سلطات القاضي في تقدير عقوبة الجنح والمخالفات والغاية منها

أولا: الجنح

الجنحة في نظر القانون هي الجريمة الأقل خطرا من الجناية ولا تتجاوز عقوبتها الخمس سنوات حبس أو غرامة مالية أقصاها ألفي دينار جزائري, كما نصت عليه المادة الخامسة من الفقرة الثانية من قانون العقوبات الجزائري .

ويتضح من الإستقراء للعقوبات المقدرة للجنح أن غايتها زجر الناس عموما وتحذير كل من تسول له نفسه مخالفة القانون كما أن العقوبة تهدف إلى الوقاية من الجريمة لكونها فرضت مسبقاالعقوبة على كل مخالف للقانون، وهذا عامل نفسي يجعل التفكير في إتيان فعل مجرم مقترن بإنتظار الجزاء المتمثل في العقوبة كما أن أغلب النصوص تجرم محاولة إرتكاب الجريمة وكذلك المساهمة والإشتراك وحتى عدم التبليغ بالجرائم أو التحضير لها ولهذا تكون العقوبة رادعة لكل الأسباب التي تؤدي عادة إلى إرتكاب الجرائم ، وسلطة القاضي محصورة بين الحد الأقصى والحد الأدنى للعقوبة إذا ثبتت التهمة وأدين الجاني قضائيا مع مراعاة ظروف التخفيف عند توفر شروطه أو التشديد في حالة جسامة الخطر و المتهم .

لكن هل هذه الغاية من العقوبة حققت النتائج المقررة لها . إن الإحصاءات الرسمية أظهرت أن الجنايات والجنح التي سجلت في المحاكم . عددها ( 317 .223 ) لسنة 1981 و هذا العدد المفجع بين فشل العقوبة حاليا لتحقيق الغاية المرسومة لها، وذلك حسب رأينا الخاص للأسباب التالية :

1) إن القوانين الوضعية عامة توضع لحماية مصالح المجتمع ويفترض فيها وجوبا التماشي مع ثوابت المجتمع وأصالته وأعرافه الإخلاقية التي رآى فيها مصلحة لكيانه وإلزاما لأفراده, فإذا صدر تشريع قانون ما على غير هذه الأسس فهو لايؤدي أية وظيفة، ولا يحقق أية نتيجة مرضية لكون أفراد المجتمع يرون فيه تعدي على سيادتهم وإختيارهم لنظام حياتهم الخاصة حيث يرفض هذا القانون ويعتبر الإعتداء عليه ليس بجريمة أبدا ما دام مفروضا عليهم ولم يراع فيه أبسط القواعد.

قاعدة حرية المجتمعات في إختيار النظام الموافق لأصالتها وأعرافها وأخلاقها، لذلك نجد أغلب المجتمعات التي أخذت بالقوانين المخالفة لأصالتها تعيش في فوضى عامة خانقة تزداد الجريمة فيها كل ما مر زمان وجاء زمان آخر لكونها رافضة العيش تحت سيطرتها قهرا ورغم إرادتها .

2) إذا كان القانون مفروضا على المجتمع بغير إحترام لثوابته وأصالته فإن ذلك ينتج فجوات تحول دون تحقيق غاية الأمن.

(أ) ضعف جهاز العدالة :

و هذا الضعف نتيجة حتمية ما دام القاضي الذي يطبق هذا القانون هو فرد من أفراد المجتمع يحس بما يحس به غيره، ويتأثر بالحالة الإجتماعية السائدة في المجتمع فيعيش في تناقض مفروض حيث يرى الظلم الإجتماعي مسلطا على مجتمعه ولكن لا يستطيع إنصافه أو تغييره, فهذه الحالة النفسية لجهاز العدالة يجعل قضاتها يفضلون الرأفة عموما على كل المجرمين فينتج عن ذلك مرض خطير وهو ضعف الهيبة نحو جهاز العدالة بل إحتقاره في أغلب الأحيان من المجتمع .

(ب) إنتشار الأمراض الإجتماعية :

من هذه الأمراض مرض السيطرة على جهاز العدالة من المسؤولين غير المبالين وتوجيهه لغير مصلحة المجتمع بل لمصالح فئات وطوائف محددة مما يزيد الطينة بلة، فتسود الرشوة والمحاباة وغيرها من الأمراض التي ما دخلت مجتمعا إلا خربته وأضعفته في كل النواحي الإجتماعية والإقتصادية وغيرهما لأن المجتمع مترابط في نظامه إن أختل جزء منه تأثر الكل وهذا أمر معلوم في الواقع المعاش في الدول المطبقة للقوانين المخالفة لأصالة مجتمعها لا ينكره عاقل أبدا .

ثانيا :المخالفات:

المخالفات في عرف القانون هي : ((الجريمة التي تتراوح عقوبتها بالحبس من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر، وغرامة مالية من 20 د ج إلى2000 دج)).

وقد خصص لها المشرع الوضعي الجزائري الكتاب الرابع من المادة 440 إلى 468 وتنقسم المخالفات إلى ثلاثة أقسام خصصت الفئة الأولى للمخالفات المتعلقة بالنظام العام والأمن العمومي والإعتداءات على الأشخاص والحيوانات وخصصت الفئة الثانية لنظام المرور والأداب العامة والأموال. أما الفئة الثالثة فقد خصصت للمخالفات العامة الأقل درجة من الفئتين الأولى والثانية .

ويتضح من الإتجاه العام للمشرع الوضعي في هذا النوع من الجرائم أن غاية العقوبة في المخالفات هي حفظ النظام العام خصوصا لكونه حدد عقوبات خفيفة تعتبر كإيلام للفاعل على إعتدائه الفعلي سواء كان هذا الإعتداء على اللوائح التنظيمية عموما أو على الأموال والأشخاص وعلى النظام العام والآداب العامة .

إلا أن الإيلام على ضرر محقق لا يكفي لردع الفاعل على العودة ما دام متيقن مسبقا بأن العقوبة لا تتعداه طبقا لنص القانون, لذلك فإن عدد المخالفات من الدرجة الثالثة تعد بالملايين خاصة مخالفة النظام العام وقانون المرور حيث أغلبها لا يطبق لعجز جهاز العدالة على تنفيذ العقوبة لكثرة المخالفين .

وقد أدى هذا الفشل العام في تحقيق غاية العقوبة إلى إحداث تغييرات إجرائية وموضوعية في كثير من المخالفات، منها إجراء دفع العقوبة المالية لبعض المخالفات فورا ودون المحاكمة كما هو الشأن في عقوبة التوقف في أماكن ممنوعة وإستعمال الكماش للسيارات إجبارا للمخالفين على دفع الغرامة قبل فكه . وسنبين هذا العجز في تحقيق الغاية من العقوبة في هذا النوع والأنواع الأخرى في المبحث الأخير إن شاء الله .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت