نظام الإكراه البدني في التشريع الجمركي

عمر انويرا

طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق – طنجة-

مقدمة:

الأصل أن يتم تنفيذ الأحكام القضائية اختيارًا من جانب الأطراف عن طريق قيام المدين أو المحكوم عليه بأداء المبلغ المحكوم به عليه من تلقاء نفسه، بيد أن هذه الصورة لا تتحقق في غالب الأحيان ذلك أن الواقع العملي أثبت وجود عدة نماذج يتقاعس فيها المحكوم عليهم عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم، إما بشكل متعمد أو لأسباب أخرى، آنذاك لا مناص من اللجوء إلى وسائل أخرى للتنفيذ حفاظا على هيبة و قدسية الأحكام القضائية وكذا تدعيما لثقة المتقاضين في مدى فعالية المنظومة القضائية.

ومن الآليات القانونية التي أوجدها المشرع و أباح اللجوء إليها لإجبار المدين على التنفيذ نجد نظام الإكراه البدني . فما المقصود بنظام الإكراه البدني؟ و كيف تبنت مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة نظام الإكراه البدني؟

إن المشرع المغربي شأنه شأن باقي التشريعات الأخرى لم يعطي تعريفا للإكراه البدني، وإنما ترك المجال للفقه ليتولى ذلك، وقد اختلف الفقه في تعريفه للإكراه البدني، فهناك من عرفه بأنه حبس المحكوم عليه مدة معينة يحددها الحكم الصادر به طبقا لمقتضيات القانون المنظم لهذا الإجراء القهري لإجباره على أداء ما التزم به أو ألزم به قضاء[1]، وهناك من عرفه بأنه إجراء تهديدي يستهدف الضغط على المدين القادر على الوفاء عن طريق حبسه لإجباره على تنفيذ التزامه[2]. وعرفه الدكتور السنهوري بأنه وسيلة غير مباشرة لإجبار المدين على تنفيذ التزامه، ويكون ذلك بحبسه حتى يضطره الحبس إلى الوفاء بالدين وكيفما كان الحال فإنه مهما اختلفت التعاريف فإن الإكراه البدني ليس عقوبة بمفهوم الفصول 16 و 17 و 18 و 36 من القانون الجنائي كما انه ليس تدبيرا وقائيا سواء كانت تدابير شخصية الفصل 61 من القانون الجنائي أو عينية الفصل 62 من القانون الجنائي ، أي بمعنى أعم أن الإكراه البدني ليس جزاءًا عن عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ، كما أنه ليس تدبيرا وقائيا هدفه حماية المجتمع من الإجرام عن طريق المنع الخاص.

بناءا على ذلك يبقى للإكراه البدني كيانه المستقل كوسيلة من الوسائل التهديدية التي تهدف إلى إجبار وإلزام المدين على أداء المبالغ المحكوم بها عليه وذلك عن طريق الزج به في السجن لفرض انصياعه لأحكام القانون محافظة على ما لهذه الأحكام من هيبة و قدسية[3].

هذا وقد نظم المشرع المغربي الإكراه البدني من خلال الباب الخامس من القسم الأول من الكتاب السادس و بالضبط من المادة 633 إلى 647 من قانون المسطرة الجنائية.

وإذا كان المشرع المغربي قد نص على الإكراه البدني كوسيلة من وسائل التنفيذ وهو في ذلك يبدو متأثراً بالمدرسة اللاتينية التي ترجح العنصر الشخصي في الالتزام عكس المدرسة الجرمانية ، فإن تناوله لهذه المسطرة و تنظيمه لها قد تم بمقتضى عدة نصوص تبعا لنوعية الديون، فقانون المسطرة الجنائية نظم الإكراه البدني بخصوص الغرامات و المصاريف القضائية و التعويضات ورد ما يلزم رده، أما مدونة الجمارك [4] فقد نظمت الإكراه البدني بشأن العقوبات المالية المتعلقة بالجنح و المخالفات الجمركية ، وذلك بمقتضى الفصل 262 مكرر و الفصل 264 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

والملاحظ ، هو أن مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة نصت على الإكراه البدني في فصلين وأشارت فقط إلى نطاق تطبيقه على المخالفات الجمركية و المدة الخاصة به، وأغفلت مجموعة من العناصر الضرورية لتطبيق الإكراه البدني و المتمثلة أساسا في شروط الإكراه البدني و الاستثناءات التي تمنع تطبيقه (المطلب الأول)، وكذا مختلف الإشكالات المسطرية التي يعرفها نظام الإكراه البدني المطبق على الجنح و المخالفات الجمركية (المطلب الثاني).

الأمر الذي يقتضي منا الرجوع إلى القواعد العامة المنظمة للإكراه البدني و المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية المشار إليه أعلاه، إضافة إلى مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ومدونة تحصيل الديون العمومية باعتبار هذه الأخيرة هي الشريعة العامة للقوانين الخاصة بالديون العمومية وذلك لكون الحقوق والرسوم الجمركية تعتبر ديونا عمومية[5].

المطلب الأول: شروط تطبيق الإكراه البدني والاستثناءات الواردة عليه في التشريع الجمركي

يعتبر الإكراه البدني وسيلة ضغط للحمل على الأداء, وهي ذات خطورة كبيرة على المدين لكونه يمس بحريته، لذلك أقر المشرع المغربي مجموعة من الشروط من أجل سلوك مسطرة الإكراه البدني، قصد حمل المدين على الوفاء بالتزاماته، لأن الهدف من الإكراه البدني هو رد الحقوق إلى أصحابها، وذلك دون تعسف، لذا فإنه لا يمكن للدائن إكراه غريمه إلا بتوفر هذه الشروط (الفقرة الأولى)، إلا أن نطاق تطبيق الإكراه البدني بالرغم من توفر هذه الشروط يرد عليه بعض الاستثناءات تحد من تطبيقه على المدين (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: شروط تطبيق الإكراه البدني في المادة الجمركية

من خلال قراءة المقتضيات القانونية المنظمة للإكراه البدني سواء المنصوص عليها بقانون المسطرة الجنائية أو بمدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة أو بمدونة تحصيل الديون العمومية يتضح أن المشرع وضع مجموعة من الشروط يتعين توفرها حتى يتسنى تطبيق مسطرة الإكراه البدني لتحصيل الغرامات والإدانات النقدية ويمكن تقسيم هذه الشروط إلى شروط موضوعية (أولا)، و شروط شكلية (ثانيا).

أولا : الشروط الموضوعية للإكراه البدني

تتمثل الشروط الموضوعية لتطبيق الإكراه البدني في المادة الجمركية فيما يلي:

أ)- أن يكون هناك دين بذمة المحكوم عليه.

ب)- أن يكون الدين ثابتا بمقتضى سند تنفيذي.

ت)- أن تكون مدة الإكراه البدني محددة قانونا.

أ)- أن يكون هناك دين بذمة المحكوم عليه
تنص المادة 635 من ق.م.ج على انه : ” يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم رده و التعويضات و المصاريف …” [6]، كما أن الفصل 264 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ينص على أنه : ” ينفذ الإكراه البدني المطبق بشأن جنحة أو مخالفة جمركية رغم الطعن بالطرق غير العادية بمجرد صدور الحكم النهائي.”[7]

وهذا يعني أن الإكراه البدني لا يمكن تطبيقه إلا إذا كان المحكوم عليه بصفة عامة مدينا بمبلغ مالي أو ملزما بعمل ما، وبمجرد ما يصدر الحكم بالغرامات الجبائية ، فإن ذلك يعطي لإدارة الجمارك صفة الدائن و للمحكوم عليه صفة المدين.

وفي هذا الإطار نصت المادة 633 الفقرة الثانية من قانون المسطرة الجنائية على أن مأموري كتابات الضبط في محاكم الاستئناف و المحاكم بالمملكة مؤهلون في آن واحد مع القباض للقيام بالمتابعات المتعلقة بالتحصيل الجبري بواسطة الإكراه البدني لتحصيل الغرامات والعقوبات المالية .[8]

وعموما فسواء تعلق الأمر بدين عمومي أو خاص, [9] فإن الإكراه البدني يشكل وسيلة الضغط الوحيدة والحاسمة على المدين لإجباره على تنفيذ التزامه.

الشرط الثاني: أن يكون الدين ثابتا بمقتضى سند تنفيذي
لقد بينت المادة 639 من ق.م.ج. في فقرتها الأخيرة أن المطالب بالحق المدني يمكن أن ” يقدم طلب تطبيق الإكراه البدني لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة , ويرفق بنسخة من المقرر القابل للتنفيذ بالإضافة إلى الوثائق المشار إليها في المادة 640 بعده”.[10]

والملاحظ، أن المادة أعلاه و غيرها من المواد الأخرى المتعلقة بالإكراه البدني كالمادة 635 من ق م ج ,تتحدث عن الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المحكوم به بصفة لا تقبل الرجوع، فهي بذلك تشترط أن يكون الحكم لم يعد قابلا لأي وجه من وجوه الطعن العادية أو غير العادية.

أما بالنسبة لإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة فإن الفصل 264 من مدونة الجمارك ينص على أن الإكراه البدني يطبق رغم أن الحكم لم يصبح نهائيا ،وبعبارة أخرى فبمجرد صدور الحكم الابتدائي يسمح بتطبيق الإكراه البدني رغم قبول هذا الحكم للطعن بالاستئناف، وهذا ما يستنتج من الفصل المذكور الذي يقضي بأنه يباشر فورا حبس المحكوم عليه إذا كان يوجد في حالة سراح مؤقت ، ولو كان الحكم الصادر ضده يقضي بعقوبة موقوفة التنفيذ، وذلك رغم الاستئناف الذي يكون قد قدمه ضد الحكم المذكور فيكفي صدور الحكم بالعقوبات المالية الجمركية ليباشر الإكراه البدني,[11] ما عدا إذا كان مبلغ الإكراه البدني مضمونا بكامله.[12]

أما المحكوم عليه المعتقل وقت صدور الحكم، فيبقى رهن الاعتقال لقضاء مدة الإكراه البدني ولو كانت العقوبة الحبسية الصادرة ضده موقوفة التنفيذ ، بل حتى لو قدم طعنا بالاستئناف ضد الحكم المذكور، وذلك لأن المشرع نص في المادة 264 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة على أنه ينفذ الإكراه البدني رغم الطعن بالطرق العادية، بمجرد صدور الحكم نهائيا، ولو لم يكتسب بعد قوة الشيء المقضي به[13].

وهذا الأمر ينطوي على مس واضح بحرية المعني بالأمر ذلك أنه قد يعتقل من أجل أداء مبلغ العقوبات المالية المتعلقة بجنحة آو مخالفة جمركية وقد يلغى القرار على اثر ممارسته لطرق الطعن غير العادية وبالتالي يكون المعني بالأمر قد اعتقل بدون وجه حق.

الشرط الثالث: أن تكون مدة الإكراه البدني محددة
يشكل الإكراه البدني خطورة على حرية المدين، لذلك فإنه لا يمكن تطبيقه إلا بعد تحديد مدته مسبقا، وهو ما يتضح من المادة 636 من ق.م.ج. التي ألزمت في فقرتها الأولى كل محكمة زجرية عندما تصدر مقرراً بالغرامة أو برد ما يلزم رده أو بالتعويضات أو المصاريف القضائية أن تحدد مدة الإكراه البدني، وفي حالة ما إذا أغفلت المحكمة الحكم بالإكراه البدني أو عن تحديد مدته، فإنه يتم الرجوع إليها لتبت في الموضوع بغرفة المشورة وينفذ مقررها رغم كل طعن.[14]

ولهذه الغاية أقر المشرع المغربي مددا معينة تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، على أن لا تخرج عن تلك المحددة في المادة 638 من ق م ج، ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك.[15]

وبالفعل فمدونة الجمارك باعتبارها نصا خاصا، فإنها حددت في الفصل 262 المكرر من م ج ض غ م مدة الإكراه البدني بقولها :” يطبق الإكراه البدني بشأن العقوبات المالية المتعلقة بجنح أو مخالفات جمركية و تحدد مدته على النحو التالي رغم كل الأحكام المخالفة لهذا الفصل:

– من سنة واحدة إلى سنتين بالنسبة للجنح الجمركية.

– من 6 أشهر إلى سنة بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة الأولى و الثانية

– من شهر واحد إلى 6 أشهر بالنسبة للمخالفات الجمركية من الطبقة الثالثة و الرابعة[16].

يتبين من خلال مقتضيات المادة 262 مكرر من م.ج.ض.غ.م. أن المشرع الجمركي في تقريره لمدة الإكراه البدني المتعلق بالعقوبات المالية اعتمد على معيار خطورة الجريمة الجمركية المرتكبة وبصرف النظر عن مقدار الدين المستحق.

أما فيما يتعلق بمدة الإكراه البدني من أجل تحصيل الرسوم الجمركية فيتم تحديدها حسب مقدار الدين المراد تحصيله وهذه المدد منصوص عليها في المادة 79 من مدونة تحصيل الديون العمومية وهي محددة كما يلي:

                           مبلغ الدين          مدة الحبس
يعادل أو يفوق 8000 درهم ويقل عن 20000 درهم.15 إلى 21 يوم
يعادل أو يفوق 20000 دهم ويقل عن 50000 درهم.من شهر إلى شهرين
يعادل أو يفوق 50000 درهم ويقل عن 200000 درهم.3 أشهر إلى 5 أشهر
يعادل أو يفوق 200000 درهم ويقل عن مليون درهم.6 أشهر إلى 9 أشهر
يعادل أو يفوق مبلغها مليون درهم10 أشهر إلى 15 شهر

ونشير في الأخير إلى أنه في حالة إغفال الحكم تحديد مدة الإكراه البدني ، فإنه يتعين مراجعة المحكمة التي أصدرت الحكم تطبيقا للفصل 636 من قانون المسطرة الجنائية.

ثانيا : الشروط الشكلية للإكراه البدني في المادة الجمركية

تتجلى الشروط الشكلية للإكراه البدني في المادة الجمركية فيما يلي:

أ)- إنذار المدين بالوفاء.

ب)- تقديم طلب من الدائن يرمي إلى إيداع المدين في السجن.

ت)- عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين.

ا) إنذار المدين بالوفاء.
نصت المادة 640 من ق.م.ج. على ما يلي :” لا يمكن تطبيق الإكراه البدني ، في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي، إلا بعد موافقة قاضي العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك:

1- توجيه إنذار من طرف طالب الإكراه البدني إلى الشخص المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه يبقى دون نتيجة بعد مرور أكثر من شهر واحد من تاريخ التوصل به “.

انطلاقا من المادة أعلاه، فإن الإنذار الذي يوجهه الدائن إلى المدين الممتنع عن سداد مبلغ الدين لتسوية وضعيته المالية اتجاه من له الحق، فيقتنع المدين أنه أمام الأمر الواقع و يخضع لمنطقه، فيتدبر الأمر ويسرع إما إلى تدبير المبلغ المالي المدين به، أو السعي لدى الدائن لإجراء تسوية ودية معه وتحصيل التنازل عنه.[17]

وبالرجوع إلى مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة نجدها أغفلت التنصيص على هذا الشرط ، لكن على مستوى الواقع يتعين على إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة قبل أن تباشر إجراءات الإكراه البدني أن تقوم بإنذار المدين الممتنع عن أداء الغرامة، لأن انذاره هو وضعه قانونا في حالة المتأخر عن تنفيذ التزامه[18] وإشعاره بضرورة الوفاء به تحت طائلة طلب اعتقاله لحمله قسرا على الأداء هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن تبليغ الإنذار إلى المحكوم عليه يمكن الرجوع فيه إلى مقتضيات المادة 260 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة حيث نصت على انه : ” يسوغ لأعوان الإدارة أن يحرروا ويبلغوا جميع العقود غير القضائية التي يستلزمها :

الإثبات و التحصيل و المنازعات المتعلقة بالمكوس و الرسوم.
بيع الأشياء المحجوزة أو المصادرة أو المتروكة في الجمرك و كذا تحصيل الغرامات و العقوبات المالية الأخرى.[19] “
ب) تقديم طلب من الإدارة يرمي إلى إيداع المدين في السجن
تنص المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية على أن : ” لا يمكن تطبيق الإكراه البدني ، في جميع الأحوال ولو نص عليه مقرر قضائي، إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك:

2- تقديم طلب كتابي من المطالب بالإكراه البدني يرمي إلى الإيداع في السجن.”

من خلال هذه المادة يتضح أنها أوجبت على المطالب بتطبيق الإكراه البدني، الذي يريد الاستمرار في إجراءات التنفيذ و تطبيق الإكراه البدني في مواجهة المدين ، أن يتقدم بطلب كتابي إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المختصة يهدف من خلاله إلى الزج بالمدين في السجن.

