القاضي الإداري وحماية حقوق العاملين بمرافق الدولة من خلال مسطرة حق الدفاع

تعني هذه المسطرة بالنسبة للقاضي المغربي، أن القرارات الادارية التي تتضمن عقوبات تأديبية لاتكون مشروعيةإلا إذا تمكن الأفراد من إبداء ملاحظاتهم حول الإجراء الذي يعنيهم، ومن تقديم وسائلدفاعهم والإدلاء بحججهم حول الوقائع المنسوبة إليهم.

ورقابة القاضي الإداري في هذا المجال صارمة بحيث أنها توجب علىالإدارة في كل الأحوال مواجهة الموظف بما هو منسوب إليه، وتمكينه من حق الدفاع عننفسه حتى في حالة عدم وجود نص تشريعي أو تنظيمي يتعلق بهذه الضمانة الاجرائية لأنحقوق الدفاع في نظره هي الحقوق التي يؤدي حرمان الموظف منها،

الى جعل القرار متسما بالشطط في استعمال السلطة الذي يستوجب الإلغاء: »لايكفي لصيانة حقوق الدفاع إنذارالمعني بالأمر، وإن كان القانون لاينص على أحكام تفصيلية لضمان هذه الحقوق التيلاتحتاج الى نص يقرها، إلا أن هذه الضوابط تستلهم في كنف مبدأ عام أساسي يفرض علىالادارة تمكين الموظف من الدفاع عن نفسه باستفساره عن مبرراته وأخباره بدقة ووضوحبالعقوبة التي سيتعرض إليها« (1).

وتعميما للضمانات التي توفرها هذه القاعدة، اعتبر القاضي المغربي أنهذه القاعدة يجب تطبيقها على الأشخاص غير الخاضعين لقانون الوظيفة العمومية.

فالقاضي الاداري يعتبر أن حق الدفاع مبدأ من المبادىء الأساسيةللقانون التي يترتب البطلان عن عدم مراعاتها، وأن قاعدة حق الدفاع قضى على الادارةقبل إصدارها المقرر المطعون فيه اتخاذ ما يلزم من الإجراءات لاطلاع المعني بالأمرعلى المخالفات المنسوبة إليه، وتمكينه من تحقيق الدفاع عن نفسه وذلك حتى في حالةعدم وجود نظام أساسي يخضع له متعلق بالضمانات التأديبية، وأن حرمان الطاعن من هذهالضمانات الأساسية يجعل المقرر المطعون فيه متمسا بالشطط في استعمال السلطة: »إذاكان الظهير المتعلق بأعوان السلطة، لاينص على إجراءات التأديب،

فإن حق الدفاع، مبدأعام للقانون يجب تطبيقه ولو في حالة عدم وجود نص تشريعي أو تنظيمي، فكان من الواجبعليها أن تطبقه لتمكن المعني بالأمر من إبداء ملاحظاته قبل اتخاذ المقرر المطعونفيه الصادر بإعفائه من منصبه، مما يجعل المقرر المذكور مشوبا بالشطط في استعمالالسلطة« (2).

وفي حكم آخر: »إذا كان خلفاء القواد لاتطبق عليهم مقتضيات ظهير فاتحمارس 1963 المتعلق بالمتصرفين التابعين لوزارة الداخلية، ولا المقتضيات المدعىخرقها من الظهير المتعلق بالقانون الأساسي للوظيفة العمومية لكون الطاعن لايعتبر منالموظفين الرسميين في مفهوم الفصل 2 من هذا الظهير، فإن حقوق الدفاع التي تعد منالمباديء الأساسية للقانون يقتضي من الادارة وقبل إصدارها المقرر المطعون فيه اتخاذما يلزم من الإجراءات لاطلاع المعني بالأمر على المخالفات المنسوبة إليه وتمكينه منتهييء دفاعه عن نفسه، وذلك حتى في حالة عدم وجود أي نص تشريعي وتنظيمي يتعلقبالضمانات التأديبية«(3).

وإذا كان أهم نطاق لتطبيق هذه القاعدة في أحكام القاضي المغربي هيالقرارات ذات الطابع العقابي أو الجزائي على الأشخاص المرتبطة أو غير المرتبطةبالوظيفة العمومية، فإنه في حالات معينة حاول تمديد نطاق تطبيق هذه القاعدة إلىمجالات أخرى.

وعليه، فإن اتخاذ الادارة لبعض القرارات دون السماع لأقوال المعنيوحججه إنما يعتبر إخلالا بحق الدفاع الذي يعتبر من المبادىء القانونية العامةالملزمة للإدارة حتى في حالة عدم وجود نص.

