المضاربة العقارية وأثرها على المجال الحضري

بأمانة العاصمة صنعاء

فضل علي محمد رفيق

ماجستير في علوم المجال جامعة ابن الطفيل القنيطرة المغرب.
سنة خامسة دكتوراه مختبر الدراسات والأبحاث في التنمية الترابية
جامعة ابن الطفيل
القنيطرة المغرب.

تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد بودواح.

تعتبر المضاربة العقارية وعلاقتها بالتمدين، ظاهرة اجتماعية حديثة، احتلت الصدارة على مستوى العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وتعود الدراسات الأولى التي تناولت قيمة الأرض، إلى بحوث أجريت بأمريكا الشمالية، اهتمت بالمشاكل المترتبة عن إدارة الثروة المتراكمة من الأرض، وكيفية إدماج الفئات الاجتماعية، في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق مبدأ العدالة لمالك الأرض)[1](.

فالتعلق بالأرض، وبالملكية العقارية، لما توفره من استقرار وادخار في نفس الوقت، يؤدي إلى زيادة الطلب على الأراضي، سواء بالمدن أو بالمناطق المحيطة بها. ولعل هذا التفاوت بين التمسك بالملكية، وتزايد الطلب المبني على أساس توقع ارتفاع ثمن الأرض، يبعث على المضاربة العقارية.

إن المضاربة العقارية، لها تأثيرات سلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، إذ تؤدي إلى التضخم في الاقتصاد، كما أنها تؤثر سلبا على مجريات التخطيط الحضري؛ فهي لا تساهم في الدورة الاقتصادية بشكل سليم، كون الذين يمارسوا المضاربة العقارية، يحاولون الاستفادة من وضعية ندرة الأراضي، وعدم التوازن بين العرض والطلب، الذي تعرفه السوق العقارية )[2](.
فقطاع البناء بأمانة العاصمة، يشكل المجال الأكثر ربحاً، كونه لا يكلف مصاريف كبيرة، كما هو الشأن بالنسبة للمشاريع التجارية والصناعية المنتجة، وهو سلوك يؤدي بفعل معدل النمو الحضري للمدينة، إلى تزايد سريع لثمن العقار، يفوق بكثير نسبة تزايد الأسعار الأخرى.

ولعلنا هنا، سنحاول تحليل العلاقة السلبية، بين تطور ثمن العقار بأمانة العاصمة والمجال الحضري، وذلك من خلال التعرض لتطور ثمن العقار، ولمختلف السلوكيات التي تؤدي إلى تأجيج المضاربة العقارية، وما لذلك من تأثيرات على المجتمع، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.

.Iارتفاع ثمن العقار: إقصاء فئات اجتماعية على حساب فئات أخري.

لا شك، في أن القيمة العقارية في المجال الحضري، لا تتحدد بفعل ميكنزمات العرض والطلب فقط، ولكن ترتبط كذلك، بتزايد الطلب على أراضي معينة في مناطق محددة؛ لأن الطبيعة الخاصة للأرض، ليست كالسلع المعروضة في الأسواق الاقتصادية، فموقع الأرض ووظيفتها وأهميتها في النسيج الحضري، له دور أساسي في ارتفاع ثمن العقار، الذي من شأنه أن يؤثر سلبا على التوزيع العادل للمجال الحضري، مثلما يؤثر على مسار التخطيط الحضري العمراني المقرر)[3](.

وغالبا ما يفضل أصحاب الأراضي، الاحتفاظ بملكياتهم لتحقيق المزيد من الأرباح مع مرور الوقت، وتزايد الطلب عليها، وأمام هذا الطلب المتزايد، أصبحت الملكية العقارية، منتوجا نادرا يتهافت عليه مختلف المتدخلين في مجال التعمير؛ وبفعل احتكار الأراضي من طرف أصحابها، تتم عرقلة عمليات التعمير بمختلف أنواعها. فمشكلة المضاربة العقارية وتجميد الأراضي، ناتج في الواقع عن المفهوم والتصور اللذين تأخذهما الملكية الخاصة داخل المجتمع؛ والملكية حسب القوانين اللبرالية، حق مطلق يمنح لصاحبه حق التمتع والتصرف في ملكيته، متى وكيفما شاء.
لقد أدت المضاربة العقارية، بأمانة العاصمة، إلى تزايد مهول في ثمن العقار، بحيث لا يمكن مقارنتها مع الزيادات التي عرفتها أسعار المنتوجات الاقتصادية الأخرى؛ ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الجدول التالي:

الجدول رقم )1) تطور سعر المتر المربع من الأراضي بأمانة العاصمة صنعاء مابين1980- 2009م.

المبلغ بالريال اليمني

الأحياءالسنواتالحد الأعلىالحد الأدنىالمتوسط
⃰ 1  السبعين أزال1980ـ1990409002040030650
1991ـ2000681004540056750
2001ـ20091022007950090850
⃰ 2 بني حوات1980ـ199039002502075
1991ـ2000136007007150
2001ـ200934000300018500

المصدر: العمل الميداني من يناير إلى مايو 2010.⃰1 احياء غنية : ⃰2 احياء فقيرة.

لقد أصبح هذا الارتفاع، في ثمن العقار، يشكل عبئا ثقيلا على عمليات البناء والسكن، الشيء الذي يؤدي لا محالة إلى غلاء منتوج السكن، وإلى عجز غالبية السكان بالمدينة، عن اقتناء سكن يناسب دخلهم الشهري المتواضع. كما أن سلبيات هذا الارتفاع غير الطبيعي، لثمن الأراضي يؤدي حتما إلى ارتفاع كل ماله علاقة بالبناء، من مواد للبناء وشقق وبنايات وقيمة الإيجار. كما أن لظاهرة انتشار السكن “السري” وغير القانوني”، علاقة بالارتفاع المهول لثمن الأراضي بالمدينة، كون القسط المالي الذي يمكن لكل عائلة أن تخصصه من مدخولها لمواجهة متطلبات السكن ضعيف.

من جانب أخر، أصبحت أسعار العقار، وسيلة أساسية للتمييز بين الأحياء السكنية بأمانة العاصمة؛ هذا، بالإضافة إلى أن الارتفاع الدائم لهذه الأسعار، قد أصبح أداة للفرز الطبقي داخل المجتمع بهذه المدينة، حيث يلعب الموقع، ونوع السكن، وعدد الطبقات وما إلى ذلك من الخصوصيات، دورا أساسيا في ارتفاع قيمة الأرض، لأن الاختلاف في ثمن العقار داخل نفس المدينة، يعد مؤشرا على تفاوت المستوى الاقتصادي والاجتماعي لدى الفئات الاجتماعية، فهو يعبر عن ارتفاع مستوى العيش لدى البعض، وتدنيه لدى البعض الآخر.

ففي أمانة العاصمة، ومن خلال البحث الميداني للأحياء المدروسة، يتبين هذا التفاوت؛فالأجزاء الجنوبية من المدينة ـ من ضمنها حي السبعين أزال ـ قد عرفت انتعاشا ملحوظا في أسعار أراضيها )19%( و)32%( و)48%( على التوالي، طوال الفترات المبينة في الجدول أعلاه.

ولعل الطفرة الحاصلة في قيم العقارات في الأجزاء الجنوبية للمدينة، يرتبط ارتباطا وثيقا بتدخلات الدولة، من خلال التوزيع المجالي للتجهيزات، وإنشاء الحي “السياسي” والمدينة السكنية ـ بـ “حده” الخاصة بالفئات العليا بالسلم الوظيفي للدولة، حيت يعد مجمع حده السكني، أحدث تجزئة بأمانة العاصمة تم إعدادها وتهيئتها بالمدينة.

أما فيما يخص الأجزاء الشمالية لأمانة العاصمة ـ ومن ضمنها حي بني حوات-، فقد ظلت أسعار الأراضي تنمو ببطء شديد، نظرا لافتقار بنيتها إلى مقومات انتعاش قيم هذا النمط من الأراضي، فهشاشة بنيتها التحتية، وضعف مستوى التجهيزات والمرافق العمومية، وعدم إخضاع هذه الأجزاء للتهيئة والتخطيط الحضري المدروس، كفيل بجعل أراضيها، في منأى عن تطلعات الطبقات الاجتماعية الغنية، وأصبحت بذلك هدفا للفئات الاجتماعية ضعيفة الدخل، لأن هذه الأخيرة لا تستطيع تحقيق رغبتها في المجال السكني، وفق شروط لا تتماشى مع قدرتها الشرائية.
مما جعل هذه الوضعية، تخلق جملة من المفارقات، تظهر أهمها في إنشاء تجمعات سكنية هامشية وعشوائية، كما هو الحال في حي “وادي احمد” ومدينة الليل بـ “مذبح” وأحياء أخرى في مديرية “بني الحارث”، وإلى إنشاء سوق عقارية غير رسمية، من أهم سماتها، المضاربة العقارية وسوء التجهيز.

وهكذا، فإن نسبة كبيرة من سكان المدينة، الذين يدفعهم مستواهم الاقتصادي، بالإضافة إلى السكان الريفيين النازحين من الأرياف، بحثا عن فرص الشغل، إلى اللجوء إلى السوق العقارية غير الرسمية، التي تتميز أساسا بتوفير قطع أرضية صغيرة، بأثمان تناسب القدرة الشرائية المتواضعة لهذه الفئات، يتم بناؤها بعيدا عن مراقبة السلطات العمومية.

هذه الوضعية تنتج خللا داخل النسيج الحضري وتفككاً للمدينة، مما يصعب معه التحكم في صيرورة نموها وتوسعها، وفق متطلبات قواعد التعمير)[4](. وطالما انه باستطاعة الجهات المسؤولة، إيجاد حلول لهذه المشاكل، التي ستعزز من قيم هذه الأراضي، فإن تلك الجهات باتت تساهم بطريقة غير مباشرة، في خلق الإقصاء الاجتماعي وتكريس التمايز السوسيومجالي.

.IIالآثار الاقتصادية والاجتماعية للمضاربـة العقـاريـة.

لقد تحولت الملكية العقارية، من رمز للجماعة، إلى أداة للعزلة وعدم التضامن، وتتسم بالسلبية، لأن المشكلة العقارية، أضحت عائقا أمام التطور العمراني، وكما يصفها البعض بعدو التعمير والتخطيط الحضري.

ونظرا للأرباح المضمونة، التي تعود من خلال المضاربة العقارية على المعنيين بها، فإنها لا تساعد بذلك على تنمية الإنتاج وعلى تطور المجال الحضري، بقدر ما تعمل على شل التهيئة الحضرية للمدينة، وعلى جعل أقلية من الفاعلين في السوق العقارية، تتحكم في نمط عيش أغلبية الساكنة.

فجل الباحثين يتفقون على أن المضاربة العقارية، تؤثر بشكل سلبي على المجتمع بكامله، حيث تؤدي إلى انزلاق الاستثمارات، نحو قطاع غير منتج بالمعنى الاقتصادي الدقيق، لأن هذا القطاع يعرف ارتفاعا في الأسعار بوتيرة تفوق ما يحدث في السوق الاقتصادية بشكل عام[5].

وتعرف مختلف القطاعات الاقتصادية، تضخما بفعل ما يجري في المجال العقاري، كما يتأثر قطاع البناء وسياسة التهيئة بشكل سلبي، بفعل ظاهرة المضاربة، ويرى البعض أن أعمال المضاربين العقاريين تساهم في تغييب وعرقلة كل تخطيط حضري، إذ بدل إعداد استراتيجية حضرية وعمرانية منسجمة، تجد السلطات نفسها، بصدد إعداد سياسة دفاعية، لحماية الأنشطة الاقتصادية، وعلاج النسيج الحضري، وهذا ما يحدث بالفعل في أمانة العاصمة. فاحتكار الأراضي بهذه المدينة، قد جعل السلطات العامة، عاجزة عن حل مشكلة ندرة الأراضي، والمشاكل المرتبطة بها، من نزاعات وغيرها. ومن شأن هذه الوضعية السلبية أن تؤثر على مختلف التركيبات الاجتماعية من عدة زوايا أهمها:

III. تأثير المضاربة العقارية على سياسة التخطيط الحضري.

إن الارتفاع المتزايد لأثمان الأراضي، لا يؤدي فقط إلى تضخم الاقتصاد، ولكنه يؤثر سلبا على العدالة الاجتماعية، ويعيق سياسة التخطيط الحضري. والمتمعن في النسيج الحضري لأمانة العاصمة يجد أنه يتطور، ولكنه في نفس الوقت، لا يستجيب لحاجيات السكن، فنمو المدينة قد تجاوز حدودها الإدارية الرسمية، وعلى امتداد الطرق الإقليمية، كما هو حاصل على طريق “تعز” وطريق “المحويت” والحديدة”، وذلك على حساب المناطق الريفية المجاورة، وبفعل ذلك، فهذه الأخيرة قد عرفت ارتفاعا ديمغرافيا سريعا، وأصبحت تتوفر على بعض الخصائص والميكنزمات، التي تقارب ما هو موجود بالمدينة، لكن دون أن تفقد طابعها الريفي، خاصة فيما يتعلق بنمط العيش وصعوبة التأقلم مع حياة المدينة؛ وبهذا يصعب التفريق بين ما هو ريفي وما هو حضري بهذه المناطق المتداخلة[6].

ونتيجة لعدم وجود قواعد استقبال الوافدين على المدينة من جهة، وفي ظل غياب سياسة عقارية تحد من هذه المضاربة من جهة أخرى، فإن الأزمة تؤثر على مستوى تدهور وضعية السكان. فارتفاع الكثافة في بعض أجزاء المدينة، وانتشار المضاربة العقارية، أدى إلى عدم استقرار بعض الفئات المتضررة من هذه الوضعية من منطقة إلى أخرى، بحثا عن سكن مناسب. وهذا يؤدي إلى تدهور الأوضاع السكنية، وإلى انتشار السكن العشوائي وغير القانوني، بهوامش وضواحي أمانة العاصمة، وهي وضعية، في الواقع، تبين سوء التوزيع في المجال الذي أفرزته سلبيات المضاربة العقارية. فظاهرة التمدين على هذا الشكل، تتم في غياب المساواة في توزيع المجال، كون المدينة تحتفظ في قلبها بالسكان، الذين يتوفرون على السلطة والمال، ويمكنهم تحمل متطلبات الحياة الحضرية بينما تبعد الأفراد الذين يقل وزنهم في داخل مجتمع المدينة.

خاتمة:

من هنا يتضح أن للمضاربة العقارية اثار بالغة على سياسة التعمير بحيث لا يمكن أن تحدد أهدافها وغاياتها إلا باعتماد سياسة عقارية واضحة المعالم وذات أهداف واضحة ومبرمجة، فعدم وضوح السوق العقارية وغياب آليات البرمجة لتوفير ما يلزم من الأراضي، وعدم التدخل في الوقت المناسب، من شأنه أن يعرقل توجهات الدولة في مجال التهيئة العقارية وبالتالي عرقلة برامج التنمية الحضرية والعمرانية.

إن تغليب الطابع الخصوصي على الملكية العقارية يجعلها سلبية، ويجب على سياسة التعمير أن تعمل على جعل حد لهذه السلبية، وفرض القيود على الحرية في التعامل مع الوعاء العقاري عن طريق التعرف عليه ومراقبة سوقه من اجل الحد من المضاربة فيه([7]).

المراجع:

إشكالية الاستثمار العقاري بين متطلبات القانون ورهانات التنمية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة الأولى 2007.
كمنجي بلال النور، تهيئة المجال والتنمية الحضرية بمدينة القنيطرة، أطروحة لنيل الدكتوراه في الآداب، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل،2005.
هارلود ب دنكرلي، سياسة الأرض الحضرية، ترجمة نور الدين خليل، دار التعاون للطبع والنشر، القاهرة، 1985.
وزارة الانشآت والإسكان والتخطيط الحضري، التخطيط الحضري بين الواقع والرهانات، تقرير غير منشور 2004.
الهوامش
[1]- كمنجي بلال النور، تهيئة المجال والتنمية الحضرية بمدينة القنيطرة، أطروحة لنيل الدكتوراه في الآداب، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل،2005، ص102.
[2]- هارلود ب دنكرلي، سياسة الأرض الحضرية، ترجمة نور الدين خليل، دار التعاون للطبع والنشر، القاهرة، 1985، ص194.
[3]- الهادي مقداد، السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى، الطبعة الأولى،2000، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء، ص93.
[4]- الهادي مقداد، مرجع سابق، ص50.
[5]- لطيفة بحوص، إشكالية الاستثمار العقاري بين متطلبات القانون ورهانات التنمية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة الأولى 2007، ص 31.
[6]- وزارة الإنشات والإسكان والتخطيط الحضري، التخطيط الحضري بين الواقع والرهانات، تقرير غير منشور 2004، ص 11.
[7]- مقداد الهادي، مرجع سابق؛ ص. 118.