مفــهوم العَــود

يعرف علماء الاجرام العود على انه تكرار ارتكاب الجرائم وهو تعريف اكثر شمولا اذ انه لايقتصر على الجرائم التي ثبتت بحكم قضائي او من حكم عليه او نفذت عليه العقوبة اكثر من مرة بل انهم يؤكدون على حالة الاصرار لدى الشخص في ارتكاب الجرائم سواء ثبتت بحكم قضائي ام لم تثبت لذلك فانهم يعرفون الشخص العائد بانه : ( الشخص الذي سبق الحكم عليه ، وإرتكب بعد ذلك جريمة أخرى ، سواء ثبتت هذه الجريمة رسمياً أم لا ).

وحجة علماء الاجرام في مذهبهم هذا هو انه في نظرهم يوفر غطاء اكبر من الحماية للجماعة لان التعريف الوارد اعلاه يعتبر الشخص عائدا في مرحلة ابكر مما يعتبره القائمون على التنفيذ العقابي وهذا يؤدي الى بدء العمليات الاصلاحية لشخص الجاني وملاءمتها له بحيث يتحقق الهدف المرجو من تلك العمليات وضمان عدم عودة الشخص مرة اخرى الى الجريمة.

ويذهب علماء الاجرام ايضا الى ان الوقت الملائم لبدء العمليات الاصلاحية يجب ان تكون منذ توقيع الجزاء عن الجريمة الاولى اذ يجب ان يوضع الجاني تحت رقابة صحية ونفسية واجتماعية لمجرد ارتكابه هذه الجريمة لاسيما اذا كانت الجريمة على درجة عالية من الخطورة او ارتبطت بها ظروف معينة او ظهرت لدى الجاني ميول اجرامية خطيرة .

ولذلك يذهب علماء الاجرام الى ان العود هو : (الظرف الموضوعي الذي بموجبه يعتبر الشخص في حالة خطرة بعد سبق الحكم عليه في جريمة) ، اما من الناحية القانونية فان التشريعات الجنائية لم تتوصل الى وضع تعريف شامل محدد لظاهرة العود ولذلك فانه يتم الرجوع الى الفقه والقضاء اذ يمكن من خلالهما استخلاص ابرز السمات المميزة للعود فيذهب الفقه في تعريف العود الى انه (حالة خاصة للجاني الذي سبق الحكم عليه بحكم بات في جريمة وارتكب بعد ذلك جريمة أخرى وفقاً للشروط المحددة في القانون )

ويذهب فقهاء اخرون الى ان العود هو : (معاودة سقوط الشخص في وهدة الإجرام بعد الحكم عليه نهائياً ) وبذلك فان الركن الاساسي في التعريف العقابي للعود هو سبق الايداع في السجن اما في التعريف القانوني فهو (سبق وجود حكم بات غير قابل للطعن) ، وبذلك فان حالة العود تتطلب وجود ركنين اساسيين لكي يرتب العود اثاره وهما سبق صدور حكم نهائي بعقوبة عن جريمة اصلية سواء نص عليها في قانون العقوبات ام في القانون الخاص وهذا الشرط يقتضي ان تكون الجهة القضائية التي يعتد باحكامها كسوابق للعود وهي المحاكم والمجالس العسكرية وان يكون الحكم بات وغير قابل للطعن ولم تنقض اثاره بسبب رد الاعتبار او العفو الشامل او بسبب انتهاء ايقاف الحكم المعلق على شرط من دون الغاء .

اما الشرط الثاني فهو ارتكاب جريمة جديدة من قبل الجاني الذي يعتبر شرطا اساسيا لقيام حالة العود لديه اذ بحدوثها فقط تقوم حالة العود وبدونها لامجال للحديث عن العود ومن شروط جريمة العود انها يجب ان تكون مستقلة عن الحكم الصادر عن الجريمة الاولى وبمعنى اخر ان لاتكون الجريمة الجديدة مجرد وسيلة للتخلص من الاثار القانونية الناشئة عن الجريمة الاولى لاننا في هذه الحالة لن نكون امام جريمة جديدة بل هو مجرد عمل للتخلص من العقوبة الموقعة عليه مثل جريمة الهرب من السجن الذي حكم به على الجاني لارتكابه الفعل الجرمي الاول لكن اذا هرب الجاني مرة اخرى بعد الحكم عليه بسبب الهرب الاول فانه يعتبر في هذه الحالة عائدا وتتوفر اركان العود لديه .

فاذا توافر هذان الركنان الاساسيان قامت ظاهرة العود وترتبت اثاره التي هي غالبا تعتبر سببا لتشديد العقوبة على المجرم العائد وهذا ماتميل اليه اغلب التشريعات الجنائية وعلى الرغم من تعرض هذا الاتجاه الى النقد الشديد بحجة ان العود لايغير من طبيعة الجريمة من الوجهة المادية وهذا يتضمن الاعتداد بالجريمة الاولى التي سبق ان حوكم عليها الجاني ونفذ العقوبة وهذا يتنافى مع المبدأ المستقر قانونا والقاضي بـ (عدم جواز محاكمة الشخص اكثر من مرة عن فعل واحد ) وكذلك فان مسلك العود يؤدي الى تحميل الجاني مسؤولية فشل المجتمع الذي لم يستطع تاهيل الجاني واصلاحه في المرة الاولى ولكن هذه الانتقادات على كثرتها الموجهة الى العود فانها لم تلق ترحيبا من قبل اغلب الفقهاء لان تشديد العقوبة المترتبة على ظاهرة العود يستند الى الارادة المصرة التي اتضحت لدى الجاني عقب عودته الى الجريمة والتي تتمثل بوجود خطورة جرمية لديه .

كما ان هناك تشريعات اخرى تذهب الى الحكم بالاعدام على المجرم العائد الى الجريمة بعد الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية جسيمة او في حالة تعدد الجرائم المعاقب عليها بهذه العقوبة كما في العراق ، وتذهب تشريعات اخرى الى فرض بعض التدابير في حالة العود مثل وضع الشخص العائد تحت المراقبة او الوصاية لمدة من الزمن كما هو الحال بالتشريع المصري.

المحامية / ورود فخري