توضيح هام للفرق بين المفهوم القانوني والفقهي لبيع ملك الغير

في المطلب الأول من هذا المبحث تحدثنا عن مفهوم بي ع ملك الغير في القانون الوضعي، وفي المطلب الثاني تعرفنا على مفهوم بيع ملك الغير في الفقه الإسلامي، وهو ما أطلق عليه الفقهاء بيع الفضولي، والآن وفي المطلب الثالث سوف نقارن بين المفهومين القانوني والفقهي لبيع ملك الغير، وبما أن القانون الوضعي عرف نظام الفضالة، فإننا نقسم هذا المطلب إلى فرعين، في الأول نقارن بين مفهوم بيع ملك الغير وبين مفهوم بيع الفضولي، وفي الثاني نقارن بين الفضالة في القانون وبين الفضالة في الفقه.

المقارنة بين مفهوم بيع ملك الغير وبين مفهوم بيع الفضولي

سبق أن قلنا بأن فقهاء القانون عرفوا بيع ملك الغير، بأن يبيع شخص شيئا معينا بالذات لا يملكه، واستندوا في تعريفهم هذا على العناصر الموجودة في المادة ( 466 ) من القانون المدني المصري. ولكن هل هذا التعريف يحيط بمفهوم بيع ملك الغير؟ بمعنى آخر هل كل شيء معين بالذات يعد بيعه من غير مالكه بيعا لملك الغير؟ فماذا لو كان هناك نيابة قانونية بمقتضاها يبيع الغير الشيء المعين بالذات؟

لو دققنا في التعريف الذي أتى به فقهاء القانون لاعتبرنا البيع الصادر من غير المالك، ولو بموجب نيابة قانونية، بيعا لملك الغير، وهذا في الطبع يخالف أبسط قواعد القانون. أما لو ذهبنا إلي تعريف الفقهاء المسلمين لبيع الفضولي، لاعتبرنا البيع الصادر من غير المالك، بموجب نيابة قانونية، بيعا صحيحا، إذ حتى يعد التصرف فضوليا حسب الفقه الإسلامي لا بد من أن يكون صادرا من غير إذن صاحبه، وهذا يقتضي عدم وجود وكالة يتصرف بموجبها البائع.

وفي الحقيقة إن نفس القول يصدق على القانون الوضعي، بمعنى أنه حتى في ظل المفهوم القانوني، فإننا لا نكون أمام بيع ملك الغير في حالة وجود نيابة قانونية أو اتفاقية أو قضائية، لهذا ذهب جانب من الفقه – وبحق – إلى تعريف بيع ملك الغير على أنه” هو أن يبيع الشخص شيئا معينا بالذات مملوك للغير بدون وجه حق أي دون أن يكون البائع وكيلا من المالك أو وليا عنه”.

إذا نخلص إلى القول، بأن تحديد مفهوم بيع الفضولي عند الفقهاء المسلمين، كان أشمل وأدق من مفهوم بيع ملك الغير عند فقهاء القانون.

المقارنة بين مفهوم الفضالة في القانون وبين مفهوم الفضالة في الفقه

لقد انتهينا إلى أن بيع ملك الغير في القانون، يقابله في الفقه الإسلامي بيع الفضولي، ولكن هل الفضالة التي عرفها القانون، هي ذات الفضالة التي حدثنا عنها الفقهاء المسلمون؟ للإجابة على هذا السؤال نقول، أن القانون الوضعي عرف الفضالة بأنها “أن يتولى شخص عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص آخر دون أن يكون ملزما بذلك”.

من هذا التعريف يتضح بأنه يشترط لتحقيق حالة الفضالة القانونية ثلاثة شروط هي:

-1 أن يقوم الفضولي بشأن عاجل لحساب شخص آخر.

-2 أن يهدف الفضولي من عمله تحقيق مصلحة لرب العمل.

-3 ألا يكون الفضولي ملتزما بالقيام بهذا العمل.

أما حسب الفقه الإسلامي، فالفضولي – كما شاهدنا – هو من يقوم بعمل لحساب الغير دون أن يكون مأذونا منه، دون أن يشترط في هذا العمل أن يكون ضروري أو عاجلا. أي أن الفضالة في الفقه الإسلامي تتحقق سواء كان تدخل الفضولي ضروري أو غير ضروري، وبهذا يكون مفهوم الفضالة في الفقه الإسلامي أوسع نطاقا من مفهوم الفضالة في القانون الوضعي، فكل تدخل في شؤون الغير يرتب حكم الفضالة، بغض النظر عن مدعاة هذا التدخل. على حين أن القوانين الوضعية قصرت حكم الفضالة على التدخل العاجل من قبل الفضولي لتحقيق مصلحة رب العمل، وأعطت حكما آخرا للتصرف في ملك الغير.

لهذا كله يرى البعض بأن الفقه الإسلامي يعرف نوعين من الفضالة

النوع الأول: نظام الفضالة الفقهي: ويقابله في القانون “التصرف في ملك الغير” وفي هذا النظام لا يشترط أن يكون تدخل الغير ضروريا أو نافعا.

النوع الثاني: نظام الفضالة القانونية: وهو ما نصت عليه القوانين الوضعية، وفيه يقوم الفضولي بعمل عاجل لصاحب العمل دون أن يكون ملزما بذلك.