الاستاذة هاجر هرمي

إن العيش في المجتمع يفرض الاشتراك مع الناس و التعامل معهم، أي الدخول في علاقات متبادلة، هاته العلاقات قد تتعارض و هذا التعارض يفترض وجود حكم يحكم بين هاته الأطراف المتعارضة ويحدد بداية و نهاية حق كل طرف. لذلك كان من الضروري وضع قانون يفرض قواعد ملزمة لتنظيم كافة العلاقات و لمنع العدوان و ضمان استقرار الحقوق، ففرض العقاب نفسه ووقع إقراره في كل التشريعات فلقد صاحب ظهور الإنسان و ظهور الجريمة والعقاب.

فمنذ أن وجد المجتمع الإنساني وجد معه العقاب كرد فعل طبيعي على الجريمة، ويعتبر القانون الجنائي القانون المنظم لمختلف صور التجريم و العقاب فهو خير رادع للجريمة.

و لقد تطور تاريخ العقوبة بتطور الجماعة، فتاريخ العقوبة يعكس تاريخ المجتمع الإنساني منذ بدايته و يتجه أولا تعريف العقوبة ثم الحديث عن تطورها.

إن العقوبة جزاء يوقع باسم المجتمع تنفيذا لحكم قضائي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة[1] فهي جزاء يفرضه القانون لمصلحة الهيئة الاجتماعية على مرتكب الجريمة و هي عبارة عن ألم يصيب الجاني جزاء له على مخالفته لما نهى عنه القانون أو أمر به[2] فهي الألم الذي ينبغي أن يتحمله الجاني عندما يخالف أمر القانون أو نهيه و ذلك لتقويم ما في سلوكه من اعوجاج و لردع غيره عن الاقتداء به[3]

فالمجتمع يتضرر من ارتكاب الجريمة التي تثير الشعور العام لأفراده و تضعف إحساسهم بالعدالة و قد تغري بعضهم بمحاكاة مرتكبها، لذلك كان من اللازم أن يواجه المجتمع ذلك الخلل بتوقيع الجزاء العادل حتى يرضى الشعور العام و يقضى على خطر تكرار الجريمة ممن ارتكبها أو من غيره من أفراد المجتمع[4].

فالعقوبة من حيث هي جزاء تنطوي على ألم يحيق بالمجرم نظير مخالفته نهي القانون أو أمره و يتمثل هذا الألم في حرمان المحكوم عليه من حق من حقوقه كحقه في الحياة أو الحرية أو في مباشرة نشاطه السياسي و ما إلى ذلك. و أيا كان أسلوب العقاب فإنه يهدف إلى مكافحة الجريمة و هي غاية مقررة لصالح الجماعة[5] وتفرض باسم المجتمع لأنها ردّ فعل اجتماعي لحماية أمن المجتمع و ضمان استقراره و لحماية الفرد من النوازع الإجرامية الموجودة في داخله وردّ الفعل الاجتماعي لا يعطي الحق للأفراد لكي يقتصوا لأنفسهم من المجرمين،

فالقصاص الفردي مرفوض من جميع الشرائع الوضعية و المجتمع وحده صاحب الحق و السلطة في التجريم و العقاب[6] و الألم ليس هو الغرض من العقوبة و إنما هو وسيلة لإدراك غرض نهائي هو حماية مصالح الجماعة بتوطيد النظام الاجتماعي و ذلك عن طريق منع الجاني من العودة إلى ارتكاب الجريمة مستقبلا وهو ما يسمّى بالمنع الخاص و منع الغير من الاقتداء به أو تقليده وهو ما يسمّى بالمنع العام. [7]

و لقد تطورت فلسفة العقاب على مرّ العصور و سلكت الوظيفة العقابية مراحل عدّة فمن طور الانتقام الشخصي حيث لم يكن هناك نظام يسود أفراد المجتمع و ينظم سلوكهم بل كان الجهل و الفوضى و الهمجية هي التي توحي بطريقة السلوك إزاء الأخرين[8] فكان الانتقام و مقابلة العدوان بالعدوان هو دستور القبائل و أسلوب الحياة الانتقام الذي تحركه دوافع الثأر لدى الفرد و لدى القبيلة[9] هو السائد، فمن الانتقام الفردي كردّ فعل لعقاب المجرم في مرحلة أولى إلى الانتقام الجماعي في مرحلة لاحقة، ثمّ طور اللاهوت السياسي و التكفير عن الذنوب حيث اعتبرت العقوبة كفارة دينية عن غضب الآلهة.

و هذا الطور كان مع نشأة الدولة و استقرار نظامها فانتقلت مهمة العقاب إليها فانظم إلى الطابع الديني للعقوبة طابع سياسي فلم تصبح الجريمة فقط عصيانا لآلهة و إنما صارت كذلك خرقا للنظام الاجتماعي من شأنه أن يخلق الاضطراب فيه فصار للعقوبة وظيفة جديدة هي المحافظة على النظام الاجتماعي[10].

ثمّ جاء طور إصلاح المجرمين أو طور الرحمة الإنسانية، و قد ظهر هذا الطور عندما أصبح حق العقاب من اختصاص الحكومات السياسية المجردة عن كل وصف ديني و تباشره في حق الهيأة الاجتماعية صاحبة الحق في الدفاع عن نفسها لحفظ نظامها و استمرار وجودها وذلك تمشيا مع القاعدة التي وضعها العالم الفرنسي جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي. و من هنا ظهرت النهضة العلمية و الفكرية حول التشريعات المتعلقة بسياسة العقاب التي كانت تتسم بالتنكيل و الصرامة فكان ظهور بعض الآراء و الأفكار نتيجة حتمية كردّ فعل صارخ على وحشية العقوبات و عدم جدواها[11].

إذن يمكن القول أن الوظيفة العقابية سلكت سبع مراحل من التطور و هي :

مرحلة ردّ الفعل الغريزي و الجماعي و مرحلة التكفير عن الجريمة و مرحلة السلطة السياسية و مرحلة درء الجريمة بالمنع العام و مرحلة التوزيع الأخلاقي للعقوبة و مرحلة درء الجريمة بالالتجاء إلى المنع العام و الخاص و مرحلة الإفادة من المنع الخاص ووحدة الجزاءات الجنائية[12].

لم يبدأ التأصيل الفلسفي و العلمي لأساس العقاب إلا في منتصف القرن الثامن عشر فظهرت مدارس فقهية تهتم بالعقوبة، فنجد :

المدرسة التقليدية : و التي ترتبط باسم المركيز سيزار بيكاريا الذي كان مهتما بحركة الإصلاح الجنائي، فقد كانت نظرية العقد الاجتماعي التي قدمها الفيلسوف روسو أساسا في فكر بيكاريا و قد نادى بيكاريا بتحديد الجرائم و العقوبات بنصوص قانونية ووجوب استقلال السلطة التشريعية عن السلطة القضائية كما يجب تناسب العقوبة مع جسامة الجرم، فوظيفة العقوبة هي الردع و الزجر و العظة و العبرة لا تعذيب المجرم و الانتقام كما نادى بإلغاء كل صور التعذيب المصاحب لعقوبة الاعدام و حبّذ إلغائها. و إلى جانب بيكاريا نجد جيريمي بنتام وهو أيضا يدافع عن مبدأ منفعة العقوبة الذي نادى به بيكاريا وهو يرى أنه لا محل للعقاب إلا حيث تتوافر دواعية في منفعة أو ضرورة.

فأساس العقاب عند المدرسة التقليدية في السياسة العقابية هو المنفعة و المسؤولية تقوم على أساس خلقي هو تقويم إرادة الجاني. و بالتالي فإن وظيفة العقوبة هي الردع المحقق لهذه الغاية وهي التقويم و العقوبة في تقديرها مرتبطة بجسامة الفعل و بالمنفعة التي كان ينشدها الجاني أو الضرر الذي لحق بالمجني عليه من غير إفراط و من غير اعتداد بخطورة الفاعل[13].

المدرسة التقليدية الجديدة : السياسة العقابية لهاته المدرسة هي امتداد للمبادئ العامة التي عبرت عنها المدرسة التقليدية الأولى و يجمع أنصارها بين الغرض المعنوي للعقوبة و الغرض النفعي لها محاولين إقامة توازن بينهما و يبررون ذلك بأن تجاوز العقوبة لما هو عادل يترتب عليه جرح شعور الجماعة بالعدالة، بينما يترتب عن تجاوز العقوبة لما هو مفيد انقلاب العقوبة إلى وبال على الجماعة. فالمجرم اختار و لذلك فإن العقوبة تعتبر مقابلا حتميا لتلك الإرادة فهدفها ووظيفتها هي تحقيق العدالة لكنه ينبغي أن تتقيد العقوبة بمنفعتها، فليس للمجتمع أن يتجاوز في عقابه حدود العدالة و المنفعة أو الضرورة.[14]

المدرسة الوضعية : ظهرت بين القرنين الثامن عشر و التاسع عشر على يد سيزار لومبروزو و أنريكو فيري و رافائيل جاروفالو. و لقد اعتمدت المنهج التجريبي وهو منهج علمي واقعي فهي تدعو إلى أسلوب الملاحظة و التجريب. و يرى Garou أنه في سبيل علاج المجرم و تحويله إلى إنسان منتج يمكن التعويل عليه في بنيان المجتمع ينبغي التضحية بمقتضيات المنع العام و التنازل عن العقوبة الشديدة التي تفزع الكافة في سبيل المنع الخاص و الحفاظ على آدمية الجاني أي أنه يرى تغليب مقتضيات المنع الخاص على مقتضيات المنع العام عند التعارض[15].

والمدرسة الوضعية تعتمد مبدأ إحلال المسؤولية القانونية محل المسؤولية الأدبية التي تقول بها المدرسة التقليدية كما تعتمد مبدأ العناية بالوقاية و تفريد العلاج.[16]

إلا أن هاته المدرسة قد غالت في العناية بحالة المجرم الخطير كما أنها تزن العقوبات بحالة المجرم الخطرة مما يؤدي إلى ترك سبيل من يرتكب جرما غير أنه لا تتوفر فيه الحالة الخطرة وهو ما يؤدي إلى عدم تحقيقها هدفها وهو ردع المجرم، مما أدّى إلى ظهور مدرسة الدفاع الاجتماعي حيث نجد الإيطالي Grammatica و الفرنسي Ancel.

و يرى Grammatica بضرورة إلغاء فكرة القانون الجنائي و إحلال فكرة قانون الدفاع الاجتماعي و التعويل على شخصية الفاعل لا على الفعل أو الضرر و إحلال تدابير الدفاع الاجتماعي محل الجزاء الجنائي و هاته التدابير قد تكون وقائية أو علاجية و ذلك بهدف إعادة تأهيل المنحرف اجتماعيا سواء بالتعليم أو بالعلاج إلى جانب قضائية التدابير ووضع سياسة عامة للإصلاح.

أما Marc Ancel فهو يؤمن بمبدأ حرية الإنسان في تصرفاته و يرى أن الجريمة مرض اجتماعي يستلزم علاجا و ينادي بأن لا يكون الهدف التنكيل بالمجرم و إيلامه بل حماية المجرم ذاته، لذلك فهو ينادي بضرورة توحيد العقوبة و التدابير الاحترازية في نظام واحد يهدف إلى تحقيق الردع الخاص.[17]

كما يرفض الأخذ بمبدأ افتراض العلم بالقانون الجنائي و قصر الركن المعنوي على العلم و الإرادة كما أكّد على الالتزام بمبدأ الشرعية و سلطة القاضي، إلى جانب وجوب أن يتضمن القانون تحديد حالات الخطورة الاجتماعية و أن يقيد حق الدولة في تدخلها بتوفير الضمانات التي تحمي الحرية الفردية في إطار قواعد القانون العام.[18]

و لقد تأثر التشريع الجنائي التونسي بالنظريات العلمية في فلسفة العقاب، فبعد أن كانت تسوده أحكام الشريعة الإسلامية حتى منتصف القرن التاسع عشر التي أرست منهجا من الفلسفة العقابية قام على مبادئ الشريعة و شخصية العقوبة و عدم رجعية القوانين الجزائية و مراعاة صغر السن و الجنون و الإكراه في نطاق المسؤولية عن الفعل الإجرامي و الأخذ بالظروف المخففة و استبعاد التنكيل بالجاني و العفو عن المجرم و التوبة و هي مبادئ لم تلحظها التشريعات الوضعية إلا بعد قرون طويلة من إرسائها في الشريعة الإسلامية.[19] و لقد وردت مسألة الحدود و القصاص في نصوص محددة في الكتاب أو في السنة و في التعازير أجيز لأولي الأمر والقضاة تقرير العقوبات بشأن الجرائم التي تخل بمصالح الفرد و الجماعة وفقا لظروف الجاني و البيئة و خطورة فعله.

والعقوبـات في الشريعة الإسلامية لا تستهدف الزجـر والتأديب كغرض أساسي لحكمها، بـل ترمي أيضا إلى إصلاح الجانـي و تأهيله و هذا يظهر في نطاق العقوبات التغرير به وعقوبات الحدود و القصاص والدية ترمي إلى حماية المقاصد الضرورية للشرع، فعقوبـة الردّة تقوم على حماية الدين و عقوبات القصاص و الديـة و بعض عقوبات حدّ الحرابة تقوم على حماية النفس و مـا دونها وعقوبات الزنا و القذف تقـوم على حمايـة النسل و عقوبة السرقـة وبعض عقوبات حدّ الحرابة تقوم على حماية المال و عقوبة الشـرب تقوم على حماية العقل.[20]

إلا أنه داهمته الحضارة الأوروبية و تأثر بها ميدان القضاء و سياسة العقاب مما أسفر عن صدور عهد الأمان 1857 و ذلك نتيجة للاضطرابات و ضغط خارجي على محمد باي، و قامت لجنة مكونة من قانونيين تونسيين بتحرير القوانين،[21] و قانون الجنايات و الأحكام العرفية. و صدر هذا القانون في آخر سنة 1860 مشتملا على قسمين يضمّان 30 بابا فيها 664 فصلا منها 606 فصلا خاصة بالجنايات و 58 فصلا بالضبطية.

هذا القانون يختصّ بالجرائم بكافة أنواعها و الجنح و المخالفات و تقوم بتطبيق هذا القانون و فصوله مجالس الجنايات و الأحكام العرفية و مجالس الضبطية كل في حدود ما حدده له القانون، و يعتبر هذا القانون أقدم مجلة قانونية عربية أسست على المذهبين المالكي و الحنفي وهو ما يعني أن الفقه الإسلامي كان مصدر القانون الرئيسي،[22] ثم توقف العمل بمجموعة القوانين المتحدث عنها إثر توقيف العمل بدستور عهد الأمان عام 1864. ثم صدرت المجلة الجنائية في 9 جويلية 1913 أجري العمل بها في غرّة جانفي 1914.

و يظهر التأثير في مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات و عدم رجعية القوانين الجزائية المشددة و المحدثة و الأخذ بظروف التخفيف و نظام تأجيل التنفيذ و في تحديد سن المسؤولية الجزائية و الاكتفاء بالتدابير الوقائية و الاحترازية فقط بالنسبة للأحداث و تلطيف العقوبة الغليظة عليهم و اعتبار العذر المبرئ إلى غير ذلك من الحالات.[23] .

و لقد تطورت الاتجاهات الحديثة في قانون العقوبات نحو التكامل و التفاعل مع بعض الفروع الأخرى من أجل سياسة جنائية شاملة تهدف إلى الوقوف في وجه الإجرام عن طريق صياغة القواعد القانونية الملائمة و بذل خبراء علم الإجرام جهودهم في نفس الاتجاه، فقد درسوا المظاهر و الأشخاص و مدى علاقتهم بظاهرة الجريمة ليغنوا بذلك عمل القانونيين عند صياغتهم للقواعد القانونية. [24]

و تتضمن العقوبة في مفهومها العام كل الجزاءات الواردة في قانون العقوبات، و قد حاول الفقه تصنيفها وفق تناسبها مع الجريمة و فاعلها أو انعدام هذا التناسب و غالبية التشريعات تنصّ على العقوبات كجزاءات لحالات الخطورة الإجرامية أو الوقاية منها،[25]

و تصنف العقوبات إلى عدة تصنيفات :

تصنيف مبني على جسامة الجريمة فنجد عقوبات جنائية و عقوبات جناحية، و هذا الترتيب مقابل لترتيب الجرائم إلى جنايات و جنح و مخالفات بسيطة وهو نتيجة عن تحديد أقصى و أدنى العقوبات المنصوص عليها بالنسبة لكل نوع من المخالفات.[26]

تصنيف مبني على موضوعها أو طبيعة الحق الذي تلحقه فنجد عقوبات بدنية وعقوبات تحرم من الحرية و عضويات تنقص من الحرية و عقوبات تحرم من الحقوق أو تنقص منها و عقوبات مالية و عقوبات مهنية أو أدبية.
تصنيف مبني على نوع الجريمة فنجد عقوبات سياسية وعقوبات تابعة للحق العام.[27] تصنيف مبني على مدة العقوبة فنجد عقوبات مؤبدة و عقوبات مؤقتة.

تصنيف مبني على الرابطة بينها فنجد عقوبات أصلية و عقوبات تكميلية، و العقوبـات الأصلية هي العقوبات التي تنطبق على الجريمة مباشرة و يمكن التصريح بها منفردة و لكـن يجب أن يتضمنها نص خاص بالحكم[28] وهي تفي بذاتها ومبـاشرة بفكرة العقاب و بالتالـي لا يجوز أن يصدر حكم جنائـي بالإدانـة ضدّ متهم دون أن يتضمـن إحـداها على الأقل، ويتصـور أن يحكم بها وحدها فهي كافية بذاتها لتحقيق فكرة الجزاء والعقاب[29] (1)، والعقوبـات الأصليـة في القانـون التونسي هي و كما نصّ عليها الفصل 5 من المجلة الجنائية :

الإعدام والسجن بقية العمر والسجن لمدّة معينة و العمل لفائدة المصلحة العامة و الخطية.

أما العقوبات التكميلية فهي عقوبات مكملة أو إضافية تضاف إلى العقوبة الأصلية[30] فيوقعها القاضي وجوبا أو جوازا بالإضافة إلى العقوبة الأصلية فلا يملك الحكم بها بمفردها[31] .

و العقوبات التكميلية إما أن تكون وجوبية أو اختيارية للعقوبة الأصلية و لا يمكن أن تكون منفردة إلا في أحوال استثنائية، و العقوبة التكميلية في القانون الجنائي يلزم أن ينصّ على صدورها بالحكم بينما القانون الفرنسي يجعلها ملازمة للعقوبات الأصلية التي ربطها بها المشرع[32] .

و العقوبات التكميلية هي منع الإقامة و المراقبة الإدارية و مصادرة المكاسب في الصور التي نصّ عليها القانون و الحجز الخاص و الإقصاء في الصور التي نصّ عليها القانون و الحرمان من مباشرة الحقوق و الامتيازات و نشر مضامين الأحكام.

و قد ظهرت العقوبات التكميلية كنتيجة لتقدم الدراسات الجنائية و تركيزها على الاهتمام بشخص مرتكب الجريمة بعد أن كان الاهتمام ينصب على الفعل في ذاته، فظهر قصور العقوبة عن أداء وظيفتها في مكافحة الإجرام حيث عجزت العقوبة عن الوفاء بالغرض المستهدف منها فترتب عن ذلك ظهور صورة أخرى لردّ الفعل الاجتماعي إزاء الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص مرتكب الجريمة. و تعتبر المراقبة الإدارية جزاء من الجزاءات المقررة لمصلحة المجتمع و مصلحة المجرم فهي تستهدف إصلاح الجاني و تأهيله و حماية المجتمع من خطورته الإجرامية.

و تتمثل المراقبة الإدارية في إجبار الشخص على الإقامة بمنطقة معينة تحددها السلطة التنفيذية بعد قضاء مدة الحكم الصادرة بحقه و لا يمكن له تبديل ذلك إلا بإذن من الإدارة كما لا يمكن له مغادرته إلا بترخيص خاص و يخضع لمراقبة الإدارة بشكل يومي و ذلك من خلال التوقيع على دفتر خاص يسلم له في اليوم الأول لنزوله و تكتفي الإدارة بفرض حضوره اليومي عندها مرتين بالتوقيع على حضوره في سجل يحفظ لديها.[33]

فمراقبة الشرطة هي عقوبة مقيدة للحرية يلزم بمقتضاها المحكوم عليه بجميع الأحكام المقررة في القوانين الخاصة لتلك المراقبة و الغرض منها أن يكون المحكوم عليه تحت نظر الشرطة ليلا نهارا لإمكان ملاحظته و عدم تمكينه من ارتكاب الجرائم[34] .

تعود عقوبة مراقبة الشرطة الى منتصف القرن 18 اي في عصر الامبراطورية الفرنسية الاولى حيث كان قانون العقوبات الفرنسي الصادر في سنة 1810 يفرض محل اقامة المفرج عنهم يلتزمون بالتواجد فيه ويحضر عليه الانتقال منه الا باذن من جهة الادارة المادتان 44 و45 وكان يطلق عليها اسم مراقبة الشرطة العليا la surveillance de la haute police

ونظرا لمساوئه قام المشرع بتعديله والحد من وطاته بان اعطى المعني بالامر حق اختيار مكان اقامته حتى يتسنى مراقبته لكن شريطة ان يدفع للسلطة ظمانا ماليا تاكيدا لحسن سيرته وحتى يقع استعمال ذلك الضمان لاستخلاص معلوم الخطية اذا حصلت مخالفة للمراقبة لكن هاته التعديلات تجعل من الشخص الموسر افضل حالا من الشخص الفقير مما ادى الى التراجع في خصوص الضمان والابقاء على النظام على ما كان عليه من قبل ثم صدر قانون في 28 افريل1832 والذي نص على ان تقوم جهة الادارة بوضع قائمة تحدد فيها الاماكن الممنوعة التي لا يجوز للمفرج عنهم ارتيادها او الاقامة فيها لان من شان ذلك تسهيل ارتكاب الجرائم وقد بقيت القوانين متارجحة بين الاخذ بأحد هاتين الوسيلتين حيث نجد المرسوم الصادر بقانون 8 ديسمبر 1858 اخذ بالطريقة المتيعة في المادتين 44-45 عقوبات اما قانون 23 يناير سنة 1874 قد اخذ بالطريقة المنصوص عليها في قانون 21 افريل سنة 1832 باعتبارها تترك للمفرج عنهم قدرا اكبر من حرية التنقل ثم صدر قانون 27 ماي 1885 يمنع مراقبة الشرطة وعوضها بنظام منع الإقامة في 30اكتوبر 1935 وادى الى كثرة الاحكام الصادرة بالمنع من الاقامة والتي بلغت عشرة الاف حكم سنويا قبل الحرب العالمية الثانية واكثر من ثلاثة الاف حكم سنة 1946 الى جانب طول مدد الاحكام الصادرة بحرمان المذنبين من الاقامة حيث بلغت 20 سنة كحد اقصى وهناك حالات كان المنع فيها مؤبدا وهو ما ادى الى استحالة مراقبة كل هذا العدد طول هاته المدة الطويلة المحكوم بها عليهم ويكون الحكم الصادر بالمنع من الاقامة يتضمن قائمة بالمدن الممنوع الاقامة فيها وهي قائمة شاسعة الى حد انها شملت كل المراكز العامة

وهو ما ادى الى صعوبة حصول ذلك الشخص على عمل يضمن به حياته ثم اصدر المشرع الفرنسي قانون 18 مارس 1955 حدد فيه تدخل الشرطة في عملية المراقبة والتي اسندها الى جمعيات خيرية تمارسها بواسطة مندوب مؤهل للتعامل مع المفرج عنهم ليقدم لهم النصائح والتوجيهات ويساعدهم في محاولتهم العودة الى المجتمع والابتعاد عن ميدان الجريمة[35] ومنذ دخول القانون الجنائي الفرنسي الجديد حيز التنفيذ بداية من التسعينات تحولت الاختصاصات التي كان يمارسها وزير الداخلية للسلطة القضائية اذ اصبح لها تحديد اماكن منع الاقامة وتدابير المراقبة واعطيت لقاضي تنفيذ العقوبات امكانية مراجعة تلك التدابير[36] .

في انقلترا عهد بالمراقبة الى المراقب الاجتماعي الذي يعمل في هيئات متخصصة تعهد اليها المراقبة بدلا من الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية ويكون ذلك لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاثة سنوات وقد تفرض المراقبة لمدة سنة على الاشخاص الذين يدخلون السجن لمدة عامين ويكون قد سبق ادخالهم الاصلاحية مرتين وفي هاته الحالة يجوز اناطة هاته المهمة بعهدة مراكزالشرطة

و يقوم الشخص بالتردد على مركز الشرطة كل شهر في يوم محدد وقد يكتفي رئيس مركز الشرطة المكلف بمراقبة المحكوم عليه باخطار كتابي بدلا من حضوره شخصيا الى مركزالشرطة وفي حالة اخلال المراقب بشروط المراقبة جاز القبض عليه وتقديمه للمحكمة التي تحكم بحبسه مدة لا تتجاوز ستة شهور انتقل هذا النظام كعقوبة تكميلية الى بلدان كثيرة مثل ارلندا بلجيكا والمانيا مصر وتونس ورفضت بلدان اخرى الاخذ به مثل هولندا سويسرا والمجر وقوانين معظم المقاطعات السويسرية وتتجه الان التشريعات التي قررته الى تخفيف شدته فجعله القانون البلجيكي والالماني اختياريا وفي فرنسا استعيض عنه بنظام منع الاقامة.

في مصر عرفت مراقبة الشرطة منذ عهد محمد على فقد تضمن قانون “ناما” النص على ان الاشخاص الفلاتية الثابت عليهم الفلت المؤدي لهم راحة الاهالي يحبسون لاجل هذه الذنوب ثلاثة اشهر الى ستة ومن بعد حبسهم يمكثون تحت نظر الحكومة الى انقضاء المدة التي ترى مناسبة بحسب اطوارهم, ومعنى ذلك ان المدة التي يقضيها الشخص خاضعا لمراقبة الشرطة لم تكن محددة سلفا بل هي متروكة لجهة الادارة تقدرها وفقا لظروف كل شخص[37] .

وفي تشريع سنة 1883 (م7) اخذت مراقبة البوليس وصف مراقبة الضبطية الكبرى ونظمت احكامها بالامر العلي الصادر في 13 من يولية سنة 1891 (م9 الى 17) وكانت احوالها كثيرة واحكامها قاسية ومددها طويلة ثم اخذ الشارع يخفف تدريجيا من قواعدها فاصدر امرا عليا في 29 من يونية سنة 1900 بين في ديباجته ان الباعث له على اصداره هو “لزوم منع المضار التي اظهرتها التجارب في السير على الطريقة المتبعة في ملاحظة البوليس وضرورة تعديل طريقة هذه الملاحظة بجعل احكامها قاصرة على ما لا يقيد حرية الانسان الا فيما يكون لازما حتما وكافلا للامن العام” ثم ظهر هذا الاتجاه واضحا في تشريع سنة 1904 الذي قلل من احوال المراقبة كعقوبة تبعية[38] (2) غير ان اظطراب وازدياد عدد الجرائم ادى الى العودة مرة اخرى الى الطريقة التحكمية في المراقبة وما تتسم به من شدة في التنفيذ وذلك في قانون النفي الاداري رقم 15 ورقم 16 لسنة 1909 .

ثم تعاقبت بعد ذلك القوانين المنظمة لعقوبة مراقبة الشرطة ومن اهمها قانون العقوبات الصادر سنة 1937 والمرسوم بقانون رقم 987 لسنة 1945 الخاص بالمشردين والمشتبه فيهـم والذي عدل فيما بعد بالقانون رقم 157 لسنة 1959 الخاص بالمشردين والمشتبه فيهم والمرسـوم بقانون رقم 99 لسنة 1945 والذي تضمن الاحكام والقواعـد المنظمة لعقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطـة ونصت المادة 19 منه علـى إلغاء كل ما يخالف احكامه من نصوص القانـون رقم 24 لسنة 1923 الخاص بالمتشرديـن والمشتبه فيهم وقـد لجا المشرع الى تعديـل القانون رقم 99 لسنـة 1945 بالقانـون رقم 156 لسنة 1959 الخاص بنظم الوضـع تحت مراقبة الشرطة ثم اصدر القانـون رقم 124 لسنة 1949 الخاص بالاحداث المتشرديـن [39].

يستند هذا النظام الى حق الدولة في حماية نفسها من المشتبه فيهم والمفرج عنهم حديثا من السجن لذا ايدته المدرسة الوضعية الايطالية كتدبير من تدابير الوقاية لازم للدفاع الاجتماعي ولم يضع المشرع تعريفا محددا لنظام المراقبة الادارية وان كان يمكن استخلاص هذا التعريف من الشروط والاحكام الخاصة بهذه العقوبة فقد نص الفصل 23 م ج “مجرد الحكم بالمراقبة الادارية يخول للحكومة حق تعيين مكان اقامة المحكوم عليه عند انقضاء مدة عقابه والحق في تغييره اذ رات نفعا في ذلك” وللمراقبة ثلاث صور قد تداول في العمل تطبيقا او ادماجها ببعضها فانه يتصور :

1/ نظاما يحرم المراقب من دخول محلات معينة

2/ نظاما يحصره في محلات اخرى لا يمكنه ان يبارحها دون اذن

3/ نظاما يترك له الحرية في اختيار محل اقامته او تغييره بعد استيفاء شروط معينة فرضت عليه حتى يتسنى للبوليس ان يتعقبه او يراقبه

وقد انتهى القانون الفرنسي الى النظام الاول اما القانون المصري فيدور حول النظامين الاخيرين[40]

و تكتسي دراسة هاته العقوبة و الإتيان على مختلف جوانبها أهمية بالغة فعلى المستوى النظري تمثل عقوبة المراقبة الإدارية موضوع جدل و بحث بين مختلف الفقهاء خاصة و أن المشرع الفرنسي قد عوضها بعقوبة منع الإقامة و الحال أنه مصدر إلهام لمشرعنـا، إلى جانب ندرة البحوث المجراة بخصوصها إن لم نقل انعدامها و ذلك في فقهنا التونسي، ولقـد ناقش العديد من الفقهاء أثرها على حياة المحكوم عليه بها و مدى تناسبها و توافقها و المبـادئ الدستورية و المتعلقة بحقوق الإنسان، هاته الجوانب جعلت بعض الفقهاء يرى ضـرورة إلغائها و آخرون يرون ضرورة تعديلها و هناك من يرى بضرورة الإبقاء عليها كوسيلـة لردع المجرم و إيلامه، فكيف يستوي هذا و فكرة الإصلاح و التأهيل و إعادة الاندمـاج التي تنبني عليها التدابير الاحترازية.

فالسياسة الجنائية الحديثة ترى أن قانون العقوبات لم يعدّ مقصور الاهتمام على حسم الجانب الموضوعي لمشكلة الجريمة و العقوبة بل صار بصورة خاصة يهتم بمصير المجرم من ناحية بحماية المجتمع من الإجرام من ناحية أخرى.[41] .

فأصبحت السياسة الجنائية تستهدف حماية المجتمع من الجريمة و إصلاح المجرمين كجزء لا يتجزأ من السياسة الاجتماعية التي تسعى إلى رفع شأن الإنسان من خلال تحسين ظروف المجتمع، فزاد الاهتمام بمرحلة تنفيذ العقوبة و عمت القناعة لدى المختصين في علم العقاب بأن هذه المرحلة تشكل في الواقع قطب الرحى في عملية العقاب[42] .

و أمام تطور العقوبات و إلغاء العديد منها مثل التشغيل الإصلاحي وهو عقاب من العقوبات التكميلية و إحداث المشرع لنظام تأجيل التنفيذ و العمل لفائدة المصلحة العامة و التحجيرات المرتبطة بنشاط مهني أو شبه مهني أو الخاصة بالحق بالتنقل و ممارسة بعض الهوايات فإن المشرع أبقى على عقوبة المراقبة الإدارية رغم أنه لا يقع العمل بها إلا نادرا و قد اعتبر الفقهاء أن نظام المراقبة من أنجع الوسائل العلاجية خارج المؤسسة العقابية و من الوسائل الفعالة للوقاية من العود.[43]

و هذا يبين الأهمية التطبيقية للموضوع فكيف الإبقاء على عقوبة تحرم الشخص من حريته في التنقل و تقيده بالتوجه للإمضاء بمركز الشرطة و ما يصاحب ذلك من ضغط اجتماعي و نفسي عليه و عدم الإشراف القضائي على تنفيذ العقوبة و رغم ذلك نلاحظ تمسك المشرع بها وهو ما يدعو إلى التساؤل عن غاية المشرع من ذلك خاصة إذا تمعنا عن قرب في القانون الجنائي بقواعده الأصلية و الإجرائية حيث نلاحظ أن المشرع يتراوح بين إعادة التأهيل و الزجر و نزع التجريم[44]

فهل هو يبقي هاته العقوبة بهدف الزجر أم أنه يرى أنها تضمن الإصلاح و تأهيل فأمام انفتاح القانون الجنائي على حقوق الإنسان يصبح من المهم البحث في مدى تناسب هذه العقوبة و مبادئ حقوق الإنسان، فلو عدنا إلى الناحية التاريخية لوجدنا أن المجلة الجزائية شهدت تنقيحات عدة و خاصة بعد الاستقلال حيث تسارعت التنقيحات فنجد اتجاها إنسانيا في المادة الجنائية مع التزام بمكافحة الإجرام[45] أي الموازنة بين أنسنة العقوبات ومكافحة الجريمة.

فأمام هذا التطور و الاتجاه نحو الوقوف في وجه الإجرام و تطوير العقوبات و أنسنتها والعمل على إعادة إدماج المحكوم عليهم، نجد أن المشرع أقر عقوبة المراقبة الإدارية و أبقى عليها و هذا يجعلنا نطرح الإشكال المتمثل في معرفة الهدف من هاته السياسة المتبعة، فهل بقي لهاته العقوبة دور يمكن أن تلعبه في تطبيق السياسة الجنائية الحديثة أي هل بقيت لها أهمية في نظام العقوبات؟

لا يستوي الحديث عن أهمية عقوبة المراقبة الإدارية دون فهم فحواها و لا يمكن الحديث عن دورها دون فهم أحكامها و لا الحديث عن تأثيرها دون معرفة كيفية تنفيذها فللإجابة عن إشكالية معرفة مدى أهمية هذه العقوبة كعقوبة من العقوبات التكميلية يجب التعرض إلى أحكام هاته العقوبة في جزء أول و نظام تنفيذها في جزء ثان.

الجــزء الأول : أحكــام عقوبـة المراقبــة الإداريــة

المراقبة الإدارية عقوبة تلحق بالشخص فتصيبه في حريته، و هي في جوهرها تهدف إلى التثبت من صلاحية المحكوم عليه و تسهيل ائتلافه مع المجتمع إلا أنها في نفس الوقت تقيّد حريته بمنعه من الظهور في أماكن معينة لها علاقة بسلوكه الإجرامي، و هي تصنف ضمن العقوبات الماسة بالحرية الهادفة إلى تقويم الجاني و إصلاحه، و هي تتفق في هذا الهدف مع جلّ العقوبات.

و لقد صنفها المشرع ضمن العقوبات التكميلية التي تختلف عن العقوبات الأصلية سواء من ناحية الوظيفة أو من ناحية الخصائص، فالعقوبات الأصلية ارتبطت بفكرة الزجر إذ كانت مقترنة منذ ظهورها بالإيلام و الانتقام و القصاص، فالعقوبة بمفهومها التقليدي ردّة فعل اجتماعية على عمل مخالف للقانون و ردّة الفعل هذه تتجسد بتدابير كراهية تطال الفرد في شخصه أو حقوقه أو ذمته المالية[46]،

لكن التغليظ في مقدار العقوبة و القسوة في أسلوب تنفيذها ترتب عليهما نتائج سلبية تمثلت في ازدياد موجة الإجرام في المجتمع و عدم الجدوى من إصلاح الجاني مما كان يدفعه إلى ارتكاب جرائم جديدة و هذه المبررات دفعت بالمشرع إلى إيجاد إجراءات أخرى تقوم في جوهرها على فكرة الإصلاح[47] فكان التأهيل و إعادة الاندماج والإصلاح من أبرز أهداف التدابير الاحترازية التي اصطلح عليها أيضا بالعقوبات التكميلية فهي عقوبات تستهدف محو الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص المجرم.

و المراقبة الإدارية كعقوبة من العقوبات التكميلية تعتبر من أهمّ التدابير التي وضعها المشرع بهدف تحقيق هاته الأغراض لذلك نجد أن المشرع عند إقراره لعقوبة المراقبة الإدارية ميّزها عن بقية العقوبات الأخرى. و لتبيان هذا التمييز سيقع تقسيم هذا الجزء إلى فصلين : الفصل الأول : خصائص عقوبة المراقبة الإدارية و الفصل الثاني : إقرار عقوبة المراقبة الإدارية.

الفصل الأول : خصائص عقوبة المراقبة الإدارية :
عقوبة المراقبة الإدارية تتميز بخصائص و نظم تجعل منها وسيلة عقابية قائمة بذاتها اختلطت فيها وظيفة إيلام الجاني بوظيفة وقاية المجتمع فهي عقوبة ردعية حسب أصلها التاريخي و تدبير وقائي رقابي حسب وظيفتها إذ تطورت وظيفتها فأصبحت تغلب عليها فكرة الاحتراز على فكرة الإيلام[48] ، و لاعتبارها تمثل نظاما خاصا في التصدي للجريمة للحيلولة دون وقوع إجرام جديد وجب العمل على تحديد طبيعتها القانونية (مبحث ثاني) و على فهم الفلسفة التي انبنت عليها (مبحث أول).

المبحث الأول : مفهوم وفلسفة المراقبة الإدارية :
تميزت العقوبة في مفهومها التقليدي بطابعها الردعي إذ تستهدف ردع الجاني لذلك كانت متسمة بالقسوة في أسلوب تنفيذها، و على رغم التطورات التي شهدتها فهي لم تجرّد من طابعها الزجري بل أدخلت إلى جانبه عقوبات ذات طابع إصلاحي و مهما تباينت أغراض العقوبة فإنها ترمي في الأساس إلى مكافحة الجريمة و تحقيق العدالة، و هاته الأهداف تتفاوت وفق مقتضيات الظروف و الواقع الاجتماعي فرغم كون الجوانب الإصلاحية قد طغت على مضمون العقوبة فإن فكرة الردع لم تفنى منها فهي مازالت ضمن السياسة الجزائية المتبعة.

و قد وضعت المراقبة الإدارية كوسيلة تأهيلية تمكن من مواجهة الخطورة الإجرامية ، و تكون هاته المواجهة عن طريق مراقبة المحكوم عليه حتى يقع منعه من ارتكاب جرائم مستقبلية. و هاته المراقبة تقيده في حريته لذلك نجد عقوبة المراقبة الإدارية مصنفة كعقوبة مقيدة للحرية (فقرة أولى) و قد كانت غاية المشرع من هذا التقييد هي مراقبة المحكوم عليه و وضعه تحت أعين رجال الشرطة و بذلك يمكن أن نقول أنها عقوبة ذات وظيفة رقابية (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : عقوبة مقيدة للحرية :

يعتبر الدكتور مصطفى مجدي هوجة أن مراقبة البوليس هي عقوبة مقيدة للحرية و ليست سالبة لها بمقتضاها تقيد حرية المحكوم عليه بالقدر الذي يمكن الشرطة من ملاحظته والإشراف على سلوكه و سبل معيشته[49]، بحيث يكون الموضوع تحت المراقبة تحت ملاحظة رجال الأمن و إشرافهم لمنعه من ارتكاب جريمة جديدة، و لتحقيق هذا الهدف يقع وضع قيود على حرية المحكوم عليه فهي “مراقبة على تحركاته حتى يقع درء خطورته و منعها من التعبير عن نفسها بارتكاب جريمة[50] و هاته العقوبة تستند في وجودها إلى حق الدولة في حماية كيانها من الأشخاص الخطرين المشتبه فيهم أو المفرج عنهم من السجون حديثا و ذلك عن طريق حرمانهم من ارتياد أماكن معينة أو تقييدهم في مجال إقامتهم بقيود معينة[51] .

فالمراقبة الإدارية هي إذن من العقوبات التي تقضى خارج المؤسسة السجنية فهي على عكس عقوبة السجن التي تفرض سلب المحكوم عليه بها حريته و وضعه في السجن لمدّة معينة بحيث يحجز المحكوم عليه داخل السجن طوال المدّة المقررة في الحكم.

و لقد اعتبر السجن كعقوبة سالبة للحرية من أفضل أنواع العقوبات من ناحية أن سلطة التنفيذ تستطيع توجيه هاته العقوبة إلى ما يحقق أهداف العقاب من تهذيب و إصلاح و تعليم، فالعقوبات السالبة للحرية هي تلك التي يتحقق إيلامها عن طريق حرمان المحكوم عليه من حقه في التمتع بحريته، إذ تسلبه العقوبة هذا الحق إما نهائيا أو لأجل معلوم يحدده حكم القضاء، و تحتل العقوبات السالبة للحرية مكانا بارزا في قائمة الجزاءات الجنائية في غالبية الأنظمة العقابية الحديثة باعتبارها الجزاء الأساسي لكثير من الجرائم[52]

و قد ظهر سلب الحرية كعقاب للجرائم التي تكون على قدر كبير من الخطورة، و رغم اتجاه الأبحاث و الدراسات العقابية المعاصرة إلى البحث عن بدائل لهاته العقوبات حتى يقع تفادي المساوئ التي تقترن بسلب الحرية و قد وقع فعلا وضع عقوبات بديلة لعقوبة السجن كالعمل لفائدة المصلحة العامة إلا أن عقوبة السجن بقيت ضمن سلم العقوبات الأصلية. أما في العقوبات التكميلية فنجد عقوبات مقيدة للحرية.

و معيار التمييز بين العقوبات السالبة للحرية و العقوبات المقيدة للحرية هو درجة المساس بالحرية فالعقوبة السالبة للحرية تحرم المحكوم عليه من حريته بصفة مطلقة فهي الجزاء الأصيل الذي يسمح بإيلام الجاني إلى المدى الذي يحرّك ضميره و يجعله يندم وهو يسمح للدولة بإبعاد المجرم مؤقتا عن البيئة التي نشأ فيها و تجنيب المجتمع خطره ولو مؤقتا كما يجعله يخضع لأنظمة حازمة داخل السجن تجعله يتعلم احترام القانون و عدم التعدي على حقوق غيره كما قد تلطف غرائزه و ميولاته.

إلا أن “سلب الحرية و إن كان أمضى سلاح في يد الشارع لتقويم الجناة”[53] إلا أنه أسوأ سلاح إذا أسيء استعماله، وهو نفس الأمر بالنسبة للعقوبة المقيدة للحرية فكل وسيلة من وسائل مكافحة الجريمة إن زادت عن حدّها انقلبت فائدتها إلى ضرر و كما يقول الفقيه Jean Luck : “عندما ينتهي القانون يبدأ الطغيان”، فكل العقوبات يجب أن يقع حسن استعمالها فيما هي موجهة إليه فلا تزيد أو تنقص عن حدها، إذن بما أن العقوبات المقيدة للحرية تقتصر على فرض قيود على حرية المحكوم عليه فموضوعها ليس اعتقال المحكوم عليه ووضعه في السجن و إنما في مجرد تقييده في حريته لا حرمانه منها فهي تقضى خارج السجن و العقوبات المقيدة للحرية وردت في تشريعنا كعقوبات تكميلية و هي منع الإقامة و المراقبة الإدارية و الإقصاء،

و بالتمعن في هاته العقوبات الثلاث نجد أن منع الإقامة و المراقبة الإدارية يشتركان في الأحكام الخاصة بجزاء مخالفتهما كذلك هما يقتربان نوعا ما من حيث النظام القانوني لكليهما أما الإقصاء فهو يكون ضمن شروط معينة ووفق نظام قانوني خاص.

و عقوبة الإبعاد أو منع الإقامة هي من العقوبات التكميلية التي جعلت لسدّ النقص أو الفراغ الحاصل عند تطبيق عقوبة من العقوبات الأصلية و هي عبارة عن منع المحكوم عليه بهاته العقوبة من الدخول أو الجولان أو الإقامة أو الإستيطان بالمكان أو الجهة أو النقطة التي عينها الحاكم بحكمه و قد تكون هاته العقوبة أصلية و ذلك عند إعفاء الجاني من المحاكمة لقيام عذر منحه ذلك، فلا يحكم على الجاني بعقوبة أصلية لكن يمكن الحكم عليه بالإبعاد أصالة كما جاء بالفصل 134 و 192 مجلة جنائية و أقصى مدة منع إقامة كما جاء بالفصل 22 مجلة جنائية هي عشرون عاما، أما أقل ما يمكن الحكم به فإنه لا يكون إلا أشهرا رغما عن كون المجلة لم تشر لذلك… و من واجبات المجالس العدلية الحكم بالإبعاد في كل الصور التي جوز القانون الحكم فيها بذلك إذا ظهر لهم أن بقاء المحكوم عليه بمحل معين فيه مضرّة[54] .

فبمقارنة هاته العقوبة مع المراقبة الإدارية نجد أن الأخيرة تقوم على منع المحكوم عليه من مغادرة مكان معين أي إلزامه بالإقامة بجهة معينة تعينها السلطة الإدارية فالأولى منعه من الإقامة بجهة معينة و الثانية إلزامه بالإقامة بجهة معينة و عدم مغادرتها و هاتان العقوبتان مشتركتان في جزاء مخالفتهما، كما أن المشرع نصّ على عدم ضمّ عقوبة المراقبة الإدارية مع منع الإقامة حيث نصّ الفصل 58 م ج : “العقاب يمنع الإقامة و بالمراقبة الإدارية لا يضمّ بعضه ببعض” و يستروح من هذا الفصل أنه من المحجر على القاضي ضمّ عقوبة منع الإقامة مع المراقبة الإدارية فكل منهما تطبق على حدة.

و هذا الفصل ورد تحت باب توارد الجرائم و العقوبات و نجد في تشريعنا نوعين من التوارد : التوارد المثالي و التوارد المادي، و التوارد هو ارتكاب نفس الشخص لعدّة جرائم دون أن يفصل بينها حكم بات أي توفر وحدة المجرم و ارتكابه عددا من الجرائم لم يصدر حكم بات فيها.

و في التوارد المثالي نجد صورة الفعل الواحد المكون لعدّة جرائم إذ نجد فعلا إجراميا واحدا تتعدد أوصافه، كما نجد صورة تعدد الأفعال بحيث تكون هناك جرائم مرتبطة ارتباطا غير قابل للتجزئة ببعضها مع توفر وحدة المقصد الذي ارتكبت لأجله. و يكون العقاب المقرر في الحالتين هو العقاب الأشدّ.

أما التوارد المادي فهو يقتضي تعددا في الجرائم و هاته الجرائم المتعددة يجب أن تكون متباينة فيما بينها، و يطرح التوارد المادي إمكانية ضمّ العقوبات حين نجد أن القاضي مخيّر في الضمّ باستثناء بعض الحالات حيث نصّ الفصل 56 م ج أنه “لا تضمّ العقوبات لبعضها إلا إذا حكم الحاكم بخلاف ذلك”.

إذن في الحالات التي يوجب فيها الحكم بمنع الإقامة و بالمراقبة الإدارية فإنه يجب على القاضي أن يحكم بهذين الجزائين و يجب أن تنفذا على المحكوم عليه.

و يمكن أن يكون المبرر في ذلك أن كلا من الجزائين يضمن حسن تطبيق الآخر فمن المعلوم أن المراقبة الإدارية تتمثل في وجوب أن يتصل المحكوم عليه بها مرّة أو مرتين في اليوم بمركز الشرطة المعين له لإيداع إمضائه على دفتر معدّ لذلك… و هذه الشكلية ضرورية لضمان حسن تطبيق منع الإقامة باعتبار أن إلزام المحكوم عليه بالإتصال بمركز الشرطة المعين له يضمن عدم مغادرة الشخص للمكان المعين له و يثبت عدم تحوله للأماكن المحجر عليه الإقامة و الظهور بها[55].

أما عقوبة الإقصاء فهي من أشدّ العقوبات التكميلية وطأة على حرية المحكوم عليه.

و هاته العقوبة لم تكن موجودة في أول صيغة للمجلة الجزائية سنة 1913 إذ أدخلها المشرع لأول مرة غداة الإستقلال بموجب المرسوم عدد 41 لسنة 1964 المؤرخ في 30 مارس 1964، لكن الأحكام المتشددة لتلك العقوبة و خاصة طابعها الإجباري و تأثيراتها السلبية أدّت بالمشرع إلى التدخل سنة 1973 بموجب القانون عدد 76 المؤرخ في 8 ديسمبر 1973 ليجعل منها عقوبة اختيارية خاضعة للسلطة التقديرية للقاضي وليمكـن المحكوم عليه بالإقصاء من المطالبة بالإعفاء عنه عندما يثبت حسن سلوكه و قدرتـه على توفير العيش الكريم[56] ، ويعتبر الأستاذ Le Bayon أن جعل الإقصاء عقوبة تكميليـة جوازيـة يعدّ من أهم التجديدات التي جاء بها قانون 1973 باعتباره قد مكن القاضي من تفريد هذا الجزاء ليتلائم و شخصية المجرم، و هذا التجديد قد أعطى للإقصاء وجها جديدا[57]. (1)

و يعرف الفصل الأول من القانون المنظم لهاته العقوبة الإقصاء بأنه : “عقوبة تكميلية تهمّ الحق العام، مدتها غير محددة و تقضى بمؤسسة شغل يعينها وزير الداخلية”.

و يتمثل الإقصاء في إيداع المحكوم عليه بمؤسسة معينة للشغل و لها طابع ملائم لتقويم الإنحراف وهو ما يجعلها تهدف إلى التعامل مع الخطورة الإجرامية للجاني بقصد إصلاحه وتقويم سلوكه[58]، لذلك فهو لا يتسلط إلا على المجرمين العائدين المرتكبين لجرائم خطيرة.

إذ يشترط لتطبيق هاته العقوبة أن يكون المحكوم عليه قد تعرض لمحاكمات سابقة، و كلما كانت الجريمة جسيمة كلما تقلص عدد المحاكمات المشترط لإمكان الحكم بالإقصاء، فالحالات التي يحكم فيها بالإقصاء تأخذ بعين الإعتبار الخطورة التي يمكن أن يكون عليها المجرم، إذ ترتبط بعدد و جسامة الأحكام المنطوق بها ضدّ المجرم.

و عقوبة الإقصاء تسلّط على المجرم الذي اتضحت عدم قابليته للإصلاح أو صعوبة إصلاحه و ذلك حسب الأستاذ Le Bayon [59]، وهو الأساس الذي قام عليه كل النظام القانوني لعقوبة الإقصاء، فهي عقوبة تخصّ في جل جوانب نظامها القانوني المجرمين العائدين الغير قابلين للإصلاح.

نصّ الفصل 5 من قانون 1973 : “لا تسلط عقوبة الإقصاء على النساء و لا على الأشخاص الذين تجاوزوا سنّ الستين و لا على القصر الذين لم يبلغوا سنّ العشرين”. و الملاحظ أنّ سنّ الرشد المعتمد هو المدني لا الجزائي[60] .

إذن الجدير بالملاحظة أن عقوبة الإقصاء بعيدة كلّ البعد عن عقوبتي منع الإقامة و المراقبة الإدارية، فهي و إن كانت تشترك معهما في وجوب توفر الخطورة الإجرامية إلا أنها تعتبر خاصة بالحالات التي تكون فيها الخطورة الإجرامية شديدة بحيث يكون من الصعب جدّا الحدّ منها، لذلك وجب استئصال المجرم من المجموعة الاجتماعية و إبعاده، فهي تستهدف نوعية خاصة من المجرمين.

و قد كانت وظيفة الإقصاء هي الاستئصال الجذري للمجرم المعتاد، ثمّ تغيرت هاته الوظيفة فلم تهدف للاستئصال فقط بل أيضا إصلاح و تقويم المجرم. و لقد تبنى المشرع التونسي فكرة إصلاح المجرم المعتاد و تأهيله لإعادة إدماجه في المجتمع منذ سنّ المرسوم عدد 14 لسنة 1964 المؤرخ في 30 مارس 1964 الذي جعل هذه العقوبة سالبة للحرية إذ أصبحت تقضى بمؤسسة عقابية خاصة : “الهوارب”[61] .

والفرق بين العقوبتين واضح، فالمراقبة الإدارية مقيدة للحرية لا سالبة لها و لا جدال في وصفها فهي ضرب من ضروب الإقامة الجبرية يخضع خلالها الشخص المسلط عليه العقوبـة إلى مراقبة لصيقة من البوليس طيلة ردهات اليوم و الغاية منها هي ملاحظة المحكوم عليه وتتبع حركاته بالنظر لخطورته الإجرامية من جهة و حرصا على تجنيبه مخاطر الانزلاق في العود ثانية و التثبت من مدى إصلاحه و تهيؤه للاندماج من جديد في المجتمع من جهة ثالثة وهي بذلك لها وقع كبير على حرية المحكوم عليه لا يقلّ شأنا عن وقع العقاب السالب للحرية رغم كونها تقض في الوسط المفتوح و ذلك بحكم التقييد الكبير للحرية و حق المصالح الساهرة على تنفيذ العقوبة في تغيير مكان الإقامة في أي وقت دون استشارة المعني بالأمر و ذلك باسم المصلحة و الضرورة الأمنية إلى جانب عدم جواز مبارحة المحكوم عليه المكان الذي حددت فيه إقامته دون رخصة[62] .

الفقرة الثانية : عقوبة ذات وظيفة رقابية

عند محاولة تحديد الطبيعة القانونية للعقوبة التكميلية يجد الباحث نفسه عاجزا عن التفرقة بين العقوبة والتدبير الاحترازي نظرا للتقارب والتشابه بينهما وهو ما جعل العديد من الفقهاء يذهب إلى المناداة بتوحيدهما في نظام واحد للجزاءات الجنائية بحيث يجد القاضي مجموعة من الجزاءات يستطيع ان يختار من بينها ما يتلائم وشخصية المحكوم عليه. إلا أن التشابه بين العقوبة والتدبير لا يعني انعدام أي فارق بينهما إذ أن هذه الفوارق هي التي جعلت الفصل بين الفكرتين أمرا لازما حتى بالنسبة للتشريعات التي اقتصرت على أحدهما دون الآخر[63].

كما أن أقطاب الاتحاد الدولي للقانون الجنائي كانوا أميل الى فكرة الفصل بين العقوبات وتدابير الوقاية في نظامين مستقلين منه الى فكرة إدماج هذه وتلك معا في نظام واحد و أول شكل تشريعي للتفرقة بينهما كان في القرن 19 في مشروع المجلة الجنائية السويسرية الذي ضمن التدبير الاحترازي الى جانب العقوبة كوسيلة ثانية لرد الفعل الاجتماعي ضد الجريمة وتحريض غالبية التشريعات على الاعتراف بالنظامين معا أما صراحة كالتشريع الايطالي والسويسري واليوناني وأما ضمنا كالتشريع المصري والفرنسي.

ويمكن القول ان العقوبة التكميلية هي اقرب لتدبير الاحتراز منها إلى العقوبة في مفهومها التقليدي وذلك على المستوى الوظيفي ومن هذا المنطلق يمكن القول أن المراقبة الإدارية هي تدبير احترازي له خصوصية وظيفية إذ بالرجوع إلى عرض هاته العقوبة والغاية من إقرارها نجد انها مجردة من الوظيفة الأدبية فالجزاء الجنائي في صورتيه أي العقوبة والتدبير الاحترازي يستهدف غرضا بعيدا وهو مكافحة الجريمة فوظائف العقوبة نوعان:

وظيفة أدبية الهدف منها إرضاء المشاعر التي أهاجها الجاني بجريمته
وظيفة نفعية الغاية منها حماية المجتمع عن طريق منع المجرم من معاودته جريمته.

أما وظائف التدابير الاحترازية فهي وقاية المجتمع إذ باعتبارها تدابير أمنية فهي تحقق الأمن وهو يتجه إلى المستقبل ليمنع خطرا محتملا قد يوقعه المجرم على المجتمع فالوظيفة الأدبية للعقوبة تقتضي أن يتبع كل فعل إجرامي جزاء، فهي قصاص اجتماعي تتطلبه الأخلاق ليعيد التوازن إلى النظام القانوني الذي أصابه الاضطراب بسبب الجريمة[64].

أما العقوبة التكميلية فهي مجردة من الوظيفة الأخلاقية وهي مجرد أسلوب دفاع اجتماعي فلو كانت تتضمن هذا الفحوى الأخلاقي لنص المشرع على وجوب الحكم بها او النص عليها كعقوبة تبعية توقع بقوة القانون دون لزوم النطق بها في نص الحكم إذ هاته العقوبة لا تقابل الخطأ وإنما تقابل الخطورة الإجرامية الكامنة فيه ولقد أعطى المشرع سلطة واسعة للقاضي في النطق بها من عدمه فان ارتأى أن المجرم لن يعود إلى الجريمة مستقبلا فإنه يمكنه أن لا يحكم بها لذلك نجد أن القضاء التونسي لا يلجا إلى مثل هذه العقوبات إلا نادرا وعندما يستوجبها المشرع.

إذن يمكننا القول أن هاته العقوبة تضطلع بوظيفة نفعية باعتبارها عقوبة تكميلية أما العقوبة الأصلية فتضطلع بوظيفة أدبية وهاته الأخيرة تقوم على فكرة الألم والتكفير عن طريق المقابل الذي يختلف تبعا لجسامة الخطأ، أما الوظيفة النفعية فتقوم على فكرة الدفاع الاجتماعي عن طريق تجنب الخطوة الإجرامية او القضاء عليها فالهدف هو كفالة حماية المجتمع ضدّ مخاطر الأفعال الإجرامية المستقبلية عن طريق تقييد حرية المجرم.

إلا أن هذا الهدف النفعي المتجه إلى المستقبل يتميز بشيء من الخصوصية ذلك أن هاته العقوبة لا تتضمن فكرة الإصلاح والتقويم والتأهيل او العلاج لإعادة إدماج الجاني في المجتمع وأنها تهدف أساسا الى تحييده وشله عن اتيان اي نشاط اجرامي في المستقبل فالوظيفة النفعية للمراقبة هي رقابة منع الجاني من اعادة جريمته وتجدر الاشارة ان في الرجوع الى افكار المدرسة الوضعية كبناء فكري استقى منه المشرعون مضامين تلك العقوبات اذ يعتبر الفقيه برادال ان المشرع الفرنسي قد تاثر بافكار المدرسة الوضعية في تقنينه للعقوبات التكميلية وقد تاثر المشرع التونسي بطريقة غير مباشرة بتلك الافكار وذلك لان المجلة الجنائية اشتقت اغلب نصوصها من القانون الجنائي الفرنسي اخذة بذلك باحدث النظريات السائدة في الدول الاوروبية ومما يؤكد ذلك ما جاء بملخص تقرير اللجنة التي سهرت على تقنين المجلة الجنائية التونسية والذي انبنى عليه القانون الجنائي التونسي حيث جاء به :” وهكذا استوحت اللجنة نصيبا من اعمالها من القانون الاوروبي وبالخصوص القانون الفرنسي الذي استمدت منه عناصر البرنامج العام لتحرير اللائحة… والعقوبات التكميلية والتحجير “[65] .

إذن يمكن القول أن العقوبات التكميلية تكتسي طبيعة تدابير الاحتراز فقد جاء في تقرير نفس اللجنة انه فيما يتعلق بالعقوبات التكميلية كتحجير الإقامة والمراقبة الإدارية والحرمان من بعض الحقوق ونشر الأحكام فقد نضمت المحكمة الجنائية التونسية نصوصا جديدة لا اصل لها بالتشريع الإسلامي وإنما وقع اقتباسها من المجلة الفرنسية وهي لا تعتبر في الحقيقة عقوبات بكل معنى الكلمة انما هي نتائج مرتبطة بمقتضى القانون بالعقاب الأصلي وذلك لفائدة المجتمع وضمانا له، ويتجه الفقه الجنائي السائد الى اعتبارها تدابير احترازية مثل الأستاذ الفرشيشي والأستاذ الهادي الأخوة والأستاذ رضا المزغني وعماد الدين فرحات وكحلاوي علجية كذلك الفقه المقارن مثل JEAN Pradel و Vitu و Levasseur ومحمود نجيب حسني وعلى عبد القادر القهوجي.

وتجدر الملاحظة ان اغلب الجزاءات التي نص عليها كعقوبات تكميلية في القانون التونسي و الفرنسي وقع التنصيص عليها كتدابير امن في القوانين الجنائية الخاصة كالتشريع السوفياتي والفنزويلي والتشيلي والكولمبي والجدير بالذكر أن هاته الجزاءات منها ماهو استئصالي ومنها ما هو تاهيلي ومنها ما هو ابعادي ومنها الرقابي والتحجيري ونجد انه هناك بعض الوضعيات الاجرامية التي تفرض عدم لزوم استئصال المجرم لعدم توفر الشروط الواجبة للاقصاء أوعدم لزوم تاهيله بطريق التشغيل الإصلاحي لتوفر الإحساس بقيمة العمل واهميته وتعوده عليه وخضوعه لنظمه او عدم لزوم ابعاده لعدم توفر وسط اجرامي فاسد يؤثر فيه لكن مع ذلك يتوفر في الجاني احتمال عودته لارتكاب الجريمة في المستقبل

اما بسبب ماضيه الاجرامي أو طريقة عيشه أو نمط سلوكه الغير المستقر أو لعدم التوازن النفسي في شخصيته لذلك يكون لزاما الاحتياط من المجرم، ونكون بذلك حققنا التوقي من المجرم وبالتالي حماية المجتمع، فمن حق المجتمع أن يخشى ترك المحكوم عليه بعد قضاءه لعقوبته ينتقل بكل حريته على الاقليم فالاحتياط يفرض اخضاعه للرقابة.

ولقد اختلفت الآراء بشأن الطبيعة القانونية لنظام المراقبة على اتجاهين يرى اولهما ان عقوبة مراقبة الشرطة ليست في حقيقتها عقوبة بل مجرد تدبير احترازي في حين ذهب الاتجاه الاخر الى ضرورة قصر طبيعتها كتدبير على الحالة التي تطبق فيها على المتشردين و المشتبه فيهم باعتبار ان الغرض من تطبيقها في هاتين الحالتين هو وقاية المجتمع من حالة خطرة فحسب وليس التكفير عن جريمة وقعت لكنها تحتفظ بوصف العقوبة في غير ذلك من الاحوال التي اعتبرها فيها المشرع عقوبة تكميلية او تبعية[66].

وعندما اخذت الثورة الفرنسية بمراقبة الشرطة في السنة 13 من الثورة كانت مجرد تدبير اداري ثم تبناها المشرع الفرنسي عند صدور المجلة الجنائية سنة 1810 كعقوبة تبعية بالرغم من كون المحكوم عليه قد دفع ديته تجاه المجتمع وطهر بذلك حسابه حسب الاستاذ Levasseur، فان مراقبته ضرورية عند استرجاعه حريته وتبرير ذلك يكمن في الخشية من اقدامه على جريمة اخرى في المستقبل.

وقد حبذت المدرسة الوضعية هذا النظام ودافعت عنه كما تبناه المشرع في الفصل 5 من المجلة الجنائية وهي تتمثل اساسا في عدم افلات المحكوم عليه عن اعين الشرطة وتتبع حركاته وسكناته حتى يحصل لها العلم باي انحراف في سلوكه وانه سيقع الاشتباه فيه بمجرد وقوع جريمة جسيمة في دائرة المكان الذي يوجد به و لعدم تمكينه من ارتكاب الجريمة في الوقت المناسب، لذلك خول المشرع لوزارة الداخلية حق تعيين مكان اقامة المحكوم عليه عند انقضاء مدة عقابه وبذلك يلزم بالبقاء تحت نظر رجال الامن لتسهيل عملية مراقبته.

اذن فالوظيفة التي تضطلع بها المراقبة الادارية تتجه للمستقبل قصد درء الخطورة الاجرامية للجاني وشل نشاطه كما ان مراقبته الفعلية تمكن الشرطة من منعه من تحقيق النتيجة الاجرامية قبل وقوعها.

إذن فالمشرع قد تبنى هذا الجزاء كتدبير احترازي وما يثبت ذلك ما ورد بملخص تقرير اللجنة التي سهرت على تقنين المجلة الجنائية حيث اشتمل هذا التقرير على ملاحظات مفادها ان هذا الجزاء جعل لفائدة المجتمع وضمانا له حيث ان المشرع قصد بها تتبع الجاني بعد سراحه و مراقبة افعاله بالمكان المفروض عليه الاقامة به[67].

وقد اعتبر الفقيه هنري قيو أن عقوبة المراقبة الادارية ذات وظيفة نفعية فقط حيث ان الوضع تحت المرافبة الادارية موكول لاجتهاد الحاكم واعتماده يكون على المنفعة الحاصلة من وضع الجاني تحت المراقبة وعلى جراءة هذا الأخير[68] .

كما اعتمد الدكتور احمد بن عبد العزيز الألفي أن مراقبة البوليس هو في حقيقته تدبير وقائي تحفظي فهو يستهدف التحرز من ان يقدم شخص يوجد مبرر للخشية منه على ارتكاب جريمة في المستقبل وذلك بوضع المحكوم عليه بالمراقبة تحت نظر البوليس حتى تتيسر ملاحظته [69].

ولقد اعتبر القانون الجنائي الليبي في المادة 144 منه و القانون الجنائي اللبناني في المادة 84 منه المراقبة الادارية تدبيرا احترازيا.

وما يجدر الاشارة اليه هو ان المراقبة الادارية لا يمكن ان تكون الا تدبيرا احترازيا يقوم على الخطورة الاجرامية خاصة اذا ما قاربنا بينها وبين العديد من الانظمة التي تعد كتدابير امن بامتياز مثال نظام الحرية المحروسة التي يخضع لها الاحداث.

يتضح ارتباط هاته العقوبة بالخطورة الاجرامية فغاية المشرع من وضعها هي تلافي الخطورة الاجرامية للمجرم والتحوط من احتمال ارتكابه لجريمة اخرى نظرا للحالة الخطرة التي يمكن ان يكون عليها فهي وسيلة اعدت لمنع العود الى ارتكاب الجرائم وتمكين الادارة من ملاحظة الأشخاص الذين ينم ماضيهم عن خطر يهدد الهيئة الاجتماعية[70] فبالرغم من ان قانون العقوبات يصفها على انها عقوبة غير انها بطبيعتها وبالغرض المقصود منها هي اقرب الى ان تكون تدبيرا من تدابير الامن من ان تكون عقوبة جنائية لان علتها الخطر الذي ينذر ماضي المحكوم عليه بوقوعه على الهيئة الاجتماعية ومع ذلك فلا تزال المراقبة معتبرة من العقوبات[71] فمراقبة البوليس تعد من تطبيقات فكرة تدابير الوقاية التي ترمي اساسا الى حماية المجتمع من الخطيرين عليه[72] .

فالمجرم يوضع تحت ملاحظة الشرطة مدة معينة للتحقق من سلوكه ومنعه من ارتكاب الجرائم بما في ذلك من تقييده بالاقامة في مكان معين وغير ذلك من القيود التي تساعد على تحقيق هذه الغاية فهي عقوبة مقيدة للحرية تنفذ خارج السجون تستهدف فرض القيود على حرية المحكوم عليه بغية اخضاعه لاشراف السلطات العامة كي تحول بينه وبين ان يوجد في ظروف من شانها ان تغريه بارتكاب جريمة تالية ومن ثم فان هدفها هو احتمال الاقدام على جريمة تالية اي مواجهة خطورة إجرامية[73] وبالتالي فهي تدبيراحترازي اصطلح عليه المشرع بالعقوبة وهي تتخذ صورا متعددة وحالات مختلفة فهي مميزة في خصائصها القانونية اذ هي من العقوبات النادرة التي يمكن ان نصادفها كعقوبة اصلية او تكميلية[74] .

المبحث الثاني : الطبيعة القانونية لعقوبة المراقبة
تسلط عقوبة المراقبة الادارية على بعض الجنايات والجنح دون المخالفات وبالعودة للفصل 5 م ج نجد انها مبدئيا عقوبة تكميلية (فقرة1) وقد تكون عقوبة تبعية (فقرة2) كما قد تكون استثنائيا عقوبة اصلية (فقرة3).

فقرة أولى: المراقبة الإدارية عقوبة تكميلية

العقوبة التكميلية لا تلحق المحكوم عليه حتما وبقوة القانون وانما يجب لذلك ان ينص عليها القانون صراحة اما بصفة وجوبية او اختيارية, فتكون المراقبة الادارية عقوبة تكميلية عند ما يقع التنصيص عليها صراحة بهذه الصفة بحيث يكون مصدرها القانون وتحتاج الى حكم قضائي حتى يمكن تنفيذها وذلك بعد انتهاء تنفيذ العقوبة السالبة للحرية فهي اذن لا يمكن ان توقع بمفردها, والمراقبة الادارية بوصفها عقوبة تكميلية تاخذ احدى الصورتين.

عقوبة تكميلية اجبارية يكون الحكم بالمراقبة وجوبيا متى نص القانون على ذلك وعلى سبيل الذكر نذكر الفصل 189 م ج “يتحتم العمل في الصور المقررة بالفصل من 185 الى 188 بدخول الغاية بالعقوبات التكميلية المقررة بالفصل 5”
وهاته الفصول تخص تدليس وتغيير العملة, فقي هاته الحالة وجب الحكم بالمراقبة الادارية او بغيرها من العقوبات التكميلية ونستشف هذا الوجوب من عبارة “يتحتم”.

و في القانون المصري تكون هاته العقوبة وجوبية في حال جريمتي العود للتشرد والعود للاشتباه فقد نصت المادة السادسة فقرة 1 و 2 من القانون رقم 24 لسنة 1923 الى انه ” من بقي في حالة تشرد رغم انذار البوليس او من عاد الى تلك الحالة في خلال 3 سنوات من تاريخ الانذار يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على 3 شهور وبوضعه تحت مراقبة البوليس لمدة لا تزيد على سنة واحدة فاذا عاد الى حالة التشرد خلال 3 سنوات من تاريخ انقضاء مدة العقوبة عوقب بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين وذلك بغير حاجة الى انذار سابق ”

ويستفاد من هذا النص انه يجب على القاضي مراعاة الحكم بالمراقبة في هذه الحالة والا كان حكمه مشتملا على خطا في تطبيق القانون ولمحكمة النقض تصحيح خطئه والحكم بالمراقبة والقانون يحدد مدة هذه المراقبة عن كل جريمة فجعل الحد الادنى سنة واحدة والحد الاقصى سنتين كما يجوز للقاضي ان يعفي المحكوم عليه منها[75] .

عقوبة تكميلية اختيارية : ونذكر هنا الفصل 16 من القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18/05/1992 والمتعلق بالمخدرات :” يمكن للمحكمة المختصة ان تاذن الى جانب العقوبات الاصلية بفرض المراقبة الادارية” .
ونستشف من هذا النص انه يمكن للقاضي ان يحكم بها مع العقوبة الاصلية او لا يقضي بها، فالامر موكول له ولسلطته التقديرية فالمشرع باستعماله عبارة “يمكن للمحكمة” جعل ايقاع هذا العقاب مجرد امكانية مرتبطة بسلطة القاضي التقديرية إما يختار النطق بها او لا يختار.

والمشرع المصري اجاز للقاضي ان يحكم بالمراقبة في حالة العود للسرقة او النصب وفي حالة قتل المواشي او الاضرار بها اوسمها او حالة اتلاف مزروعات بدون ظروف مشددة وتكون مدتها من سنة الى سنتين وللقاضي ايضا سلطة تقديرية في مدتها .

ونلاحظ هنا ان مشرعنا ترك للقاضي سلطة واسعة في فرض العقوبة من عدمه اما المشرع المصري فقد اوكل للقاضي مهمة تقدير اقرار العقوبة من عدمه وكذلك مهمة تقدير المدة المحكوم بها.

الفقرة الثانية : مراقبة الإدارية عقوبة تبعية

تكون المراقبة الادارية عقوبة تبعية عندما يكون مصدرها القانون وذلك من غير الحاجة الى حكم القاضي بها ، وعليه فانها تكون اصالة من غير احتياج لحكم الحاكم[76] . ولقد نص الفصل 26 م ج” في صورة الحكم بالعقاب الصادر تطبيقا لأحكام

الفصول 60 الى 79 او الفصول 231 الى 235 من هذه المجلة او الصادر من اجل مخالفة التشريع المتعلق بالمخدرات تتحتم المراقبة الادارية مدة 10 عشرة اعوام الا اذا قضت المحكمة بخلاف ذلك” ويستخلص من هذا الفصل ان المشرع حتم المراقبة الادارية لمدة 10 اعوام في صورة الحكم بالعقاب في جرائم المخدرات وذلك من غير احتياج الى حكم القاضي بها الا ان المشرع اعطى للقاضي حق الاعفاء منها او الحط من مدتها بشرط التصريح بذلك في حكمه فان هو سكت او غفل عن ذلك فان ادارة السجون تكون مجبرة على تنفيذ كامل المدة[77] .

نذكر كذلك الفصل 25 من القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10/12/2003المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الارهاب و منع غسل الاموال يتحتم الحكم بالمراقبة الادارية على مرتكبي الجرائم الارهابية مدة لا تقل من خمسة اعوام ولا تفوق عشرة اعوام …”

و قد كان هذا التنصيص وارد بالمجلة الجنائية بالفصل 52 مكرر الذي كان ينصّ : “يعاقب مرتكب الجريمة المتصفة بالإرهابية بالعقاب المقرر للجريمة نفسها و لا يمكن النزول به إلى ما دون النصف… و تتحتم المراقبة الإدارية لمدة خمسة أعوام و لا يمكن ضمّ العقوبات لبعضها”.

و قد كان هذا الفصل يمثل الحالة الوحيدة التي تنعدم فيها سلطة القاضي في خصوص توقيع العقوبة و نوعها و مدتها فيصبح مجرد مطبق و ذلك يعزى إلى افتراض المشرع للحالة الخطيرة المتعلقة بجرائم الإرهاب[78].

وفي القانون المصري تكون هاته العقوبة تبعية اذا حكم على الجاني بالاشغال الشاقة او بالسجن لجناية مخلة بامن الحكومة او تزييف نقود او سرقة او قتل او لجناية قتل الحيوانات والدواب بدون مقتضى او لجناية اتلاف زراعة وتكون مساوية لمدة العقوبة الاصلية بشرط الا تزيد على خمسة سنين وللقاضي ان يعفي المتهم منها كلها او بعضها ,كما تكون عقوبة تبعية اذا عفي عن محكوم عليه بالاشغال الشاقة المؤبدة او بدلت عقوبته فعندئذ يجب وضعه حتما تحت المراقبة البوليس مدة 5 سنين[79] (2) .

اذن يقضى بهاته العقوبة كعقوبة تبعية في حالتين :

المادة 28عقوبات : ” كل من يحكم عليه بالاشغال الشاقة او السجن لجناية مخلة بامن الحكومة او تزييف نقود او سرقة او قتل في الاحوال المبينة في الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات او الجناية من المنصوص عليها في المواد 354 ، 366، 368 ويجب وضعه بعد انقضاء مدة عقوبته تحت مراقبة البوليس مدة مساوية لمدة عقوبته بدون ان تزيد مدة المراقبة على خمسة سنين ومع ذلك يجوز للقاضي ان يخصص مدة المراقبة او يقضي بعدمها جملة” ولهذه الحالة من شروطها ان تكون قد حكم على المتهم باحدى عقوبتين اصليتين هما الاشغال الشاقة والسجن وان تكون العقوبة من حكم بها من اجل احدى جرائم يحددها على سبيل الحصر في المادة 234 عقوبات وهي الجنايات المخلة بامن الدولة وتزييف النقود وجنايات السرقة والقتل وجنايات قتل الحيوانات واتلاف المزروعات ومدة المراقبة في هذه الحالة معادلة لمدة العقوبة بحد اقصى 5 سنوات وهي جوازية للقاضي[80] ويلاحظ ان الشروع في الجنايات المذكورة يستلزم المراقبة متى كان الحكم صادر بالاشغال الشاقة او السجن ومع ذلك يجوز للقاضي ان يخفض مدة المراقبة اوان يقضي بعدمها جملة[81] .
المادة75 /2 عقوبات ” اذ عفي عن المحكوم عليه بالاشغال الشاقة المؤبدة او بدلت عقوبته وجب وضعه حتما تحت مراقبة البوليس مدة 5 سنين ما لم ينص قرار العفو على خلاف ذلك” ومن ثم فان مناط الحكم بالمراقبة في هذه الحالة هو ما ورد بقرار العفو فيجوز ان يخفض قرار العفو المدة او يستبعد المراقبة اطلاقا فالمراقبة لا فائدة منها كعقوبة تبعية لعقوبة مؤبدة الا في حالة العفو عن المحكوم عليه بالاشغال الشاقة المؤبدة او ابدال عقوبته رغم ان نص المادة 28 يجعل منها عقوبة تبعية لكل حكم بالاشغال الشاقة سواء كانت مؤقتة او مؤبدة.

المراقبة في هاتين الحالتين عقوبة تبعية لانها تترتب حتما بقوة القانون ولا تحتاج من توقيعها الى حكم من القضاء كما انها اختيارية اذ يجوز للقاضي ان يقضي حكمه بتخفيض مدتها او بعدمها .ان المراقبة المفروضة في الحالة الاولى يتحملها المحكوم عليهم لجرائم معينة بالنص ولمدة مساوية لمدة العقوبة بدون ان تزيد على 5 سنين اما المراقبة المفروضة في الحالة الثانية فهي لا تفرض الا عند العفو عن المحكوم عليه بعقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة ولاية جناية بغض النظر

عن وصفها وذلك عقب صدور الحكم بها او أثناء تنفيذها وقد حدد القانون أمدها بـ 5 سنوات[82]

الفقرة الثالثة : المراقبة الإدارية عقوبة اصلية

يمكن للمراقبة الإدارية ان تكون وبصفة استثنائية عقوبة اصلية وذلك اذا كان القانون ينص على الحكم بها وحدها دون ان يكون هناك بالضرورة حكم سابق صادر بتوقيع عقوبة اصلية ومثال ذلك الفصل 192 م ج ” يعفى من العقوبات الاشخاص المرتكبون للجرائم المقررة بالفصل 185 الى 188 بدخول الغاية الذين قبل اتمام تلك الجرائم و قبل كل المحاكمات عرفوا بها وبفاعلها للحكومة او الذين ولو بعد ابتداء المحاكمات او قعوا القبض على المجرمين الاخرين لكن يمكن الحكم عليهم بمنع الاقامة او يجعلهم تحت المراقبة الادارية ” والفصول من 185 الى 188 تخص تدليس وتغيير العملة. كذلك نسوق مثال الفصل 26 من القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الارهاب ومنع غسل الاموال من انه لا شيء يمنع المحكمة من وضع دي الشبهة الذي ابلغ السلط بارشادات او معلومات مكنت من اكتشاف الجريمة الارهابية وتفادي تنفيذها وترتب على ذلك اعفاؤه من العقوبات تحت المراقبة الادارية لمدة لا يمكن في كل الاحوال ان تتجاوز 5 سنوات.

ويجدر التذكير انه يتعذر في بعض الاحيان التفريق بين المراقبة الادارية كعقوبة تبعية والمراقبة الادارية كعقوبة تكميلية فلوعدنا للفصل 26 م ج لوجدنا انه ينص على ان مخالفة التشريع المتعلق بالمخدرات تتم من اجلها المراقبة الادارية لمدة 10 اعوام بما جعل تلك العقوبة عقوبة تبعية في حين نرى الفصل 16 من القانون عدد 52 لسنة 1992 ينص على امكانية ان تفرض المحكمة المراقبة الادارية على المحكوم عليه لمدة 10 سنوات وبالتالي فان العقوبة تبدو وفق هذا النص تكميلية اختيارية لا غير [83].

ولقد اعتبر المشرع المصري ان عقوبة المراقبة الادارية تكون اصلية في جريمتي التشرد الاشتباه ويجب ان يقضي المحكوم عليه مدة هذه المراقبة في جهة معينة في الاراضي المصرية وتعد هذه المراقبة مماثلة لعقوبة الحبس فيما يتعلق بتطبيق احكام قانون العقوبات و قانون تحقيق الجنايات[84] ، وهي اما ان يقضى بها منفردة او يقضى بها مع الحبس في حالة العود الى التشرد او الاشتباه وان كان هناك راي يعتبرها في حالة العود للاشتباه او التشرد عقوبة تكميلية[85] ، والملاحظ أن المشرع تارة يترك للقاضي سلطة الاجتهاد المطلق في توقيع العقوبة من عدمها وتارة اخرى يقيده في تطبيقها ويترك له الاجتهاد في مدتها.

فالحكم بالمراقبة الإدارية لا يكون إلا عند وجود النص القاضي بتطبيق هاته العقوبة، إلا أنها تطبيقها تارة يكون واجبا و أخرى اختيارية و يكون واجبا متى نصّ القانون على الوجوب و يكون اختياريا متى جعل الخيار للحاكم في الحكم بها من عدمه.

فالملاحظ ان نظام العقوبة التكميلية يتميز بمرونة كبيرة على مستوى مبدا توقيعها او تحديد نوعها او تحديد مدتها اذ نجد عقوبات تكميلية اختيارية حيث يخير القاضي بين الحكم وعدم الحكم بها فان لم ينطق بها فذلك لانه لا يرى فائدة من توقيعها ويكون حكمه غير قابل للنقض وعليه فان عقوبة المراقبة لا تنطبق الا متى ثبتت الخطورة الاجرامية في جانب مرتكب الجريمة فهي ليست ذات تطبيق الي او وجوبي فرغم تكييف المشرع المراقبة الادارية على انها عقوبة تكميلية فهذا لا ينزع عنها طبيعتها كتدبير احترازي فالمشرع قد افترض تواجد الخطورة الاجرامية في مرتكب نوع معين من الجرائم وتكون العقوبة مرتبطة بها وجودا او عدما.

ويكون التسليط الوجوبي مجردا للقاضي من سلطته التقديرية ليصبح مجرد مصرح بالعقاب التكميلي[86] ففي الفصل 25 من القانون عدد 75 المؤرخ في 10/12/2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الارهاب ومنع غسل الاموال و الفصل 189 مجلة جنائية اوجب المشرع على القاضي تسليط العقوبة التكميلية فان لم يقم بذلك اصبح حكمه معيبا فسلطة القاضي هنا مقيدة ولا تتسع الى اجتهاده فهو مصرح بالعقاب غير فاعل فيه فلا يجوز له التغافل عن النطق به ولا يجوز له ان يغير الوسيلة المنصوص عليها من قبل المشرع في النص القانوني، ففي الفصل 25 المتعلق بقانون الارهاب فان المشرع وضع عقوبة وجوبية من حيث مبدا توقيعها و نوعها الا انه ترك للقاضي سلطة تقديرية في خصوص مدتها فاكتفى بوضع الحدين الادنى والاقصى فالقاضي يمكنه التصرف في مدة العقاب فقط بان يجتهد بين الحد الادنى والحد الاقصى.

أما الفصل 189 م ج فنجد ان العقوبة وجوبية من حيث مبدا توقيعها الا ان القاضي يحتفظ بسلطته التقديرية في خصوص نوعها ومدتها وهو تقييد جزئي بما انه لا ينصب سوى على مبدا توقيع العقوبة فالقاضي يتحتم عليه توقيع العقوبة التكميلية الا انه غير ملزم بنوع محدد من انواع العقاب التكميلي ولا هو ملزم بمدة محددة لا يجوز له ان يتعداها او ينزل عنها ونجد هاته السلطة الواسعة للقاضي تتمظهر كذلك في الفصول 135 ، 178 ، 179 من المجلة الجزائية و هي تخصّ جرائم الزور وجرائم تقليد طابع او استعماله باطلا وجرائم تغيير وتدليس السكة وقد اقرت محكمة التعقيب هذا المبدا في قرار مؤرخ سنة 1982 “العقاب التكميلي واجب التسليط مع العقاب الاصلي في جرائم التدليس وسهو المحكمة عنه يوجب نقض الحكم.

وفي هذه الحالات المشرع يضع قرينة غير قابلة للدحض في ان الميل الاجرامي ثابت في مرتكبي هاته الجرائم وذلك نظرا للحق المعتدى عليه وفيه دليل على تضلع الجاني في الاجرام

وفي غير هاته الحالات التي يكون فيها تسليط العقوبة وجوبيا نجد حالات اخرى يكون فيها التسليط اختياريا وهذا هو المبدا اي ان يكون تسليط العقوبة التكميلية امرا اختياريا كمبدا و استثنائيا يمكن ان يكون هذا التسليط وجوبيا, والتسليط الاختياري هو حين يكون للقاضي السلطة في ايقاع العقوبة من عدمه و في الحالتين يكون حكمه صحيحا فنجد المشرع يستعمل صياغات متعددة مثل ” يمكن في جميع الاحوال الحكم…” او “للمحكمة في جميع الصور..” او ” يسوغ الحكم..” فالقاضي ليس ملزما بتوقيع العقوبة التكميلية و لا هو ملزم بوسيلة معينة و لا هو ملزم بمدة محددة.

فالمشرع خول للقاضي سلطة واسعة في تحديد نوع ومدة العقوبة التكميلية فبالرغم من كون المشرع لم يضع نصا عاما يعطي فيه الحق للقاضي في اختيار نوع ومدة العقوبة التكميلية فانه اعطاه سلطة في تحديد مدة العقوبة التكميلية اوسع من سلطته في اختيار نوعها وهو على ضوء الخطورة الاجرامية ومداها يحدد نوع العقوبة ومدتها.

فتاسيس العقوبة على الخطورة الاجرامية يفرض اعطاء سلطات واسعة للقاضي في النطق بها او الامتناع عن ذلك وفي اختيار نوع العقوبة التكميلية ومدتها فهو اقرب من المشرع الى الوضعية النفسية والاجتماعية للجاني بحيث يمكنه ان يقدر بكل حرية نوع العقوبة التكميلية وتحديد مدتها، فهو الذي يمكنه ان يعرف مواطن الخلل في شخصية الجاني وظروفه من خلال اتصاله المباشر به وتبعا لذلك هو الذي يمكنه ان يحدد العقوبة الملائمة و المدة التي يرجح فيها زوال الخطورة الاجرامية في شخص المحكوم عليه فهي حالة لصيقة بشخص الجاني ولا يمكن للمشرع مبدئيا تكهن مداها وطبيعتها قبل حصولها كما انها تختلف من شخص لآخر فعلى خلاف العقوبة الاصلية التي هدفها الزجر وتقوم على اساس ماديات الجريمة فان العقوبة التكميلية تقوم على شخصية الجاني و ما يمكنه اقترافه في المستقبل.اذن القانون لا يوجب على القاضي الحكم بالعقوبة التكميلية الا في حالات نادرة ومنصوص عليها ويبقى له الاختيار في اعتماد العقوبة التكميلية و الحكم بها او عدم التصريح بها اذا ما بان له وان العقوبة الاصلية تكون كافية لردع المحكوم عليه[87].

أما في الفصل 26 مجلة جنائية و الذي كان ينص في صياغته الأصلية و قبل تنقيحه بموجب القانون عدد 63 لسنة 1966 المؤرخ في 5 جويلية 1966 ينصّ على ما يلي: المراقبة الإدارية تتحتم مدة عشرة أعوام إلا إذا أمر الحاكم بخلاف ذلك.

أولا : في صورة الحكم بالأشغال الشاقة.

ثانيا : في صورة العقاب لأجل الجرائم المنصوص عليها بالفصول من 60 إلى 79 من هذا القانون و المتعلقة بأمن الدولة داخل المملكة و خارجها.

ثالثا : في صورة تكرار الفعل ثانيا.”

و بموجب التنقيح المذكور وقع التوسع في مجال تطبيق المراقبة الإدارية إذ أصبح الحكم بها لمدة عشرة أعوام إلا إذا قضت المحكمة بخلاف ذلك لا يقتصر فقط على صورة الحكم بالعقاب من أجل الجرائم المنصوص عليها بالفصول من 60 إلى 79 و المتعلقة بالاعتداء على أمن الدولة الداخلي و الخارجي بل و أيضا على صورة الحكم بالعقاب من أجل الجرائم المنصوص عليها بالفصول من 231 إلى 235 المتعلقة بالتحريض على الخناء و كذلك على صورة التشريع المتعلق بالمخدرات.

والجدير بالتذكير أن الفصل 16 من القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات نص في طالعه على أنه “يمكن للمحكمة المختصة أن تأذن إلى جانب العقوبات الأصلية بفرض المراقبة الإدارية على المحكوم عليه لمدة تتراوح بين خمسة و عشرة أعوام من مباشرة الحقوق و الامتيازات”.

فإننا نتساءل عن طبيعة العقاب التكميلي الوارد هل هو وجوبي ام اختياري ؟ اذ نجد عبارة “يتحتم” والتي تمثل دليلا واضحا على التحديد المطلق لسلطة القاضي التقديرية في توقيع العقوبة التكميلية الا ان المشرع استدرك وقال ” الا اذا قضت المحكمة بخلاف ذلك” وهنا هل يقصد المشرع امكانية عدم الحكم بالعقاب اصلا ام امكانية النزول بالعقاب الى اقل من 10 اعوام ام امكانية تغيير العقوبة ؟ والاغلب ان هاته الجملة قد تفيد عدم تقييد القاضي من حيث مبدا توقيع العقوبة او مدتها او نوعها وربما يعوز هذا الى كون العقوبة التكميلية هي ذات وظيفة مزدوجة تحتوي على الايلام والوقاية في ان واحد وهذا يفترض من المشرع ان يترك لسلطة القاضي التقديرية مكانة كبيرة بما انه هو الذي يجد نفسه بمناسبة القضية اقرب الى نفسية المحكوم عليه وبامكانه التحقق من خطورته الاجرامية او من عدمها اكثر من اي شخص اخر وبالتالي فلا يعقل ان يجرد من سلطته و يكتفي بالنطق بالعقاب فقط.

فهاته العقوبة تكون بالأصالة من غير احتياج لحكم الحاكم غير أن له إعفاء الجاني منها كما له أيضا الحط منها إلى ما دون لكن بشرط التصريح بذلك في حكمه، فإذا غفل عن ذلك فإن إدارة السجون مجبورة بإجراء هاته العقوبة كل المدة التي نصت عليها المجلة[88] .

ففي هذا الفصل نجد ان المراقبة عقوبة تبعية اي ملحقة بالعقوبة الاصلية دون تدخل قضائي اي بغير حاجة لان ينطق بها القاضي توقع لمجرد الحكم بالعقوبة الاصلية اي بقوة القانون فلا يدخل في سلطة القاضي الاعفاء منها لكن الملاحظ ان المشرع قد خول للقاضي ان يحكم بخلاف ما حتمه النص اذ يمكنه ان يعفي المحكوم عليه من المراقبة الادارية وهذا يقوم دليلا على ان المشرع قد اراد ان يكيف المراقبة كعقوبة تكميلية الا انه نص عليها كعقوبة تبعية لمعرفته بان القضاء التونسي نادرا ما يلجا الى العقوبة التكميلية وبذلك يكون المشرع قد وضع قرينة بسيطة قابلة للدحض بتوافر الخطورة الاجرامية وهذا دليل على انه يعتبر هذا الجزاء مرتبط بالخطورة الاجرامية[89] فالقاضي وحسب سلطته التقديرية يمكنه ان يقرر تطبيق العقوبة الاصلية مع التكميلية او الاكتفاء بالعقوبة الاصلية اذا انعدمت الخطورة الاجرامية.

كما نجد حالات يكون فيها القاضي محتفظا بسلطته التقديرية في خصوص مبدا توقيع العقاب التكميلي ومدته الا انه يبقى مقيدا في خصوص نوع الوسيلة التي يصرح بها فيجوز له الا يحكم بالعقاب التكميلي اصلا ولا يؤاخذ على ذلك مثال ذلك جرائم تدليس وتغيير العملة (192 م ج) كذلك الفصل 25 م ج حيث جعل المشرع ايقاع العقوبة ومدتها اختياريا الا انه حدد نوع العقوبة وهي المراقبة الادارية وذلك اذا ما كان العقاب لاكثر من عامين او كان المجرم عائدا اما الفصل 16 من قانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 والمتعلق بالمخدرات والفصل 26 من قانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10/12/2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الارهاب ومنع غسل الاموال نجد ان القاضي مخير بين ايقاع العقوبة من عدمه الا انه محدد في النوع والمدة فالاول جعلها لمدة 10 سنوات والثاني وضع حد اقصى لا يمكن تجاوزه وهو 5 سنوات من المراقبة الادارية.

ونذكر ايضا انه سابقا كان للقاضي امكانية تغيير العقوبة وتعويضها باخرى وذلك في الفصل 27 م ج حيث كان يمكن تعويض عقوبة المراقبة الادارية بالتشغيل الاصلاحي لمدة 5 اعوام وتقضى بعد السجن وان اسعف المحكوم عليه بالسراح الشرطي فان عقوبة التشغيل الاصلاحي تنفذ بداية من تطبيق هذا الاسعاف و قد كان الفصل 27 بعد تنقيحه بالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989 ينصّ : “إذا نصّ القانون على عقوبة منع الإقامة و المراقبة الإدارية جاز للمحكمة أن تعوضهما بعقوبة التشغيل الإصلاحي لمدة لا تتجاوز خمسة أعوام.

و تقضى هذه العقوبة بعد السجن.

وإذا أسعف المحكوم عليه بالسراح الشرطي فإن عقوبة التشغيل الإصلاحي تنفذ بداية من تطبيق هذا الإسعاف”.

و قد ورد بقرار تعقيبي عدد 85 مؤرخ في 19 جوان 1976 أنه : “بإمكان محكمة الأساس أن تعوض عقوبتي تحجير الإقامة و المراقبة الإدارية بالتشغيل الإصلاحي في الصور التي جاء بها القانون و تفريعا على هذا يكون قد أحسن تطبيق الأمر الصادر في 15 أوت 1962 و قانون 5 جويلية 1966 المنقح للفصول 5، 26، 27 من القانون الجنائي الذي قضى بالإدانة و السجن من أجل السرقة مع التشغيل الإصلاحي”[90].

الا انه وقع الغاء عقوبة التشغيل الاصلاحي بموجب قانون 23/2/1995. و الفصل الحالي لم تعد له سوى أهمية تاريخية بعد إلغاء عقوبة التشغيل الإصلاحي و الخدمة المدنية[91] .

الفصل الثاني : اقرار عقوبة المراقبة الادارية
اتجه العديد من الفقهاء الى القول بضرورة توحيد العقوبات التقليدية الا انه لا يعني ذلك ايجاد نوع موحد من الجزاءات الموجهة ضد الجريمة لان التنوع يبقى امرا ضروريا للقيام بالتفريد, ولعل المشرع تبنى هذا الاتجاه من خلال تاصيله للنظام التقليدي باقراره للعقوبات التقليدية المضمنة بالفصل 5 تحت عنوان العقوبات الاصلية وتبنيه للغقوبات التكميلية باعتبارها تدابير احترازية مستترة الغرض منها الوقاية من الجريمة, وتعد التدابير الاحترازية الى جانب العقوبة الاصلية الوسيلة الثانية للسياسة الجنائية في مكافحة الجريمة[92] وعليه كان الهدف من المراقبة الادارية السعي الى استئصال المحكوم عليه من العوامل والمؤشرات التي كانت سببا ودافعا لوقوع الجريمة ولقد وضع المشرع شروطا معينة تسلط فيها هاته العقوبة ( مبحث أول) ووسع في مجالات تطبيقها (مبحث ثاني).

المبحث الأول : شروط تسليط عقوبة المراقبة الإدارية
العقوبة التكميلية جزاء يقرره القانون ويوقعه القاضي كجزاء تكميلي عن عقاب اصلي فلا عقوبة تكميلية بدون جريمة وباعتبار المراقبة الادارية عقوبة تكميلية فقد خصصها المشرع بان جعلها عقوبة لا تسلط الا على الجنايات والجنح مستثنيا بذلك المخالفات (فقرة أولى) وتبعا لذلك فهي مقررة لكل جريمة يفوق عقابها عامين كما انها توقع على المجرم العائد (فقرة ثانية).

فقرة أولى : عقوبة في الجنايات والجنح

الجريمة هي فعل او امتناع عن فعل يمنعه القانون و يقرر عقوبة لمرتكبه فالجريمة ادن هي الفعل الايجابي او السلبي الذي يمنعه القانون ويعاقب عليه ويكتسب الفعل الصفة غير المشروع من خلال نص تجريم اي وجوب وجود نص قانوني يجرم ذلك الفعل وبالتالي الخضوع لمبدا شرعية الجرائم والعقوبات حيث لا جريمة ولا عقوية بدون نص سابق الوضع,واساس هذا المبدا حماية الفرد وضمان حقوقه وحريته من خلال منع السلطة العامة من اتخاذ اي اجراء في حقه ما لم يكن قد ارتكب فعلا مجرما[93] فالجريمة هي فعل غير مشروع صادر عن ارادة حنائية يقرر له القانون عقوبة او تدبير احترازي فهي فعل يفرض له القانون عقابا فهي عدوان على العدالة كقيمة اجتماعية وعدوان على الشعور بها المستقر في ضمير الافراد .

ونظرا لتعدد الجرائم لجات اغلب التشريعات الى تقسيمها ومن بين انواع التقسيمات التي تعددت نجد التقسيم الثلاثي الذي يكون على اساس خطورة الجريمة فتكون الخطورة هي المعيار المعتمد لفصل جريمة عن اخرى ولقد اعتمد هذا التقسيم كل من القانون البلجيكي الفرنسي والقانون التونسي ضمن الفصل 122 مجلة إجراءات جزائية ” توصف بجنايات على معنى هذا القانون الجرائم التي تستوجب عقابا بالقتل او بالسجن لمدة تتجاوز خمسة اعوام.

وتوصف بجنح الجرائم التي تستوجب عقابا بالسجن تتجاوز مدته 15 يوما ولا تفوق الخمسة اعوام او بالخطية التي تتجاوز الستين دينارا .

وتوصف بمخالفات الجرائم المستوجبة لعقاب لا يتجاوز خمسة عشرة يوما سجنا او ستين دينارا خطية”.

ويتكامل هذا النص مع الفصل 14مجلة جنائية ” ظبطت بخمسة اعوام ادنى عقوبة السجن في الجرائم التي يعتبرها القانون جناية على معنى الفصل 122 من مجلة الاجراءات الجزائية وبستة عشر يوما في مادة الجنح وبيوم واحد في مادة المخالفات و اليوم اربع وعشرون ساعة والشهر ثلاثون يوما ” .

و قانون العقوبات عرف الجناية بالحكم الأشد حيث خصص الجناية بما تكون قيمة عقابه بالسجن أكثر من خمسة أعوام و جعلها راجعة بالنظر لمحكمة أكبر درجة من غيرها.

كما عرف الجنحة بالحكم الأقل شدّة من الجناية إذ أقصى العقاب بالسجن فيها لا يمكن أن يتجاوز الخمسة أعوام.

كما عرف المخالفة بإعطائها نوعا من العقاب خفيفا بالنسبة لما سبقها إذ جعل الأقل فيها يوما واحدا و أقصاه خمسة عشر يوما.[94]

وما التقسيم اثلاثي للعقوبات وهي العقوبات الجنائية والعقوبات الجناحية والمخالفات الا دليل على استناد المشرع الى عناصر تتصل بالماضي.

فالمعيار الذي اعتمده المشرع في هذا التصنيف مرتبط بدرجة الخطورة المتمثلة في الجريمة المرتكبة فتكون الفعلة الاقل خطورة او حتى عديمة الخطورة احيانا من صنف المخالفة وتكون الفعلة الاكثر خطورة من المخالفة من صنف الجنحة بينما تكون الفعلة الاشد خطورة من صنف الجناية.

وقد كان اول ظهور لهذا التقسيم في التشريعات الوضعية مع الثورة الفرنسية التي دعت الى تبني عقوبات متناسبة مع جسامة الخطر الناتج عن الجريمة ويعتبر هذا التقسيم المعتمد على خطورة الجريمة سواء تحققت النتيجة الصادرة ام لا محل اعتناق من جل التشاريع فكرسه القانون الفرنسي والبلجيكي وغالبية التشريعات الاجنبية والعربية وتجدر الاشارة الى ان التشريع الاسلامي تبنى تقسيما للجرائم مخالفا للتشريعات الوضعية ومازال معتمد في بعض الدول على غرار السعودية والقائم على الحدود والقصاص والتعازيز فالحدود عقابها من حقوق الله فلا تفريط بها وهي محددة حصرا ب7 القتل, السرقة, الزنا, الحرابة, البغي, الردة, السكر, والقصاص عقابها بنفس ما تم الاعتداء به ,اما التعزير فهي متروكة لتقدير القاضي يحسب تغير الجرائم.

في تشريعنا المخالفات هي معارضة لوائح او قوانين داخلية وهي عبارة عن افعال بسيطة لا ارادية ناتجة عن التقاعس والاهمال آثر المشرع تسليط العقوبة عليها بهدف الحيلولة دون تفشيها مثال حوادث المرور, رمي الفضلات بالشارع, الازعاج, ركوب حافلة بلا تذكرة.

اما الجنح فهي الانحراف عن مسار ما وهي في مرتبة متوسطة بين المخالفة و الجناية و لكنها قد ترقى الى الجناية بتوفر بعض الشروط مثال السرقة الموصوفة

وفيما يخص الجنايات فهي اخطر انواع الجرائم وتنطوي على تهديد كبير وهو ما يفسر جسامة العقوبات المقررة لها وتشدد سياسة المشرع لمواجهتها والتصدي وردع القائمين بها.

ولقد اعتنقت جل التشريعات هذا التقسيم بنفس الياته ولكن البعض منها اكتفى بصنفي الجنايات والجنح مثل القانون الدنماركي, ومنها ما يعتمد الجنايات والمخالفات مثل القانون النرويجي واخر يقسمها الى جنح ومخالفات كالقانون الاسباني.

وبالنسبة للمراقبة الادارية نجد انه من حيث موضعها في تقسيم العقوبات عقوبة مشتركة بين الجنايات والجنح ولا تكون في المخالفات و الجدير بالملاحظة ان هدا التخصيص بين ان المشرع اقصى المخالفات نظرا لكون هاته الاخيرة اقل جسامة ولا تشكل خطورة كبيرة على المجتمع ومرد عقابها الخشية من تفاقمها فهو بهذه الطريقة يكون مبدئيا قد جعل هاته العقوبة شاملة وعممها على الجنح والجنايات ووسع ميدان تطبيقها باعتبار خطورة هاته النوعية من الجرائم وهو ما يعيدنا الى فكرة الخطورة الاجرامية فيكون تسليط العقوبة حسب شخصية المجرم اذ ان المشرع قد ترك سلطة تقديرية للقاضي في تسليط العقوبة فيكون مبدئيا التسليط اختياري باعتبار العقوبة تكميلية كما قد يكون اجباريا وذلك على وجه الاستثناء في حالات معينة ونستخلص من هذا ان اساس تسليط عقوبة المراقبة الادارية هو فكرة الخطورة الاجرامية.

وهو ما جعلها لا تتأثر بظروف التخفيف فالمشرع التونسي قد سكت عن ذكر العقوبات التكميلية عند تعرضه لظروف التخفيف إن لم يبيّن تأثير هاته الظروف على تلك الجزاءات، و هذا يدل على اتجاه نيّة المشرع نحو إبعاد هذه الجزاءات عن دائرة و مجال تأثير الظروف المخففة فالفصل 53 مجلة جنائية نصّ أنه : “… فالمحكمة مع بيـان تلك الظروف بحكمها أن تحط العقاب إلى ما دون أدناه القانوني بالنزول به درجة أو درجتيـن فـي سلم العقوبات الأصلية …”.

كذلك يمكن القول بعدم تأثير هذا النظام على العقوبات التكميلية باعتبار و أن المشرع أعطى للقاضي سلطة واسعة في تقديرها إذ يكتفي الشارع بتقرير نوع الجزاء و في بعض الأحيان ينصّ على النوع مع ذكر حدّ أقصى دون الحدّ الأدنى و بالتالي يكون للقاضي مطلق الحرية في النزول بالعقاب[95] .

والفقه الفرنسي يعتمد معيارين مختلفين :

فهناك من يستند إلى معيار طبيعة الجريمة، فإن كانت عقوبة المراقبة مقررة لجناية فإنه لا تأثير للظروف المخففة و إن كانت مقررة لجنحة فيجوز إعمال ظروف التخفيف إذ قد توقع المحكمة عقوبات مخالفات بموجب ظروف التخفيف و هنا لا يتصور النطق بعقاب المراقبة باعتبار و أنها لا تجوز في المخالفات.

و هناك من استند على معيار الطبيعة القانونية فباعتبار المراقبة تدبيرا احترازيا يصبح من الجائز الحكم بها.

و بالنسبة لمشرعنا نلاحظ انعدام تأثير ظروف التخفيف إذ لا تخفيف إلا فيها حدده القانون فلو أراد المشرع خضوعها لظروف التخفيف لنصّ على ذلك صراحة، فالمراقبة الإدارية ليست عقوبة بل تدبير احترازي و هي بذلك متجهة للخطورة الإجرامية.

كما نلاحظ عدم خضوع المراقبة الإدارية لنظام تأجيل التنفيذ، إذ أن التأجيل لا يمكن منحه في الجنايات إلا إذا كان أدنى العقوبة المحكوم بها مع تطبيق ظروف التخفيف لا يتجاوز العامين، فالمشرع قد قصر نظام التأجيل على العقوبات الأصلية دون العقوبات التكميلية، وتتمثل هاته العقوبات في العقوبات الجناحية و العقوبات الجنائية دون عقوبات المخالفة و العقوبات الجناحية التي يمكن تأجيل تنفيذها هي السجن و الخطية، أما العقوبات الجنائية التي يمكن الحكم بتأجيل تنفيذها فهي تقتصر على العقوبة السجنية و المشرع لم ينصّ على العقوبات التكميلية فهذه الأخيرة لا تخضع أصالة إلى نظام التأجيل.

الفقه الجنائي السائد يعتبر أن نظام وقف التنفيذ لا يجب أن يشمل التدبير الإحترازي ذلك أن كلا من النظامين يختلف عن الآخر فنظام التأجيل يستند على الإعتراف بانتفاء الخطورة الإجرامية لدى المحكوم عليه و على العكس من ذلك فإن أساس الحكم بالتدبير الإحترازي هو توافر الحالة الإجرامية الخطرة.

و نادى المؤتمر الدولي الجزائي و العقابي المنعقد في براغ سنة 1930 في توصياته بضرورة عدم إخضاع التدبير الإحترازي لنظام التأجيل.

نظام التأجيل في القانون التونسي يستند إلى الخطورة الإجرامية و يظهر ذلك من خلال التفرقة بين المجرم الذي سبق الحكم عليه من أجل جناية أو جنحة و المجرم المبتدئ. فهو وحده الذي ينتفع بتأجيل التنفيذ لأنه أقل خطورة من المجرم الذي سبق له ارتكاب جريمة.

يمكن القول أن نظام التأجيل يمكن أن يتمتع به المجرم حتى و إن كانت شخصيته على حالة خطرة ضرورة أن تلك الحالة الخطرة يمكن أن تجد في السجن أرضية خصبة للتفاقم و التجذر في المحكوم عليه و نكون بذلك قد ساهمنا في عودته للإجرام. لذلك حوّل المشرع إمكانية خضوع المجرم في نفس الوقت لنظام التأجيل و للعقوبة التكميلية، فالتأجيل ببعد المجرم عن الوسط السجني المفسد و العقوبة التكميلية تلعب دورها في تقويم الجاني أو المباعدة بيته و بين العوامل التي يمكن أن تدفعه إلى الإجرام في الوسط الحرّ[96] .

و يعتبر المشرع المصري أنه يجوز أن يمتد وقف التنفيذ إلى العقوبات التبعية أو التكميلية شريطة أن يذكر ذلك صراحة في الحكم فيجوز للقاضي أن يوقف تنفيذ عقوبة العزل أو عقوبة مراقبة الشرطة كما يجوز أن يشمل وقف التنفيذ جميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم باعتباره سابقة في العود[97] .

و يرى الدكتور محمد زكي أبو عامر أن العقوبات التبعية و التكميلية التي يجوز الأمر بوقف تنفيذها تشمل سائر العقوبات التبعية و التكميلية فيما عدا المصادرة[98].

و تجيز المادة 55 جعل الإيقاف شاملا لأية عقوبة تبعية و المقصود أية عقوبة تبعية أو تكميلية كالعزل و مراقبة البوليس[99] .

و يرى الدكتور علي عبد القادر القهوجي أن العقوبات التبعية و التكميلية يجوز أن يشملها وقف التنفيذ شريطة أن ينصّ القاضي في حكمه صراحة على ذلك، فإذا قضى بوقف تنفيذ العقوبة الأصلية وحدها و لم ينصّ في حكمه على الوقف بالنسبة للعقوبات التبعية و التكميلية فإنه لا يجوز وقف تنفيذها إذ الأصل في العقوبات تنفيذها ما لم يقرر القاضي في حدود السلطة التقديرية المخولة له خلاف ذلك[100] .

و بالعودة إلى تشريعنا نجد الفصل 53 مجلة جنائية في فقرته 17 نصّ أنه : ” كما لا ينسحب أيضا على العقوبات الفرعية و التحاجير الناتجة عن الحكم بالعقاب غير أن التحاجير يزول مفعولها من يوم يصبح العقاب الأصلي بمثابة الأمر الملغى”. و هذا دليل على أن المشرع يعتبر تأجيل تنفيذ العقوبة الأصلية لا ينسحب على العقوبات التكميلية كما أن المشرع خصّ التحاجير فقط بالزوال و لم يذكر العقوبات التكميلية.

و هذا دليل على أن المشرع يعتدّ بالخطورة الإجرامية كأساس للعقوبة التكميلية إذ رغم تمتيع المحكوم عليه بالتأجيل لإبعاده عن مساوئ السجن فإن ذلك لا يعني أن الخطورة الإجرامية غير متوافرة و عليه يجب أن يستمرّ خضوع المحكوم عليه للعقوبة التكميلية حتى نضمن عدم عودته للجريمة[101]، وهو كذلك ما يفسر عدم خضوع المحكوم عليه للمراقبة الإدارية رغم السراح الشرطي و تنبني فكرة السراح الشرطي على أساس الخطورة الإجرامية فهي معيار لتنفيذ العقوبة فإن انتفت فلا لزوم لمواصلة تنفيذ الجزاء الجنائي.

و ينصّ الفصل 358 مجلة إجراءات جزائية أن : “تنفيذ العقوبات التكميلية المحكوم بها على السجين الذي منح السراح الشرطي يبتدئ من تاريخ الإفراج عنه”

إذن فعقوبة المراقبة لا يتوقف مفعولها إذا ما انتفع المحكوم عليه بالعقوبة السالبة للحرية بالسراح الشرطي.

و ثبوت غلبة ارتداع الجاني انطلاقا من حسن سلوكه لا يعني أن جميع العناصر المنشئة و المكونة للحالة الخطرة قد زالت ذلك أن الحالة الخطرة هي مجموعة الظروف الذاتية و الموضوعية اللصيقة بالشخص يقوم معها احتمال العود إلى الجريمة، فالمعالجة و التقويم و التأهيل الذي تلقاه السجين في المؤسسة السجنية لا يعني إزالة كل تلك الظروف التي دفعته لارتكاب الجريمة و التي يمكن أن تدفعه من جديد لذلك السلوك، و يكون هذا مؤشرا كافيا على استناد العقوبات التكميلية للخطورة الإجرامية و مبررا كافيا لاستيقائها رغم السراح الشرطي،

إضافة إلى أن سبب السراح الشرطي ليس فقط تقلص الخطورة الإجرامية بل يمكن أن يمكن في عدم الجدوى من العقوبة السجنية و لتفادي مساوئها مما يقوم معه ضرورة ترك المجال لوسائل أنجع و أنسب لإزالة الخطورة الإجرامية… و تكون هنا العقوبات التكميلية التي نصّ عليها القاضي في حكمه أنجع، كما أن حسن السلوك لا يعني بالضرورة أن الحالة الخطرة قد انتفت ذلك أن من السجناء من يموه بذلك حتى يمنح السراح الشرطي و هذا يبرر استبقاء العقوبات التكميلية.

فالى جانب كون المشرع خصصها للجنايات و الجنح دون المخالفات فانه جعلها عقابا للمجرم العائد او لمن سلط عليه عقاب لأكثر من عامين.

الفقرة الثانية : مجرم عائد أو عقاب لأكثر من عامين

العقوبة هي في جوهرها تعبيرعن مقابل لجريمة معينة فهي جزاء يقابل خطا اخلاقيا ثبتت مسؤولية الجاني عنه وقد ترك المشرع للقاضي امر تحديد مسؤولية الجاني والعقاب المقابل لها فجعل العقوبة بين حدين يتراوح بينهما تقديره وترك له الباب مفتوحا للاجتهاد في خصوص توقيع العقوبة من عدمه فتكون سلطة القاضي التقديرية متفاوتة ولقد نص الفصل 25 مجلة جنائية ” للمحكمة في حالتي تجاوز عقوبة السجن المستوجبة للجريمة المنسوبة الى الجاني عامين اثنين او تكرار الفعل منه مجددا وهو بحالة عود ان تحكم باخضاعه الى المراقبة الادارية لمدة اقصاها خمسة اعوام “.

والمفهوم من منطوق هذا الفصل هو ارتباط المراقبة الادارية كعقوبة تكميلية بالخطورة الاجرامية ذلك ان المشرع قد حدد الحالات التي يمكن ان تنطق فيها المحكمة بهذا الجزاء فوضع نوعا من الافتراض للخطورة الاجرامية ذلك انه قد اشترط في الجريمة قدر معينا من الجسامة معتبرا بذلك ان من يرتكب جريمة تقتضي الحكم بعقوبة باكثر من عامين سجنا يمكن ان تقع منه جريمة اخرى في المستقبل باعتبار ان الجريمة اذا كانت تكشف عن حالة خطرة فان جسامتها تقوي احتمال العودة الى الجريمة ويتاكد هذا المنحي بالرجوع الى الحالة الأولى التي نص عليها المشرع وهي تكرار الجريمة فهي تثبت تجذر النزعة الاجرامية لدى الجاني وميله لها وائتلافه مع نمط الحياة الاجرامية مما يجب معه التخوف منه وذلك باخضاعه الى نوع من الرقابة اذ يعتبر الفقه الجنائي ان من يسقط في دائرة الاجرام من جديد يجب ان يتخذ معه تدابير مختلفة عن الجزاءات التي سلطت عليه كمجرم مبتدئ لانه بتكرار الجريمة يقوي احتمال عودته للاجرام[102] .

و لقد اعتبرت محكمة التعقيب في قرار تعقيبي جزائي عدد 6168 مؤرخ في 16 ديسمبر 1981 أن الحكم بالمراقبة الإدارية مشروط بأحد الأمرين إما أن يكون العقاب المستوجب يربو على السنتين أو كان المتهم عائدا لثاني مرة.

كما ورد في قرار تعقيبي جزائي عدد 2933 مؤرخ في 12 مارس 1979 أنه ليس للمحكمة أن تسلط عقوبات تكميلية إلا إذا نص على ذلك بالعقاب المستوجب أو كانت الجريمة مما يدخل تحت طائلة الفصل 25 من القانون الجنائي[103].

المشرع أورد عبارة “الجريمة” دون تخصيص جريمة معينة بذاتها و ينجر عن ذلك إمكان الحكم بالمراقبة الإدارية بمناسبة اقتراف أي جريمة شريطة أن يتوفر أحد الأمرين : إما أن يكون العقاب المستوجب يربو عن السنتين أو كان المتهم عائدا مرة ثانية و يتطلب المشرع توفر إحدى هاتين الحالتين لأنه يقدر أن من يحكم عليه بالسجن لأكثر من عامين أو يكون عائدا ثانيا يرجح في جانبه الإحتمال الجدي إلى اقتراف جرائم تالية.[104] .

و لقد كان الفصل 25 في صياغته الأولى سنة 1913 ينصّ على “للمجلس إذا كانت الجريمة تقتضي الحكم على الجاني بأكثر من عامين أن يحكم بقائه تحت المراقبة الإدارية مدة أقصاها خمسة أعوام”. و بموجب تنقيح الأمر المؤرخ في 22 أكتوبر 1940 أضيفت عبارة “أو كان يتركب منها تكرار الفعل من الجاني ثانيا” أي أن الحكم بالمراقبة الإدارية أصبح مشروطا بتحقيق أحد أمرين فإما أن يكون العقاب المستوجب للجريمة يفوق العامين أو أن يكون المتهم عائدا.

و الغرض من هذا التدخل التشريعي هو إضفاء مزيد من الصرامة على المجرمين العائدين بإعطاء إمكانية للمحكمة كي تسلط عليهم في الحالة التي جاء بها الفصل المذكور عقوبة المراقبة الإدارية لمدة محددة بوصفها عقابا تكميليا[105] فتكون الخطورة الإجرامية هنا هي المعيار المحدد لهذا العقاب سواء في حالة ما إذا كان العقاب المستوجب أكثر من عامين (أ) أو حالة العود (ب).

أ-عقاب بالسجن لأكثر من عامين:

أن يكون العقاب المستوجب أكثر من عامين يعني أن الجريمة المقترفة هي من الجنح أو الجنايات، و هذا امتداد للشرط الخاص بالجنايات و الجنح و فيه تأكيد على هذا الشرط.

هذا التأكيد هو في حد ذاته دليل على تبني المشرع للخطورة الإجرامية و محاولة منه للإحاطة بكل الحالات التي يمكن أن تحتوي على أي تهديد للهيئة الاجتماعية، فإن كانت الجريمة التي اقترفها المتهم من الجرائم التي يكون عقابها بالسجن و تكون المدة المستوجبة عامين أو أكثر، يكون القاضي أمام إمكانية الحكم بالمراقبة الإدارية و ذلك إذا ما تراءى له و أن المتهم الماثل أمامه ممن لهم ميل للإجرام و هناك إمكانية لعوده للميدان الإجرامي أو اتضحت له خطورته الإجرامية حيث يكون للقاضي الخيار فيما يكون العقاب المستوجب أكثر من عامين فله أن يحكم بالمراقبة الإدارية أو لا يحكم بقطع النظر عن إشارة القانون لتطبيق هاته العقوبة أم لا بل يحكم بها الحاكم ولو لم تصرح المجلة بإمكان تطبيق العقوبات التكميلية[106].

وتعتبر المدرسة الوضعية اول من تحدث عن فكرة الحالة الخطرة وتاثر بها اقطاب الاتحاد الدولي للقانون الجنائي ويرجع تركيز المدرسة الوضعية على الخطورة الاجرامية كاساس للجزاء الجنائي اعتقادها بان ما من جريمة الا وكانت حصيلة عوامل خارجية وعوامل داخلية لذلك هي تدعو الى دراسة شخصية الجاني لمعرفة درجة الحالة الخطرة الكامنة فيه واختيار الجزاء الجنائي المناسب لمواجهتها, ولقد اصبح المفهوم الواقعي للسياسة العقابية يستهدف اساسا حماية المجتمع من الاتجاهات الخطرة للمجرم وذلك عن طريق منع الخطورة الاجرامية الكامنة فيه فاصبح بالتالي الانسان المجرم محور الدراسات الجنائية للكشف عن خطورته بالشواهد النفسية والعقلية والعضوية والاجتماعية وحديثنا هذا يفرض بيان مفهوم الخطورة الاجرامية وطبيعتها(1) وشروطها وادلتها(2) .

1-مفهوم الخطورة الاجرامية وطبيعتها

الخطورة الاجرامية pericolosita criminale أفرد لها قانون العقوبات الايطالي نصا خاصا هو نص المادة 133 وقد عبرعنها فيه باستعداد الشخص للاجرام capacita à delinquere ويمكن تعريفها بانها حالة نفسية يحتمل من جانب صاحبها ان يكون مصدرا لجريمة مستقبلية

La condizione psichia di una persona in quanto probabile[107]causa di reat

ان جوهر الخطورة الاجرامية هو في طغيان الدوافع التي تجعل لدى الفرد ميلا الى الجريمة على الموانع التي ترده عنها او هي نقص في المانع وافراط في الدافع, هذا الطغيان قد يكون عاما في توجهه اي صالحا لانتاج الجريمة اي ما كانت لتوصف الخطورة الاجرامية عندئذ بانها عامة, و قد يكون هذا الطغيان متجها نحو جرائم معينة او نوع معين من الجرائم فتوصف الخطورة الاجرامية عندئذ بانها خاصة ,والخطورة الاجرامية تكون كذلك على درجات فقد تكون منذرة بجرائم جسيمة كما قد تكون منذرة بجرائم طفيفة على حسب الحق الذي يحتمل ان يكون محلا للاعتداء من جانب الشخص الخطر[108].

ويعرفها فيري بانها احتمال ارتكاب الفرد لجريمة او شروعه، في ذلك ويعرفها روكي وجرسبيني بانها الميل الاجرامي لدى الفرد، بينما يعرفها الدكتور عبد الفتاح مصطفى الصيفي بانها مجموعة من الظروف اذا توافرت في الفرد اصبح سببا محتملا لوقوع جريمة مستقبلية ,كما يعرفها الدكتور علي عبد القادر القهوجي بانها حالة نفسية لصيقة بشخص المجرم تندر باحتمال اقدامه على ارتكاب جريمة اخرى في المستقبل ,ويعرفها الدكتور جلال ثروت بانها حالة في الشخص تندر باحتمال ارتكابه جريمة اخرى في المستقبل[109].

و نلاحظ أن من الفقهاء من رأى بامكانية تواجد الخطورة الاجرامية بدون تواجد جريمة سابقة و هناك من يشترط وجود جريمة سابقة كركن من اركان الخطورة الاجرامية ,و نجد الفصل 211 من القانون الجنائي اللبناني الذي يعتبر انه يعد خطرا على المجتمع كل شخص او هيئة معنوية اقترف جريمة اذا كان يخشى ان يقدم على افعال اخرى يعاقب عليها القانون كذلك عرفها القانون الايطالي في الفصل 203ابانها احتمال ارتكاب الفرد لوقائع ينص عليها القانون كجرائم بعد ان ارتكب فعلا من الافعال المنصوص عليها بالفصل202 الذي بدوره نص على ان تدابير الامن لا يمكن ان توقع الا على الاشخاص من ذوي الخطورة الذين ارتكبوا افعالا يعتبرها القانون جرائم ,اما القانون البرازيلي فانه يعتبر ان الخطورة الاجرامية هي حالة متوافرة لدى الشخص الذي تسمح شخصيته و ماضيه و بواعثه و ظروفه باحتمال ان يرتكب جريمة جديدة .

فيما يخص تشريعنا فانه ولئن تبنى مشرعنا نظرية الخطورة الاجرامية فانه لم يعط لها تعريفا ولم يتحدث عنها صراحة.

يمكن القول ان الخطورة الاجرامية يمكن ان تتوفر في جميع الجرائم سواء كانت جرائم ضرر او جرائم خطر طالما كانت الحالة الشخصية للفرد منذرة باحتمال ارتكابه لجريمة مستقبلة فهي حالة شخصية و صفة فردية تكشف عن احتمال ارتكاب جريمة ,لهذا السبب تختلف الخطورة الاجرامية عن الجريمة كواقعة فالخطورة حالة فردية او صفة تلحق الفرد اما الجريمة فهي سلوك ارادي يصدر من جانب الفرد تنتهي في لحظة زمنية معينة بينما الخطورة الاجرامية صفة مستمرة باستمرار عناصرها, كذلك هي تختلف عن الخطورة الاجتماعية فهذه الاخيرة لا تتوقف على وقوع جريمة سابقة على عكس الاولى التي هي حالة لاحقة على ارتكاب جريمة، فالخطورة الاجتماعية حالة سابقة على ارتكاب اية جريمة وتتوقف على عدد من الامتيازات المنبعثة من سلوك الفرد وهي تنبني على احتمال وقوع افعال ضد المجتمع فتتخذ ضد الخطورة الاجرامية تدابير احترازية جزائية بينما تتخذ ضد الخطورة الاجتماعية تدابير مانعة و هي تدابير غير عقابية وعلى سبيل الذكر نجدها في التشريع الكويتي والتشريع المصري .

2-شروط وادلة الخطورة الاجرامية

لا شك في ان الجريمة هي دليل قيام الخطورة الاجرامية باعتبارها قرينة على توافر الاستعداد الاجرامي لدى الفاعل ويتعين التمييز في مجال الخطورة الاجرامية للفاعل بين العناصر المكونة لها والعوامل المنشئة لها و الامارات الكاشفة عنها والملابسات والعوامل المنبهة لها فالعناصر المكونة للخطورة الاجرامية تتحدد بها الكيفية التي تكون بها نفسية انسان ما مصدرا للإجرام وما اذا كانت تلك النفسية حقيقة كذلك والى اي مدى, اما العوامل المنشئة لتلك الخطورة معناها الاسباب التي من اجلها وجدت في النفس الخطرة العناصر المكونة للخطورة فيها وهي اسباب قد تكون عضوية وقد تكون وراثية وقد تكون بيئية،

اما الامارات الكاشفة عن الخطورة فهي المظاهر المعبرة عنها، واما العوامل المنبهة فهي اما وسط خاص من شان وجود الشخص فيه احتمال ارتكابه للجريمة واما عامل معين من شانه اذا انضاف الى التكوين النفساني للشخص ان يمهد للجريمة سبيل الوقوع مثل عامل الاستفزاز[110] (1) ولقد سبق تعريف الخطورة الاجرامية بانها حالة في الشخص تنذر باحتمال ارتكاب جريمة اخرى في المستقبل وهذا التعريف يوضح اركان الخطورة الجرامية والامارات الكاشفة عنها.

اركان الخطورة الاجرامية
نجد ركنين مكونين للخطورة الاجرامية :

– الجريمة السابقة: يعني هذا الشرط انه لا يجوز توقيع التدبير الاحترازي على شخص الا اذا كان قد ارتكب جريمة[111] وذلك حفاظا على مبدا شرعية الجرائم و العقوبات وحماية للحرية الفردية باعتبار ان هذا المبدا هو ضمانة اساسية للحريات لذا كان من الضروري تحديد السلوك او الفعل الذي يؤدي توافره الى انزال العقوبة وهو اشتراط ارتكاب جريمة سابقة وبالتالي لا يجوز للقاضي توقيع هاته العقوبة على شخص لم تقع منه جريمة بحجة احتمال وقوعها اي رفض فكرة المجرم بالميلاد أو بالطبيعة لان في ذلك اعتداء خطير على حريات الناس, وقد حاول البعض التحلل من هذا الشرط بحجة ان التدابير الاحترازية تواجه خطورة اجرامية فادا ثبت توافر هذه الخطورة فلا داعي لانتظار وقوع جريمة حتى يمكن انزال التدبير الاحترازي[112] فلا لزوم لاشتراط وقوع جريمة سابقة.

هذا المبدأ تم اقراره في مؤتمر الجمعية الدولية للدفاع الاجتماعي المنعقد بميلانو عام 1956 وذلك لان التدابير موجودة لمواجهة الخطورة الاجرامية ولان الامر الممثل في الخطورة هو الجريمة المستقبلية اما الخطورة في حد ذاتها فليست مستقبلا ممثلا وانما هي امر حاضر وثابت بثبوت الخلل النفسي القائم فعلا بالشخص والذي يجعله مصدرا لاجرام جديد[113] ,وهذا الراي يحقق ميزة الدفاع عن المجتمع ضد الحالات الخطرة التي تنذر بوقوع جرائم في المستقبل الا انه ينطوي على عصف بالحرية الفردية والاطاحة بمبدا الشرعية[114]

خلاصة يمكن القول ان شرط الجريمة السابقة يعد قرينة على توافر الخطورة الاجرامية ،و يمكن ذكر حالة التشرد والتسول كمثال على حالات قدر المشرع خطورتها فاضفى عليها صفة الجريمة واقر لها عقابا في حالة ما اذا توافرت اي جرم وضعا دون وقوع جريمة وذلك حماية للحريات واحتراما لمبدا الشرعية حتى لا يفاجأ الافراد بعقوبات توقع عليهم لمجرد احتمال وقوع جرائم منهم في المستقبل ويعتبر الدكتور احمد فتحي سرور ان الجريمة المعتد بها كعنصر للخطورة الاجرامية يجب ان تتوفر جميع اركانها ويجب ان يكون الشخص الخاضع للتدبير اهلا للمسؤولية الجنائية.

– الحالة الخطرة : احتمال وقوع جريمة في المستقبل

الجريمة السابقة وان كشفت عن شخصية اجرامية لدى فاعلها فلاتكفي لإنزال العقوبة اذ لا بد من ان تنظاف اليها دلائل وامارات تجعل القاضي يخشى ان يقدم مرتكب الجريمة السابقة على ارتكاب جرائم جديدة ويكون ذلك محتملا اي وجود حالة خطرة في الشخص.

والخطورة الاجرامية هي حالة نفسية والتحقق منها يتم عن طريق امارات ودلائل مثل العوامل الشخصية والمادية المحيطة بالشخص وتجعل ارتكابه لجرائم في المستقبل محتملا وهي تنصب على عوامل خارجة عن ارادة الشخص -وليس موقفه النفسي من الجريمة- كمرضه او بيئتة الاجتماعية وظروف حياته الفردية والعائلية والاجتماعية اي نتائج فحص ودراسة شخصية المجرم من جميع جوانبها لاستظهار مدى توافر الاستعداد النفسي لارتكاب الجرائم في المستقبل فمعيار الخطورة هو احتمال ارتكاب جريمة في المستقبل،

وهذا الاحتمال هو مجرد تطور ذهني مجرد من الكيان المادي حيث يكون توقع الحدوث طاغيا على توقع عدم الحدوث فالاحتمال يقوم على دراسة العوامل المحيطة بالشخص لمعرفة ما اذا كان بامكانها ان تفضي الى ارتكاب جريمة في المستقبل

فموضوع الاحتمال هو العلاقة السببية الرابطة بين العوامل الاجرامية والجريمة اذن الاحتمال ذو طابع علمي يتحدد بتقرير الخبير وقد يضاف اليه تقرير البوليس وهنا تدخل رقابة القاضي ومدى اقتناعه بهذه الخطورة فان رأى احتمال اقدام المجرم على جريمة تالية تتخذ التدابير ويجب لذلك ان يكون موضوع الاحتمال اقدام المجرم على سلوكه ضار بالمجتمع والعبرة في الخطورة هي وقاية المجتمع من الظاهرة الاجرام لامن جريمة او جرائم معينة الذات او قريبة الحدوث او وشيكة الوقوع اي لا يشترط ان يكون الاقدام عليها متوقعا خلال وقت معين والخطورة اما عامة تنذر بانه جريمة واما خاصة تنذر بجرائم معينة او نوع معين ومن هنا تنشا صور التخصص في اجرام معين وهي كذلك على درجات فهناك خطورة اشد، هناك خطورة اخف فتكون الخطورة الاجرامية منذرة بجرائم جسيمة كما قد تكون منذرة بجرائم طفيفة على حسب الحق محل الاعتداء.

ادلة الخطورة الاجرامية
لا شك في ان اهم امارة تكشف على وجود الخطورة الاجرامية في شخص ما هي الجريمة اتي ارتكبها هذا الشخص وظروفها و الظروف الشخصية لمرتكبها

وقوع الجريمة : الخطورة الاجرامية هي احوال نفسية مشوبة يخلل من شانه ان يجعل صاحبها مصدرا للاجرام فما كان المجرم يجرم لو لم يكن لديه استعداد للجريمة ولا يكفي القول بوجود الخطورة الاجرامية ان يكون سلوك الشخص منافيا للاخلاق او مختلا او مجنونا لذا فوقوع الجريمة بالفعل من شخص ما يكون علامة ودليلا كبيرا يكشف على ان فاعلها كان على استعداد لان يجرم وان الانذار بالعقاب لم يكن كافيا لرده عن اتيانها كما ان وقوعها يقوي من احتمال تكرارها مرة اخرى[115] ويلاحظ ان الجريمة باعتبارها امارة على قيام الخطورة الاجرامية لاتتوقف على ما اذا كان فاعلها اهلا للمسؤولية الجنائية ولا على افلات الواقعة من العقاب لاسباب موضوعية او شكلية .وينسب الايطاليون الى الجريمة دلالتين :

الاولى دلالة سببية valore causale وهي الاثرالمباشر للجريمة الذي يظهر في الموضوع المادي لسلوك فاعلها قد يكون الاضرار بحق الغير أو تعريضه للخطر وهي كدلك الاثر غير المباشرللجريمة وهو اعتداء على مال اجتماعي تكون صيانة في نظر المشرع شرطا يتعلق به حق المجتمع في الكيان والبقاء.
أما الثانية فهي دلالة كشفية valore sentimatico وهي تبدو من وجهات نظر ثلاثة
1/ فهي كاشفة عن نفسية فردية individualita psichica

2/ فهي كاشفة عن خطورة اجرامية pricolosita criminale

3/ فهي كاشفة عن خلل نفساني diletto psichico [116]

– ظروف الجريمة : ان كان وقوع الجريمة مؤشرا على توافر الخطورة الاجرامية فان طبيعة الواقعة ومدى جسامتها ووسائل تنفيذها ومكانها وزمانها والضرر الذي تخلف عنها ومدى تجاوبها او تنافرها مع القيم و النظم السائدة في المجتمع[117] دليل اخر وامارة مهمة على هاته الخطورة لا يجب على القاضي تجاهلها وقد عرضت المادة 31 من مشروع فيري للقانون الجنائي الايطالي الذي وضع سنة 1921 ولم يقدر له ان يصبح قانونا بعض عناصر او علامات او امارات تكشف عن الخطورة الاجرامية ويتوقع معها وقوع اجرام جديد كما نصت المادة 133 من القانون الجنائي الايطالي الصادر سنة 1930 على علامات تنبؤ بالخطورة الاجرامية وهي طبيعة ونوع وسائل تنفيذ الجريمة, وزمان ومكان اقترافها, جسامة الضرر او الخطر الذي تعرض له المجني عليه من جراء الجريمة, درجة الخطا[118] .

– الظروف المتعلقة بالشخص : ينبغي التعرف على ظروف الفاعل الحاضرة والسابقة وسوابقه و الوقائع الاجرامية التي نسبت اليه والتي صدر عنها عفو عنه او حكم بالبراءة والتعرف على البواعث والدوافع التي حركت فكرة الجريمة لديه وطبيعته وسلوكه قبل الجريمة واثناءها وبعدها و مدى قصده الجنائي او درجة اهماله وظروف حياته الفردية و العائلية والاجتماعية. هاته الامارات تكشف للقاضي عن الخطورة الاجرامية والتي عليه ان يتحرى عنها في سبيل القطع بوجود الخطورة الاجرامية اوعدم وجودها وبمداها في حالة وجودها وللقاضي وحده السلطة في تقرير مدى توافر تلك الخطورة من عدمه.

وتجدر الاشارة ان القانون الجنائي التونسي لم يرد به نص عام عن الخطورة الاجرامية فهو لم يتحدث صراحة عن الخطورة الاجرامية كاساس للعقوبة او معيار لها ولم يعرفها ولم يضبط العناصر التي يستند عليها القاضي للتثبت في الحالة الخطرة.

وعلى اثر حديثنا عن الخطورة الاجرامية ودلائلها فمن الحري الحديث عن العود باعتباره من الامارات الاكثر حسما على توافر تلك الحالة الخطرة اذ تعتبر حالة العود من الحالات التي يفترض فيها المشرع الخطورة الاجرامية وبالتالي ينزع عن القاضي كل سلطة في تقدير مدى وجود الخطورة في الشخص فنظام العود يشكل مظهرا من مظاهر تبني فكرة الخطورة الاجرامية.

ب-العـــود :

والعود la recidiveهو حالة الشخص الذي يرتكب جريمة او اكثر بعد الحكم عليه نهائيا من اجل جريمة اخرى فالعود يفترض تعدد جرائم المتهم التي يفصل بينها حكم بات بالادانة وقد وردت الاحكام العامة المتعلقة بالعود في الفصول 47 الى 50 مجلة جنائية، والعود سبب عام من اسباب تشديد العقاب لما ينم عنه عوده من جديد الى الاجرام من ميل اجرامي كامن لديه لم يكن الحكم الصادر ضده بالادانة فعالا في اقتلاع هدا الميل منه و حكمة التشديد لا ترجع الى الفعل الاجرامي المرتكب لجسامتة المادية وخطره الاجتماعي وانما تعزى الى شخص الجاني على اساس ان المجرم الذي يعود الى ارتكاب جريمة بعد ان سبق الحكم عليه لجريمة او اكثر يفصح في الواقع عن ميله الى الاجرام واستهانته بالعقاب فهو اخطر من الجاني الذي يجرم لاول مرة ومن ثم فهو خليق بتشديد العقاب عليه املا في ردعه[119]

فهو ظرف مشدد شخصي يرجع الى شخصية الجاني وما كشفت عنه الجرائم التي ارتكبها من خطورة اجرامية كامنة تنذر باحتمال اقترافه لجرائم اخرى في المستقبل كما ان ارتكاب العائد لجريمة جديدة بعد سبق صدور الحكم عليه بعقوبة يدل على ان هذه العقوبة لم تكن كافية لردعه. ويتفق العود مع التعدد في ان الجاني يرتكب في الحالتين اكثر من جريمة ولكنه في التعدد يرتكب الجريمة الثانية قبل ان يصدر عليه حكم نهائي في الجريمة الاولى ولا تتشدد العقوبة بسبب التعدد على خلاف العود, ويتخذ العود عدة صور.

صور العود :
العود العام والعود الخاص :
العود العام هم الذي لا يشترط فيه التماثل بين الجريمة الاولى والجريمة الثانية سواء من حيث الوصف او النوع فهو يتوافر رغم اختلاف الجرائم من حيث وصفها (جناية او جنحة ) او نوعها (قتل, سرقة, هتك عرض ) مثال ذلك ان يحكم على شخص بالسجن في جناية ضرب افضى الى الموت ثم يعود فيرتكب جنحة سرقة.

اما العود الخاص فهو الذي لا يتوافر الا اذا كانت الجريمة الجديدة مماثلة او مشابهة للجريمة الاولى التي صدر فيها حكم بات بالادانة فمن يحكم عليه في جريمة سرقة يجب ان تكون عودته الى ارتكاب سرقة اخرى او نصب او خيانت امانة او كمن يحكم عليه من اجل جريمة قذف ثم يرتكب بعد ذلك الحكم البات جريمة سب او اهانة او عيب والعلة في التشديد في هذا النوع من العود انه يدل على اتجاه الجاني الى ارتكاب جرائم من نوع معين.

العود المؤبد والعود المؤقت :
العود المؤبد هو الذي يتوافر لمجرد عودة الجاني الى ارتكاب جريمة جديدة في اي وقت كان بعد سبق الحكم عليه من اجل الجريمة الاولى ويكون ذلك في حالة ما اذا كانت العقوبة الاولى جسيمة بحيث يستمر تاثيرها فترة طويلة.

ويكون العود مؤقتا اذا اشترط لقيامه ان تقع الجريمة الثانية خلال مدة زمنية محددة من تاريخ صيرورة الحكم الصادر بالادانة باتا فاذا كانت المدة خمس سنوات فان هذا العود لا يقوم اذا وقعت الجريمة الثانية بعد فواتها ويكون ذلك عادة اذا كانت العقوبة التي حكم بها في الجريمة الاولى غير جسيمة حيث لا يبقى اثرها لمدة طويلة.

العود المتكرر و العود البسيط :
العود المتكرر او المركب هو الذي يتكرر فيه عودة الجاني الى ارتكاب الجريمة اكثر من مرة رغم ما يحكم به عليه من عقوبات فخطورة الجاني تظهر حين يتجه نشاطه الاجرامي في وجهة معينة فيرتكب جرائم متشابهة او متماثلة بحيث يصح القول بانه اعتاد على نوع معين من الاجرام او اتخذه حرفة له مما يفضي الى وجوب تشديد العقاب بالنسبة له فهذا العود يقوم بتوافر امران : ان تعدد العقوبات المحكوم بها على المجرم وان تتماثل الجرائم التي بسببها وقعت هده العقوبات مع الجريمة الجديدة التي ارتكبها.

العود البسيط يكفي لتحققه ارتكاب جريمة ثانية بعد سبق صدور حكم بعقوبة في جريمة اخرى.

وفي صورة الفصل 25 مجلة جنائية فإن المحكوم عليه يجب أن يكون عائدا للمرة الثانية.

وبعد التعرض الى صور العود وجب النظر في شروطه

شروط العود :
ان الشرط التي يستوجبها القانون في العود عامة يبينها الفصل 47 مجلة جنائية وليكون هناك عود يجب ان يكون الجاني قد عوقب من اجل جريمة سابقة وان يكون هذا الاخير قد ارتكب الجريمة اللاحقة خلال مدة زمنية معينة

العقاب من اجل جريمة سابقة
حسب الفصل 47 مجلة جنائية :” يعد عائدا كل من يرتكب جريمة بعد عقابه بموجب اخرى”.

فالعود يستوجب صدور حكم بات سابق بالعقاب على الجاني فهو لا يعتبر عائدا الا اذا صدر عليه حكم بات بالعقاب واصبح هذا الحكم باتا قبل ارتكابه للجريمة اللاحقة فلا يكفي ان يكون قد ارتكب جريمة سابقة ما دام لم يحكم فيها بعد وتبين محكمة التعقيب ان القاضي يجب عليه التثبت من محتوى بطاقة السوابق العدلية المتعلقة بالمتهم فان تمت ادانته بدون ان يتضمن ملف القضية اعتمادها على بطاقة السوابق العدلية فان حكمها يكون ضعيف التعليل وقابل للنقض ويجب اضافة لصدور حكم بالعقاب من اجل جريمة سابقة ان تكون العقوبة المحكوم بها على الجاني سابقا عقوبة نافذة وغير مؤجلة فيكون بذلك صدور حكم سابق بالعقاب مع تاجيل التنفيذ يمنع محاكمة الجاني من اجل جريمة لاحقة على انه عائد ويعتبر الفصل 48 مجلة جنائية ان الحكم بالعقاب النافذ من اجل ارتكاب الجاني لجريمة سابقة لا يؤخذ بعين الاعتبار الا اذا كانت هذه الجريمة جناية او جنحة وبذلك فالحكم الصادر من اجل مخالفة لا يجعل من الجاني عائدا مهما كان نوع الجريمة اللاحقة لأن المخالفات لا تعتبر في تقدير العود.

كذلك لا يعتبر المتهم عائدا اذا صدر عليه حكم سابق بالعقاب من طرف محكمة عسكرية من اجل ارتكابه لجريمة عسكرية لكن اذا كان العقاب السابق الصادرمن المحكمة العسكرية سببه ارتكاب الجاني لجريمة حق عام سابقة من صنف الجنح او الجنايات فان هذا العقاب يعتد به في العود اي انه يجعل المتهم يحاكم بوصفه عائدا على معنى الفصل 47 مجلة جنائية[120].

ويقتضي الفصل 48 مجلة جنائية :” لا يعتبر في تقدير العود العقوبات المستوجبة بسبب الجرائم المنصوص عليها بالفصل 217 والفصل 225 من هذا المجله وبصفة عامة بسبب الجرائم التي لا شيء فيها يدل على العمد الا اذا كانت المحاكمة الجارية واقعة على متهم سبق الحكم عليه في جريمة من نوعها ” ونستخلص منه انه لا يعتبر المتهم عائدا اذا صدر عليه العقاب سابقا من اجل جريمة غير عمدية سواء القتل على وجه الخطأ او الجرح على وجه الخطأ الا اذا كانت الجريمة اللاحقة التي يحاكم من اجلها الجاني من نوع الجريمة التي عوقب من اجلها سابقا اي وجوب ان تكون الجنحة الاولى والثانية جريمتين غير قصديتين وان يكونان من نفس النوع.

ارتكاب الجريمة اللاحقة خلال مدة الاختبار :
يشترط الفصل 47 مجلة ججنائية لاعتبار الجاني عائدا ان يكون قد ارتكب الجريمة اللاحقة خلال المدة التي يحددها القانون لاختبار قدرته على الابتعاد نهائيا عن الاجرام وينص الفصل 47 مجلة جنائية :” يعد عائدا كل من يرتكب جريمة بعد عقابه بموجب اخرى قبل ان تمضي خمسة اعوام على قضاء العقاب الاول او على انقضائه او على سقوطه بمرور الزمن, ويكون الاجل عشرة اعوام اذا كانت الجريمتان مستوجبتين للعقاب بالسجن عشرة اعوام فما فوق ” .

ويستخلص من هذا الفصل ان المدة التي تجعل المتهم عائدا اذا ارتكب خلالها الجريمة اللاحقة تبدا من تاريخ صيرورة الحكم السابق بالعقاب باتا وبالنسبة لنهاية هذه المدة فاذا كانت الجريمة السابقة والجريمة اللاحقة من صنف الجنايات التي يعاقب عليها القانون بعقوبة تساوي او تفوق عشر سنوات سجنا فان مدة الاختبار تنتهي بعد عشر سنوات من تاريخ انقضاء العقوبة الاولى, اما اذا كانت الجريمة السابقة والجريمة اللاحقة كلاهما من الجنح او الاولى جنحة والثانية جناية او الاولى جناية والثانية جنحة او الاثنان جنايتان كلاهما او احداهما مستوجبة لعقوبة بالسجن تقل عن 10 سنين فان مدة الاختبار تنتهي بمرور خمس سنين من تاريخ انقضاء العقوبة الاولى.

يجب كذلك ان تكون الجريمة اللاحقة مستقلة عن الجريمة الاولى فالشخص الذي يهرب من السجن لا يعتبر عائدا لان جريمته مرتبطة بالجريمة الاولى لانه اراد بالهرب التخلص من العقوبة المحكوم بها اما اذا عاود الهرب فيمكن اعتباره عائدا بالنسبة للهرب.

ويترتب عن اعتبار المتهم عائدا الى الجريمة التشديد عليه في العقاب وذلك بالترفيع مبدئيا من الحد الادنى والحد الاقصى من العقوبة المنصوص عليها بالنسبة للجريمة اللاحقة المحال من اجلها على المحاكمة الجزائية وينص الفصل 50 مجلة جنائية :” في صورة العود لا يمكن ان يكون العقاب دون الاقصى المنصوص عليه بالفصل المنطبق على الجريمة الجديدة ولا اكثر من ضعف ذلك المقدار لكن بدون ان يمنع ذلك من اعتماد الفصل 53 عند الاقتضاء ”

اذن يصبح الحد الاقصى للعقوبة المنسوبة للعائد مساويا لضعف الحد الاقصى والحد الادنى مساويا للحد الاقصى فمثلا لو ارتكب الجاني جريمة سرقة عادية على معنى الفصل 264 مجلة جنائية بوصفه عائدا فان عقوبة هذه الجريمة يصبح اقصاها عشرة سنوات سجنا بعد ان كان خمسة سنوات و ادناها خمسة سنوات سجن بعد ان كان ستة عشر يوما[121] فالعود ينم عن حالة خطرة مما استوجب من المشرع افراده بنظام خاص حتى يقع ردع المجرمين ومنعهم من العود الى الاجرام ثانية فتشديد العقوبة في هاته الحالة هو لمنع الجاني من اعادة ارتكاب جريمة في المستقبل وان فعل فيكون هذا العقاب تعويضا عادلا ومستحقا للمجتمع فتحقق بذلك العقوبة دورها الواقي والرادع فتعيد التوازن بين الجريمة والعقوبة كمقابل لها وتمنع وقوع جرائم جديدة في المستقبل فهذا الكفاح ضد الجريمة موجه نحو المجرم نفسه فتخويف المجرم بغيه ردعه من شانه حماية المجتمع من خطورته الاجرامية فتحديد الجزاء هنا هو على ضوء خطورة الجاني لا خطورة الفعل.

اذن في خلاصة قولنا يمكننا القول ان الفصل 25 مجلة جنائية في صيغته لم يرتبط باي نوع من الجرائم فالخطورة الاجرامية فيه عامة واشتراط المشرع لعقاب اكثر من عامين او لحالة العود ما هو الا دليل على تبنيه لفكرة الخطورة الاجرامية في خصوص العقوبات التكميلية باعتبارها تعد الى جانب العقوبة الاصلية الوسيلة الثانية للسياسة الجنائية في مكافحة الجريمة

وعامة يمكن اعتبار عقوبة المراقبة الادارية هي عقوبة تجد اساسها في الحالة الخطرة سواء لتخصيصها للجنح والجنايات دون المخالفات او لكل جريمة كان عقابها اكثر من عامين او حالة المجرم العائد وفي هذا توسيع في مجال تطبيق هاته العقوبة.

المبحث الثاني : مجالات تطبيق عقوبة المراقبة الإدارية :
بتصفحنا للمجلة الجزائية، نجد اختلافا في النصوص التي نصّت على تطبيق عقوبة المراقبة الإدارية، فالقاضي الجزائي يتمتع بسلطة فعّالة في تحديد العقوبة التكميلية المطبقة، فنظام العقوبات التكميلية يتسم بالمرونة. إذ نجد نصوصا وضع فيها المشرع العقوبة التكميلية الواجبة التطبيق، و نصوصا جاءت عامة اكتفى فيها المشرع بعبارة “العقوبات التكميلية” دون تحديد لها. لذلك سيقع التطرق إلى الحالات التي كان فيها التنصيص على عقوبة المراقبة الإدارية مباشرا (الفقرة الأولى) و الحالات التي ورد فيها هذا التنصيص مسويا بالغموض إذ ورد غير مباشر (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : حالة التنصيص المباشر :

لقد كان المشرع واضحا و صريحا في خصوص بعض الجرائم، فنصّ على تطبيق عقوبة المراقبة الإدارية بصفة مباشرة و ذلك في الجرائم الإرهابية و جرائم المخدرات و جرائم التحريض على الخناء و جرائم الاعتداء على أمن الدولة و جرائم تدليس العملة.

أ-الجرائم الإرهابية :

من البديهي أن يتساءل أي شخص عن مفهوم الجريمة الإرهابية و قد ذهب العديد من فقهاء القانون إلى أنه لا يمكن تقديم تعريف للإرهاب، و الإرهاب لا يمثل ظاهرة جديدة فالعديد من المؤرخين تحدثوا عن وجوده منذ العصور القديمة، فهذا المصطلح هو من أكثر المصطلحات انتشارا في العالم لكن لا يوجد اتفاق على مدلوله و معناه، ففي حين يعتبر البعض تصرفا معينا عملا إرهابيا أو تخريبيا نتيجة آثاره بالغة الخطورة، يعتبره البعض عملا بطوليا، و نظرا لتعدّد أسباب و غايات العمل الإرهابي و الطريقة التي تتبع في تحقيقها كانت الصعوبة في إعطاء تعريف للإرهاب.

و لقد حاول فقهاء القانون تعريف الإرهاب غير أنّ تنوع مظاهره جعلت جهودهم مشتتة مما يؤكد صعوبة التوصل إلى تعريف واضح لهذه الظاهرة، و يرى الأستاذ فريد لاند أن الإرهاب هو “الاستخدام التكتيكي للعنف الغاية منه أولا خلق جو عام من الخوف و الذعر لدى القسم الأكبر من الشعب”، و يرى الأستاذ فيراكوني أن الإرهاب هو “أي عمل ينفذ كجزء من وسيلة للنضال السياسي يقصد به التأثير على سلطة الدولة أو على اكتساب هذه السلطة أو الدفاع عنها و يتضمن استخدام العنف الشديد ضدّ الأبرياء و المسالمين”، و يرى الأستاذ واردلو أن “الإرهاب السياسي هو استخدام للعنف أو التهديد باستخدامه من فرد أو جماعة تعمل إما لصالح سلطة قائمة أو ضدّها عندما يكون القصد من ذلك العمل خلق حالة من القلق الشديد لدى مجموعة أكبر من الضحايا المباشرة للإرهاب و إجبار تلك المجموعة على الموافقة على المطالب السياسية لمرتكبي العمل الإرهابي”.

كما يعرف الأستاذ محمد عطية راغب الجريمة الإرهابية بأنها الاعتداء الذي تقترفه العصابات أو الجماعات الإرهابية ضدّ السلطات النظامية في الدولة عن طريق التخريب و النسف و إثارة الفزع. و… الذي يبعث الذعر و ينشئ خطرا عاما يهدّد عددا غير محدّد من الأشخاص و يعتمد على أساليب وحشية لا يتناسب ضرره مع الغرض المستهدف به”. أما الأستاذ ولتر فيرى أنّ “الإرهاب يتألف من ثلاثة عناصر : فعل العنف أو التهديد باستخدامه، ردّة الفعل العاطفية الناجمة عن أقصى درجات الخوف الذي أصاب الضحايا أو الضحايا المحتملة، و أخيرا التأثيرات التي تصيب المجتمع بسبب العنف أو التهديد باستخدامه و نتائج الخوف”. و نذكر كذلك تعريف الأستاذ توفيق صالحي : “الإرهاب هو استعمال للعنف يخلق حالة خوف أو رعب بغية الوصول إلى أهداف سياسية أو إيديولوجية و قد تمارسه الدولة أو يوجه ضدّها”[122].

و قد اعتبر Thoronton أنّ : “الإرهاب هو استخدام الرعب كعمل رمزي الغاية منه التأثير على السلوك السياسي بواسطة وسائل غير اعتيادية”. يعرفه Micholus بأنه : “استخدام أو تهديد باستخدام القلق الناجم عن العنف غير الاعتيادي لمآرب سياسية”. و عرّف الدكتور صلاح الدين عامر الإرهاب بأنه اصطلاح يستخدم في الأزمنة المعاصرة للإشارة إلى الاستخدام المنظم للعنف لتحقيق هدف سياسي”. أما الدكتور نبيل أحمد حلمي فعرف الإرهاب بكونه الاستخدام غير المشروع للعنف أو التهديد بواسطة فرد أو مجموعة أو دولة ضدّ فرد أو جماعة أو دولة ينتج عنه رعبا يعرّض للخطر أرواحا بشرية أو يهدد حريات أساسية و يكون الغرض منه… في معظم الأحيان غرضا سياسيا”.

و نستخلص من جملة هاته التعريفات أن هناك عدّة عناصر اعتمدها الفقهاء لتعريف الإرهاب فهناك من ارتكز على الوسيلة المستخدمة و آخرون ركزوا على الأثر الذي يحدثه. و هناك من نظر من زاوية الهدف المراد تحقيقه وهو هدف سياسي بدرجة أولى وهو ما أحدث خلطا بين الجريمة الإرهابية و الجريمة السياسية.

و لقد عرفت الفقرة الثانية من الفصل الأول من اتفاقية منع و معاقبة الإرهاب بتاريخ 16 نوفمبر 1937 الأعمال الإرهابية بكونها : “الأفعال الإجرامية الموجهة ضدّ دولة من الدول والتي من شأنها بحكم طبيعتها أو هدفها إثارة الرعب في نفوس شخصيات معينة أو جماعات من الأشخاص أو في نفوس العامة”.

و يعرف الفصل 4 من القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب و منع غسل الأموال الجريمة الإرهابية بأنها: “كل جريمة مهما كانت دوافعها، لها علاقة بمشروع فردي أو جماعي من شأنه ترويع شخص أو مجموعة من الأشخاص أو بثّ الرعب بين السكان و ذلك بقصد التأثير على سياسة الدولة و حملها على القيام بعمل أو على الامتناع عن القيام به أو الإخلال بالنظام العام أو السلم أو الأمن الدوليين، أو النيل من الأشخاص أو الأملاك، أو الإضرار بمقرّات البعثات الديبلوماسية و القنصلية أو المنظمات الدولية أو إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة مما يعرض حياة المتساكنين أو صحتهم للخطر أو الإضرار بالموارد الحيوية أو بالبيئة الأساسية أو بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو بالمرافق العمومية”.

كما عامل المشرع جرائم التحريض على الكراهية أو التعصب العنصري أو الديني معاملة الجريمة الإرهابية.

إن خطورة الجريمة الإرهابية تقتضي إقرار عقوبات شديدة و ذلك للضرب على أيدي الإرهابيين و ثني البعض الآخر عن القيام بأعمال إرهابية، فالزجر الناجع لظاهرة الإرهاب يتحقق بوضع عقوبات مناسبة و ملائمة لهذا النوع من الجرائم.

و لقد واجه المشرع التونسي الجريمة الإرهابية بنوع من الشدّة فوضع عقوبات تكميلية إلى جانب العقوبة الأصلية التي تطبق على مرتكبي هاته الجرائم. فاعتبر أن العقوبة بمعناها الضيق لا تكفي للتصّدي لظاهرة الإجرام بل لا بدّ من وضع تدابير من شأنها أن تحول دون ارتكاب المجرم مجدّدا لإحدى هاته الجرائم، فقد نصّ الفصل 25 من قانون 10 ديسمبر 2003 أنه : “يتحتم الحكم بالمراقبة الإدارية على مرتكبي الجرائم الإرهابية مدّة لا تقلّ عن خمسة أعوام و لا تفوق عشرة أعوام…

كما نصّ الفصل 26 من نفس القانون أنه : “يعفى من العقوبات المستوجبة من بادر من المنتمين لوفاق أو لتنظيم أو من كان له مشروع فردي يهدف إلى ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية بإبلاغ السلط ذات النظر بإرشادات أو معلومات مكنت من اكتشاف الجريمة و تفادي تنفيذها.

و لا يمنع ذلك المحكمة من وضع ذي الشبهة تحت المراقبة الإدارية أو منعه من الإقامة بأماكن معينة لمدّة لا يمكن في كلّ الحالات أن تتجاوز خمسة أعوام”.

و بالرغم من كون هاته العقوبة هي في الأصل اختيارية، إذ جعل الفصل 25 مجلة جنائية للمحكمة الاختيار في تسليطها من عدمه إلا أن المشرع جعلها وجوبية في الجريمة الإرهابية وجوازية في حالة الإعفاء من العقاب بالنسبة للمبلغين. و يظهر دور هذه العقوبة في انتشال المجرم الإرهابي من الوسط الذي كان يعيش فيه حتى لا يكرّر نفس الأفعال مرّة أخرى.

غير أن العديد من الفقهاء ينتقدون هذه العقوبات التكميلية رغم تسليمهم بنجاعتها و خاصة صفتها الوجوبية، فيرى الأستاذ أوتونوف أنّ : “التجربة قد أبرزت الصعوبات التي يلقاها المجرم الإرهابي في أن يبتعد على نظام العيش الذي اعتاد عليه و ما من شكّ أن منع الإقامة بالنسبة إليه سوف يشكل عائقا كي يعيش حياة عادية و خاصة بالنسبة للإرهابي التائب الذي يتعاون مع السلطة و ينقطع عن الإجرام و الذي يتمتع بالأعذار التي أقرّها القانون لفائدته. و ربما لهذا السبب جعل المشرع في هاته الحالة الأخير تسليط عقوبة المراقبة الإدارية جوازيا.

أصدرت الدائرة الجنائية الرابعة بالمحكمة الإبتدائية بتونس حكم جنائي ابتدائي اعتبرت فيه أن الانضمام إلى تنظيم اتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه و إعداد محل لاجتماع أعضاء تنظيم لهم علاقة بالجرائم الإرهابية و قضت بوضع المتهمين تحت المراقبة الإدارية مدة خمسة أعوام.[123]

و أصدرت كذلك الدائرة الجنائية الثالثة عشر بمحكمة الاستئناف بتونس حكما جنائيا قضت فيه بوضع المتهمين تحت المراقبة الإدارية مدة خمسة أعوام من تاريخ انقضاء العقاب[124].

ب-جرائم المخدرات :

المخدرات هدية من الشيطان اكتشفها الإنسان، ذلك الطاغوت السفاح ليقضي على أخيه الإنسان قضاء بطيئا مروعا، و كأن ما بالعالم من أسلحة متنوعة ليس بكاف لأن يجتاح البشر و يهدد العمران و يصير الكون قاعا صفصفا و خرابا بلقعا[125] .

و المختصون في ميدان المخدرات يصفونها بالوباء و بالأخطبوط الذي إذا أطبق على عنق أمة فإنه يسحب منها أنفاس الحياة و الأمل نتيجة انتشاره المفزع خاصة بين فئاتها الشابة[126] و لقد تصدى لها المشرع التونسي منذ أواخر القرن 19.

و علميا المخدرات هي المواد التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي و يسبب تعاطيها حدوث تغيرات في وظائف المخ، و تشمل هذه التغييرات تنشيطا أو تثبيطا أو اضطرابا في مراكز مختلفة منه، كما لها تأثير بصورة تدريجية حسب نوع المخدر على الذاكرة و التفكير و الحواس، فهي تؤثر على حرارة الجسم و على وظائف القلب و الشرايين و الجهاز الهضمي و الجهاز التنفسي و العضلات و الغدد[127] .

و عرفها المشرع التونسي في الفصل الأول من قانون المخدرات بأنها : “تعتبر مخدرات و تخضع لتطبيق هذا القانون جميع المواد المدرجة بالجدول “ب” الملحق بهذا القانون سواء كانت طبيعية أو مركبة و مهما كان نوعها أو شكلها و في أي مرحلة من نموها أو تركيبها الكيميائي”.

و نظرا لعدم إمكانية وضع تعريف دقيق و شامل للمخدرات لاختلاف أنواعها و فصائلها فمنها الطبيعية و منها المصنعة و منها المباحة و منها الممنوعة. كما تختلف فيما بينها في مستوى قوة مفعولها، اختلفت جل التشريعات في تعريفها مما صعب معه إيجاد تعريف دقيق و شامل للمخدرات[128] .

و لقد اتجهت أغلب التشريعات إلى تحديد المخدرات الممنوعة و المجرّم تعاطيها على سبيل الحصر. و لقد حددها المشرع التونسي ضمن الجدول “ب” الملحق بقانون المخدرات لسنة 1992.

أما تعاطي المخدرات فهو يعني تناول و استهلاك المواد المخدرة و إدخالها للجسم بأي وسيلة أو طريقة كانت لتؤثر على الأجهزة الموجودة به.

و لقد تطورت مشكلة المخدرات و كثرت الجرائم المرتبطة بها و أصبحت تهدد المجتمع الدولي بأسره، و تطورت السياسة التشريعية الموجهة لمكافحتها. فقد كان الاهتمام منذ عهد الحماية، و توالت القوانين و تطورت مع تطور الإجرام المتعلق بالمخدرات و محاولة للتأقلم مع السياسة العالمية في هذا الإطار وضع المشرع القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات حاول فيه تبني سياسة جديدة قصد مكافحة الجرائم المتعلقة بالمخدرات مقرا عدة عقوبات بدنية و مالية و ذلك لمجابهة آفة المخدرات بكل قوة و بالتالي منع المجتمع من الوقوع فيها، و تجنبا لأضرارها الجسيمة على مختلف المستويات.

حاول المشرع التونسي تجريم جميع الأعمال التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمادة من المواد المدرجة بالجدول “ب” من قانون 1992، فشدد العقاب في جريمة إنتاج المواد المخدرة و التصنيع و التوزيع للمواد المخدرة بنية الاتجار و جريمة التهريب و التوريد و التصدير للمواد المخدرة و جريمة الانتماء إلى تنظيم جماعي يتعلق نشاطه بالمخدرات و جريمة إعداد مكان لتعاطي أو ترويج أو إخفاء المواد المخدرة و جريمة الاستهلاك و المسك لغاية الاستهلاك الشخصي و جريمة التردد على مكان أعد أو هيأ لتعاطي المخدرات.

و هذا القانون أراده المشرع أكثر صرامة و تشددا من سالفه من حيث العقوبات و يعتبر حرصا تشريعيا لنبذ ظاهرة المخدرات وهو حرص يتأكد خاصة بعدما تم اكتشافه في العالم من أصناف جديدة من المخدرات سواء كانت نباتية أو مركبة فكان تشديد العقاب على كل من تورط في هذا المجال[129] .

و في نفس هذا التمشي وضع المشرع عقوبة المراقبة الإدارية، و هي من أكثر العقوبات التكميلية الاختيارية تطبيقا في جرائم المخدرات حيث يمكن أن يأذن بها القاضي إلى جانب العقوبات الأصلية. فقد نص الفصل 16 من التشريع الخاص بالمخدرات أنه : “يمكن للمحكمة المختصة أن تأذن إلى جانب العقوبات الأصلية بالمراقبة الإدارية على المحكوم عليه لمدة عشر سنوات…”. كما نص الفصل 26 مجلة جنائية : “في صورة الحكم بالعقاب الصادر تطبيقا لأحكام الفصول 60 إلى 79 أو الفصول 231 إلى 235 من هذه المجلة أو الصادر من أجل مخالفة التشريع المتعلق بالمخدرات تتحتم المراقبة الإدارية مدة عشرة أعوام إلا إذا قضت المحكمة بخلاف ذلك”.

و تظهر في الفصل 16 الطبيعة الاختيارية الصريحة لعقوبة المراقبة الإدارية في مادة المخدرات بعد أن كانت وجوبية في الفصل 26، إلا أنها أضحت اختيارية أي أنها لا تنفذ بحكم القانون و إنما لا بد من النطق بها في الحكم كي تنفذ.

و أكد ذلك فقه القضاء حيث جاء في قرار استئنافي صادر عن محكمة الاستئناف بتونس عدد 1568 صادر في 21 جانفي 2002 أنه : “و حيث و بالنظر إلى نقاوة سوابق المتهم العدلية و ظروف الواقعة و ملابساتها و باعتبار أن المتهم له مقر معلوم و له عمل قار و لا يمكن تحميله أعباء أكثر في خصوص المراقبة الإدارية خاصة و أن الفصل 16 من قانون 18 ماي 1992 جاء ناسخا للفصل 26 مجلة جنائية و أعطى للمحكمة الخيار في تسليط العقوبة التكميلية من عدمه وهو أمر غير وجوبي، لذا ترى هذه المحكمة تعديل الحكم الابتدائي و ذلك بحذف المراقبة الإدارية”[130].

إن الطبيعة الاختيارية لعقوبة المراقبة الإدارية متناقضة و السياسة العقابية المشددة التي يتبعها المشرع في مادة إجرام المخدرات خاصة و أن الفصل 16 من قانون 18 ماي 1992 ورد تحت باب في تشديد العقاب.

و الجدير بالملاحظة أنه قد تواتر تطبيق هاته العقوبة التكميلية خاصة في الطور الابتدائي، و يمكن تفسيره بطبيعتها التبعية مما جعل القضاة يواصلون العمل بها حتى بعد صدور قانون 1992، هذا إلى جانب دور العقوبة في حد ذاته في مراقبة المحكوم عليه، و يوظف القضاة سلطتهم التقديرية في تحديد مدى الحاجة في توقيع هذه العقوبة التكميلية من عدمه على المحكوم عليه و ذلك على أساس سوابقه العدلية و شخصيته ووضعيته الاجتماعية و درجة خطورة الجريمة المرتكبة، و لقد عبرت عن ذلك محكمة الاستئناف بتونس بقولها : “و حيث ترى هذه المحكمة النزول بالمراقبة الإدارية المحكوم بها على المتهم (م ش) إلى ثلاثة سنوات لتكون متلائمة مع درجة خطورة الفعل الذي اقترفه… و حيث ترى المحكمة حذف عقوبة المراقبة الإدارية المحكوم بها على بقية المتهمين (ر) و (م ع) لتسهيل اندماجهم بحظيرة المجتمع بعد قضاء العقاب المحكوم به عليها”[131].

ج-جرائم التحريض على الخناء :

إن المجتمع الذي يريد أن يحافظ على وجوده يجب أن يحمي الأخلاق و يعمل على صيانتها، فمجتمع بلا أخلاق لا دوام و لا استقرار له، فالبعض يعتبرها العمود الفقري لكل مجتمع. و لهذا تسعى القوانين في مختلف المجتمعات إلى حماية الأخلاق داخلها و ذلك بإرساء قواعد جزائية لحمايتها و التصدي لكل ما من شأنه أن يمس الآداب العامة في المجتمع و التي من أهمها جرائم التحريض على فعل الخناء.

إن وجه الخطورة في هذه الجرائم هي أنها جعلت من جسد الانسان و شرفه بضاعة خاضعة إلى قاعدة العرض و الطلب المعمول بها في سوق الرذيلة، فأصبح جسد المرأة يباع بمقابل مالي[132]. و أصبحت جل القوانين تجرم هاته الأفعال و تعود أسباب هذا التجريم إلى حماية جسد الإنسان من كل ممارسة غير مشروعة و حتى لا يصبح الجسد مسترزقا و مصدر عيش للآخرين. و لقد جرّمها المشرع بالفصول من 231 إلى 235 مجلة جنائية.

و الخناء يعني الفحش و الفساد وهو باللغة الفرنسية La débauche، و لا يوجد تعريف قانوني لهذا المصطلح، و يشترط الفقهاء المقابل و الإحتراف كركنين أساسيين للخناء.

و يمكن تعريف الخناء بأنه عرض امرأة لجسدها للرجال و الاتجار به مقابل التحصل على مبلغ مالي أو منفعة مادية أو إنه ذلك الاتصال الجنسي الموسوم بالمقايضة و عدم التمييز و عدم التجاوب الانفعالي[133].

و نظرا لما تشكله الجرائم الأخلاقية عموما و جريمة التحريض على الخناء خصوصا من خطورة على الفرد و المجتمع و ما يترتب عن ذلك من انتهاك للقيم الأخلاقية و لجسد الإنسان و شرفه.

فهاته الجرائم فيها اعتداء مباشر على الهيئة الاجتماعية وجب الحرص على فرض عقوبات رادعة لها حتى يقع الحد منها أكثر ما يمكن.و لقد اعتمد المشرع على جملة من الوسائل الزجرية التي من شأنها أن تكون آليات رادعة، فالعقوبة حق بيد الهيئة الاجتماعية لإصلاح نظامها من أخطاء أفرادها[134].

و ممارسة لهذا الحق وضع المشرع في الفصل 235 مجلة جنائية جملة من العقوبات التي تسلط على مرتكبي جرائم التحريض على الخناء إضافة إلى ما نص عليه الفصل 26 مجلة جنائية.

و المشرع المصري أقر إمكانية تسليط هاته العقوبة لمدة مساوية للعقوبة الأصلية و ذلك في جرائم التمعش من الخناء و التوسط فيه.

و الحقيقة أن المحاكم لا تقضي بمثل هذه العقوبة في حق مرتكبي جرائم التوسط و التمعش من الخناء إلا في حالات نادرة.[135]

كما يلاحظ أن الفاعل في هاته الجرائم قد يكون رجلا أو امرأة [136] لذلك عقاب المراقبة الإدارية يسلط على المرأة أو الرجل على حد السواء فيكفي اقترافهم لأحد الجرائم الواردة في إطار التحريض على الخناء.

وهاته الاجراءات تستمد مبرراتها من رغبة المشرع في حماية القصر و غيرهم من الاعتداءات التي من شأنها أن تحرضهم على الفجور.[137]

و يمكن القول أن العقوبة كوسيلة لردع و مقاومة ظاهرة البغاء تبقى في حاجة إلى الدعم من خلال اتخاذ بعض الاجراءات الأخرى و خاصة و أن الأرقام و القضايا المطروحة في المحاكم و المتعلقة بجرائم الخناء و التمعش يفرض اللجوء للوسائل الوقائية[138].

د-جرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي و الخارجي :

تقر المجلة الجنائية الصادرة سنة 1913 التفرقة بين جرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي و جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، إذ نجد أن المشرع وضع بابا بالمجلة الجنائية يخص الاعتداء على أمن الدولة الخارجي و ذلك بالفصول من 60 إلى 62 مكرر و بابا يخصّ الاعتداء على أمن الداخلي بالفصول من 63 إلى 81.

والملاحظ أن الفصل 25 من قانون الأحزاب المؤرخ في 03 ماي 1988 أقر عقابا أقصاه خمسة أعوام سجنا يسلط على كل مؤسس أو مسير لحزب ارتكب إحدى الجرائم التالية:

الاتصال بطرف أجنبي للنيل من الأمن العام أو تعكير النظام العام أو الإضرار بالحالة السياسية أو الاقتصادية للبلاد و جريمة القيام بدعاية سياسية لفائدة جهة أجنبية القصد منها النيل من مصالح تونس و جريمة إعطاء معلومات أو تسليم وثائق سرية لطرف أجنبي تتعلق بالميدان العسكري أو السياسي… و جريمة القيام بأعمال تنال من معنويات الأمة لتعكير النظام العام و الاعتداء على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي و جريمة تسليم أموال متأتية من جهة أجنبية سواء كانت للحساب الخاص أو لحساب الحزب و المحاولة موجبة العقاب.

و من الواضح أن هذه القائمة تذكرنا بجرائم الاعتداء على أمن الدولة المنصوص عليها بالفصلين 60 مكرر ثالثا و الفصل 61 مكرر، غير أن ما تتميز به الجرائم الواردة بقانون 03 ماي 1988 صفة مرتكبيها و هم مؤسسو الحزب أو مسيروه.[139]

أما المشرع الفرنسي فقد ألغى هاته التفرقة بأن جعل المجلة تنص على جرائم الاعتداء على أمن الدولة دون التمييز بين الأمن الداخلي أو الخارجي ثم عوضها بعبارة “المصالح الأساسية للأمة” .

و لقد اختلف الفقهاء في اعتبار جرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي و الخارجي من الجرائم السياسية أم لا؟ فإذا كانت جرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي تكون دائما جرائم سياسية، فإن جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي منذ الحرب العالمية الأولى لم يعد الفقهاء يعتبرونها جرائم سياسية لأنها تستهدف الدولة في كيانها ووجودها، إذ لا يمكن اعتبار تلك الطائفة من الخونة و الجواسيس مجرمين سياسيين و هكذا أصبحت عبارة جريمة سياسية مقتصرة على جرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي.

كما تجدر الإشارة أنه لا يمكن اعتبار الجرائم الإرهابية بأي حال من الأحوال جرائم سياسية و ذلك طبقا للفصل 59 من قانون 10 ديسمبر 2003.

و لقد اختلف الفقهاء في ضبط مفهوم الجريمة السياسية نتيجة لاختلافهم في شأن المعيار الممكن اعتماده، فبالرغم من وجود موقف سياسي يعتبر أن الجريمة من وجهة نظر القانون الجنائي لا يمكن أن تكون إلا جريمة حق عام و بذلك لا موجب حسب هذا الموقف للحديث عن جريمة سياسية و يقابله موقف آخر يرى أن مفهوم الجريمة السياسية يختلف عن مفهوم جريمة الحق العام باعتبار أن الجرائم السياسية بصفة عامة لها مساس بالسلطة و الأمن الداخلي و الخارجي للدولة كما أن لها ارتباط بالحريات[140] .

و نجد ثلاث معايير اعتمدها الفقهاء في تعريف الجريمة السياسية :

المعيار الذاتي و يتجسد في الغرض من ارتكاب الجريمة أي الدافع لارتكابها وهو كامن في ذات المتهم.

المعيار الموضوعي : هو مرتبط بالمصلحة المستهدفة من الجريمة أو بالحق المعتدى عليه.

المعيار الشكلي أو الإجرائي : بعض الأنظمة القضائية تميز بين المحاكم العادية التي هي محاكم الحق الحق العام و التي تختص بالنظر في جرائم الحق العام و بين المحاكم الاستثنائية التي يسند لها المشرع بموجب نصوص خاصة صلاحية النظر في بعض الجرائم التي لها مساس بالدولة، و لقد كانت الجرائم التي نظرت فيها محكمة أمن الدولة في تونس قبل إلغائها و المحكمة العليا من قبيل الجرائم السياسية.

و تتمثل جرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي في الاعتداء على حياة رئيس الدولة (الفصل 63) و الاعتداء بالضرب على ذات رئيس الدولة (الفصل 64) و ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة (الفصل 67) و المؤامرة (الفصل 68)، العزم أو الشروع في عمل تحضيري للاعتداء (الفصل 70).

و الاعتداء بقصد تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا (الفصل 72) و تعويض هيئة حاكمة على إثر ثورة (الفصل 73) أو مدّ جموع بالأسلحة أو رئاستها بقصد نهب أموال الدولة أو الاستيلاء أو الإفساد أو محاربة القوة العامة أو التصدي لها (الفصل 74) و الانضمام إلى هاته الجموع أو مدّها بالأسلحة أو المساكن أو أماكن الاختفاء و الاجتماع بدون غصب مع العلم بقصدها و صفتها (الفصل 75) و جريمة حرق و هدم أملاك الدولة (الفصل 76) و الاعتداء على الناس أو الأملاك بسلاح أو بدونه (الفصل 77) الهجوم المسلح أو غير المسلح على محل معدّ للسكن أو الحرفة أو على ملك مسيج قصد الاعتداء (الفصل 78) و الإخلال بالراحة العامة بقصد ارتكاب جريمة أو التعرض لتنفيذ قانون أو جبر أو حكم (الفصل 79).

أما جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي فتشمل الخيانة و التجسس و كل ما يتفرع عنهما من جرائم.

و لقد نصّ الفصل الثاني من القانون عدد 10 المؤرخ في 01 أفريل 1970 أنه تتكون الخيانة العظمى من طرف أعضاء الحكومة بالاعتداء على أمن الدولة.

كما تعاقب مجلة الصحافة كشركاء الأشخاص الذين يحرضون بصفة غير مباشرة على ارتكاب جرائم ضدّ أمن الدولة الخارجي و الداخلي.

إن المشرع الجزائي التونسي وضع لمعظم الجرائم المتعلقة بالاعتداء على أمن الدولة الداخلي و الخارجي عقوبات قاسية أشدها الإعدام إلى جانب عقوبات بالسجن لمدد مرتفعة، و لذلك يصنف التشريع الجنائي التونسي من ضمن الاتجهات المتشددة في معاقبة الجريمة السياسية[141]. و يعزى هذا التشديد إلى خطورة تلك الجرائم لأنها تهدد الدولة في وجودها و حرصا من المشرع على حماية الدولة.

كما نصّ المشرع على مرتكبي الحكم بالمراقبة الإدارية لمدّة عشرة سنوات على مرتكبي هاته الجرائم و ذلك بالفصل 26 مجلة جنائية. و هذا التشدد يرمي إلى زجر المتمردين على السلطة السياسية الشرعية داخل الدولة بغاية فرض الاستقرار السياسي[142].

هـ-جرائم تدليس العملة :

لقد أكدت التجارب الإنسانية عبر مختلف العصور و الحضارات ارتباط الأزمات الاقتصادية و التدهورات بانتشار الغش و التحيل داخل التجمعات الانسانية، إذ في مثل هذه الوضعيات يعزف الإنسان عن التعاقد و استثمار أمواله و يفضل تجميدها عن التعامل بها وسط أجواء تتميز بانعدام الثقة في المعاملات[143].

و لقد قامت الدولة بالتدخل لتوفير الضمانات الكافية لتشجيع الأفراد على الإقبال على التعامل و التعاقد. فقام الجهاز التشريعي بسنّ النصوص القانونية و الأحكام التي تضمن تكريس عنصر الثقة و تجسم ذلك بنصوص قانونية تجرّم أفعال التدليس و التزوير بقصد الضرب على يد مقترفيها.

إن التدليس في جوهره هو تزييف للحقائق و طمس لها وهو كذلك سعي لإظهارها أمام الناس بمظهر الحق و الصواب، و هذا يبين التقارب بين مفهوم التدليس و التزوير من ناحية و بين مفهوم الغش فكلاهما وسيلة لتزيين الباطل و إخفاء الحقائق[144] فهو مظهر من مظاهر الغش إذ هو كل وسيلة تمكن شخصا من غش شخص آخر.

فالتدليس تغيير للحقيقة و استعمال خزعبلات مما يسبب ضرر للغير أو بإحدى الطرق التي نصّ عليها القانون في شيء معين يثبت حقا أو واقعة يترتب عنها نتائج قانونية، و بهذا نتبين أن للتدليس عناصر أربعة :

الشيء المحمي : كتب أو عملة أو طابع أو شيك.
فعل تغيير الحقيقة و يتركب هذا الفعل بإحدى الطرق التي نصّ عليها القانون.
حصول الضرر أو احتمال حصوله.
القصد الإجرامي[145].
و تشكل جرائم تدليس العملة عدوانا على اختصاص مطلق للدولة خصها به الدستور ألا وهو ضرب العملة كما تمثل هذه الأفعال حرمانا للسلطة العامة من الفائدة المادية التي تعود عليها من صك النقود و انتزاعا للثقة العامة من العملة التي هي أداة التعامل بين كافة أفراد المجتمع، فارتكاب مثل هذه الجرائم يعدّ عدوانا على الصالح العام للبلاد و على مصالح المجموعة البشرية المكونة للمجتمع فهي تمسّ بذات الدولة و بهيبتها.

زجر أفعال التدليس يهدف لتكريس المصالح العامة للبلاد و حماية مصالح الخواص. و لقد جرم المشرع أفعال التدليس التي يحتمل أن ينتج عنها إضرار بمصالح فرد من الأفراد ووضع عقوبات شديدة لها و ذلك أملا منه في محاصرة هذه الظاهرة و درء مثل هذه المفاسد و توفير أكثر حماية للأفراد. فجرائم تزييف العملة الواردة بالفصول 185 إلى 192 مجلة جنائية، تشكل أخطر أنواع الجرائم الاقتصادية التي تهدد اقتصاد البلدان و تتطلب هذه الجرائم أدوات عمل متطورة و تقنية و معرفة عالية و تخطيط مسبق و محكم. و قد تبيّن من خلال معالجة هذه الظاهرة أن مرتكبيها ينشطون ضمن عصابات منظمة تعمل على مستوى دولي و أن عملهم مرتبط ببعض الجرائم الأخرى كالإتجار في المخدرات و المتاجرة في الرقيق الأبيض والإرهاب الدولي مما أدى إلى وجود اتفاقات دولية لمكافحة هذه الجرائم، مثل الاتفاقية التي عقدت في جنيف في 2 أفريل 1992[146] .

المشرع تعرض إلى ثلاثة أنواع من أفعال التدليس و هي تدليس العملة و تغييرها و تلوينها، و لم يكتفي المشرع عند تعاطيه لجرائم التدليس بتسليط عقوبة بدنية و مالية على مرتكبي هذه الأفعال بل تراه فسح المجال للمحكمة المتعهدة بالقضية بتسليط جملة من العقوبات التكميلية مما يؤكد صفة الصرامة التي تتصف بها الجزاءات التي رتبها الشارع على ارتكاب كل فعل تدليس.

إلا أن المشرع أورد وجه إعفاء من هذه العقوبات في الفصل 192 مجلة جنائيـة حيث نصّ : “يعفى مرتكبو الجرائم المبينة بالفصول من 185 إلى 188 من هذه المجلة من العقوبات المستوجبة لها إذا عرفوا بها و بفاعليها السلط قبل ارتكابها و قبل كل محاكمة أو إذا ساهموا ولو بعد ابتداء المحاكمة في إلقاء القبض على بقية مرتكبيها. إلا أنه يمكن الحكم عليهم بالرغم من ذلك بمنع الإقامة أو وضعهم تحت المراقبة الإدارية”.

و هذا النصّ أورد حالتين للإعفاء : الأولى حالة كشف الجريمة للعدالة و الثانية هي تمكين السلطات من القبض على المتهمين، و تجدر الملاحظة أن العذر المعفي هو عامل بالغ القيمة في منع و عقاب جرائم تدليس العملة، لكن ذلك لا يمنع من الحيطة من هذا الفرد المبلغ باعتبار أنه كان فردا من العصابة أي تتوفر فيه النية الإجرامية و بالتالي الخطورة الإجرامية و تبعا لذلك وجب وضعه تحت المراقبة الإدارية و ذلك للتأكد من انتفاء الخطورة فيه و عزمه على عدم العودة إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم.

فقرة ثانية : حالة التنصيص غير المباشر

بخلاف النصوص التي نصّ فيها المشرع على الحكم بعقوبة المراقبة الإدارية سواء كان ذلك بصفة وجوبية أو اختيارية فإنه أوجد نصوصا لم يحدد فيها العقوبة الواجبة التطبيق بل اكتفى بعبارة “العقوبات التكميلية” و يمكن تقسيم هاته الجرائم إلى جرائم الاعتداء على الناس و جرائم الاعتداء على النظام العام.

أ-جرائم الاعتداء على النظام العام :

تتمثل هاته الجرائم في جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي و جرائم الاختلاس التي يرتكبها الموظفون العموميون أو أشباههم و جرائم الاختلاس التي يرتكبها المؤتمنون العموميون، و جرائم تجاوز حدّ السلطة و في عدم القيام بواجبات وظيفة عمومية، و جرائم الاعتداء على السلطة العامة الواقعة من أفراد الناس و المتمثلة أصلا في : العصيان و هضم جانب الموظفين العموميين و أشباههم و مقاومتهم بالعنف و تشارك المفسدين و تعطيل حرية العمل و جرائم الزور و جرائم تقليد طابع و استعماله بغير وجه قانوني و جرائم تدليس و تغيير العملة و جرائم افتعال و استعمال رخص السفر المدلسة و غيرها من المكاتيب.

و ذلك بالفصول 62-95-98-100-115-124-130-135-137-178-179-184-189 و 200 من المجلة الجنائية.

ففي هاته الفصول المشرع أعطى للقاضي سلطة في تفريد العقاب من حيث المبدأ و النوع و المقدار. و هذا يخول له تفريد العقاب بحسب جسامة الجريمة و خطورة المجرم، فالخطورة الإجرامية هي معيار تطبيق القانون الجنائي فيكون نوع الخطورة أساسا لتحديد نوع الجزاء و يكون مداها كذلك أساسا لتحديد مداه، فإن وجدت كان الجزاء لازما و إن غابت كان الجزاء غير لازم و المشرع في هاته الفصول لم يحدد لكل جريمة عقوبة محددة نوعا و مقدارا لا يملك القاضي تجاهها رفعا و لا خفضا، و إنما هو وضع لكل جريمة حدا أقصى و حدا أدنى هو أقصى ما يقدره المشرع من عقاب على الجريمة وفق جسامتها الذاتية و أدنى ما يتصوره من عقاب لها وفق ذات المعيار ثم فوض القاضي بعد ذلك في وزن العقوبة المناسبة لكل جريمة على حدة تمشيا مع أغراض التفريد القضائي.

ب-جرائم الاعتداء على الناس :

هاته الجرائم وردت في الفصول 265 و 285 و 302 من المجلة الجنائية وهي تخصّ جريمة السرقة و جرائم الغصب و المساومة و جرائم التحيل و غيره من أنواع الخداع و جرائم الخيانة و الاستيلاءات غير المشروعة.

فقد نصّ الفصل 265 مجلة جنائية، أنه : “من يثبت عليه ارتكابه السرقة يسوغ عقابه بالعقوبات التكميلية المقررة بالفصل 5 من هذا القانون”.

و نصّ الفصل 258 مجلة جنائية : “من يختلس شيئا ليس له يصير مرتكبا للسرقة و يلحق بالسرقة اختلاس الانتفاع بما هو ممنوح للغير من الماء أو الغاز أو الكهرباء”. كما استثنى الفصل 266 مجلة جنائية من السرقة الاختلاسات الواقعة من الأصول و إن علو لأمتعة أبنائهم إلا إذا كان بعض المسروق ملكا للغير أو معقولا.

أما الفصل 285 مجلة جنائية فقد نصّ أنه : “يمكن تطبيق العقوبات التكميلية المبينة بالفصل 5 من هذه المجلة على مرتكبي ما تقدم ذكره من جرائم الغصب و المساومة”.

و الفصل 302 مجلة جنائية نصّ أنه : “كل مجرم يرتكب إحدى الجرائم المقررة بالقسمين الرابع و الخامس من هذا الباب يمكن الحكم عليه بالعقوبات التكميلية المقررة بالفصل 5”. و القسم الرابع يخصّ التحيل و كل أنواع الخداع مثل استعمال اسم مدلس أو صفات غير صحيحة أو إقناع الغير بوجود مشاريع لا أصل لها أو بيع أو رهن أو كراء ما لا حق لمرتكب ذلك التصرف فيه أو استخلاص دين وقع خلاصه، أما القسم الخامس فيخصّ الخيانة و الاستيلاءات غير المشروعة.

خاتمــة الجــزء الأول

إن عقوبة المراقبة الإدارية باعتبارها عقوبة تكميلية تتميز عن غيرها من العقوبات، فقد خصّها المشرع بمميزات عدّة، فهي و باعتبارها عقوبة مقيدة للحرية غير سالبة لها تختلف عن عقوبتي منع الإقامة و الإقصاء و من دلائل تفريقها عن نظام منع الإقامة الذي يعتبر قريبا منها هو عدم إمكانية ضمّها كعقوبة مع عقوبة منع الإقامة، كما أنها لا تهدف إلى استئصال المحكوم عليه بل إلى مراقبته فهو لا يمنع من الإقامة من مكان معيّن و إنما تحدد له السلط الإدارية مكان إقامة داخل منطقة ترابية معينة يتعين عليه عدم مبارحتها و هي بذلك تقيده في منطقة معينة.

و هذا التقييد يكون بهدف المراقبة و هاته المراقبة تكون تخوفا من قيام المحكوم عليه بأي عمل إجرامي آخر و هي بذلك تهدف إلى وقاية المجتمع من خطورة الجاني.

و لقد تبنى المشرع فكرة تفريد العقوبة في خصوص المراقبة الإدارية، فجعل للقاضي في بعض الحالات سلطة تسليط العقاب من عدمه و أوجب عليه في حالات أخرى تسليط هاته العقوبة. فنجدها تكون مرّة عقوبة تكميلية و أخرى تبعية و في حالات استثنائية عقوبة أصلية.

فهو يتبنى نظرية الخطورة الإجرامية الموجودة في نفس المحكوم عليه مما جعل عقوبة المراقبة الإدارية تتميز في خصوص شروط تطبيقها بأنها لا تتأثر بظروف التخفيف كما لا تخضع لنظام تأجيل التنفيذ و لا تتوقف بمفعول السراح الشرطي.

كما جعلها المشرع عقابا لكل جريمة يكون عقابها يستوجب السجن أكثر من عامين كما جعلها قابلة للتطبيق على المجرم العائد لمرّة ثانية و هي بذلك تسلط إذا ما توافر أحد هاته الشروط و هذا ما جعل ميدان تطبيقها واسعا فنجدها تطبق على جرائم المخدرات و الإرهاب والتحريض على فعل الخناء و الاعتداء على أمن الدولة الداخلي و الخارجي و جرائم تدليس العملة و بعض جرائم الاعتداء على النظام العام و الاعتداء على الناس من اعتداء على الأشخاص و الملك.

الجـزء الثانـي : تنفيـذ عقوبـة المراقبـة الإداريـة

لم يعرّف المشرع الجزائي التونسي التنفيذ رغم اعتماده لهذا المصطلح في العديد من النصوص المتفرقة و التي يمكن من خلالها أن نصف هذه المؤسسة بأنّها الأثر المباشر و الغاية الأساسية من كل حكم و بدونها يبقى الحكم حبرا على ورق لا يحقق الغاية منه، كما يمكن تعريف التنفيذ بأنه نشاط الدولة الذي يهدف إلى الإبراز على المستوى الخارجي الملموس لما يتضمنه حكم نهائي بحسب الأصل صادر عن القضاء الجزائي في أعقاب دعوى جزائية صحيحة بما يستلزم ذلك من تحديد المؤسسة التي يجري فيها التنفيذ و تحديد النظام العقابي الذي يخضع له المحكوم عليه.

فالحكم الجزائي القابل للتنفيذ لا يكون له أثر إيجابي من حيث ردع المجرم و إصلاحه إلا إذا تمّ تنفيذه على الوجه الأكمل و طبق الإجراءات القانونية السليمة.[147]

فإذا ارتكب الفاعل العمل المكون للجريمة وكان أهلا لإسناد الفعل إليه نشأت مسؤوليته وحق عقابه ما لم يتمتع بأحد الأعذار المعفية من العقاب، والمشرع قد حدد لكل جريمة عقوبتها وفقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فلا جريمة ولا عقوبة بدون نص سابق الوضع، والقانون في تحديده للعقوبة يراعي الجسامة الذاتية للفعل الإجرامي في تقدير المجتمع، وغالبا ما يعمد في تحديده لتلك الجسامة أما إلى تحديد عقوبة محددة نوعا ما ومقدارا وقد يعمد إلى تحديد العقوبة المستحقة للجريمة بين حدين[148]

إذ ليس في مقدور المشرع أن يحدد سلفا العقوبة المناسبة لكل مجرم والتي يؤدي توقيعها إلى تحقيق الأغراض المتوخاة منها فهو يقوم بتفريد العقاب في نطاق محصور كأن يفرق بين مجرم عادي و مجرم سياسي أو بين الكبار والصغار من المجرمين. أما تفريد العقاب على وجه أكمل فلا يتأتى إلا للسلطات القائمة على تطبيق العقوبات وتنفيذها إذ تسنح لها فرصة الإتصال بالمجرم وتعرف أحواله[149] فالقاضي يحدد العقوبة التي ينبغي إيقاعها على مرتكب الجريمة نوعا ومقدارا والتي تلتزم سلطات التنفيذ بتنفيذها فيه وذلك من خلال الضوابط التي وضعها المشرع في النص المجرّم،

فالقاضي وكما رأينا سالفا يتمتع بسلطة واسعة في تحديد العقوبة أحيانا من حيث نوعها ومقدارها وأحيانا من حيث مقدارها فقط وهو مخير كذلك من حيث إيقاعه أو عدمه، فسلطته تتسع لتشمل أسبابا لتخفيف العقوبة وأخرى لوقف تنفيذها وأخرى لتشديدها. وبعد تحديد العقاب والحكم به يقع تنفيذه، فالتنفيذ العقابي هو اقتضاء حق الدولة في العقاب عن طريق تحقيق الحكم الصادر بالإدانة في مواجهة المحكوم عليه فالإلتزام الناشئ عن الجريمة بالخضوع للعقوبة المقررة قانونا لا يتأكد إلا بالحكم بالإدانة ولا ينفذ إلا عن طريق الأجهزة المنوط بها اقتضاء حق الدولة في العقاب، و أهداف التنفيذ العقابي تتحدد على أساس الأهداف والأغراض التي تتوخاها العقوبة فإذا كانت العقوبة تهدف إلى الإيلام و الزجر فلا بد أن يتضمن التنفيذ العقابي الوسائل والسبل التي تشعر المحكوم عليه بألم العقوبة أما إذا انحصر غرض العقوبة في الإصلاح فيتعين التخفيف من عنصر الإيلام والتركيز على التأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه[150] .

والعقوبات التكميلية في قانوننا ذات وظيفة مزدوجة، الإيلام والإصلاح والوقاية، وكما سبق وقلنا فإن عقوبة المراقبة الإدارية ذات وظيفة رقابية الغاية منها الوقاية وتتطلب لتحقيق هاته الغاية إجراءات تنفيذية معينة ( الفصل الأول ) كما ينتج تطبيق هاته العقوبة آثارا متفاوتة قد تبدو في بعض الأحيان أنها لا تتوافق والغرض من العقوبة (الفصل الثاني ).

الفصل الأول : إجراءات تنفيذ عقوبة المراقبة الإدارية
الحديث عن الإجراءات يعني الحديث عن زمن التنفيذ والسلطة المكلفة بالتنفيذ وكل هذا ينطوي تحت عنوان شروط التنفيذ (مبحث أول) لكن ماذا في صورة الإخلال بهاته العقوبة (مبحث ثاني)

المبحث الأول : شروط تنفيذ العقوبة
نظرا لصعوبة وشدة آثار عقوبة المراقبة وما يمكن أن تخلفه على المحكوم عليه وذلك لمساسها بواحد من أهم حقوقه وهو حقه في التنقل فإن المشرع وضع جملة من الشروط حدد بها طريقة تنفيذ هاته العقوبة إذ لا يمكن تطبيقها بصفة اعتباطية لذلك وجب توفر شروط موضوعية معينة (فقرة أولى) وإلى جانبها شروط شكلية محددة (فقرة ثانية).

فقرة أولى : الشروط الأصلية

عقوبة المراقبة الإدارية باعتبارها عقوبة من العقوبات التكميلية يجب ان تخضع للقواعد العامة للقانون الجنائي (أ) هذا إلى جانب كونها يجب أن تكون مستوفية الشروط في خصوص أطرافها اي من حيث السلطة المختصة بتنفيذها والأشخاص الخاضعين لها اي الذين تطبق عليهم (ب).

أ-خضوع العقوبة للقواعد العامة للقانون الجنائي :

تعد هذه القواعد العامة ضمانات تقرر ضرورة في كل تشريع يحرص على الحقوق الاساسية للافراد ذلك ان الجزاء الجنائي خطير اذ يمس اهم الحقوق[151] وهي بمثابة الضوابط والضمانات التي تحكم نظام العقوبات الجنائية و تميزها عن غيرها من الأجزية القانونية[152] فلا يجوز أن تفرض العقوبة الا نتيجة لارتكاب الجريمة و لا توقع على شخص الا اذا كان مسؤولا عن جريمته و لا تفرض العقوبة الا على الفاعل أو الشريك أو المتدخل أو المخفي أو المحرض و ينبغي أن تتناسب العقوبة مع جسامة الفعل المرتكب و تطبق على الجميع بالتساوي و لا عقاب الا اذا ورد بنص القانون[153] اذن فالمبادئ التي تحكم عقوبة المراقبة الإدارية هي أربعة :

1-مبدأ شرعية العقوبة : « nullum crimen nulla poena sene lege »

هذا المبدأ مقرر في جل دساتير العالم فلا جريمة و لاعقوبة إلا بنص القانون و لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون , فقد نص الفصل 13 من الدستور : ” العقوبة شخصية و لا تكون إلا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع ” فلا عقوبة إذا لم يرد عليها نص في القانون بصورة دقيقة غير غامضة وغير قابلة للتأويل. وهذا المبدأ هو ثمرة من ثمار الكفاح الإنساني ضد الظلم والاستبداد الذي كان في الشرائع القديمة[154]، فلا يجوز الحكم بعقوبة المراقبة إلا بقانون ذلك أن هاته العقوبة هي في جوهرها قيد على حرية المواطن وهذا يتناسب والقواعد المعتمدة عالميا في حقوق الإنسان، وكنتيجة لهذا المبدأ فإنه قد وقع حصر الاختصاص بتقرير العقوبات في السلطة التشريعية ويصبح بذلك دور القاضي منحصرا في مجرد تطبيق العقوبة التي يقررها القانون على من ارتكب الجريمة في الحدود التي حددها القانون.

و يفرض مبدأ الشرعية على القاضي الجزائي الامتناع عن إصدار عقوبة في كل الحالات التي لا يوجد فيها نصّ صريح يتضمن العقاب كما أنه لا يجوز للقاضي الجزائي أن يصدر حكما يتضمن عقابا يتجاوز الحدّ الأقصى المنصوص عليه في نصّ الإحالة و لا يجوز له أيضا بصفة مبدئية أن يصدر عقوبة تقلّ عن الحدّ الأدنى المنصوص عليه وتبرر قاعدة الشرعية الجنائية في العصر الحديث بمبدأ الفصل بين السلطات و حماية الأفراد من تعسف السلطة التنفيذية[155] فلا يكون تنفيذ العقوبة على الجاني من قبلها إلا بعد النطق بالعقوبة ووفقا للأحكام المقررة لكل عقوبة على حدة. إذ يشترط في العقوبة أن تكون محددة سلفا بنص قانوني يبين نوعها ويحدد مقدارها حتى تكتمل شرعيتها وقانونيتها[156] والمحكمة مقيدة بمدة العقوبة المعنية في القانون ولا تملك حق إنقاصها أو تجاوزها إلا في المواضع التي عينها القانون[157] .

ويلاحظ أن مشرعنا والتزاما منه بمبدأ الشرعية رفض فكرة عدم التحديد المطلق التي نادى بها الوضعيون ضمانا للمحكوم عليه من الاستبداد والتعسف، إلا أنه ترك سلطة واسعة للقاضي في ذلك… المشرع يترك للقاضي سلطة تحديدها وفي أغلب الأحيان دون حصره بمدة معينة ذلك ان الغرض من تلك العقوبات هي درء الحالة الخطرة الكامنة في الجاني . ومن العسير على المشرع ان يحدد وقت سنه لتلك العقوبات المدة اللازمة لمواجهتها .

وتجدر الإشارة انه ليس هناك تعارض بين اقرار مبدا الشرعية وبين الاخذ بنظام تفريد العقوبات التكميلية بحسب الحالة الخطرة الكامنة في الجاني لان سلطة القاضي في التفريد هي سلطة مستمدة من القانون ذاته) لكن يجب عليه عند تفريده للعقاب أن يحترم قاعدة تطبيق النصّ الأرفق للمتهم، و من أمثلة القوانين التي أوجدت مركزا أصلح بالمتهم تذكر الأمر المؤرخ في 22 أكتوبر 1940 الذي ألغى الفقرة الأخيرة من الفصل 25 من القانون الجنائي التي كانت توجب الحكم بالمراقبة الإدارية في صورة تكرر الفعل ثانيا إن بمفعوله أصبحت المراقبة الإدارية في صورة العود عقابا تكميليا اختياريا بعد أن كانت عقابا تكميليا وجوبيا.

و لقد تبنت محكمة التعقيب منذ 1833 بخصوص المراقبة الإدارية التطبيق الفوري للقانون على المحكوم عليهم باعتبار أنه تدبير بوليسي إداري[158].

والسلطة التنفيذية باعتبارها الساهرة على تنفيذ احكام السلطة القضائية فان السلطة التشريعية متعتها بسلطة تقديرية في تعيين مكان اقامة المحكوم عليه عند انقضاء عقابه والحق في تغيير إن رأت نفعا في ذلك كما يمكنها الترخيص للمحكوم عليه في مبارحة المكان الذي حددت إقامته به.

2-مبدأ شخصية العقوبة :

إن العقوبة عبارة على جزء شخصي يفرض على مرتكب الجريمة لتحقيق العدالة ولإلحاق الألم به فلا توقع الا على من ارتكب الجريمة او اشترك فيها ولا تمتد الى بقية افراد اسرته او أحد ورثته[159] على عكس ما كانت عليه سواء في مرحلة العقوبة الخاصة أو في مرحلة العقوبة العامة حيث كانت توقع على الجاني وحده بل تتسلط ايضا على ذويه او عشيرته.

وهذا المبدأ يرجع الى الثورة الفرنسية، والشريعة الاسلامية قد اعتبرته من القواعد الاولية، وقد أقرّ القرآن الكريم هذا المبدا في كثير من آياته من ذلك قوله تعالى: ” ولا تكسب كل نفس إلا ما عليها ” سورة الأنعام، و “إن ليس للإنسان إلا ما سعى” سورة النجم، ” ومن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليه” و ” ولا تزر وازرة وزر أخرى ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ولا يأخذ المرء بحريرة أبيه ولا بحريرة أخيه “[160].

ونص عليه كذلك الفصل 13 من الدستور وهذا المبدا يعني اقتصار أذى العقوبة على الشخص المسؤول على الجريمة فاعلا او شريكا وهو نتيجة لمبدا شخصية المسؤولية، فهي لا تطبق الا على من ثبتت مسؤوليته وعينه الحكم القضائي، فلا تتجه الا الى شخص من توافرت لديه الخطورة الاجرامية الى حد اقتناع القاضي بها.

وهو يعد من المبادئ الاساسية التي لا تقبل استثناءا في النظام الجنائي الحديث، فالقوانين الحديثة لا تعترف بالمسؤولية الجنائية عن فعل الغير[161] فالعقوبة موجهة نحو حرية المحكوم عليه وذلك بتقييدها، لذلك فهي لا توقع الا عليه ولا يجوز ان يتحملها الغير نيابة عنه الى جانب كونها لا تورث فهي قد وضعت بهدف القضاء على الخطورة الاجرامية الكامنة في نفس الجاني، لذلك فلا يعقل ان تمتد لغيره،

فمن القواعد الاساسية في العلم الجنائي ان لا تزر وازرة وزر اخرى، فالجرائم لا يأخذ بحريرتها إلا جناتها و العقوبات شخصية محضة لا تنفذ الا في نفس من اوقعها القضاء عليه[162] ، فان توفي المتهم بعد الحكم عليه وقبل تنفيذ العقوبة أو اثناء التنفيذ سقط الحكم واصبح التنفيذ مستحيلا لعدم توفر الذات الجنائية، فالفصل 351 م إ ج نص :” تزول بوفاة المحكوم عليه جميع العقوبات الاصلية والتكميلية ” فالعقوبات لا تورث بل تسقط بوفاة المحكوم عليه.

فمن العدل ان ينال الجاني العقاب وحده دون ان يمتد الى غيره لانه هو الذي انتهك حقوق الناس وحرمات القانون[163] فالعقوبة تقتصر آثارها المباشرة على الجاني، اما آثارها غير المباشرة فهي بحكم طبيعتها قابلة لان تصيب الغير .

3-مبدأ مساواة العقوبة :

تعني ان النص القانوني يجري في حق كل الافراد ايا كانت مراكزهم في الهيئة الاجتماعية[164] . والمقصود بالمساواة امام القانون هو خضوع الجميع للنص القانوني الذي يحدد الجريمة ويقرر عقوبتها وهذا لا يعني الزام القاضي بان يحكم بنفس العقوبة على كل من اقترف جريمة معينة اذ ان له مطلق الحرية في تقدير العقوبة الملائمة لظروف الجاني وفقا لدوافعه ومدى خطورته ودرجة مسؤوليته فمقدار العقوبة يختلف باختلاف الظروف والملابسات التي احاطت بالجاني وبدوره في ارتكاب الجريمة[165] فالمساواة التي قصدها المشرع هي المساواة امام القانون فالعقوبة المقررة للجريمة واحدة للجميع لكن تبقى للقاضي الحرية في تقدير العقوبة.

وهذا المبدا كرسته الثورة الفرنسية كما كرسه الدستور التونسي في الفصل السادس منه : ” كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء امام القانون ”

وتحقيقا للمساواة فقد نادى الفقه بضرورة تكريس نظرية تفريد الجزاء اي تكريس تدرج الجزاء في النوع والمقدار من حيث النص والتطبيق حسب جسامة الجريمة وشخصية الجاني ، هذا التفريد قد يكون قضائيا وقد يكون اداريا حيث ما يحتاج الامر الى اتخاذ عقوبات تكميلية باعتبار ان هذه الاخيرة تهدف الى الوقاية من العود وتأسس على الخطورة الاجرامية او بعبارة اخرى درجة استعداد الجاني إلى أن تقع منه جريمة في المستقبل[166] .

4-مبدأ قضائية العقوبة :

المقصود بهذا المبدا هو ان السلطة القضائية هي تحتكر توقيع العقوبات الجنائية فقضائية العقوبة هي تتمة لشرعيتها فالعقوبة لا يجوز ان توقع الا بمقتضى حكم صادر من محكمة مختصة يقرر العقوبة ومدتها ، وقد اقرت جل التشريعات على أن تقدير القانون للعقوبة هو تقدير نسبي لانه يترك للقاضي حتى ولو لم يستعمل الرأفة سلطة تقدير واسعة حتى يتسنى له جعل العقوبة مناسبة في نوعها و مقدارها للحالة الفردية المطروحة أمامه[167]،

وهو ما يحيلنا الى مبدأ تفريد العقوبة وهو مبدا حديث في ميدان العقاب، فرغم كون العقوبة المقررة للجريمة تكون معروفة مسبقا الا انها لم تعد ثابتة نظرا لتراوحها بين حد ادنى وحد اقصى فأصبحت العقوبات متدرجة في النوع والمقدار وذلك حتى تتلائم مع جسامة الجريمة وخطورة الجاني، فالى جانب التفريد التشريعي الذي يقوم به المشرع نجد التفريد القضائي حيث يوازن القاضي بين الحد الأدنى والحد الأقصى للعقاب المستوجب للجريمة اعتمادا على ظروف وقوع الجريمة وخطورة الجاني، ونجد كذلك التفريد الإداري الذي تقوم به السلطة الادارية الساهرة على تنفيذ العقوبة دون الرجوع في ذلك الى السلطة القضائية مثل تحديد او تغيير مكان اقامة المحكوم عليه بالمراقبة.

جل هاته المبادئ تحقق عدالة العقوبة فالهدف من العقوبة القضائية اعادة التوازن لمصلحة المجتمع الذي تضرر من ارتكاب الجريمة وردع المجرم وتحقيق العدالة ونشر الاستقرار والطمانينة بين الناس وليس الهدف هو الانتقام من المجرم لمجرد الانتقام[168].

ب-أطراف العقوبة :

باعتبار عقوبة المراقبة الإدارية مثلها مثل اي عقوبة أخرى يجب ان تخضع لمبدا القضائية اي وجوب النطق بها من قبل القاضي، فانه وعند تنفيذها نجد طرفين: سلطة مكلفة بالتنفيذ (1) والشخص الخاضع لها اي من تطبق عليه هاته العقوبة (2)

1-السلطة المكلفة بتنفيذ المراقبة الإدارية :

نص الفصل 23 مجلة جنائية :” يخول الحكم بالمراقبة الإدارية للسلطة الإدارية حق تعيين مكان اقامة المحكوم عليه عند انقضاء مدة عقوبته وتغيير مكان إقامته كلما رات ضرورة لذلك”.

هذا الفصل قد تمت اعادة صياغته وذلك بمقتضى القانون عدد 46 لسنة 2005 المؤرخ في 6 جوان 2005 وقد كان ينص قبل ذلك انه “مجرد الحكم بالمراقبة الإدارية يخول للحكومة حق تعيين مكان اقامة المحكوم عليه عند انقضاء مدة عقابه والحق في تغييره ان رات نفعا في ذلك”.

والمقصود بالحكومة على معنى هذا الفصل هي وزارة الداخلية وقد قرر هذا الامر المؤرخ في 18 صفر 1357 هـ الموافق ل 16 اكتوبر 1955 م رائد عدد 80 وجاء في الفصل الأول من الامر المذكور ما يلي :

“احدثنا وزارة الداخلية

وزير الداخلية مسؤول عن الادارة الجهوية

ويباشر فيما يخص الامن العام السلط والاختصاصات التي ستنقل الى حكومتنا عملا بالبروتوكول رقم 4 المضاف للاتفاقية العامة الممضاة في 3 جوان 1955 وكذلك السلط الراجعة فيما ذكر لوزيرنا الاكبر بمقتضى الفصل الثالث والعشرون من المجلة الجنائية التونسية”[169].

اذن فسلطة التنفيذ التي تسهر على تطبيق عقوبة المراقبة الادارية هي السلطة الادارية ممثلة في رجال الأمن.

2-الأشخاص الخاضعون للمراقبة الإدارية:

يخضع لمراقبة البوليس الرجال و النساء على حدّ السواء فلا تفرقة بسبب الجنس في توقيع العقوبة[170].

يمكن القول أن المشرع لم ينص على استثناء بالنسبة للأشخاص الذين يخضعون للمراقبة الإدارية و يعني ذلك أن هذه العقوبة تتسلط على كل شخص تتوافر بالنسبة له شروط توقيعها عليه سواء كان ذكرا أو أنثى و حتى و إن كان متقدما في السن و يعني ذلك أن النساء يخضعن لهذه العقوبة كالرجال سواء بسواء[171].

إذن فالمراقبة الإدارية يمكن تنفيذها على كل من عينه الحكم القضائي بمجرد انتهاء العقوبة السجنية إن كانت المراقبة وردت كعقوبة تكميلية أو تبعية أو من يوم النطق بالحكم إن كانت المراقبة أوقعت كعقوبة اصلية ، إذن يخضع لهذه العقوبة كل من استوجبت جريمته إيقاع مثل هذا العقاب ذكورا أو إناثا و إن كان يطرح التساؤل حول تطبيق هاته العقوبة على النساء إن كان جائزا أم لا، لكن لا يمكن استثناء النساء و ذلك لأن المشرع لو أراد ذلك لنصّ عليه صراحة على غرار عقوبة الإقصاء حيث جعله المشرع مقتصرا على الذكور خاصة و أن عقوبة المراقبة الإدارية وضعت أيضا لجرائم من البديهي أن يكون من مقترفيها النساء و هي التحريض على الخناء.

لكن يطرح الإشكال بخصوص الأحداث فالمشرع لم يستثنيهم من هاته العقوبة على غرار عقوبة الإقصاء حيث نص الفصل 5 من قانون 1973 : “لا تسلط عقوبة الإقصاء على النساء ولا على الأشخاص الذين تجاوزوا سن الستين و لا على القصر الذين لم يبلغوا سن العشرين”.

و المشرع الفرنسي نص على أنه في الحالات التي لا يمكن الحكم فيها بالإقصاء فإنه يمكن تعويضه بمنع الإقامة بقية العمر بالنسبة للرجال البالغين الستين من العمر فما فوق، و بالنسبة للأحداث الذين يقل عمرهم عن واحد و عشرين سنة فإنهم يوضعون في مؤسسات تربوية إلى حين بلوغهم سن الرشد. فعلى عكس عقوبة الإقصاء فإن عقوبة المراقبة الإدارية لم يورد لها المشرع أية أحكام خاصة بالأشخاص الخاضعين لها.

وقد نصت المادة 17 من المرسوم بقانون رقم 99 لسنة 1945 بتنظيم الوضع تحت مراقبة الشرطة انه ” لا يجوز ان يوضع تحت مراقبة البوليس من تقل سنه عن خمسة عشرة سنة ميلادية”، ثم تعدلت هذه المادة واصبح القانون يسري على كل ذكر او انثى لم يبلغ سن 18 سنة. اذن يستثنى من الخضوع لاحكام مراقبة الشرطة الاحداث الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة وذلك لتنافي هذه العقوبة مع مقتضيات رعاية الاحداث واصلاحهم.

هل يمكن القول ان عدم استثناء المشرع للاحداث من مجال هذه العقوبة يعني ان قاضي الاحداث يمكنه ان ينطق بهذا الجزاء كعقوبة تكميلية ؟

لكن المشرع وضع للاحداث تدبيرا يمكن ان يكون معوضا للمراقبة الادارية نظرا للتقارب بينهما فنظام الحرية المحروسة التي يخضع لها الاحداث ملائم اكثر للحدث ويتناسب مع حداثة سنه فهو يسمح بمراقبته وفي نفس الوقت توجيهه والاشراف على شؤونه، فهو نظام موجه لفائدة الحدث المجرم ليأهله ويعيد ادماجه في الهيئة الاجتماعية.

اذن لتنفيذ عقوبة المراقبة الادارية يجب ان تتوفر جملة من الشروط القانونية في الحكم القاضي بالمراقبة اذ يجب ان تخضع لقواعد القانون الجنائي من شرعية وشخصية ومساواة وقضائية، يجب كذلك ان تكون هناك سلطة مشرفة على تنفيذها وهنا السلطة التنفيذية هي وزارة الداخلية ممثلة في السلط الادارية اي اعوان الامن، هذه العقوبة لا تفرق عند تنفيذها بين ذكر او انثى فهي مشرعة لكل مجرم مهما كان جنسه فماذا عن كيفية تنفيذها و مدّتها.

الفقرة الثانية : الشروط الشكلية :

هاته الشروط تخص كيفية تنفيذ عقوبة المراقبة (أ) و مدة المراقبة (ب) .

أ-كيفية تنفيذ عقوبة المراقبة :

باستثناء الفصل 23 من المجلة الجنائية الذي تعرض الى تخويل السلطة الادارية حق تعيين مكان الاقامة عند الاقتضاء مدة عقاب المحكوم عليه والحق في تغييره ان رأت نفعا في ذلك وكذلك ما جاء بالفصل 24 من انه لا يسوغ للمحكوم عليه مبارحة المكان الذي حددت به اقامته بدون رخصة، فانه لا توجد بتلك المجلة فصول اخرى تتعرض لموضوع تنفيذ المراقبة الادارية.

ومن خلال قراءة هذين الفصلين يمكن القول ان تنفيذ المراقبة الادارية يبدا بتوجيه اعلام للمعني بالامر بمجرد انقضاء عقوبته السجنية يتم فيه اشعاره من قبل السلط المختصة بالمكان الذي حدد لاقامته وبعدم مبارحته ذلك المكان من غروب الشمس الى شروقها وتتولى السلط المختصة مراقبة تحركات ذلك الشخص طيلة اليوم[172] .

يجب على المحكوم عليه بالمراقبة الادارية ان يتبع جميع احكامها المقررة بالقانون ومنها ان يقدم نفسه الى مركز الامن في الجهة التي يقيم بها وبمجرد ان تصبح هذه العقوبة واجبة التنفيذ، وان يكون بمسكنه او في المكان المعين لمأواه عند غروب الشمس و ان لا يبرحه قبل شروقها ، ولا يسوغ للمحكو م عليه مبارحة المكان الذي حدد له بدون رخصة[173] فعندما مبارحة المحكوم عليه السجن تعين له الدولة المكان الذي يجب عليه الإقامة به ولا يمكن له تبديل ذلك المحل الا باذن من الادارة..كما ان تغيير ذلك المكان ايضا منوط بعهدة الادارة[174] .

وعليه كذلك ان يحضر الى مركز الشرطة كلما وقع استدعاءه او بمقتضى مواعيد معينة قد تزيد صرامتها او تنخفض بحسب خطورته الإجرامية[175].

هذه العقوبة تفرض قيودا على حرية من يخضع لها فالمراقب ليس له الخيار في تحديد المكان الذي سيقيم به اذ ان ادارة السجون عند مبارحته السجن او عند صيرورة الحكم باتا في حالة الحكم بخطية فقط او عند تاجيل العقوبة السجنية تعين مكان اقامته الذي يكون عادة خارج دائرة المكان الذي اقترفت به الجريمة كما يكون خارج الاماكن التي يمكن ان يلتقي فيها باشخاص قد يأدون به الى ارتكاب جرائم اخرى، و الإدارة العامة للسجون و الإصلاح هي جهاز من أجهزة العدالة الجزائية بمفهومها الواسع تابع لوزارة الداخلية يشرف مباشرة على تنفيذ العقوبات و تبعية هذا الجهاز بوزارة الداخلية تتماشى من حيث المبدأ مع مرحلة التنفيذ باعتبار أن هذه المرحلة تهم بحكم طبيعتها السلطة التنفيذية بالدرجة الأولى[176].

والملاحظ ان المشرع لم ينص على مدة معينة للرخصة التي يجب على المحكوم عليه ان ياخذها قبل مغادرة مكان المراقبة لكن هذا لا يعني ان تكون هاته الرخصة لمدة مفتوحة بل يجب ان تكون لمدة محددة وذلك نظرا لطابعها الاستثنائي و هاته المدة تحددها السلطة المختصة بحسب الاسباب التي تطلبت اعطائها وتبعا لذلك يمكن سحبها و إيقاف مفعولها حسب ضرورة الامر سواء بزوال الاسباب وعندما يصبح المراقب مشكوكا في سلوكه ونتساءل عن من يعطي هاته الرخصة للتنقل، هل يكون ذلك بمطلب لوزير الداخلية أم رئيس الاقليم ام رئيس المنطقة ام رئيس المركز؟

يمكن لوزارة الداخلية إن رأت المراقب أصبح وجوده يشكل خطرا على الأمن العام أو أصبحت مراقبته غير ممكنة أن تغير محل إقامته فهذا الحق مناط بيد السلطة التنفيذية و لا يكمن للمراقب أن يمارسه من تلقاء نفسه. يجب على المراقب أن يتقدم في مواعيد معينة إلى مركز الشرطة و أن يحضر كلما وقع استدعاؤه، و تتحدد مواعيد حضوره حسب خطورته قلت أو نقصت.

عند حضوره يقوم بالإمضاء و كان ذلك بدفتر معدّ خصيصا موجود بكل مركز مع الملاحظة أنه لا يوجد دفتر موحد و بكل المراكز موزع من طرف وزارة الداخلية بل إعداده موكول للعون المكلف بمسكه و ذلك تحت إشراف رئيس المركز. و يكون عادة الدفتر مقسما إلى ثلاث جداول مخصصة للتاريخ و الساعة و الإمضاء، و نلاحظ غياب الجدول الخاص بالملاحظات وهو ذو أهمية بالغة يمكن من معرفة مدى تطور حالة المراقب و انتفاعه من الإجراء الخاضع له حتى لا تصبح المراقبة مجرد إجراء روتيني من دون فائدة.

و في القانون المصري لا يجوز للموضوع تحت المراقبة أن يغير محل إقامته إلا بعد مضي 6 أشهر من إقامته بالمحل الأول و يجب أن يحصل لذلك على إذن من الشرطة، و يستثنى من هذا من حكم عليه بالإقامة في جهة معينة و من حكم عليه بالعودة إلى محل إقامته المعتاد، و يلتزم الشخص الخاضع لنظام المراقبة بحمل تذكرة تتضمن البيانات الخاصة به و يجب أن يقدمها للشرطة عند كل طلب، كما يمكن للمحافظ إعفاؤه من قيد البقاء في منزله من وقت غروب الشمس حتى شروقها بسبب عمله أو بسبب آخر.

و لمأمور القسم أو المركز أن يمنحه نفس هذا الإعفاء لمدة لا تزيد عن 14 يوما. إن محل إقامة المحكوم عليه يجب أن يكون معلوما و ذلك في دائرة ترابية معينة لكن ما المقصود بالدائرة الترابية، هل هي العمادة أم المعتمدية أم الولاية، كذلك هل الدائرة الترابية للمشمول بالمراقبة الإدارية هي مرجع نظر مركز الشرطة أم الحرس أو منطقة الأمن أم إقليم الأمن.

إن المشرع لم يحدد ضمن فصول المجلة الجنائية كل الإجراءات التي تمر بها المراقبة الإدارية تاركا ذلك لاجتهاد مصالح الأمن على عكس المشرع المصري الذي نظم أحكامها و بيّن طرق تنفيذها بقانون خاص يتعلق بتنظيم الوضع تحت مراقبة البوليس[177] حيث تقتضي مراقبة البوليس إخضاع المراقب لملاحظات السلطة الإدارية و إشرافها لملاحظته و يقع تقييده بالإقامة في محل معين و عدم مبارحته.

و في غير الأحوال التي تنظر فيها القوانين على أن وزير الداخلية هو الذي يعين محل المراقبة يجب على من وضع تحت مراقبة البوليس أن يعين لمكتب البوليس الجهة التي ينوي اتخاذها محلا لإقامته و يجوز لوزير الداخلية ألا يوافق على هذا الاختيار خاصة إن كانت نفس الجهة التي وقعت فيها الجريمة أو مجاورة لها.

و المقصود بمحل الإقامة هو دائرة المركز أو القسم الذي يقيم المراقب فيها و قد عبّر الشارع عنه في النص الفرنسي بلفظ residence تمييزا له عن المسكن habitation الذي يأوي إليه المراقب و يقضي فيه أوقات راحته و يبيت فيه ليلا [178] و يتعين عليه أن يقدم نفسه إلى مكتب البوليس في الجهة التي يقيم فيها بمجرد أن تصبح هذه العقوبة واجبة التنفيذ … و أن يحمل على الدوام تذكرة تدون فيها البايانات و الواجبات المفروضة عليه و تلصق عليها صورته و أن يقدم نفسه إلى مكتب البوليس الذي يكون مقيدا به في الزمان المعيّن في تذكرته على ألا يتجاوز ذلك مرّة في الأسبوع … كما يجب عليه أن يخطر العمدة أو الشيخ أو أحد رجال الحفظ على حسب الأحوال قبل مبارحته سكنه أو مأواه نهارا[179]، و ينبغي أن يعدّ بكل مكتب بوليس سجل تقيد فيه أسماء المراقبين و يذكر فيه بيانات معينة، و للبوليس حق استدعاء المراقب متى رأى نفعا في ذلك.

يمكن للمحكوم عليه أن يمارس حقه في التنقل لكن شرط الحصول على ترخيص، لكن هل هو شفاهي أم كتابي؟ و من الجهة التي تقدمه وزير الداخلية أم مركز الأمن؟ يمكن للمحكوم عليه تقديم طلب في العفو إلى وزارة الداخلية طبق الإجراءات المحددة.

و يجوز لوزير الداخلية إعفاء المراقب من بعض مدّة المراقبة على ألا يزيد هذا الإعفاء على نصف تلك المدّة[180] فكل شخص موضوع تحت مراقبة البوليس يجوز أن يعفى من المراقبة من المدة الباقية منها بأمر من وزير الداخلية بناء على طلب المحافظ أو المدير و يكون الإعفاء نهائيا بمجرد صدور الأمر به[181].

و يجوز لوزير الداخلية أن يمنح الشخص الموضوع تحت المراقبة من تحديد محل إقامته في دائرة المحافظة أو المديرية التي ارتكبت فيها الجريمة التي استوجبت الحكم أو في المديريات المجاورة لها و ذلك لأن وجوده قد يكون باعثا على إثارة الأحقاد و تجديد العداء بينه و بين المجني عليه أو عشيرته مما يجعل للجريمة الأولى ذيولا من الجرائم.

كما يجوز له منعه من الإقامة في العزب و العلة في ذلك أن العزب يحكم موقعها في العادة بعيدة عن مقرّ العمودية فلا يجد المحكومون صعوبة في تنفيذ مآربهم لضعف الرقابة عليهم.

كما كانت قوانين المراقبة القديمة تجيز لوزير الداخلية أن يمنع المراقب من الإقامة في المدن التي يزيد عدد سكانها عن عدد معين و ذلك لأن الرقابة متعذرة في المدن الوفيرة السكان حيث يسهل للمراقب الاختفاء بينهم[182].

و يجوز إكراه المراقب على قضاء مدّة المراقبة كلها أو بعضها في جهة معينة و يمكن أن يكون هذا الإكراه بحكم القاضي أو بأمر إداري. كما يمكن إكراه المراقب على العودة إلى دائرة محل إقامته المعتاد.

و للمراقب حق تغيير مسكنه و الإنتقال من مسكن لآخر في نفس الدائرة الموجود بها محل إقامته بشرط إخبار عمدة القرية التي يكون مراقبا فيها و المفروض هنا أنه باق في محل إقامته أي في دائرة المركز أو القسم المقيد به و لكنه يريد تغيير محل سكناه في نفس هذه الدائرة.

ب-مدّة المراقبة :

1-بداية المدّة :

تبتدئ مدة تنفيذ المراقبة من اليوم المحدد في الحكم و من أجل ذلك يتعين على المحكمة أن تعين في حكمها مبدأ المراقبة التي يحكم بها و مدتها.

و مدة المراقبة الإدارية أقصاها عشرة أعوام و هي في آن واحد أقصى و أدنى للصور التي جاء بها الفصل 26 مجلة جنائية أما في بقية الصور فإن العمل يكون بالفصل 25 مجلة جنائية القاضي بأن الحاكم له أن يحكم بالوضع تحت المراقبة الإدارية لمدة لا تتجاوز خمسة أعوام إذا كانت الجريمة تستوجب الحكم على الجاني بالسجن أكثر من عامين، و التعبير بأقصاها يدلّ على أن الأدنى موكول لاجتهاد الحاكم[183].

و تقدير مدّة الوضع تحت المراقبة الإدارية موكول لاجتهاد الحاكم و اعتماده يكون على المنفعة الحاصلة من وضع الجاني تحت المراقبة و على جراءة هذا الأخير و شدّة الجناية و أهميتها و بالجملة فإن الحاكم يعتمد على القرائن الواقعية التي حفت بالقضية حتى يمكن له معرفة المدّة الكافية لوضع الجاني تحت المراقبة الإدارية[184] مع الإشارة إلى أن المشرع لم يضع نصا خاصا بالمدة القصوى لهذا الجزاء.

و نجد نصوصا يكون فيها الأقصى عشرون سنة كما في الفصل 62 مجلة جنائية الخاصة بجريمة الإعتداء على أمن الدولة الخارجي حيث الأدنى خمس سنوات و الأقصى عشرون سنة. هذا فيما يخصّ النصوص التي وضع فيها المشرع حدا أقصى للعقوبة أما النصوص التي لم يضع فيها المشرع مدّة المراقبة الإدارية فإننا نعود للفصل 25 مجلة جنائية باعتباره نصا عاما فالنصّ الخاص و إن تعرض لامكانية النطق بالمراقبة الإدارية فإنه سكت عن تحديد المدة و الفصل 25 مجلة جنائية تعرض إلى كل الجرائم التي يكون عقاب السجن فيها أكثر من عامين، و بخصوص الحدّ الأدنى للمراقبة يكمن اعتبار أنه 24 ساعة قياسا على عقوبة الحبس[185].

مبدأ قضائية العقوبة يعني أن وقوع الجريمة وحده ليس سندا لتنفيذ الجزاء المقرر عليها و لو كان المتهم معترفا و متلبسا بالجريمة و راغبا في العقاب عنها، فالسند الوحيد لتنفيذ العقوبة هو الحكم النهائي، هذا الحكم يتضمن إذا كان صادرا بالإدانة تحديدين :

الأول : تحديد الجزاء تدبيرا كان أم عقوبة مع بيان نوعه و تحديد مقداره.

الثاني : تحديد المحكوم عليه وهو من عينه الحكم لتحمل العقوبة أو التدبير الوارد فيه.

بعد هذين التحديدين يبدأ دور علم العقاب في بيان كيفية تنفيذ الجزاء المحدد بالحكم على المحكوم عليه الذي عينه الحكم بمعنى أن الحكم يشكل الإطار الذي تعمل فيه قواعد التنفيذ…[186]

يستخلص من هذا أن على القاضي أن يحدد المدة التي يجب أن يقضيها المحكوم عليه و ذلك لتفادي جور رجال الشرطة فلا يترك لهم الفرصة لتمديد المدة، فالتحديد القضائي للجزاء فيه ضمان للمحكوم عليه من استبداد سلطات التنفيذ، فمن المفترض أن القاضي يحدد اليوم الذي تبدأ فيه مدة المراقبة فإن وقع تحديده يجب أن تنتهي المراقبة عند حلول التاريخ المقرر لانتهائها.

و هناك حالات تبتدئ فيها المراقبة فورا عقب انقضاء مدة العقوبة الأصلية و ذلك بحكم القانون و بغير حاجة إلى تدخل القاضي و ذلك إذا كانت المراقبة عقوبة تبعية. و يجب على القاضي أن يعنى بتحديد مبدأ المراقبة كلما حكم بها كعقوبة أصلية أو تكميلية لأن تنفيذها يبدأ من اليوم المحدد في الحكم.

تبتدئ المراقبة من يوم صدور العفو أو الإفراج عن المحكوم عليه بعد وفائه مدّة العقوبة التي أبدلت بها العقوبة المحكوم بها أصلا. [187]

المراقبة تبتدئ من يوم انقضاء العقوبة الأصلية سواء بالتنفيذ أو بالتقادم و إن قضي بها كعقوبة أصلية فهي تبتدأ من يوم صدور الحكم.

إذا كان الحكم غيابيا نصّ فيه على بدأ تنفيذها من تاريخ صيرورة الحكم نهائيا و إن كان حضوريا نصّ فيه على تنفيذها من يوم صدوره[188].

مع الإشارة إلى أن تنفيذ العقوبة يجب أن يكون استنادا على حكم نهائي الدرجة صادر عن محكمة مختصة، فالتنفيذ لا يمكن تصور البدء فيه إلا إذا وجد سند تنفيذي يتمثل في حكم قضائي جزائي بات صادر عن سلطة قضائية مختصة ناتج عن إجراءات صحيحة.

و الحكم الجزائي ينفذ فوريا منذ صيرورة الحكم باتا حسب الفصل 338 مجلة إجراءات جزائية و ذلك إذا لم تجتمع مع عقوبة المراقبة عقوبة أصلية سالبة للحرية.

و العبرة في تسبيق العقوبة الأصلية عن التكميلية هو كون العقوبة الأصلية أكثر أهمية لأنها تكتسي طابع الإيلام فهي أشدّ من العقوبة التكميلية.

و يجب التذكير بالفصل 358 مجلة إجراءات جزائية : “تنفيذ العقوبات التكميلية المحكوم بها على السجين الذي منح السراح الشرطي يبتدئ من تاريخ الإفراج عنه”.

و في خصوص ترتيب تنفيذ العقوبات التكميلية فإنه إذا ما اجتمع الإقصاء و منع الإقامة والمراقبة الإدارية فإنه يبدأ بتنفيذ الإقصاء ثم منع الإقامة و المراقبة الإدارية[189].

و تجدر الملاحظة أن العقوبة التكميلية موجهة لإزالة الخطورة الإجرامية و عليه فهي لا تنتهي إلا بزوالها، و المشرع من الصعب عليه أن يحدد المدة الزمنية التي ستستغرقها الخطورة الإجرامية لتزول من نفس المحكوم عليه و كذلك الأمر بالنسبة للقاضي لذلك فالوضعيون يرون بأن القاضي يحكم بالإدانة و نوع الجزاء. أما المدة فهي مفتوحة إلى حين زوال الخطورة، لكن شق كبير من الفقهاء رفض هاته الفكرة.

و تفاديا للآثار السلبية التي قد تنجرّ عن تحديد مدّة العقوبة فإن المشرع ترك للقاضي سلطة تقديرية لتحديدها، و في خصوص النصوص المتعلقة بالمراقبة الإدارية نجد المشرع اعتمد فكرة التحديد النسبي فهو يضع حدّا أقصى و يترك لسلطات التنفيذ سلطة الرفع أو التخفيض في ذلك الجزاء حسب تطور الحالة الخطرة للمحكوم عليه.

2-إنقضاء المدّة :

المراقبة تنتهي حتما و بقوة القانون بمجرد حلول التاريخ المقرر لانتهائها، فلا يوقف مدّتها حبس المحكوم عليه بها أو هربه منها أو أي سبب آخر من أسباب التغيب عن محل الإقامة فلا يمكن بعد التاريخ المقرر لانتهائها وضع الشخص تحت المراقبة من جديد فيوم انتهائها لا يقبل الإرجاء و لا يتعطل و لا يتوقف أو ينقطع أو يجزء.

و لما كانت المراقبة تنتهي من تلقاء نفسها بانتهاء مدّتها فلا يتصور سقوطها بمضيّ المدة كغيرها من العقوبات[190].

إن الهدف من المراقبة هو منع المحكوم عليه بها من تهديد الأمن العام فهي تستنفذ أغراضها عند مضي المدة المحددة لها دون أن تقع أي جريمة منه و إذا وقعت منه أية جريمة فهو يخضع للقانون من جديد و يعاقب بمقتضاه، لذا فإنه إذا قضى حكم الإدانة بعقوبتي الحبس و الوضع تحت مراقبة البوليس معا وجب عليه أن يحدد بدأ المراقبة من يوم الإفراج عن المحكوم عليه لا من يوم صدوره[191] فإن انقضت المدة أصبح هذا الأخير حرّا لكن قد تنقضي العقوبة لأسباب أخرى عبر تنفيذها. فنجد أسبابا لانقضاء الإلتزام بتنفيذ العقوبة مع بقاء الحكم الصادر ضدّه قائما من الناحية القانونية و أسبابا لزوال الحكم بالإدانة فيمحى الحكم ذاته و تزول آثاره الجنائية.

2-1-أسباب انقضاء الالتزام بتنفيذ العقوبة :

قد تنقضي العقوبة بوفاة المحكوم عليه أو بالتقادم أو بالعفو الخاص.

2-1-1-وفاة المحكوم عليه :

علّة تأثير الوفاة على الالتزام بتنفيذ العقوبة أن العقوبة شخصية لا تحقق الأغراض المنوطة بها إلا إذا نفـذت في شخص معيّن بالذات هو المسؤول عن الجريمة فإذا مات استحال تنفيذها فيــه[192].

و وفاة المحكوم عليه تنقضي بها جميع العقوبات أصلية كانت أو تكميلية و ذلك لشخصيتها و بالتالي فإن عقوبة المراقبة الإدارية تنقضي بوفاة المحكوم عليه. و لقد نصّ الفصل 352 مجلة إجراءات جزائية : “تزول بوفاة المحكوم عليه جميع العقوبات الأصلية و التكميلية باستثناء الحجز و المصادرة و غلق المحل”.

2-1-2-التقادم :

إذا كان صدور الحكم البات هو الطريق الطبيعي لانقضاء الدعوى الجنائية فإن تنفيذ العقوبة هو الطريق الطبيعي لانقضائها[193]. لكن العقوبة قد لا تنتقضي بالطريقة الطبيعية فهي قد تنتهي مثلا بالتقادم.

و يقصد بالتقادم سقوط العقوبة بمضي فترة محددة من تاريخ نشوء الحق في تنفيذها. و تأخذ أغلب الشرائع بنظام انقضاء العقوبة بمضي المدّة لأن مضيّها يعدّ قرينة على نسيان الجريمة و الحكم الصادر فيها، و لحثّ السلطات على المبادرة إلى تنفيذ الأحكام النهائية و تعقب المحكوم عليه فور صدورها[194]. أما القانون الانجليزي فلا يأخذ بنظام تقادم الدعوى الجنائية أو العقوبة المحكوم بها.

و ظهر نظام التقادم الجنائي ليقرر تغليب المصلحة في إنهاء النزاع تحقيقا للاستقرار القانوني على العدالة[195]. إذ أن إطالة مدّة النزاع قد يسبب اضطرابا في حياة المجتمع و تهديدا لمصالحه بحيث تتضاءل معه مصلحة الدولة في تطبيق سلطتها في العقاب، فالمجتمع ينسى الجريمة و عقوبتها و المجرم عانى من إيلام العقوبة عن طريق التخفي و الهرب. إذن يترتب عن انقضاء المدّة انقضاء الالتزام بتنفيذ العقوبة مع بقاء حكم الإدانة قائما.

و فترة التقادم تبدأ من تاريخ صدور الحكم البات أو من يوم الإعلام بالحكم الغيابي إذا لم يقع ذلك الإعلام للمحكوم عليه نفسه ما لم يتبين من أعمال تنفيذ الحكم أن المحكوم عليه حصل له العلم به.

و قد نصّ الفصل 349 مجلة إجراءات جزائية أن العقوبات المحكوم بها في الجنايات تسقط بمضي عشرين سنة كاملة و في الجنح بمضي خمسة أعوام كاملة.

و حسب الفصل 350 مجلة إجراءات جزائية مدّة السقوط يعلقها كل مانع قانوني أو مادي يحول دون تنفيذ العقاب ما عدا الموانع المترتبة عن إرادة المحكوم عليه.

و يعتبر المشرع المصري أن مدّة التقادم تنقطع بالقبض على المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية و لا يسوغ في أي حال من الأحوال التمديد في أجل السقوط إلى ما يزيد على ضعفه.

إن مشرعنا لم يوضح إن كانت العقوبات التكميلية و بالخصوص المراقبة الإدارية تخضع للتقادم، لكن بالقياس على منع الإقامة الذي لا يفترض تنفيذه إجراءات مادية إيجابية إذ هو يتمثل في مجرّد التزام سلبي يتمثل في الامتناع عن الإقامة في مكان معيّن يحدده الحكم فتنتج أثرها بنفسها بمجرد صدور الحكم بها دون حاجته إلى عمل تنفيذي[196] فلا يسري مفعول التقادم عليها وهو نفس الاتجاه الذي انتهجه المشرع الفرنسي.

و قد اعتبر الفقيه جندي عبد الملك أن مراقبة البوليس لا تسقط تبعا لسقوط العقوبة الأصلية بالتقادم… فلمّا كانت المراقبة قد شرعت للمحكوم عليه الذي قضى عقوبته الأصلية وجب أن تبقى قائمة بعد انقضاء حق تنفيذ هذه العقوبة… كذلك لا تسقط المراقبة بالتقادم مستقلة و منفردة عن العقوبة الأصلية لأنها تنحصر في وضع المحكوم عليه تحت رقابة السلطة الإدارية و تحدث آثارها بدون حاجته إلى إجراء تنفيذي… و إنما تنقضي المراقبة بانقضاء المدة المحددة لها… و لا يمدّ التاريخ المقرر لانقضائها بسبب هرب المحكوم عليه أو غيابه لأي سبب كان[197].

واعتبر الدكتور محمود محمود مصطفى أنه لا تقبل التقادم إلا العقوبات التي يستلزم تنفيذها أعمالا مادية على شخص المحكوم عليه أو على أمواله و هي عقوبة الإعدام و العقوبات السالبة للحرية و الغرامة أما العقوبات التي تعتبر منفذة من نفسها فلا يتصور أو تسقط بمضي المدة لأنها تلحق المحكوم عليه بمجرد صيرورة الحكم بها نهائيا بغير حاجة إلى إجراء تنفيذ فلا يتصور فرار المتهم منها وهو الشأن في الحرمان من بعض الحقوق و المزايا و في عقوبة المصادرة و في عقوبة المراقبة لأنها تبدأ من اليوم المحدد في الحكم و لا يمد تاريخ انتهائها لأي سبب[198].

و الدكتور علي عبد القادر القهوجي رأى أنه لا تنقضي بالتقادم عقوبة مراقبة البوليس لأنها تبدأ من اليوم المحدّد في الحكم و تنقضي حتما عندما تستكمل مدتها ولو هرب المحكوم عليه من تنفيذها[199].

أما الدكتور رؤوف عبيد فيرى أنه لا تخضع مراقبة البوليس للتقادم بل تنقضي بانقضاء المدّة المحددة لها على أية حال سواء نفذت أم لم تنفذ[200].

و بالعودة لتشريعنا فإن المشرع لم يضع نصّا خاصا بالعقوبات التكميلية يحدد فيه إن كانت تخضع للتقادم أم لا بل نصّ على العقوبات بصفة عامّة.

و لقد تضاربت الآراء في شأن خضوع عقوبة المراقبة للتقادم من عدمه فمن رأى أنها تخضع للتقادم كانت حجته في ذلك أن المشرع لو أراد لاستثناها من دائرة التقادم إلى جانب كون التقادم يفترض غياب المحكوم عليه مدّة معينة عن الأنظار و بالتالي عن ساحة الإجرام وهو يدل عادة على تحسن سلوكه و زوال خطورته، وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه الفقه و فقه القضاء الفرنسي من عدم استثناء التدابير الاحترازية من التقادم.

أما من رأى بعدم خضوعها للتقادم فحجته في ذلك أن سكوت المجتمع عن تنفيذ العقوبة لا يعني تخليه عن حماية نفسه إلى جانب كون التدابير التي شرعت لحماية المجتمع يجب أن تنتج آثارها طالما الخطورة لم تنقض، كما اعتبروا أن المجرم الذي يتمكن من التفصّي من العقاب هو مجرم خطر و ما قدرته على الاختفاء إلا دليل على خطورته الإجرامية.

و لقد أقرّت محكمة التعقيب في قرار تعقيبي جزائي عدد 3216 مؤرخ في 04/05/1954 أن : “العقوبة التكميلية لا تسقط بمضي المدّة…”[201]

2-1-3-العفو الخاصّ : La grace

العفو عن العقوبة هو إنهاء الالتزام بتنفيذها إزاء شخص صدر ضده حكم بات بها إنهاء كليا أو جزئيا[202].

وهو تنازل من الهيئة الاجتماعية عن كل أو بعض حقوقها المترتبة عن الجريمة و يلجأ إليه لأسباب مختلفة منها الرغبة في إسدال الستار على جريمة أو جرائم من نوع معين[203].

و يعرف الفصل 371 مجلة إجراءات جزائية العفو الخاص بأنه : “إسقاط العقاب المحكوم به أو الحطّ من مدته أو إبداله بعقاب آخر أخف منه نص عليه القانون و هي ثلاثة أوجه للعفو. و حق العفو الخاص يمارسه رئيس الجمهورية بناء على تقرير من كاتب الدولة للعدل بعد أخذ رأي لجنة العفو (الفصل 372 مجلة إجراءات جزائية).

وهو شخصي و يكون بشرط أو بدونه و لا يمكن أن يشمل إلا المحاكمات الباتة (الفصل 373 مجلة إجراءات جزائية) و السؤال المطروح هو هل يمكن للعفو الخاص أن يتسلط على العقوبات التكميلية؟ و هل يترتب عن العفو عن العقوبة الأصلية إسقاط العقوبة التكميلية؟

يعتبر الفقيه جندي عبد الملك أن العفو من العقوبة الأصلية لا يترتب عليه حتما سقوط المراقبة لأنه من المقرر قانونا أن العفو من العقوبة لا يقتضي سقوط العقوبات التبعية أو التكميلية و لا الآثار الجنائية الأخرى المترتبة عن الحكم بالإدانة، على أنه يجوز أن ينص صراحة في أمر العفو على العفو من المراقبة[204].

و يرى الفقيه عبد الحميد الشواربي أن نطاق العفو يتسع لجميع العقوبات الأصلية و لكنه لا يتسع للعقوبات التبعية و التكميلية إلا بموجب نص صريح في قرار العفو و يتسع كذلك لجميع الجرائم و جميع المحكوم عليهم[205]، إذن من المتفق عليه أن العفو الخاص إذا صدر بخصوص العقوبات الأصلية فهو لا يتسع للعقوبات التكميلية.

و بخصوص العقوبات التكميلية في طبيعتها و جواز خضوعها للعفو الخاص فيمكن القول أن الفقه انقسم شقين فهناك من رأى بهاته الامكانية و هناك من رفضها و يرتكز الرأي الأول على أن العفو الخاص يلجأ إليه لتدارك الأخطاء القضائية التي لا سبيل لإصلاحها بالطريق القضائي، كما أن إمكانية صدور عفو من شأنها أن تحث المحكوم عليه على تحسين سلوكه، إضافة إلى أن هذا العفو لا يصدر إلا بعد تقرير من وزير العدل و أخذ رأي لجنة العفو وهو ما يعزز و يضمن فكرة زوال خطورة المحكوم عليه.

أما من رفض فكرة خضوع العقوبة التكميلية للعفو الخاص فاستند لكون هاته العقوبات هي في الأصل تدابير احترازية تواجه حالة خطيرة قصد درئها و إزالتها لذلك لا يجب أن يشملها العفو و إلا حادت عن الهدف المحدد لها و لم تحدد الغرض منها، كما استندوا إلى الهدف من العفو الخاص وهو التخفيف من قسوة العقوبة و التدبير الاحترازي لا يشمل فكرة الإيلام و الردع كما العقوبة الأصلية لذلك لا يخضع للعفو.

2-2-أسباب زوال الحكم بالإدانة :

يزول الحكم بالإدانة بأحد الأمرين : العفو العام أو رد الاعتبار و يتفق هذان السببان في أنهما ينهيان الوجود القانوني للحكم بالإدانة فيؤديان تبعا لذلك إلى انقضاء جميع الآثار المترتبة عليه فهما لا يقفان عند إنهاء الإلتزام بتنفيذ العقوبة الأصلية و إنما تنقضي بهما كذلك العقوبات التبعية و التكميلية[206] .

2-2-1-العفو العام : L’amnistie

نصّ الفصل 376 مجلة إجراءات جزائية أن : “العفو العام يمنح بقانون و تمحى به الجريمة مع العقاب المحكوم به” وهو حسب الفصل 34 من الدستور من مهام السلطة التشريعية نظرا لكونه معطلا لأحكام المجلة الجنائية. وهو لا يمنح لشخص أو أشخاص معينين بل يمنح لأجل جرائم معينة، وهو تنازل المجتمع عن حقه في العقاب، فإذا رفعت النيابة العامة الدعوى على متهم بجريمة صدر فيها عفو عام وجب على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الدعوى، فإذا صدر العفو العام خلال التتبع أي قبل صدور حكم بات فإنه تسقط معه الدعوى العمومية، فما وقع العفو فيه يعتبر كأن لم يكن.

و إذا صدر الحكم البات زال ذلك بأثر رجعي فتنقضي جميع آثاره سواء العقوبات الأصلية أو التبعية أو التكميلية فلا يعتدّ بالحكم كسابقة في العود و لا يجوز للمحكوم عليه أن يطلب ردّ اعتباره عنه. و نجد موقفين في خصوص مدى خضوع العقوبات التكميلية للعفو العام و آثاره.

الرأي الأول يرى أن العقوبات التكميلية تبقى منتجة لآثارها رغم العفو العام و ذلك لكون هذا الأخير لا يسري على التدابير الإحترازية، إلى جانب كون التدابير الاحترازية قررت لدرء خطورة من شأنها أن تؤدي إلى ارتكاب جرائم مستقبلية،كما أن المشرع الفرنسي تبنى فكرة عدم شمول العفو للتدابير الاحترازية فهو يزيل العقوبات المنطوق بها لكن تبقى كل الآثار الأخرى للحكم الذي لا يكون لها صبغة القصاص مثل التعويض و التدابير الاحترازية.

الرأي الثاني يعتبر أن العقوبات التكميلية تنقضي بموجب العفو و يرتكز في ذلك على كون العفو العام يعطل النصّ الجنائي و يجردّ الفعل من الصفة الإجرامية فيصبح من الأفعال التي لم يجرّمها المشرع فيزول الحكم الجزائي بأثر رجعي و لذلك تمحى معه التدابير الاحترازية.

و يمكن تفسير سكوت مشرعنا عن هذا الأمر بأنه يعتبر من البديهي أن تمحى جميع الآثار الجزائية للحكم إلى جانب كون المشرع نصّ صراحة على بعض الحدود لآثار العفو على العقوبة حيث استثنى المصادرة و الحجز و الخطية إن تمّ تنفيذهم.

و الجدير بالملاحظة أن محكمة التعقيب التونسية قد اتجهت نحو انقضاء العقوبات التكميلية بموجب العفو العام و ذلك في قرار تعقيبي جزائي عدد 4313 مؤرخ في 23/05/1959 [207].

و يعتبر الفقيه جندي عبد الملك أن العفو الشامل يمحو حكم الإدانة و جميع الآثار الجنائية المترتبة عليه و من ثمّ ينهي مراقبة البوليس[208].

2-2-2-ردّ الاعتبار la réhabilitation

ردّ الاعتبار هو إزالة الآثار الجنائية لحكم الإدانة بالنسبة إلى المستقبل بحيث يأخذ المحكوم عليه وضعه في المجتمع و ذلك بتمكينه من الاندماج فيه بعد أن يصير في مركز من لم تسبق إدانته[209].

و يمتاز عن العفو عن العقوبة في أنه حق للمحكوم عليه بينما العفو منحة، و العفو بالقانون بينما ردّ الاعتبار يحكم لجنة العفو أو بالقانون، و العفو قد يصدر قبل الحكم أو أثناء المحاكمة و أما ردّ الاعتبار فهو بعد مضي مدّة من تنفيذ الحكم أو سقوطه بمضي الزمن، و العفو ذو أثر رجعي يمتدّ إلى وقت ارتكاب الفعل أما آثار ردّ الاعتبار فتنصرف إلى المستقبل فحسب فهو يرفع آثار الحكم بالنسبة للمستقبل.

و نظام ردّ الاعتبار يفترض سبق صدور حكم بات بالإدانة و سبق تنفيذ العقوبة المقضي بها و سبق العفو عنها أو سبق سقوطها بمرور الزمن فتكون المدّة بالنسبة للجنايات 3 سنوات و بالنسبة للجنح عاما و إن كان المحكوم عليه في حالة عود قانوني أو سبق أن تمتع باسترداد الحقوق فإن الأجل يرفع إلى ضعفه حسب الفصل 367 مجلة إجراءات جزائية.

و يجوز القول بأن ردّ الاعتبار يتسع نطاقه للعقوبات التكميلية و بالتالي للمراقبة الإدارية و ذلك استنادا إلى أن الفصل 370 مجلة إجراءات جزائية نصّ على أنّ ردّ الحقوق يمحو بالنسبة للمستقبل العقوبات المحكوم بها.

و عبارة عقوبات وردت عامة دون قيد أو شرط و هي تتسع للعقوبات التكميلية و الأصلية ولو أراد المشرع لاستثنى العقوبات التكميلية أو التبعية، إلى جانب كون ردّ الاعتبار لا يزيل العقوبات المنطوق بها فقط بل يزيل سندها وهو حكم الإدانة بالنسبة إلى المستقبل فيصبح المحكوم عليه ابتداء من ردّ اعتباره في مركز من لم تسبق إدانته فإذا زال الحكم بالإدانة فيستتبع ذلك بالضرورة زوال جميع آثاره الجزائية بالنسبة للمستقبل و لا يمكن منطقا أن يزول الحكم و تبقى العقوبة سارية، هذا مع إضافة أنّ ردّ الاعتبار يفترض إثباتا رسميا بحسن سلوك و صلاح المحكوم عليه و هذا يثبت زوال الخطورة الإجرامية و بالتالي لا داعي لبقاء العقوبة التكميلية.

و تجدر الإشارة أن المشرع المصري اعتبر من آثار ردّ الاعتبار سقوط جميع العقوبات التبعية و التكميلية.

و عموما فإنّ المراقبة الإدارية و منع الإقامة قد جرى العمل التنفيذي على توقيف تنفيذهما إذا ما تراءى لسلط التنفيذ أن المحكوم عليه قد امتثل للسلوك القويم.

المبحث الثاني : جزاء الإخلال بعقوبة المراقبة الإدارية :
مراقبة البوليس عقوبة مقيدة للحرية أخف من العقوبات الأخرى السالبة للحرية و من السهل التخلص منها و مخالفة أحكامها، من أجل هذا وجب تزويدها بعقوبة احتياطية تكفل تنفيذها و تهدد كل من حاول الفرار منها، و يمكن أن يتبع في ذلك طريقتان :

طريق الجزاء الإداري فتخول الحكومة حق سلب المخالف حريته إما بإرساله إلى السجن أو إبعاده إلى جهة معينة و طريق الجزاء القضائي فتعدّ مخالفة أحكام المراقبة جريمة تعاقب عليها المحاكم بعقوبة خاصة، و قد أخذ القانون الفرنسي بالطريقتين على التوالي و لكن المتبع منذ سنة 1832 هو طريق الجزاء القضائي[210].

يترتب على المراقبـة الإدارية إلزام المحكوم عليه بالالتزام بجميع الأحكام المقررة لها فإن خالفها تعرض للعقاب، ولقـد وضع المشرع عقابا للمخالف نفسه (فقـرة 1) وعقابـا لشريكـه (فقـرة 2).

الفقرة الأولى : عقاب المخالف الأصلي :

ينصّ الفصل 150 مجلة جنائية : “يعاقب بالسجن مدّة عام المحكوم عليه الذي يخالف منع الإقامة أو الذي جعل تحت المراقبة الإدارية و يرتكب مخالفة الواجبات التابعة لها”.

هذا الفصل يخصّ عقاب الفاعل الأصلي وهو مصطلح يطلق على كل شخص يرتكب بصفة مباشرة و أصلية الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة أي الشخص الذي يرتكب بمفرده جملة الأفعال المادية المجسمة للجريمة[211] فالفاعل هو من يحقق بسلوكه نموذج الجريمة الموصوف في القانون تحقيقا كليا أو جزئيا[212].

ففاعل الجريمة هو من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو ساهم مباشرة في تنفيذها فهو من آتى الجريمة وحده أي من انفرد بتنفيذها، اي ارتكب الجريمة وحده فإذا كانت الجريمة تتكون من فعل واحد فيكون هو وحده الذي صدر عنه هذا الفعل الذي يقوم به الركن المادي للجريمة و تتحقق على إثره النتيجة الإجرامية التي يحددها القانون أي أن يكون الركن المادي قد تحقق على يديه[213].

و لقد اختلف الفقهاء في التمييز بين المشارك و الفاعل الأصلي مما أوجد نظريتين: النظرية الموضوعية و النظرية و الشخصية حيث اعتبر أنصار النظرية الشخصية أن معيار التفرقة بين المشارك و الفاعل الأصلي للجريمة يتمثل في طبيعة النيّة أو الإرادة المتجهة إلى اقتراف الجريمة، فإن كانت نيّة المجرم متجهة إلى اقتراف الجريمة و بالتالي تحقيق النتيجة الإجرامية فإن الفاعل يكون فاعلا أصليا في الجريمة أما إذا كان الفاعل ينوي فقط المشاركة في الجريمة بدون أن يكون له حرص على تحقيق نتيجة إجرامية فإنه يعتبر مجرد مشارك في الجريمة و قد وقع نقد هذه النظرية نظرا لصعوبة إثبات النية الإجرامية لدى المجرم.

أما النظرية الموضوعية فهي تعتمد نوع الفعل المرتكب للتمييز بين المشارك و الفاعل الأصلي فالفاعل هو من يرتكب الفعل المكون للجريمة أو جزء منه، أما المشارك فهو من يرتكب أفعالا أقل أهمية وصلة بالركن المادي، و هناك منهم من يرى بأن الفاعل بنشاطه الرئيسي يبذل مجهودا بارزا و على نحو يؤدي إلى وقوع النتيجة الإجرامية في حين أن مجهود المتدخل أقل أهمية من مجهود الفاعل[214]

إذن المخالف الأصلي في جريمة مخالفة المراقبة الإدارية هو المحكوم عليه نفسه الذي لم يتقيد بأحكام المراقبة الإدارية التي تتمثل في عدم مبارحة المكان المحدد له و في أن يقدم نفسه إلى مركز الأمن في الجهة التي يقيم بها بمجرد أن تصبح هاته العقوبة واجبة التنفيذ و أن يكون بمسكنه أو في المكان المعين لمأواه عند غروب الشمس و ألا يبرحه قبل شروقها، و لا يسوغ له مبارحة المكان الذي حدد له بدون رخصة و نتساءل متى يمكن اعتبار المحكوم عليه بالمراقبة الإدارية مخالفا؟

و للإجابة نورد القرار التعقيبي الآتي :

قرار تعقيبي عدد 2591 مؤرخ في 17 جويلية 1947

المبدأ : “أن الفصل 150 من القانون الجنائي التونسي يعاقب بالسجن مدّة عام الشخص الذي وقع وضعه تحت المراقبة الإدارية و خالف الموجبات التابعة لها و أن هذا الفصل يقع تطبيقه مهما كان السبب الذي أمكن دفع المحكوم عليه لارتكاب الجريمة و أن هذا السبب لا يمكن بحال أن يتكون منه عذر للإعفاء”[215] فهذه المخالفة قد تكون بتنقل المحكوم عليه خارج المكان المحدد له دون أخذ رخصة، أو أن لا يتواجد بمسكنه من غروب الشمس إلى شروقها، أو لا يقدم نفسه إلى مركز الأمن أو لم يحضر إلى مركز الشرطة إذا ما وقع استدعاؤه.

و نلاحظ أن محكمة التعقيب اعتبرت أنه ما من سبب يحول دون تطبيق هذا الفصل على المخالف و أنه ما من سبب يمكن اعتباره معفيا من العقاب باعتبار أنه ليس سببا شرعيا إذ أن المشرع قد اشترط الرخصة كوسيلة للإعفاء من تطبيق المراقبة الإدارية و ذلك سواء لنقل مكان إقامته أو للتغيب عن محل سكناه من بعد غروب الشمس إلى شروقها.

و قد اعتبر المشرع المصري أنه يكون مخالفا من :

وجد جالسا أو مختبئا في مكان ليس لوجوده به سبب مقبول و كان يحمل سلاحا أو كان مجتمعا مع شخصين أو أكثر و كان أحد ما أو أحدهم على الأقل حاملا سلاحا و يعدّ من الأسلحة تطبيقا لهذا النصّ عدا من ذكر في المادة الأولى من القانون رقم 8 سنة 1917 الخاص بإحراز و حمل السلاح البلط و النبابيت و العصى الغليظة المعروفة باسم الديوك وكل آلة يمكن استعمالها في القتل أو من شأنها إحداثه.

وجد متنكرا بأي شكل خارج مسكنه.
وجد خارج مسكنه حاملا لغير سبب مقبول آلة من الآلات التي التي من شأنها تسهيل دخول المحال المغلقة أو التي يمكن استعمالها في ارتكاب سرقات كالمبرد أو الأجنة أو ما يماثلها.

وجد حاملا أو محرز لسبب غير مقبول مادة مفرقعة أو كاوية أو قابلة للإلتهاب أو مواد سامة أو غيرها من المواد التي يمكن استعمالها في الإعتداء على النفس أو تسميم المواشي أو إحداث حريق أو إتلاف مزروعات.

وجد حاملا أو محرزا نقودا أو أشياء ذات قيمة إذ لم يستطع إثبات مصدرها و لم تكن لديه وسائل مشروعة و معروفة تبرر حصوله عليها[216].
إن المشرع يجعل من عدم احترام أحكام المراقبة و شروطها في التنفيذ جنحة تستوجب الحكم على الموضوع تحت المراقبة بالسجن مدّة لا تزيد على عام.

و الواقع أن تدخل المشرع على هذا الوجه أمر لا بدّ منه لأن الغرض أن المراقبة عقوبة يقوم المحكوم عليه بتنفيذها خارج السجن أي وهو طليق و من ثمّ فلا سبيل إلى ضمان هذا التنفيذ إلا بوضع جزاء لمخالفة أحكامه[217].

و الهرب من المراقبة جريمة مستمرّة لا منقطعة و تحسب المدة اللازمة لإقامة الدعوى العمومية بشأنها من تاريخ انقطاعها لا من تاريخ الدخول فيها و لا تحتسب مدّة الهروب من المراقبة من المدّة المقضي عليه فيها بالبقاء في المراقبة لأن القانون نصّ على تمضية مدّة المراقبة في مكان معيّن، كما لا تعتبر مخالفة شروط المراقبة جريمة ثانية بالنسبة للجريمة التي كانت سببا للحكم بها و على ذلك فالمخالف لا يعتبر عائدا في هذه الحالة[218].

و لقد كانت مصر قبلا تأخذ بطريقتين في العقاب عن مخالفة أحكام المراقبة أي طريقة الجزاء الإداري و طريقة الجزاء القضائي حيث كان قانون النفي الإداري يقضي بأنه إذا حكم على الشخص الموضوع تحت الملاحظة لارتكابه جنحة الهرب من المراقبة يعيّن له بعد انتهاء مدّة العقوبة محل إقامة في جهة من القطر يعينها وزير الداخلية و هذه الحالة تقرر له اللجنة المشكلة بمقتضى ذلك القانون مجددا مدّة الملاحظة فيها و يجوز لها أن لا تحتسب مدّة الملاحظة التي قضاها الشخص قبل الحكم عليه و أما قبل صدور قانون النفي الإداري فكان توقيع العقاب على من يخالف أحكام المراقبة من اختصاص المحاكم العادية[219].

و تجدر الملاحظة أن النصّ المعاقب على مخالفة أحكام المراقبة يتناول كل مخالفة يرتكبها المراقب فرارا من الواجبات المفروضة عليه أي يكفي مخالفته حكم من الأحكام حتى يتسلط عليه العقاب.

و يرى الفقيه جندي عبد الملك أن جريمة الهرب من المراقبة تتكون من ركنين مادي و أدبي، فالركن الأول يتحقق بفعل مادي يقع في المراقب و يكون مخالفا لحكم أو أكثر من الأحكام المقررة في الباب الخاص بمراقبة البوليس… فإذا لم يكن الفعل مخالفا لحكم من تلك الأحكام فلا جريمة و لا عقاب[220] و قد حكم في فرنسا بأن المراقب الذي يمتنع عن الذهاب إلى الجهة المعنية لإقامته بعد رفضه التصريح بتعيين محل لإقامته باختياره يعتبر مخالفا لأحكام المراقبة[221].

وقد اختلفت آراء الشارع و المحاكم في فرنسا فيما يتعلق بالركن الأدبي فذهب بعضهم إلى أن جريمة الهرب من المراقبة هي مخالفة مادية بحتة تتحقق بمجرد وقوع الفعل المادي و بقطع النظر عن أي قصد جنائي و ذهب البعض الآخر إلى وجوب توفر الركن الأدبي و هو يتحقق كل ما وقع من الجاني خطأ أي إهمال أو عدم تنصر ولو لم يكن في فعله ما يدل على تعمد الإخلال بأحكام القانون[222].

الفقرة الثانية : عقاب المشارك :

نصّ الفصل 151 مجلة جنائية : “فيما عدا الاستثناءات المقررة بالفصل 149 من هذه المجلة يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر كل من يعتمد التستر على محل اختفاء المحكوم عليه الذي ارتكب مخالفة منع الإقامة أو خلصّ نفسه من المراقبة الإدارية”.

خصص المشرع هذا الفصل لعقاب المشارك في إخفاء شخص ارتكب مخالفة منع الإقامة أو خلص نفسه من المراقبة الإدارية و طرح عذرا قانونيا مبرئا للأشخاص الوارد ذكرهم بالفصل 149 المتقدم وهم الأصول و الفروع و الزوج و الزوجة[223].

حيث ينصّ الفصل 149 مجلة جنائية : “يعاقب بالسجن مدة عام كل من يخفي مسجونا فارا أو يساعد على إخفاءه و يستثنى من أحكام الفقرة المتقدمة أصول المسجون الفار و إن علوا أو فروعه و إن سفلوا و الزوج أو الزوجية”.

ويستشف من الفصل 151 مجلة جنائية أن :

1- المشرع يعالج المشاركة بإخفاء الشخص المخالف للمراقبة الإدارية أو ممنوع الإقامة و المشاركة في هذه الصورة كما في جميع الصور المتعلقة بإخفاء الأشخاص تتطلب تضليل السلطة عن إدراك محل اختفاء المخالف الفار.

2- تسقط الجريمة و يسقط العقاب في صورة ما إذا كان الفاعل من أقارب المتهم الفار و يجب أن تكون هذه القرابة في الدرجة المنصوص عليها بالفصل 149…

أركان الجريمة واضحة و هي إخفاء المتهم بالفرار أو تضليل السلطة عن مكان إقامته و لا لزوم لإعداد محل خاص بذلك و صفة المتهم و تلبسه بالفرار من مكان إقامته سواء كان محكوما عليه بالإقامة الجبرية او بالمراقبة الإدارية شرط لازم.

سوء النية أي علم المتهم بأن الشخص الذي يخفيه من المجرمين الفارين من أماكن قضاء عقابهم التكميلي[224].

إذن فالشريك في هاته الجريمة قد يكون مخفيا أو مضللا، و يكون ذلك سواء بمنع السلط من القبض على المراقب الفار أو الإدلاء بمعلومات خاطئة للتستر عليه و قد تتحقق الجريمة بالقيام بعمل إيجابي يتمثل في تمكينه من التخفي عن أعين العدالة، فالركن المادي لهذه الجريمة يتحقق بصور مختلفة و التضليل لا يتحقق إلا ضمن عمل إيجابي كتقديم إرشادات خاطئة أو وهمية قصد الإخفاء و التستر على المجرم الفار.

فكما قد تقع الجريمة من شخص واحد دون أن يساهم معه غيره بأي شكل من الأشكال فتقوم مسؤوليته الجزائية عنها عليه وحده لكن الأمور لا تعرض في الحياة العملية بهذا الشكل من السهولة إذ يحدث أن يتضامن مع الجاني في ارتكاب الجريمة شخص أو أشخاص عدّة على نحو تقوم فيه مسؤوليتهم جميعا عنها و هذا ما يثير نظرية الإشتراك الجرمي أو المساهمة في الجريمة و هي تفترض ارتكاب عدّة أشخاص لجريمة واحدة[225].

و يقصد بالمساهمة تعدد الجناة الذين ارتكبوا ذات الجريمة و هي بهذا المعنى تفترض أن الجريمة الواقعة لم تكن وليدة نشاط شخص واحد و لا ثمرة لإرادته وحده و إنما ساهم في إبرازها إلى حيز الوجود عدّة أشخاص كان لكل منهم دورا يؤديه و هذا الدور يتناوع في طبيعته و يتفاوت في أهميته في تحقيق الجريمة[226].

فتكون هاته المساهمة بالتدخل و ذلك بخلق فكرة الجريمة أو التحريض أو الإخفاء فالمشارك هو الشخص الذي من دون أن يكون قد اقترف الجريمة المسؤول عنها الفاعل الأصلي قد سهل الفعل الأصلي بأفعال مادية ثانوية.

الشريك هو شخص ساهم بدور رئيسي أو أصلي في تنفيذ الركن المادي للجريمة إلى جانب شخص آخر أو أكثر قام هو الآخر بدوره من ذات الطبيعة … من ساهم مباشرة في تنفيذ الجريمة[227].

و يعتبر الدكتور رمسيس بهنام أن الشريك هو من يساهم في الجريمة بسلوك خارج عن الوصف الوارد في نموذجها، و إن كان مرتبطا بالسلوك الموصوف في هذا النموذج و متصلا به لكونه اتفاقا أو تحريضا أو مساعدة عليه[228].

لكن نلاحظ أن الشريك في مخالفة أحكام المراقبة الإدارية الذي خصّه الفصل 151 مجلة جنائية بالعقاب هو المخفي و نشاط المخفي لا حق على إتمام الجريمة على عكس المتدخل أو المحرض، فالمشرع جعل إخفاء المخالف جريمة مستقلة بذاتها ذلك أنه جعل لها عقابا خاصا غير عقاب المخالف الأصلي في حين المشاركة في القانون التونسي تستوجب استعارة التجريم أي يعاقب المشارك بنفس عقاب الفاعل الأصلي و ذلك طبقا للفصل 33 مجلة جنائية فهنا ورد استثناء قانوني لنظرية استعارة العقوبة حيث جعل المشرع عقاب المخفي ستة أشهر في حين وضع للمخالف عقابا بعام سجن، فالمشارك هنا معاقب بصفة مستقلة عن الفاعل الأصلي، و عقاب المشارك لا يتأثر بالظروف الشخصية للفاعل الأصلي ذلك أن تشديد العقاب على الفاعل الأصلي نظرا لكونه عائد في جريمة مخالفة أحكام المراقبة لا يمتد إلى الشريك.

والمشارك في جريمة مخالفة أحكام المراقبة لدوره أهمية في حصول النتيجة الإجرامية ذلك أن إخفاءه مكان المخالف يجعل اختفاء هذا الأخير مستمرا و بالتالي تواصل جريمته و هاته مشاركة لاحقة جرّمها التشريع التونسي في الفصل 32 مجلة جنائية و هي صورة إعانة الفاعل على الإفلات من قبضة العدالة، و يجب فضلا عن ذلك أن تتجه نية المشارك إلى تحقيق النتيجة الإجرامية أي أن يكون على علم بأنه بصدد إخفاء مكان هارب من العدالة فسوء نيته هنا يتمثل في علمه بأن الشخص الذي يخفيه من المجرمين الفارين من أماكن قضاء عقابهم التكميلي، و لا يتوافر القصد إذا أكره على الإخفاء أو المساعدة.

و الإخفاء هو نشاط جرمي يقوم به صاحبه بعد أن تكون الجريمة قد ارتكبت[229] فيكون هذا الإخفاء بهدف مساعدته على التواري عن وجه العدالة حيث يؤدي إلى إبعاد الجاني و جعله بمنأى من الملاحقة و توقيع العقاب و يدخل في هذا المفهوم إخفاءه في منزل أو إغلاق الباب في وجه من يطارده من رجال السلطات العامة فهاته الجريمة تقوم بكل نشاط يكون من شأنه إبعاده عن قبضة السلطات العامة.

و استثناء الأصول و الفروع و الزوج و الزوجة من هذا العقاب أمر بديهي إذ من المعقول أن يتستر الأهل على أبنائهم أو العكس أو أن يخفي الزوج أو الزوجة مكان الآخر نظرا للرابط العاطفي بينهم و طبيعة العلاقة القائمة.

الفصل الثاني : آثار تنفيذ عقوبة المراقبة الإدارية :
إن المتأمل في عقوبة المراقبة الإدارية يلاحظ مدى أهميتها كعقاب ذو طبيعة رقابية إذ من شأنها أن تجعل المحكوم عليه بها مقيدا في تنقله فلا يسعه التنقل من المكان المحدد له بحرية فذلك مشروط بإذن السلطات الإدارية ، فهو موضوع تحت رقابتها و هاته الرقابة من شأنها أن تجعله يتبع الطريق الصحيح و يبتعد عن الإجرام فهي رقابة هدفها وقاية المجتمع و حمايته من الخطورة الإجرامية للمحكوم عليه، لكن الإنسياق وراء دافع الحماية و الخوف من خطورة المجرم قد يؤدي إلى الإضرار بهذا الأخير و ذلك نظرا للنقائص التي تعتري تطبيق هاته العقوبة (المبحث الأول)، هاته النقائص جعلت من الضروري تعديل نظامها (المبحث الثاني).

المبحث الأول : نقائص تنفيذ عقوبة المراقبة الإدارية :

باعتبار المراقبة الإدارية كتدبير احترازي وضعت لا لإيلام المجرم أو التشفي منه أو الإنتقام بل كمحاولة لإعادة إدماجه للمجتمع و تغليب الجانب الصالح فيه عن الجانب المنحرف، هذا نظريا، لكن على المستوى التطبيقي نلاحظ العديد من النقائص و ربما يعوز ذلك إلى غياب تنظيم خاص لهاته العقوبة على المستوى التشريعي حيث اقتصرت النصوص التشريعية على تحديد بعض أحكام هاته العقوبة تاركة بذلك العديد من إجراءات تنفيذها بيد السلط المخصصة لذلك، إلى جانب كون هاته العقوبة يمكن أن تطبق على كل جريمة يكون العقاب فيها لأكثر من عامين فمجال تطبيقها واسع جدا مما يجعلها تحتوي العديد من الجرائم تحت طائلتها و هذا أدّى إلى انعدام الضمانات على مستوى تنفيذها (الفقرة الأولى) و هذا الإنعدام أدى إلى عدم تحقيقها لأغراضها التي وضعت لأجلها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : انعدام ضمانات تنفيذ عقوبة المراقبة الإدارية :

لا يمكننا إنكار حق المجتمع في حماية نفسه من المفرج عنهم أو المشتبه في أحوالهم بوضعهم تحت مراقبة خاصة لكن لا يمكن بأي حال أن يؤدي هذا الحق إلى إهدار حقوق الموضوع تحت المراقبة و ذلك لعدم تنظيم هاته المراقبة، ذلك أن المراقبة لا تكون منتجة إذ لم يكن المراقب تحت نظر البوليس بصفة مستمرة و لكن المراقب من جهة أخرى لا يستطيع كسب عيشه من طريقه المشروع إلا إذا بقيت حالته سرّا مكتوما عن الناس إذ يخشى لو شددت أحكام المراقبة و أذيعت سوابق المحكوم عليه أن تصبح المراقبة عائقا يحول دون استعادته مركزه في الهيئة الاجتماعية و يمنعه من الحصول على عمل يعيش منه، فالمسألة التي يواجهها المشرع عند تنظيم المراقبة و التي يجب أن يجد حلاّ لها هي التوفيق من مراقبة الدولة و بين ستر حالة المراقب[230].

ففي صورة الحكم على شخص معيّن يكون أحيانا العائل الوحيد لأسرته فإن الضرر يصل إلى هذه الأسرة التي ستجد نفسها محرومة من مورد رزق بالإضافة إلى الضرر الأدبي الذي ينزله الجزاء بأسرة المحكوم عليه إذ تكون لها آثار مادية غير مباشرة على وضعهم المالي نتيجة لتقلص مجال الأنشطة التي يمارسونها[231].

و إن عدنا إلى المبادئ التي ترتكز عليها العقوبة الجنائية لوجدنا أن مبدأ شخصية العقوبة من المبادئ الأساسية لكن في التطبيق يندر أن تتحقق هذه الضمانة على نحو مطلق، فهذا الجزاء يسلط فعلا على شخص معين لكنه يمسّ أحيانا بقوت عائلة المحكوم عليه أو بقوت الأشخاص الآخرين الذين ينتفعون من ذلك النشاط الذي كان يمارسه مثل الأجراء و عائلاتهم، إذ أن هاته العقوبة تؤدي إلى الحرمان من عمل يتعاطاه المحكوم عليه و هذا الحرمان يمكن أن يؤثر على كل من كان سيستفيد من ذلك العمل مثل عائلة المحكوم عليه و دائنيه، فخضوع الشخص للمراقبة لا يضمن له مصدر رزق يعيش منه و بالتالي لا يضمن له طريقا للحياة السويّة.

إذن هاته المراقبة و على مستوى تطبيقها تضمن مراقبة المحكوم عليه و بذلك تضمن حماية المجتمع لكنها لا تضمن حق المحكوم عليه في العيش بكرامة، فالعقوبة ينبغي أن تكون إنسانية لا تؤدي إلى امتهان كرامة المحكوم عليه بها أو إلى إهدار آدميته… و هذا الاعتبار هو الذي يدعو إلى تخليص التنفيذ العقابي من كل مظاهر القسوة التي تتضمن بأي صورة كانت امتهان كرامة الإنسان… فيجب أن تلتزم سلطات التنفيذ العقابي بالحفاظ على الكرامة الإنسانية للمحكوم عليه فلا تضيف إلى إيلام العقوبة ما يزيد على القدر الذي يريده الشارع عن طريق المساس بحقوق معينة للمحكوم عليه[232]

لكن لا تجد هاته الضمانة في نظام تنفيذ عقوبة المراقبة الإدارية إذ أن كيفية تنفيذها متروكة لاجتهاد مصالح الشرطة، فلا يعقل أن ينصّ السند التنفيذي على عقوبة المراقبة الإدارية لمدّة خمسة أعوام فتقع الزيادة في مدتها أو التنقيص منها من قبل سلطة التنفيذ فالزيادة هي تجاوز لحدّ السلطة و تعدّي على حقوق المحكوم عليه و التنقيص هو تعديل لنصّ الحكم تختصّ به المحكمة التي أصدرته دون غيرها[233].

إلى جانب كون عقوبة المراقبة تتعارض مع روح الدستور بالفصل 10 الذي ضمن لكل مواطن حرية التنقل داخل البلاد و إلى خارجها و اختيار مقرّ إقامته فالمحكوم عليه بها يحرم من هذا الحق و يصبح مقيدا في مكان تحدده السلطات الإدارية و إن اعتبرنا أن هذا التقيد هو جزاء معقول لشخص يعتبر خطرا على المجتمع ولو أنّ فكرة التنكيل و الانتقام لم تعد من أهداف السياسة العقابية التي أصبحت تقوم على الإصلاح و التقويم و إعادة الإدماج

إذ لا يجب أن تغلب على أفراد الهيئة الاجتماعية نزعة التشفي من المجرم بل يجب أن يكون الهدف إصلاحه و محاولة الإحاطة به و توفير الظروف التي تجعله يحيد عن طريق الإجرام أي توفير ما لم يكن متوفرا له من قبل و دفعه إلى اختيار طريق غير الإجرام لكن كيف سيتحقق هذا و الأمر موكول للسلطات الإدارية فإن استقر المحكوم عليه بالمكان الذي حددته له و وجد له مقرّ عمل يضمن له العيش الكريم تقوم هي بتغير مكان إقامته بحجة أنها رأت نفعا في ذلك، كما أنها حين تقوم بمراقبة تحركاته طول اليوم يمكن أن يؤثر ذلك على من يوفر له هذا العمل فهذا التقييد و الملاحقة يمكن أن يحرمه من عمله، كما أن مواعيد حضوره إلى مركز الشرطة تزيد حدّتها أو تنقص حسب إرادة الإدارة فأي ربّ عمل قد يرضى بعامل يغادر مكان عمله مرات عديدة للإمضاء.

كذلك المراقبة المستمرة تحرمه من حقه في الخصوصية فهو تحت أعين الشرطة طول الوقت بحيث لا يمكن له أن ينعم بحياته الخاصة أبدا إلى حين انتهاء مدّة عقوبته فلا يمكنه ممارسة حياته بطريقة عادية.

فهاته العقوبة تتضمن من أحكامها ما يعتبر بحدّ ذاته اعتداء على حقوق الإنسان رغم كون المواثيق الدولية تؤكد على ضرورة الابتعاد عن كافة العقوبات المنافية للكرامة الإنسانية، فالغرض من العقوبة هو الذي يبرر حق المجتمع في الالتجاء إلى العقاب و يضع في الوقت نفسه حدود هذا الحق فإن التنفيذ زاد من حدّه فإن الغرض من العقوبة ينقلب إلى ضدّه.

الفقرة الثانية : عدم تحقيق عقوبة المراقبة الإدارية لأهدافها:

إن تحديد أغراض العقاب هو السبيل إلى تحديد الأساليب اللازمة لتنفيذ العقوبات بما يحقق هذه الأغراض ذلك أن استعمال أساليب غير ملائمة أو متنافرة مع الأغراض المستهدفة من العقاب من شأنه تفويت هذه الأغراض و جعل العقاب غير ذي فائدة بل و ضار من الناحية الاجتماعية[234].

فالغرض من وضع العقوبة هو إصلاح المجرم و استئصال الخطورة الإجرامية الكامنة في شخصه بقصد تأهيله للحياة الاجتماعية و باعتبار المراقبة الإدارية ليست من العقوبات الاستبعادية التي تفترض عدم قابلية المحكوم عليه بها للإصلاح بل هي تتجه لعلاج أوجه القصور لديه و القضاء على احتمال العودة إلى ارتكاب الجريمة بعد تنفيذ العقوبة و ذلك عن طريق تحديد مجموعة من القواعد تقوم عليها المعاملة العقابية لتحقيق هذا الهدف، فلا يجب أن يطغى غرض تحقيق العدالة على غرض الإصلاح فهاته الأغراض متكاملة و متداخلة و من أجل ذلك وجب إعطاء كل غرض منها نصيبه من الأهمية عند تحديد السياسة العقابية، فالمحكوم عليه إذا لم يحظ بالضمانات القوية، تحول إلى سلاح استبداد قاس في يد السلطات العامة و عصفت عن طريقها بالحريات الفردية على نحو لا يمكن تعقله[235].

و يرى Grammatica أن هذا الجزاء قد يكون عاملا إجراميا بالنسبة لهؤلاء المحكوم عليهم به. فالمراقب يفقد حريته في اختيار المهنة التي يريدها و البيئة التي يودّ أن يقيم فيها مدّة المراقبة فمن حق وزير الداخلية أن يحدد له مهنة معينة أو مكانا لا بدّ من إقامته فيه خلال مدة المراقبة، و قد تكون أسرة المفرج عنه المراقب مقيمة في الجهة التي اختارها فلا يستطيع الإقامة معها و يضطر إما إلى الإقامة وحده في الجهة المحددة له أو نقلها معه…على ما في هذا النقل من متاعب و شعور بعدم الإستقرار[236].

فإن كان الغرض من العقوبة الإصلاح و الإبعاد عن ميدان الإجرام، فهذا بحكم الحصار الموضوع عليها قد ينقلب إلى العودة إلى ميدان الإجرام، و إن كانت الغاية إعادة إدماج المحكوم عليه في المجتمع فهاته الغاية ستنقلب إلى ضدها فيصبح منبوذا من المجتمع و بالتالي عدوانيا أكثر، فهو قد يعجز عن إيجاد عمل له في غير الجهة التي درج على العيش فيها و له فيها أصدقاء يمكنهم أن يعينوه على اجتياز هذه الفترة الحرجة من حياته…

فالتطبيق العملي للمراقبة يفضح الخاضع للمراقبة لأنه يتيح لرجال الحفظ أو يحكم عليهم بالتتميم عليه بمنزله في أي وقت من غروب الشمس إلى شروقها و يحدث ذلك بطريقة علنية تلفت نظر الجيران مما يجعله في أحرج المواقف و توجه إليه نظرات الشك و الريبة علاوة على ما يسببه هذا الإجراء من مضايقات له و لأسرته و لجيرانه مما يجعله حاقدا على المجتمع غير قادر على التكيف معه شاعرا بأنه أضعف منزلة و أحطّ قدرا من غيره من المواطنين و يثير في نفسه الإحساس بالإثم و مشاعر الحقد على المجتمع و الرغبة في الانتقام منه[237]

و يعيب الدكتور علي عبد القادر القهوجي على نظام المراقبة الإدارية أنه يسمح بمراقبة النساء إذ يعتبر أنه عيب جوهري نظرا للتقاليد فضلا عن أن مراقبة النساء من شأنها أن تؤدي إلى تفكك الأسرة نتيجة لهجر الزوج الذي تخضع زوجته للمراقبة لهذه الزوجة هربا من الفضيحة و ابتعادا عن مضايقات المراقبة، كذلك المرأة الموضوعة تحت المراقبة تتعرض للفساد خلقيا و اجتماعيا نتيجة اتخاذ إجراءات المراقبة نحوها مما يجعل إصلاحها أمرا مستحيلا و بذلك تفقد العقوبة جانبا كبيرا من وظيفتها الأساسية[238]. إذن عقوبة المراقب الإدارية لها آثار اجتماعية و قانونية عديدة و هاته الآثار هي في الغالب تؤثر سلبا على حياة المحكوم عليه بالمراقبة وهو ما جعل العديد من الفقهاء يدعون إلى ضرورة تعديلها.

المبحث الثاني : ضرورة تعديل نظام المراقبة الإدارية :
إن التطور الذي شهدته مؤسسة المراقبة الإدارية في القانون المقارن يستدعي التفكير في مراجعة هذه العقوبة عندنا و تعديلها[239]. و هذا التعديل على مستوى فحوى العقوبة و جوهرها (فقرة أولى) و كذلك على مستوى سلطة تنفيذها (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : تعديل على مستوى فحوى العقوبة :

يدعو العديد من الفقهاء إلى تعديل جوهر عقوبة المراقبة الإدارية باتجاه دمجها مع منع الإقامة و ذلك على غرار المشرع الفرنسي الذي استعاض عنها بنظام منع الإقامة نظرا للنقائص التي تعتريها و الإشكالات التنفيذية التي تطرحها و مساوئ تنفيذها و ربما يكون على مشرعنا أن يحذو حذو المشرع الفرنسي، فلماذا الإبقاء على هذا النظام في حين أنه لا يؤدي إلى النتيجة المرجوة منه فالمحكوم عليه بالمراقبة الإدارية لا يجوز له مبارحة المكان المحدد له من قبل السلط الإدارية، أما المحكوم عليه بمنع الإقامة فيكون ممنوعا عليه الظهور بأماكن أو جهات تعين بالحكم أي إجبار المحكوم عليه بأن يوجد بعد انتهاء تنفيذ عقوبته الأصلية في الأماكن التي حددها له الحكم، و يعتبر الفقيه Donnedieu de Varbes أن الشخص الذي يرتكب جريمة جسيمة لا يمكن أن نتركه يتنقل بحرية، وهو يعتبر أن منع الإقامة تهدف إلى حماية المجتمع من الخطورة التي يشكلها المفرج عنهم الخطيرين[240].

فمنع الإقامة أو الإبعاد تقتضي منع الإقامة في مكان معين و بالتالي حرية الإقامة في أي مكان آخر في حين المراقبة الإدارية تفرض الإقامة في مكان محدد لا يمكن مغادرته فتكون إمكانية إصلاح المحكوم عليه في العقوبة الأولى ممكنة أكثر من الثانية باعتبار أنه يمكنه الإستقرار في أي ولاية غير الولاية التي ارتكبت فيها الجريمة أو الولايات المجاورة لها التي حتم عليه الحكم عدم التواجد بها، وهو ما يمكنه من البحث عن مورد رزق أي العمل و كسب قوته و بالتالي عدم اللجوء إلى الإجرام لضمان العيش، هذا أولا.

ثانيا، إن الأماكن التي يمنع الإقامة فيها يحددها الحكم و ذلك حسب صريح الفصل 22 م ج الذي ينصّ : “منع الإقامة هو منع المحكوم عليه من الإقامة و الظهور بأماكن أو جهات تعين بالحكم و يكون الحكم به في الصور المنصوص عليها بالقانون…” في حين ينصّ الفصل 23 م ج: “يخوّل الحكم بالمراقبة الإدارية للسلطة الإدارية حق تعيين مكان إقامة المحكوم عليه عند انقضاء مدة عقوبته و تغيير مكان إقامته كلما رأت ضرورة لذلك” فيكون من الأضمن للمحكوم عليه أن يكون القاضي هو من يحدد مكان إقامته لا السلط الإدارية لأن هاته الأخيرة يمكن أن نتعسف في استعمال هاته السلطة الممنوحة لها خاصة و أنها يمكنها تغيير مكان الإقامة كلما رأت مصلحة لذلك. إضافة إلى كون المراقبة الإدارية الموضوعة بغاية مراقبة الأشخاص الخطرين لم تستطع أن تلغي هاته الحالة الخطرة لأن الطرق المتبعة لا تحتوي الأحكام الضرورية لإعادة التأهيل لذلك يكون من الواجب تعديلها فيكون نظام منع الإقامة البديل الأنجع لهاته العقوبة نظرا لكونه يوفر له الظروف اللازمة للعودة للطريق السوي فالشخص الخاضع للمراقبة الإدارية يكون مقيدا بها و هذا التقييد في حقيقة الأمر ليس له وحده بل لأفراد عائلته أيضا إذ يعانون من نفس الضغط النفسي الذي يخضع له المحكوم عليه.

و يعتبر Grammatica أن قانون الدفاع الاجتماعي يهتم بالعقوبة لا فقط كوحدة قانونية بل أيضا بآثارها الاجتماعية و عليه فهو ينادي بضرورة أن يتخذ المشرعون أحكاما لصالح الأشخاص الذين يمكن أن يتضرروا من آثار ذلك الجزاء حتى بطريقة غير مباشرة، فغاية المشرع من العقوبة التكميلية هي وقاية المجتمع من الجريمة و درء احتمال ارتكابها من قبل من توافرت في جانبه الحالة الخطرة و غني عن البيان أن الأشخاص المرتبطين به إذا تضرروا بصفة كبيرة و مستمرة من ذلك الجزاء فإننا نكون قد خلقنا عاملا إجراميا و أرضية خصبة لحدوث الجريمة من قبل هؤلاء الأشخاص لذلك على المشرع أن ينظر من الوجهة الواقعية فالغير الذي لم يرتكب الجريمة لا يجب أن يتحمل تبعات العقوبة بأي وجه من الوجوه ولو كان بطريقة غير مباشرة[241].

فارتفاع نسق المراقبة قد يلفت الانتباه إلى المحكوم عليه و يعرضه لمشاكل مع مشغله يمكن أن تصل إلى الطرد و يمكن أن تعرقل بحثه عن شغل فإعادة اندماج المحكوم عليه في الوسط الاجتماعي تفترض نسيان ماضيه الإجرامي لكن بهذه الطريقة في المراقبة نكون قد دفعناه إلى الجريمة فقد كان حريا بالمشرع أن يباعد بين دوريات المراقبة مثل المشرع الفرنسي في خصوص منع الإقامة حيث تكون المراقبة كل شهرين و هذا من شأنه أن يشعر المراقب بالاستقرار،

كما كان يجدر به أن يضع مسألة رفع نسق المراقبة أو خفضها إلى لجنة استشارية تصدر قرارها بناء على ما تراه من تطور في سلوك الفرد و مدى خطورته، هاته اللجنة تكون مكونة من أخصائيين يمكنهم تحليل حالة المراقب النفسية، إذ أن المراقب قد يحتاج إلى من يوجهه و يعينه حتى يتجنب عوامل الفساد التي قد تعيده إلى بؤرة الإجرام من جديد فهناك بعض الحالات يكون فيها الميل الإجرامي لدى الشخص قويا بحيث يصعب عليه في الفترة الأولى أن يقاومه و يندمج في الوسط الاجتماعي.

ولقد عرضت هيئة البحث في وحدة بحوث العقوبة و التدابير الإصلاحية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية إدخال بعض التعديلات على نظام المراقبة في مصر منها ما يخص مكان المراقبة حيث يقع تخصيص مؤسسة يودع بها الأشخاص المحكوم عليهم بالمراقبة والذين يفضلون أن لا يراقبوا بمحلّ سكناهم و تعديلات تخصّ إجراءات المراقبة و ذلك بأن تخلو العملية من التشهير بالمراقبين و فضحهم، كما عرضوا استثناء النساء من المراقبة نظرا لما يؤدي إليه من تفكك أسرهن،

إلى جانب الاستعانة بأخصائيين اجتماعيين يتعاونون مع الشرطة و القضاء في متابعة تنفيذ المراقبة و محاولة حلّ المشكلات التي تواجه المراقبة مثل تعذر الجمع بين عمله ليلا و المراقبة و إلحاق المراقبين الذين ليس لهم عمل بعمل، فهؤلاء الأخصائيين يمكنهم دراسة الظروف التي تدفع المراقب إلى طلب الإعفاء من بعض شروط المراقبة و معرفة الأسباب التي جعلته يخالف شروطها أو يهرب منها و أخيرا محاولة الحدّ من إساءة استخدام العساكر الذين يعهد إليهم بالمراقبة لسلطاتهم.

الفقرة الثانية : تعديل على مستوى سلطة تنفيذ العقوبة :

تنفيذ العقوبة يثير في كثير من الأحوال مشاكل لها صلة بحماية حقوق المحكوم عليه و هي بطبيعتها مشاكل قانونية تستلزم تدخل القضاء و قد حثت العديد من المؤتمرات الدولية على ضرورة تدخل القضاء في عملية تنفيذ العقوبات مثل مؤتمر برلين الدولي الجنائي و العقابي المنعقد سنة 1930، و مؤتمر باريس الدولي للقانون الجنائي الذي عقد سنة 1937 الذي قرر أن مبدأ الشرعية الذي ينبغي أن يسود القانون الجنائي بوجه عام و ضمانات الحرية يقتضيان الاعتراف بالتدخل القضائي في تنفيذ العقوبات و التدابير الاحترازية لكن يتعين مع ذلك الاعتراف لإدارة السجون بذاتية و استقلال كاملين كل هذا فضلا على أن العديد من القوانين المقارنة أجازت هذا التدخل القضائي في عملية التنفيذ باعتباره يشكل إحدى الضمانات الهامة المكرسة لحقوق الإنسان فأحدثت ما يسمى بخطة قاضي تطبيق العقوبات وهو قاضي يراقب عملية التنفيذ و يشرف عليها و الغاية من إحداث هاته المؤسسة ليست إجراء رقابة على الإدارة و إنما السهر على مدى احترام حقوق المحكوم عليه و ملائمة العقوبة المحكوم بها مع شخصية و قابلية المعني بالأمر.[242]

بمقارنة نظام المراقبة الإدارية بسائر النظم الأخرى للعقوبات التكميلية و كنتيجة لدراسته نجد أنه من الضروري مراجعة السلطة المشرفة على تنفيذ هاته العقوبة إذ من الضروري أن تكون هناك رقابة على تنفيذها، فالرقابة القضائية هي الضمان الأكيد لحماية حقوق المحكوم عليه و هذه الرقابة أصبحت الآن من المسلمات، كما أن إسناد صلاحيات تعيين مقرّ الإقامة إلى السلط القضائية من شأنه توفير مزيد من الضمانات للمحكوم عليه، و تتمثل هاته السلطة القضائية في قاضي تنفيذ العقوبات الذي يقوم بالإشراف الفعلي على التنفيذ بحيث تضمن حقوق المحكوم عليه و نحافظ على حسن تطبيق القانون فيكون محميا من بداية التحقيقات إلى حدّ تنفيذ العقوبة فتكون السلطة القضائية هي المشرفة من أول النزاع إلى نهايته و لا يبقى بذلك التنفيذ من اختصاص السلطة الإدارية دون رقابة عليها من السلطة القضائية فدور القاضي لا يتنهي بالنطق بالحكم فليست كل إجراءات التنفيذ أعمال إدارية من اختصاص السلطة التنفيذية إذ تبقى هناك مسائل قانونية عالقة لا يمكن فصلها إلا عن طريق شخص له دراية قضائية و متشبع بروح القضاء بحيث يضمن حقوق المحكوم عليه و بالتالي يضمن تحقيق العقوبة لأهدافها الاجتماعية.

و وجوب هذا التعديل يكون لاعتبارين :

الأول : أن القاضي عند تقديره للعقوبة و مع وجوب تحديده للمدة التي يجب أن يقضيها المحكوم عليه هو و من خلال فترة وجيزة و إطلاع على ملف المحكوم عليه و تواصل زمني قصير معه قد رأى فيه خطورة إجرامية وجب معها الحكم عليه بالمراقبة الإدارية لكن هو لم يطّلع سوى على بعض الخطوط العريضة من شخصية المجرم الماثل أمامه، لذلك لا بدّ أن تبقى العقوبة المقررة غير نهائية قابلة لإدخال تعديلات عليها و ذلك على ضوء الملاحظة المستمرة لسلوكيات المجرم خلال التنفيذ، و هذا التعديل يكون القاضي الأكثر أهلية له و ذلك حتى يحقق إصلاح المجرم و تأهيله.

الثاني : أن من الواجب التوفيق بين حماية المجتمع و حماية المحكوم عليه فلا تغلب واحدة على أخرى فرغم أهمية المجموعة وواجب حمايتها فإن حماية المحكوم عليه لا تقل أهمية و القاضي تكون مهمته هنا التوفيق بين حق الدولة في التنفيذ و حقوق المحكوم عليه الأساسية و حريته الفردية فالعدالة الجزائية في مفهومها الشامل نظام ينطلق من مرحلة ما قبل المحاكمة مرورا بمرحلة المحاكمة وصولا لمرحلة ما بعد المحاكمة. و لقد وضعت مؤسسة قاض تنفيذ العقوبات في بلادنا بموجب القانون عدد 77 لسنة 2000 المؤرخ في 31 جويلية 2000 وأسندت له مهمة مراقبة ظروف تنفيذ العقوبات السالبة للحرية ثم وسعت مهامه لتشمل مراقبة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة و هذا يبرز أهمية مراقبة التنفيذ خارج المؤسسة العقابية، فمراقبة قاضي تنفيذ العقوبات فيها درء لخطر النزوع الفطري للموظفين نحو إهمال القانون فتكريس هاته المؤسسة جاء ليعزز ثوابت السياسة الجزائية في بلادنا القائمة على تكريس حقوق الإنسان في مختلف أبعادها و من ضمنها أنسنة نظام العقوبات و الحرص على إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع فلما لا نحاول ضمان أكثر تكريس لهاته المبادئ و ذلك يجعل مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبات تختص أيضا في مراقبة تنفيذ العقوبات التكميلية و خاصة تلك التي قد يحصل فيها جور على حقوق المحكوم عليهم، من خلال المراقبة سيحتك بالمحكوم عليه و يلاحظ سلوكه أثناء التنفيذ و هذا يمكنه من اتخاذ قرارات تخصّ الإعفاء من العقوبة أو إعطاء رخصة للمحكوم عليه لتغيير مكان إقامته أو رخصة لعدم التواجد في منزله ليلا بسبب عمله و قراراته هنا ستكون ناجعة.

و الجدير بالملاحظة أن إرساء هاته المؤسسة ليس إحلالا لسلطة قضائية محل السلطة الإدارية بل هو تدخل خاص بالجوانب المتعلقة بالجزاء المحكوم به من حيث نطاق تطبيقه وبلوغ الهدف منه فهو”ضابط من ضوابط شرعية و مشروعية التنفيذ”[243]، فقاضي تنفيذ العقوبات سيقوم بتقييم آثار العقوبة المسلطة على المحكوم عليه الإيجابية و السلبية فقد يجد أن المحكوم عليه استعاض منها كما قد يجد أنه يجب تشديدها سواء بتمديد مدّتها أو بإضافة عقوبة أخرى لها أو تعويضها بأخرى.

فلما لا نمشي على خطى المشرع الفرنسي خاصة و أنه مصدر إلهام لمشرعنا و معظم تشريعنا مستقى من التشريع الفرنسي، ففي القانون الفرنسي و منذ تنقيح 29/12/1972 للفصل 46 من المجلة الجنائية يقوم قاضي تنفيذ العقوبات في الدائرة التي حدد المحكوم عليه إقامته بها بتحديد الأحكام التي سيخضع لها المحكوم عليه يمنع الإقامة وهو من يقوم بتغييرها.

فبعد أن كانت هاته العقوبة ذات طابع إداري إذ أن السلطة القضائية مهمتها محدودة بالنطق بتطبيق عقوبة منع الإقامة، أما تحديد الأماكن الممنوعة و تدابير المراقبة فتعود إلى وزير الداخلية الذي يحددها بقرار[244]، لكن و نظرا لطابعها البوليسي و آثاره على إعادة اندماج المحكوم عليه قام المشرع الفرنسي بتحديد أحكام منع الإقامة فقام بنقل مهام وزير الداخلية إلى السلطة القضائية فيقوم المحكوم عليه بمنع الإقامة بإعلام قاضي تنفيذ العقوبات بتنقلاته و بتغيير مكان إقامته فأصبح يتعامل مع السلطة القضائية لا السلطة التنفيذية. فيا حبذا لو تدخل هاته التعديلات حتى تصبح عقوبة المراقبة الإدارية مساعدة على إدماج المحكوم عليه في المجتمع لا عامل استئصال له منه و تغريبه عن بيئته. فمقترح الدمج و إسناد صلاحيات تعيين مقرّ الإقامة للسلطة القضائية يوفر مزيد الضمانات للمحكوم عليه و حسن تطبيق قواعد و مبادئ الشرعية الجنائية.

خاتمــة الجـزء الثانــي

العقوبة تمرّ من مرحلة الحكم بها إلى مرحلة تنفيذها، و التنفيذ يكون لذلك وفق إجراءات معينة و لقد وضع المشرع لذلك شروطا محددة، فبخصوص عقوبة المراقبة الإدارية نجد أنها و باعتبار خصوصيتها كعقوبة مقيدة للحرية يجب أن تكون خاضعة لقواعد القانون الجنائي العامة و ذلك حتى يمكن تنفيذها، فلا يمكن أن يقع تسليطها مثلا دون أن يكون محكوما بها من القاضي. فهي يجب أن تكون منطوقا بها في إطار حكم قضائي نهائي.

كما حدد المشرع الأشخاص الخاضعين للمراقبة الإدارية و السلطة المشرفة على تنفيذ هاته العقوبة من لا يكون هناك جور من قبل السلط المنفذة كما وضّح كيفية تنفيذها و مدّتها.

و نصّت المجلة الجنائية على عقاب المخالف للمراقبة الإدارية كما خصّت شريكه في ذلك بعقاب خاصّ.

لكن و من خلال دراسة النظام القانوني لعقوبة المراقبة الإدارية، نلاحظ و أنه يعتريه بعض النقص مما استوجب المناداة بتعديله، فتنفيذ هاته العقوبة يجب أن يكون ضمن ما حدده القانون من ضمانات للمحكوم عليهم، فإن انعدمت الضمانات انعدمت الفائدة المرجوة.

لذلك وجب تعديل بعض أحكام العقوبة على المستوى الإجرائي و الهيكلي.

خـاتمـة عـامّـة
إن العقوبة الماسة بالحرية هي التي تحرم المحكوم عليه من ممارسة حريته في اختيار المكان الذي يرغب في العيش فيه كما تحرمه أيضا من حريته في التنقل من مكان لآخر.

وعقوبة المراقبة الإدارية بوصفها عقوبة من العقوبات التكميلية تصنف ضمن العقوبات الماسة بالحرية و ذلك عن طريق تقييدها، و هاته العقوبة تكتسي من الأهمية الكثير نظرا لمساسها بمبدأ دستوري هام وهو مبدأ حرية التنقل، و لقد جعلها المشرع قابلة للتطبيق على جرائم عديدة إذ وضع نصوصا جنائية نصّت عليها كعقاب تكميلي أو تبعي أو بصورة استثنائية عقابا أصليا، و هاته النصوص انقسمت فمنها ما يخصّ جرائم الاعتداء على الأشخاص و جرائم الإرهاب و جرائم المخدرات.

كما جعلها المشرع ممكنة في كل جريمة يكون عقابها أكثر من عامين و كذلك قابلة للتطبيق على كل مجرم عائد لمرة ثانية و هي بذلك تطبق على كل الجنايات و الجنح.

هذا التوسيع يثير التساؤل حول غاية المشرع خاصة و أنه جعلها وجوبية التسليط في العديد من النصوص رغم كون العقاب التكميلي يكون مبدئيا اختياريا.

و لكن بالعودة إلى نظام تنفيذ هاته العقوبة نفهم الغاية من تشريعها فهي عقوبة تهدف إلى مراقبة المحكوم عليه و هاته المراقبة تهدف لا إلى استئصال المحكوم عليه بل إلى استئصال الخطورة الإجرامية الكامنة منه. فهي تكبله بأحكامها و تقيده إلى حدّ حدى بالبعض إلى المناداة بإلغائها لتعارضها مع روح الدستور و أسرة بالمشرع الفرنسي الذي عوضها بعقوبة منع الإقامة، لكن هذا التقييد و هاته المراقبة يحقق إصلاح المجرم و ذلك بعدم ترك مجال له للعودة إلى الإجرام و في إصلاحه حماية للمجتمع فلا يظل هذا الجاني مصدر خوف و خشية بل يصبح عنصرا فاعلا في المجتمع لكن قد تنقلب هاته الغاية إلى الضدّ و ذلك إذا أصبحت المراقبة وسيلة تنكيل بالشخص المحكوم عليه.

لذلك يكون من المستوجب مراجعة أحكامها خاصة و أن مشرعنا لم يخصها بنصوص تنظم كل مراحل تنفيذها و شكلياته و جزئيا بل وضع بعض النصوص التي تجعل المجال مفتوحا لاجتهادات رجال السلطة العامة وهو ما يتناقض و مبدأ تفريق السلط فوضع الأحكام و الإجراءات الجزائية هو بيد السلطة التشريعية تنطق به السلطة القضائية و تنفذه السلطة التنفيذية فهي بذلك منفذة للعقاب غير مسلطة له.

إذن نرجو أن يقع تعديل هاته العقوبة بتوفير الضمانات للمحكوم عليه حتى تتحقق الغاية من تشريعها.

[1] محمود محمود مصطفى : شرح قانون العقوبات القسم العام، مطبعة جامعة القاهرة، الطبعة العاشرة 1983 ص 555.

[2] هلالي عبد الإلاه أحمد: محاضرات في النظرية العامة للعقوبة. دار النهضة العربية، الطبعة الثانية 1991 ص 1.

[3] مبادئ القسم العام من التشريع العقابي : رؤوف عبيد. دار الفكر العربي، الطبعة الثانية 1979 ص 763.

[4] علي عبد القادر القهوجي : شرح قانون العقوبات القسم العام 2002 ص 185.

[5] محمود محمود مصطفى : أنظر مرجع سابق ص 555.

[6] دعبود السراج : قانون العقوبات القسم العام. مديرية الكتب و المطبوعات الجامعية الكويت 1981. ص 381.

[7] هلالي عبد الإلاه أحمد : أنظر مرجع سابق ص 2.

[8] الذهبي العباسي : تطور سياسة العقاب و فكرة التشغيل الإصلاحي بتونس. محاضرة ألقيت في مقر مدرسة الاطارات الحزبية بمد سنّ 7/3/1977. مجلة القضاء و التشريع فيفري 1978 ص 7.

[9] محمد زكي أبو عامر : قانون العقوبات القسم العام ص 449.

[10] محمد زكي أبو عامر : نفس المرجع ص 449.

[11] الذهبي العباسي : مرجع سابق. ص 8.

[12] محمد المثلوثي : العقوبات التكميلية. مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية. كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس. 1994-1995. ص 1.

[13] الدكتور محمد زكي أبو عامر: نفس المرجع ص 349.

[14] الدكتور محمد زكي أبو عامر: نفس المرجع ص 354.

[15] محمد زكي أبو عامر ص 462. قانون العقوبات. القسم العام.

[16] الذهبي العباسي : مرجع سابق ص 15.

[17] محمد المثلوثي : مرجع سابق ص 9.

[18] الدكتور علي محمد جعفر : فلسفة العقوبات في القانون و الشرع الإسلامي. المؤسسة الجامعية للدراسات و النشور و التوزيع. الطبعة الأولى 1997 ص 32.

[19] د. علي محمد جعفر. نفس المرجع ص 34.

[20] د. علي محمد جعفر. مرجع سابق ، ص 35.

[21] الدكتور عز الدين العرفاوي. Les règles écrites d’interprétation de la loi أطروحة دكتوراه في القانون الخاص تونس 2000. ص 39.

[22] الدكتور الشيباني بلغيث. النظام العقابي في البلاد التونسية 1857 – 1921. نشر و توزيع مكتبة علاء الدين. صفاقس. الثلاثية الثانية 2002 ص 107-108.

[23] الذهبي العباسي. مرجع سابق. ص 21-22.

[24] إقبال الفلوجي نحو سياسة جنائية حديثة. مجلة القضاء و التشريع فيفري 1978. ص 41.

[25] علي محمد جعفر مرجع سابق ص 15.

[26] محمد السنوسي. المرشد الدقيق في أعمال التحقيق. المطبعة العصرية تونس 1957. ص 81.

[27] محمد السنوسي. نفس المرجع ص 82.

[28] محمد السنوسي. نفس المرجع ص 89.

[29] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق. ص 9.

[30] عبود السراج. مرجع سابق. ص 381.

[31] رؤوف عبيد. مبادئ القسم العام من التشريع العقابي. دار الفكر العربي طبعة رابعة 1979. ص 793.

[32] محمد السنوسي. مرجع سابق. ص 79-80.

[33] عبد اللطيف الحناشي. المراقبة و المعاقبة بالبلاد التونسية الإبعاد السياسي أنموذجا. 1881-1955 (في جدلية الاضطهاد و المقاومة) الطبعة الأولى تونس مارس 2003. ص 104.

[34] محمد عزمي بكري. جرائم التشرد و الاشتباه فقها و قضاء. دار الوفاء للطباعة و النشر و التوزيع. الطبعة الثانية 1988. ص 40.

[35] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 89.

[36] رضا خماخم. تطور العقوبات في القانون الجزائي التونسي. رسالة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الجنائية. كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس 2005. ص

[37] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق. ص 90-91.

[38] رؤوف عبيد. مرجع سابق ص 851.

[39] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 91.

[40] جندي عبد الملك. الموسوعة الجنائية الجزء الخامس. الطبعة الأولى. دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان. ص 144.

[41] إقبال الفلوجي. مرجع سابق. ص 43.

[42] إقبال الفلوجي. مرجع سابق. ص 51.

[43] قبال الفلوجي. مرجع سابق. ص 55.

[44] Ajmi Bel Haj Hammouda ce droit pénal venu d’ailleurs. Revue Tunisienne de droit 2006. Centre de publication Universitaire p 16.

[45] مرجع سابق Ajmi Bel Haj Hammouda ، ص 16.

[46] علي محمد جعفر. العقوبات و التدابير و أساليب تنفيذها. المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع. الطبعة الأولى 1988. ص 5.

[47] علي محمد جعفر. نفس المرجع ص 8.

[48] الحبيب بن محمد الغرياني. العقوبات التكميلية. رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء. ص 13.

[49] مصطفى مجدي هوجة. التعليق على قانون العقوبات في ضوء الفقه و القضاء. القسم الخامس. دار الثقافة للطباعة و النشر. طبعة أولى 1988. ص 544.

[50] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 133.

[51] محمد زكي أبو عامر. مرجع سابق. ص 444.

[52] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 251.

[53] رؤوف عبيد. مرجع سابق ص 813.

[54] محمد الطاهر بودربالة. تعريب لكتاب هنري قيو. تعليق على القانون الجنائي التونسي. الكتاب الأول. أحكام عامة. تونس المطبعة التونسية 1914. ص 36.

[55] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 261.

[56] رضا خماخم. مرجع سابق ص 77.

[57] محمد المثلوثي. مرجع سابق. ص 79.

[58] أنيس دبش. العقوبة بين النصّ و السلطة التقديرية للقاضي. رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء. 2004 ص 92.

[59] Alain Le Bayon La réforme de la relégation.. Revue Tunisienne de droit, p 36.

[60] نفس المرجع السابق، Alain Le Bayon ، ص 43.

[61] محمد المثلوثي. مرجع سابق. ص 122.

[62] رضا خماخم. مرجع سابق. ص 74.

[63] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 107.

[64] محمد المثلوثي مرجع سابق ص 109.

[65] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 116.

[66] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق. ص 92 – 93.

[67] محمد المثلوثي. مرجع سابق. ص 134.

[68] محمد المثلوثي. مرجع سابق. ص 135.

[69] محمد المثلوثي. مرجع سابق. ص 135.

[70] جندي عبد الملك. مرجع سابق. ص 143.

[71] جندي عبد الملك. مرجع سابق. ص 149.

[72] عبد الحميد الشواربي. ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي ص 24.

[73] فرج علواني هليل. الوجيز في قوانين الاشتباه و التشرد و المراقبة القضائية و الأسلحة و الذخائر. 1987. ص 81.

[74] فرج علواني هليل. نفس المرجع. ص 25.

[75] جندي عبد الملك. مرجع سابق. ص 106-107.

[76] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 283.

[77] رضا خماخم. مرجع سابق. ص 75.

[78] رؤوف عبيد. مرجع سابق. ص 852.

[79] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 66.

[80] فرج علواني هليل. مرجع سابق ص 83.

[81] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 152.

[82] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 100.

[83] رضا خماخم. مرجع سابق ص 76.

[84] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 158.

[85] فرج علواني هليل. مرجع سابق ص 83.

[86] محمد الغرياني. مرجع سابق ص 74.

[87] سليمان الهمامي. السلطة التقديرية للقاضي لتحديد العقاب. رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء 1993. ص 32.

[88] محمد الطاهر بودربالة. مرجع سابق ص 38.

[89] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 49.

[90] رضا خماخم. القانون الجنائي التونسي تشريعا و فقها و قضاء. المجلة الجنائية معلق عليها في ضوء أحدث القوانين مثراة بفقهي القانون و القضاء. الطبعة الثالثة. تونس 2003 ص 35.

[91] رضا خماخم. مرجع سابق ص 36.

[92] عبد الكريم مقطوف. النظام العقابي في تونس. رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء 1996. ص 50-54.

[93] محاضرات في القانون الجنائي.

[94] محمد الطاهر السنوسي. مرجع سابق ص خ – د.

[95] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 245.

[96] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 70.

[97] هلالي عبد الإلاه أحمد مرجع سابق ص 149.

[98] محمد زكي أبو عامر. مرجع سابق ص 572.

[99] محمود محمود مصطفى. مرجع سابق ص 663.

[100] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 365.

[101] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 71.

[102] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 87.

[103] المجلة الجنائية. مراجعة و تعليق السيد محمد الخياري. مطبعة الخليج بالحمامات. ديسمبر 1985 ص 12.

[104] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 283.

[105] رضا خماخم. مرجع سابق ص 34.

[106] محمد الطاهر بودربالة. مرجع سابق ص 32.

[107] رمسيس بهنام. علم الوقاية و التقويم الأسلوب الأمثل لمكافحة الجريمة. منشأة المعارف بالإسكندرية 1982 ص 62-63.

[108] محمد زكي أبو عامر. مرجع سابق ص 390 – 391.

[109] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 35 – 36.

[110] رمسيس بهنام. مرجع سابق ص 63.

[111] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 398.

[112] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 399.

[113] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 17.

[114] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 399.

[115] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 43.

[116] رمسيس بهنام. مرجع سابق ص 72 – 73.

[117] محمد زكي أبو عامر. مرجع سابق ص 395.

[118] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 43.

[119] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 163.

[120] فرج القصير القانون الجنائي العام. مركز النشر الجامعي 2006 ص 276.

[121] فرج القصير. مرجع سابق ص 278.

[122] معز بن نصر الله. الإرهاب و القانون المقارن رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء 1994 ص 5.

[123] حكم جنائي ابتدائي صادر عن الدائرة الجنائية الرابعة بالمحكمة الابتدائية بتونس بجلستها المنعقدة بتاريخ يوم 12 أفريل 2008.

[124] حكم جنائي استئنافي صادر عن الدائرة الجنائية الثالثة عشر بمحكمة الاستئناف بتونس بتاريخ يوم 23 ديسمبر 1997.

[125] سهام الفقيه. القانون التونسي للمخدرات. مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في القانون الخاص. كلية الحقـوق بصفاقس 2006. ص 1.

[126] سهام الفقيه. مرجع سابق ص 1.

[127] فتحي جاء بالله. تعاطي المخدرات. رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء 2004. ص 1.

[128] فتحي جاء بالله. مرجع سابق. ص 1.

[129] ليلى الجميل. تجديد العقوبات في قانون المخدرات. مقال لمجلة الأخبار القانونية. نوفمبر 2006. ص 19.

[130] وليد قدوار. تعليق على الفصل 5 من قانون المخدرات. مذكرة للإحراز على شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية. كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس 2003 ص 113.

[131] وليد قدوار نفس المرجع. ص 114.

[132] صالح بن الحاج. جريمة التمعش من الخناء. رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء. 2001. ص 1.

[133] صالح بن الحاج مرجع سابق. ص 5.

[134] صالح بن الحاج مرجع سابق ص 143.

[135] صالح بن الحاج. مرجع سابق ص 152.

[136] لمياء البكري. البغاء. مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في علوم الإجم. كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس. ص 113.

[137] لمياء البكري. نفس المرجع ص 115.

[138] لمياء البكري. مرجع سابق، ص 117.

[139] زهيرة بن ابراهيم. الجريمة السياسية. مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة شعبة علوم جنائية. كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس 1999. ص 64.

[140] محاضرات في القانون الجنائي.

[141] رضا يعقوب. العناصر المعتبرة في تقدير العقاب. رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء 1991. ص 74.

[142] رضا يعقوب. نفس المرجع ص 76.

[143] معز الريحاني. التدليس في المادة الجزائية. رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء 1995 ص 25.

[144] معز الريحاني. نفس المرجع ص 5.

[145] معز الريحاني. مرجع سابق ص 13.

[146] محمد المثلوثي. مرجع سابق. ص 53.

[147] مجيب قديش : العقوبة الجزائية. رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء 2000 ص 85

[148] محمد زكي أبو عامر : مرجع سابق ص 555.

[149] محمود محمود مصطفى : مرجع سابق ص 651.

[150] محمد الغرياني : مرجع سابق ص 83.

[151] محمد المثلوثي : مرجع سابق ص 175.

[152] علي عبد القادر القهوجي : مرجع سابق ص 206.

[153] الدكتور محمد علي السالم عياد الحلبي. شرح قانون العقوبات. القسم العام. دار الثقافة للنشر و التوزيع. عمان 1997. ص 436

[154] محمد زكي أبو عامر. مرجع سابق ص 498.

[155] علي عبد القادر القهوجي : مرجع سابق ص 207.

[156] الدكتور محمد علي السالم عياد الحلبي. مرجع سابق ص 437

[157] الدكتور محمد علي السالم عياد الحلبي. مرجع سابق ص 438

[158] Faculté de droit et des sciences économiques de Toulouse, p 23.

[159] La peine complémentaire en droit positif français. François Wiehn. Thèse. Juillet 1969. Universitéالدكتور محمد علي السالم عياد الحلبي مرجع سابق ص 438

[160] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 176.

[161] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق. ص 212.

[162] جندي عبد الملك. الموسوعة الجنائية ص 25.

[163] الدكتور محمد علي السالم عياد الحلبي. مرجع سابق ص 439.

[164] محمد زكي أبو عامر. مرجع سابق ص 418.

[165] محمد عي السالم عياد الحلبي. مرجع سابق ص 443.

[166] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 204.

[167] جندي عبد الملك. مرجع سابق. ص 16 و 17.

[168] محمد علي السالم محمد الحلبي. مرجع سابق ص 444.

[169] رضا خماخم. مرجع سابق. ص 34.

[170] فرج علواني هليل. مرجع سابق. ص 84.

[171] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 284.

[172] رضا خماخم. مرجع سابق ص 76.

[173] محمد الغرياني. مرجع سابق ص 24.

[174] أنيس دبش. العقوبة بين النص و السلطة برئية القاضي ص 92.

[175] محمد الطاهر بودربالة : مرجع سابق ص 37.

[176] رضا خماخم. العدالة الجزائية في تونس. مركز الدراسات القانونية و القضائية. تونس 1997 ص 264.

[177] مرسوم بقانون رقم 99 لسنة 1945 بتنظيم الوضع تحت مراقبة البوليس.

[178] جندي عبد الملك. مرجع سابق. ص 164.

[179] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 298.

[180] الدكتور رؤوف عبيد. مرجع سابق. ص 857.

[181] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 185.

[182] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 164 و 165.

[183] هنري قيو. مرجع سابق. ص 37.

[184] هنري قيو. مرجع سابق. ص 37.

[185] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 101.

[186] محمد زكي أبو عامر. مرجع سابق ص 333 و 334.

[187] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 182.

[188] محمد عزمي البكري. مرجع سابق ص 170.

[189] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 115.

[190] مصطفى مجدي هوجة. التعليق على قانون العقوبات في ضوء الفقه و القضاء ص 148.

[191] رؤوف عبيد. مرجع سابق ص 856.

[192] الشواربي عبد الحميد. ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي ص 70.

[193] محمد زكي أبو عامر. مرجع سابق ص 595.

[194] رؤوف عبيد. مرجع سابق ص 877.

[195] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 227.

[196] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 223.

[197] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 185.

[198] محمود محمود مصطفى. مرجع سابق ص 691.

[199] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 377.

[200] رؤوف عبيد. مرجع سابق ص 878.

[201] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 691.

[202] عبد الحميد الشواربي. مرجع سابق ص 75.

[203] محمود محمود مصطفى مرجع سابق ص 695.

[204] جندي عبد الملك مرجع سابق ص 184.

[205] عبد الحميد الشواربي. مرجع سابق ص 77.

[206] عبد الحميد الشواربي. مرجع سابق ص 78.

[207] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 237.

[208] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 184.

[209] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 384.

[210] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 174.

[211] قانون جنائي عام. محاضرات لطلبة السنة الثانية.

[212] رمسيس بهنام. مرجع سابق ص 771.

[213] محمد زكي أبو عامر و علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 271.

[214] نظام توفيق المجالي. شرح قانون العقوبات. القسم العام. الكتاب الأول. مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع 1998. ص 363.

[215] محمد الغرياني. مرجع سابق ص 35.

[216] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 95-96.

[217] مصطفى الشاذلي. مدونة قانون العقوبات. دار المطبوعات الجامعية. ص 62.

[218] مصطفى الشاذلي. نفس المرجع ص 62.

[219] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 174-175.

[220] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 176.

[221] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 177.

[222] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 177.

[223] رضا خماخم. مرجع سابق. ص 171.

[224] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 288

[225] محمد زكي أبو عامر و علي عبد القادر القهوجي . مرجع سابق ص 266.

[226] محمد زكي أبو عامر و علي عبد القادر القهوجي . مرجع سابق ص 266.

[227] محمد زكي أبو عامر و علي عبد القادر القهوجي . مرجع سابق ص 285.

[228] رمسيس بهنام. مرجع سابق ص 771.

[229] نظام توفيق المجالي. مرجع سابق ص 402.

[230] جندي عبد الملك. مرجع سابق ص 143.

[231] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 177 – 178.

[232] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 216.

[233] محمد الغرياني. مرجع سابق ص 86.

[234] علي عبد القادر القهوجي. مرجع سابق ص 217.

[235] محمد المثلوثي. مرجع سابق ص 175.

[236] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 103

[237] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 103.

[238] هلالي عبد الإلاه أحمد. مرجع سابق ص 104.

[239] رضا خماخم. مرجع سابق ص 76.

[240] محمد المثلوثي. مرجع سابق. ص 83.

[241] محمد المثلوثي. مرجع سابق. ص 179.

[242] رضا خماخم. مرجع سابق ص 264 – 265.

[243] مجيب قديش. مرجع سابق. ص 104.

[244] Fréderic Desportes, Francis Le Gunechek. Droit pénal général. Dixième édition 2003, p 747.