إن القاضي يحرص على التأكيد من أن هناك مبادىء تحرص على تأكيد هذاالحق وتفرض على الادارة أن تلتزم به في إصدار قراراتها حتى خارج النطاق التأديبي،وذلك من خلال التزام الادارة باستدلاء بيانات للمعني بالأمر، وبضمان حقه في الاطلاععلى ملفه الشخصي بتمامه، وعلى جميع الوثائق الملحقة به، كما له أن يقدم ملاحظاتكتابية أو شفاهية أو يستحضر بعض الشهود وأن يحضر معه مدافعا باختياره.

حيث ينتج عنحق حضور المحاملي أمام المجلس التأديبي لمساعدة المتهم، وجوب تمكين المدافع منالاطلاع على محتويات الملف الإداري للمعني المنوي تأديبه ليتسنى له القيام بمهمةالدفاع على الوجه الأكمل. وإذا أخلت الجهة المختصة بمثل هذه القواعد، فإن قرارتهاتكون متسمة بعدم الشرعية وبالتالي يحق للقضاء أن يلغيها.

كما عمل القاضي الإداري المغربي على تمديد نطاق تطبيقها حتى في مجالنقل الأعوان العموميين، وعلى الرغم من الانتقال لايتعتبر عقوبة تأديبية حسب مضمونالفصل 66 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، وأنه يعود للرئيس الإداري السهر علىمسألة تنظيم جميع المصالح التابعة له وعلى حسن سيرها، وأن الانتقال مسألة داخلية،يتخذ القرار فيه تلبية لضرورات المصلحة على أساس أن الرئيس يعد المسؤول الوحيد عنسير المرفق، فإن القاضي الاداري المغربي أكد في عدة أحكام أنه من الممكن إنزال قراربالنقل بسبب تأديبي إذا ما احترمت الإدارة قاعدة حق الدفاع: »وحيث إنه حتى إذا كانمقرر الانتقال المتخذ لضرورة المصلحة، فإن هذا لايمنع من أن يكون المقرر المعللبخطأ معين،

وعلى أن الإدارة قبل أن تتخذ مثل هذا المقرر التأديبي قد منحت للمعنيفرصة تقديم ملاحظاته ووسائل دفاعه عن الأضرار المنسوبة إليه« (4)

وبالنظر إلى أهمية هذه القاعدة، حاول كذلك القاضي الإداري المغربيتمديد نطاق تطبيق هذه القاعدة، على بعض إجراءات التنظيم الداخلي، والتي لاتدخل ضمنالعقوبات المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية كالتنبيه،

وهذا ما جاء في حكمالمحكمة الإدارية بوجدة: »وحيث يؤخذ من القرار المطعون فيه أن النائب الاقليميلوزارة التربية الوطنية أوقع عقوبة تأديبية في حق الطاعن متمثلة في التنبيه المضافلملفه الإداري… لايمكن للإدارة أن توقع عقوبة التنبيه في حق الموظف المخالف إلابعد استدلائه ببياناته وتوضيحاته حول المخالفة المذكورة لخرق ضمانة حق الدفاع« (5).

بل إن القاضي الإداري المغربي ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث قرر إيقافتنفيذ القرار الإداري، مبررا ذلك بالإخلال بالمسطرة التأديبية التي تتضمن قاعدة حقالدفاع: »إن المساس بالوضعية الإدارية لموظف خارج مسطرة التأديب، وظروف النازلةوملابساتها، تبرر ايقاف تنفيذ القرار« (6).

كما ذهب في أحد أحكامه الى اعتبار أن عدم احترام قاعدة حق الدفاع،يشكل عيب خرق القانون: »وحيث أنه بالرجوع الى وثائق الملف وخاصة القرار المطعونفيه، يتبين أن رئيس المجلس الجماعي قد أصدره دون إحالة ملف المعني بالأمر علىاللجان المتساوية الأعضاء التي تشكل المجلس التأديبي، وذلك يشكل إخلالا جوهريا بحقالدفاع، وحيث إن القرار يكون والحالة ما ذكر متسما بعيب خرق القانون« (7).

إن القاضي الإداري، بتمديد نطاق تطبيق مسطرة حق الدفاع، يبذل قصارىجهده ليتخطى عدة عراقيل ويخلف رقابة قضائية نزيهة تضمن للعاملين حماية أكثر.

فأحكام القضاء الاداري حول قاعدة حق الدفاع، أعطت في السنواتالماضية، تفسيرا واسعا لمقتضيات هذه المسطرة، حيث وسعت من خلالها تطبيق الضمانات الإدارية لكل فرد تجمعه علاقة بالإدارة. وبالتالي ضمان مشروعية القراراتالادارية.