العقد شريعه المتعاقدين
أولا : العقد عند علماء اللغة : حول الربط والشد والإحكام .
ثانيا : العقد عند فقهاء الشريعه : فمن توسع من الفقهاء في إطلاق لفظ العقد كل إلتزام لا يخلو من عهد والعهد يطلق على العقد . هو التصرف المتصمن إنشاء حق ، أو نقله ،أو إنهاءه أو إسقاطه دون أن يتوقف تمامه على تصرف من جانب اخر .
العقد لا يوجد إلا إذا توافرت العناصر الاتيه :
1- وجود طرفين ( عاقدين ) اما إذا كان طرفا واحدا ، فهنا لا يستطيع أن يبرم بإرادته وحده .
2- صدور ما يدل على الرضا بين العاقدين
ثالثا : أركان العقد
يرتكز العقد على أركان ثلاثة هي: الـرضا و المحــل و السبب كركائز أساسية لأي عقد غير أنه يضاف إليها ركن آخر هو الشكلية في بعض العقود الخاصة مثل : عقد البيع .
الفرع الأول: التراضي .
“يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين، دون الإخلال بالنصوص القانونية .
كقاعدة عامة فإن التعبير عن الإرادة لا يخضع لشكل ما، بل يكون إما باللفظ أو بالإشارة المتداولة عرفا أو باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه، حتى و إن كان ضمنيا كالبقاء في محل تجاري بعد انتهاء مدة الشراء.
أ- الإيجاب و القبول و تطابقهما:
يبدأ التراضي بالإيجاب و هو التعبير البات عن إرادة أحد الطرفين، الصادر من موجهه إلى الطرف الآخر،بقصد إبرام عقد بينهما و لكي ينتج الإيجاب أثره، يجب أن يصل إلى علم الشخص الذي وجه إليه
و القبول يجب أن يكون باتا أيضا، أي ينطوي على نية قاطعة و أن يوجه إلى صاحب الإيجاب وأن يطابق الإيجاب مطابقة تامة، فإذا اقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو يقيد منه أو يعدل فيه أو يغيره اعتبر رفضا يتضمن إيجابا جديدا. و بصفة عامة يمكن القول بأن ” الإيجاب يسقط إذا لم يقبل فورا “طبقا لما نص عليه القانون المدني في المادة 64 ” إذا صدر إيجاب في مجلس العقد لشخص حاضر دون تحديد أجل القبول فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا و كذلك إذا صدر الإيجاب من شخص إلى آخر بطريق الهاتف أو بأي طريق مماثل. غير أن العقد يتم، و لو لم يصدر القبول فورا، إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة ما بين الإيجاب و القبول، و كان القبول صدر قبل أن ينقض مجلس العقد”
فيما يخص التعاقد بين غائبين (أو التعاقد بالمراسلة) “يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان و في الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك، ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان، و في الزمان اللذين وصل إليه فيهما القبول.
ب- النيابة في التعاقد:
هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إنشاء تصرف قانوني، مع إضافة آثار ذلك التصرف إلى الأصيل. مبدئيا، تجوز النيابة في كل تصرف قانوني ولكن القانون يمنع النيابة في المسائل المحددة ك حلف اليمين كما تخضع النيابة إلى ثلاثة شروط:
– أن تحل إرادة النائب محل إرادة الأصيل.
– أن يكون التعاقد باسم الأصيل.
– ألا يتجاوز النائب الحدود المرسومة لنيابته.
ج- صحة التراضي:
فضلا عن ذلك، أن صحة العقد تشترط، من جهة، أن يكون الطرفان أهلا لإبرامه (الأهلية) ومن جهة أخرى، أن لا يشوب الرضا عيب من العيوب التالية: الغلط و التدليس و الإكراه و لاستغلال.
– الأهلية: تنقسم إلى قسمين أهلية وجوب وأهلية أداء.
وتعرف أهلية الوجوب بأنها صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه، و تثبت للشخص بمجرد ولادته حيا.
وأهلية الأداء و هي صلاحية الشخص لاستعمال الحق، وبالتالي اكتساب لحقوق و تحمل الالتزامات، و تتأثر الأهلية بعدة عوامل أهمها السن حيث يشترط في الأهلية البلوغ. وكذلك تتأثر الأهلية بعوامل أخرى تسمى “عوارض الأهلية” و هي الجنون والعته والغفلة والسفه.
” كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية.
يجب الملاحظة أن عدم الأهلية أو نقصها هو قرينة قانونية قاطعة على عيب الإرادة بعكس العيوب الأربعة الأخرى ، فإنه يجب إثباتها وفقا لقول المشرع في نص لمادة 78 من القانون المدني:”كل شخص أهل للتعاقد ما لم يطرأ على أهليته عارض يجعله ناقص الأهلية أو فاقدها بحكم القانون”.
– عيوب الرضا: وهي أربعة أنواع بإيجاز :
– الغـلط هو الاعتقاد بصحة ما ليس بصحيح أو بعدم صحة ما هو صحيح إذا يسمح القانون لمن وقع فيه أن يطلب إبطال العمل الحقيقي، عندما يبلغ حدا كافيا من الجسامة، و يشترط فيه أن يكون الغلط جوهريا و بشرط أن يقع هذا الغلط في الشخص المتعاقد أو في قاعدة قانونية ثابتة، أي واردة في التشريع أو استقر عليها القضاء، و ليست محل أي خلاف.
– التدليس هو أن يستعمل أحد طرفي العقد، وسائل غايتها تضليل الطرف الآخر و الحصول على رضاه في الموافقة على عقد أي عمل حقوقي آخر.
يستنتج من هذا التعريف أن التدليس يفترض أربعة شروط هي:
1/ استعمال الوسائل أو الطرق الاحتيالية بنية التضليل.
2/ اعتبار التدليس الدافع إلى العقد.
3/ أن يكون التدليس صادر من المتعاقد الآخر.
4/ أن يكون متصلا به.
– الإكراه هو الضغط المادي أو المعنوي الذي يوجه إلى شخص بغية حمله على التعاقد .
حتى يترتب على الإكراه إبطال العقد، أو العمل القانوني،
يجب أن يتوفر ثلاثة شروط:
1/ استعمال وسيلة من وسائل الإكراه.
2/ أن تحمل هذه الوسيلة العاقد الآخر على إبرام العقد.
3/ أن تصدر وسيلة الإكراه من العاقد الآخر، أو تكون متصلة به.
– الاستغلال و الغبن هو المظهر المادي للاستغلال.
له عنصرين: عنصر مادي و عنصر معنوي.
فالعنصر المادي و هو عدم التعادل، أو عدم التكافؤ بين التزام المغبون و التزام الطرف الآخر الذي استغله، و يجب أن يكون فادحا أو فاحشا، و تقرير ذلك يرجع لقاضي الموضوع أما العنصر المعنوي أوالنفسي و هو استغلال ما لدى المتعاقد الآخر من طيش أو هوى للتحصيل على التعاقد معه و يمكن القول أن هذا العنصر المعنوي متكون بدوره من ثلاثة عناصر مشار إليها في المادة 90 من القانون المدني وهي أولا، وجود طيش أو هوى عند أحد المتعاقدين فالطيش: هو الخفة، التي تتضمن التسرع و سوء التقدير، ويعرف الهوى بأنه الميل الذي يتضمن غلبة العاطفة و ضعف الإرادة. و هكذا فإن كان المتعاقد يجهل بقيام شيء من ذلك الطيش أو الهوى لدى المتعاقد الآخر فالعقد صحيح لعدم توفر الاستغلال. ثانيا، استغلال ما لدى المتعاقد الآخر من طيش أو هوى. ثالثا، أن يكون الاستغلال هو الذي دفع المغبون إلى التعاقد.

الفرع الثاني : المحل .
أولا : تعريف المحل : محل العقد > هو مجموع الألتزامات الناشئه عنه .
أ. أنواع الالتزامات من حيث المحل :
1/ الالتزام بإعطاء .
2/ الالتزام بعمل .
3/ الالتزام بالإمتناع عن القيام بعمل .

ثانيا : شروط المحل :
1/ شرط الإمكان :
أن يكون محل الأداء ممكنا ( موجوداً)
# الالتزام بعمل + الالتزام بالامتناع عن عمل >> ينبغى أن يكون الاداء “ممكناً” في ذاته , فإن كان مستحيلا وقع الالتزام باطلاً ( القاعدة : لا التزام بمستحيل ) .
# الالتزام بإعطاء >> ينبغي ” وجود ” الشيء فعلاً كونه قابلاً للوجود مستقبلاً ( انظر/ي : شرط الوجود ) .

2/ شرط الوجود :
أن يكون المحل موجوداً .
# الفرض الأول : الاعتقاد بوجود الشيء وقت التعاقد , ثم تبين عدم وجوده أصلا >> العقد باطل لتخلف شرط الامكان مثل : بيع أو تأجير سيارة باعتبار وجودها ثم تبين انها هلكت قبل العقد .
# الفرض الثاني : التعاقد بشأن شيء غير موجود وقت الابرام , ولكنه سوف يتوافر مستقبلاً يعتبر ( عقد معلق على شرط واقف ) والعقد صحيح إذا كان الشي قابلاً للوجود مستقبلاً مثل : بيع المحاصيل الزراعيه قبل زراعتها .
وإذا كان الشيء غير قابل للوجود مستقبلاً فإن العقد باطل .
والأصل أن التعاقد على الأشياء المستقبلية صحيح ولكن يشترط الآتي ..
# الآ يكون وجود الشيء رهيناً بمحض المصادفة مثل ( بيع السمك في البحر ) .
# تحفظ المشرع على التعامل في تركة انسان على قيد الحياة فقرر بطلانه .

3/ شرط التعيين :
أن يكون المحل معيناً تعييناً نافياً للجهالة الفاحشة .
– لا يشترط التعيين الدقيق بل يمكن الاكتفاء بتعيين الأسس التي سوف يتم بمقتضاها تعيين محل الالتزام فيما بعد .
– التعيين النافي للجهالة الفاحشة يتوقف على طبيعة محل الالتزام :
مثل الالتزام بشيء ينبغي التفرقه بين الأشياء القيمية والاشياء المثليه ففي الأشياء القيمية لا بد من تحديد ذاتية الشيء بذكر الأوصاف المميزة له عن عداه من الأشياء ( بيت , حصان ..)
آما الشيء المثلي فيكفي لتعيينه تحديد نوعه + مقداره + درجة جودته.

4/ شرط المشروعيه :
أن يكون المحل مشروعاً .
– إذا كان محل الالتزام “قيام بعمل” :
أ. يجب أن يتماشى مع مايقتضيه النظام العام والآداب .
ب. تبطل الاتفاقات التي يكون محلها ارتكاب جريمة .
– إذا كان محل الالتزام ” التزام بشيء” :
أ. يشترط كون التعامل في الشيء متمشياً مع النظام العام والاداب .
ب. يشترط كون الشيء غير خارج عن دائرة التعامل .
– من حيث الأصل فإن جميع الأشياء تصح أن تكون محلاً للتعاقد بإستثناء الأتي :
أ. الاشياء التي لاتصح أن تكون محل التعامل بطبيعتها وهي مخصصه للانتفاع العام مالم يستأثر شخص بجزء منها لحسابه مثل : بيع الهواء أو الماء .
ب. الاشياء التي لاتصح أن تكون محلا للتعامل وفقآ للقانون مثل : الإتجار بالمخدرات .
– يبطل التنازل عن الحقوق والحريات التي لايجوز التنازل عنها ومنها الاتفاقات التي يحضرها القانون مثل : اتفاق الورثة على توزيع التركه بمخالفة الأنصبه الشرعية .

الفرع الثالث : السبب .
أولا : تعريف السبب :
هو الغرض الذي يقصد الملتزم الوصول إليه وراء رضائه التحمل بالالتزام ، ومعه آخر الغاية التي يستهدف الملتزم تحقيقها نتيجة التزامه ، و في عقد البيع مثلا البائع التحمل بالالتزام بنقل ملكية المبيع إلى المشتري و بتسليمه إياه يهدف الحصول على الثمن رغبة منه في الحصول على المبيع و بالتالي يعتبر السبب عنصرا من عناصر الإرادة .
ثانيا : النظرية التقليديه في السبب :
ترجع فكرة السبب إلى القوانين الرومانية ، الذي يقصد به الغرض القريب المباشر ، دون النظر إلى غيره من الأسباب البعيدة ، حيث تصور فقهاء الرومان أن السبب في العقود الملتزمة لجانبين كالبيع ، التزام كل متعاقد بالنسبة إلى المتعاقد الآخر ، فسبب التزام البائع بتسليم المبيع هو التزام المشتري بدفع الثمن ، و سبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بتسليم المبيع و انتقلت فكرة السبب من الرومان إلى فقهاء القانون الكنسي ، حيث عمموها على كل العقود ، وتعمقوا فيها ، فجعلوا السبب يتعدى الغرض المباشر الذي يسعى المتعاقد إلى تحقيقه الى الباعث الذي دفع المتعاقد الى التعاقد.
والسبب في هذه النظرية هو الغرض المباشر المجرد الذي يريد المدين تحقيقه بالتزامه ، ولقد وضح الفقيه الفرنسي الكبير domat أسس النظرية التقليدية في السبب في القرن 17 م فاعتمد السبب التصدي و الغرض المباشر ، و أغفل الباعث الدافع ، فالعقد قد يكون له دوافع متعددة ، أما التزام فليس له إلا سبب واحد بالنسبة لنوع واحد من الالتزام .
أ- و في عقود المعاوضة : سبب التزام كل متعاقد هو التزام متعاقد الآخر فنجد إنه في عقد البيع مثلا ، سبب التزام البائع بنقل الملكية و تسليم المبيع ، هو التزام المشتري بدفع الثمن ، و سبب الالتزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بنقل الملكية ، وينطبق هذا الحكم على كل العقود الملزمة للجانبين.

ب- العقود الملزمة لجانب واحد : يجب التمييز بين العود العينية و السبب فيها هو التسليم ( عقود القرض ، الوديعة ، العارية …) و بين العقود الرضائية ( عقود الوعد بالبيع و الإيجار وسبب التزام هو تمام العقد الموعود به .

ج- و في عقود التبرع : كالهبة مثلا بسبب هو الالتزام نية التبرع .

د- و في عقود التفضل : كالوكالة دون أجر أو الكفالة ، السبب هو إسداء خدمة للموكل أو للمدين .
و على هذا الأساس تميز النظرية التقليدية بين السبب المنشأ للالتزام و السبب القصدي لا الباعث على التعاقد ، و أن السبب القصدي عنصر موضوعي داخل في العقد ، ولا يتغير بالنوع النوع واحد من العقود بحيث يخلف السبب في لأي نوع من العقود يؤدي إلى بطلانها ،و هو الأساس بينما الباعث أمر شخصي يتعلق بنوايا الملتزم و خارج العقد سواء كان مشروعا أو غير مشروع .

و أخيرا يذهب أنصار النظرية التقليدية في السبب إلى أن السبب وفقا لهذه النظرية يجب أن تتوافر في شروط ثلاثة و هي : أن يكون موجودا – صحيحا و أن يكون مشروعا .
– نقد النظرية : لعل من أهم الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية ، أنها غير صحيحة و لا فائدة منها ، و غير منطقية يمكن الاستغناء عنها و الاكتفاء بالمحل و الرضا ، و تظهر صحتها من استعراض السبب في الطوائف المختلفة للعقود ، أما أنها نظرية لا فائدة منها ، ذلك بأنه يمكن الوصول إلى النتائج التي تهدف إليها بطرق أخرى ، طالما أن فكرة السبب يراد بها إبطال العقد إذا لم يكن الالتزام سبب أو كان ذلك السبب غير مشروع
– هذه النظرية عقيمة لا تضيف شيئا إلى الثورة القانون إذ تحدد السبب في أنواع العقود المختلفة تحديدات آليا . و تطلب فيه شروط الثلاثة ، و يمكن الاستغناء عنها دون أي خسائر تلحق القانون .
– رغم الانتقادات العنيفة التي وجهت إلى النظرية إلا أن الواقع غير ذلك ، فالقول بالارتباط في العقود الملزمة لجانبين هو بذاته التسليم بفكرة السبب ، لذا لا يستغني عنه النظرية التقليد له في تلك العقود ، وكذلك عقود المعاوضة الملزمة لجانب واحد و يتضح من خلال ما سبق أن هذه النظرية صحيحة و مقيدة ، إلا أنها لا تتسع لإبطال التصرفات التي يرمي أصحابها إلى تحقيق أغراض غير مشروعة ، إذا كانت هذه الأغراض هي غير المباشرة و هذا ما قامت به النظرية الحديثة ، فأكملت النظرية التقليدية .
ثالثا : النظرية الحديثة في السبب :
مؤدى النظرية التقليدية في السبب ، هو الوقوف عند الغرض المباشر الأول الذي دفع المتعاقد إلى ارتضاء الالتزام الذي يتحمل به بينما النظرية الحديثة في السبب على أساس الفكرة التي وضعناها فهي لا تقف منذ السبب القصدي ، ، بمعنى الغرض المباشر ، ولكنها تدخل فيه الباعث الدافع إلى التعاقد كلما كان متصلا بالمتعاقد الآخر ، بمعنى أنه كان عالما به أو على الأقل يستطيع أن يعلم به ، فلو اشترى شخص منزلا بغية إعداده للقمار ، و التزام بالتالي بدفع ثمنه ، فنحن نقصد الغرض الذي من أجله قبل أن يتحمل هذا الالتزام ، ولا شك أنه قصد الحصول على ملكية المبيع ، كغرض مباشر ، وهو غرض مشروع ،و لكن لا تقف عند هذا الغرض كما تفعل النظرية التقليدية بل نتقص الغرض التي و تعتد به إذا كان دافعا للتعاقد ، وملحوظا عند إبرامه ، و في مثالنا نجد الغرض الثاني الذي يستهدفه المشتري هو استعمال المنزل كناد للقمار ، و هو غرض يخالف النظام العام و حسن الآداب ، وهكذا نستطيع ان نبطل العقد .
فليس كل باعث يدخل عنصرا في السبب دائما يلزم أن يكون هذا الباعث هو الدفع إلى التعاقد ، ومعنى ذلك أن يكون من الأمور الجوهرية التي أدت بالمتعاقد أن يتحمل بالالتزام ، و علاوة على ذلك ، يكون المتعاقد الآخر و لم يكن في استطاعته العلم به ظل غريبا عن العقد ، و لم يدخل عنصرا في تكوين السبب . ففي المثال السابق الخاص شراء منزل بغرض استعماله كناد لقمار ، لا يدخل هذا الباعث عنصرا في السبب و يؤدي بالتالي إلى بطلان البيع إلا إذا كان البائع عالما بذلك و كان يستطيع أن يعلم به .

العقد هو اتفاق بين طرفين أو أكثر يتعهد فيه كل منهم بأشياء أو وعود متبادلة بحيث ينفذها القانون. ويقوم قانون العقود على العبارة اللاتينية pacta sunt servanda التي هي “العقد شريعة المتعاقدين”. وإذا تم الإخلال بالعقد فإن القانون يقدم ما يعرف بالتدابير القضائيه للتعامل مع ذلك.
نقوم كلنا بعمل عقود كل يوم، وأحيانا تكون العقود مكتوبة مثلما الحال عند شراء أو إيجار منزل، إلا أن النسبة الغالبة من العقود تكون شفهيا، مثلما الحال عند شراء كتاب أو فنجان من القهوة. ويندرج قانون العقود تحت ظل القانون المدني كجزء من القانون العام للالتزامات.
تـقـسـيـمـات الـعـقـود

أهم هذه التقسيات 00
العقد المسمى والعقد غير المسمى 00العقد الرضائى والعقد الشكلى والعقد العينى 00العقد الملزم للجانبين والعقد الملزم لجانب واحد 00عقد المعاوضة وعقد التبرع العقد المحدد 00والعقد الاحتمالى العقد الزمنى والعقد الفورى .
وسوف نوالى توضيح كل عقد على حدة :-
أولا : العقد المسمى والعقد غير المسمى :
العقد المسمى 00هو العقد الذى أفرد له المشرع تنظيما خاصا به تحت اسم معين .
العقد غير المسمى 00هو العقد الذى لم يخصص له تنظيم تشريعى خاص به .
والعقود المسماة فى القانون المدنى المصرى هى العقود التى تقع على البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض و العقود التى ترد على الانتفاع بالشىء وهى الايجار والعارية و العقود التى ترد على العمل وهىالمقاولة والتزام المرافق العامة وعقد العمل والوكالة والوديعة والحراسة و عقود الضرر ( العقود الاحتمالية ) وهى المقامرة والرهان والتى نظم المشرع بطلانها الا فى حالات خاصة والمرتب مدى الحياة وعقد التأمين 0
أما العقود غير المسماه 00والتى لم يفرد لها المشرع تنظيما خاصا فمن أمثلتها عقد النشر وعقد النزول فى فندق وعقد الاعلان وعقد الدخول الى المسرح أو السينما0
أهمية التفرقة بين العقد المسمى والغير مسمى :-
1- العقد المسمى أكثر سهولة فى التعرف على أحكامه وأكثر سهولة بالتالى فى تفسيره اذ يكفى الرجوع الى أحكام هذا العقد المدرجة فى القانون المدنى للتعرف على القواعد التى تنظمه .
أما فى العقد غير المسمى فان رجل القانون يرجع فى شأنه الى المبادىء العامة فى نظرية الالتزام وقد يستعين فى التفسير بأقرب العقود اليه محاولا أن يستلخص من كل ذلك القواعد التى تتفق مع غرض المتعاقدين وعادات وعرف التعامل فى مثل حالتهما.
ويلاحظ أيضا أن الفرق بين النوعين من العقود من حيث الرجوع الى القواعد العامة أو القواعد الخاصة بعقد مسمى معين هو فارق جزئى ومحدود ذلك أن القواعد العامة فى نظرية الالتزام تطبق على جميع علاقات الالتزام وبالتالى على جميع العقود فاية الامر أنه بالنسبة للعقود المسماة يتعين الرجوع الى القواعد الخاصة بالعقد المسمى أولا.
2- تبدو الآهمية الثانية فى شأن تكييف العقد ذلك أن المتعاقدين قد لايصفا العقد المبرم بينهما بأى وصف قانونى وقد يضفيا عليه الوصف غير الصحيح أو غير الدقيق وفى مثل هذه الآحوال يتعين أن نصل أولا الى التكييف القانونى السليم00 حتى نصف العقد بأنه عقد مسمى أو غير مسمى00 توسلا الى تحديد الآحكام القانونية الواجبة التطبيق عليه ويستعين القاضى وصولا الى التكييف الصحيح بالتعرف على ارادة المتعاقدين من خلال بنود العقد وظروف وملابسات التعاقد وهو فى هذه المسألة يجرى بحثا موضوعيا يستقل باستخلاصه دون أن يخضع لرقابة محكمة النقض ولكنه حين ينتهى من هذا الفحص الموضوعى الى اسباغ تكييف محدد فانه يجرى عملا قانونيا يخضع فى شأنه لرقابة محكمة النقض التى تراقب حسن استدلال القاضى لما انتهى اليه والتزامه بالتطبيق والتفسير القانونيين على الوجه الصحيح0
ثانيا : العقد الرضائى والعقد الشكلى والعقد العينى :-
العقد الرضائى : هو العقد الذى يكفى لانعقاده تراضى الطرفين أى اتفاق ارادتيهما على احداث الآثر القانونى المطلوب0
أما العقد الشكلى : فهو العقد الذى يلزم لانعقاده بالاضافة الى التراضى اتباع شكلية معينة يتطلبها القانون ومن قبيل ذلك ما يتطلبه القانون المدنى المصرى الرسمية ( أى ورقة يحررها موظف مختص ) لانعقاد عقد الهبة وعقد الرهن الرسمى 00وقد يتطلب القانون الكتابة كشكل للانعقاد ولكنه يكتفى بالورقة العرفية كما هو الحال فى عقد الشركة المدنية .
ويلاحظ من ناحية أن الشكلية فى القوانين الحديثة ليست بديلا عن التراضى 00بل هى ركن مضاف اليه ومن ناحية ثانية فان هذه الشكلية وكما سبق أن ألمحنا مطلوبة عادة لحماية الارادة حين تقدم على أجراء تصرف قانونى على قدر من الخطورة بالنسبة للشخص وذمته المالية ( كما هو الحال فى هبة العقار مثلا ) وتكون الغاية منها لفت نظر صاحب الشأن الى جسامه التصرف ودفعه الى التروى والتدبر قبل أن يحزم أمره 00وفى فروض أخرى يكون الهدف هو حماية أحد طرفى العقد الذى يعتبره القانون ضعيفا فى مواجهة الطرف الآخر القوى لذلك شهدت الشكلية فى الوقت الحالى مولدا جديدا واتخذت أشكالا لم تكن قائمة من حيث نوعيتها من قبل .
وأخير يلاحظ أنه حين يتطلب القانون شكلية معينة لابرام عقد معين 00فان هذه الشكلية ذاتها تصبح ضرورة معينة لابرام عقد معين فان هذه الشكلية ذاتها تصبح ضرورة فى ابرام الوعد بهذا العقد ” اذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل تجب مراعاته أيضا فى الاتفاق الذى يتضمن الوعد بابرام هذا العقد ” وكذلك فى التوكيل فى ابرام العقد الشكلى ” يجب أن يتوافر فى الوكالة الشكل الواجب توافره فى العمل القانونى الذى يكون محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضى بغير ذلك ” كما يتعين الالتزام بالشكل المطلوب فى ادخال أى تعديل على بنوده 0
العقد العينى:- 00هو اتفاق لايكفى مجرد التراضى لانعقاده وانما يلزم بالاضافة الى ذلك تسليم الشىء موضوع العقد من أحد الطرفين الى الطرف الآخر 000
ويعود نظام العقد العينى فى نشأته الى القانون الرومانى فقد كان الآصل فى هذا القانون هو الشكلية التى ينعقد العقد بتوافرها دون نظر الى اشتراط التراضى أو النظر فى استيفاء شرائط صحته00 وفى مرحلة من مراحل تطور القانون الرومانى استغنى عن الشكلية فى بعض العقود بالعينية أى استبدل بالشكلية اجزاء التسليم أى تسليم الشىء المعقود عليه على نحو لا يولد الالتزام الا اذا حدث التسليم00 فالتسليم هو لازمة قيام العقد ونشأة الالتزام المترتب عليه وقد اندرج فى هذا النطاق عقود عارية الاستهلاك عارية الاستعمال والوديعة والرهن الحيازى وقد احتفظ القانون الفرنسى بهذه العقود الآربعة بذات وضعها ونظامها كعقود عينية00 ومعنى ذلك أن التزام المستعير أو المودع لديه أو المرتهن رهن حيازى برد الشىء الى صاحبه لاينشأ أصلا الا بتسليم هذا الشىء الى المستعير أو المودع لديه أو الدائن المرتهن بحسب الآحوال0
التفرقة بين شكلية الانعقاد وما قد يشتبه بها :-
يعرف النظام القانونى اجراءات أخرى غير الشكلية 00اللازمة للانعقاد ويتطلب المشرع هذه الاجراءات لتحقيق أغراض أخرى محددة 00وأهم هذه الاجراءات اجراء الكتابة للاثبات واجراءات شهر بعض التصرفات القانونية والاجراءات التى قد يتطلبها القانون لنفاذ العقد فى مواجهة الغير ونعرض لكل منها فيما يلى :
1-الكتابة للاثبات :-
القانون قد يتطلب الكتابة الرسمية أو العرفية 00لانعقاد العقد وفى هذه الحالة لاتقوم للعقد قائمة بغير الكتابة00 اذ الكتابة ركن فى ميلاد التصرف ذاته ومن هنا اذا تخلفت الكتابة كركن انعقاد فلا وجود للعقد أو للتصرف القانونى 00وبالتالى لايرد عليه الاثبات اذ الاثبات لايرد الا على تصرف موجود قانونا فان تخلف وجود التصرف لتخلف ركن قيامه ( وهو شكلية الكتابة ) فلا يتصور اثباته بأى طريق ولو كان اقرارا كاملا0
غير أن القانون قد يتطلب الكتابة لمجرد اثبات التصرف ( وليس كركن لقيامه ) ومن قبيل ذلك ما ينص عليه قانون الاثبات00 ” من أنه فى غير المواد التجارية اذا كان التصرف القانونى تزيد قيمته على 500 جنيها أو كان محدد القيمة فلا تجوز شهادة الشهود فى اثبات وجوده أو انقضائه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضى بغير ذلك ” .
وخلاصة كل ذلك أنه حيث يكون العقد شكليا فلا تقوم له قائمة أصلا الا باستيفاء الشكل المطلوب 00فاذا لم يقم فلا سبيل الى اثباته لآنه عدم 00والاثبات لايرد الا على ما هو موجود قانونا أما اذا تطلب القانون الكتابة للاثبات فان التصرف موجود قانونا وان تعذر اثباته لعدم وجود الدليل الكتابى أو ما يقوم مقامه .
2-اجراءات الشهر:-
تضمن قانون الشهر العقارى 00 أحكاما تتعلق بوجوب تسجيل التصرفات التى على حقوق عينية عقارية واجراء التسجيل يتم فى مأموريات الشهر العقارى المختصة 00وهو اجراء لاحق على ابرام التصرف وبالتالى لاشأن له بقيامه00 فالتصرف الواجب الشهر هو تصرف يقوم صحيح أولا ثم يستوجب القانون شهره بطريق التسجيل حتى يترتب عليه أثر معين يحدده القانون00 وبالتالى فالتسجيل ليس شكلية للانعقاد ومصداقا لهذه الملاحظة فان عقد البيع العقارى هو عقد رضائى يتم بمجرد التقاء ارادتين متطابقين على احداث الآثر القانونى لعقد البيع ودون حاجة الى وضعه فى كتابة رسمية أو عرفية ومع ذلك فان قانون الشهر العقارى ينص على أن الملكية لاتنقل بمجرد العقد بل لابد لانتقالها من اتخاذ اجزاء التسجيل وبغيره لاتنقل الملكية ” لا بين ذوى الشأن ولا بالنسبة الى غيرهم ” ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الآثر سوى الالتزمات الشخصية بين ذوى الشأن وعلى هذا الآساس فعقد البيع العقارى غير المسجل هو عقد قائم وينشىء الالتزمات الشخصية على عاتق طرفيه كاملة غير أن أثرا هاما من آثاره وهو انتقال الملكية من البائع الى المشترى لايتحقق الا بتمام اجراءات التسجيل فى الشهر العقارى.
3-اجراءات نفاذ التصرف :-
قد يتطلب القانون اتخاذ اجراء معين لا لانعقاد العقد ( الشكلية ) ولا لترتيب أثر من آثاره ( كالشهر بالنسبة لانتقال الملكية فى البيوع العقارية ) ولكن لكى يحتج بالتصرف على غير أطرافه بحيث يكون نافذا فى مواجهة هؤلاء الغير .
ومن الاجراءات التى يتطلبها القانون لنفاذ التصرف 00ما يتطلبه قانون الشهر العقارى ” أن جميع التصرفات والآحكام النهائية المقررة لحق من الحقوق العينية العقارية الآصلية يجب كذلك تسجيلها ويترتب على عدم التسجيل أن هذه الحقوق لاتكون حجة على الغير ” فالتصرف أو الحكم صحيح ومنتج لآثاره والتزاماته بين طرفيه ولكنه ليس حجة على الغير طالما أنه لم يسجل0
كذلك الحال فيما يتطلبه القانون من اجراء ” القيد فى الشهر العقارى بالنسبة لبعض الحقوق العينية التبعية حتى تكون هذه الحقوق نافذة فى مواجهة الغير ” فقد نص القانون على ” ان ” يكون الرهن ( الرسمى ) نافذا فى حق الغير 00الا اذا قيد العقد أو الحكم المثبت للرهن قبل أن يكسب هذا الغير حقا عينيا على العقار.
ثالثا: العقد الملزم للجانبين والعقد الملزم لجانب واحد:-
العقد الملزم للجانبين 00هو عقد تبادلى ينشىء التزامات متبادلة ومتقابلة في ذمة كل من طرفيه حيث يكون كل منها دائنا ومدينا فى آن واحد 00ومثاله الواضح عقد البيع 00حيث يلتزم البائع بنقل الملكية وفى ذات الوقت يكون دائنا بالثمن فى حين يلتزم المشترى بدفع الثمن وفى ذات الوقت يكون دائنا فى انتقال الملكية اليه 00وكذلك الحال فى عقود الايجار وعقود المقايضة مثلا.
العقد الملزم لجانب واحد 00فهو العقد الذى ينشىء التزاما على عاتق أحد طرفيه دون الطرف الآخر الذى يصبح دائنا فحسب ومثاله عقد القرض00 اذ ينشىء التزاما على عاتق المستعير برد الشىء المعار وفى هاتين الحالتين لايوجد التزام على عاتق المقرض أو على عاتق المعير كذلك الحال فى الوديعة بغير أجر والوكالة بغير أجر وعقد الهبة0
ويلاحظ أنه لايجوز الخلط بين العقد الملزم لجانب واحد والتصرف الانفرادى00 الذى يتم بارادة منفردة فالآول رغم أنه عقد ملزم لجانب واحد الا أنه عقد بالمعنى الكامل والصحيح اذ لا يتم الا بتبادل التعبير عن التراضى المتبادل فهو حصيلة التقاء ارادتين ( أو أكثر ) متقابلتين مسبقتين فى غرضهما باحداث الآثر القانونى المقصود فالهبة على سبيل المثال لاتقوم لها قائمة باعتبارها عقدا الا بايجاب من الواهب وقبول من الموهوب له00 أما الثانى التصرف بارادة منفردة ومثاله الوعد بجائزة الموجه للجمهور فهو تصرف آحادى ينشأ وينتج أثره فى خلق الالتزام على عاتق المدين بتعبيره وحده عن ارادته المعتبرة قانونا دون حاجة الى أن تلتقى هذه الارادة بارادة أخرى 0
ومن ناحية ثانية فان الوصف التبادلى الملزم لجانبين 00لايتوافر الا اذا كانت الالتزمات المتبادلة قد نشأت مباشرة عن العقد عند ميلاده 00أى بحسب أصل انعقاده بين طرفيه كما هو الحال فى عقد البيع أما اذا نشأ العقد ملزما لجانب واحد ثم التزام على عاتق الجانب الآخر بصفة عرضية بعد انعقاد العقد فان ذلك لايغير من أصل الوصف ( أى أنه يظل ملزما لجانب واحد .
أهمية التفرقة بين العقد الملزم لجانبين والعقد الملزم لجانب واحد:-
تمثل هذه التفرقة أهمية كبيرة من عدة وجوه :-
1-الدفع بعدم التنفيذ: 00فى العقد الملزم للجانبين 00تعد الالتزامات المتقابلة متبادلة على نحو يعد التزام كل طرف سببا قانونيا لالتزام الطرف الآخر وهو ما يخلق توازنا سببيا بين التزامات الطرفين0
لذلك فلا يجوز لآى من الطرفين أن يطالب الآخر بتنفيذ التزامه الا اذا كان هو على استعداد لتنفيذ ما التزم به0
أما فى العقد الملزم لجانب واحد 00فان أمر الدفع بعدم التنفيذ غير متصور بحكمه00 لان طبيعة العقد لاينشىء سوى التزام واحد على عاتق جانب واحد هو المدين أما الاخر فهو دائن دائما .
2-الفسخ:-
من حق الدائن فى جميع الآحوال أن يطالب المدين بتنفيذ التزامه فاذا لم يقم المدين بالتنفيذ اختيارا كان للدائن أن يلجأ الى القضاء للحصول على حكم يقوم بتنفيذه جبرا عن المدين وقد يكون التنفيذ عينيا وقد يكون بمقابل فى صورة تعويض مالى 00غير أنه قد يتبين للدائن فى لحظة معينة أن عدم التنفيذ أصبح أمرا نهائيا من جانب المدين وفى ذات الوقت يريد هذا الدائن أن يتخلص من التزامه المقابل ولكن يتوصل الى هذه النتيجة من حقه أن يرفع دعوى بالفسخ وهو يقصد من ورائها انهاء وجود العقد وبالتالى التحلل من القوة الالزامية للالتزامات الناشئة عنه وللقاضى سلطة تقديرية فى الحكم بالفسخ أو رفضه0
أما فى العقد الملزم لجانب واحد فلا مجال فيه للفسخ 00اذ أن الدائن فيه ليس مدينا للطرف الآخر ولذلك فليس أمام الدائن الا المطالبة بالتنفيذ سواء تنفيذا عينينا أو تنفيذا بطريق التعويض .
3-تحمل التبعة:-
يقصد بالتبعية هنا التسأول حول من يتحمل تبعة العقد الملزم للجانبيين وتبعة العقد لجانب واحد والمقصود بتبعة العقد 00هو من يتحمل تبعة استحالة تنفيذ الالتزام بسبب أجنبى0
وفى العقد الملزم للجانبيين 00من يتحمل تبعة العقد لايتحمل حتما تبعة الشىء ففى الوديعة بأجر اذ هلك الشىء المودع قبل انتهاء مدة الوديعة وكان الهلاك بسبب أجنبى فلا يجوز للمودع عنده أن يطالب المودع بأجر المدة الباقية وبذلك يكون المودع لديه قد تحمل تبعة العقد0
كذلك الحال لو أن شخص اشترى تذكرة لحضور حفل غنائى 00تعذرت اقامته بسبب ظرف أجنبى طارىء ففى هذه الحالة يتعين رد ثمن التذكرة للعميل وبذلك يكون منظم الحفل قد تحمل تبعة استحالة التنفيذ ومعنى العرض السابق أن تبعة المدين الذى استحال تنفيذ التزامه وهو ما يفيده القانون المدنى حيث ينص على أنه فى العقود الملزمة للجانبيين اذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه.
أما اذا كان العقد ملزما لجانب واحد 00فان التبعة يتحملها الدائن لا المدين ففى الوديعة بغير أجراذا هلك الشىء المودع بسبب أجنبى انقضى التزام المودع لديه برد الشىء دون أن يلتزم قبل المودع بأى تعويض أو التزام آخر وبذلك تكون تبعة الاستحالة أن الخسارة الناشئة عنها قد تحملها الدائن وحده0
رابعا : عقود المعاوضة وعقود التبرع:-
عقد المعاوضة 00هو ذلك العقد الذى يعطى فيه كل متعاقد مقابلا لما يأخذ 00بمعنى أن يكون هناك أداء من جانب أحد الطرفين ومقابل لهذا الآداء من جانب الطرف الآخر والآصل أن تكون هذه الآداءات المتقابلة متعادلة فى قيمتها 00عن أن تساؤلا يثور حول نوعية وحدود هذا التعادل وهل ينظر اليه وفق معيار اقتصادى وموضوعى أما ينظر اليه وفق معيار شخصى00 فمن وجهة النظر الاقتصادية00 لابد أن يكون التعادل معبرا عن المساوة فى القيمة المالية وهذه النظرية صعبة التحقيق عملا لآنها تقوم على مفهوم حسابى جامد لايؤدى الى استقرار فى المعاملات العقدية00 أما النظرية الشخصية فتنظر الى التعادل وفق المنظور الشخصى لكل متعاقد دون الوقوف عند حرفية المساوة الحسابية بين الآداءات المتقابلة فيكفى أن يكون هناك تعادل بين القيمتين وفق التقدير الشخصى لكل من طرفى العقد وهذا الآسلوب الآخير هو الآقرب الى تحقيق استقرار المعاملات
عقد المعاوضة قد يتوافر فى عقد ملزما لجانب واحد ومن هذا القبيل عقد القرض بفائدة فهو وان تضمن التزام المقترض برد المال المقترض فضلا عن التزامه بدفع الفوائد المتفق عليها فان هذين الالتزمين يقعا على عاتق ذات الشخص وهو المدين فى حين أن الطرف الآخر وهو الدائن ( المقرض ) لايتحمل بأى التزام مقابل0
اما عقد التبرع 00 فهو العقد الذى يحصل فيه أحد المتعاقدين على قيمة مالية دون أن يقدم للطرف الآخر مقابلا لها00 فالمتبرع يلتزم بتقديم الآداء المتفق عليه فى حين لايلتزم الآخر بشىء ويتم ذلك فى اطار تنصرف فيه نية الملتزم تبرعا الى هذا المعنى أى تتوافر لديه ” نية التبرع ” ولذلك يقال أن قوام عقد التبرع عنصران00 أحدهما مادى والآخر نفسى 00أما العنصر العادى فهو انتفاء المقابل أو العوض العادل على نحو يترتب فيه هذا العقد افتقارا للملتزم وأثراء للدائن00 أما العنصر النفسى فهو اتجاه النية الى هذا المقصد التبرعى تحديدا أى أن تتجه نية المتبرع الى افادة الطرف الآخر على حساب نفسه بدون مقابل مدركا لذلك المعنى وقاصدا اياه0 ومن تطبيقات تخلف العنصر المادى حالة ابرام عقد هبة مع فرض التزامات على عاتق الموهوب له تستغرق قيمة الشىء الموهوب ففى هذه الحالة يكون العقد معاوضة لاتبرعا 00 ومن تطبيقات تخلف العنصر النفسى 00وبالتالى انتقاء وصف التبرع أن يبيع شخص شيئا لآخر بأقل من قيمته ولكن دون أن يقصد نية التبرع اذ لايشترط فى البيع أن يكون الثمن معادلا لقيمة البيع اذ يجوز أن يكون الثمن بخسا مادام جديا وغير تافه00 بل أكثر من ذلك فقد يتنازل شخص عن شىء لجهة بغير مقابل اصلا ومع ذلك لا تتوافر لدى المتنازل نية التبرع اذا كان قصده هو تحقيق مصلحة شخصية له كمن يعطى أرضا بغير مقابل لتقام عليها مدرسة قاصدا تصقيع المنطقة وزيادة أجر أراضيه المجاورة فمثل هذا العقد لايكون تبرعا لانتقاء العنصر النفسى0
أهمية التفرقة بين عقود المعوضات وعقود التبرع:-
1-من حيث المسئولية العقدية00 فان مسئولية المعاوض أشد من مسئولية المتبرع وهو أمر منطقى وعادل فالمعاوض يعطى ويأخذ مقابلا أما المتبرع فهو يعطى دون أن يأخذ سواء تمثل عطاؤه فى مال أو فى خدمة ففى الوديعة بغير أجر تكون مسئولية المودع لديه أخف من مسئولية المودع اليه بأجر وفى عارة الاستعمال وهى ترد على منفعة الشىء المعار تكون مسئولية المستعير أشد من مسئولية المستأجر لآن هذا الآخير يحصل على منفعة الشىء المؤجر بغير مقابل فى حين أن المستعير يحصل على المنفعة مجانا.
2-دعوة عدم نفاذ تصرفات المدين ( الدعوى البولبيصية ) وهى دعوى يرفعها الدائنون ضد تصرفات مدينهم والضارة بمصالحهم حينما تؤدى هذه التصرفات الى أعسار هذا المدين أو زيادة أعساره وتختلف شروط رفع هذه الدعوى عندما يكون تصرف المدين بعوض عنها فى التصرف التبرعى.
ففى الحالة الآولى يشترط للحكم للدائن بعدم نفاذ تصرف مدينه أن يكون التصرف منطويا على غش من المدين وأن يكون من صدر له التصرف على علم بهذا الغش 0
أما اذا كان تصرف المدين فى أمواله بغير عوض أى تبرعا فان القاضى يحكم بعدم النفاذ حتى ولو ثبت أن المدين لم يرتكب غشا ولو كان المتبرع له حسن النية 0
3-من حيث الآهلية والولاية 00اذ تختلف أحكامها فى المعاوضات عنها فى التبرعات ففى التبرعات تقع تصرفات الصبى المميز ومن فى حكمه ( السفينة وذو الغفلة ) باطلة بطلانا مطلقا00 أما فى المعاوضات فتقع هذه التصرفات قابلة للبطلان00 أما بالنسبة للولاية على المال فلا يجوز لمن له هذه الولاية سواء كان وليا شرعيا ( الآب والجد الصحيح ) أو قيما أن تبرع بمال للمشمول بولايته أو وصايته أو قوامته الا باذن المحكمة وبشرط أن يكون التبرع لآداء واجب انسانى أو عائلى أما بالنسب للمعاوضات فلا يجوز للولى أن يرهن عقار القاصر لدين لنفسه كما لايجوز له أن يتصرف فى عقار القاصر لنفسه أو لزوجه أو لآقاربه أو لآقاربها الى الدرجة الرابعة الا باذن المحكمة0
أما بالنسبة لآعمال الادارة00 فانه تجوز لمن لهم الولاية على المال بغير اذن المحكمة الا أنه لايجوز للولى بغير اذن المحكمة تأجير عقار القاصر لمدة تمتد الى ما بعد بلوغه سن الرشد بسنه0
4-شخصية المتعاقد :- الآصل أن شخصية المتعاقد هى محل اعتبار فى التصرفات التبرعية وانها غير ذلك هى محل اعتبار فى التصرفات االمعاوضة00 فمن تبرع أو يوصى بمال أنما يفعل ذلك لشخص معين له اعتبار خاص فى مفهومه00 أما من يعاوض كمن يبيع أو يقايض أو يؤجر فان أمر المتعاقد الآخر عادة يستوى عنده مادام يحصل على مقابل معادل لما يعطيه وفقا للعقد لذلك فان الغلط فى شخص المتعاقد يؤثر فى صحة عقود التبرع اذ يعتبر غلطا جوهريا لولاه لما أقدم المتبرع على التصرف0
فى المعاوضات فالآصل 00 عدم تأثير ذلك الا فى أحوال استثنائية يتبين فيها أن شخص المتعاقد كان محلا للاعتبار بالنظر فى ظروف العقد وملابساته وطبيعته كما يحدث على الآخص فى عقود بعض شركات الآشخاص .
5- فى شأن الآحكام الخاصة بتصرفات المورث قبل وفاته:-
فالتصرفات التى يثبت يقينا أنها تمت معاوضة فان الورثة لايستطيعون الطعن عليها 00اما يصدر ويكون مقصودا به التبرع اذا صدر فى مرضى الموت اذ يعتبر تصرفا مضافا الى مابعد الموت وتسرى عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية التى تعطى لهذا التصرف وبالتالى لايسرى الا فى حدود ثلث التركة 0 كذلك الحال لو قامت فى شأن تصرف المورث شبهة الوصية فقد نص القانون المدنى على أنه اذا تصرف شخص لآحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التى تصرف فيها وبحقه فى الانتفاع بها مدى حياته اعتبر التصرف مضافا الى ما بعد الموت وتسرى عليه أحكام الوصية ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك0
6- من حيث ضمان العيوب:-
فى عقود المعاوضة 00يسأل المعاوض عن ضمان الاستحقاق الكلى والجزئى فاذا استحق الشىء المبيع من تحت يد المشترى فان له أن يطالب باسترداد الثمن والتعويض أما فى الهبة فلا يضمن الواهب الاستحقاق الا اذا كان قد تعمد اخفاء سببه وفى هذه الحالة يقدر القاضى التعويض العادل فاذا كانت الهبة بعوض فلا يضمن الواهب الاستحقاق الا فى حدود العوض المشار اليه0
7- من حيث المحل:-
يجوز فى عقود المعاوضة0 0أن يكون الالتزام شيئا مستقبلا مع تحفظ أنه لايجوز التعامل فى تركة انسان على قيد الحياة ولو كان برضاء الا فى الآحوال التى نص عليها القانون أما فى الهبة فان هبة الآموال المستقبلة تقع باطلة وبغير أى تحفظ 0
8- من حيث الشكل:-
تخضع عقود المعاوضة 00لقاعدة رضائية العقود أى أنها تتم فى الآصل دون حاجة الى أن تصب فى شكل معين00 أما فى الهبات 00فهى أما أن ترد على منقول وفى هذه الحالة تتم بالقبض دون حاجة الى ورقة رسمية أما اذا وردت الهبة على عقار فهى عقد شكلى لاينعقد أصلا الا فى ورقة رسمية0
خامسا : العقود المحددة والعقود الاحتمالية:
يوجد نوع من العقود ما تحدد فيه أداءات كل طرف بما يعادل فى نظره أداء الطرف الآخر00 فكل منهما يعرف قدر ما يغطيه وقدر ما يأخذه نتيجة العملية التعاقدية00 وهذه العقود تسمى عقود محددة00 فالغرم فيها والغنم على قدم المساواة من حيث التحديد والمعرفة عند التعاقد .
غير أن من عقود المعاوضة ما يسمى بالعقد الاحتمالى 000وهو على عكس السابق يتوقف فيه أداء أحد الطرفين فى وجوده أو فى فى مقداره على أمر محقق الوقوع أى على مجرد احتمال على نحو لايتحدد فيه الغرم أو الغنم من وراء المقدم على نحو معروف وقت التعاقد فاحتمال الكسب والخسارة فى العقد الاحتمالى هو أمر متوقف على مجرى حوادث مستقبلية 00ولهذا المعنى فان أحد المتعاقدين فى العقد الاحتمالى قد يقدم أداء أو يفى بالتزامه دون أن يتلقى من الآخر شيئا وقد ينتهى العقد دون أن يتلقى شيئا0
ومن أمثلة العقود المحددة عقد البيع بثمن محدد فأداء البائع وأداء المشترى يتحدد كل منهما منذ لحظة التعاقد بحيث يعرف كل من الطرفين ما يأخذه وما يعطيه ويلاحظ أن التقابل والتوازن بين الآداءات لايعنى مطلقا أن تكون الآداءات متساوية تماما من الناحية الاقتصادية فمثل هذه المساواة متعذرة عملا وغير مطلوبة قانونا . خاصة وأن قيم الآشياء قد تتأثر بالنظرة أو الحاجة الشخصية فمن يعجب بفنان معين قد يشترى لوحة من أعماله بسعر أغلى مما قد يدفعه غيره ومن يشترى منزلا ملاصقا لكى يضمه الى أملاكه قد يدفع فيه سعرا اغلى لذلك فان فكرة التقابل المادى والتوازن العقدى فى شأنه هى مسألة نسبية الى حد ما فغاية مانتطلبه فى العقد المحدد هو أن تكون الآداءات محددة ومعروفة سلفا ومتعادلة فى مفهوم كل طرف 0
ومن أمثلة العقود الاحتمالية عقد التأمين على الحياة حيث لايتحدد مقدما الى أى مدى سوف يستمر المؤمن له فى دفع الآقساط المتفق عليها وفى التأمين عن الحريق قد تدفع الآقساط كاملة طوال مدة العقد دون أن يحترق الشىء المؤمن عليه فلا تدفع الشركة أية مبالغ وقد يحترق الشىء بعد دفع أول قسط فتدفع الشركة مبلغ التأمين كاملا دون أن يفى المؤمن له ببقية الآقساط فالاحتمال اذان قائم فى جانب كل من المتعاقدين0
ويلاحظ أنه فى العقد الاحتمالى يعتبر احتمال الكسب والخسارة مرتبطين باعتبارهما عنصرا جوهريا فى ارادة المتعاقد00 وهذا ما يتضح من تأمل 00مثال واحد كعقد التأمين فارادة كل منهما مشوبة بخشية الخسارة وترقبها وهى فى ذات الوقت مشوبة بالآمل فى الحصول على الكسب المنتظر والمحتمل ولذلك فان الاحتمال فى توازان تأرجحه بين الكسب والخسارة هو عنصر يدخل فى تركيب ركن السبب فى التزمات المتعاقدين وهو يدخل بتوازنه على كلا جانبى الكسب والخسارة فى آن واحد 0
ويلاحظ أخيرا أنه من ناحية فان العقد الاحتمالى لايرد الا فى عقود المعاوضة الملزمة للجانبين أما العقد الملزم لجانب والحد فلا يمكن أن يكون احتماليا لآن الاحتمال يفترض أداءات متقابلة مرتبطة يحتمل فى كل منها الكسب والخسارة . ومن ناحية أخرى فان التقسيم لايرد الا بالنسبة لعقود المعاوضات أما التبرعات فلا تكون الا محددة حيث أن خسارة المتبرع فيها محققة من حيث المبداء بغير جدال وان كان قدرها قد يرد عليه الاحتمال كما فى التبرع بايراد مرتب مدى الحياة فالخسارة مؤكدة فى مبدأ حدوثها احتمالية فى مقدارها ولكن احتمالية القدر لاتؤثر فى وصف العقد بأنه محدد وليس احتماليا0
أهمية التفرقة بين العقد المحدد والعقد الاحتمالى :-
يبدو أن أهمية التفرقة السابقة هى أولا تفرقة علمية تحلل العقد من حيث مضمون الالتزمات الناشئة عنه وكونها ذات أداء مؤكد أو مجرد أداء احتمالى أما من الناحية العلمية والقانونية فان أهميتها تبدو محدودة فى عدة أوجه 0
1- هو أن الطعن بالغبن فى التصرفات القانونية لايرد الا بالنسبة للعقود المحددة وهو قول يقوم على قدر من المنطق المستمد من فلسفة التفرقة بين نوعى العقود ذلك أن الغبن حين يدعى به انما يستند الى عدم التعادل بيبن الآداءات المتقابلة أى يستند الى جدل فى قدر الآداء الذى يقدمه أحد الطرفين منسوبا الى قدر أداء االطرف الآخر ومدى الخلل المدعى به بينهما وهذه الآمور لاتتفق مع طبيعة العقد الاحتمالى حيث لايعرف كل من الطرفين مقدما قدر الغرم أو الغنم الذى سيعود عليه من وراء تعاقده0
2- عدم تطبيق نظرية الظروف الطارئة الا على العقود المحددة دون العقود الاحتمالية 00 ذلك أن هذه النظرية تفترض أن حادث عاما مفاجئا ليس فى الوسع توقعه قد طرأ بعد ابرام العقد وقبل بدء التنفيذ أو اكتماله وأدى الى ضرورة تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين بحيث يهده بخسارة فادحة وفى هذه الحالة يتخل القاضى لمعاجة الخلل الطارىء بين أداءات الطرفين اما بوقف تنفيذ العقد حتى يزول الحادث واما بانقاص التزام المدين واما بزيادة التزام الدائن0
أما الوجه الثالث للآهمية فهو خاص بالقانون الفرنسى فقد صدر فى فرنسا قانون يتعلق بحماية المستهلك وضرورة تبصيره ببيانات معينة عند التعاقد فى بعض عمليات الآئتمان فقد قضى بأن هذه الحماية لا تنطبق على عقود المعاوضة التى ترتب مرتبا مدى الحياة للمستهلك لآن هذا العقد هو عقد احتمالى وليس عقدا محددا0
سادسا: العقد الفورى والعقد الزمنى ( أو عقد المدة ) :-
العقد الفورى : هو الاتفاق الذى يولد التزامات تحتمل التنفيذ مرة واحدة00 فالزمن ليس عنصرا جوهريا فى تنفيذ الالتزام 00 وبالتالى ليس مقياسا لآى من الآداءات الناشئة عن العقد ومثال هذا العقد عقد البيع00 فالتزام البائع بنقل الملكية والتزام المشترى بدفع الثمن كلاهما يقبل التنفيذ دفعة واحدة وليس للزمن بحكم طبيعة العقد دخل فى هذا التنفيذ0
ويلاحظ ان عقد البيع يعد عقدا فوريا حتى ولو كان الثمن أو تسليم البيع مؤجلا لفترة أو لفترات محددة اذ أن هذا الآجل هو عنصر اتفاقى أضيف الى العقد باعتباره عنصرا لادخل له فى قياس الثمن أو قياس الشىء المبيع00 فهو مجرد اضافة التنفيذ الى أجل متفق عليه أما التنفيذ فى ذاته سواء كان دفعة واحدة أو دفعات مقسطة فليس ممتدا عبر الزمن بالنسبة لآى وحدة من وحداته فهو فى جميع الآحوال تنفيذ فورى .
والزمن قد لايكون عنصرا لقياس الآداء مثل عقود المقاولات 00فالمقاول الذى يتعهد بانجاز بناء أو رصف طريق لابد أن يستغرق تنفيذه لالتزامه فترة من الزمن هى الفترة اللازمة والكافية لانجاز التنفيذ ويضفى على عقد المقاولة وصف الفورية لآن الزمن ليس مقياسا لآداء العمل خاصة وأن التنفيذ المستمر للمقاولة لايقابله اشباع مستمر للعميل اذ أن هذا العميل يتطلع الى النتيجة النهائية المتوخاة من وراء التعاقد لذلك فان العلاقة بين المدة وبين مصلحة صاحب العمل هى فى حقيقة الآمر علاقة عكسية فكلما تقلصت المدة كلما كان ذلك فى مصلحته وكلما زادات المدة كان العكس0
أما العقد الزمنى : 00هو العقد الذى يعد الزمن عنصرا جوهريا فيه على نحو يكون هذا الزمن هو وحدة قياس يقدر بها أداء أحد الطرفين00 فمن مجال العقود ما لايمكن أن يؤدى الا مقترنا بالزمن ومن الآمثلة الواضحة على هذا العقد عقد الايجار فهو عقد يرد على الانتفاع بشىء معين ولا يتصور ذلك الا أن يكون خلال مدة زمنية معينة لهذا السبب كان الزمن عنصرا جوهريا فى هذا العقد بحيث تقاس المنفعة فى الحصول عليها بمدة معينة قد تكون ساعة وقد تكون أسبوعا أو شهر أو سنة 000الخ ولايتصور قياس الانتفاع الا على هذا الآساس كذلك عقد العمل لمدة معينة فهو عقد زمنى لايعقد عادة الا لمدة ومن ناحية ثانية فان من العقود ما يتدخل الزمن فيه بقصد تحقيق تنفيذ دورى أو متتابع على حقب متعددة وبقصد اشباع حاجة أحد المتعاقدين بحكم طبيعة نشاطها أو حاجته الى هذا التنفيذ المتتابع المتكرر0
أهمية تقسيم العقود الى عقود فورية وعقود مدة :-
1-التنفيذ المتعاصر: 00فى العقود الفورية 00 يمكن أن يتطلب الطرفان تنفيذا متعاصرا للالتزامات المتبادلة وذلك بأن يتمسك كل منهما لتنفيذ التزامه قيام الطرف الآخر بتنفيذ ما تعهد .
أما فى عقد المدة 00فان أعمال هذا الدفع يختلف بسبب وجود عنصر الزمن باعتباره جوهريا فى أداء أحد الالتزامين 00اذ يجب على المدين الذى اختلط التزامه بالزمن أن يبدأ بالتنفيذ أولا حتى يستوفى الدائن المنفعة المقصودة من التعاقد كما هو الحال فى عقد الايجار فاذا استوفاها قام بتنفيذ التزامه المقابل
2- الآثر الرجعى للفسخ : فى العقود الفورية 00اذا تم فسخ العقد يعود المتعاقدان الى الحال التى كانا عليها قبل التعاقد ( أى بأثر رجعى ) ولا صعوبة فى ذلك فى العقد الفورى فمن باع لآخر شيئا معينا بالذات بثمن محدد ثم فسخ العقد رد كل منهما للآخر ما تسلمه منه 0
أما فى عقد المدة كالايجار00 فان تنفيذ أداء أحد الطرفين مخلوط بالضرورة بالزمن كعنصر جوهرى فيه ( وهو الانتفاع الذى لايتصور الا عبر الزمن ) ولذلك اذا فسخ العقد بعد فترة من التنفيذ كما لو فسخ بسبب تاخر المستأجر بالتزامه بدفع الآجرة فان اعادة الحال الى ما كانت عليه تصبح مستحيلة لآن الانتفاع بالعين تم خلال زمن مضى ولا يمكن أن يعود لذلك يقتصر الفسخ على المستقبل .
3- وقف العقد: اذا طرأت قوة قاهرة حالت دون تنفيذ العقد فان أثرها يختلف باختلاف العقد فى بعض الحالات ففى العقد الفورى00 اذا كان من شأن القوة القاهرة المعقود عليه فى يد المدين بالتسليم قبل التسلم فان العقد ينفسخ بالضرورة أما اذا كان من شأن القوة القاهرة أن تجعل من التنفيذ مستحيلا أو مرهقا على نحو مؤقت وغير نهائى فان للقاضى أن يوقف تنفيذ العقد لمدة معينة 0
أما اذا كان العقد من عقود المدة 00فان أثر القوة القاهرة قد يقف فى الغالب عند مجرد وقف العقد دون فسخه فمثلا لو أن دارا مؤجرة للغير قامت الحكومة بالاستيلاء عليها مؤقتا قبل تسليمها للمستأجر لاتخاذها مكانا للايواء المؤقت فى ظروف كارثة فيضان أو سيول أو حرب فان عقد ايجار المستأجر يوقف الى أن ينتهى الاستيلاء فيستأنف المتعاقدان علاقتهما العقدية اذا كانت مدة من العقد مازالت0
4- التجديد الضمنى والامتداد فى عقود المدة:-
وهى ظاهرة ينفرد بها عقد المدة دون العقد الفورى00 فاذا أبرم عقد الايجار مثلا لمدة متفق عليها واتفق الطرفان على وجوب التنبيه بالاخلاء أو كانت المدة محددة بمقتضى القانون ولم يحدث التنبيه فى الحالتين فان العقد يمتد لمدة أخرى بذات شروطه وأحكامه وضماناته0
5-الاعذار: يشترط الاعذار فى العقد الفورى 00لاستحقاق التعويض ومعناه انذار المدين لوضعه موضع التقصير والاخلال بالالتزام 00 أما فى عقود المدة فان الاعذار يصبح غير ضرورى ويعود السبب الى ارتباط التنفيذ بالعنصر الزمنى فاذا تاخر المدين عن التنفيذ فان هذا التأخير لايعد مجرد تأخير بل يعد اخلالا نهائيا بالالتزام .
6- الظروف الطارئة : تعتبر عقود المدة مجالا طبيعيا لتطبيق هذه النظرية 00لآن شروط تطبيقها تفترض بالضرورة امتداد التنفيذ عبر حيز زمنى تتغير فيه الظروف بما يتصور معه حدوث ظرف عام مفاجىء يؤدى الى خلل فى توازن العقد ( عقد التوريد ) وبالتالى فان مفهوم العقد الفورى قد يستعصى على توافر تلك الشروط 00غير أن رأيا آخر يذهب الى أن تطبيق نظرية الظروف الطارئة لايقتصر على العقود التى يتراخى فيها تنفيذ الالتزامات بحكم طبيعتها ولكنها تطبق أيضا على العقود التى يتراخى تنفيذ الالتزامات الناشئة عنها بحكم ارادة المتعاقدين ومن قبيل ذلك البيع الذى يتفق فيه على تقسيط الثمن اذ تطبق النظرية على الآقساط التى يحل أجل الوفاء بها بعد الظرف الطارىء .
سابعا : العقد التفاوضى وعقد الاذعان والتعاقد الجبرى:-
الآصل فى العقود أنها ظاهرة ارادية 00تعبر عن حرية الاختيار سواء من حيث المبدأ فى الاقدام أو الاحجام على ابرامها أو من حيث مناقشة شروطها بين أطرفها بمقتضى الحرية والاختيار 00غير أن تطور الاقتصاد والتجارة أظهر فى العمل نوعا من العقود 00لايتم فيه التعاقد بمقتضى حرية الاختيار اذ يتمتع فيه أحد المتعاقدين بمركز يستطيع فيه أن يفرض شروطه على المتعاقد الآخر الذى لايملك المناقشة وليس أمامه سوى أن يقبل التعاقد كما هو أو أن يرفض وعندما يكون التعاقد متعلقا بسلعة ضرورية لاغنى للمتعاقد عنها فانه لايملك عملا رفض التعاقد ولا يصبح أمامه سوى أن ” يذعن ” لارادة الطرف الآخر ومن هنا سمى هذا النوع من العقود بعقود الاذعان 00ومن قبيل ذلك عقود توريد الكهرباء أو المياه والاشتراك فى التليفون 00فمن يقدم على ابرام عقد من العقود يجد نفسه أمام عقد معد سلفا بشروطه لايقبل منه أن يعدل فيها أو بغيرها أو أن يناقشها ونظرا لآنها متعلقة بخدمة لاغنى عنها فانه يوقع العقد اذعانا للطرف الآخر.
وقد وضح القانون المدنى المصرى 00تعريفا لآحد مظاهر عقد الاذعان والتى نصت على أن ” القبول فى عقود الاذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها”
ومن ناحية ثانية فقد أدى تزايد تدخل الولة بقواعد قانونية تستهدف حماية طائفة أو جماعة من الناس الى وجود ظاهرة حديثة 00هى ظاهرة الاجبار على التعاقد وبمقتضاها يجد الشخص نفسه مجبرا على التعاقد بحكم القانون ومن أمثلة ذلك التأمين الاجبارى على السيارات والذى يفرضه قانون المرور وتبادل الوحدات السكنية فى قانون ايجار الآماكن حيث يجبر كل مالك على التعاقد مع طرف التبادل والزام المالك بأن يحرر عقد ايجار للموظف المنقول الى بلد بدلا من زميله المستأجر السابق والمنقول الى خارج البلد.
ثامنا : العقود الفردية والعقود الجماعية:-
العقود الفردية 00هى التى يتم ابرامها بين أفراد يسعى كل طرف الى تحقيق مصالحه الذاتية من خلال التفاوض الفردى والوصول الى اتفاق لايلزم سوى طرفيه ولا ينشىء حقوقا خارج دائرتيهما ( مبدأ نسبية العقد ) والآمثلة كثيرة لاتقع تحت حصر فى عقود البيع والايجار والمقايضة والهبة والمقاولة والنشر والعاوية 0
والى جانب هذه الظاهرة الفردية فى ابرام العقود هناك ظاهرة أخرى جماعية وهى تتخذ عدة صور أهمها:
1- عقود تجمع بين مجموعة من الآشخاص يجمعهم غرض مشترك وينشأ عن اتفاقهم عادة شخص معنوى ومن قبيل ذلك عقود الشركات فعقد الشركة ينظم مشروعا مشتركا بين أفراده لاتتعارض فيه المصالح وانما تتفق الارادات على تحقيق هدف واحد مشترك بين الجميع وكذلك عقد انشاء جمعية لتحقيق أغراض معينة ويلاحظ أن مثل هذه العقود لاتسرى فقط بين أفرادها المكونين لها ولكنها تسرى على من يتعامل مع الشخص المعنوى0
2- عقود تنظيم علاقات جماعية بين جهات ( عادة شخص معنوى ) تمثل قطاعا من قطاعات العاملين أو المستهلكين ومن يتعامل معهم 00ومن هذا القبيل عقود العمل الجماعية التى يتم ابرامها بنقابة تمثل قطاعا من قطاعات العمالية ( كنقابة عمال الحديد والصلب أو النسيج ) وبين نقابة أو اتحاد يمثل أصحاب العمل بقصد وضع نظام نموذجى يجرى عليه التعامل فى العقود الفردية بين كل عامل وكل صاحب عمل ويمثل هذا الاتفاق الجماعى الحد الآدنى الذى لايجوز النزول عنه ويقع باطلا أى اتفاق ينزل عن الحد الآدنى من الضمانات والمزايا التى يحققها الاتفاق الجماعى . منقول
العقود ومعنى تكييفها الشرعي

المصدر: موقع الدكتور الشيخ علاء الدين الزعتري

http://www.alzatari.org/show_art_details.php?id=162

*نشأة العقود:

إن العقود لم تظهر إلا بعد الحاجة إليها، فالإنسان في القديم لم يحتج إلى العقود، كون جميع احتياجاته متوفرة أمامه – لقلتها – لا يمنعه منها أحد.

وقد كان يقوم شخصياً بإشباع حاجاته عن طريق إنتاج ما يلزمه ويحتاج إليه؛ من الطعام واللباس والسكن.

ولما كثر عدد الأفراد، وتزايدت احتياجات الفرد، شعر الإنسان أنه بحاجة إلى مَن يستطيع تلبية رغبته من الاحتياجات التي كثرت وتعددت وتنوعت، ولم يكن بوسعه إشباعها كلها بمفرده؛ إما لعدم قدرته على ذلك، أو لعدم رغبته في إنتاجها بنفسه.

فاندمج الفرد في إطار الجماعة الضيقة، وبدأت هذه الجماعة تتقاسم العمل فيما بينها، وصار لكل فرد منها عمل يختص به.

وبعد أن تعددت الجماعات، وكثرت الاحتياجات، وتزايدت المنتجات؛ وذلك باستقرار الإنسان وترك حياة التنقل، واشتغاله بالزراعة، حيث ارتبط بالأرض، وانخرط في سلك الجماعة الواسعة، عند ذلك صار الإنسان يفكر في الأخذ والعطاء وتبادل الحاجات(1).

فكان من الضروري التزام كل من الطرفين بتقديم الفائض لديه وأخذ ما يلزمه، هذا الالتزام هو التعاقد بين الطرفين لتنفيذ الإرادة والرغبة في التبادل.

وتنوعت صور المبادلات، وهي في الجملة تخضع لنظرية العقد (التي تنظم حركة النشاط الاقتصادي، وتضبط أصول التعامل، وحرية التجارة، وتبادل الأعيان والمنافع)(2)أي ما يسميه الاقتصاديون السلع والخدمات.

(والعقود بند أساسي في جميع الأعمال المالية، ولا سيما الأعمال المصرفية؛ لأنها تحدد الاشتراطات، ومسؤوليات كل طرف من أطراف العملية)(3)، لذا، لا بُدَّ من وقفة مع العقود من حيث: التعريف، والصيغة، والمحل، والأنواع، ولا سيما ما يتصل منها بالعمليات المصرفية.

*موقف التشريع الإسلامي من العقود:

قبل الحديث عن التعريف والصيغة والأنواع، أعرض لموقف القرآن والسنة من العقود عموماً.

• لقد اشتمل القرآن الكريم على آيات تثبت مشروعية العقد، وتأمر بالوفاء به والالتزام بما اتفق عليه العاقدان.

– قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(4).

– وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا )(5).

وأضاف اللهُ تبارك وتعالى العهدَ إلى نفسه دلالة على أهمية الوفاء به(6)، قال عزَّ وجلَّ: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا )(7).

* والعقود أمانة، والأمانة واجبة الأداء، يحرم جحودها وإنكارها، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)( .

* والعقد ارتباط، وإذا التزام الإنسان بالقول فلا بُدَّ من الالتزام بالعمل والتنفيذ، وإلا وقع في غضب الله ومقته.

– قال عزَّ وجلَّ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)(9).

• وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم توجيهٌ للالتزام بالعقود، والحرص على تنفيذها، إذ إنَّ خُلْفَ الوعدِ من النفاق.

– قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”(10).

– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ”(11).

* تعريف العقد:

– العقد في اللغة(12): نقيض الحَلّ، ويأتي بمعنى: العهد، ويأتي بمعنى الربط بين أطراف الشيء، وهو: اتفاق بين طرفين يلتزمُ بمقتضاه كلٌّ منهما تنفيذ ما اتفقا عليه، ويدخل المعنى اللغوي في المعنى الاصطلاحي عند الفقهاء لكلمة العقد.

– وللعقد عند الفقهاء معنيان(13): عام وخاص.

أما المعنى العام فهو: كل ما عزم المرء على فعله، سواء صدر بإرادة منفردة، أم احتاج إلى إرادتين، فهو بهذا المعنى يتناول الالتزام مطلقاً.

أما المعنى الخاص، فهو: (ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله)(14)، أو هو: (تعلُّق كلام أحد العاقدين بالآخر شرعاً على وجه يَظهر أثرُه في المحل)(15).

ومن اللافت للنظر في تعريف العقد عند الفقهاء قولهم: “شرعاً” لإخراج الارتباط بين المتعاقدين على وجه غير مشروع، كارتباط المتعاقدين بعقد -ربا-أخذ زيادة بدون عوض، ولا بُدَّ من التأكد في العقود المالية المصرفية أن تكون مشروعة.

– والعقد عند رجال القانون، هو: (توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني من إنشاء التزام أو نقله، أو تعديله، أو إنهائه)(16).

و(يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد)(17).

* والفارق بين التعريفين الفقهي والقانوني: أن التعريف الفقهي يؤكد على الارتباط الذي يُعْتَدُّ الشارع به وليس مجرد اتفاق الإرادتين، إذ قد يحصل اتفاق بين إرادتين على شئ يحرِّمُه الشارع، وبذلك يكون تعريفُ العقد عند القانونين غيرَ مانع من دخول العقد الباطل فيه(18).

وهذا ما لا ينبغي الوقوف عنده، إذ لابد أن يكون التعريف جامعاً مانعاً، وهو تعريف الفقهاء للعقد، فالعقد المعتبر في الإسلام هو العقد المشروع الذي ينضم للنظام العام الذي وضعه الشارع ليسير عليه الناس، وما على الأفراد إلا التقيد التام بأحكام الشرع الذي نظّم لهم العقود(19).

* في تعريف العقد مرّ قول الفقهاء: (إرادة منفردة)، و(إرادتين)، وهذا يعني: أن الإرادة الواحدة قد تستقل بإنشاء التزام وعقد، ولا يقتصر هذا على النية فحسب، بل قد يكون هذا الالتزام مالياً، ومن أمثلة الالتزام بإدارة واحدة في الفقه الإسلامي: الجعالة(20)والوقف(21)والإبراء(22)، والوصية(23)، واليمين(24)، والكفالة(25).

غير أن الأصل في العقود أن يكون العاقد متعدداً، أي ينشأ العقد بإيجاب وقبول، يُعَبِّر كل واحد من الموجِب والقابل عن إرادته في تنفيذ مقتضيات العقد.

*هل الوعد عقد أم لا ؟

قد يحصل بين الناس شئ من الالتزام الأدبي في إنشاء عقد في المستقبل، فهل هذا العهد والالتزام الضمني يجب الوفاء به أم لا ؟.

يشير الفقهاء(26) إلى أن العقد يلزم الوفاء به ديانةً وقضاءً(27)، لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(28)، وقوله عزَّ وجلَّ: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)(29).

أما الوعد فلا يلزم الوفاء به قضاء، بل الوفاء به مندوب إليه مطلوب ديانة، هذا مذهب جمهور الفقهاء- خلافاً لفقهاء المالكية.

دليل جمهور الفقهاء: إنَّ الالتزام بالعهد من مكارم الأخلاق، وإن الخُلف بالعهد من صفات المنافقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”(30).

وحذَّر القرآن الكريم المؤمنين من الوقوع في الخلف بالعهد، قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)(31).

غير أن الالتزام الأدبي بالعقد، صار لزاماً أن يأخذ قوة في الوفاء به، وبخاصة في المعاملات المالية المعاصرة، ومن الواجب أن يعمل الفقهاء على اختيار الفتوى القاضية بجعل الوفاء بالعهد لازماً قضاءً وديانةً؛ حفاظاً على أموال الناس ومحافظة على القيم الإسلامية النبيلة.

وهذا الذي أرى الفتوى به، قد أشار إليه بعض الفقهاء في السابق، حتى في عهد التابعين فهذا ابن شبرمة(32)يشير إلى إلزام الواعد وإجباره على الوفاء بوعده قضاءً، وذكر ابن حزم(33) والقرافي(34) أن فقهاء المالكية يُلزِمون الواعد بوعده إذا أدخل الموعود له بكلفة، أو كان الوعد مقروناً بذكر السبب(35).

واختار فقهاء الحنفية هذا القول إذا كان الوعد مُعَلَّقَاً، فالقاعدة الفقهية لديهم: (المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة)(36).

ويُلاحظ أن القوانين الوضعية تتفق مع القول بإلزام الواعد بالوفاء، بالعقد أو بالعمل(37).

* صيغة العقد:

هي: التعبير الدَّال على إرادة المتعاقدين لإنشاء العقد وإبرامه، ويسمى هذا التعبير: إيجاباً وقبولاً(38).

والأصل(39)في العقود اتفاق الإرادتين، وتراضي المتعاقدين، وليست الألفاظ إلا ترجمة عن ذلك الاتفاق والتراضي، وقد أوجب الفقه الإسلامي ظهور الإرادتين بشكل واضح بّين، ولا شكَّ فيه؛ حفاظاً على الأموال والأعمال.

ولا بُدَّ من أن تتوفر في الإيجاب والقبول ثلاثة أمور أساسية:

– وضوح المعنى.

– توافق الإيجاب والقبول.

– جزم الإرادتين.

وسأكتفي بتفصيل الأمر الأول -وضوح المعنى-؛ لكون الأمرين الأخيرين مما لاشكَّ فيهما في العقود حتى تستقيم، أما وضوح المعنى فكيف يكون؟.

إن التعبير عن إرادة المتعاقدين، تكون أصلاً باللفظ أو بالقول، يقول الشاعر:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعِلَ اللسان على الفؤاد دليلا

ويمكن أن يقومَ مقامَ اللفظ -اللسان-، أُيُّ تصرفٍ يدل على الإرادة، سواءٌ كان بالعمل أو بالإشارة أو بالكتابة.

أما بدون صيغة للعقد أو دلالة على الإرادة فلا يتم العقد، وقد نصت مجلة الأحكام العدلية (المادتان 173- 174)(40)، والقانون المدني السوري المادة رقم (93/1) على انعقاد العقد بأي صيغة تدل عرفاً أو لغةً على إنشاء العقد، سواء بالقول أو بالفعل أو بالإشارة أو بالكتابة(41).

واللفظ، هو الإرادة الطبيعية الأصلية في التعبير عن الإرادة الخفية؛ لسهولته وقوة دلالته ووضوحه، ولا يشترط فيه لغة معينة، إذ إنَّ أيَّ لغةٍ يفهمها المتعاقدان تكون كافية لإتمام العقد، كذا لا يشترط فيه عبارةٌ خاصة، ولا لفظٌ معين(42).

وقد ينعقد العقد بدون قول أو لفظ، وإنما بفعلٍ يرصد من أحد المتعاقدين، أو من كليهما، ويسمى هذا في الفقه: العقد بالمعطاة(43) وهو جائز عند جمهور الفقهاء(44) غير فقهاء الشافعية(45)، وقد اتفق القانون المدني السوري المادة رقم (93/1) (46) مع رأي جمهور الفقهاء.

والتعاقد بالإشارة فيه تفصيل(47)، فالإشارة إما أن تكون من ناطق أو من أخرس فإذا كان العاقد قادراً على النطق فلا ينعقد العقد بإشارته، فالإشارة لا تكون مفيدة لليقين قطعاً ولا يُلجأ إليها إلا عند الضرورة، مع أن فقهاء المالكية(48) وفقهاء الحنابلة(49) أجازوا التعبير عن الإرادة العقدية من الناطق بالإشارة المفهمة، ووافق القانون المدني السوري المادة رقم (93/1)(50) على انعقاد العقد بالإشارة المتداولة عرفاً، ولو كانت من الناطق.

وإذا كان العاقد عاجزاً عن النطق كالأخرس ومعتقل اللسان، فإن كان يُحْسِنُ الكتابة فلا بُدَّ منها؛ لأن الكتابة أبلغ في الدلالة على الإرادة، وأبعد عن الاحتمال من الإشارة، فيُلجأ إليها، أما إذا كان لا يحسن الكتابة، وله إشارة مفهمة فتقوم إشارته مقام النطق باللسان باتفاق الفقهاء للضرورة، وفي مجلة الأحكام العدلية: (الإشارات المعهودة للأخرس كالبيان باللسان)(51).

والتعاقد بالكتابة جائز، سواء كان العاقدان ناطقين أم عاجزين عن النطق، وسواء كانا حاضرين في مجلس العقد أم غائبين، وبأي لغة كانت ما دامت الكتابة مفهومة لدى الطرفين.

واشترط الفقهاء أن تكون الكتابةُ مستبينةً باقيةَ الصورةِ بعد الانتهاء منها، مرسومةً، مسطرةً بالطريقة المعتادة بين الناس ؛بذكر المرسل إليه وتوقيع المرسل.

وفي صحة العقد بالكتابة جاء في مجلة الأحكام العدلية: (الكتاب كالخطاب)(52)، وهذا رأي فقهاء الحنفية(53) وفقهاء المالكية(54).

واشترط فقهاء الشافعية(55)وفقهاء الحنابلة(56) لصحة العقد بالكتابة: أن يكون العاقدان غائبين.

* التعاقد بواسطة آلات الاتصال الحديثة:

مع تطور الحياة وتقدم التقنية وتوفر وسائل الاتصالات الآلية المباشرة، ظهرت مسألة البحث عن فتوى في جواز أم عدم جواز، وكيفية إيجاد المخرج الشرعي المناسب لإجراء العقود بواسطة آلات الاتصال الحديثة، مثل: إجراء العقود عبر الهاتف، وإجراء العقود عبر المراسلات الآلية؛ كالبرقيات أو بواسطة التلكس أو الفاكس (البريد المصور)أو عبر الشبكة العالمية ( الإنترنت) مثلاً.

وقد درس فقهاء العصر هذه المسألة؛ أفراداً وجماعات، من خلال أبحاث وكتب الفقه الإسلامي بثوبه الجديد، وكتاباته المعاصرة، وكان من جملة مَن تداول هذا الأمر أعضاء مجمع الفقه الإسلامي بجدة، ووصلوا إلى نتيجة مفادها جواز إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، كون تلك الآلات تشبه المرسِل سابقاً. ثم إن اتحاد المجلس المطلوب في كل عقد لا يشترط فيه كون المتعاقدين يضمهما مكان واحد، بل يمكن تفسير اتحاد المجلس باتحاد الزمن أو الوقت الذي يكون فيه المتعاقدان مشتغلين بالعقد.

ففي المراسلات التجارية يكون مجلس العقد هو زمن وصول الرسالة من المُوْجِب إلى الراغب بالقبول، وعليه أن يُظْهِرَ قبوله وموافقته للإيجاب ليتم العقد صحيحاً، فإنْ تَأَخَّرَ القبول إلى مجلسٍ ثان لم ينعقد العقد.وفي الاتصال عبر وسائل الاتصالات الحديثة ( الهاتف، والبريد المصور) يُعَدُّ مجلس العقد هو زمن الاتصال عبر هذه الوسائل مادام الكلام مرتبطاً ومتعلقاً بشأن العقد دون سواه، فإن انتقل المتحدثان ( المتخاطبان) إلى حديث آخر انقطع مجلس العقد، ويكون الالتزام الواجب تنفيذه هو الاتفاق الذي تم خلال مجرى الحديث.

وقد أجمع الفقهاء على أن العقد يتم وينعقد بين الغائبين – كما في آلات الاتصال الحديثة- بمجرد إعلان القبول، ولا يشترط العلم بالقبول بالنسبة للطرف الموجِب(57).

لكنْ إبعاداً لكل لَبْسٍ أو غموض، وتمكيناً من إثبات العقد، وتأكيداً لإبرامه، جرى العرف الحاضر على إرسال العرض أولاً، ثم إرسال القبول، ثم إتمام العقد.

* محل العقد:(58)

هو ما يقع عليه العقد، أي هو المعقود عليه، الذي تظهر فيه أحكام العقد وآثاره، فهو: كل شئ طاهر منتفع به شرعاً، سواء كان عيناً أم منفعة؛ سلعة أم خدمة، ويشترط أن يكون معلومَ الوجودِ، والصفةِ، والقَدْرِ، والأَجَلِ إنْ أُجِّلَ، ويشترط أن يكون مقدوراً على تسليمه، وأن يكون سالماً من الغرر والربا، ومن كل شرط مُفْسِد.

وهذه الشروط ينبغي التنبه إليها في كل عقد يجريه المصرف ليصار إلى معرفة حكم هذا العقد إن كان موافقاً للشرع يُنَفَّذ، وإلا وجب إبطاله.

* موضوع العقد:(59)

هو المقصد الأصلي الذي شُرِع العقد من أجله، والشرع الحنيف هو الذي يحدد مقصد كل عقد، ومع أن موضوع العقد واحد ثابت في كل فئة أو نوع من أنواع العقود، ولكنه يختلف باختلاف فئات العقود أو أنواعها، فهو في عقود البيع واحد: هو نقل ملكية المبيع للمشتري بعوض، وفي الإجارات: هو تمليك المنفعة بعوض، وفي الهبات: هو تمليك العين الموهوبة بلا عوض، وفي الإعارات: هو تمليك المنفعة بلا عوض، وهكذا…

* الإرادة العقدية:

هي القوة المولَّدة للعقد، ولها شعبتان:

1- الإرادة الباطنة، وهي النية.

2- الإرادة الظاهرة، وهي الألفاظ المعبرة عن النية.

والإرادة الباطنة لها عنصران لا تتحقق بدونهما، وهما: الاختيار والرضا، والاختيار هو القصد، والرضا هو الارتياح إلى العقد والرغبة فيه، وهو ركن جوهري في العقد(60).

هذا، وقد عوَّل فقهاء الحنفية(61)على الاختيار فجعلوه شرطاً من شروط الانعقاد، أما الرضا، فهو شرط صحة عندهم وليس شرط انعقاد.

فإذا وجد الاختيار والرضا كان العقد صحيحاً منعقداً.

وإذا وجد الاختيار دون الرضا كان العقد منعقداً فاسداً، حتى يتم الرضا.

وأما عند جمهور الفقهاء(62)، فالاختيار والرضا متلازمان، بمعنى أنه لا يوجد أحدهما بدون الآخر، فالاختيار هو القصد إلى العبارات المنشئة للعقود، بحيث تكون ترجمة عما في النفس ودليلاً على الرغبة في العقد وآثاره، وهذا هو معنى الرضا.

• موقف الفقهاء من الإرادة الباطنة والظاهرة

إذا تطابقت الإرادتان كان العقد صحيحاً شرعياً، ولكن في الواقع العملي قد توجد الإرادة الظاهرة وحدها، ولا توجد معها إرادة باطنة، فما حكم العقد؟

ولن يتم تفصيل صورية العقد كلها، ولا الشك الذي قد يقع في وجود الإرادة، وإنما سيكون الحديث حول ما يخص المعاملات المالية في صورية العقد فيها أحياناً، إذ إن العاقدَّ قد يتخذ شكلاً مباحاً وسيلةً لتحقق غرض غير مباح شرعاً(63)، وهذا ما يسأل عنه كثير من الناس: إن العقد في ظاهره أتم الشروط والأركان، إلا أن الغرض والإرادة الباطنة فيها تحايل على الحرام، ويتخذون الرضا ذريعة لإتمام هذا العقد.

وعلى سبيل المثال: المستقرِض من المصارف يُنْظَر إلى عقده من باب الرضا، سواء كان قرضاً حسناً أم قرضاً ربوياً بفائدة، والمتبايع بالِعينة يتحايل على الربا، وفي ظاهرة العقد تمام للشروط والأركان المعتبرة في البيوع.

في الأسطر الآتية بيانٌ لرأي الفقهاء(64) في هذه المسألة:

يندرج رأي الفقهاء في هذه المسألة تحت ما يسمى-نظرية السبب في العقود-، وللفقهاء اتجاهان في هذه القضية(65):

– اتجاه تُغلَّب فيه النظرة الموضوعية، والشكل الظاهر للعقد، (الإرادة الظاهرة).

– واتجاه تُلاحظ فيه النيات والبواعث الذاتية، الداخلية، (الإرادة الباطنة).

– أما الاتجاه الأول: فهو مذهب فقهاء الحنفية(66) وفقهاء الشافعية(67)، وقد عوّلوا على الإرادة الظاهرة في العقود، وتعليلهم بأنَّ هذا يَجعل المعاملاتِ المالية في استقرار، أما البواعث الداخلية فهي تهدد المعاملات بالقلق.

ولا تأثير للسبب أو الباعث على العقد إلا إذا كان مصرحاً به في صيغة التعاقد، فإن لم يُصَرَّح به فالعقد صحيح لاشتماله على أركان العقد الأساسية، لكنه مكروه تحريماً عند فقهاء الحنفية حرام عند فقهاء الشافعية، بسبب النية غير المشروعة.

وأقرب مثال وأوضحه هو بيع العنب لعاصره خمراً، فهو صحيح من حيث العقد، حرام من حيث النية.

– وأما الاتجاه الآخر، فهو مذهب فقهاء المالكية(68) وفقهاء الحنابلة(69)، الذين يُنْظَرون إلى القصد والنية والباعث، فيُبْطِلُون التصرف المشتمل على باعث غير مشروع بشرط أن يكون الطرف الآخر عالماً بالسبب غير المشروع، أو كان بإمكانه أن يعلم بذلك من خلال الظروف والقرائن.

فإذا كان الباعث مشروعاً فالعقد صحيح، وإذا كان الباعث غير مشروع فالعقد باطل حرام؛ لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، فيَبطل عقد بيع العنب لعاصره خمراً، ويبطل عقد فيه تحايل على الربا –كبيع العِيْنَة-، وإن كان من حيث الظاهر تامَّ الأركان والشروط.

* سلطان الإرادة العقدية:(70)

اشتهرت على الألسنة قاعدة قانونية هي: (العقد شريعة المتعاقدين) أي إن القانون مُلْزِم لكلٍ من الطرفين المتعاقدين فيما تقضيه بنوده وشروطه(71).

وهذا يعني: إعطاء الحرية للمتعاقدين في إنشاء العقد وآثاره المترتبة عليه، دون قيد، إلا بما يسمى: النظام العام(72)، كما يسمح هذا السلطان للإدارة بإنشاء عقود جديدة بحسب ما تقتضيه المصالح الاقتصادية والتطورات الزمنية.

فكأن أَمْرَ العقودِ مَرَدُّه إلى العرف، لا إلى حدود الشرع الذي وَضَعَ قواعد العقد، ونظَّم أحكامها وحدَّد التزاماتها، وهذا لا يعني أن العقود التي مرجعها العرف مرفوضة، بل إن العرف مقبول إذا لم يخالف النصوص الشرعية(73).

ومما يُلاحَظ أن عمليات المصارف هي من العقود الجديدة-غالباً-، وليست من العقود المسماة-وإن كان الأمر نسبياً-، وفي هذا البحث سيكون الحديث عن تكييف تلك الأعمال المصرفية والعمليات التعاقدية بين المصرف وعملائه ضمن حدود العقود المسماة(74)، فالحرية في التعاقد لا ينبغي أن تكون مطلقة، ورضائية المتعاقدين لا ينبغي أن تكون هي الأساس فقط، بل إن هذه الرضائية والحرية ضمن حدود ما أنزل الله في كتابه وما بَيَّن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما يقال عن أصل العقد يقال على الشروط والآثار المترتبة عليه، وفي الأسطر الآتية بيان لهذا الموضوع.

*حرية التعاقد و رضائيته:

الرضا هو أساس العقود(75)، دليل ذلك:

– قول الله تعالى: (يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم) (76).

– وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ”(77)، وقوله صلى الله عليه وسلم : ” لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ “(78).

مما سبق يُعْلَمُ أن مجرد التراضي هو الذي يولِّد العقد والتزاماته، دون الحاجة لممارسة شكلية معينة، وأن الإرادة حرة في إبرام العقود دون خضوع لإكراه، إلا في بعض الحالات الاستثنائية(79).

* والعقود المصرفية تُبْرَم وتنعقد برضا المصرف، ورضا العميل غالباً، إذ العميل يوافق على الشروط التي يضعها المصرف، وعلى النموذج الذي يحرره المصرف، وربما لا يكون ذلك بكامل الرضا عند العميل، لذا يرى شُرَّاح القانون أن العقود المصرفية تتسم بالإذعان والرضوخ لرأي المصرف، فأدرجوها ضمن عقود الإذعان – في الغالب- نظراً لتعذر مناقشة الشروط الجوهرية والشكلية أيضاً في العقد المبرم(80).

والذي يذكره القانونيون يستدعى الانتباه إلى أن العقود المالية بخاصة ينبغي أن تكون بدون إذعان؛ برضائية الطرفين وبكامل حريتهما، وهذا ما يؤكد ضرورة أن تكون العقود المصرفية شرعية، متوافقة مع أصول الشرع وقواعد الدين، إذ إن العقود عندما تكون مستندة إلى أحكام الشريعة فإنها تحقق المصالح للناس، وما يحقق المصالح ليس فيه استغلال ولا ظلم، بل هو تعاون وتضامن.

وإذا كان الرضا هو الأساس، فهل هناك حرية في التعاقد واختيار النظام المناسب لإنشاء العقود أم هناك قيود؟ وبمعنى آخر: الأصل في العقود الحظر والمنع، أم الإباحة والفسح؟.

للفقهاء رأيان(81):

*الرأي الأول: لفقهاء الظاهرية، القائلين بأن الأصل في العقود المنع حتى يقوم دليل على الإباحة، بمعنى أن كل عقد لم يثبت جوازُه بنص شرعي، فهو باطل ممنوع، ودليلهم:

1- إن الشريعة شاملة لكل شيء، وقد بيّنت ما يحقق مصالح الأمة، ومنها العقود، وأقامتها على العدل، وليس من العدل ترك الحرية للناس في عقدِ ما يريدون من العقود، وما يشاؤون من تصرفات، وإلا هُدِمَت الشريعة.

2- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ”(82)، وإذا تعاقد الناس بعقد لم يَردْ في الشريعة فقد أحلُّوا أو حرَّموا غير ما شرع الله.

*والرأي الآخر: لبقية الفقهاء، القائلين بأن الأصل في العقود الإباحة ما لم يمنعها الشرع أو تخالف نصوص الشريعة، ودليلهم:

1- إن الآيات الكريمة(83)، والأحاديث الشريفة(84) التي ذكرت العقود والتجارة والتبادل لم تشترط لصحة العقد إلا الرضا والاختيار.

2- قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(85)، فقد أوجبت هذه الآية الوفاء بكل عقد دون استثناء.

3- يَكفي في المعاملات ألا تُحَرِّمَها الشريعة؛ استصحاباً للمبدأ الأصولي، وهو: (الأصل في الأفعال والأقوال والأشياء هو الإباحة)(86)؛ لأن القصد في المعاملات رعاية مصالح الناس، فكل ما يحقق مصالحهم يكون مباحاً.

وبإنعام النظر في هذين الرأيين، يمكن القول:

إنَّه يصح التعامل بعقود جديدة لم تُعْرَف سابقاً، وذلك إما عن طريق قياسها على ما سبق، أو عن طريق الاستحسان، أو بالأخذ بمبدأ العرف الذي لا يصادم أصول الشريعة، ولا يخالف مبادئ الإسلام.

فالالتزام بالشريعة- وبخاصة في مجال المعاملات- يكون في الأهداف والغايات والمقاصد، أما الوسائل وشكليات العقود، فيمكن أن تتغير إذا كانت تحقق مصالح العباد في المعاش والحياة، وترفع الحرج عنهم؛ بعيداً عن الباطل والحرام(87).

إذاً، فالأصل الفقهي في المعاملات هو: الحل، وليس الحرمة، ولا تَحْرُم معاملة إلا إذا بانت مخالفتها للنص الشرعي، ولا يَبْطُل عقدٌ إلا إذا اتضح ضرره(88)، فالشريعة لم تحَصِرْ التعاقد في موضوعات يمنع تجاوزها إلى موضوعات أخرى(89)، وكل ما قيدته الشريعة هو منع الضرر والظلم والاستغلال.

ومن الواضح أن المعاملات المصرفية ليس فيها ما يعوق أو يحول دون تقبلها في إطار الفقه الإسلامي؛ من ناحية كونها عقوداً أو معاملات جديدة غير معروفة عند الفقهاء الأقدمين، وكل ما يجب مراعاته هو التأكد من كون هذه العقود الجديدة لا تنطوي على مخالفة، أو تَعارُضٍ مع مقاصد الشريعة(90) وأهدافها.

فالشريعة جاءت بكل ما فيه خيرُ العباد، وليس في شئ من أحكامها تضييق ولا حرج على الأمة، إذ إن أحد أسس التشريع الإسلامي(91): عدم الحرج وعدم التضييق.

يشهد لذلك القرآن والسنة النبوية:

* أما القرآن فقول الله تبارك وتعالى: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ)(92).

وقوله عزَّ وجلَّ: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)(93).

وقوله جلَّ ذكره: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(94).

وقد جاءت هذه المعاني السامية ضمن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فعَنْ عَائِشَةَ(95)رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا”(96).

وعن أبي موسى الأشعري(97) قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا”(98).

وفي بيان سهولة تعاليم الإسلام، ويسر التشريع، ورفع الحرج، وعدم التضييق، يقول ابن القيم(99): (إن الشريعة مبناها وأساسُها على الحِكَم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإنْ أُدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها)(100).

ويحسن أن أختم هذا الجزء من البحث بإيراد قاعدة تحكم العقود، وتضبط العمليات المالية والأعمال المصرفية لتكون منهاجاً لدراسة التطبيقات القادمة، وقد ذُكِرَتْ هذه القاعدة الذهبية في كلام ابن القيم: (الأصل في العقود كلها إنما هو العدل الذي بُعِثَتْ به الرسل وأُنْزِلَت الكتب)(101)، قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)(102).

* تصنيف العقود:

بعد بيان تعريف العقد وموضوعه، والقاعدة الحاكمة له، فيما يلي بيان لتصنيف العقود، والذي يتبع لاعتبارات مختلفة(103)حاول الباحث تجميعها في أربعة عشر تقسيماً:

– التقسيم الأول: أنواع العقود عموماً ثلاثة(104):

1 – عقد فطري: مُوْثَقٌ بين العباد ورب العباد – الخالق جلَّ جلاله-، كما في قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(105).

2 – عقد تكليفي: وهو الذي يرد بصيغة الأمر والنهي، قال الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(106).

3 – عقد عرفي: وهو ما تعارف عليه الناس في معاملاتهم بصرف النظر عن التوثيق لدى موظف مختص ليكون رسمياً، وإنما يُكْتَبُ في الوقت الحاضر لدى الدوائر الحكومية درء اً للمفاسد.

– التقسيم الثاني: أنواع العقود بالنظر إلى مشروعيتها وعدمها صنفان عند الجمهور(107):

1 – عقود مشروعة، وهي ما أجازها الشرع الإسلامي وأَذِنَ بها؛كالبيع، والرهن، والهبة…

2 – عقود ممنوعة، وهي التي منعها الشرع الإسلامي ونهى عنها؛كبيع الأجنة في بطون أمهاتها، والبيع الربوي وغيرهما، والعقود الممنوعة تعدّ باطلة غير منعقدة أصلاً عند جمهور الفقهاء، والتصنيف نفسه عند فقهاء الحنفية ثلاثة أقسام(108):

1 – عقود مشروعة: وهي ما شرعت بأصلها ووصفها.

2 – عقود باطلة: وهي ما لم تشرع بأصلها ولا بوصفها.

3 – عقود فاسدة: وهي ما شرعت بأصلها دون وصفها.

– التقسيم الثالث: بالنظر إلى صحة العقد وعدمها صنفان(109):

1 – عقود صحيحة: وهي ما توافرت فيها جميع شرائطها الشرعية العامة والخاصة، في أصلها وفي نواحيها الفرعية – في أصلها ووصفها – كبيع المال المتقوم بثمن معلوم نقداً أو نسيئة.

2 – عقود فاسدة: وهي التي اختلت بفقدان بعض شرائطها المتعلقة ببعض نواحيها الفرعية – فهي مشروعة بأصلها دون وصفها –؛ كبيع الشي بثمن مجهول.

– التقسيم الرابع: أنواع العقود بالنظر إلى تسميتها وعدمها صنفان(110):

1 – عقود مسماة: هي التي أقرَّ التشريع لها اسماً يدل على موضوعها الخاص، وأحكاماً أصلية تترتب على انعقادها؛ كالبيع والهبة والإجارة والشركة…

2 – عقود غير مسماة: هي التي لم يُصطلَح على اسم خاص لموضوعها، ولم يُرَتِّب التشريع لها أحكاماً تخصها، وهي كثيرة لا تنحصر، وتتنوع بحسب حاجة العاقد والموضوع المتفق عليه ضمن الغايات المشروعة(111).

وقد نشأت في الفقه الإسلامي عقود جديدة في عصور مختلفة، وأطلق عليها الفقهاء أسماء خاصة، وقرروا أحكامها، فأصبحت عقوداً مسماة، وقد تبقى بعض العقود زمناً بلا أسماء إلى أن يُصطلح لها على اسمٍ خاص.

وثمرةُ تسميةِ العقود تسهيليةٌ محضةٌ، بحيث تُسَهِّل على الناس تعاملهم، إذ إن العقدَ المسمى كثيرُ الشيوع بين الناس في معاملاتهم، فيكون له في التشريع نصوص تُفَصِّل أحكامه؛ ليسهل الرجوع إليه.

– التقسيم الخامس: أنواع العقود بالنظر إلى محلها-المعقود عليه-خمسة أصناف تبعاً للقانون المدني السوري والمصري، وقد جاراهما القانون المدني الأردني(112):

1- العقود التي تقع على الملكية، وتشمل: البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض والدخل الدائم والصلح(113).

2- العقود الواردة على الانتفاع بالشيء، وتشمل: عقد الإيجار، بما فيه المزارعة، والوقف، والعارية(114).

3- العقود الواردة على العمل، وتشمل: عقد المقاولة، وعقد العمل، والوكالة، والوديعة، والحراسة(115).

4- عقود الغرر، وتشمل: المقامرة، والرهان، والمرتب مدى الحياة، وعقد التأمين(116).

5- الكفالة(117).

ويضاف إلى هذه الأقسام الخمسة أمران(118):

1- عقد الحوالة(119).

2– عقد الرهن(120).

ويُذْكَر أن ترتيب العقود في الفقه الإسلامي كان ترتيباً كيفياً في كتب الفقه، تبعاً لرغبة المصنف، ويكاد الفقهاء يُجمِعُون على البدء بعقد البيع؛ نظراً لأهميته، وكثرة استعماله، وشيوع انتشاره، ومزيد الحاجة إليه(121).

– التقسيم السادس:أنواع العقود من حيث التكوين صنفان(122):

1 – عقود شكلية: تخضع في عقدها لشيء من الشرائط الشكلية، وتُعَدُّّ الأعمال المصرفية والمعاملات والعقود فيها لها أشكال معينة ونماذج خاصة، وإجراءات محددة.

2 – عقود رضائية غير شكلية: وهي التي لا تخضع في انعقادها إلا لمجرد التراضي، وهي عقود كثيرة يستعملها الناس، وغالباً ما تكون في المسائل المالية العادية ذات الأثمان المتوسطة وما دون.

– التقسيم السابع: أنواع العقود بالنظر إلى النفاذ صنفان(123):

1 – عقود نافذة: وهي العقود التي صدرت من كامل الأهلية، وخالية من كل حق لغير العاقدين يوجب توقفها على إرادته.

2 – عقود موقوفة: وهي التي تصدر من ناقص الأهلية، وتحوي حقاً لغير العاقدين يوجب توقفها على إرادة الآخر وإجازته.

– التقسيم الثامن: أنواع العقود بالنظر إلى اللزوم وقابلية الفسخ أربعة أصناف(124):

1 – عقد لازم بحق الطرفين، ولا يقبل الفسخ بطريق الإقالة، وهو عقد الزواج.

2 – عقود لازمة بحق الطرفين، ولكنها تقبل الفسخ والإلغاء بطريق الإقالة أي باتفاق العاقدين، كالبيع والإجارة…

3 – عقود لازمة بحق أحد الطرفين فقط، كالرهن والكفالة؛ فإنهما لازمان بالنسبة إلى الراهن والكفيل، وغير لازمين بالنسبة إلى الدائن المرتهن والمكفول له.

4 – عقود غير لازمة أصلاً بحق كلا الطرفين، وهي التي يملك كل منهما فيها حق الرجوع والإلغاء، كالإيداع والإعارة والوكالة.

– التقسيم التاسع: بالنظر إلى تبادل الحقوق ثلاثة أصناف(125):

1 – عقود المعاوضات: وهي التي تقوم على أساس إنشاء وجائب متقابلة بين العاقدين يأخذ فيها كل من الطرفين شيئاً ويعطي في مقابله شيئاً؛ وذلك كالبيع والإجارة.

2 – عقود التبرعات: وهي التي تقوم على أساس المنحة أو المعونة من أحد الطرفين للآخر؛ كالهبة والإعارة.

3 – عقود تحوي معنى التبرع ابتداءً، والمعاوضة انتهاءً؛كالقرض، والكفالة بأمر المدين…

– التقسيم العاشر: بالنظر إلى الضمان وعدمه ثلاثة أصناف(126):

1 – عقود ضمان: وهي التي يُعتبر المال المنتقل، بناء على تنفيذها، من يد إلى يد مضموناً على الطرف القابض له، فمهما يصبه من تلف فما دونه، ولو بآفة سماوية، يكن على مسؤوليته وحسابه،ومن هذه العقود: البيع، والقرض…

2 – عقود أمانة: وهي التي يكون المال المقبوض في تنفيذها أمانة في يد قابضه لحساب صاحبه، فلا يكون القابض مسؤولاً عما يصيبه من تلف فما دونه إلا إذا تعدى عليه أو قصّر في حفظه، من هذه العقود: الإيداع، والإعارة، والوكالة، والشركة…

3 – عقود مزدوجة الأثر: إذ تُنْشِئُ الضمان من وجه، والأمانة من وجه، من هذه العقود: الإجارة، والرهن.

– التقسيم الحادي عشر: بالنظر إلى غاية العقد سبعة أصناف(127):

1 – التمليكات، وهي ما يقصد بها تمليك شئٍ، عين أو منفعة، فإن كان التمليك بعوض فهي عقود المعاوضات؛كالبيع والإجارة…، وإن كان التمليك مجاناً بغير عوض فهي عقود التبرعات؛كالهبة والوقف…

2 – الإسقاطات: وهي ما يقصد بها إسقاط حق من الحقوق، فإن كان الإسقاط بدون بدل من الطرف الآخر فهو الإسقاط المحض؛كالإبراء عن الدَين، والتنازل عن حق الشفعة.

– وإن كان الإسقاط ببدل أو عوض من الطرف الآخر، فهو إسقاط المعاوضة؛ كالصلح في الدين والعفو عن القصاص بالدية.

3 – الإطلاقات، هي إطلاق الشخص يد غيره في العمل؛كالوكالة والإذن للصغير المميز بالتجارة.

4 – التقييدات، هي منع الشخص من التصرف؛ كعزل الوكيل، والحجر على المأذون بالتجارة؛ بسبب الجنون أو العته أو السفه أو الصغر.

5 – التوثيقات، وهي التي يقصد بها ضمان الديون لأصحابها،وتأمين الدائن على دينه، وهي الكفالة والحوالة والرهن، وتسمى هذه العقود (التأمينات أو عقود الضمان).

6 – الاشتراك، وهي التي يقصد بها المشاركة في المال والعمل والربح؛كعقود الشركات بأنواعها، ومنها المضاربة والمزارعة والمساقاة.

7 – الحفظ، وهي التي يراد منها حفظ المال لصاحبه؛كعقد الإيداع، وبعض خصائص الوكالة.

– التقسيم الثاني عشر: بالنظر إلى الفورية والاستمرار صنفان(128):

1 – عقود فورية، وهي التي لا يحتاج تنفيذها إلى زمن ممتد يشغله باستمرار؛ بل يتم تنفيذها فوراً دفعة واحدة في الوقت الذي يختاره العاقدان؛كالبيع ولو بثمن مؤجل، والقرض، والهبة.

2 – عقود مستمرة، وهي التي يستغرق تنفيذها مدة ممتدة من الزمن، بحيث يكون الزمن عنصراً أساسياً في تنفيذها؛كالإجارة، والإعارة، والوكالة، وعقود التوريد، ويمكن تسميتها عقوداً زمنية.

– التقسيم الثالث عشر: بالنظر إلى الأصلية والتبعية صنفان(129):

1 – عقود أصلية، وهي كل عقد يكون مستقلاً في وجوده غير مرتبط بأمر آخر على سبيل التبعية له في الوجود والزوال، وذلك كالبيع، والإجارة، والإيداع…

2 – عقود تبعية، وهي كل عقد يكون تابعاً لحق آخر ومرتبطاً به في وجوده وزواله كاتصال الفرع بأصله، وذلك كالرهن والكفالة.

– التقسيم الرابع عشر: أنواع العقود من حيث الموضوع صنفان(130):

1 – العقد البسيط: وهو الذي يشتمل على عقد واحد فقط؛ كعقد البيع، والإجارة، والقرض، والوكالة، ونحوها.

2- العقد المختلط: وهو الذي يشتمل على أكثر من عقد واحد؛ كما في العقد بين صاحب الفندق والنازل فيه، فهو مزيج من عقد إيجار –بالنسبة للمَسْكَن، وبيع- بالنسبة للمأكل-، وعمل- بالنسبة للخدمة-، ووديعة- بالنسبة للأمتعة-.

قبل اختتام هذا المطلب تَحسُن الإشارة إلى توضيح مفهوم مصطلحٍ سيتكرر في طيات البحث،وهو: (التكييف القانوني أو التكييف الشرعي للمسألة)، فما المقصود بهذا المصطلح؟ الجواب آتٍ:

* تكييف العقد:

تكييف العقد، هو: إعطاء الوصف القانوني أو الشرعي للعقد؛ من أجل معرفة موقف التشريع من العقد الذي يُدْرَس.

وتكييف العقد أمر مهم وأساسي، يفيد العاقدين؛ ليستقيم عقدهما، كما يفيد المُحَكَّم- القاضي أو المفتي-؛ لإعطاء القرار الصائب عند المنازعة أو الاختلاف بين العاقدين.

فتكييف العقد هو البحث في أركان العقد، وشروطه، والأوصاف المقترنة به، والتدقيق في الآثار والالتزامات التي يتفق عليها العاقدان، والنظر في الغاية التي يقصدها المتعاقدان.

والتكييف الشرعي للعقود في الفقه الإسلامي، يشمل دراسة العقد من ناحيتين(131):

الأولى: من حيث مشروعية العقد، واتفاقه مع مقاصد الشريعة، وقبوله ضمن قواعد العقود العامة وأحكام التعامل الشرعية.

الثانية: من حيث إعطاء الوصف الحقيقي للعقد.

———————————————————-

(1) يُنْظَر: – النقود، وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية، علاء الدين زعتري، دار قتيبة، دمشق، سورية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1417ه/1996م، ص133- 134.

– ضوابط العقود في الفقه الإسلامي، د. عبد الحميد محمود البعلي، مؤسسة الشرق الدوحة قطر، عمان الأردن، الطبعة الأولى 1985م، ص9 – 10.

(2) الفقه الإسلامي وأدلته، أ.د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، سورية، تصوير 1987م عن الطبعة الثانية 1405ه/1985م، 4/78.

(3) المصرف الإسلامي علمياً وعملياً، عبد السميع المصري، دار التضامن للطباعة، مكتبة وهبة، الطبعة الأولى 1408ه/1988م، ص73.

(4) سورة المائدة (5) الآية رقم (1).

(5) سورة الإسراء (17)، الآية رقم (34).

(6) ضوابط العقود في الفقه الإسلامي، د. عبد الحميد محمود البعلي، ص11.

(7) سورة النحل (16)، الآية رقم (91).

( سورة النساء (4)، الآية رقم (58).

(9) سورة الصف (61)، الآيتان رقم (2-3).

(10) – صحيح البخاري، ضبط وترقيم د. مصطفى البغا،، مؤسسة علوم القرآن عجمان، اليمامة، دمشق، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الخامسة 1414ه/1993م، في كتاب الإيمان (2) باب: علامة المنافق (23)، حديث رقم (33)، 1/21.

– صحيح مسلم بشرح النووي، بتحقيق وضبط عصام الصبابطي، حازم محمد، عماد عامر، دار الحديث القاهرة،، الطبعة الأولى 1415ه/1994م، في كتاب الإيمان (1) باب بيان خصال المنافق (25)، حديث رقم (0107 – 59)، 1/322.

– الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان،، د. ت، في كتاب الإيمان (41)، باب ما جاء في علامة المنافق (14)، حديث رقم (2631)، 5/19، وقال حديث حسن غريب.

– سنن النسائي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، د. ت، في كتاب الإيمان وشرائعه، باب علامة المنافق، 8/102.

– مسند الإمام أحمد بن حنبل أبي عبد الله الشيباني، الطبعة المصححة والمفهرسة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1993 م/1414 ه، حديث رقم (8670)، 2/357.

– صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان،، محمد بن حبان أبو حاتم البستي، مراجعة شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1414ه/1993م، حديث رقم (257)، 1/490.

– السنن الكبرى، النسائي، مراجعة د. عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411ه/1991م، حديث رقم (11127)، 6/329.

– سنن البيهقي الكبرى، أحمد بن الحسين، مراجعة محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414ه/1994م، حديث رقم (11240)، 6/85.

– مسند أبي يعلى، أحمد بن علي الموصلي، مراجعة حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، 1404ه/1984م، حديث رقم (4098)، 7/136.

– المعجم الكبير، الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، مراجعة حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، 1404ه/1983م، حديث رقم (6186)، 6/270.

– مسند إسحاق بن راهويه، مراجعة د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، 1412ه/1991م، حديث رقم ( 383)، 1/371.

– مكارم الأخلاق، عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، مراجعة مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن، القاهرة، 1411ه/1990م، حديث رقم (118)، ص 46.

(11) – مسند الإمام أحمد، عن أنس بن مالك، حديث رقم (11975)، 3/135، وفي الطبعة الحديثة 3/594.

– صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، حديث رقم (194)، 1/422.

– صحيح ابن خزيمة، محمد ابن إسحاق، مراجعة د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1390ه/1970م، حديث رقم (2335)، 4/51.

– سنن البيهقي الكبرى، حديث رقم (12470)، 6/288.

– مسند أبي يعلى، حديث رقم (2863)، 5/246.

– المعجم الصغير، سليمان بن أحمد الطبراني، مراجعة محمد شكور محمود الحاج أمرير، المكتب الإسلامي، دار عمار، بيروت، عمان،1405ه/1985م، حديث رقم (192)، 1/113.

– المعجم الكبير، الطبراني، حديث رقم (7972)، 8/247.

– مسند إسحاق بن راهويه، حديث رقم (409)، 1/382.

– مكارم الأخلاق، ابن أبي الدنيا، حديث رقم (278)، ص 91.

– مسند الشهاب، أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، مراجعة حمدي بن عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1407ه/1986م، حديث رقم (848)، 2/43.

– المنتخب من مسند عبد بن حميد، مراجعة صبحي البدري السامرائي، محمود محمد خليل الصعيدي، مكتبة السنة، القاهرة، 1408ه/1988م، حديث رقم (1198)، ص 361.

– بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، الحارث بن أبي أسامة الطوسي البغدادي، مراجعة د. حسين أحمد صالح الباكري، مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، المدينة المنورة، 1413ه/1992م، حديث رقم (816)، 2/803.

– مسند الشاميين، سليمان بن أحمد الطبراني، مراجعة حمدي بن عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1405ه/1984م، حديث رقم (171)، 1/113.

(12) يُنْظَر: لسان العرب، ابن منظور، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1413ه/1993م، باب العين، 9/309 وما بعدها.

(13) يُنْظَر: – الفقه الإسلامي وأدلته، أ.د. وهبة الزحيلي، 4/80.

– ضوابط العقود في الفقه الإسلامي، د. عبد الحميد محمود البعلي، 27.

(14) المادة رقم (103 و 104) من مجلة الأحكام العدلية، مطبعة شعاركو، الطبعة الخامسة، 1388ه/1968 م.

(15) شرح العناية على الهداية، أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي، بهامش فتح القدير، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر، الناشر دار صادر بيروت، الطبعة الأولى 1316ه، 5/74.

(16) الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام، د. عبد الرزاق السنهوري، دكتوراه في العلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، أضاف في حواشيها ما جدَّ بعد الطبعة الأولى من فقه وقضاء، الدكتور عبد الباسط جميعي أستاذ بكلية حقوق عين شمس، ومصطفى محمد الفقي رئيس محكمة، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثانية 1964م، الفقرة 36، 1/149.

(17) المادة رقم (92). القانون المدني -السوري -، الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 تاريخ 18/أيار/1949م، وتعديلاته، معدَّلاً ومضبوطاً على الأصل، إعداد وتنسيق ممدوح عطري، مساعد قضائي سابقاً، مؤسسة النوري، 1997م، ص 22.

(18) يُنْظَر: المدخل الفقهي العام، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، مصطفى أحمد الزرقا، مطابع ألف باء الأديب، دمشق، الناشر دار الفكر، الطبعة التاسعة، 1967م، 1968م، الفقرة رقم (134)، 1/294 – 295.

(19) يُنْظَر: الفقه الإسلامي وأدلته، أ.د. وهبة الزحيلي، 4/82.

(20) هي: التزام عوض متقوم على معين أو مجهول عَسُر عمله. يُنْظَر: النقود، وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية، علاء الدين زعتري، ص 255 – 256.

(21) هو: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينة، بقطع التصرف في رقبته، على مصرف مباح. القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، سعدي أبو جيب، دار الفكر، دمشق سورية، الطبعة الثانية 408ه/1988م، ص386.

(22) هو: إسقاط الحق عن الذمة. القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب، ص 35.

(23) هي: عقد يوجب حقاً في ثلث مال عاقده، يلزم بموته. القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب، ص 382.

(24) هو: عقد قوي به عزم الحالف على الفعل، أو الترك. القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب، ص395.

(25) هي: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة مطلقاً: بنفس، أو دين، أو بعَين. القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب، ص322.

* والكفالة أحد العقود التي تجريها المصارف في إصدارها خطاب الضمان لتكفل أحد المتعاملين معها، وهي على قول جمهور الفقهاء تكون مطلقة، وقال فقهاء الحنفية: الكفالة لا تكون إلا في المطالبة بالدين. يُنْظَر: الفقه الإسلامي وأدلته، أ.د.وهبة الزحيلي، 4/87.