كيف تؤثر الثورات على الدساتير

المحامية: منال داود العكيدي
تعد الثورة او الانقلاب طريقا غير عادي لايقاف العمل بالدستور وانهائه وقد كان للثورات والانقلابات دور كبير لايستهان به في الغاء الدساتير والمثال الصارخ على ذلك هو ان جميع الدساتير الفرنسية منذ الثورة الفرنسية عام 1789 وحتى الحرب العالمية الثانية تم الغاؤها بالطريق غير العادي لالغاء الدساتير خلا دستورين هما دستور عام 1793 الذي لم ير النور ودستور الجمهورية الثالثة لعام 1875 الذي الغي عام 1940 اي بعد احتلال فرنسا وتكوين حكومة فيشي برئاسة المارشال بيتان.

وقد طرحت عدة اراء فقهية حول اثر الثورة على الدستور القائم فالراي الاول يرى ان نجاح الثورة وتسلمها للسلطة يؤدي الى سقوط الدستور فورا ومن تلقاء نفسه ودونما حاجة الى تشريع يقرر ذلك ويحتج هذا الاتجاه الفقهي بان معنى نجاح الثورة هو سقوط هذا النظام السياسي وفقدانه لقوته القانونية التي يستند اليها الا وهي الدستور والحقيقة فان هذا الاتجاه يمثله غالبية الفقه .

ويذهب الاتجاه الثاني الى ان الثورة لاتلغي النصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الافراد وحرياتهم كون ان هذه الحقوق والحريات لاتتصل بشكل مباشر بالتنظيم السياسي للدولة وبالتالي فهي واجبة الاحترام لانها استقرت في ضمير الافراد واصبحت اسمى من النصوص الدستورية الوضعية كما انها اصبحت اي الحقوق والحريات مقررة بموجب نصوص دولية وضعية جعلتها اسمى من الدستور وغير مرتبطة به وجودا وعدما وهي الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العمومية للامم المتحدة في 10 / كانون الاول / 1948 .

اما الاتجاه الفقهي الثالث فهو يميز بين نوعين من النصوص الدستورية من حيث مدى تاثير الثورة عليها وهما النصوص الموضوعية والنصوص الشكلية والاولى تعني النصوص المتعلقة بالتنظيم السياسي في الدولة وهذه تسقط بمجرد نجاح الثورة وتسلمها للسلطة اما النصوص الدستورية الشكلية وهي النصوص التي اقحمت في صلب الوثيقة الدستورية لكي تكتسب قدسيتها وثباتها والتي لاعلاقة لها بالتنظيم السياسي في الدولة وما يترتب على هذه النصوص حين نجاح الثورة هو تجريدها اي النصوص الشكلية من صفتها الدستورية وبذلك تصبح نصوصا قانونية عادية .

ويذهب الراي الرابع الى القول ان فعل الاستيلاء على السلطة عن طريق الثورة او الانقلاب لايلغي الدستور وانما الذي يلغيها هي ارادة الحكام الجدد فعلى ارادتهم الصحيحة او الضمنية يتوقف مصير الدستور وذلك من انطلاقا من المبدا القائل ان الدستور يبقى نافذ المفعول طالما لم يظهر الحكام الجدد ارادتهم الصريحة او الضمنية لالغاء الدستور كلا او جزءا وبناء على ذلك يكون تقدير تاثير الثورة على الدستور بعد قيام الثورة وتسلمها للسلطة فالدستور وفق هذا الاتجاه لايلغى بصورة تلقائية بمجرد نجاح الثورة لكن النظام السياسي الذي تسلم مقاليد الحكم هو الذي يقرر ذلك ويتزعم هذا الاتجاه الفقيه (دكي) والذي يعتبر ان قوة الثورات تقتصر على الغاء النصوص التي تحكم شكل الحكومات.

ويؤكد ان هناك عدة مواد كانت موجودة في الدستور واستمرت متمتعة بقوة القانون بعد الغاء النص الذي كان يحويها وهناك تيار فقهي يرجح الاخذ بهذا الاتجاه في الواقع العملي ويذهب الى ان النظام الجديد الذي يعتلي راس السلطة هو الذي يلغي النصوص الدستورية التي لا تتماشى ولاتنسجم مع ايديولوجياته فقد يحصل احيانا ان تنجح ان تنجح ثورة ما في اسقاط نظام الحكم القائم ولكن لايجد القائمون بها سببا لالغاء الدستور القائم طالما انهم لايستطيعون الالتفاف على احكامه او التحايل عليه لخدمة اهدافهم ويسجل الواقع العملي امثل كثيرة على ذلك فالثورة التي قامت في مصر عام 1952 لم تلغ دستور عام 1923 وهو الدستور الذي كان قائما قبل اندلاع الثورة وكذا الحال في فرنسا فالبرلمان الفرنسي الذي كان قائما قبل ثورة عام 1830 ظل باقيا بعد الثورة لان مجلس النواب هو الذي قاد الثورة .

ومن ناحية اخرى فانه الغاء الدستور ايا كان سببه فانه لايمس القواعد القانونية المطبقة في الدولة كقواعد القانون المدني والتجاري والجنائي وغيرها فلا يترتب على نجاح الثورة اي مساس بتلك القواعد وهو اتجاه متفق عليه فقهيا وتبقى تلك القواعد نافذة المفعول الى ان يتم الغاؤها او تعديلها من قبل المشرع الجديد وهذا يتوقف على الفلسفة القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي جاءت بها الثورة ومدى انسجام او تعارض تلك القوانين مع الفلسفة الجديدة ، وهذا الموقف ياتي منسجما مع مبدا استمرارية الدولة بالرغم مما يتتابع عليها من انظمة سياسية