مقال عن حكم الأهلية طبقاً لمراحل تطورها مع عمر الإنسان

إذا كانت أهلية الوجوب تبدأ كاملة منذ ولادة الإنسان حياً , فان أهلية الأداء تنمو وتتطور مع الزمن , ذلك لأن أهلية الوجوب منوطة بالحياة الإنسانية , أما أهلية الأداء فمنوطة بالعقل والتمييز , ولما كان العقل أو التمييز يكتمل تدريجياً لدى الإنسان بحسب السن , فإن أهلية الأداء تتدرج هي أيضاً تبعاً لذلك .

وقد يعترض التمييز عارض من العوارض التي تعدم التمييز أو تنتقص منه , فيكون لهذا العارض أثره بالتالي على الأهلية .

وقد يكون الشخص كامل التمييز وبالتالي كامل الأهلية , ومع ذلك يقوم هناك مانع طبيعي أو قانوني يمنعه من التصرفات القانونية .

– مراحل تطور الأهلية:
تمر الأهلية بمراحل متعددة تبعاً لمراحل نمو الإنسان وتطوره .
ويمكن تقسيم المراحل الطبيعية التي يمر بها الإنسان قي حياته إلى أربع مراحل :
A- مرحلة الجنين ,
B- ثم مرحلة عدم التمييز ,
C- ثم مرحلة التمييز ,
D- وأخيرا مرحلة الرشد .

أ ـ المرحلة الأولى : مرحلة الجنين:
في هذه المرحلة يكون الإنسان جنيناً في بطن أمه . والأهلية التي تثبت للجنين هي أهلية الوجوب الناقصة , ذلك أن مناط أهلية الوجوب هو الحياة الإنسانية , وهي ثابتة للجنين , إلا أن الحياة فيه ناقصة , فاستوجب ذلك إثبات أهلية وجوب ناقصة له تتلائم ونقص الحياة فيه .

ومن البديهي ألا تكون للجنين أهلية أداء مطلقاً , لأن أهلية الأداء تعني صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية بنفسه .
وأهلية الوجوب الناقصة تجعل الجنين أهلا لثبوت بعض الحقوق له دون أن تجعله أهلا لثبوت كل الحقوق , و دون أن تجعله أهلاً لتحمل أي التزام , فقد ذكرنا أن أهلية الوجوب تقوم على عنصرين هما : صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق , وصلاحيته لتحمل الالتزامات :
فأهلية الوجوب التي تثبت للجنين لا تتضمن العنصر الثاني وهو صلاحية تحمل الالتزامات , بل تقتصر على العنصر الأول المتعلق بصلاحية اكتساب الحقوق , كما أنه حتى بالنسبة لهذا العنصر لا تثبت للجنين كل الحقوق بل تثبت له فقط الحقوق الضرورية التي يقتضيها وضعه , والحقوق الضرورية التي يعتبر الجنين أهلا لاكتسابها هي : النسب والإرث والوصية .

ب- المرحلة الثانية: عدم التمييز:
تبدأ هذه المرحلة من وقت الولادة , وتنتهي ببلوغ الطفل سن التمييز .
وقد حدد المشرع سن التمييز بسبع سنين , حيث نصت المادة 47 من القانون المدني السوري في فقرتها الثانية على أن كل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقد التمييز .
وبالولادة تكتمل أهلية الوجوب لدى الإنسان , لأن مناط أهلية الوجوب هو الحياة , وقد اكتملت له الحياة بولادته حياً , فيكون له بذلك أهلية وجوب كاملة .

وأهلية الوجوب الكاملة تجعل الطفل غير المميز صالحاً لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات , فتجعله أهلاً ليكون صاحب حق , كأن يكون مالكاً لما يشترى له أو يوهب إليه , كما تجعله أهلاً لأن يكون مكلفاً بالتزام , كأن يكون مديناً لغيره بثمن المبيع المشترى له أو بأجرة العقار المستأجر له .

وتظل أهلية الوجوب الكاملة التي تثبت بالولادة ملازمة للإنسان بمختلف مراحل حياته دون أن ينتقص منها شيء .
أما أهلية الأداء فتكون معدومة لدى الطفل الغير مميز , لأن مناط أهلية الأداء هو التمييز والطفل في هذه المرحلة يكون فاقد الإدراك والتمييز .

ويترتب على انعدام أهلية الأداء لدى الطفل غير المميز انعدام صلاحيته لإجراء التصرفات القانونية بنفسه أيا كان نوعها .
وعلى هذا تعتبر جميع تصرفات الطفل غير المميز باطلة , ولا يرتب عليها القانون أي أثر حتى ولو كانت نافعة له نفعاً محضاً , كقبول الهبة التي توهب له .

وهذا ما تقتضي به المادة 111 من القانون المدني السوري التي تنص على أنه ليس للصغير غير المميز حق التصرف في ماله , وتكون جميع تصرفاته باطلة .

وإذا كان الطفل غير المميز لا يستطيع إجراء التصرفات القانونية بنفسه لانعدام أهلية الأداء لديه لزم أن يكون هناك شخص يباشر عنه هذه الأهلية ويقوم بإجراء التصرفات القانونية عنه , وهذه هي الولاية على المال .

والولاية على مال القاصر – وهو الذي لم يبلغ سن الرشد سواء أكان مميز أم غير مميز -تكون للولي وهو الأب أو الجد العصبي .

وفي حال عدم وجود الأب أو الجد العصبي تتحول الولاية على المال إلى وصاية , وتكون الوصاية على مال القاصر للشخص الذي يختاره الأب أو الجد قبل وفاتهما , ويسمى بالوصي المختار , فإذا لم يكن هناك وصي مختار فإن المحكمة هي التي تعين الوصي .
وعلى هذا فالوصي هو شخص غير الأب أو الجد العصبي يولى على مال القاصر , إما بالاختيار من قبل الأب أو الجد , وإما بالتعيين من قبل المحكمة .

ج- المرحلة الثالثة : التمييز :
وتبدأ هذه المرحلة من سن التمييز , أي من سن السابعة , حتى بلوغ سن الرشد , وهي ثمانية عشرة سنة .

ويكون إدراك الإنسان وتمييزه في هذه المرحلة من الحياة وسطاً بين الانعدام والاكتمال , لذلك يثبت للصبي المميز فوق أهلية الوجوب الكاملة التي كانت له أهلية أداء ناقصة , فيكون ناقص

أهلية الأداء :
ذلك أن أهلية الأداء مناطها العقل والإدراك , ولما كان الصبي المميز في هذه المرحلة يثبت له إدراك ناقص ناسب ذلك أن تكون له أهلية أداء ناقصة.

وقد نصت المادة 112 من القانون المدني السوري على انه
” 1ـ إذا كان الصبي مميزاً كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعاً محضاً , وباطلة متى كانت ضارة ضرراً محضاً .
2ـ أما التصرفات المالية الدائرة بين النفع و الضرر فتكون قابلة للإبطال لمصلحة القاصر . ويزول حق التمسك بالإبطال إذا أجاز القاصر التصرف بعد بلوغه سن الرشد , أو إذا صدرتالإجازة من وليه أو من المحكمة بحسب الأحوال وفقا للقانون ” .

ويتبين من هذا النص أن حكم تصرفات الصبي المميز يختلف باختلاف أنواع التصرفات القانونية التي يرغب في إجرائها :
#فيحق للصبي المميز إجراء التصرفات النافعة نفعاً محضاً , وتعتبر صحيحة متى صدرت عنه , إذ يعتبر الصبي المميز بحكم كامل الأهلية أي تكون له أهلية كاملة بالنسـبة لهذه التصرفات .
#وعلى العكس من ذلك , لا يستطيع الصبي المميز أن يباشر التصرفات الضارة ضرراً محضاً , وإذا صدرت عنه تعتبر باطلة ولا يترتب عليها أي أثر , إذ يعتبر الصبي المميز بحكم عديم الأهلية كالصبي غير المميز بالنسبة لهذه التصرفات .
#أما التصرفات التي يباشرها الصبي المميز والتي تكون دائرة بين النفع والضرر فتكون قابلة للإبطال لمصلحة الصبي المميز نفسه :
ومعنى ذلك أن هذه التصرفات تعتبر موجودة قانوناً ومنتجة لآثارها ولكنها مهددة بالإبطال . وهذا الإبطال يمكن أن يطلبه الولي أو الوصي أو الصغير المميز نفسه بعد بلوغه سن الرشد .
فإذا حكم بإبطال هذه التصرفات اعتبرت كأن لم تكن أصلاً .
وتصبح هذه التصرفات صحيحة بصفة نهائية بحيث لا يمكن طلب إبطالها إذا أجازها الصغير المميز نفسه بعد بلوغه سن الرشد , أو أجازها الولي أو الوصي أو المحكمة بحسب ما خوله القانون لكل منهم من سلطة القيام بالتصرف أو الإذن به .

وإذا كان ذلك هو الأصل في مدى أهلية الصبي المميز لمباشرة التصرفات القانونية , فإن المشرع خرج على هذا الأصل في حالتين استثنائيتين :

أ ) ـ الحالة الأولى :وهي تتعلق بالصبي المميز الذي يؤذن له في تسلم أمواله لإدارتها :
فقد نصت المادة 113 من القانون المدني السوري على أنه :
” إذا بلغ الصبي المميز الخامسة عشرة من عمره وأذن له في تسلم أمواله لإدارتها أو تسلمها بحكم القانون كانت أعمال الإدارة الصادرة منه صحيحة قي الحدود التي رسمها القانون ” .
وقد أجازت المادة 164 من قانون الأحوال الشخصية السوري للقاضي أن يأذن للقاصر بعد بلوغه سن الخامسة عشرة وسماع أقوال الوصي بتسلم جانب من أمواله لإدارتها .
وللقاصر المأذون مباشرة أعمال الإدارة وما يتفرع عنها , كبيع الحاصلات وشراء الأدوات , ولا يجوز له بغير موافقة القاضي مزاولة التجارة ولا عقد الإجارة لمدة تزيد على سنة , ولا أن يستوفي حقاً أو يوفي دينا لا يتعلق بأعمال الإدارة .
ويعتبر القاصر المأذون كامل الأهلية فيما أذن له به , فلا يستطيع بعد ذلك أن يحتج بنقص أهليته لإبطال التصرفات التي كان قد أجراها في حدود الإذن الممنوح له .

ب ) ـ الحالة الثانية : وهي تتعلق بالصبي المميز الذي يتولى إدارة ماله الذي كسبه من عمله الخاص :
فقد منحت المادة 169 من قانون الأحوال الشخصية للصبي المميز الذي بلغ الثالثة عشرة من عمره الحق في أن يتولى إدارة ماله الذي كسبه من عمله الخاص .
وأعمال الإدارة التي يقوم بها القاصر بالنسبة إلى هذا المال تعتبر صحيحة وغير قابلة للإبطال كتصرفات كامل الأهلية .

د- المرحلة الرابعة : الرشد :
تبدأ هذه المرحلة لدى الإنسان ببلوغه سن الرشد , وتستمر بقية حياته .
وقد نصت المادة 46 من القانون المدني السوري على أنه :
” 1 ـكل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية .
2 ـ وسن الرشد هي ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة”.
وعلى هذا إذا أتم الشخص الثامنة عشرة من عمره اعتبره القانون كامل التمييز والعقل , ولما كان مناط أهلية الأداء هو العقل والتمييز فيكون لهذا الشخص أهلية أداء كاملة , بحيث يستطيع إجراء جميع التصرفات القانونية بنفسه , سواء أكانت نافعة نفعاً محضاً أو ضارة ضرراً محضاً أو دائرة بين النفع والضرر .
[ ملاحظة : سن الرشد في القانون المدني المصري هي إحدى وعشرون سنة كاملة ] .

وتحديد سن الرشد بسن معين هي الثامنة عشرة إنما يكون على أساس قرينة معينة , هي أن الشخص في هذه السن قد اكتمل عقله وتمييزه فلا حاجة للإنسان بعد بلوغه سن الرشد إلى إثبات رشده واكتمال عقله وتمييزه حتى يستطيع التمتع بأهلية كاملة , بل يعتبر كامل الأهلية حكماً بمجرد بلوغه هذه السن ما لم يكن قد طرأ عليه عارض من عوارض الأهلية .

والأصل في الشخص أن يكون كامل الأهلية , وبهذا قضت المادة 110 من القانون المدني السوري بقولها :
” كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون ” .
فهذا النص يجعل الأصل كمال الأهلية لدى الشخص بحيث لا يعتبر الشخص عديم الأهلية أو ناقصها إلا بمقتضى نص في القانون .
وهذا يعني أن التصرفات القانونية التي يجريها الشخص يفترض مبدئيا أنها قد صدرت عنه وهو كامل الأهلية , وعلى من يدعي خلاف ذلك أن يثبت ما يدعيه .

وتعتبر أحكام الأهلية من النظام العام , فلا يجوز الاتفاق على إعطاء الشخص أهلية لا تتوافر له أو الاتفاق على حرمانه من أهلية يتمتع بها قانونياً , أو الاتفاق على توسيعها أو تضيقها .
وهذا ما تقتضي به المادة 50 من القانون المدني السوري إذ تنص على أنه :
” ليس لأحد التنازل عن أهليته ولا التعديل في أحكامها ” .

فإذا اتفق شخص كامل الأهلية مع آخر على التنازل عن أهليته واعتبار تصرفاته القانونية التي يجريها باطلة أو قابلة للإبطال كان هذا الاتفاق باطلاً .

وإذا باع شخص ناقص الأهلية عقاراً وتعهد للمشتري بعدم المطالبة بإبطال هذا البيع بعد بلوغه سن الرشد كان هذا التعهد باطلا , لأنه يعتبر بمثابة تعديل لأحكام الأهلية .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت