خطأ الضحية كأحد أسباب تهرب حارس الاشياء من المسؤولية / المسؤولية التقصيرية

يعتبر خطأ الضحية أحد صور السبب الأجنبي الذي يؤدى إلى قطع العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ويعد من أكثر الوسائل المعتمدة عمليا في دفع المسؤولية المدنية على العموم والمسؤولية عن فعل الأشياء على وجه الخصوص، حيث أنه في هذه الحالة الأخيرة يجد الحارس غالبا أمامه الضحية فيتبدئ له منذ الوهلة الأولى إسناد الخطأ إلى هذا المضرور لكي يعفى من المسؤولية كما يعتبر ارتكاب المضرور للخطأ إلى جانب خطأ الحارس المجال الخصب لتشطير المسؤولية، ومن خلال هذا المنطلق سوف نتحدث على هذه الحالة في نقطتين: حالة إعفاء حارس الشيء بصورة كلية كنقطة أولي، ثم الإعفاء الجزئي كنقطة ثانية.

النقطة الأولى: خطأ الضحية كسبب في إعفاء الحارس بصورة كلية.

إذا ارتكب الضحية حادثة سير خطأ وكان هذا الأخير هو السبب الحقيقي والوحيد للضرر فإن حارس الشيء (السيارة) يعفى من المسؤولية، وهو ما يستنتج من مقتضيات الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود.
وخطأ المضرور لا يثير إشكالات عويصة على مستوى تحديده، إذ اتفق أغلب الفقه على أن المعيار المعتمد لقيام خطأ المضرور هو معيار “رب الأسرة الصالح ” أي معيار الشخص العادي، فإذا كان في فعل المضرور خروج سلوك الشخص العادي الذي يتواجد في نفس ظروفه الخارجية كان الفعل خطأ والعكس بالعكس، فهناك من يرى بأنه لا يجوز تقدير سلوك المتضرر طبقا للمعيار الموضوعي عن طريق إخضاعه لنموذج تافه “كنموذج رب الأسرة الصالح”.

ويرى بأنه في الحالة التي يكون فيها خطأ المضرور لاحقا لخطأ المدعى عليه فإن تقدير خطأ المضرور يقتضي أن يأخذ بعين الاعتبار الخطأ الأول وبالتالي لا بد أن يكون تقدير الصفة الخطئية لفعل المضرور خاضعا للتقدير الواقعي لا المجرد.

وتجدر الإشارة إلى أن يكون خطأ المتضرر هو السبب الوحيد في حصول الضرر وذلك من خلال مقتضيات الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود المشار إليه سابقا، إذا ما أراد حارس الشيء أن يعفى كليا من المسؤولية عن الشيء الذي تسبب في ضرر الغير، عدم احترام مثلا حق الأسبقية في المرور لصاحب السيارة من طرف المضرور، لا يكفي إذا لم يكن هو السبب الوحيد للضرر
وهذا ما جاء في قرار المجلس الأعلى[1]: “يعفى السائق من المسؤولية إذا أثبت أنه قام بما يلزم لمنع حدوث الضرر أو لم يرتكب أي خطأ من جانبه والقرار المطعون صادف الصواب حين اعتبر أن السائق كان يسير بسرعة معتدلة ملتزما أقصى اليمين وفعل ما كان ضروريا لتفادي وقوع الاصطدام وحاول التوقف قبل وقوع الحادثة إلا أن سرعة الضحية في اتجاه ممنوع وعلى يسار الطريق جعله يفقد التحكم في مقود دراجته ويرتطم بالسيارة، وترتب على ذلك عدم تحميل السائق أي جزء من المسؤولية”.

والملاحظ من خلال هذا القرار أنه قد صادف الصواب بتطبيق الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود على الوجه الأكمل بإعفاء سائق السيارة من المسؤولية عندما استطاع إثبات الأمرين:

– أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.
– وأن الخطأ يرجع إلى خطأ المتضرر الذي هو صاحب الدراجة.

وقد جاء في قرار آخر يسير في نفس الاتجاه صادر بتاريخ 12/11/2008[2] الذي جاء فيه “إن المحكمة لما أعفت الحارس القانوني من المسؤولية حين تبين لها أن الضحية خرق علامة قف وأن حارس السيارة تلافى الحادثة بانحيازه يسارا واستعماله الفرامل وأعفته لكون خطأ المضرور كان مستفرقا تكون قد اعتمدت الشرطين المنصوص عليهما في الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود.
ونافلة القول لهذه النقطة أن خطأ المتضرر يعفي حارس الشيء كليا إذا كان هو السبب المباشر للضرر وأن الحارس فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر، لكن في الواقع نجد هذه الحالة نادرة نظرا للصعوبات التي تعترض الحارس بخصوص الإثبات، فإن أقصى ما يحققه في معظم الحالات هو الإعفاء الجزئي من تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه.

النقطة الثانية : الإعفاء الجزئي لحارس الشيء من المسؤولية.

قد يعفى حارس الشيء جزئيا من المسؤولية إذا أثبت اشتراك خطأ الضحية في وقوع الضرر وهذا ما ذهب عليه القضاء المغربي والفرنسي ولم يكن ذلك وليد اللحظة وإنما عرف تطورا ليصل إلى مرحلة توزيع المسؤولية عن فعل الأشياء، خاصة وأن المسألة غير منصوص عليها في المادة 1384 من القانون المدني الفرنسي ولا في الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود، فالمعطيات الاجتماعية الجديدة دفعت القضاء إلى تشطير المسؤولية ما دام حارس الشيء لم يستكمل إثبات جميع شروط دفع المسؤولية عنه كليا.
وهذا ما جاء في حكم المحكمة الابتدائية بالحسيمة بتاريخ 27 يناير 1999 “حيث ارتأت المحكمة بناء على معطيات الحادثة وبناء على سلطتها التقديرية تشطير مسؤولية الحادثة وذلك بجعل المتهم (س ع) يتحمل ¾ وترك ¼ الباقي على كاهل الضحية”.