وتجدر الإشارة إلى أن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة لا تقدم على طلب اعتقال المحكوم عليه لقضاء الإكراه البدني ، إلا إذا كان في حالة سراح ، أما في حالة اعتقال فلا ضرورة لتقديم الطلب لأن الاعتقال الاحتياطي يجعل المدين الممتنع تحت أيدي العدالة.[20]

ب) عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين
إن إقرار المشرع لهذا الشرط بكيفية صريحة في الفقرة الرابعة من المادة 640 من ق.م.ج. يعطينا جوابا كافيا عن السؤال الذي كان مطروحا في ظل القانون القديم حول المرحلة التي ينبغي أن يقدم فيها طلب تطبيق الإكراه البدني بمعنى آخر ما موقع الإكراه البدني من وسائل التنفيذ الأخرى ؟ [21]

ويزكي هذا الجواب كذلك مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 635 من ق.م.ج. الحالي والتي تقضي بأن مسطرة الإكراه البدني يمكن أن تطبق في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم رده و التعويضات و المصاريف إذا تبين أن الإجراءات الرامية للحصول على هذه الأموال بقيت بدون جدوى أو أن نتائجها غير كافية.

وبالرجوع إلى مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة نجدها مرة أخرى أغفلت التنصيص على هذا الشرط، لكن وبما أن دين إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة يعتبر من الديون العمومية ، فإنه يمكن الاستعانة بمدونة تحصيل الديون العمومية والتي تقضي في مادتها 76 بأنه إذا لم تؤد طرق التنفيذ على أموال المدين إلى نتيجة يمكن أن يتابع التحصيل الجبري للضرائب والرسوم و الديون العمومية الأخرى بواسطة الإكراه البدني.

وعليه ، فإن الإكراه البدني وإن كان إجراء اختياريا بإرادة الدائن (إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة)، فإنه لا يمكن لهذه الأخيرة اللجوء إليه إلا بعد سلوك إجراءات التنفيذ الأخرى على مال المدين وان تبقى بدون نتيجة.

الفقرة الثانية : موانع تطبيق الإكراه البدني في المادة الجمركية

الأصل أن القاعدة القانونية، هي قاعدة عامة و مجردة بمعنى أن مفعولها يسري على مجموع المخاطبين بها، ممن يتمتعون بأهلية التمييز و يتحملون كامل المسؤولية عن الأفعال الصادرة عنهم، تحقيقا لمبدأ العدالة و تكريسا لمبدأ المساواة أمام القانون الذي يعد أولى ألاولويات وأسمى غايات القاعدة القانونية.

بيد أنه ثمة موانع، تقوم أحيانا كاستثناء يحد من عمومية نطاق هذا المبدأ ، وهي عوارض يمكن أن تستقي روافدها من أسباب شخصية أو موضوعية ، ونظام الإكراه البدني من منطلق وصفه و طبيعته كمجموع قواعد مؤطرة لوسيلة جبرية للتنفيذ لم يزغ بدوره عن سياق القاعدة حيث يخضع بدوره لمجموعة من الاستثناءات التي تعطل تطبيقه إما بسبب عسر المدين (أولا) ، وإما بسبب سنه (ثانيا).

أولا : عسر المدين يمنع تنفيذ الإكراه البدني[22]

تنص الفقرة الأخيرة من المادة 635[23] من قانون المسطرة الجنائية على أنه :” … لا يمكن تنفيذ الإكراه البدني على المحكوم عليه ، الذي يدلي لإثبات عسره بشهادة عوز يسلمها له الوالي أو العامل أو من ينوب عنه ، وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن المحكوم عليه “.

وهكذا ، فقد جعل المشرع المغربي من عسر المدين مانعا يحول دون تطبيق الإكراه البدني في حقه.

وبالرجوع إلى مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة نجدها لم تنص على هذا الاستثناء ، لكن في إطار مدونة تحصيل الديون العمومية نجدها من خلال المادة 57 تنص على إمكانية إعفاء المدين المعسر شريطة أن يثبت إعساره إما بمحضر عدم وجود ما يحجز كما نصت على ذلك المادة 56 بالنسبة للمدينين المعروفين بقدرتهم على الوفاء، والذين لم يفض الحجز الذي أجرى عليهم إلى أي نتيجة , وإما بشهادة العوز المسلمة من طرف السلطة الإدارية المحلية بالنسبة للمدينين المعروفين بعسرهم[24].

وما ينبغي تسجيله في هذا الصدد، هو أن وجود إحدى الوثيقتين كاف لإثبات العسر في إطار مدونة تحصيل الديون العمومية، بخلاف المادة 635 [25] من ق.م.ج. التي تربط عدم تنفيذ الإكراه البدني بإدلاء المحكوم عليه بالوثائق المثبتة لعسره و هي شهادة العوز ، وشهادة عدم الخضوع للضريبة ، إضافة إلى ذلك فإن مدونة تحصيل الديون العمومية لم تحدد بدقة الجهة المكلفة بتسليم شواهد العوز عكس ما نصت عليه المادة 635 من ق.م.ج ، كما انه في إطار قانون المسطرة الجنائية نجد المشرع لم يعاقب على افتعال العسر، عكس ما هو منصوص عليه في إطار مدونة تحصيل الديون العمومية.[26]

ثانيا: الاستثناءات المتعلقة بالسن

حضي عامل السن باهتمام جل التشريعات ، والقوانين الخاصة بالإكراه البدني ، حيث أن عدم بلوغ الشخص أو تجاوزه لسن معينة ، يكون مانعا من إخضاعه لمسطرة الإكراه البدني ، و تجدر الإشارة إلى أن التقدم في العمر هو كالصغر من حيث آثاره على الإكراه البدني ، حيث أن كلاهما معفى من الإكراه البدني ، وبالرجوع إلى التشريع المغربي ، نجده حدد هذا المانع المتعلق بالسن في المكره دون 18 سنة (أ) ، وبلوغ المكره الستون سنة (ب).

أ – المحكوم عليه دون 20 سنة :
كان المشرع المغربي في إطار قانون المسطرة الجنائية القديم يحدد سن المحكوم عليه المتعذر إكراهه بدنيا في 16 سنة ، وذلك طبقا للمادة 676 من قانون المسطرة الجنائية الملغى ؛ إلا أن المشرع المغربي تدارك هذا الأمر في قانون المسطرة الجنائية الحالي، ليرفع سن المحكوم عليهم إلى سن 18 سنة كاملة يوم ارتكاب الفعل الإجرامي ، وذلك طبقا للمادة 636 من قانون المسطرة الجنائية الحالي[27].

ويندرج هذا التعديل في إطار تطبيق المعايير الدولية الخاصة بإدارة شؤون قضاء الأحداث ، و التي تؤكد على ضرورة استبعاد العقوبات السالبة للحرية ضد الأطفال الجانحين و ذلك بالنظر إلى تكوينهم الفيزيولوجي وقدراتهم العقلية بالمقارنة مع الطبيعة المميزة للإكراه البدني ، حيث يمكن اعتباره يتميز بالقسوة ، بالإضافة إلى أنه مجرد إجراء استثنائي ، باعتباره وسيلة جبرية لحمل المحكوم عليه على التنفيذ[28].

وبالرجوع إلى مدونة تحصيل الديون العمومية نجدها تنص في المادة 77 على أنه لا يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني فيما يخص تحصيل الرسوم و الديون العمومية الأخرى إذا كان سن المدين يقل عن 20 سنة أو يبلغ 60 سنة فما فوق[29] ، حيث يلاحظ في هذا الإطار أن المدونة رفعت الحد الأدنى للسن الذي لا يمكن تطبيق الإكراه البدني على المحكوم عليه إلى 20 سنة على خلاف قانون المسطرة الجنائية التي جعلته 18 سنة.

ب – بلوغ المحكوم عليه 60 عاما:
يشكل بلوغ المحكوم عليه لستين سنة أهم الأسباب التي تحول دون إمكانية إخضاعه للإكراه البدني، والملاحظ أن المشرع المغربي قد خفض من الحد الأقصى للسن الذي يمكن معه إخضاع المدين لمسطرة الإكراه البدني، وذلك أن المادة 676 من قانون المسطرة الجنائية القديم كانت تنص على أنه لا يمكن الحكم بالإكراه البدني على المحكوم عليه الذي يبلغ من العمر 65 عاما، ليتدخل المشرع بموجب ق.م.ج. الحالي، و يخفض السن إلى 60 عاما[30].

ومن أجل تفعيل هذا المانع، يجب على المحكمة أن تتأكد قبل الاستجابة لطلب تطبيق الإكراه البدني من سن المطلوب في الدعوى ، وإلا عرضت حكمها للنقض، وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة النقض –المجلس الأعلى سابقا – ” .. ذلك أن التزام المطعون من مواليد سنة 1933 ،و إنه لا يمكن أن يقضي بتطبيق الإكراه البدني من أجل استخلاص الصائر عند بلوغ المتهم 65 سنة ، استنادا إلى مقتضيات الفقرة الرابعة من الفصل 636 من ق.م.ج.، خاصة وأن الطاعن بلغ عند صدور القرار 68 سنة ، ونتيجة لما ذكر فإن هناك محلا لنقض القرار ألاستئنافي على ضوء هذه الوسيلة …” [31] وفي نفس الاتجاه صدر قرار آخر أكدته محكمة النقض عندما اعتبرت أن المحكمة خرقت نص المادة 636 من ق.م.ج. ، و عرضت قرارها للنقض عندما قررت تطبيق الإكراه البدني في حق البالغ من العمر 85 سنة”.[32]

ثالثا: استثناء متعلق بقيمة المبالغ المستحقة

أعفى المشرع المغربي الديون التي تقل عن 8000 درهم من الخضوع لمسطرة الإكراه البدني مراعيا في ذلك وضعية ذوي الدخل المحدود.[33]

رابعا: استثناءات متعلقة بالمرأة الحامل أو المرضعة

تنص الفقرتين الأخيرتين من المادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه لا يمكن اللجوء الى الإكراه البدني في ما يخص الضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى في الحالات الآتية :

– إذا كانت المرأة حاملا.

إذا كان المدين امرأة مرضعة وذلك في حدود سنتين ابتداء من تاريخ الولادة .”[34]
وهكذا فقد جعل المشرع المغربي حمل المرأة أو كونها مرضعة مانعا يحول دون تطبيق الاكراه البدني في حقها وذلك في حدود سنتين ابتداءً من تاريخ الولادة وذلك مراعاة لحالتها الاجتماعية.

وفي نفس السياق نصت المادة 78 من مدونة تحصيل الديون العمومية على أنه “لا يمكن اللجوء الى الإكراه البدني ضد الزوج وزوجته في آن واحد ولو من أجل ديون مختلفة “.[35]

المطلب الثاني: الإشكالات المسطرية والقضائية للإكراه البدني في التشريع الجمركي

تبنت مجموعة من التشريعات نظام الإكراه البدني باعتباره وسيلة غير مباشرة للضغط على المدين المحكوم عليه، وذلك قصد إرغامه على إظهار ما قد يخفيه من أموال تهربا من عملية التنفيذ عن طريق الزج به في السجن لمدة حددها القانون قد تطول أو تقصر حسب قيمة الدين، وبهذا المعني يشكل الإكراه البدني مساسا بحرية المحكوم عليه، لذلك أحاطه المشرع بمجموعة من القواعد والإجراءات، حماية لحرية الأفراد الممكن الضغط عليهم من أجل الأداء بواسطة هذا الإجراء.

وتقتضي دراسة الإشكالات المسطرية والقضائية المرتبطة بنظام الإكراه البدني من حيث طبيعة إجراءاته العامة والخاصة والأشخاص الخاضعين لها ومن لهم الحق في المطالبة بها، ثم تحديد الجهة القضائية المختصة بتطبيق هذه المسطرة.

ونتولى دراسة ذلك في فقرتين سنخصص الأولى لمسطرة الإكراه البدني، والفقرة الثانية للمنازعة في مسطرة الإكراه البدني.

الفقرة الأولى: مسطرة الإكراه البدني

إن الإكراه البدني كوسيلة لإجبار المدين على الوفاء بالتزامه، يشكل مسا خطيرا بالحرية الفردية للشخص وتهديدا حقيقيا لها، لذلك حرص المشرع على عدم اللجوء إلى هذه المسطرة إلا لمن لهم الصفة في المطالبة بها، بعد سلوك مجموعة من الإجراءات القانونية تختلف باختلاف ما إذا كان المدين في حالة سراح أم في حالة اعتقال، والتي من شأنها أن تلطف من طبيعتها القسرية وتكسبها الصبغة الشرعية تجاه الأشخاص الخاضعين لها.

لذلك نتناول الأشخاص الخاضعين لمسطرة الإكراه البدني (أولا)، ثم كيفية سريان إجراءات تطبيقها (ثانيا).

أولا: الأشخاص الخاضعون لمسطرة الإكراه البدني

إن الأشخاص الذين يمكن إجبارهم على الوفاء بالتزاماتهم في إطار مدونة الجمارك والضرائب غير مباشرة هم كالآتي: المتهم المدان (أ)، والمسؤول عن الحقوق المدنية (ب).

أ-المتهم المدان:
يعتبر المتهم أو المحكوم عليه الذي خسر الدعوى وتمت إدانته، بمقرر لم يكن حائز لقوة الشيء المقضي به، على رأس الأشخاص الذين يمكن أن يقع عليهم الإكراه البدني، وذلك في حالة امتناعه عن الوفاء بما ألزم به من طرف المحكمة.

وهكذا فانه في حالة الحكم على المتهم بالبراءة من الجريمة المنسوبة إليه، إما لكون الفعل غير منسوب إليه، وإما إن الفعل غير مجرم قانونا فانه لا مجال لتطبيق الإكراه البدني لان الحكم بالبراءة يبقي ذمة المتهم خالية من أي دين سواء أكان غرامات مالية أو تعويضات مدنية[36].

ويبقى على هيئة الحكم أن تعفي المتهم ،وذلك بناءا على مقرر معلل من جزء الغرامات أو التعويضات التي لم يترتب مباشرة عن الجريمة المحكوم عليه بسببها، وذلك في الحالة التي لم يفصل المقرر بالإدانة في جميع الجرائم موضوع المتابعة، أو في الحالة التي لم يفصل فيها المقرر إلا في جرائم وقع تغيير وصفها إما أثناء التحقيق أو عند صدور الحكم أو القرار أو الأمر، وكذلك إذا قضى بإخراج بعض الأفراد المطلوب متابعتهم من الدعوى، ويبقى على نفس الهيئة تحديد المبلغ المالي الذي يجب أن يعفى منه المحكوم عليه ،هذه المبالغ التي تتحملها الخزينة العامة أو الطرف المدني حسب الأحوال[37].

آما في الحالة التي يحكم فيها على المتهم بالإدانة، وهي عكس الحالة الأولى، حيث أن إدانة هذا الأخير تفرض على المحكمة الزجرية أن توقع عليه إحدى العقوبات الحبسية أو المالية أو هما معا، مع وجوب تحميل المتهم المدان أو المسؤول المدني، أداء المبالغ المالية للخزينة، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 367 من قانون المسطرة الجنائية[38].

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن المشرع ألزم كل محكمة زجرية عندما تصدر مقررا بالغرامة أن تحدد مدة الإكراه البدني، وهكذا إذا لم يبادر المتهم بأداء ما بذمته، وفي حالة ما إذا بقيت الإجراءات الرامية إلى الحصول على تلك الديون بدون جدوى، ففي هذه الحالة يمكن إجبار المحكوم عليه على الأداء وذلك بإخضاعه لمسطرة الإكراه البدني.[39]

ب -المسؤول عن الحقوق المدنية :
الأصل أن الإنسان لا يسأل إلا عن عمله الشخصي، ولكن يمكن على وجه الاستثناء أن يجعل القانون شخصا مسؤولا عن عمل قام به غيره ،وفي هذه الحالة لا تقوم المسؤولية إلا بالنسبة للأشخاص الذين عددهم القانون حصرا .

والمشرع المغربي بعد أن اقر هذه القاعدة في الفقرة الأولى من المادة 85 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والتي تنص على أنه :” لا يكون مسؤولا عن الضرر الذي يحدث بفعله فحسب لكن يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص الذين هم في عهدته “[40].

هذا، وقد عدد في الفقرات الموالية من نفس المادة مختلف الأشخاص الذين يمكن مساءلتهم عن فعل الغير[41] ، وتبعا لذلك الحكم عليهم بأداء التعويضات المستحقة للمتضرر من أفعال من هم تحت عهدتهم وتحميلهم مصاريف الدعاوى التي يكونوا طرفا فيها ويخسرونها وانطلاقا من مسؤوليتهم هذه تباشر إجراءات التنفيذ في مواجهتهم بكافة الطرق القانونية بما في ذلك إمكانية اللجوء إلى مسطرة الإكراه البدني.

وبالرجوع إلى الفصل 229 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة نجدها تنص على انه يعتبر مسؤولا مدنيا عن فعل الغير فيما يخص الرسوم والمكوس والمصادرات والغرامات والمصاريف بالإضافة إلى الأشخاص المذكورين في الفصل 85 من ق ل ع، مالكو البضائع عن فعل مستخدميهم ومالكو وسائل النقل عن فعل مستخدميهم إلا إذا أثبتت المسؤولية الشخصية للمستخدم المكلف بالسياقة [42].

وفي إطار الحكم بالغرامة على الأشخاص مرتكبو الأفعال التي تشكل جنح أو مخالفات جمركية ثبت وقت ارتكابها أنهم في حالة جنون أو أنهم قاصرين، فان هذه الغرامة في المادة الجمركية غير خاضعة لقواعد أو أحكام وقف التنفيذ باعتبارها تعويضا مدنيا لجبر الضرر الحاصل من جراء ارتكاب أفعال تشكل جنحا أو مخالفات جمركية .حيث انه في هذا الصدد ينشأ للإدارة حق على الغرامة في المادة الجمركية منذ ارتكاب الفعل أو من تاريخ الحكم بحسب الأساس المعتمد لتحديدها وان صدر في الفترة الممتدة بين الارتكاب و الحكم قرار أو نص تشريعي يلغي بمقتضاه الجنحة أو المخالفة المرتكبة آو يخفض العقوبة.[43]

ثانيا: الإجراءات المسطرية لتطبيق الإكراه البدني في المادة الجمركية

إن المشرع المغربي كما سبق الذكر يعتبر من بين التشريعات التي أصرت على الإبقاء على الإكراه البدني على نطاق واسع ،عندما يتعلق الأمر بالديون العمومية من غرامات وضرائب وديون الدولة ومؤسساتها العامة التي تخضع في تحصيلها لمساطر خاصة تناولتها مدونة تحصيل الديون العمومية الصادرة في إطار القانون رقم 15.97 التي جاءت لتوحيد مختلف النصوص القانونية المتفرقة التي كانت سارية في هذا الإطار ولتؤسس لفلسفة جديدة في العلاقة بين المواطن والإدارة وتستجيب للتطورات الحاصلة في ميدان حقوق الإنسان حسب ما جاء في عرض السيد وزير الاقتصاد والمالية في تقديمه مشروع المدونة أمام لجنة المالية بمجلس النواب.[44]

فكيف تجري إجراءات مسطرة الإكراه البدني في المادة الجمركية؟

تختلف المسطرة الواجب إتباعها من أجل إكراه المدين بدنيا باختلاف طبيعة الدين المراد تحصيله فبالنسبة للضرائب و الرسوم الجمركية فتخضع إجراءات التحصيل عن طريق الإكراه البدني لمقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية بينما تخضع إجراءات التحصيل المتعلقة بالغرامات الجمركية لقانون المسطرة الجنائية.

وعليه سأتناول مسطرة الإكراه البدني بالنسبة للضرائب والرسوم الجمركية (أ) وبعدها سأدرس مسطرة الإكراه البدني بالنسبة للغرامات الجمركية (ب).

بالنسبة للضرائب والرسوم الجمركية:
الإجراءات المسطرية الواجب إتباعها من أجل إكراه المدين بدنيا من أجل الضرائب والرسوم الجمركية تتمثل في:

1-تقديم طلب كتابي إلى رئيس المحكمة الابتدائية :
بعد توفر الشروط المسبقة للتحصيل الجبري، من إشعار المدين، وترخيص رئيس الإدارة بموجب قائمة اسمية تبين المدين أو المدينين، وبقاء درجات التحصيل الأخرى بدون نتائج مرضية يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني لتحصيل الرسوم والمكوس والغرامات الجمركية عن طريق تقديم طلب كتابي من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل[45] إلى رئيس المحكمة من اجل تحديد مدة الإكراه البدني ويجب أن يتضمن هذا الطلب البيانات التالية:

الاسم الشخصي والعائلي للمدين وعنوانه.
طبيعة الدين.
مبلغ الدين.
تاريخ توجيه الإنذار للمدين الملزم.
مدة الإكراه البدني المطالب بها.
توقيع المحاسب المكلف بالتحصيل.
التأشير عليه من لدن المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، ويمكن أن يفوض للمديرين الجهويين وغيرهم من الموظفين القيام بهذا الإجراء.[46]
وعليه فإذا كانت المسطرة سليمة من الناحية القانونية، فان قاضي المستعجلات يقوم بتحديد مدة الإكراه البدني تبعا لمبلغ الدين المطالب به وذلك داخل اجل 30 يوما من تاريخ تقديم الطلب.

2-إحالة ملف الإكراه البدني على وكيل الملك:
بعد تحديد مدة الإكراه البدني من طرف قاضي المستعجلات يحال الملف فورا على وكيل الملك من اجل تنفيذه حيث يعطي تعليماته للقوة العمومية من اجل تنفيذ تلك المسطرة فإذا أدى المدين الدين أو الغرامة يرجع الملف لمصدره بعبارة:

“التاريخ ….

يرجع لمصدره بعد الأداء”.

وإذا لم يتم العثور على المنفذ عليه أو المكره يطلب من الضابطة القضائية انجاز مذكرة بحث في حقه وبعد انجازه المسطرة يتم الحفظ إلى حين العثور عليه :

“التاريخ ….

الحفظ إلى حين العثور على المنفذ عليه “.

وإذا كان سن المعني بالأمر يتجاوز 60 سنة أو يقل عن 20 سنة وبصفة عامة من الفئات المستثناة من هذه المسطرة يتخذ ممثل النيابة العامة الإجراء الآتي :

“التاريخ ….

ترجع المسطرة لمصدرها لحصول مانع قانوني”.

ب – بالنسبة للغرامات والإدانات النقدية
بخصوص هذا النوع من الديون الجمركية يتعين التفريق بين المحكوم عليه الموجود في حالة سراح الذي تخضع المسطرة الواجب إتباعها بدنيا لمقتضيات الفصل 640 من ق.م.ج. وبين المحكوم عليه الموجود في حالة اعتقال الذي تحكمه مقتضيات الفصل 641 من نفس القانون.

حالة المحكوم عليه الموجود في حالة سراح
القاعدة المنصوص عليها في الفصل 640 من ق.م.ج. وهو أنه لا يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني ضد المحكوم عليه الموجود في حالة سراح ولو نص مقرر قضائي على ذلك إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات بعد التحقق من استيفاء الشروط القانونية المتطلبة.

بعد تبليغ الإنذار بالأداء يبقى بدون جدوى بعد مرور أكثر من شهر من تاريخ التوصل به، يمكن للمحاسب أن يتقدم بطلب تطبيق الإكراه البدني إلى النيابة العامة مرفق ب :

-نسخة من الإنذار؛

-نسخة من الحكم القضائي المراد تنفيذه؛

-نسخة من المستندات المثبتة لعدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين.

تقوم النيابة العامة بعد التحقق من توفر الشروط المتطلبة بإحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات الذي يصدر قرارا بالموافقة إذا ما تبينت له وجاهة الطلب وسلامة الإجراءات المستنفذة وتعمل النيابة العامة بمجرد توصلها بالقرار بإصدار أمرها للقوة العمومية بإلقاء القبض على المطلوب تطبيق الإكراه البدني في حقه لقضاء مدة الإكراه البدني المحكوم بها عليه.[47]

حالة المحكوم عليه الموجود في حالة اعتقال
هذه الحالة عالجتها مقتضيات الفصل 641 من ق.م.ج. والتي وردت بها مقتضيات تطبق على المحكوم عليه المتواجد في حالة اعتقال وتتلخص هذه الإجراءات فيما يلي:

– يقدم طلب كتابي من أجل تطبيق الإكراه البدني إلى رئيس المؤسسة السجنية المتواجد بها المطلوب إكراهه بدنيا.

– يوجه رئيس المؤسسة السجنية للمحكوم عليه إنذارا كتابيا لأداء دينه يشمل التذكير بمقرر الإدانة ومبلغ الغرامة المحكوم بها ومبلغ المصاريف وكذا مدة الإكراه البدني المأمور به.

إذا صرح المحكوم عليه بعدم قدرته على الوفاء بدينه ولم يدل بشهادة عوز وبشهادة عدم الخضوع للضريبة فإن رئيس المؤسسة السجنية يحرر محضرا في الموضوع ويرسله على الفور إلى النيابة العامة التي بعد اطلاعها عليه تصدر أمرا بإبقاء المحكوم عليه في السجن لقضاء مدة الإكراه البدني بعد قضاء العقوبة السجنية المحكوم بها عليه[48].

حالة وقوع نزاع
إذا وقع نزاع يتم إحضار المطلوب إكراهه بدنيا المقبوض عليه أو الموجود في حالة اعتقال بين يدي رئيس المحكمة التابع لدائرة نفوذها محل القبض أو الاعتقال الذي يبت في النزاع.

فإذا كان النزاع يتعلق بسلامة إجراءات الإكراه البدني يبت الرئيس في الأمر بشكل استعجالي ويكون الأمر مشمولا بالنفاذ المعجل رغم الاستئناف[49].

أما إذا كان النزاع يستلزم تفسيرا فإن الاختصاص للبت فيه يرجع للمحكمة التي أصدرت المقرر الذي بموجبه تباشر إجراءات الإكراه البدني التي تنظر فيه غرفة المشورة ويمكنها أن تصدر أمرا بإيقاف التنفيذ إلى حين البت في النزاع.

ولا يقبل المقرر الفاصل في النزاع أي طعن ما عدا النقض[50].

الفقرة الثانية: انقضاء الإكراه البدني في المادة الجمركية

إن الإكراه البدني كنظام قانوني قد ينتهي قبل تنفيذه مادامت الغاية المنشودة منه هي الإجبار على الوفاء وليس العقاب على ذلك ويمكن تجنب مفعوله وفق شروط معينة حددها القانون (أولا)، كما قد تعتريه حالات التقادم، مما يؤدي إلى انقضاءه (ثانيا).

وبالرجوع إلى مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة نجدها لم تحدد لنا الطرق التي ينتهي بها الإكراه البدني، مما يتعين معه الرجوع إلى القواعد العامة.

أولا – إنهاء الإكراه البدني وإيقاف أثره:
إن نظام الإكراه البدني كوسيلة استثنائية لتنفيذ المبالغ المحكوم بها لفائدة إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ليست غايته حبس المدين المحكوم عليه وإنما تهديده والضغط عليه ولذلك قد تنتهي هذه المسطرة الاستثنائية في التنفيذ دون قضاء مدة الحبس لأسباب محددة قانونا.

وهكذا نجد المادة 645 من قانون المسطرة الجنائية تنص على: ” يمكن للمحكوم عليهم بالإكراه البدني أن يتجنبوا مفعوله وان يوقفوا سريانه إما بأداء مبلغ من المال كاف لانقضاء الدين من أصل وفوائد وصوائر وإما برضى الدائن الذي سعى إلى اعتقالهم أو بأداء قسط من الذين مع الالتزام بأداء الباقي في تاريخ محدد.

يفرج وكيل الملك عن المدين المعتقل بناء على ثبوت انقضاء الدين أو بطلب من الدائن”[51].

ثانيا -تقادم الإكراه البدني:
طبقا للفصل 49 من القانون الجنائي فانه من بين الأسباب التي تؤدي إلى انقضاء العقوبة أو الإعفاء منها تقادمها، وبذلك فان نظام التقادم يطال الدعاوى ويشمل كذلك العقوبات الأصلية كانت أو الإضافية.

وما يهمنا في هذا الصدد العقوبات المالية دون السالبة للحرية باعتبارها محلا للتنفيذ بواسطة الإكراه البدني .

وقد عرف المشرع المغربي الغرامة في الفصل 35 من القانون الجنائي بأنها إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود المتداولة قانونا في المملكة[52], واعتبرها عقوبة أصلية.

و أداء الغرامة المحكوم بها داخل الآجال القانونية يخلص المحكوم عليه من آثار هذه الإدانة [53].

وإذا كان تقادم العقوبة الشخصية لا يخضع للوقف أو الانقطاع – عكس تقادم الدعاوى- أي انه يتحقق بمجرد مضي فترة على تاريخ صدور الحكم، فان ما يميز الغرامة وما يرتبط بها هو أن تقادمها ينقطع بكل إجراء من إجراءات التحصيل بمسعى من الجهات المأذون لها بتحصيل تلك الأموال حسب مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 648 من قانون المسطرة الجنائية، وتتقادم إجراءات تحصيل الغرامات المالية في المادة الجمركية بمضي 4 سنوات من تاريخ الشروع في تحصيلها طبقا للمادة 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

خاتمة:

على أساس ما سبق، فان نظام الإكراه البدني يعتبر وسيلة من وسائل التنفيذ الزجري التي يمكن من خلالها حمل المدين على أداء المترتب بذمته لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ولو لم يصدر حكم نهائي بذلك، وذلك متى تحققت شروطه وانتفت موانعه، والملاحظ هو أن المشرع المغربي أخذ به في الإجبار على أداء مختلف الأداءات, ومنها الغرامة الجمركية.

[1]_ حسن الرميلي ؛ ” الإكراه البدني على ضوء التشريع المغربي والمقارن ” ؛ نشر البديع الطبعة الثانية ؛ سنة 2000، ص 30.

[2]_ محمد لمز وغي ؛ ” التنفيذ الجبري عن طريق الإكراه البدني من خلال مدونة تحصيل الديون العمومية ” ؛ مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية؛ سلسلة مواضيع الساعة ؛ العدد 31 ؛ ص 70.

[3] _ ففي عهد الرومان ، كان شخص المدين ضامنا للوفاء ، إذا أنه يحق للدائن حبس المدين حتى يوفي بديونه أو يوفى عنه، و إلا كان للدائن بيعه كعبد و اقتضاء حقه من ثمنه ، بل قد يصل الأمر إلى حد قتله، ثم تطور هذا النظام بعد ذلك حيث منع استرقاق المدين بسبب عدم الوفاء وقد تم الإبقاء على إمكانية حبسه فقط، وفي مرحلة أخرى أصبح الإكراه البدني رهينا بصدور حكم من القاضي.

في حين أن الشريعة الإسلامية حرصت على توثيق العقود و خاصة تلك المتعلقة منها بالدين والهدف هو الحفاظ على حقوق الدائن و حمايته من غدر المدين الذي قد يحاول التملص من التزاماته، إلا أنها مع ذلك وقفت موقفا وسطا يوازي بين حقوق الدائن و المدين ، حيث جاءت بمسألة إنذار المعسر إلى حين اليسر مصداقا لقوله تعالى في سورة البقرة الآية 280 :” وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ” ، بل تجاوزت ذلك و اعتبر الصدقة على المعسر الفقير خير من إنذاره .

وفي المقابل فإنها أجازت حبس المدين الموسر المماطل في أداء دينه لظلمه لدائنه استنادا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” مطل الغني الظلم”.

أما التشريع الفرنسي الذي يستمد منه المشرع المغربي كثيرا من قوانينه فقد عرف نظام الإكراه البدني كوسيلة من وسائل التنفيذ عدة مراحل ، فقبل سنة 1867 كان هذا النظام يطبق على أوسع نطاق ويشمل كذلك ضمان تنفيذ الديون المدنية و التجارية، أما ابتداء من هذا التاريخ فقد تم تضييق نطاقه ليقتصر على الميدان الجنائي دون الميدان المدني و التجاري وقد علل الفقيه جارو هذا الموقف الجديد للمشرع الفرنسي بكون الشخص يلتزم في ماله لا في شخصه.

وبذلك لا مبرر لتطبيق الإكراه البدني في الالتزامات التعاقدية لأن محل العقد مال المدين لا حريته ولا يجبر على التنفيذ إلا في إطار ما للتزم به ، بخلاف الالتزامات الناتجة عن الافعال الجرمية فتجسد بشأنها فعالية مسطرة الإكراه البدني لأن بدونها فإن المحكوم عليهم بالغرامات المالية فقط و يعجزون عن أدائها أو يرفضون ذلك سيخرجون من دائرة العقاب.

للمزيد من الإيضاح راجع: عبد الرحيم الدافي – إبراهيم بوحرث ؛ ” نظام الإكراه البدني بين التشريع و العمل القضائي ” ؛ رسالة نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء سنة 2002_2004، ص 43 .

[4] _ إضافة إلى الإكراه البدني نجد مدونة الجمارك و الضرائب غير مباشرة نظمت الإكراه الإداري الذي يصدره مدير أو قابض ادارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ، من أجل تحصيل الرسوم و المكوس الجمركية و الغرامات و غيرها من المبالغ المستحقة للخزينة.

وقد نص الفصل 271 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة على أنه :

” 1- يسوغ لمدير الإدارة أن يصدر أمرا بالإكراه الإداري لتنفيذ الأحكام المنصوص عليها في الفصل 36 من هذه المدونة.

ويبلغ الإكراه من طرف أعوان الإدارة.

ولا يمكن استعمال الإكراه بعد أجل 15 سنة من تاريخ التبليغ”.

وبالرجوع إلى الفصل 36 من نفس المدونة نجده ينص على ” إذا عزل عون من أعوان الإدارة أو ترك وظيفته لسبب من الأسباب وجب عليه أن يسلم حالا إلى هذه الإدارة وكالة عمله و السجلات والأختام والأسلحة و الأمتعة و أشياء التجهيز التي كان معهودا إليه بها للقيام بعمله كما يجب عليه أن يقدم حساباته.

2- يجب عليه كذلك أن يرد إلى الإدارة جميع الشارات المميزة لبذلته “.

[5] _ المادة 2 من مدونة تحصيل الديون العمومية تنص على أنه ” تعتبر ديونا عمومية بمقتضى ھذا القانون : – الضرائب المباشرة للدولة والرسوم المماثلة وكذا الضريبة على القيمة المضافة، المشار إليھا بعبارة « الضرائب والرسوم » فيما يلي من ھذا القانون: – الحقوق والرسوم الجمركية ؛ – حقوق التسجيل والتمبر والرسوم المماثلة ؛ – مداخيل وعائدات أملاك الدولة ؛ – حصيلة الإستغلالات والمساھمات المالية للدولة ؛ – الغرامات والإدانات النقدية ؛ – ضرائب ورسوم الجماعات المحلية وھيئاتھا ؛ – سائر الديون الأخرى لفائدة الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية التي يعھد بقبضھا للمحاسبين المكلفين بالتحصيل، باستثناء الديون ذات الطابع التجاري.”

[6] _ المادة 635 من قانون المسطرة الجنائية.

[7]_ الفصل 264 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة.

[8]_ تنص الفقرة الثانية من المادة 633 من ق.م.ج. على أنه: تتولى المصالح المكلفة بالمالية ومصالح كتابات الضبط بمحاكم الاستئناف والمحاكم استيفاء المصاريف القضائية والغرامات ما لم ينص على خلاف ذلك في قوانين خاصة.

يؤهل مأمورو كتابات الضبط في محاكم الاستئناف والمحاكم بالمملكة للقيام في آن واحد مع القباض بالمتابعات المنصوص عليها في القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.00.175 الصادر في 28 من محرم 1421 (3 ماي 2000) بتحصيل الغرامات والعقوبات المالية.

يعتبر مستخرج المقرر الصادر بالإدانة، سندا يمكن بمقتضاه الحصول على الأداء من أموال المحكوم عليه بجميع الوسائل القانونية. ويكون هذا الأداء مستحقا بمجرد ما يصبح مقرر الإدانة مكتسبا لقوة الشيء المقضي به.

غير أنه إذا أفصح المحكوم عليه حضورياً بعقوبة غرامة فقط عن إرادته أداء ما عليه فوراً، سلم إليه أمر بالدفع مؤشر عليه من قبل النيابة العامة، ويمكن لكاتب الضبط حين تقديم الأمر إليه أن يستوفي مبلغ الغرامة والمصاريف القضائية.

[9]_ الإكراه البدني في الديون الخصوصية منظم في إطار ظهير 1.60.305 بتاريخ 20.02.1961 فقد اثأر عدة إشكالات تتمثل أساسا في تعارضه مع مقتضيات العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية ،خاصة في الفصل 11 الذي ينص على ما يلي :”لا يجوز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي فقط “: وتماشيا مع أحكام هذا العهد الدولي تدخل المشرع المغربي ،وغير وتمم ظهير 20 فبراير 1961 المتعلق بالإكراه البدني في القضايا المدنية ، إلا أن الفقه ومعه القضاء عرف تضاربا في تفسير مقتضيات هذا الفصل ،حيث نجد من يرى بان المشرع المغربي قد استثنى المبالغ المالية الناتجة عن التزام تعاقدي من تطبيق الإكراه البدني ،وهو ما يتضح من حكم المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 16 ابريل 1990 في ملف مدني تجاري عدد 90/3 والذي جاء فيه :”حيث إن طلب تحديد الإكراه البدني لم يعد مشروعا بعد مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان المؤرخة في 16/12/1966 والمصادق عليها بتاريخ 05/03/1979 والمنشورة بالجريدة الرسمية بالفرنسية عدد 3525 بتاريخ 29/05/1979 تنص على :” لا يجوز سجن شخص من اجل دين مترتب عن التزام تعاقدي “.

في حين هناك من يرى بتقييد عدم التنفيذ بإثبات عسر مدين إذ إن الفصل 11 من معاهدة نيويورك لم يلغي الإكراه البدني بالنسبة للديون المدنية بصفة مطلقة ،وإنما قيد هذا الإعفاء بشرطين ،وهما عدم القدرة على الأداء ،وتعلق الدين بالتزام تعاقدي ،ومن ثمة فلا مجال للاحتجاج بالفصل 11 إذا كان المدين موسرا ،وهذا ما أكده بدوره المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا- في قرار صادر بتاريخ 20/09 2000 في الملف التجاري عدد 372/2000 حيث جاء فيه :”لما كانت المادة 11 من المعاهدة الدولية المؤرخة ب 16/12/1966 ، والتي صادق عليها المغرب بتاريخ 08/11/1979 تنص على :”الوفاء بالتزام تعاقدي فقط “، فان مؤدى ذلك إن المحظور طبقا للمادة المذكورة هو سجن إنسان غير قادر على تنفيذ التزامه التعاقدي، إما إذا كان على تنفيذه وامتنع من ذلك فلا محل للحظر المذكور .

وقد ذهب الأستاذ رياض عبد الغاني في أن الخلاف لا يؤكد أي سند قانوني اعتبارا إلى أن النص المذكور قيد مسألة عدم تنفيذ الإكراه البدني في الديون التعاقدية بضرورة توفر عسر المدين، إما إذا كانت ذمته المالية مليئة فإن التشبث بالاعتماد على هذا النص لتجنب التنفيذ و الخضوع إلى الضغط عليه بالإكراه البدني ، يلحق ضررا بالشخص المستفيد ، خاصة إذا كانت المبالغ المالية مهمة ، وهكذا فإنه سواء تعلق الأمر بدين عمومي أو خصوصي فإنه يمكن المطالبة بتطبيق الإكراه البدني في حق المدين الممتنع عن الأداء ، شريطة عدم إثباته لعسره.

[10]_ يعتبر هذا الشرط من الشروط الجوهرية لسلوك مسطرة الإكراه البدني.

[11]_ وهنا تتضح خصوصيات القانون الجمركي، وبالتالي خروجه عن القواعد العامة للإكراه البدني و المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق بالأحكام التي يمكن أن تكون سندات تنفيذية و المتمثلة في الأحكام النهائية.

[12]_ راجع الفصل 254 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[13]_ وهذا المقتضى يتناقض مع دستور 2011.

[14]_ المادة 636 من قانون المسطرة الجنائية.

[15]_ تنص المادة 638 من قانون المسطرة الجنائية على أنه :” حدد مدة الإكراه البدني من بين المدد المبينة بعده ما لم تنص قوانين خاصة على خلاف ذلك:

ـ من ستة أيام (6)إلي عشرين يوماً (20) إذا كان مبلغ الغرامة أو ما عداها من العقوبات المالية يقل عن ثمانية آلاف درهم (8000)؛

ـ من خمسة عشر يوماً (15) إلى واحد وعشرين يوماً (21) إذا كان المبلغ يعادل أو يفوق ثمانية آلاف درهم (8000) ويقل عن عشرين ألف درهم (20000)؛

ـ من شهر إلى شهرين (2) إذا كان المبلغ يعادل أو يفوق عشرين ألف درهم (20000) ويقل عن خمسين ألف درهم (50000)؛

ـ من ثلاثة أشهر (3) إلى خمسة أشهر (5) إذا كان المبلغ يعادل أو يفوق خمسين ألف درهم (50000) ويقل عن مائتي ألف درهم (200000)؛

ـ من ستة أشهر (6) إلى تسعة أشهر (9) إذا كان المبلغ يعادل أو يفوق مائتي ألف درهم ويقل عن مليون درهم (1000000)؛

ـ من عشرة أشهر (10) إلى خمسة عشر شهراً (15) إذا كان المبلغ يعادل أو يفوق مليون درهم (1000000).

إذا كان الإكراه البدني يرمي إلى تسديد عدة ديون فتحسب مدته حسب مجموع المبالغ المحكوم بها.

[16]_ الفصل 262 مكرر من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[17]_ يوسف بن ناصر ؛ ” الدليل العملي و القضائي في مسطرة الإكراه البدني ” ؛ سلسلة بن باصر للدراسات القانونية و الأبحاث القضائية، الوراقة الوطنية ، مراكش ، العدد الرابع، 2006-2005 ، ص 153.

[18]_ عبد الرزاق أحمد السنهوري؛ ” الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الثاني ” ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1964 ، ص 776.

[19]_ الفصل 260 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.

[20]_ الجلالي القدومي ؛ ” المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي ” ؛ رسالة لنيل دبلوم العالي للمدرسة الوطنية للإدارة العمومية ، الفوج 20 ،سنة 1989 ، مرجع سابق ، ص 312.

[21]_ ومما ينبغي التنبيه إليه وهو أن هذا الشرط وإن كان غير مقرر في القانون القديم فإن عمل النيابة العامة كان يجري بضرورة الإدلاء بمحضر عدم وجود ما يحجز حتى يتأتى مباشرة مسطرة الإكراه البدني.

أما حاليا فإن المشرع لم يحصر الأمر في المحضر السالف الذكر وإنما أتى بعبارة عامة تشمل كافة الوثائق القانونية التي من شأنها إثبات عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين.

[22] _ يقصد بالإعسار في اللغة ؛ الضيق و الافتقار ، ويقال عسر الزمان أي اشتد ، وعسر عليه ضبق وأعسر … والبسر و المسيرة ، ضد العسر ، وعنه يقول الله تعالى في كتابه العزيز : ” فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا” سورة الشرح الآية 4.

والإعسار كما عبر عنه البعض ” هو حالة واقعية تنشأ من زيادة ديون المدين ولو كانت غير مستحقة الأداء على أمواله”

للمزيد من الإيضاح راجع : عبد الرزاق السنهوري : شرح القانون المدني ، الجزء الثاني ، مرجع سابق ، ص 1030.

وينقسم الإعسار إلى إعسار فعلي وآخر قانوني ، فالأول ينصرف إلى كل حالة واقعية تكون خلالها ديون المدين المستحقة الأداء تفوق ما عنده من أموال ، في حين أن الإعسار القانوني يعتبر حالة قانونية عندما تكون ديون المدين المعسر المستحقة الأداء تفوق المتوفرة بذمته المالية .

أنظر : بن القاضي كوثر : خرق مقتضيات القانون الضريبي ما بين الغرامات المالية و العقوبات الجنائية ، رسالة لنيل شهادة الماستر في قانون المنازعات ، كلية الحقوق مكناس ، السنة الجامعية ، 2009-2010 ، ص 113.

[23] _ تقابلها المادة 753 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي .

Art 752 du procédure pénale dispose que ; la contrainte judicaire ne peut être prononcée contre les condamnés qu , par tout moyen , justifient de leur insolvabilité.

[24] _ المادة 57 من قانون 97-15 المتعلق مدونة تحصيل الديون العمومية.

[25] _ راجع المادة 635 من قانون المسطرة الجنائية .

[26] _ المواد 84 و ما يليها من قانون 97-15 المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية.

[27] _ تنص المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية على انه لا يمكن الحكم بالإكراه البدني أو تطبيقه:

………………
……………..
اذا كان عمر المحكوم عليه يقل عن 18 سنة يوم ارتكابه للجريمة”.
[28] _ أناس عبدلاوي علوي ؛ ” لإكراه البدني في المادة الجنائية ” ؛ بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي و العلوم الجنائية ، بجامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة ، السنة الدراسية 2011-2012 ، ص 56 وما بعدها .

[29] _ المادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

[30] _ راجع المادة 636 من قانون المسطرة الجنائية.

[31] _ قرار محكمة النقض – المجلس الأعلى سابقا – عدد 350/3 بتاريخ 18 مارس 2003 ، الملف الجنحي عدد 22708/93 ، مجلة قضاء المجلس الأعلى ، العدد 53/54 ، سنة 2004 ، ص 288.

[32] _ قرار صادر عن محكمة النقض – المجلس الأعلى سابقا – عدد 1433، بتاريخ 14 فبراير 2004 ، ملف جنحي عدد 12426 ، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ، العدد 38/37 ، سنة 2005 ، ص 169.

[33] تنص المادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية على انه : “لا يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني فيما يخص تحصيل الضرائب و الديون و الرسوم و الديون العمومية الأخرى في الحالات التالية: إذا كان مجموع المبالغ المستحقة يقل عن ثمانية الآلاف درهم (8000 درهم)”.

[34] المادة 77 من مدونة تحصيل الديون العمومية

[35] المادة 78 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

[36] _ يوسف بناصر : الدليل العملي و القضائي في مسطرة الإكراه البدني ؛ مرجع سابق ؛ ص 150.

[37] _ حسن الرميلي؛ مرجع سابق ص 50.

[38]_ تنص الفقرة الأولى من المادة 367 من ق.م.ج. على ان : ” كل حكم أو قرار أو أمر صدر بإدانة المتهم أو بالحكم على المسؤول عن الحقوق المدنية، يجب أن يقضي عليهما بأداء المصاريف للخزينة العامة.

يمكن أن يقضي كل حكم أو قرارأو أمر يصدر بإعفاء المتهم، بتحميله المصاريف كليا أو جزئيا أو بتحميلها للمسؤول عن الحقوق المدنية.

لا يمكن أن يقضي الحكم أو القرارأو الأمر الصادر ببراءة المتهم، بتحميله ولو جزءاً من المصاريف، ما عدا في الأحوال التي ينص فيها قانون خاص على خلاف ذلك.

يتحمل مصاريف الدعوى الطرف المدني الذي خسرها. غير أنه إذا كانت النيابة العامة هي المثيرة للمتابعة، أمكن للمحكمة بقرار خاص ومعلل أن تعفي الطرف المدني حسن النية الذي خسر الدعوى من المصاريف كليا أو جزئيا.

في حالة الحكم بأداء المصاريف، تبت المحكمة في الإكراه البدني إن اقتضى الحال ذلك. “

[39]_أناس العبدلاوي علوي : الإكراه البدني في المادة الجنائية ؛ مرجع سابق ص ؛ 59 – 60.

[40] _ المادة 85 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.

[41]_ مامون الكزبري : النظرية العامة للالتزام في ضوء قانون الالتزامات و العقود المغربي ، الجزء الأول : مصادر الالتزام ، بيروت 1968 ، ص 434.

[42] _ الفصل 229 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة.

[43]_ الفصل 228 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة .

[44]_ الأستاذان عبد الرحمان ابليلا و رحيم الطور: تحصيل الديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة ، سنة 2000 ص 49.

[45]_ المادة 80 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

[46]_ المادة 141 من مدونة تحصيل الديون العمومية.

[47] _ راجع المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية.

[48] _ في هذا الإطار أكدت الرسالة الدورية الصادرة من وزير العدل بتاريخ 9فبراير 2005 و المتعلقة بتطبيق مسطرة الإكراه البدني في الإدانات النقدية حيث جاء فيها أن :” لقد استرعى انتباهي وجود إشكاليات في معالجة مسطرة الإكراه البدني المتعلق بتحصيل الغرامات والإدانات النقدية المحكوم بها لفائدة إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ، و رغبة في توحيد عمل النيابات العامة في هذا الباب , أطلب منكم التقييد بأحكام الإكراه البدني الوارد في قانون المسطرة الجنائية كما نصت على ذلك المادة 134 من مدونة تحصيل الديون العمومية، مع التمييز بين الشخص المحكوم عليه الموجود في حالة سراح والذي يخضع لمقتضيات المادة 640 من قانون المسطرة الجنائية حيث لا يمكن تطبيق الإكراه البدني في حقه إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات وبين الشخص المعتقل الذي يخضع للإجراءات المنصوص عليها في المادة 641 من نفس القانون ، مع إعمال – وفي كافة الأحوال – مقتضيات المادة 262 مكرر من مدونة الجمارك المتعلقة بمدد الإكراه البدني والمادة 132 من مدونة تحصيل الديون العمومية والمادة 264 من مدونة الجمارك المتعلقين بطبيعة الحكم حيث تكون هذه الإدانات النقدية قابلة التنفيذ بمجرد القرار بها نهائيا وليس مكتسبا لقوة الشيء المقضي به”.

الرسالة الدورية تحت عدد 1 س 3 المؤرخة في 9 فبراير 2005 الصادرة عن وزير العدل- مديرية الشؤون لجنائية والعفو.
[49] _ راجع المادة 643 من قانون المسطرة الجنائية.

[50] _ للتوسع أكثر راجع المواد 599 و 600 من قانون المسطرة الجنائية.

_ راجع : عبدالرحيم الدافي ابراهيم بوحرث ؛ نظام الإكراه البدني بين التشريع و العمل القضائي ؛ مرجع سابق ؛ ص 105.

[51] _ المادة 645 من قانون المسطرة الجنائية.

[52] _ الفصل 35 من القانون الجنائي.

[53] _ راجع المادة 648 من قانون المسطرة الجنائية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت