقوقية، وقائع القضية الحقوقية وقامت باصدار حكمها في القضية ، وتم العمل على تمييزه مرة أخرى أمام ذات المحكمة حتى اصدار حكمها الذي يأخذ حجية بقوة القانون،وسنعرض لحكمها الأول.
1- الحكم الأول : استندت محكمة التمييز الاردنية ، بصفتها الحقوقية في اصدار قرارها الى الوقائع التي تضمنتها أسباب التمييز المقدمة من المدعية(المميز)، من خلال انه تم اصدار حكم في القضية، رقم 520/2006 الصادر عن محكمة بداية حقوق عمان ،وتم استئنافه لدى محكمة استئناف حقوق عمان ، وأصدرت حكمها في القضية متمثلا بفسخ القرار الصادر عن محكمة بداية حقوق عمان في القضية رقم 260/99 فصل 14/7/2007 والحكم بفسخ عقد البيع رقم 2050/98 ، وتسجيل قطع الاراضي باسم جميع الورثة والحصول على حصر بالارث من المحكمة الشرعية بتوزيع قطع الاراضي على الورثة كلا بحسب حصصه الارثية،وبالتالي ما يؤخذ على محكمة الاستئناف مع الاحترام انها لم تنظر في تصرفات المريض مرض الموت.
ولكن تم تمييز الحكم الصادرعن محكمة الاستئناف لدى محكمة التمييز بصفتها الحقوقية ،قامت محكمة التمييز بفسخ القرار المستأنف ،وعملت على الاستناد لما جاء بأسباب التمييز المقدمة من المميز وهو فسخ عقد البيع ، وعدم اجازة تصرفات المريض مرض الموت ،وعلى ذلك أصدرت محكمة التمييز قرارها وهو عدم نفاذ التصرفات بحق المميز ضدها ،لأعتبار ان تصرفات المورث كانت في حالة مرضه مرض الموت.
الحكم الثاني: قامت محكمة التمييز بصفتها الحقوقية ،بالاستناد لما جاء في قرار محكمة الاستئناف باجازة التصرفات الصادرة عن المورث بحق جميع الورثة ما عدا المميز ضدها ، واتفقت على ان المورث في تصرفاته لم يعطى الحق في التصرف بالتركة ،للمميز وانما جعله من صالح جميع الورثة ، واعتبرت محكمة التمييز في قرارها الثاني أن تصرفات المورث لم تكن صادرة عن شخص مريض مرض الموت.

الفرع الثاني :التعليق على القرارين التمييزيين الحقوقيين

أصدرت محكمة التمييز الاردنية بصفتها الحقوقية قرارها في القضية الحقوقية المنظورة أمامها وعملت على بحثها واصدرت قراراتها بها،مع كل ذلك ان أهم الاحكام التي توصلت اليها للتعليق على القضية ،وبيان الرأي القانوني ومؤداه صواب القرار الأول رقم (1804/2006)الصادر عن محكمة التمييز الاردنية وفقا لما يأتي:-
أولا: أن المورث تصرفه في أمواله وهو مريض مرض الموت ،وبالأستناد الى نص المادة “543/1” والتي تبين من هو المريض مرض الموت بقولها:
– هو المرض الذي يعجز فيه الانسان عن متابعة أعماله المعتادة ويغلب فيه الهلاك ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة فان امتد مرضه وهو على حالة واحدة دون ازدياد سنة أو أكثر تكون تصرفاته كتصرفات الصحيح.
وحيث ان المورث أصابه مرض السرطان وأقعده عن ممارسة أعماله المعتادة ،وبالتالي هذا المرض يغلب فيه الهلاك أي الموت عادة .
ثانيا : أن التصرفات التي صدرت عن المورث كانت في الثلاثة أشهر الأخيرة من حياته ، والأعمال التي قام بها كانت خلال تلك المدة، مما يستوجب علينا الانتباه الى ذلك ، من حيث أن تلك التصرفات تأخذ حكم الوصية ، لأنه اذا تزايد المرض مع الانسان ، وانتهى به الى الوفاة، فيكون مرضه مرض موت ويأخذ حكم الوصية.
ثالثا: لقد جاء قرار المحكمة المتضمن، ابطال كافة التصرفات والبيوع الجارية على حصص المورث والحكم بتسجيل كامل، حصص المورث في هذه الشركات، باسماء جميع الورثة موافقا للقانون .
رابعا: أخطأت محكمة التمييز مع الاحترام ، بعدم اعتبار تصرف المورث مندرج ضمن تصرفات المريض مرض الموت، لأن السبب وواضح بتصرفات المريض خلال المدة التي قام بهذه التصرفات ،وكان ينبغي أن تجعل تصرفاته غير نافذة،وذلك لأن اجازته أو رفضه لو حدثت قبل الوفاة ،ستقع على حق ليس ملكه بل ملك مورثه.

الخاتمة

ان موضوع البيع في مرض الموت ،هو من المواضيع الهامة،وذلك لما لها من انتشار شائع بين الناس ،مما يسبب معه الكثير من الاشكاليات بين الناس،ولذلك نجد أن كافة التشريعات العربية ، ومن بينها التشريع الاردني عملت على وضع النصوص القانونية ،التي توضح كيفية التصرفات القانونية في بيع المريض مرض الموت ، من خلال بيان مفهومه وعرضها الأحكام المترتبة عليه.
وبالتالي نجد من خلال هذا البحث ، أهم الاحكام القانونية التي بينت لنا كيفية التصرف في حالة وجود نوع من هذه البيوع ،ومن خلال البحث نستنتج الفوائد القانونية الآتية:-
1- أن المريض مرض الموت ، هو يقوم بتصرفات قانونية أوجدها له القانون ولكن بين القانون أنه اذا تعذر على هذا الشخص اتمام تلك الأعمال اعتبر في حكم الموصي.
2- كافة البيوع التي تتم من الشخص اثناء مرضه مرض موت ،قد تكون نافذة و أو لا تكون نافذة في حق الورثة ، فان اجازوا نفذت ، وان لم يجيزوا لم تنفذ ، وان أجاز البعض ورفض الآخرين فانها وبنص القانون تنفذ في حق من أجاز من الورثة.
3- نجد بأن القانون نظم أحكام بيع المريض مرض الموت ، مع الورثة والدائنين ونظمها كذلك مع الأجني ، كل بحكمه القانوني.
وأخيرا وليس آخرا ، ان موضوع البيع في مرض الموت يجب الالمام به بكافة جوانبه القانونية ، حتى يرتب تصرفات قانونية متوافقة مع صلب القانون ، وألا يكون فيها الحاق ضرر بالآخرين .
المصادر والمراجع
المراجع:
1- الدكتور أنور سلطان، العقود المسماة شرح عقدي البيع والمقايضة دراسة مقارنة في القانونين المصري واللبناني دار النهضة العربية 1980.
2- الدكتور توفيق حسن فرج ، عقد البيع والمقايضة ،مطبوع للنشر عام 1985.
3- المحامي جاك يوسف الحكيم ،العقود الشائعة والمسماة “عقد البيع” ،جامعة دمشق.
4- الدكتور جعفر المغربي ، شرح العقود المسماة ، جامعة مؤتة 2009.
5- الدكتور سمير عبد السيد تناغو ،عقد البيع ،الناشر منشأة المعارف بالاسكندرية 1973.
6- الدكتور محمد الزعبي ، العقود المسماة شرح عقد البيع في القانون الاردني ،عمان 1993.
المصادر:
القانون المدني الاردني لعام 1976.

منقول