هكذا حول الابتزاز الإلكتروني حياة مغاربة إلى جحيم
حمزة سعود
شكل متطور من أشكال تسريب المعطيات والملفات الشخصية الخاصة بالمستعملين. العملية تتم بعد «اصطياد» أجهزة معينة داخل شبكة أنترنت لا سلكية مزورة. هذه الشبكات يمكن للهواتف الذكية الحديثة الاتصال بها بشكل تلقائي شريطة وجودها على بعد أمتار قليلة. هذه النقاط المزورة للاتصال تمكن القراصنة من سرقة المعطيات الشخصية الخاصة بمستعملي الهواتف الذكية كما تمكن عددا من «المبتزين الافتراضيين» من الحصول على مبالغ مالية مهمة لقاء عدم نشر المعطيات الخاصة بالمستعملين. في هذا التحقيق، وقفت «الأخبار» عند عدد من ضحايا الابتزاز الإلكتروني.. حياتهم تحولت منذ وقت سابق إلى كابوس بسبب دردشة في مواقع التواصل الاجتماعي، تحولت في ما بعد إلى التقاط للصور ومشاركتها عبر الأنترنت. مزيدا من التفاصيل في التحقيق التالي..

خلال إنجاز هذا التحقيق، عاينت «الأخبار» مجموعة من الحالات التي تعرضت لقرصنة معطياتها الشخصية من أجهزتها الذكية. القاسم المشترك بينهن، معاناة من ضغوط وأزمات نفسية حادة سببها صور وأشرطة تمت مشاركتها في مجموعة من الصفحات ومواقع التواصل الاجتماعي. منها ما تم تداوله في مواقع إباحية على الأنترنت.

تقول مريم (اسم مستعار لشابة في عقدها الثاني رفضت الكشف عن هويتها)، في حديث مع «الأخبار» بشأن استغلال صورها للمس بسمعتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنها تتألم كل يوم بسبب تلك الصور التي تم سحبها من هاتفها الذكي بعدما تركته بحوزة بعض الأصدقاء، قبل أن تفاجأ بعد أيام باتصالات هاتفية من زملاء آخرين تخبرها بوجود صورها على إحدى الصفحات الإلكترونية في فايسبوك.

المتحدثة ذاتها، أضافت أن مشاركة الصور على الأنترنت كان له تأثير بالغ على مسارها الدراسي والمهني بالإضافة إلى التأثير النفسي المتواصل، إذ أصبحت تعاني على إثره من اضطرابات مستمرة.

حسناء (اسم مستعار) شابة في 18 من عمرها بدورها كانت تشارك صورا ومقاطع فيديو حميمية مع أحد أصدقائها على الأنترنت.. لتكتشف في ما بعد أن عمليتها التواصلية كانت تجري مع شابة تجهل هويتها وانتحلت صفة أخرى للإيقاع بها. حسناء اكتشفت في ما بعد عن طريق زملائها أن مقاطع الفيديو الخاصة بها تمت مشاركتها في مواقع إلكترونية أجنبية إباحية، وجرت مشاركتها أيضا في مجموعة من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، مبرزة أن ذلك أجبرها على التفكير في الانتحار في عدد من المناسبات.

حالات أخرى عاينتها «الأخبار» فضل جلها عدم الكشف عن تفاصيل مرتبطة بتسريب معطياتها الشخصية، في حين تسبب ذلك للعديد من الشباب في مشاكل واضطرابات نفسية أثرت بشكل سلبي على علاقاتهم الاجتماعية.

مساومة في «العرض والشرف»
نقاط الاتصال المزورة التي يتم اعتمادها في عملية سرقة المعطيات الشخصية الخاصة بمستعملي الأنترنت، تمكن القراصنة بعد عملية سحب المعطيات، من ابتزاز الضحايا بعدد من الملفات الشخصية والمعطيات الخاصة بهم، أبرزها الصور وأشرطة الفيديو.
«الأخبار» عاينت مجموعة من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تساهم في التشهير بصور وأشرطة خاصة بمستعملي الأنترنت، جرى تسريبها في وقت سابق.

في حديث مع «الأخبار»، أوضح أحد أعضاء جمعية حماية ضحايا «الويب كام» ومحاربة الابتزاز وعدم المس بالخصوصية الفردية، أن الحالات التي تستقبلها الجمعية بخصوص سرقة المعطيات من خلال نقاط الاتصال المزورة نادرة جدا. حسب تصريحات من أعضاء الجمعية، فبعد عملية استخراج المعطيات الشخصية الخاصة بالمستعملين يتم الاحتفاظ بها ومعاينتها قبل ابتزاز الضحايا بأهم المعطيات والبيانات الخاصة بهم.

بالنسبة لضحايا الابتزاز عبر الصور و»الويب كام»، فالعديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تَعرِض حالات لشباب تم تسريب معطياتهم الشخصية أو تم تعريضها للتشهير، بعد محاولة ابتزاز الضحايا بالمحتويات الواردة فيها.

عدد من ضحايا الابتزاز الإلكتروني، وحسب شهادات حصرية، يعمدون إلى مساومة المبتزين بمبالغ مالية باستمرار، الغاية من ورائها الحفاظ على سرية المعطيات الشخصية المسربة وعدم نشرها على الأنترنت.

بعض المناطق والمدن المغربية اكتسبت شهرة واسعة في مجال الابتزاز عن طريق «الويب كام».. مدينة واد زم واحدة من هذه المدن التي تتصدر طرق وأساليب الابتزاز عن طريق الصور وأشرطة الفيديو.

تصريح من أحد النشطاء العارفين بخبايا مجال الابتزاز الإلكتروني، كشف أن هذا المجال أصبح في الآونة الأخيرة مصدر دخل للعديد من شباب وأفراد منطقة واد زم، نظرا لإمكانية جني مبالغ مالية مهمة من خلال العمليات التي تستهدف الخليجيين على وجه الخصوص.

المتحدث نفسه يضيف أن الظروف المزرية لشباب المنطقة تدفعهم إلى امتهان الابتزاز الإلكتروني نظرا لارتفاع مستويات البطالة، كما يبرز أن هذا الابتزاز أصبح مهنة مغرية يقبل عليها العديد من شباب المنطقة.

الاتصال عبر النقاط المزورة
الاتصال بالأنترنت من خلال الشبكات اللاسلكية قد يتسبب لعدد من مستعملي الأنترنت في تسريب معطياتهم وملفاتهم الشخصية، بحيث تسمح عدد من التقنيات، أبرزها نقاط الاتصال المزورة بتسريب البيانات والمعطيات الواردة في الأجهزة الذكية المتصلة بالشبكة.

آلية عمل الشبكات الخاصة بنقاط الاتصال المزورة، تتم عبر «اصطياد» عدد من الأجهزة والهواتف الذكية الخاصة بمستعملي الأنترنت، من خلال إتاحة الاتصال تلقائيا ولاسلكيا بشبكة غير محمية، وخاصة بمستعملي الأنترنت، الأمر الذي يتسبب في قرصنة العديد من الأجهزة والملفات والمعطيات الشخصية الخاصة بمستعملي الأنترنت.

من أجل الوقوف أكثر على الكيفية التي تتم من خلالها العملية، عاينت «الأخبار» عملية اصطياد حوالي 20 جهازا تختلف بين حواسيب وهواتف ذكية، أنظمة تشغيلها مختلفة.

العملية تبدأ بمجرد إنشاء شبكة لا سلكية «وهمية» مزورة على الأنترنت، دورها اصطياد مستعملي الأنترنت، من خلال أنظمة وبرامج محددة يتم استعمالها وفق إعدادات خاصة بقراصنة هذا المجال.

بعد استفسار عدد من الخبراء في مجال أنظمة التشغيل، وكذلك أحد النشطاء في مجال القرصنة المعلوماتية، أوضحوا بأن جميع الأجهزة الإلكترونية عرضة للاختراق مادامت متصلة بنقطة إلكترونية لا سلكية (Point d’accès).

بعد إنشاء نقطة اتصال لا سلكية مزورة على الأنترنت، يتم ترصد مختلف الأجهزة المتصلة بالشبكة والحصول على مختلف المعطيات الشخصية المرتبطة بالمستخدمين، بالإضافة إلى إمكانية نسخ جميع المحتويات الواردة في الأجهزة المتصلة لا سلكيا بالشبكة.

حسب متخصصين، فنظام التشغيل «Kali» يتم اعتماده بشكل كبير في عملية قرصنة المعطيات الخاصة بالأجهزة والحواسيب المتصلة بالشبكات لا سلكيا، نظرا لتوفره على مجموعة من البرامج والأدوات التي تتيح للقراصنة إمكانية الوصول والنفاذ إلى جميع المعطيات الخاصة بالمستعملين.

الحصول على المعطيات الشخصية يتم بالاعتماد على شبكات مزورة في الأماكن العامة، فيما أشار أحد المتخصصين إلى أن بعض مقاهي الأنترنت يمكن من خلالها تسريب المعطيات الشخصية الخاصة بالمستعملين.

في حديث مع مستشار في مجال الأمن المعلوماتي، أوضح بأن غالبية المهتمين بمجال سرقة المعطيات الشخصية يعتمدون على حاسوب محمول وجهاز خاص بالاتصال اللاسلكي فقط، بحيث تمكنهم هذه الوسائل من استخراج البيانات والمعطيات الخاصة بمستعملي الأنترنت داخل شبكة معينة.

هكذا يتم سحب الصور من الهواتف
عدد من الخبراء في مجال الأمن المعلوماتي يؤكدون بأن ضعف الحماية الخاصة بالأجهزة الإلكترونية، تمكن العديد من القراصنة من التجسس على المعطيات الشخصية الخاصة بمستخدمي الأنترنت داخل شبكة مزورة.

ويجمع خبراء في المجال المعلوماتي على أن احتمال تسريب المعطيات الشخصية الخاصة بالمستعملين داخل شبكة اتصال لا سلكية يبقى ضعيفا.

وينصح خبراء في مجال الأمن المعلوماتي جميع مستعملي الأنترنت عبر الشبكات اللاسلكية، بمحاولة التأكد من سلامة الشبكة من الاختراق الذي قد يصيب الأجهزة المتصلة من حواسيب وهواتف ذكية.

داخل شبكة لاسلكية «مزورة» يمكن تسريب جميع المعطيات الخاصة بالمستعملين نظرا لسهولة التحكم التام في الأجهزة المتصلة، بالإضافة إلى إمكانية سحب مختلف البيانات الخاصة بالمستعملين من صور وأشرطة وبيانات.

مصدر مطلع كشف أن حالات الابتزاز التي يتم تسجيلها بخصوص اختراق الأجهزة داخل الشبكات وسرقة المعطيات من الأجهزة المتصلة، تعتبر نادرة على اعتبار أنها لا تستهدف جميع المستعملين، يضيف نفس المتحدث.

بعد الحصول على مختلف المعطيات الخاصة بالمستعملين، تبدأ عملية إشعار الضحايا بأهم المحتويات المثيرة التي كانت بحوزتهم، في عملية غايتها ابتزاز المستعمل مقابل الحصول على مبالغ مالية لقاء عدم نشر الصور والأشرطة المستهدفة.

رضا الكدير : «ضحايا الابتزاز الإلكتروني في ارتفاع مستمر ونستقبل يوميا أزيد من 20 شكاية»
قال رضا الكدير، عضو جمعية حماية ضحايا «الويب كام» ومحاربة الابتزاز وعدم المس بالخصوصية الفردية، إن الشكايات التي تستقبلها الجمعية في ارتفاع مستمر.

وأوضح الكدير بأن ضحايا الابتزاز والمس بالخصوصية، في تزايد منذ سنوات، إذ تستقبل الجمعية أكثر من 20 شكاية يوميا، يتقدم بها أشخاص تم التشهير بهم على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى حالات عاينتها «الأخبار» تم ابتزازهم مقابل مبالغ مالية.

وأشار الكدير إلى أن الجمعية تستقبل العديد من الحالات يوميا لمغاربة وخليجيين، تم ابتزازهم بواسطة صور وأشرطة، بعد عملية الإيقاع بهم من طرف مبتزين إلكترونيين. مبرزا بأن نشر الصور الحميمية الخاصة ببعض الضحايا تسبب في هجرة عدد من الأسر إلى مناطق ومدن أخرى. وتؤكد المعطيات المتوفرة أن الصفحات «الفايسبوكية» المتخصصة في نشر الصور والأشرطة الفاضحة تعتمد في ذلك على مبدأ التسلية، كما يتم بث الفيديوهات في هذه الصفحات بعد فشل جميع أساليب الابتزاز المعتمدة من قبل «السكامرز» أو المبتز الإلكتروني، للحصول على مبالغ مالية.

ويشير الكدير إلى توصل الجمعية بشكايات لضحايا تعرضوا للابتزاز الإلكتروني، تسبب لهم في أمراض نفسية متعددة أثرت على علاقاتهم الأسرية والعائلية، الأمر الذي انعكس سلبا على مساراتهم الدراسية والمهنية. ويفيد عضو الجمعية بأن برامج وتطبيقات المحادثات الفورية تساهم بشكل كبير في الإيقاع بمستخدمي الأنترنت بعد عمليات التعارف، بحيث يتم إقناع الطرف الآخر بإجراء دردشة بالفيديو يتم تصويرها لاستخدامها فيما بعد في عملية الابتزاز.

ويوضح المتحدث نفسه أن العديد من الحسابات المزورة على «الفايسبوك» يتم اعتمادها للإيقاع بالضحايا كما يتم اعتماد مجموعة من تطبيقات المحادثات الفورية في انتحال صفة أشخاص آخرين. مبرزا بأن غالبية «المبتزين الافتراضيين» يعمدون إلى ابتزاز الضحايا، من خلال تهديدهم بإرسال الصور والأشرطة الخاصة بهم إلى عائلاتهم أو أقاربهم، مقابل مبلغ مالي محدد. ويخلص رضا الكدير إلى أن العلاقة بين الضحية والمبتز الإلكتروني، تزيد من فرص تعرضه لعملية الابتزاز مشيرا إلى أن الجمعية تقوم بحملات توعوية لإشعار وتحذير مستعملي الأنترنت ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بخطورة تسريب وسحب معطياتهم وصورهم الشخصية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت