مقال عن جريمتي القتل و الإيذاء عن غير قصد وفق نصوص قانون العقوبات السوري

مقدمة :

إن جريمتي القتل و الإيذاء من أخطر الجرائم التي تمس الإنسان و حياته و تمس النسيج الاجتماعي و تحدث خلل فيه و تولد تداعيات إذا لم تعالج و بشكل مبكر تؤدي إلى انتشار ظاهرة العنف و تنشر عدم الطمأنينة بين أفراد المجتمع وتخل بالنظام الاجتماعي و قد عالج المشرع السوري هاتين الجريمتين في الكتاب الثالث الفصل الأول من الباب الثامن من قانون العقوبات السوري الذي يتضمن الجنايات و الجنح التي تقع على الأشخاص، و سوف نلقي في هذه المقالة الضوء على هذه الجريمة لنبين أركانها وعقوبتها بشكل مفصل.

نصت المادة /550/ من قانون العقوبات على:

من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
و نصت المادة /551/ من قانون العقوبات على:
1- إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا إيذاء كالذي نصت عليه المواد الـ 542 إلى الـ 544 كان العقاب من شهرين إلى سنة.
2- يعاقب على كل إيذاء آخر غير مقصود بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة.
3- وتعلق الملاحقة على شكوى المجني عليه إذا لم ينجم عن الايذاء مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تجاوز العشرة أيام، ويكون لتنازل الشاكي عن حقه نفس المفاعيل المبينة في المادتين 540 و541.
عاقب المشرع على جريمتي القتل و الإيذاء غير المقصود لكونهما ناجمتان عن عمل إرادي أتى به الفاعل برز له نتائج لم يردها الفاعل لا مباشرة ولا غير مباشرة و لكنه كان بوسعه تجنبها إذا تصرف باحتياط و حذر ، و لم يكن المشرع يستطيع أن يغض النظر عن هذه الأعمال لأنها نتيجة خطأ إذ أن هناك حالات قد يترتب فيها على مجرد الخطأ نتائج من الخطورة بحيث لا يكفي فيها مجرد الحكم بالتعويض بل يجب العقاب على هذا الخطأ لمنع ارتكابه مجدداً .

مقارنة بين أنواع القتل وفق التشريع السوري

– يميز القانون بين القتل العمد وفق نص المادة /535/ عقوبات و فيه يريد المجرم الفعل و النتيجة فلا يأتي الفعل إلا لأنه يسعى إلى تحقيق نتيجة بحيث أن إرادته تتجه في نفس الوقت إلى الفعل كالضرب بآلة حادة و إلى النتيجة و هي إحداث الوفاة .
– الضرب أو العنف أو الشدة المفضية إلى الموت وفق نص المادة /536/ عقوبات في هذه الحالة يعمد الجاني إلى الضرب أو الجرح و لكنه لا يتعمد إحداث الضرر الذي ينجم عنه .
– القتل الخطأ وفق نص المادة /550/ عقوبات و فيه يكون الجاني قد أتى الفعل المسند إليه لكنه لم يرد النتائج الضارة التي ترتب عليها كمن يلق حجرا ًمن فوق سطح منزله و يسقط على أحد المارة و يؤدي إلى موته .
– وفق نص القانون لا عقاب على الخطأ إلا إذا تحقق الضرر فالخطأ و الضرر عنصران أساسيان لجريمتي القتل و الإيذاء غير المقصودين – أما في القتل العمد فيشترط وجود نية القتل و لكن لا تهم النتيجة بل يستحق الجاني العقاب و لو لم تقع النتيجة التي هدف إليها .
– مع أن المشرع قد نص على جريمتي القتل والإيذاء في مادتين مختلفتين /550-551 / عقوبات إلا أنهما لا تختلفان إلا في حساب النتيجة إما قواعد الخطأ المكونة للجريمتين فهي واحدة.

أركان جريمتي القتل و الإيذاء غير المقصودين

تنقسم أركان الجريمة إلى ثلاث وهي:
1- الركن الأول: الركن المادي (القتل أو الايذاء).
2- الركن الثاني: الركن المعنوي ( الخطأ )
2- الركن الثالث: رابطة السببية بين الفعل والخطأ.

أولاًُ: الركن المادي ( القتل و الإيذاء ):

لا بد لكي نطبق نص المادتين /550-551/ عقوبات أن يتم قتل إنسان أو إيذاءه بالفعل أما الخطأ الحاصل أو الإهمال فمهما كانا جسيماً في ذاته لا يعاقب عليه إلا إذا نجم عن قتل أو إيذاء – و من ثم لا يتصور أن يكون لهاتين الجريمتين شروع و القانون لا يعتد إلا بالنتيجة المادية الظاهرة و هي التي يراعيها في تقدير إجرام الفاعل و مسؤوليته عن فعله، فتكون المسؤولية جسيمة إذا كان الحادث قد نجم عنه موت إنسان و تكون أقل جسامة إذا لم ينجم عنه إلا الإيذاء.

– لكن القانون لم يفرق بين النتائج المختلفة التي ترتب على الجروح سواء أنجم عنها عاهة أو عجزكما فعل بالنسبة لجرائم الضرب و الجرح المنصوص عليها في المواد/536-540-543/ عقوبات بل نص على عقوبة واحدة لكل من تسبب في الإيذاء غير القصد فلا يسمح القاضي إلا أن يتدرج بالعقوبة بين حديها و ربما كان من واجب المحكمة احقاقاً للعدالة أن تراعي في تقدير المسؤولية حساسية الخطأ المرتكب أكثر مما تراعي الضرر الحاصل.

– علق المشرع ملاحقة الفاعل وتحريك الدعوى العامة بحقه في الفقرة 3 من المادة /551/عقوبات على شكوى المضرور إذا لم ينجم عن خطأ الفاعل إلا إيذاء أو مرض أو تعطيل عن العمل لمدة لا تتجاوز عشرة أيام – ويؤدي للتنازل عن الشكوى إسقاط الدعوى العامة ويكون له على العقوبة ما لصفح المدعي الشخصي من مفعول .

ثانياً: الركن المعنوي ( الخطأ ):

الخطأ هو الركن المميز للجرائم المنصوص عليها في المواد /550-551/ عقوبات فإذا انعدم الخطأ فلا عقاب مطلقاً و يعتبر الفعل عارضاً أي حادث بالقضاء و القدر .
اجتهاد:
1 ـ المسؤولية التقصيرية تقوم على عنصر الخطأ. وعلى المحكمة لإثبات توافر الخطأ، التثبت من أن الجهة المدعى عليها تصرفت بصورة خاطئة وأن تصرفها هذا خارج عن نطاق التصرف المعتاد للإنسان العادي وحقوقه في هذا التصرف، وأن تبين الارتباط بين الخطأ والضرر.
2 ـ في مسؤولية حارس البناء يجب أن يكون الضرر ناشئاً عن انهدام البناء وإذا حصل الانهدام كنتيجة وليس سبباً فلا مؤيد لشموله بأحكام المادة 178 مدني.
(نقض سوري 915 أساس 425 تاريخ 27/5/1980 ـ سجلات محكمة النقض 1980)
ومتى كان الفعل عارضاً فلا يمكن أن يعد جريمة كما أنه لا يصلح أساساً للحكم بالتعويض المدني لكون المسؤولية الجزائية و المسؤولية المدنية تقومان كلاهما على الخطأ و من ثم لا يمكن أن يعاقب محدث القتل أو الإيذاء إلا إذا كان أهلاً للإرادة – لأنه لما كان الهدف من العقاب هو الردع كان الشرط لتوقيعه هو المسؤولية , و يجب لذلك أن يكون قد بلغ السن المناسب و أن يكون سليم العقل فالأطفال و المجانين لا يقعون تحت طائلة العقاب .

حدد المشرع في المادة /550/ عقوبات صور الخطأ المعاقب عليها وهي:
1- الإهمال.
2- قلة الاحتراز.
3- عدم مراعاة القوانين و الأنظمة.

من المبادئ الأساسية في القانون الجزائي أن النصوص التي تنشئ جريمة يجب تفسيرها تفسيراً ضيقاً و بالتالي يجب أن يكون الخطأ ناشئاً عن إحدى الحالات الثلاث المبينة أعلاه حصراً كما استقر عليه الاجتهاد القضائي كما أن الصور الثلاث سابقة الذكر يتداخل بعضها في بعض في معرض التطبيق العمل لنص المادة /550/ عقوبات ولبيان هذا التداخل سوف نقوم بإعطاء فكره موجزة عن كل حالة من تلك الحالات:

1- الإهمال : صورة من صور الخطأ تنصرف في الغالب إلى الحالة التي ينتج فيها الخطأ عن ترك أو امتناع إذ يغفل الفاعل عن اتخاذ احتياط يوجبه الحذر و التبصر في العواقب –” كما في حالة قائد المركبة الذي لا يراقب مركبته ويوقفها بشكل جيد فتتحرك لتقتل أحد المارة أو تؤذيه وكما المالك الذي يهمل وضع إشارة على حفرة بجانب الطريق فيسقط فيها أحد المارة و يتضرر”.
2- قلة الاحتراز : الفاعل يعرف طبيعة عمله و يعلم أنه يمكن أن يترتب عليه نتائج ضارة لكنه لم يتوقع النتيجة التي نجمة عنه لأنه لم يستعمل مواهبه و سبب الجريمة هنا عدم التبصر بالعواقب و هو خطأ يساءل عنه الفاعل جزائياً لأنه كان لديه علم لا بالضرر المعين الذي حدث بل باحتمال حدوث نتيجة سيئة –” كما الفتاة التي تلد طفلاً و تتركه بسبب عدم خبرتها بدون عناية حتى يموت – و راكب السيارة الذي يسير بسرعة في شارع مزدحم بالسكان فيقتل أو يجرح أحد المارة” .
3- عدم مراعاة القوانين و الأنظمة : و هو سبب بحد ذاته يترتب عليه مسؤولية المخالف عما يقع بسبب هذه المخالفة من حوادث و لو لم يثبت على المخالف أي نوع أخر من أنواع الخطأ لأن عدم مراعاة القوانين والأنظمة خطأ بذاته ولفظ القوانين والأنظمة يجب أن يعمل على أوسع معانيه فلا يقتصر على الأنظمة واللوائح التي تصدرها جهات الإدارة بل يشمل تلك التي توضع لحفظ النظام العام والأمن والصحة العامة ومن الأمثلة – ” قائد المركبة الذي يتسبب بحادث بمخالفته واجبات تفرضها عليه اللوائح فيما يتعلق بالحمل والسرعة والسير ” – إلا أنه يجوز من جهة مقابلة أن يعاقب الشخص على إصابة الغير ولو اثبت أنه اتبع تلك الأنظمة والقوانين واللوائح بدقة متى تبين أنه ارتكب خطأ عن طريق أخر كالإهمال أو قلة الاحتراز.

اجتهاد:
إذا وقع الضرر في المعمل وسبب الوفاة كان الصدمة الكهربائية فإن مالك المعمل يتحمل المسؤولية بسبب قلة احترازه وإهماله وعدم مراعاته للقوانين.
(نقض قرار 6702 أساس 5753 تاريخ 8/6/2000 مجموعة أحكام النقض الجزء الرابع ص 730)
وعدم مراعاة القوانين والأنظمة في الغالب مخالفة يعاقب عليها القانون ولو لم يترتب عليها أي ضرر فإذا ترتب عليها قتل أو إيذاء يكون الفاعل قد ارتكب جريمتين:
1- مخالفة اللوائح وهي مخالفة بمعنى الكلمة.
2- الإصابة الخطأ وهي جنحة.
ولا يوجد ما يمنع من محاكمته على الجريمتين.
لكن إذا كانت المخالفة والجنحة نشأتا عن فعل واحد فيكون هناك تعدد معنوي للجرائم ويجب اعتبار الجريمة الأشد والحكم بعقوبتها دون غيرها.

أساس تقدير الخطأ في القانون الجزائي والقانون المدني

يظهر من مقارنة القانون المدني والقانون الجزائي أن أساس تقدير الخطأ في القانونين ليس واحدا فالمادة /164/ من القانون المدني قد نصت على:
” كل خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”
وفي عبارة هذه المادة لا توجد أية تفرقة تبعاً لجسامة الخطأ أما قانون العقوبات فلم يأت بعبارة عامة بل عدد صور الخطأ المعاقب عليها وحصرها بثلاث وهي – الإهمال – وقلة الاحتراز – وعدم مراعاة القوانين والأنظمة.
وهذه التفرقة يستفاد منها في معرض البحث في قوة الشيء المقضي به إذ يهم في حالة الحكم ببراءة متهم من تهمة التسبب في قتل شخص أو إيذاءه بغير قصد لعدم ثبوت قيام حالة من حالات الخطأ المنصوص عليها في المادة /550/ ومعرفة فيما إذا كان يجوز الحكم عليه بتعويض مدني لأنه ارتكب خطأ مدنيا يستوجب المسائلة وفق المفهوم الموسع للخطأ.
فإذا كان البيان الوارد في المادتين المذكورتين من السعة بحيث يشمل كل نوع من أنواع الخطأ وإذا كان تقدير الخطأ يجب أن يعمل على أساس واحد من الوجهة المدنية ومن الوجهة الجزائية فإن المحكمة الجزائية متى قررت أن المتهم لم يرتكب أي فعل من الأفعال التي عددها قانون العقوبات تكون قد نفت وجود أي خطأ من جانب المتهم وليس للقاضي المدني أن يقرر في هذه الحالة أن محدث القتل أو الإيذاء ارتكب خطأ مدنيا ويحكم عليه بتعويضات و إلا يكون قد أخل بقوة الشيء المقضي به جزائيا بالنسبة للدعوى المدنية.

أما إذا قيل إن هناك فرقا بين الخطأ المدني والخطأ الجزائي فيجوز للمحكمة المدنية بدون إخلال بقوة الشيء المقضي به جزائيا أن تقضي بتعويضات على محدث القتل أو الإيذاء غير المقصود الذي حكم ببراءته من المحكمة الجزائية إذ يكفي أن يثبت أن الفعل المسند إلى المتهم ولو أنه لا يقع تحت متناول المادتين /550-551/ عقوبات إلا أنه يتضمن وجود خطأ يمكن أن يستوجب مسائلته وقد توجه الفقه والقضاء في سوريا إلى:
اجتهاد:

أن المسؤولية المدنية أوسع من الجزائية. ولذا فالبراءة الجزائية لا تمنع من المساءلة المدنية عن التقصير.
(نقض مدني سوري 1863 أساس 730 تاريخ 14/12/1980 ـ المحامون ص342 لعام 1981)
وإن مجرد صدور قرار بانتفاء المسؤولية الجزائية عن الإصابة الناتجة للعامل عن حادث السيارة، لا يحول بالمضرور دون المداعاة بالمسؤولية المدنية كالتي تتعلق بحراسة الجوامد.
(نقض مدني سوري 1125 تاريخ 20/6/1970 ـ مجلة القانون ص809 لعام 1970)

الركن الثالث: رابطة السببية.

إن وجوب توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر لا يكفي لإدانة شخص في جريمة القتل والإيذاء الغير مقصود بأن يثبت وقوع القتل أو الإيذاء وحصول خطأ من المتهم بل لابد أن يكون بين الضرر الواقع والخطأ المرتكب رابطة السببية وهذا ما يستفاد من نص المادة /550/ عقوبات التي تقول – من سبب موت احد عن إهمال …………………… وإذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا إيذاء .
ورابطة السببية الواجب توافرها في هذه الجريمة هي علاقة السبب بالمسبب بحيث لا يمكن أن يتصور وقوع الضرر لو لم يقع الخطأ .

– ينبني على ذلك أنه إذا انعدمت رابطة السببية وأمكن تصور حدوث القتل أو الجرح ولو لم يقع الخطأ انعدمت الجريمة معها لعدم توافر أحد العناصر القانونية المكونة لها ” فإذا ارتكب طبيب خطأ في أثناء عملية جراحية ومات المريض عقب ذلك لكن أتضح من الفحص أن موته كان محتوماً سواء أعملت العملية أو لم تعمل فلا يسأل الطبيب عن موته”.
– على أن جريمة القتل أو الايذاء غير المقصود لا تستلزم أن تكون الرابطة بين خطأ الفاعل والحادث الذي وقع هي رابطة مباشرة ” فمن جنحت منه سيارة فتطوع أحد المارة بالجري وراءها لإيقافها فدهسته يسأل عن قتل ذلك المتطوع” .
– ويكون مرتكب الخطأ مسئولا عن النتيجة النهائية التي ترتبت علي فعله سواء أكان ذلك عن طريق مباشر أو غير مباشر ولو ساعد على إحداث هذه النتيجة عوامل أخرى.
– لا يسأل الفاعل عن النتائج البعيدة لكون نتائج الخطأ محصورة مداها ومحدودة نهايتها وفي هذه الحالة لا يكون القتل أو الايذاء ناشئاً عن خطئ الفاعل بل يكون ناشئا عن سبب أخر لا شان للمهمل به وليس مسئولا عن نتيجته.
– اشتراك المجني عليه في الخطأ لا يخلي الفاعل من المسؤولية لكون خطأ المجني عليه لا يجب خطأ الفاعل بعدم مراعاة إجراء ما يلزم من طرق وقاية لمنع وقوع وإلحاق الضرر بالآخرين.
– لا يشترط أن يكون الشخص المسئول هو الذي أحدث القتل أو الايذاء بنفسه بل يكتفى أن يكون هو المتسبب فيه بخطئه فليس من الضروري أن يكون قد ارتكب الشخص بنفسه قتلا أو إيذاءً بل يكفي إذا كان القتل أو الايذاء من فعل الغير نتيجة لخطأ شخصي منه.

– الخطأ الذي يقع من أكثر من شخص واحد :

ذهب بعض الفقهاء إلى انه إذا وقع حادث بسبب خطأ عدة أشخاص يعتبر الكل فاعلين أصليين وذهب البعض إلى وجوب التمييز بين الأشخاص الذين وقع منهم الخطأ – من وقع منه خطأ أصلي: يعتبر فاعلا اصليا ومن وقع منه خطأ تبعي: يعتبر شريكا واستند هذا البعض إلى أن قواعد الاشتراك عامة وتسري حتى على الجرائم غير العمدية – لكن الرأي الراجح المنطبق مع القانون هو القائل بأن جريمة القتل والإيذاء غير المقصود لا تقبل الاشتراك فالمشرع يعاقب الفاعل الأصلي والمتسبب أيضا فالمسؤولية موزعة بالتساوي بين كل من ساهم و في القتل والإيذاء بأفعال مختلفة أصلية كانت أم تبعية متى كانت هذه الأفعال تكون خطأ مشتركاً.
اجتهاد:

إذا تعدد المسئولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر وتكون المسؤولية بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض.
توزيع المسؤولية من المحكمة هو من الأمور الموضوعية طالما أنها احتسبت أخطاء الطرفين وطبقت القانون بشأنها ولا يجوز المجادلة فيها.
(نقض أساس 1731 قرار 1466 لعام 1999 مجموعة أحكام النقض الجزء الرابع ص 719)
– إن المسؤولية المدنية عن أفعال الغير لا تستلزم المسؤولية الجزائية فلا يمكن أن يعتبر الوالد مسئولا إذا ارتكب أبنه القاصر المقيم معه قتلا أو إيذاء بغير قصد لأن الوالد من الوجهة المدنية يكون مسئولا بالمال للتعويض عن الضرر الحاصل بفعل ولده وذلك لأن القتل أو الايذاء في هذه الحالة ليس مرتبطاً بإهمال الأب في مراقبة أبنه ارتباط السبب بالمسبب.

اجتهاد:
إن القانون أوجب على المحكمة إيراد الأدلة وإثبات الخطأ والعقوبة شخصية تتناول الفاعل بالذات ورب العمل مسئول بالمال فقط.
(نقض أسا 405 قرار 455 تاريخ 6/3/1999 مجموعة أحكام النقض الجزء الرابع ص 665)
– ولما كانت العقوبة شخصية فلا يجوز أن يسأل أحد عن فعل غيره إلا إذا اشترك في هذا الفعل بخطأ ينسب إليه شخصياً ويسأل مالك السيارة جزائيا إذا سلم قيادة سيارته إلى طفل غير مرخص له لقيادتها وكان من جراء ذلك أن وقع حادث الحق بالغير ضرر لكون صاحب السيارة قد تسبب في هذا الحادث بإهماله وعدم احتياطه بتسليمه السيارة إلى الولد.
– مالك الحيوان أو الشخص المكلف بحفظه مسئول جزائيا عن القتل أو الإيذاء الذي يقع ويلحق بالغير بفعل الحيوان إذ ثبت عليه نوع من أنواع الخطأ المنصوص عليها في المادة /550/ عقوبات وكان هذا الخطأ هو السبب في القتل أو الإيذاء.
ما يجب أن يشمله القرار في جريمتي القتل والإيذاء غير المقصودين
– يجب أن يشتمل القرار الصادر بالعقوبة في هذه الجريمة على بيان الأركان المكونة للجريمة.
– يجب أن يثبت ارتكاب الفاعل خطأ من الأخطاء المبينة في المادة /550/ عقوبات فينقض الحكم إذا نقص فيه بيان الواقعة ونوع الخطأ الذي وقع فيه المتهم.
– يجب بيان كيفية الإهمال أو عدم الاحتراز ويجب أن يذكر في القرار الوقائع التي استنتجت منها المحكمة الإهمال أو عدم لاحتراز الذي نشأ عنه القتل أو الايذاء أو مخالفة القوانين والأنظمة مع بيان القانون والنظام الذي تم مخالفته بياناً كافياً.
– يجب أن يبين في القرار الخطأ الذي اقترفه المتهم والذي سبب الموت أو الايذاء حتى يكون هناك محل للمسؤولية الجزائية.
– يجب بيان رابطة السببية بين الخطأ والنتيجة وإذا حكم بالبراءة لانعدام رابطة السببية بين خطا المتهم والحادث الذي تسبب فيه فيجب أن يبين القرار كيف يمكن أن يتصور وقوع الحادث بدون الخطأ الذي ارتكبه المتهم.
– لمحكمة النقض الحق في مراقبة ما إذا كانت الوقائع التي أثبتتها محكمة الموضوع في قرارها قد أعطيت وصفها الصحيح أو لا وما إذا كانت قتلا أم إيذاءً بالخطأ أو حادث عرضي ولها أن تراقب ما إذا كان القتل أو الايذاء ارتكبا عمداً أو بغير قصد ولا تعمد وتقدر ما إذا كان القصد الجرمي متوافر من الوجهة القانونية أم لا .

عقاب جريمتي القتل والإيذاء غير المقصودين

يفرق القانون في العقوبة بين القتل الغير مقصود والإيذاء غير المقصود :
– عاقب على جريمة القتل غير المقصود بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
– عاقب على الايذاء الغير مقصود بالحبس من شهرين إلى سنة إذا جاوز التعطيل عن العمل عشرين يوما أو تسب بإجهاض حامل.
– عاقب على كل إيذاء خلاف الحالتين السابقتين بالحبس ستة اشهر على الأكثر أو بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة.
نص المشرع في المادة 544 عقوبات على عذر مخفف في حال كان الموت أو الايذاء الحاصل نتيجة لعدة أسباب جهلها الفاعل وكانت مستقلة عن فعله ويتم هذا التخفيف وفق منطوق المادة /199/ عقوبات التي جاء فيها:
يحط من أية عقوبة أخرى من النصف إلى الثلثين.
نص المشرع على ظرف مشدد في المادة /553/ عقوبات وذلك من خلال زيادة العقوبة بمقدار النصف إذا أتى الفاعل أحد الأفعال التالية:

1- عدم الوقوف فورا.
2- عدم العناية بالمجني عليه.
3- محاولة التملص من النتيجة بالهرب.
لم يفرق القانون في عقوبة الايذاء غير المقصود فيما إذا كان قد نشأ عنه عاهة مستديمة أو مرض أو عجز.
أخيرا قد يحدث التباس بين القتل والإيذاء غير المقصودين وبين الايذاء بالضرب والجرح المتعمد ولكن معيار التمييز بين هاتين الجريمتين هو أن جريمة الضرب والجرح عمداً بأنواعها المختلفة تنشأ عن فعل جزائي متعمد موجه إلى المجني عليه أما جريمة القتل والإيذاء غير المقصود فهي بطبيعتها جريمة غير عمدية يحدث فيها الموت أو الإيذاء عن طريق الخطأ غير المقصود من الجاني.

خاتمة:

إن تعقد طرق المواصلات وتعقد استخدام السيارة والمعدات والتكنولوجيا الحديثة أدت على ازدياد مثل هذا النوع من الجرائم الغير عمدية والتي ألحقت بعدد كبير من الأشخاص الضرر ومن المؤسف أن أغلب تلك الأضرار تكون نتيجة خطأ متعمد وإهمال يرقى إلى درجة العمد لكن القانون واضح في معاقبة مثل تلك الجرائم ولا يسعنا في معرض ختام هذه المقالة سوى المطالبة بآلاء مثل هذه الجرائم الاهتمام بالشكل الذي يحد من تفاقمها ومخاطرها من خلال سن التشريعات والقرارات والقوانين التي تنظيم استخدام تلك الوسائل ووضع ضوابط دقيقة لها وتطبيقها بشكل كامل من قبل الجهات المعنية.

الكاتب المحامي
جمال عبد الناصر المسالمة

مراجع المقالة:

– قانون العقوبات السوري.
– القانون المدني السوري.
– الموسوعة الجنائية جندي عبد المالك.
– مجموعة أحكام النقض السورية.