جرائم القتل.. الأسباب والدوافع

هذا مقال يتم فيه التحقيق حول جرائم القتل في مجتمعنا وتنوع واختلاف هذه الجرائم وأسبابها، والتحركات التي قامت بها عدد من الجهات المختصة لاحتواء وتأهيل المرضى النفسيين على اعتبار انهم طرف في بعض جرائم القتل التي تحدث خصوصاً التي حدثت مؤخراً لما يشكله بقاء المريض النفسي بدون علاج او بدون وجود دور تحتويهم وتسعى لاعادة تدريبهم على ما قد فقدوه من مهارات، من خطر كبير على المريض نفسه وعلى من يتعامل معه وقد يتسبب في اقدامه – اي المريض النفسي – على ارتكاب جريمة تصل لحد القتل ولأقرب الناس له كما حدث خلال الاشهر الماضية.
نواصل اليوم طرح ومناقشة هذه القضية الهامة، حيث تحدث عدد من المختصين والباحثين في هذه الجوانب عن الاسباب والدوافع التي تدفع المجرم لارتكاب جريمة كالقتل وشخّص الباحثون والدارسون المطلعون على ما يحدث في مجتمعنا وعددوا الحلول الكفيلة باجتثاث هذه المشكلة من بيئتنا..
وفي البداية تحدث ل “الرياض” الدكتور جمعان بن رشيد ابا الرقوش مساعد رئيس اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية عن جرائم القتل التي ارجع اسبابها الى انتشار الكثير من الانماط السلوكية المنحرفة من خلال وسائل الاعلام الحديثة وهشاشة البناء الديني وضعفه لدى الافراد.

ويقول الدكتور جمعان عن تاريخ جريمة القتل.. لقد عرف الانسان جريمة القتل منذ فجر التاريخ فهي اول جريمة ارتكبت على سطح الارض عندما قتل احد ابني آدم عليه السلام اخاه منذ ذلك الوقت وهذه الجريمة تتكرر بصور واشكال مختلفة وبدوافع مختلفة ايضاً فهناك القتل من اجل الثأر وهناك القتل من اجل جلب منفعة غير مشروعة فحينما كانت هذه المنفعة سليمة وغير مشروعة في نظر المجتمع فهي في نظر القاتل تحقيق منفعة قد تكون مباشرة مثل القتل من اجل السرقة او سلب الاموال كما يفعل قطاع الطرق او من اجل منفعة غير مباشرة كالقتل من اجل تحقيق مآرب اخرى مثل الارهاب وقتل الابرياء من اجل تحقيق هدف قد يكون سياسياً او اقتصادياً او اجتماعياً.
ومهما كانت الاسباب فإنها لا تبرر بحال من الاحوال القتل وهناك القتل تحت وطأة امراض نفسية او اشباع غريزة او استجابة لدافع استجابة خاطئة وهناك من يرتكب جريمة القتل تحت وطأة الغضب الشديد الذي يصل بالحالة النفسية للقاتل الى وضع يفقد السيطرة على جوارحه مثل القتل في جرائم الشرف والعرض وكذلك القتل عقب مشاجرة يتأجج فيها نار الغضب حتى تصل بصاحبها الى مرحلة يفقد معها السيطرة على نفسه وحواسه وبالتالي ارتكابه جريمة القتل.
وهناك ايضاً القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد ومتابعة الضحية ومراقبته حتى يأتي الظرف المناسب لقتله وهناك القتل الخطأ الذي ينعدم فيه القصد عند الجناني.

وعموماً فان جميع صور وانواع القتل العمد التي ترتكب ضد بريء غير مبررة شرعاً وعرفاً وممقوتة وجزاء القاتل وما اعد الله له من العذاب لا ينكره احد.
كما ان انتشار كثير من الانماط السلوكية المنحرفة من خلال وسائل الاعلام الحديثة وهشاشة البناء الديني وضعفه للافراد سوف يساهم بشكل مباشر في زيادة هذا النمط من السلوك وتفشيه فاستجابة خاطئة لدوافع ومثيرات قد تكون في مستوى عادي لمن لديه الثبات النفسي والبناء الديني والاجتماعي السلميين وغير ذلك للفئات التي لا تملك هذا التحصين كما ان الحياة المادية التي سيطرت على كثير من مناحي الحياة افقدت الاسرة الاجتماعية كثيراً من خواصها الاجتماعية وساهمت انماط التفكك الاسري في تفتيت الكثير من المفاهيم والميادين الاجتماعية التي تشكل سداً مانعاً كثير من الافعال التي ترتكب ضد احد عناصر الاسرة وقد يكون ذلك تجاه احد الوالدين او الابناء او الزوجة او الاخوان كما ان لتعاطي المخدرات دوراً هاماً في تفشي جريمة القتل لدى مجتمع المتعاطين او المروجين.
ولعل في اعادة دور الاسرة والمسجد والحي والجيران والمدرسة وجميع قوات التربية الاجتماعية اسهاماً في اعادة التوازن الديني والثقافي والمعرفي للافراد الذين يفتقدون ذلك بما يعدهم عن الوقوع في هاوية الجريمة.

عوامل الجريمة

الى ذلك ارجع الدكتور سعد بن ضحيان الضحيان استاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الملك سعود اسباب انتشار جرائم القتل بوجه عام الى عوامل كثيرة احد هذه العوامل الاساسية ارتباط الجريمة بالمخدرات من خلال متابعتنا – والحديث للضحيان – لجرائم المخدرات نجد معظم الجرائم مرتبطة بطريقة مباشرة او غير مباشرة بالمخدر، والتأثير الذي يحدثه على عقل الانسان يجعله يتصرف بطريقة غير شعورية، فمن الممكن وهو تحت تأثير المخدر ان يرتكب اي جريمة يقتل فيها والده او امه او يقتل اخيه او يقتل اي انسان لأنه عندما يرتكب الجريمة ليس بوعيه الكامل ولا يدرك ما يفعل لذلك بدأت تظهر الجرائم التي لم تكن موجودة في المجتمع متوقعة بل انه يستغربها الانسان وتوقع انها اتت من الخارج هي في الواقع كنتيجة ارتباط سلوك الفرد هذا الذي ارتكب الجريمة للمخدر العامل الثاني قد تكون الجرائم نتيجة لضيقة اقتصادية عندما يصل الانسان لفترة طويلة من البطالة وعدم وجود عمل واحتياجات مالية ولا يستطيع تلبيتها يرتكب اي عمل لإنهاء هذه الحياة ويحدث هذا كثيراً في المجتمعات الغربية عن طريق الانتحار او عن طريق انه يقتل افراد اسرته للتخلص من هذا ا لشيء وهذا نتيجة للتغيرات الاقتصادية التي ترمي بثقلها على اي فرد وبالتالي تجعله يرتكب الجريمة ليتخلص من الحياة او الوضع الاقتصادي الذي هو يمر فيه او الضائقة الاقتصادية.
والاتجاه الثالث وهو عملية المحاكاة التي تتم عن طريق مما يراه عن طريق المحطات الفضائية والافلام المليئة بالمواقف التعليمية للجريمة واستخدام السلاح وابراز القاتل وان من يملك هذا السلاح هو الشخص القوي وبالتالي هناك اشخاص يتأثرون بهذا الشيء ويتقمص هذا الدور ونلاحظ في الفترات الاخيرة على مستوى صغار السن حيث يأخذون السلاح الى المدرسة وحدثت حادثة او اثنتان عندنا في المجتمع وهذا نتيجة لتأثر او مشاهدة هذه الافلام.
الامر الثالث لحدوث هذه الجرائم هو ضعف الوازع الديني وهو ما يدفع الانسان لارتكاب اي جريمة او اي عمل مخل بالشرف وغير مقبول في المجتمع ونتيجة لعدم وجود هذا الوازع الديني يندفع الانسان لارتكاب اي تصرف من التصرفات.

عوامل اخرى

ويقول الضحيان: اذا نظرنا للوضع الجنائي في المجتمع السعودي نجد انه متأثر بعوامل اخرى بعضها غير موجود في المجتمع والبعض الآخر نتيجة احتكاكه بمجتمعات اخرى. ولعل التغيرات السريعة التي حدثت في المجتمع السعودي خاصة فيما يتعلق بانتشار المحطات الفضائية جعل الوضع في المجتمع يعيش نوعاً من التغير السلبي وهذا للأسف لا يمكن السيطرة عليه لأنه موجود في منازلنا ولا يمكن التحكم فيه من خارج المجتمع وبالتالي تكون هذه مسؤولية الاسر التي دفعت بافرادها لمشاهدة هذه المحطات حيث يتلقون سلوكا سلبيا غير سوي وغير موجود في المجتمع الاصلي لهم ثم بدأت تظهر هذه الانماط.
وهذا الوضع قد يتفاقم لأن الواضح في المجتممع ان هناك توسعا مثلاً في اشياء كثيرة نتيجة لعمليات التغيير وعمليات بناء المجتمع جعلتنا نستقطب ايضاً القطاعات الخارجية التي هي (العمالة) الوافدة والعمالة تأتي محملة بالتراث المجتمعي الموجود فيها وبالتالي تنقل هذه (الامراض الاجتماعية) وتوطنها داخل المجتمع. ونلاحظ ان هناك كثيرا من الامراض الاجتماعية او السلوك غير السوي التي تنتشر بسبب وجود هذه العمالة.
فالمجتمع وجد نفسه بين عمالة اجنبية ومحطات فضائية وبين ضعف الوازع الديني وبدأت تتفاعل هذه العناصر وبدأت تخرج افعال غير معروفة في المجتمع.. ونحن نتوقع انه سيكون هناك مزيد من الامور السيئة عاماً تلو آخر نتيجة لأن المجتمع غافل عنها الآن ولم تبذل جهود من الجهات المسؤولة في المجتمع للحد من ذلك وايجاد تغيرات اجبارية تحاول الحد من هذه التغيرات السلبية بمعنى اننا بحاجة الى تغير في المناهج وبحاجة الى تغيير في عملية التعليم وبحاجة الى السيطرة على هذه المحطات الفضائية وبحاجة الى اشياء كثيرة للحد من العمالة الاجنبية داخل المنازل لكي نحافظ على المجتمع.
والواضح الآن ان الكل متجه الى التوسع في هذه الامور فنحن نتوقع المزيد من الجرائم وتغيرا في النوعية وسنجد اشياء لن نصدقها والجرائم التي تحدث في المجتمع نتيجة لهذه العوامل السلبية التي بدأت تنمو في المجتمع.

نظرة اجتماعية للمشكلة

من جانبه اكد الدكتور سليمان بن عبدالله العقيل استاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود ان ظاهرة القتل ظهرت منذ فجر التاريخ حينما اقدم هابيل على قتل اخيه، وكان الدافع هو الغيرة واسباب اخرى والمحرض الشيطان والنفس. واستمرت هذه الظاهرة مع تطور المجتمعات تنمو حينما يكون هناك مجال لنموها مثل عدم العدل والحرية والمساواة في القضايا التي يجب ان يكون فيها ذلك.. هذه القضايا الكبرى في المجتمع – العدل والمساواة والحرية – مرهونة بالضابط الذاتي والديني والتنظيم الذي يستقيه الفرد من ثقافة المجتمع حيث ان المجتمع بمكوناته كالأسرة والمدرسة والمسجد وغيرها من المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية هو الذي يحدد شكل ظواهر المجتمع في سلوك الافراد سواء كانت ظواهر سيئة او ظواهر حسنة. ومن هنا نجد ان المجتمعات ذات الضبط الذاتي والتماسك الاجتماعي والمستوى المتدين هي مجتمعات تقل فيها الظواهر السلبية بشكل عام ايا كانت تلك الظواهر تبدأ من القتل كجريمة كبرى واخلال بأمن المجتمع وتنتهي بالسلوك الشخصي البسيط الذي يعد في جانب الحرية الشخصية والذي لا يؤثر على احد.
كما اننا نرى ان بعض المجتمعات التي شهدت تغيرات بنائية ووظيفية كبرى في شكل ومحتوى المجتمع نتيجة الكوارث او الثورات او الخطط التنموية الكبرى، قد عانت من التقلبات والتغيرات في نظم وتنظيمات المجتمع الصغيرة وفي سلوك المجتمع وسلوك الافراد وبدأ البعض يبكي على الماضي والبعض الآخر يبحث عن حلول للمشكلات التي ظهرت وقد لا يكون لها رابط وثقافة المجتمع.

وبالنظر الى المجتمع العربي السعودي وبعد عوامل كثيرة منها التنمية بكل محتواها السلبي والايجابي وانفتاح المجتمع على المجتمعات الاخرى عبر الوسائل والوسائط التقنية المختلفة اضافة الى الثقافات الوافدة من خلال الافراد والافكار والاشكال والهياكل الثقافية المتعددة وكذلك القبول الاجتماعي بكل جديد والبحث عنه كلها بداية ضعف الصلة بالموروث الاجتماعي المحدد للسلوك والرؤى واهم هذه العوامل بداية ضعف الصلة بالدين وفهم المحتوى الحقيقي منه. وغير هذه من العوامل بدأ المجتمع في تقليد المجتمع الاخرى في الكثير من التصرفات. من تلك الاقدام على القتل سواء كان لنفسه او لغيره ويعود السبب في ذلك الى مشكلات كثيرة يصعب تحديدها او الوقوف عليها ولكنها لا تخرج عن العوامل السابقة. وفي ظني ان مثل هذه الجرائم قد تعود الى عوامل نفسية نتيجة عدم تكيف الافراد مع العوامل السابقة الذكر او ضعف في ذلك او انها عوامل اقتصادية نتيجة البطالة التي يشهدها البعض في المجتمع او الضغوطات الاجتماعية وقلة ذات اليد حيث ان المجتمع عبارة عن اسرة واحدة تتناظر وتقلد بعضها البعض في الرجال والنساء والاطفال مما يزيد من احتمالات الانحراف بالسرقة او التعاطي او القتل او غير ذلك.
واظن ان هذه الظواهر تحتاج الى الكثير من الدراسة بل ان المجتمع يحتاج الى اعادة تقويم من خلال دراسات متعمقة ومتخصصة لتحدد شكله الحالي والرؤى المستقبلية له على ان يقوم بها الكثير من المتخصصين المخلصين والمؤمنين بأهمية هذه الدراسات والحرص على المجتمع ومستقبله.

السلوك الاجرامي..

@ إلى ذلك لفت الدكتور عبدالله اليوسف رئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى أن الجريمة والانحراف ظاهرة اجتماعية سلبية تسود كل المجتمعات البشرية على اختلاف ثقافتها وأسسها الاجتماعية ودرجة نموها وتقدمها الاقتصادي، بمعنى ان الجريمة موجودة في كل مجتمع من المجتمعات البشرية وان اختلفت ملامحها من مجتمع لآخير.. وعلى هذا الأساس فهي موجودة دائماً كظاهرة اجتماعية متداخلة وظيفياً مع باقي الظواهر الاجتماعية الأخرى في المجتمع وان تغيرت صورها ومظاهرها.. ولهذا فإن التغييرات التي تحدث في ملامح الظاهرة الاجرامية في مجتمع معني تعكس التغيرات الاجتماعية التي شهدها المجتمع في الوقت الحاضر.
ومما لاشك فيه أن تفسير السلوك بوجه عام والسلوك الاجرامي بشكل خاص ليس بالمهمة السهلة ولا يمكن ارجاعه إلى عامل واحد لتفسير ومعرفة اسبابه ويميل غالبية علماء الاجتماع والمنظرين في مجال تفسير السلوك الاجرامي إلى تحليل انماط السلوك الاجرامي بارجاعه إلى عوامل متعددة تتداخل فيها العوامل الاجتماعية والنفسية لتعزز كمحصلة نهائية انماط السلوك المخالف للاعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع ويبرز تفسير السلوك الاجرامي في فترة من الفترات إلى اسباب اجتماعية واقتصادية معينة.
وإذا ما أردنا تحليل اسباب بروز ظواهر العنف في المجتمع بشكل خاص فإنه يمكن ارجاعها إلى مجموعة من القواعد المتفاعلة مع بعضها البعض ويمكن ذكر بعض منها على سبيل المثال لا الحصر ويبرز اهمها في غياب التوجيه الأسري في عملية التفاعل الاجتماعي مع الآخرين بالحوار وليس بالرصاص حيث ان العجز عن الحوار الفاعل يتحول بالضرورة إلى الحوار الدموي القاتل.. كما يشكل الاحباط المتولد من سرعة ايقاع الحياة اليومية احد المتغيرات المثيرة للفرد والدافعة للخروج عن الأعراف والتقاليد المقبولة.. كما تمثل المؤسسات التربوية أحد المتغيرات المهمة في افراز انماط من السلوك غير السوي.. ولا يمكن بالضرورة حصر جميع العوامل في هذه العجالة ولكن ما يمكن التأكيد عليه واعتبره ضرورياً جداً هو وسائل الوقاية والتي لا تخرج بالضرورة عن مجالين أساسيين هما:

الوقاية العامة:

وهي التي تتناول كل ما يتصل بتطوير المجتمع وتحسن ظروفه المعيشية لافراده ورفع مستوياتهم الصحية والعلمية والأخلاقية والاقتصادية والروحية.

والوقاية الخاصة:

وهي التي تتعامل مع فئات الأشخاص المعرضين للانحراف وتحسن ظروف حياتهم ومعالجة الأسباب والعوامل التي اسهمت في تكوين سلوكهم المنحرف.
وختاماً نسأل الله التوفيق والسداد للجميع وأن يحفظ أبناء هذا المجتمع من كل سلوك مشين وخارج عن الأعراف والتقاليد.

أسباب انتشار القتل

الدكتور عبدالله بن رشيد الحوشاني إمام وخطيب جامع الأمير سلطان بن عبدالعزيز أوضح من جانبه ان أمر التشريع الإسلامي يقوم على الرحمة بالخلق والاحسان إليهم جميعاً.. فلا يجوز الضرر والاعتداء على أي من الأحياء بغير حق.. فمثلاً حرم الإسلام قتل الحيوان والطيور أو ايذائها بغير فائدة ولا صدور مضرة منها على الحياة.. فلا يجوز قتل أكثر مما تحتاجه من الحيوانات والطيور ولا يجوز اتخاذها هدفاً لتعلم الرماية ولا يجوز التحريشي بينها ليقتل بعضها بعضاً أو يؤذي بعضاً لمجرد التسلية والترفيه.
وقد ورد ان هذه الحيوانات المقتولة لغير منفعة تجادل وتحاج قاتليها يوم القيامة عند رب العالمين.
والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ الطيور والحيوانات غرضاً.. وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى طائر (الحمرة) مفجوعاً بفراخه وأمر برد الفراخ إليها وأوقف الجيش حتى ردت وسكنت.
وقد غضب صلى الله عليه وسلم على رجل في المدينة في أحد البساتين كان يتعب جمله ويجيعه وأمر بتقوى الله عليه.
إذا كان هذا في أمر الحيوانات والطيور فما بالك بحق الإنسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات وكرمه بالعقل، وأنزل الشرع لحفظ حياته بكل ما يحف به لتوفير الأمن له ليعمر أرض الله بما يحبه الله لذاته وما يحبه لخلقه.

إن الحياة الإنسانية هذه الروح أمرها عظيم وهي غالية جداً وليست ملكاً إنما هي (لله جل جلاله).. حتى أنت لا يجوز لك أن تتصرف بروحك بحيث تبقيها أو تتلفها، لأنه حرم أن يقتل الإنسان نفسه وهو (الانتحار) وقال {ولا تقتلوا أنفسكم} وقال {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.. وحرم القتل من أي أحد وجعله من أكبر الكبائر ومن السبع الموبقات كما ورد في أحاديث صحيحة.
وتوعد الله القاتل بغير حق بخمس عقوبات أخروية غير عقوبة الدنيا وهن: جهنم، الخلود بها، غضب الله، لعنة الله، العذاب العظيم.
قال تعالى {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} سورة النساء.
وهذه عقوبة لم ترد في كبيرة من كبائر الذنوب غير الشرك بالله.. وإذا كان المسلم يعظم الكعبة المشرفة ولا يرضى بمس حجر منها فكذلك المسلم لأنه أعظم حرمة من الكعبة المشرفة كما ورد في الحديث فلا يجوز انتهاك حرمة دمه بغير حق.
ولو قدر ان أحداً ازال الدنيا بمادياتها فإن جرم من قتل مسلماً بغير حق أعظم منه كما ورد في الحديث.
والذي تعرفه كل نفس بفطرتها هو حب الحياة والخوف من الموت وكراهيته، واتخاذ الأسباب الوقائية منه.. فمن أوقع الموت على غيره مع هذه المعرفة فهو إنسان متحجر القلب منزوع الرحمة فاقد الإنسانية لا يستحق البقاء على الأرض لأنه يمثل خطراً على الحياة والأحياء.

لذا جاء القصاص وصار فيه الحياة لأنه يحافظ على الحياة من هؤلاء المتوحشين قال تعالى {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}.
ولا يمكن أن يصدر القتل بغير حق من مسلم سوي أبداً في (دينه وعقله ونفسيته) ولا تجد قاتلاً إلا ولديه اختلال في أحد هذه الأركان. حتى غير المسلمين لا يجوز قتلهم إذا كانوا: من أهل الذمة، أو المستأمنين، أو المعاهدين، سواء من قبل الحاكم، أو من قبل فرد مسلم في بلاد الإسلام.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قتل ذمياً، أو معاهداً لم يرح رائحة الجنة..” الحديث.
أي فهم هذا الذي تلقاه بعض الناس حيث يجيز قتل غير المسلمين الذين في بلاد الإسلام وهم دخلوا بموجب عقود وعهود مع الدولة أو مع القطاع الخاص، مع العلم أن كثيراً منهم عرف الإسلام على حقيقة وقد أسلم كثير منه.
عجباً لهواة القتل كيف يقدمون على قتل مسلم، وهم يعلمون ان الاسلام حرم غيبة المسلم أو نميمته وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلين يعذبان في قبريهما بسبب النميمة، فكيف بالقتل.
وحرم الإسلام ترويع المسلم واخافته، وحرم مجرد الاشارة عليه لتخويفه بحديدة أو سلاح فكيف بالقتل.
والقتل بحق لا يملكه إلا ولي الأمر فهو القائم بأمر القصاص والجهاد ولا يجوز لأحد أن يأخذ حقه الشرعي بنفسه لما يفضي إليه ذلك من الفساد في الأرض واستمرار اراقة الدماء.
ومن أعظم اسباب انتشار القتل بغير حق الجهل بدين الله عز وجل والتخلف العقلي وقلة التوعية والتوجيه مما يؤدي إلى سيطرة عادات واعتقادات وأفكار تؤدي إلى الجرائم وأسباب أخرى كثيرة.

جريدة الرياض
العدد 12670 السنة 38