إبرام المعاهدات الدولية على ضوء دستور 1996

تميز النظــام القانوني لإبرام المعاهدات الدولية بعدم التوازن . فمن ناحية السلطات المكلفة بإبرام المعاهدات الدولية ، لم يكن للتغيير العضوي الحاصل في السلطتين التنفيذية والتشريعية أثر في التوزيع المتباين لهذه السلطة .

فبالنسبة للسلطة التنفيذية يتميز دورها بتفوق مركز رئيس الجمهورية في مواجهة رئيس الحكومة الذي غفل الدستور عنه والبرلمان ، فيشرف على إبرام المعاهدات الدولية ويصادق عليها بنفسه ، وهذا كله بوسائل قانونية تثير بعض الالتباس خاصة المادة 87 التي تحظر عليه تفويض اختصاصه في هذا المجال .

أما دور السلطة التشريعية المعززة بنظام الغرفتين في ظل دستور 1996 فسجل تقهقرا نصا وممارسة ، بسبب المادة 131 التي أبقت على التنظيم السيئ للمعاهدات الخاضعة للموافقة البرلمانية ، والأدوات القانونية التي تنظم عمل البرلمان التي كرست التراجع بشكل واضح استنادا إلى رأي من المجلس الدستوري .

بينما بقي دور المجلس الدستوري مبهما ومجهول العواقب بسبب توكيله مهمة الرقابة البعدية على دستورية المعاهدات ، واقتصار إخطاره على جهات محددة لم تقم بإخطاره إلى اليوم.

وانعكس هذا التوزيع على آليات إبرام المعاهدة المرتبطة تعريفا وإجراء والتزاما بالتصديق الذي يمارسه رئيس الجمهورية عليها .

فتستند الجزائر على تعريف شكلي ورسمي للمعاهدة يرتبط أصلا بمدى خضوعها لتصديق رئيس الجمهورية ولا يهم بعد ذلك تسميتها ، أو الركن الذي تنشر فيه في الجريدة الرسمية . ويعد التصديق الوسيلة الرسمية والأساسية للالتزام بالمعاهدة في وقت تخالف الممارسة هذا التنظيم باٍعتمادها وسائل أخرى لتستفيد هي عوض الدستور من المرونة التي أحدثتها اتفاقية فيينا.

وبالرغم من الأهمية التي يكتسيها التحفظ على المعاهدات الدولية ، إلا أنه مسألة لا تهم سوى الحكومة الجزائرية التي لا تدخر أي جهد في إعلان تحفظها على كل بند ينص على الولاية الإجبارية للتحكيم ومحكمة العدل الدولية ، بينما لا تقـوم بأي جهد من أجل نشره وإعلام المخاطبين به ، حتى يتمكن القاضي من معرفة النصوص المستبعدة.

وفي سبيل حل وتدارك هذه النقائص ، فينبغي اٍستغلال أية فرصة قادمة لتعديل الدستور من أجل إضافة فصل مستقل خاص بالمعاهدات الدولية ، وتعديل النصوص التشريعية والتنظيمية الموجودة ، بشكل يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية التي تتطلبها المعاهدات الدولية في النظام القانوني للدول ، ويأخذ في الاعتبار ضرورة سحب حظر التفويض الوارد في المادة 87 ، والسماح بدور أفضل لرئيس الحكومة ، واٍقتصار رقابة المجلس الدستوري على رقابة قبلية وقائية وتوسيع إخطاره إلى أكبر عدد ممكن من السلطات ذات العلاقة بالموضوع .

في حين ينبغي تطوير المفهوم الجزائري للمعاهدات من خلال عدم ربطه برئيس الجمهورية لوحده ، والاعتراف الرسمي بجميع وسائل الالتزام لتكريس تعدد أنواع المعاهدات في الجزائر، والمبادرة بنشر جميع التحفظات .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت