بحث علمي قانوني عن دعوى تعويض الأضرار الناجمة عن الأعمال الإرهابية

« دعوى تعويض الأضرار الناجمة عن الأعمال الإرهابية »
بحث علمي قانوني مُعدّ لنيل درجة أستاذ في المحاماة
أعده المحامي : مازن حليوي
من فرع حلب لعام 2010
الأستاذ المـدرب : المحامي الأستاذ معن حليوي
الأستاذ المشرف : المحامي الأستاذ حسين يازجي

– مخطط البحث :
– مقدمة .
– الفصل الأول : دعوى التعويض عن الجرم الإرهابي والمشكلات المتعلقة بها .
المبحث الأول : الأسس القانونية للمطالبة بالتعويض .
المبحث الثاني : شمول التعويض والإلزام به .
المبحث الثالث : الصعوبات التي تواجه قيام دعوى التعويض .
– الفصل الثاني : موقف الفقه والقضاء السوريين من دعوى التعويض عن الجرم الإرهابي .
المبحث الأول : الموقف والآراء الفقهية في سورية .
المبحث الثاني : الأحكام القضائية الصادرة في سورية .
– الفصل الثالث : دعوى التعويض عن الهجوم الإرهابي في القانون المقارن .
المبحث الأول : الحلول المعتمدة من القانون والقضاء الفرنسيين .
المبحث الثاني : الحلول المعتمدة من القانون والقضاء المصريين .
– خاتمة .
– المراجع .

ملخص البحث :

العنف ، والتطرف ، والإرهاب السياسي مصطلحات ومفردات أصبحت سمة ملازمة للمجتمع المعاصر ، وخاصة في العقود الأخيرة ، وغدت جرائم الإرهاب بلا حدود . إن من حيث التخطيط لها وتنفيذها ، أو لجهة آثارها وعواقبها . وقد جعلت أحداث الحادي عشر من أيلول من الإرهاب والحرب عليه هدفاً لها مع ما أصاب شعوب العالم من ويلات . إلا أن للإرهاب تاريخ سابق لهذه الأحداث منذ تاريخ مغرق في القدم وصولاً إلى تاريخنا المعاصر . وقد دفعت الأمم ثمناً باهظاً من الأرواح والممتلكات تبعاً لذلك ، ولا أدلّ على ذلك مما يمارسه الكيان الصهيوني ممثلاً بإسرائيل من أعمال إرهابية بحق الشعب الفلسطيني بالتواطؤ مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي .

فيما يقارب هذه المقدمة ومن خلال مبحث تمهيدي تطرق الباحث إلى التحدث عن ماهية جريمة الإرهاب وواقعها وشرح مفهومها من خلال التعريف بها لغة ، وفي الفقه والقضاء المقارنين ، فقانون العقوبات السوري يعرّفها بأنها جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والأسلحة الحربية … والتي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً « المادة 304 عقوبات عام » . كما استعرض العناصر الأساسية لهذا الجرم ونوعي المسؤولية والتعويض وفي سببها وأساسها ، وفي التأمين من المسؤولية ، وممارسة الادعاء والجزاء والتعويض بشكل عام .

وبعد أن مهد معدّ البحث لبحثه فيما ذكر انتقل إلى معالجته بشكل تفصيلي ، ففي الفصل الأول تناول دعوى التعويض عن الجرم الإرهابي فالمادة « 4 أصول جزائية سوري » تقرر أن « لكل متضرر الحق بإقامة دعوى الحق الشخصي بالتعويض عن الضرر الناتج عن الجرائم » . وقد كرس وأكد الفقه والقضاء السوريين هذا الحق واعتبرا الشروع في ارتكاب هذه الجريمة كالجريمة التامة ، وإن التعويض عن هذه الجريمة يشمل الضرر المحقق الثابت ، وتحدث أيضاً عن الضرر المادي والمعنوي وكيفية المطالبة بهما وعن تعدد الفاعلين في جرم الإرهاب لأنه غالباً ما يرتكب بواسطة جماعات منظمة ، ويمكن للمتضرر أن يرفع الدعوى عن الفاعلين بالتكافل والتضامن بشرط تحقق ارتكاب كل منهم خطأً في جانبه ، وأن يكون الخطأ الذي ارتكبه سبباً في إحداث الضرر . إلا أن دعوى التعويض قد تلاقي صعوبات في إقامتها ، منها الصعوبات الواقعية العملية كصعوبة التعرف إلى مرتكب الجريمة ، وجسامة الأضرار الناشئة عن جرائم الإرهاب ، وغالباً ما تصيب الجماعات أكثر منها الأفراد .

وتثور في هذا الصدد والسياق أيضاً صعوبات قانونية تتمثل في صعوبة إمكانية مساءلة الدولة في التعويض عن هذه الجرائم سواء لعدم وجود مسؤول عنها أو لعدم معرفته أو إعساره أو صعوبة إقامة الدعوى وتأسيسها نظراً لتعذر الحصول على المستندات المؤيدة لها ، يضاف إلى ذلك عقبات نفسية متمثلة بشعور المتضرر بالخوف والرعب تجعله يتردد في إقامة هكذا دعوى . مما يجعل هذه الدعوى عموماً محفوفة بالمخاطر والصعوبات مما حدا بعض التشريعات القانونية (المصرية والفرنسية) لتجاوز هذه الصعوبات والعقوبات إلا أنه لا بد من معرفة موقف الفقه والقضاء السوريين من دعوى التعويض عن الجرم الإرهابي ، وهذا ما عالجه الباحث في الفصل الثاني من رسالته ، فالآراء الفقهية تنصبّ دائماً على الشق الجزائي لهذه الجريمة ، وبيان أركانها والتجريم فيها ، وتحديد العقوبات المفروضة ، وحسن تطبيقها إضافة إلى الرغبة في الوصول إلى تعريف واضح وشامل للإرهاب .

وهذه الآراء كانت تشير فقط إلى ما يمكن أن يلحق الأفراد من أضرار وخسائر مادية وجسدية ، ولم تتصدّ إلى مسألة التعويض وفي كيفية تقديره ، وقد اعتمد الباحث كتاب الإرهاب الدولي للدكتور محمد عزيز شكري نموذجاً لذلك . كما أن بعض الآراء الفقهية تستبعد جريمة الإرهاب من نطاق الجرائم السياسية وتضعها في نطاق الجرائم العادية وقد فصل الباحث ذلك في ثنايا رسالته .

أما المرجع القضائي المختص الذي يمكن اللجوء إليه للمطالبة بالتعويض وإقامة الادعاء في هذا الصدد فقد أفرد له معدّ الرسالة مبحثاً مستقلاً مستعرضاً فيه المحكمة المختصة وهي محكمة أمن الدولة العليا ومبيناً تأريخ تأسيسها واختصاصاتها وتشكيلها وطبيعة الدعوى أمامها وقراراتها ، فقد أُحدثت هذه المحكمة بموجب المرسوم التشريعي رقم 47 تاريخ 28/3/1968 للنظر بقضايا لها صفة خاصة وتتبع إجراءات استثنائية . وقد عدّد الباحث الجرائم التي تنظر بها هذه المحكمة ، وتتأتى صلاحية محكمة أمن الدولة العليا للنظر في جرائم الإرهاب المنصوص عنها في المادتين 304 – 305 عقوبات عام من أنها واقعة على أمن الدولة ، وإن الأحكام التي تصدر عن هذه المحكمة تكون مبرمة وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن ، ولا تكون نافذة إلا بعد التصديق عليها من قبل رئيس الجمهورية ، أو من يفوضه . وإنه وخلافاً لباقي المحاكم الاستثنائية كالقضاء العسكري ، والمحكمة الميدانية يمكن لمحكمة أمن الدولة العليا أن تحكم بالحقوق الشخصية أو التعويضات المدنية الناجمة عن الجرائم في الدعاوى التي تفصل فيها ، إلا أن جرم الإرهاب وما يتصف به من سرية تجعل مسألة الحكم بالتعويض للمتضرر في غاية الصعوبة . وقد تطرق معدّ الرسالة إلى أحكام قضائية أصدرتها المحكمة بالدراسة والتعليق .

أما دعوى التعويض عن الجرم الإرهابي في القانون المقارن فهي عنوان الفصل الثالث والأخير من الرسالة ، فالإرهاب كظاهرة عالمية لم يقتصر مداه وأثره على شعب أو أمة أو دولة بذاتها ، بل طال معظم الشعوب التي جعلت من محاربته ضرورة ملحة وقد اعتمد الباحث القانونين الفرنسي والمصري نموذجاً في البحث لهذه الناحية .

فالقانون الفرنسي وخاصة القانون رقم 3 لعام 1977 قضى في المادة الثانية منه على إنشاء لجنة خاصة بتعويض الأضرار الناشئة عن جريمة الإرهاب تدعى « civi » أما إجراءات طلب التعويض فهي تتمثل بطلب يتقدم به المتضرر خلال مدة ثلاث سنوات من تاريخ وقوع الجرم ، وتلتزم الدولة بالمبالغ التي تحكم بها هذه اللجنة ، وأساس التزام الدولة هو الضمان أو التضامن أو التكافل الاجتماعي . وقد عُدّل هذا القانون لمصلحة المتضرر وبصفة أصلية ، باعتبار قرارات هذه اللجنة واجبة التنفيذ فوراً ولا تقبل المعارضة أو الاستئناف ، إلا أنه وللحكم بالتعويض وفق القانون 3 لعام 1977 شروطاً منها أن يكون ناشئاً عن جريمة من جرائم العنف ، وأن يكون شخصياً ومباشراً ، أما مدى شمول هذا التعويض فهو الأضرار الجسدية الجسيمة كالوفاة والعجز الدائم (المادة 706 أصول جزائية فرنسي) إضافة لنفقات العلاج وما فات من كسب وتلتزم اللجنة بالتعويض عن الضرر الأدبي كالألم الحسي أو النفسي على أن يكون مرتبطاً بالضرر الجسدي . كما أنه يمكن المداعاة تبعاً للقانون الفرنسي بموجب قانون 7 يناير 1983 ، فالدولة مسؤولة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن الجرائم التي ترتكب بواسطة التجمهر والتجمعات على أن يشمل التعويض الأضرار الجسدية والمادية ، كما أن المشرع الفرنسي أنشأ ما يعرف بصندوق الضمان الخاص بضحايا الإرهاب بموجب قرار 27 اكتوبر 1989 ويمول هذا الصندوق من شركات التأمين وتطبق أحكام هذا القرار على جميع جرائم الإرهاب التي تقع في الأراضي الفرنسية بغض النظر عن شخص المتضرر والأساس القانوني الذي يقوم عليه هذا الصندوق هو فكرة التضامن ، والمسؤولية الاجتماعية ، والتعويض يشمل كافة الأضرار الجسدية والخسارة الفائتة والضرر النفسي .

أما القانون المصري فقد تدخل لإجراء التعديلات اللازمة في قانون العقوبات والإجراءات الجنائية (الأصول الجزائية) بغية ردع هكذا أفعال ، ونص المشرع على ذلك في المادتين (86 و 88) عقوبات على الجرائم الإرهابية ، وقد شدد المشرع المصري العقوبة على مرتكبي هذه الجرائم ، وحصر النظر فيها بمحاكم أمن الدولة العليا المنشأة بموجب القانون 105 لعام 1980 . إلا أن المشرع المصري لم يُجز الادعاء المدني أمام المحكمة المختصة بنظر جرائم الإرهاب وبالتالي لا يجوز الادعاء بالتعويض والمطالبة به أمام محاكم أمن الدولة ولا يبقى أمام المتضرر سوى سلوك طريق المحكمة المدنية المختصة للمطالبة بالتعويض مع ما يترتب على ذلك من صعوبات في الإجراءات والإثبات . وقد ذهب المشرع المصري بالنص على عدم سقوط الدعوى المدنية الناشئة عن جرائم الإرهاب بالتقادم « المادة 199 إجراءات جنائية » .

وقد أنهى معدّ الرسالة بحثه بخاتمة خلص فيها إلى أن المتضرر من الجرم الإرهابي يقف أمام القضاء السوري محاطاً بصعوبات وعوائق تحول دون حصوله على حقوقه في التعويض ، وتأتي في مقدمة هذه الصعوبات السرية التي تحيط بالواقعة الإرهابية ، الأمر الذي يجعل الإثبات عسيراً في الدعوى المقامة أمام القضاء المدني ، وتمنى الباحث على المشرع السوري أن يحذو حذو التشريعات العالمية لا سيما التشريع الفرنسي لجهة إتاحة المجال للمتضرر من المطالبة بالحقوق الشخصية وفق نصوص خاصة ومختصرة ترفع عن كاهله العناء والصعوبات كل ذلك في هدى الدستور السوري والتي تنص بعض مواده على كفالة حق التقاضي وممارسة الحقوق … على أن يرافق ذلك إقرار آليات علمية ومهنية كفؤة ومتخصصة في هذا الشأن .
البحث متفرد لجهة ندرة من تطرق إلى هكذا موضوع ، ومادته العلمية جيدة ، وقد بُذل فيه جهد ملموس ، إلا أنه غابت منهجية البحث عنه ، وبقيت المادة العلمية مبعثرة ومكررة ، وصاحَب البحث اختناقات لجهة توظيف وتصريف المادة العلمية في مسارات البحث ، فلو كلف الباحث نفسه عناء إعادة النظر والمراجعة والتدقيق الطباعي واللغوي لأخرج بحثه في حلة جيدة ، وفقه الله .

عرض وتلخيص المحامي مازن النهار (هيئة التحرير)

(*) للاستزادة ، الرجوع إلى المقالات التالية : مقال بعنوان : النسب والخبرة ، للمحامي الأستاذ سعدي أبو جيب منشور في « المحامون » 5 ، 6 لعام 2006 صفحة 27 ، أيضاً مقال بعنوان : حجية البصمات الوراثية في إثبات النسب (دراسة مقارنة) للمحامي الدكتور فواز صالح ، منشور في « المحامون » 7 ، 8 ، 9 لعام 2007 صفحة 925 ، أيضاً مقال بعنوان : دور البصمات الوراثية في القضايا الجزائية ، للمحامي الدكتور فواز صالح ، منشور في « المحامون » 7 ، 8 لعام 2010 صفحة 1014 . (المجلة) .