أبحاث قانونية ودراسات حول توريق الديون وضوابطه في التعاملات الشرعية

مقال حول: أبحاث قانونية ودراسات حول توريق الديون وضوابطه في التعاملات الشرعية

بقلم ذ علاء حسين علي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

أستاذ القانون المدني والمعاملات المدنية المساعد جامعة الانبار-كلية القانون والعلوم السياسية
يعد تأمين السيولة النقدية و توفير قنوات جديدة تتدفق منها رؤوس الأموال , من العوامل الرئيسية لتطور أسواق المال و المصارف بصورة عامة هذان السوقان اللذان يعدان محور النمو الاقتصادي لأي دولة و هذا

ما سعت نحوه المؤسسات المالية في الدول الكبرى التي ما انفكت تبحث عما يؤمن لها السيولة النقدية اللازمة لديمومة نشاطها و تطوره , و قد أظهرت تجارب البحث عن رأس المال صيغ جديدة للتمويل منها ما صار يعرف بـ ( توريق الديون ) Securitization of Assets و الذي كسبت من خلاله مؤسسات المال العالمية مزايا لم تكن تحصل عليها سابقاً مما أنعكس بشكل إيجابي على نشاط هذه المؤسسات , فأقبلت هذه المؤسسات على ممارسة نشاط التوريق فأتسع النشاط .ووسع من أسواق المال و المصارف في الدول الكبرى و حقق لها طفرات ملحوظة في النمو الاقتصادي

وعلى مزايا التوريق وقعت عين الدول النامية والمؤسسات المالية الإسلامية بعد إن لمست به علاجاً للمشاكل التي تحد من نموها الاقتصادي متمثلة بارتفاع تكاليف الحصول على السيولة النقدية والمديونية العامة المتزايدة و ضعف أسواقها المالية.
بيد أن جني المنافع الاقتصادية من اتفاق التوريق لا يتم دون أن تستند هذه العملية على ضوابط شرعية بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، وعلى منظومة واسعة من الأدوات المادية و التشريعية بوجود الأسواق المالية الفاعلة و المؤسسات المالية و المصرفية المؤهلة لإبرام صفقات التوريق وجهات الرقابة و المحاسبة و وكالات التصنيف الائتماني ووجود القوانين التي تحكم التوريق من الناحية العقدية و الضريبية و المحاسبية , و هذا ما تنبهت له الدول التي تسعى لدمج آلية التوريق في نظامها القانوني و المالي كالهند و مصر و لبنان و معظم الدول النامية .

و لقد شدتنا النتائج الإيجابية التي حققها توريق الديون على الصعيد العالمي و مسعى بعض الدول للاستفادة منه إلى بحثه بغية إبراز جوانبه الشرعية والقانونية بوصفه عملية عقدية يمكن توظيفها وفق ضوابطها الشرعية لعلاج مشاكل اقتصادنا الوطني التي لا تقل عن مشاكل بقية الدول النامية إن لم تزد عليها جراء التقلبات السياسية و الاقتصادية التي مر بها البلد و التي خلفت اقتصاداً محطماً فلا سوق لرأس المال يعتمد عليه ولا سوق مصرفية فاعلة , و لم تـثن عزيمتي كون التوريق من المواضيع الحديثة التي لم تطرق سابقاً و التي يشح معينها الفقهي فضلاً عن كونه محوراً لإختلاف الآراء لا على صعيد الدول التي هي في طور تجربة هذا النظام التمويلي الجديد و إنما على صعيد الدول التي استوى فيها التوريق على سوقه و انتفعت من مزاياه . فضلا عن انه منتج تمويلي جديد بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية لابد من تجلية محاذيره الشرعية وشبهاته الربوية.

وقد تناولت الموضوع من ثلاثة محاور الأول حاولت فيه تأصيل فكرة التوريق و ذلك بتعريف التوريق و الوقوف على مراحل تطوره و إبراز مزاياه و مخاطره ومدى شرعيته في سوق التمويل الاسلامية، أما المحور الثاني فتناولت فيه أشخاص اتفاق التوريق و آلياته القانونية، في حين حاولت في المحور الثالث الوقوف على ابرز الشروط العقدية في . صفقات التوريق و الضمانات اللازمة لنجاح هذه الصفقات

المبحث الأول تأصيل فكرة التوريق
سنتناول في ثلاثة مطالب تأصيل فكرة التوريق من حيث التعريف بها و بيان الجدوى منها في ما تحققه من مزايا و ما تحتمله من مخاطر ومدى شرعيتها في تعاملات المؤسسات الاسلامية

المطلب الأول التعريف بالتوريق
ماذا يراد بتوريق الديون ؟ وكيف نشأ كظاهرة ثم تطور كنشاط ؟ سنحاول الإجابة عن ذلك فيما يأتي
الفرع الأول / معنى التوريق
عرف التوريق اصطلاحاً بأنه تجميع موجودات متشابهة ذات طبيعة غير سائلة و نقل حيازتها إلى منشأة ذات غرض خاص تقوم بدورها بإصدار أوراق مالية لها حق في هذه الموجودات بعد الحصول على تصنيف ائتماني و بالتالي يكون التوريق عملية تحويل تدفقات نقدية مستقبلية إلى تدفقات نقدية حالية

وقد عرف أيضا بأنه الممارسة التي من شأنها تجميع أكبر عدد من القروض الممنوحة غير القابلة للتسييل وتجميعها في وعاء واستخدامها في إصدار أوراق مالية لبيعها للمستثمرين

أو هو تحويل ديون متجانسة بعد أن تجمع هذه الديون المتشابهة ( كديون القروض العقارية ) في شكل محفظة ثم تباع هذه المحفظة إلى المؤسسة التي تتولى توريق هذه الديون، و يرى البعض عملية التوريق بأنها عبارة عن بيع البنك بعض أصوله المتمثلة بسندات مديونية لمبالغ اقترضها منه بعض المدينين و المضمونة بحق رهن أو ملكية بسعر منخفض لمنشأة متخصصة غالباً ما تكون بنكاً متخصصاً الذي يقوم بدوره بإصدار أوراق مالية بشكل سندات بعلاوة إصدار و بقيمة تعادل قيمة الديون محل التوريق و طرح هذه السندات للاكتتاب العام و مشتري هذه السندات يحصل على قيمتها الأصلية مع الفوائد من قيمة الديون التي باعها البنك للشركة مصدرة السند بضمان الرهن المقدم للبنك من مدينيه

مما تقدم يمكن تحليل عملية التوريق بأن هناك مصرفاً أو مؤسسة مالية لها ديون على الغير لم تحل آجالها بعد و غالباً ما تكون هذه الديون مبالغ قروض منحتها المؤسسة للمدنيين , و في سبيل أن تحصل المؤسسة مالكة الدين على نقد سائل لتمويل أنشطتها تقوم ببيع هذه الديون إلى مؤسسة مالية متخصصة بسعر منخفض و تقوم هذه المؤسسة بتحويل الديون المشتراة إلى سندات و تطرحها للاكتتاب العام , و المستثمر الذي يشتري هذه السندات بفائدة ربوية مغرية يحصل على هذه الفائدة الدورية مع أصل مبلغ السند من قيمة الديون الأصلية و فوائدها التي تكون للبائع على المدينين, و لهذا يراعى توافق تواريخ استحقاق السندات المالية المصدرة للمستثمرين و عوائدها مع تواريخ استحقاق أقساط الديون و فوائدها , و توافق مقدار الفوائد المقدرة على السندات المطروحة مع مقدار فوائد الديون المنقولة لتوفير هامش ربحي لمؤسسة التوريق

و تجدر الإشارة إلى أن توريق الديون يسمى أحياناً (تسنيد الديون ) تعبيرا عن شكل التوريق الذي يكون بإصدار سندات مالية بالديون المنقولة , فالدين المسند هو الدين المورق . وعلى هذا يقوم التوريق على فكرة بيع الديون لغير مدينيها ومن يشتري هذه الديون يتولى تصكيكها أي تحويلها الى صكوك او أوراق مالية، وعلى أساس هذه الفكرة ينبني الموقف الشرعي من توريق الديون كما سنرى

الفرع الثاني : تطور نشاط التوريق
حصلت أول عملية توريق في العالم مطلع السبعينات في الولايات المتحدة الأمريكية , وذلك بعد الحرب العالمية الثانية حيث زاد الطلب على المساكن قابله نقص في تدفقات رؤوس الأموال وفي سبيل تنمية صناعة المساكن قامت الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة و من خلال مجلس التمويل الفدرالي بمنح القروض المضمونة برهون عقارية , ولتمويل منح القروض قامت مؤسسة الرهون الوطنية بتوريق أو تحويل عدد من القروض السكنية الممنوحة لطالبي السكن إلى سندات مالية تتداول في البورصات ألأمريكية, ثم توالت بعد هذا عمليات التوريق وفي بداية الثمانينيات حصلت أول عملية توريق خارج الولايات المتحدة وبالتحديد في بريطانيا وبقى بعد هذا نشاط التوريق حكراً على المؤسسات المالية في الدول الصناعية الكبرى إلى عام 1990 .وبعد النجاح الذي حققته صفقات التوريق أتسع حجم الاستثمار به إذ قد ناهز سوق التوريق في الولايات المتحدة عام 1994 (500) مليون دولار , وفي نفس العام وبمبلغ مماثل قدرت قيمة القروض المورقة بالسندات الأوربية, وصارت كل التدفقات النقدية قابله للتوريق بعد أن كان الاستثمار بالتوريق محصوراً من عام 1970-1990 بالقروض السكنية و قروض السيارات و البطاقات الائتمانية , بل قد دخل التوريق في الوقت الحاضر صناعة التأمين حتى في اشد أنواعه خطورة و هو التأمين على الحياة و صارت شركات التأمين تحول محافظها إلى شركات التوريق لتصدر سندات بالديون التي للمؤمن على المؤمن لهم

و في نهاية التسعينات و بداية القرن الحالي خرج التوريق من احتكار أسواق المال في الدول الكبرى ليدخل أسواق المال في الدول النامية كالهند و مصر و التي لازال فيها نشاط التوريق وليداً بمراحله الأولى , ففي مصر مثلاً فإنه من أصل (512) شركة مدرجة في البورصة إلا أن عدد الشركات المصدرة لسندات التوريق لا يتجاوز (6 ) شركات و إنه حتى عام 2007 لم يصدر في مصر سوى (52) سنداً مورقاً بنحو (13,8 مليار جنيه أو ما يعادل 2.5 مليار دولار ) و بلغت السندات الحكومية منها (35) سنداً

المطلب الثاني جدوى التوريق
الوقوف على الجدوى من توريق الديون يستلزم بيان مزايا التوريق و تحديد مخاطره و من ثم الموازنة بينهما و كما يأتي:

الفرع الأول / مزايا التوريق
: يمكن أن يحقق التوريق للمؤسسات المالية ما يأتي –
تحرير المصارف و المؤسسات المالية من قيود الميزانية العمومية حيث تقضي القواعد المالية و المحاسبية مراعاة مبدأ كفاية رأس المال بتدبير مخصصات تدرج لمقابلة الديون المشكوك فيها و هو ما يحد من أنشطة التمويل بشكل عام و يقلل من دورة رأس المال في حين يسمح التوريق بتدوير جزء من الأصول السائلة التي تحصل عليها المؤسسة المالية كمقابل لبيع ديونها على الغير دون أن يتطلب ذلك التدوير زيادة في الجزء المخصص للمخاطر في الميزانية العمومية .

التوريق وسيلة لتحسين السيولة و تحرير رأس المال المرتبط بالديون الآجلة , فبدلاً من أن تنتظر المؤسسة المالية حلول آجال ديونها تبيع هذه الديون بنقد سائل توظفه لتوسيع أنشطتها

تقليل مخاطر الائتمان من خلال إعادة تخصيص وتنويع المخاطر بتحويل المخاطر الائتمانية المتعددة لعدة أصول إلى خطر ائتماني واحد فبدلاً من أن تكون المؤسسة المنشئة أو البادئة للتو ريق مطالبه بتحصيل دينها من مجموعة كبيرة من المدينين للحصول على السيولة النقدية المطلوبة فأنها ستحصل عليها من مصدر واحد فقط الاوهو المؤسسة التي ستشتري هذه الديون

تنشيط السوق الأولية في بعض القطاعات الاقتصادية كقطاع العقارات و السيارات ذلك أن توفير السيولة النقدية للمؤسسات بائعة الديون سيعطيها القدرة على ألإقراض في مختلف المجالات

توريق الديون المشتراة على شكل سندات مالية و طرحها للاكتتاب العام سيساهم في جذب مجموعة من المستثمرين مما ينشط سوق تداول السندات

: يمكن أن يحقق التوريق للدول النامية فضلاً عن المميزات السابقة ما يأتي –
أ- يوفر لمؤسسات هذه الدول المالية تمويلاً طويل ألأجل من أسواق المال العالمية و بتكلفة أقل ذلك أن التصنيف الائتماني الذي على أساسه تمنح القروض عادة ما يكون متدني لهذه الدول و بالتالي لمؤسساتها المالية فيصعب عليها الحصول على قروض طويلة ألأجل من أسواق المال العالمية فتلجأ إلى توريق موجوداتها للحصول على تمويل مناسب يحسن من تصنيفها الائتماني

ب – تنشيط السوق المحلية الراكدة و تفعيل قطاعات هذه الدول الاقتصادية التي تعاني الكساد كسوق العقارات و المساكن فمن خلال عوائد التوريق تستطيع المصارف أو المؤسسات المالية المتخصصة بالإقراض كشركات الإقراض العقاري من التوسع في منح القرض العقارية لطالبي العقارات و المساكن , فتنشط سوق العقارات مما يساهم في حل أزمة السكن و تتوفر فرص عمل جديدة و بالتالي يمكن تحقيق زيادة في النمو الاقتصادي

ج – تخفيف حدة المديونية الخارجية لهذه الدول من خلال توفير تمويل جديد لديونها عن طريق توريق إيراداتها الخارجية و وضع العائد في حساب خارجي مما يقلل من مخاطر تخلفها عن الوفاء بديونها

الفرع الثاني / مخاطر التوريق
تواجه توريق الديون بعض المخاطر التي يمكن أن تحد من الرغبة في ممارسته و ذلك على النحو الآتي :
خطر الإفلاس و العجز عن الوفاء بالالتزامات تجاه المستثمرين حملة السندات و يتمثل هذا الخطر في ما يأتي :

عجز المدينين عن الوفاء بقيمة الديون المورقة أو تأخرهم في الوفاء مما سيهدد ثقة المستثمرين حملة السندات الذين كانوا سيحصلون على قيمة هذه السندات و عوائدها الربوية مما يدفعه هؤلاء المدينين
إفلاس المؤسسة المالية بائعة الديون و امتداد آثار هذا الإفلاس إلى مؤسسة التوريق مما يهدد بضياع حقوق حملة السندات و يقوض الثقة بصفقات التوريق برمتها

ج – خطر العجز عن الوفاء قد تخلقه طبيعة بعض الديون المورقة فقد تكون هذه الديون ثمن لبضائع أو خدمات بذمة مشتريها ثبت أنها معيبة مما يؤدي إلى عدم الوفاء بها و من ثم عدم الوفاء بقيمة السندات التي ورقت بها هذه الديون أو ربما تكون هذه الديون أقساط أجرة أو واردات عقد امتياز تحصل عليها المؤسسة المالية مقابل تخويلها المدين الممنوح له الامتياز حق استعمال أسمها أو علامتها التجارية , فيتوقف المدين بأقساط الأجرة عن الوفاء لعدم تمكنه من الانتفاع بالمأجور بالشكل المطلوب , أو يتوقف الممنوح له الامتياز عن دفع مقابل الامتياز لعدم تحقيقه الأرباح ذلك أن هذا المقابل يتحدد على أساس ما يحققه الممنوح له الامتياز من أرباح جراء الانتفاع بموضوع عقد ألامتياز , و هذا كله يعرض حقوق المستثمرين حملة السندات التي ورقت بها هذه الديون لخطر عدم الوفاء

و المثل الآخر على السندات الخطرة هو توريق الديون التي لشركات التأمين على المؤمن لهم لاسيما في أطار التأمين على الحياة ( Life insurance securitization ) , فقد يتوقف المؤمن لهم عن دفع أقساط التأمين المورقة , و قد يتحقق الخطر المؤمن ضده فتعجز شركات التأمين عن تغطيته و تتعرض للإفلاس مما يخلق خطراً جديداً يواجه حملة السندات , و هو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية حول طبيعة هذه السندات ،كما واختلفت القوانين الوضعية المقارنة في السماح بتوريق هذه الديون التي قد تكون صعبة السداد أو ربما تكون ديون معدومة : وقد ظهر في هذا الصدد اتجاهان

_ الاتجاه الأول يعرف بالاتجاه اللائحي ومفاده أن القانون هو الذي يحدد على سبيل الحصر الأصول التي يمكن توريقها بلائحة تصدر بهذا الخصوص كالقانون التشيلي

_الاتجاه الثاني يعرف بالاتجاه التعاقدي والذي ينظر إلى التو ريق بأنه عملية عقدية الأصل أن يستقل أطرافها بحرية في تنظيمها بحدود القانون والنظام العام وعلى المشرع أن ينأى عن التدخل فيها وبذلك تكون القاعدة أن أي ديون صالحة للتوريق ما لم يحظر المشرع توريق بعض هذه الديون وقد تبنى هذا الاتجاه القانون الأرجنتيني

2- خطر انخفاض قيمة العملة الوطنية ذلك أن التوريق يفتح الباب أما الاستثمارات ألأجنبية مما يؤدي إلى الاعتماد على العملة ألأجنبية على حساب عملة البلد الوطنية

3- خطر تقلبات أسعار الفوائد الربوية على حملة السندات فإذا كان سعر الفائدة على هذه السندات ثابتا ثم ارتفعت أسعار الفوائد في السوق فإن المستثمرين سيخسرون أرباح متوقعة

4- عدم وجود بيئة مناسبة لاتفاقات التوريق كما هو الحال في الدول النامية وذلك أن نشاط التوريق يستلزم وجود تشريعات ناظمة و أسواق مال فاعلة و جهات رقابة و محاسبة تقيّم عوائد التوريق و مخاطره فغياب هذه المستلزمات ينذر بفشل نشاط التوريق و يصيب صفقات التوريق بالخسارة فمثلاً غياب التنظيم القانوني من الناحية الضريبية و المحاسبية يؤدي إلى فرض ضرائب مزدوجة على نشاط التوريق فضلاً عن رسوم التسجيل و إصدار السندات و هو ما يقلل من فرص تحقيق الأرباح من نشاط التوريق مما يعيق انتشاره

5-أن عمليات التوريق وفق الأساليب التي مرت بنا تعد من العمليات غير الشرعية لتضمنها الربا وقيامها على ميزة الفائدة الربوية فضلا عن تضمنها لبيع الديون لغير المدينين بفوارق ربوية، مما يجعلها غير مشروعة في أسواق التمويل الإسلامية. فضلا عن انها تؤدي الى تعاظم المديونية حيث ان الأصول المورقة تحول هي الأخرى الى سندات قرض او مديونية لذا كان التمادي في عمليات التوريق في الأسواق العالمية أحد أسباب الازمة المالية الحالية، فيتعين مع خطورة عمليات التوريق التقليدية وعدم مشروعيتها إيجاد عمليات توريق شرعية بديلة خاضعة للضوابط الشرعية

موازنة :-
من عوامل نجاح عمليات التوريق على صعيد الدول الكبرى هو وجود منظومة واسعة من الأدوات التشريعية و المادية اللازمة لضبط إيقاع هذا النشاط و التي قللت من المخاطر المحتملة التي تواجهه أما على صعيد الدول النامية وبالأخص الدول الاسلامية التي تتطلع لتجربة هذا النظام التمويلي الجديد فإن التوجه نحو تفضيل التعامل بالتوريق يستلزم أولا اخضاعها للضوابط الشرعية وإيجاد عمليات توريق مشروعة، ومن ثم توفر منظومة قوانين تحكم التوريق وفق الضوابط الشرعية من حيث الشروط و الضمانات و من الناحية الضريبية و التنظيمية و تضم الأدوات المادية المتمثلة بأسواق المال الفاعلة و مؤسسات التوريق المنضبطة و جهات الرقابة و المحاسبة و وكالات التصنيف الائتماني , و إلا لأختنق النشاط في هذه الدول قبل ولادته

المطلب الثالث مدى شرعية التعامل بالتوريق لدى المؤسسات الإسلامية
التوريق كما عليه العمل في المؤسسات التقليدية بالشكل الذي مر بنا غير جائز شرعا، حيث قرر مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الحادية عشرة بأنه “لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه، لإفضائه إلى الربا، كما لا يجوز بيعه بنقد مؤجل من جنسه أو غير جنسه؛ لأنه من بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه شرعاً، ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئاً عن قرض أو بيع آجل”. وجاء في القرار الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة في 2002 بشان موضوع التوريق وبيع الدين(جواز بيع الدين للمدين نفسه بثمن حال، لأن شرط التسليم محقق، إذ إن ما في ذمته مقبوض حكماً. وتحريم بيع الدين للمدين بثمن مؤجل أكثر من مقدار الدين (أي: جدولة الديون) لأنه من صور الربا. كما يحرم شرعاً بيع الدين لغير المدين بثمن مؤجل، لأنها من صور بيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين). ولا يجوز توريق الديون بحيث تكون قابلة للتداول في سوق ثانوية، لما فيه من بيع الدين لغير المدين على وجه يشتمل على الربا)

بعد ذلك صدر عن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد في دورته التاسعة : عشرة عام 2009 القرار الاتي بخصوص موضوع توريق الديون والصكوك الإسلامية
التوريق التقليدي هو تحويل الديون إلى أوراق مالية (سندات) متساوية القيمة قابلة للتداول، وتمثل هذه السندات ديناً بفائدة لحاملها في ذمة مصدرها، ولا يجوز إصدار هذه السندات ولا تداولها شرعاً.

التوريق الإسلامي هو إصدار وثائق أو شهادات مالية متساوية القيمة، تمثل حصصاً شائعة في ملكية موجودات-أعيان أو منافع أو حقوق أو خليط من الأعيان والمنافع والنقود والديون-قائمة فعلاً، أو سيتم إنشاؤها من حصيلة الاكتتاب، وتصدر وفق عقد شرعي وتأخذ أحكامه. وعلى هذا يتمثل الفرق الأساس بين التوريق التقليدي والتوريق الإسلامي في انه يملك المستثمرون في الصكوك الإسلامية (القابلة للتداول) أصولاً حقيقية، سواء أكانت أعياناً أم منافع أم خدمات، ويتحمل المستثمرون في الصكوك الإسلامية جميع المخاطر المرتبطة بالأصل، كونها شركة قائمة على الربح والخسارة. كما لا يمكن تداول الصكوك الإسلامية التي تستثمر بصيغ مولدة لديون، مثل: عقود المرابحة وعقود السلم

وعلى هذا اصبح الموقف الفقهي يقتضي التفريق بين نوعين من المديونية: مديونية النقود، ومديونية السلع (عروض التجارة) وكما يلي:

أ – توريق الدين النقدي:
إذا كان الدين الثابت في الذمة المؤجل السداد نقودًا، فقد اتفقت كلمة الفقهاء على عدم جواز توريقه، وامتناع تداوله في سوق ثانوية، سواء بيع بنقد معجل من جنسه – حيث إنه يكون من قبيل حسم الكمبيالات، وينطوي على ربا الفضل والنساء باتفاق الفقهاء -أو بيع بنقد معجل من غير جنسه، لاشتماله على ربا النساء، وذلك لسريان أحكام الصرف عليه شرعًا. ولا فرق في ذلك الحكم بين ما إذا كان سبب وجوب الدين النقدي في الذمة قرضًا أو بيعًا أو إجارة أو غير ذلك. وبناءً على ذلك فلا يجوز توريق دين المرابحة (المصرفية) المؤجل، وتداوله من قبل المصارف الإسلامية، أو الأفراد في سوق ثانوية أو عن طريق البيع المباشر بنقد معجل أقل منه، كما يجري في عمليات توريق الديون المختلفة وتداولها في سوق الأوراق المالية، حيث إن ذلك من الربا باتفاق أهل العلم.

: ب -توريق الدين السلعي
إذا كان الدين الثابت في الذمة – المؤجل الوفاء – سلعيًّا، بأن كان مبيعًا موصوفًا في الذمة، منضبطًا بمواصفات محددة، طبقًا لمقاييس دقيقة معروفة، سواء أكان من المنتجات الزراعية كالحبوب أو الحيوانية كالألبان ومشتقاتها أو الصناعية كالحديد والإسمنت والسيارات والطائرات أو من منتجات المواد الخام كالبترول والغاز الطبيعي أو نصف المصنعة كالنفط وغيرها … فإنه يمكن تخريج جواز توريقه على قول الإمام أحمد الذي رجحه ابن تيمية وابن القيم – وهو وجه عند الشافعية أيضًا – بجواز بيع الدين المؤجل من غير المدين بثمن معجل إذا خلا من الربا ، وكذا على مذهب المالكية القائلين بجواز بيعه إذا لم يكن طعامًا، وسلم من الغرر والربا وبعض المحظورات العارضة الأخرى التي ذكروها، مع مراعاة ما تلزم مراعاتها من القيود والشرائط الشرعية

أما عن حكم بيع صكوك المضاربة لدى البنوك الإسلامية، التي تمثل حصصًا شائعةً في وعاء المضاربة، فيفرق في شأنها بين ثلاث حالات: أن تكون موجودات وعاء المضاربة سلعًا عينية. فهذه لا حرج شرعًا في بيع صكوكها بنقود معجلة أقل من قيمتها السوقية أو أكثر أو مساوية، ولا حرج أيضًا في شراء المساهم (الجديد) حصة المساهم (الخارج)، لأن ذلك كله من قبيل بيع الأعيان بالنقود المعجلة، ولا ينطوي على صريح الربا أو شبهته، وهو خالٍ أيضًا من الغرر المحظور شرعًا، والأصل فيه الحل والمشروعية. أن تكون موجودات وعاء المضاربة ديون مرابحات مؤجلة فقط. فهذه الديون لا يحل توريقها، ولا يجوز بيع صكوكها بنقود معجلة أقل من مقدار الديون المؤخرة، كما أنه لا يجوز شراء مساهم (جديد) حصة مساهم (خارج) بنقود ناجزة أقل من المقدار المؤجل الذي تمثله، لاشتمال ذلك على الربا.

أن تكون موجودات وعاء المضاربة خليطًا من سلع عينية (ونحوها من المنافع) وديون مرابحات. وفي هذه الحالة يفرق بين صورتين:

الأولى: أن تكون قيمة الأعيان (ونحوها من المنافع) أكثر من مقدار الدين الموجود في الوعاء، وعندها يسري على هذه الصورة حكم الحالة الأولى، وهو الحل والجواز.

الثانية: أن تكون قيمة الأعيان والمنافع أقل من مقدار دين المرابحة، وعندها يسري على هذه الصورة حكم الحالة الثانية، وهو الحرمة والحظر.

وقد جاء تأكيد ذلك في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة حول سندات المقارضة وسندات الاستثمار وقد اشترط لقبول صكوك المضاربة ما يأتي:

أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب، باعتبار ذلك مأذونًا فيه من المضارب عند نشوء الســندات، مع مراعاة الضوابط التالية:
‌1-إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودًا، فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد، وتطبق عليه أحكام الصرف.

‌2-إذا أصبح مال القراض ديونًا، فتطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون
‌3-إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع، فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقًا للسعر المتراض عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانًا ومنافع. أما إذا كان الغالب نقودا أو ديونا فتراعى في التداول الأحكام الشرعية في أحكام بيع النقود والديون

غير أن عدم جواز توريق المديونية النقدية باعتباره لونًا من حسم الأوراق التجارية لا يعني إغلاق باب المشروعية بالكلية أمام فكرة توريق الدين النقدي، وذلك لأننا لو طورنا مفهوم التوريق التقليدي السائد، ووضعنا بعض القيود الشرعية على ممارساته لأمكننا الخروج بصورة مقبولة شرعًا للتوريق. كما لو صككنا الدين النقدي المؤجل على أساس قصر مبادلته على عروض التجارة (أي السلع العينية) الحاضرة، بأن يجعل ثمنًا لها، فيكون ذلك جائزًا شرعًا.

واستناد على كل ما تقدم وسعيا في ضبط عمليات التوريق من الناحية الشرعية صدر المعيار الشرعي رقم (17) بشأن صكوك الاستثمار عن المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية لينص على ما يأتي:
يجوز تداول صكوك الاستصناع أو استردادها إذا تحولت النقود إلى أعيان مملوكة لحملة الصكوك في مدة الاستصناع، أما إذا دفعت حصيلة الصكوك ثمناً في استصناع موازٍ أو تم تسليم العين المصنعة للمستصنع؛ فإن تداولها يخضع لأحكام التصرفات في الديون.

لا يجوز تداول صكوك السلم.
لا يجوز تداول صكوك المرابحة بعد تسليم بضاعة المرابحة للمشتري، أما بعد شراء البضاعة وقبل بيعها للمشتري فيجوز التداول.
يجوز تداول صكوك المشاركة وصكوك المضاربة وصكوك الوكالة بالاستثمار بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك، وبدء النشاط في الأعيان والمنافع.
يجوز تداول صكوك المزارعة والمساقاة بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط إذا كان حملة الصكوك مالكي الأرض. أما إذا كانوا من الملتزمين بالعمل (الزراعة أو السقي)، فلا يجوز تداول الصكوك إلا إذا كان التداول بعد بدء صلاح الزرع أو الثمر.

وتماشيا مع هذه الضوابط الشرعية اصبحت الصكوك (التوريق الإسلامي) إحدى أهم الأدوات المالية الإسلامية التي تسهم بصورة فعالة في تمويل مشروعات البنية التحتية المختلفة، من كهرباء وماء وطرق وسكك حديدية، وقد اعتمد عليها بلدان كثيرة في تمويل المشروعات الكبرى، وتستحوذ ماليزيا وحدها على قرابة نسبة 75% من حجم التوريق الإسلامي حيث تعد ماليزيا رائدة في مجال التوريق الإسلامي، ويقدر حجم سوق السندات الإسلامية الماليزي بنحو 300 بليون دولار أمريكي، وتشكل الصكوك الإسلامية نسبة ( 70 %) من السوق، وتشكل صكوك المرابحة نسبة ( 90 %) من الصكوك الإسلامية المصدرة. وتتفوق الإمارات العربية المتحدة والسعودية على بقية دول الخليج العربي في إصدار هذه الصكوك.

المبحث الثاني أشخاص أتفاق التوريق وآلياته القانونية
من هم أطراف عملية التوريق؟ وما هو دور المدين أو المقترض من المؤسسة بائعة الديون في اتفاق التوريق؟ وما هو دور المستثمر حامل السند في هذا الإنفاق؟ و عند الوقوف على أشخاص أتفاق التوريق لابد من تحديد الآليات القانونية لهذا الاتفاق و ذلك في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول أشخاص أتفاق التوريق
تتم عملية التوريق بين المؤسسة المالية مالكة الديون و المؤسسة التي تشتري هذه الديون و تصدر بها السندات، غير أن هذه العملية لا تنجز دون تدخل أشخاص آخرين كالمدين و المستثمر ووكالات التصنيف الائتماني و سنعرض ذلك في ما يأتي:

الفرع الأول / طرفا عملية التوريق
يبرم أتفاق التوريق بين المؤسسة المالية بائعة الديون (البادئ للتوريق ) و بين المؤسسة المورقة التي تصدر السندات :

البادئ للتوريق ( The originator)
وهذا الاصطلاح يطلق على المؤسسة المالية مالكة الديون والتي تبيعها إلى مؤسسة التوريق بحيث يمكنها وبسرعة و قبل حلول تاريخ استحقاق مديونياتها زيادة قدرتها التحويلية بكلفة منخفضة عن طريق ما تصدره مؤسسة التوريق من السندات بصورة أفضل مما لو يقوم البادئ للتوريق نفسه بإصدار هذه السندات و تحمل مصاريف الإصدار و ما يرتبط به من عمليات الترويج و الدعاية و الاكتتاب .

و لا يشترط أن يكون البادئ للتوريق مصرفاً بل قد يكون شركة تتولى التمويل كشركات الإقراض العقاري التي تمنح القروض العقارية و التي أباح لها قانون التمويل العقاري المصري بيع ديون القروض الممنوحة للمدينين إلى مؤسسات التوريق . وكشركات المضاربة الإسلامية الملتزمة بالضوابط الشرعية كما مربنا.

2- مؤسسة التوريق (المصدر SPV)
و هي عبارة عن مؤسسة متخصصة يطلق عليها مؤسسة ذات غرض خاص The special purpose vehicle و يشار إليها اختصاراً SPV تعبيرا عن أن غرضها فقط شراء الأصول من المؤسسة الراغبة في توريق ديونها فهي لا تمارس غير نشاط التوريق لذا تكون قيمتها الائتمانية عالية، أما عن شكلها القانوني فذلك يعتمد على النظام القانوني للدولة فبعض القوانين كالقانون التشيلي يتطلب أن تكون هذه المؤسسة في صورة شركة أموال بينما قوانين أخرى كالقانون الأرجنتيني يتطلب أن تكون على شكل محفظة أو صندوق استثمار ,على هذا يمكن أن تتخذ هذه المؤسسة عندنا في العراق شكل شركة مساهمة طالما أن لهذه الشركة بموجب المادة (77) من قانون الشركات العراقي رقم(21) لسنة 1997 حق أصدار سندات القرض مما يتماشى مع الوظيفة الأساسية لهذه المؤسسة ، كما أجازت المادة (9) من هذا القانون أنشاء شركات استثمار مالي نشاطها الأساس الاستثمار في الأوراق المالية العراقية من أسهم وسندات، مع مراعاة اخضاعها للضوابط الشرعية في التوريق الإسلامي. وعلى كل حال تقوم مؤسسةspv بإصدار السندات المالية بالديون التي تشتريها لذا يطلق عليها (المصدر) و قد سماها قانون التوريق الهندي لسنة 2002 (reconstruction companies) .

الفرع الثاني / دور الشخص الثالث في اتفاق التوريق
ثمة أشخاص آخرين يؤدون دور كبير في تمام صفقة التوريق و أن لم يكونوا طرفاً في إبرام الاتفاق , و هؤلاء : الأشخاص هم

1- المدينون (The obligors) وهم الأشخاص الذين قام البادئ للتوريق بإقراضهم أو على الأقل أرتبط معهم بعلاقة مديونية وبعد إبرام اتفاق التو ريق يصبح هؤلاء الأشخاص مدينون لمؤسسة التوريق SPV التي اشترت الديون من البادئ للتوريق , أما عن مدى دورهم في اتفاق نقل الديون فسنرى ذلك عند بحث آليات اتفاق التوريق .
2- المستثمرون (The investors) الذين يشترون السندات التي تصدرها مؤسسة التوريق SPV على أن يستردون في التوريق التقليدي المحرم قيمة السندات و فوائدها مما يدفعه المدينون من ديونهم المورقة و فوائدها , لذا كلما زادت ثقة المستثمرين بالسداد المنتظم للديون المورقة و فوائدها كلما زاد الإقبال على اقتناء السندات المالية . وفي التوريق الإسلامي الجائز شرعا المستثمرون هم حملة الصكوك الإسلامية وفق الضوابط التي مرت بنا.

3- وكالات التصنيف الائتماني Rating agencies التي تمنح المؤسسات المالية التصنيفات الائتمانية و كلما زادت درجة التصنيف زادت درجة ائتمان المؤسسة و الثقة بها , أما عن دورها في عمليات التوريق فإنه من الصعب تسويق الأوراق المالية المصدرة بدون التصنيف الذي يساعد المستثمر في قياس مخاطر الأوراق المالية بدقة إذ قبل إصدار هذه الأوراق تقوم وكالات التصنيف بعملية تقيّم الأصول المنقولة ببيان مخاطرها و إعطائها درجة ائتمان بما يزيد الثقة بمؤسسة التوريق ويزيد من إقبال المستثمرين على شراء الأوراق المالية المصدرة فإقبال هؤلاء المستثمرين يعتمد على درجة الائتمان الممنوحة لهذه الأصول .

المطلب الثاني آليات اتفاق التوريق
يقضي اتفاق التوريق بنقل ملكية الأصول من البادئ للتوريق إلى مؤسسة التوريق SPV أما عن الآلية أو القالب القانوني لعملية نقل الديون فأنه من خلال موقف بعض القوانين وتجارب بعض المؤسسات المالية يتبين أنه هناك ثلاث آليات قانونية لنقل الديون هي حوالة الحق وتجديد الالتزام والمشاركة الجزئية مع ملاحظة الضوابط الشرعية للتوريق الاسلامي، وسنبحث ذلك في الفروع الثلاثة الآتية.

الفرع الأول / نقل الديون بحوالة الحق
حوالة الحق عبارة عن نقل الدين من دائن إلى دائن جديد يحل في ذات الحق و يسمى الدائن القديم (المحيل ) و الدائن الجديد ( المحال له ) و المدين الذي لم يتغير ( المحال عليه ) .

إذ يجوز للدائن أن يحول إلى غيره ما له من دين على مدينه أياً كان هذا الدين حتى لو كان معلقاً على شرط أو مضافاً إلى أجل و لا يستثنى من ذلك إلا الديون التي يمنع القانون حوالتها أو يتبين من اتفاق المتعاقدين أو طبيعة الديون أنه لا يمكن نقلها للغير في الحوالة .

وتنعقد الحوالة بين المحيل والمحال له بالشروط اللازمة لانعقاد وصحة كل العقود ويحكم عقد البيع العلاقة بينهما طالما أن التنازل عن الديون قد تم بمقابل .
على هذا يمكن التنازل بالحوالة عن ديون البادئ للتوريق إلى مؤسسة التوريق SPV , فقد حدد المرسوم الفرنسي في 9/3/1989 القاضي بتنفيذ القانون رقم (1291 ) في 23/ 12/ 1988 الخاص بالمنشات المعنية بالنقل المجمع للأوراق المالية حوالة الحق كطريق وحيد لنقل ملكية الديون لمنشأة الائتمان الوسيطة ( مؤسسة التوريق ) على أن يرفق باتفاق التوريق قائمة تتضمن ( اتفاق الحوالة , عبارة تفيد خضوع الحوالة للقانون المشار إليه , تعيين المحال له , تعيين و تفريد الديون المحالة , التفاصيل الخاصة بالمدينين ،إجمالي مبالغ الديون المحالة و تواريخ استحقاقها , الأساليب المقبولة للوفاء بالديون , عبارة تفيد التزام المحيل بضمان الأصول ) .

و أشترط الفقه الإنجليزي على طرفي اتفاق التوريق عند نقل الأصول في صورة حوالة حق مراعاة امكانية نقل الديون بالاطلاع على وثائق هذه الديون و الأنظمة القانونية المطبقة و التأكد من مدى اشتراط موافقة المدين على الحوالة المبرمة بين طرفي اتفاق التوريق وفق النظام القانوني المطبق .

وقد اعتمد قانون التمويل العقاري المصري رقم (148) لسنة 2001 حوالة الحق طريقاً قانونياً لنقل ملكية الأصول من شركات الإقراض العقاري إلى مؤسسة التوريق ولا توجد في ثنايا القانون ما يشير إلى إن حوالة الحق هي الطريق الوحيد لنقل الأصول .

وفي عمليات التوريق الإسلامي كما مر بنا فأن التوريق المسموح به يتم عبر طريق نقل الديون كما تقضي به حوالة الحق لكن وفق الضوابط الشرعية من خلو الربا والتقابض وقت العقد كما حددته المواقف الشرعية التي بيناها سابقا.

أما عن علاقة المدينين المحال عليهم باتفاق التوريق الذي أعتمد حوالة الحق لنقل الديون فأنه يلاحظ ما يأتي:
يتملك المحال له مؤسسة التوريق spv الديون المحالة بكافة صفاتها و ضماناتها كالكفالة و الامتياز و الرهن و بما تدره في التوريق التقليدي المحرم من فوائد، فتنقضي علاقة المدين بالمحيل ويصبح مديناً للمحال له مؤسسة التوريق SPV مع بقاء الدين بكافة ضماناته فيستفاد المستثمرون حملة السندات التي ورقت بها الديون المحالة من هذه الضمانات , إذ يلاحظ إن مؤسسة التوريق تتملك الديون المحالة من شركات التمويل أو الإقراض العقاري بضمان الرهن العقاري الذي يمنحه المقترض للمقرض .

2- بالنسبة لنفاذ حوالة الحق بحق المدينين المحال عليهم فإنه كقاعدة عامة يشترط لنفاذ الحوالة بحق المدين و بحق الغير (كل من كسب حق على الدين المنقول كالدائن المرتهن ) قبول المدين للحوالة أو إعلانها له على أن نفاذها في حق الغير بقبول المدين يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ , و العلة من وراء ذلك هي كي يعلم المدين و الغير بتغير الدائن فلا يستمر المدين بالدفع للدائن المحيل , و منعاً لغش و تواطؤ المدين مع أطراف الحوالة للإضرار بالغير الذي كسب حق على الدين المحال .

بيد أن أعمال هذا الشرط في اتفاقات التوريق يصطدم في نظرنا بعقبة مادية تتمثل بتعدد المدينين مما يصعب توجيه إعلان لكل واحد منهم، أما من الناحية القانونية فإن أثر هذا الشرط يختلف حسب الأنظمة القانونية:

أ-النظم القانونية ألأوربية و التي لا تشترط تعليق نفاذ حوالة الحق بحق المدين على قبوله أو إعلانها له و لا تستلزم إعلان الحوالة للمدين إلا في حالة إفلاس البادئ للتوريق كي يكون على علم بالحوالة وعدم التصرف بشكل احتيالي بوجه مؤسسة التوريق و المستثمرين وبهذا الموقف تأثر القانون المصري فلم تشترط المادة (13) من قانون التمويل العقاري المصري رقم (148) لسنة 2001 موافقة المقترضين على حوالة حقوق شركات الإقراض العقاري إلى مؤسسة التوريق.

وتجدر الإشارة إلى أن القانون الياباني ذهب إلى عدم اشتراط قبول المدين بحوالة الحق التي نقلت بها ألأصول إلى مؤسسة التوريق واكتفى بشرط إعلان هذه الحوالة إلى المدينين بإعلان عام لا رسمي لجميع المدينين كأن يكون الإعلان عن طريق الصحف تلافيا لصعوبة توجيه إعلان لكل مدين .

ب-النظام القانوني ألانكليزي الذي يشترط لحوالة الحق كي تكون (قانونية ) يتملك فيها المحال له الدين المحال أن تكون حسب المادة (136) من قانون المال ألانكليزي (مكتوبة و موقعه من المحيل , مطلقة تشمل كل الدين لا جزءاً منه , توجيه إعلان مكتوب و صريح للمدين أو لأي شخص آخر يكون للمحيل الحق في مطالبته بالدين ) , و عند تخلف أي شرط من هذه الشروط و منها شرط إعلان الحوالة للمدين تتحول هذه الحوالة من (حوالة قانونية ) إلى ( حوالة انصافية ) حسب قواعد الأنصاف لا يتملك فيها المحال له الدين و إنما يكسب حق انتفاع عليه فقط .

على هذا إذا لم تعلن الحوالة للمدين فلن تحصل مؤسسة التوريق SPV إلا على سند إنصافي يخولها الانتفاع بالدين بدون تملكه , و هذا لا يعطيها و لا يعطي المستثمرين الضمان الذي تعطيه الحوالة القانونية سيما لو تعرض البادئ للتوريق للإفلاس فإن أثر الإفلاس سيمتد للديون المحالة طالما إنها لم تخرج من ذمة البادئ للتوريق إلى ذمة مؤسسة التوريق التي لم تكسب عليها حق ملكية بالحوالة الانصافية كما أن مؤسسة التوريق لا تستطيع رفع دعوى على المدين طالما لم تعلن له الحوالة و لا تتمكن من مقاضاته إلا بتدخل المحيل في الدعوى .

وعلى العموم تتجلى أهمية إعلان الحوالة للمدين في القانون ألانكليزي من حيث تمسك المدين بالدفوع التي له على المحيل بوجه المحال له ومن حيث تسجيل أسبقية على الحوالات اللاحقة , فقد يكون البادئ للتوريق قد أنشأ عدة حوالات أنصافيه فإن الأولوية في الوفاء من قبل المدين تكون للحوالات التي أعلنت إليه.

الفرع الثاني / نقل الديون بالتجديد
يراد بتجديد الدين إنهاء التزام قديم و أنشاء التزام جديد يحل محله و يكون مخالفاً له في أحد عناصره الجوهرية أما بتغيير الدائن أو بتغيير المدين أو بتغيير محل الالتزام أو مصدره , و الشكل الذي يتفق هنا مع مقتضى اتفاق التوريق هو تغيير الدائن فبدلاً من أن يكون هذا الدائن هو البادئ للتوريق يكون مؤسسة التوريق SPV فينتهي ألالتزام القديم بين المدين و البادئ للتوريق و ينشأ التزام جديد بين هذا المدين و مؤسسة التوريق , غير أنه تجب ملاحظة أن التجديد طريقة لانقضاء الالتزام لا لنقله كما في الحوالة و يترتب على هذا أن التجديد ينهي الدين القديم بين المدين و البادئ للتوريق بكل تأميناته الشخصية كالكفالة و العينية كالرهن و لا تنتقل هذه الضمانات إذا كانت عينية إلى الالتزام الجديد بين المدين و مؤسسة التوريق SPV إلا برضا المدين و إذا كانت شخصية كالكفالة فلا تنتقل إلى الالتزام الجديد إلا برضا مقدم الضمان (الكفيل ) , و بالتالي يفقد اتفاق التوريق ضمانه من ضماناته عند عدم انتقال الضمان مع الدين الأصلي .

هذا إضافة إلى أن التجديد يستلزم موافقة كل الأطراف المدين و الدائن القديم و الدائن الجديد , مما يضع اتفاق التوريق أمام عقبة أخرى هي ضرورة استحصال موافقة كل المدينين مع تعددهم على تجديد الدين إذ لا بد من موافقة كل الأطراف على نقل الأصول بالتجديد (المدينين و البادئ للتوريق و مؤسسة التوريق SPV ) .

وعلى الرغم من تلك المآخذ على نقل الديون بالتجديد إلا أن هذه الآلية لازالت تستخدم لنقل ملكية الديون إلى مؤسسات التوريق ذلك عندما تكون هذه الديون مرتبطة بمسؤولية محتملة لبائع الديون البادئ للتوريق كمسؤوليته عن تبعة التسهيلات المشروطة لتمويل القروض أو تسهيلات الائتمانات المتجددة طويلة الأجل عندئذ يكون الخيار الأفضل لمؤسسات التوريق حتى تتفادى مخاطر هذه المسؤولية المحتملة أن تتملك الدين بالتجديد .

الفرع الثالث / نقل الديون بالمشاركة الجزئية
يتمثل هذا الأسلوب الشائع بين مؤسسات المال ألأمريكية و ألانكليزية ببيع الذمم المدينة من قبل الدائن الأصلي البادئ للتوريق إلى مصرف متخصص بشراء الذمم و تمويلها على أن لا يتحمل مالك الديون البائع بعدها أي مسؤولية فيما لو عجز المدين عن التسديد ولا تستطيع مؤسسة التوريق الرجوع عليه .

و لا شك أن هذا الأسلوب يعرض البنك المشارك (المورق ) لمخاطر ائتمانية محتملة فيما لو عجز المدين عن الوفاء أو أفلس البادئ للتوريق لذا فإن المؤسسات المالية تشترط بعض الضمانات عندما تتلقى الأصول بالمشاركة الجزئية و ذلك لتوقي هذه المخاطر كأن تشترط الحصول على ضمانة عقارية أو على حقوق إدارة الدين بصورة كاملة .

وتجدر الإشارة الى التوريق الإسلامي وكما مر بنا يقوم على فكرة نقل الأصول وبيعها وفق الضوابط الشرعية التي مرت بنا. ولم تتناول المواقف الشرعية المشاركة الجزئية وغيرها كطريقة لنقل الأصول وتصكيكها لعدم شرعيتها ولما تثيره من منازعات بين اطراف عملية التوريق.

المبحث الثالث مشارطات التوريق و ضماناته القانونية
بعد اتفاق طرفي التوريق على المسائل الجوهرية المتمثلة بمقدار الديون المنقولة و صفاتها و تواريخ استحقاقها و عائد البيع الذي تدفعه مؤسسة التوريق SPV فإنه قد تدرج في اتفاق التوريق شروطاً تؤثر على القيمة الائتمانية للاتفاق فكان لا بد من الوقوف على هذه الشروط , من جهة أخرى لا بد من إيجاد الضمانات التي تحفظ هذه القيمة الائتمانية للصفقة , و هذا ما سنتناوله في المطلبين الآتيين :

المطلب الأول مشارطات التوريق
يمكن أن نقسم الشروط التي درجت عليها اتفاقات التوريق إلى طائفتين , الأولى تقرر حقوقاً لمؤسسة التوريق SPV و تضم شرطي الرجوع و إدارة الأصول أما الطائفة الثانية فتقرر حقوقاً للبادئ للتوريق و تضم شرطي الاسترداد و المشاركة في الفائض , و شروط هذه الطائفة الأخيرة يمكن أن تؤثر سلباً على القيمة الائتمانية لاتفاق التوريق , و هذا ما سنعرضه فيما يأتي:

الفرع الأول شرطي الرجوع و إدارة الأصول
قد تشترط مؤسسة التوريق حق الرجوع عن الباديء للتوريق وقد توكل له مهمة ادارة الاصول وتحصيل عوائدها :
: أولاً – شرط الرجوع
قد تشترط مؤسسة التوريق SPV الحق في الرجوع على البادئ للتوريق بعد إتمام الصفقة , و تحديد مستوى أو شكل هذا الرجوع ذو أهمية كبيرة لتحديد طبيعة نقل الأصول و بالتالي القيمة الائتمانية للصفقة فإذا كان هذا الرجوع تطبيقاً للقواعد العامة في رجوع المشتري على البائع في عقد البيع عند وجود عيب مثلاً في المبيع , فإن الصفقة هنا لا تخرج عن كونها بيع حقيقي للأصول , فقد تجد مؤسسة التوريق SPV بعض الأصول المباعة مشوبة بعيب أو نقص يجعلها غير مضمونة الوفاء فمن حقها الرجوع على من باع هذه الديون و هو البادئ للتوريق .

أما لو زاد الرجوع عن هذا المستوى كأن تشترط مؤسسة التوريق الرجوع على البادئ للتوريق لاستبدال سندات متأخرة الوفاء بأخرى مستحقة الوفاء أو ترجع عليه لدفع قيمة الائتمان الذي قدمه الغير , فإننا لا نكون أمام بيع حقيقي للأصول و بالتالي تزيد المخاطر الائتمانية للصفقة فطالما أن ملكية الأصول لم تنتقل حقيقة لمؤسسة التوريق فإن إفلاس البادئ للتوريق مالك الديون سيطال هذه الديون مما يهدد حقوق حملة السندات .

ثانياً – شرط إدارة الأصول و تحصيل عوائدها :-
طالما أن الأصول قد انتقلت إلى مؤسسة التوريق المشترية(بحوالة الحق أوبالتجديد) فمن الطبيعي أن تتولى هي إدارة هذه ألاصول و مراقبة متحصلات الحسابات و اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستحصال ألأصل مع عائده , و كي تتخلص مؤسسة التوريق من هذه المهمة تشترط على البادئ للتوريق القيام بها بوصفه وكيل عنها فهو أكثر خبرة في إدارة الأصول التي كان يملكها , و قيام البادئ للتوريق بإدارة الأصول لا يؤثر على طبيعة الصفقة ما دام إنه يقوم بذلك على أساس وكالة ممنوحة له من مؤسسة التوريق SPV .

بيد أن البعض يشترط وضوح هذا الشرط بأن يدل دلالة واضحة على أن البادئ للتوريق يدير الأصول على أنه وكيل عن مؤسسة التوريق فيحدد الشرط أجرة له عن هذه المهمة و تكون لمؤسسة التوريق SPV حق عزله و توكيل غيره بإدارة الأصول أو تقوم هي نفسها بهذه المهمة , وذلك كي توصف الصفقة بأنها نقل حقيقي للأصول و لا تختلط الأصول المدارة بأموال البادئ للتوريق فيطالها الإفلاس في حال إفلاسه .

الفرع الثاني / شرطي الاسترداد والمشاركة في الفائض
هذه الشروط من شأنها ترتيب حقوق للبادئ للتوريق على حساب القيمة ألائتمانية لاتفاق التوريق و ذلك على النحو الآتي :-

أولاً – شرط الاسترداد :-
يمنح هذا الشرط المؤسسة البادئة للتوريق حق استردادألأصول المضمونة برهون على عقارات تملكها هذه المؤسسة نفسها أو حق استرداد الأصول المتأخرة سدادها عن طريق إعادة شرائها من مؤسسة التوريق مما يبعد الصفقة عن وصف البيع الحقيقي للأصول و يجعلها أقرب إلى قرض مضمون تمنحه مؤسسة التوريق SPV إلى البادئ للتوريق و يكون مبلغ الصفقة مبلغ قرض لا عائد بيع و بالتالي تبقى الأصول في ذمة البادئ للتوريق مما يجعلها عرضة لخطر إفلاسه لذا ورد في الأعمال التحضيرية للقانون الفرنسي الخاص بالمنشآت المعنية بالنقل الجمعي للأوراق المالية لسنة 1988 أن صفقة التوريق لا تصح إلا إذا خلت من الشرط الذي يخول البادئ للتوريق حق استرداد أو إعادة شراء ألأصول.

ثانياً شرط المشاركة في الفائض :-
هذا الشرط الذي اعتاد الفقه والقضاء في انكلترا و أمريكا الاعتراف به يخول البادئ للتوريق حق مشاركة مؤسسة التوريق SPV في المتحصلات الفائضة غير المتفق عليها من عوائد السندات التي ورقت بها الديون المنقولة , و ذلك عند زيادة قيمتها , و الشرط في هذه الحالة مؤشر على أن الصفقة ليست بيعاً حقيقياً , و أنما مجرد قرض مضمون من المؤسسة المورقة SPV للمؤسسة بادئة التوريق .

وبالنسبة لهذه الشروط في التوريق الإسلامي فقد مر بنا ان اهم ما يمز هذا التوريق عن التوريق التقليدي المحرم هو انتقال الأصول حقيقة الى المشتري وان يتحمل المستثمرين مخاطر الصكوك المصدرة ربحا وخسارة وبالتالي يحظر كل شرط يثير الشبهة هو عملية الانتقال الحقيقية .

المطلب الثاني الضمانات القانونية للتوريق
سبقت ألإشارة أن نشاط التوريق يحتمل بعض المخاطر التي قد تحد منه فقد يعجز المدين عن الوفاء بالديون المنقولة فكان لا بد من ضمان للوفاء بالأصول المنقولة , و قد يتعرض البادئ للتوريق للإفلاس فكان لابد من ضمان عزل الأصول المنقولة عن البادئ للتوريق حتى لا يمتد إليها الإفلاس , أما ما يتعلق بمؤسسة التوريق SPV فإن خطر إفلاسها غير محتمل فهي مؤسسات مدعومة ائتمانياً , تفرض القوانين الناظمة للتوريق لإنشائها شروطاً إجرائية تحول دون تصور إفلاسها. فيشترط أن تكون قد أُنشأت خصيصاً لممارسة التوريق و يحظر عليها ممارسة أي أنشطة أخرى غير مرتبطة بصفقة التوريق حتى لا تتحمل خسارة أو عبء يثقل كاهلها ويعرضها للإفلاس بشكل يهدر ثقة المستثمرين بالصفقة لذا سميت بمؤسسة ذات غرض خاص SPV ، و على هذا سنبحث ضمان الوفاء بالأصول المنقولة و ضمان ( البيع الحقيقي ).

الفرع الأول / ضمان الوفاء بالأصول المنقولة
غالباً ما يتعدد المدينون في صفقات التوريق فلا يتصور بالتالي عجزهم كلهم عن الوفاء مما يعطي المستثمر حامل السند بعض التطمينات ألائتمانية , بيد أن هذه التطمينات لا تكفي المستثمرين أن لم تعززها ضمانات قانونية تضمن الوفاء بقيمة ألأصول المنقولة و عوائدها و تبعد عنهم شبح إعسار المدينين و عجزهم عن الوفاء , و هذه الضمانات وفق القواعد العامة أما أن تكون ضمانات شخصية بضم ذمة شخص آخر إلى ذمة المدين بالأصول فتكون هذه الذمة المضمومة ضامنة للوفاء بقيمة الأصول عند إعسار المدين , و قد تكون هذه الضمانات عينية وذلك بتقرير حق عيني تبعي على مال أو أكثر يملكه المدين أو الغير يكون للدائن المقرر له هذا الحق أخذ الدين من قيمة هذا المال عند إعسار المدين و الرهن أقوى هذه الضمانات.

و من الناحية الائتمانية تفضل الضمانات العينية على الضمانات الشخصية لأن الأولى محلها مال أما الثانية فموضعها ذمة الكفيل المضمومة لذمة المدين إذ يمكن أن نتصور إعسار الكفيل مع إعسار المدين .

على هذا يكون الرهن من أهم ضمانات الوفاء بالأصول المنقولة في اتفاقات التوريق ذلك أنه يخول حملة السندات حق أخذ قيمة الأصل المورق من ثمن المال المقدم كرهن في أي يد يكون مقدماً على بقية الدائنين سواء كان الرهن تأمينياً أم حيازياً , ذلك أن الرهون المقدمة من المدينين إلى المؤسسة البادئة للتوريق تنتقل إلى مؤسسة التوريق SPV فيستفاد منها حملة السندات وذلك حسب الآلية التي تنتقل بها الأصول كما أشرنا سابقاً , على هذا نص قانون التمويل العقاري المصري على أن الرهون العقارية الضامنة للقروض التي تمنحها شركة الإقراض العقاري تنتقل إلى مؤسسة التوريق مع حوالة ديون هذه القروض و بالتالي تكون ضامنة للوفاء بقيمة السندات المصدرة .

هذا و لا يوجد ما يمنع أن يكون الرهن الضامن للديون مقدماً من المؤسسة البادئة للتوريق نفسها لا من مدينيها .

الفرع الثاني / البيع الحقيقي True sale
أهم خطر ائتماني يواجه اتفاقات التوريق خطر إفلاس البادئ للتوريق الناقل لأصوله و امتداد آثار الإفلاس للأصول المنقولة عندما لا تكون معزولة عن ذمته المالية و بالأحرى عندما لا تتضمن صفقة التوريق بيعاً حقيقياً للأصول مما يشكل تهديداً كبيراً للمستثمرين حملة السندات ,

و بالتالي فإن ضمان كون الأصول معزولة Issues of in solvency عن الذمة المالية للبائع من المفاهيم الأساسية لاتفاقات التوريق بحيث تشطب هذه الاصول المنقولة من ميزانية البائع البادئ للتوريق نهائياً , و عزل ألأصول لن يكتمل إلا بانتقال ملكية ألأصول فعلياً إلى الذمة المالية لمؤسسة التوريق SPV بصرف النظر عن القالب القانوني الذي تم به النقل حوالة حق أم تجديد أم مشاركة جزئية و هذا الانتقال يتم ببيع حقيقي ينتقل به المحل من ذمة البائع إلى ذمة المشتري نهائياً , ذلك أن نقل الأصول أن لم يكن بيعاً حقيقياً فإنه سيكون قرضاً مضموناً تمنح به مؤسسة التوريق SPV المبلغ الذي كان يفترض أن يكون ثمن البيع إلى المؤسسة البادئة للتوريق كقرض مضمون بالأصول التي تتسلمها مؤسسة التوريق SPV و بهذا الشكل تبقى الأصول بذمة البادئ للتوريق غير معزولة طالما أنها لم تنقل بيعاً و إنما قرضاً و هذا ما يجعلها مشمولة بمطالبات إفلاس البادئ للتوريق , مما يهدد بضياع حقوق المستثمرين حملة السندات إذ عليهم انتظار قيام المصفي بتصفية المؤسسة البادئة للتوريق كغيرهم من الدائنين مما قد يعرضهم لخطر قيام البادئ للتوريق بتفضيل احتيالي fraudulent preference بتفضيل دائن آخر على المستثمر أو يعرضهم فعلاً لخطر أسبقية الطلب priority of claim عند وجود مطالبات سابقة على طلبات المستثمرين موجهة إلى البادئ للتوريق المفلس .

مما يتقدم يظهر أن البيع الحقيقي العازل للأصول ضمان مهم لحماية المستثمرين وتقوية القيمة الائتمانية لاتفاق التوريق مما يتطلب التنبيه إلى خطورة بعض الشروط التي مرت بنا كشرطي الاسترداد والمشاركة في الفائض و التي تؤثر على طبيعة نقل الأصول فتزيل عنه وصف البيع الحقيقي وتقترب به من وصف القرض المضمون. وهذا هو أحد الضوابط التي تمييز التوريق الإسلامي كما مر بنا.

الخاتمة
في خاتمة البحث يتبين لنا ما يأتي: –
أولاً – توريق الديون صيغة تمويلية جديدة تؤدي دور كبير في توفير رؤوس الأموال للمؤسسات المالية المصرفية وذلك بتحويل أصول غير سائلة في صورة ديون على الغير إلى أصول سائلة في صورة مقابل لبيع هذه الديون مما يساعد هذه المؤسسات على توسيع أنشطتها ألاستثمارية في مجالات الاقتصاد كافة وبالتالي تنمية هذه القطاعات كما أنه يساهم في تنشيط سوق تداول السندات مما يحفز أسواق المال و من خلال ذلك كله يمكن تحقيق النمو الاقتصادي.

ثانيا- التوريق الإسلامي هو إصدار وثائق أو شهادات مالية متساوية القيمة، تمثل حصصاً شائعة في ملكية موجودات-أعيان أو منافع أو حقوق أو خليط من الأعيان والمنافع والنقود والديون-قائمة فعلاً، أو سيتم إنشاؤها من حصيلة الاكتتاب، وتصدر وفق عقد شرعي وتأخذ أحكامه، ووفق الضوابط الشرعية التي مرت بنا في البحث. والتي بموجبها اصبحت الصكوك (التوريق الإسلامي) إحدى أهم الأدوات المالية الإسلامية التي تسهم بصورة فعالة في تمويل مشروعات البنية التحتية المختلفة، من كهرباء وماء وطرق وسكك حديدية، وقد اعتمد عليها بلدان كثيرة في تمويل المشروعات الكبرى.

ثالثاً – يمكن الاستفادة من مزايا التوريق في العراق لتنمية قطاعاتنا الاقتصادية التي تعاني الركود والكساد و على وجه الخصوص قطاع العقارات و منح مؤسساتنا المالية سيولة نقدية على ان يكون ذلك وفق ضوابط التوريق الإسلامي.

رابعاً – يمكن توظيف عملية التوريق في أطار علاقات العراق المالية مع الدول الأخرى و التخفيف من حدة مديونياته الخارجية و ذلك بتوريق أصوله المؤجلة لاسيما النفطية عند مؤسسات التوريق العالمية مما يحسن من تصنيفه الائتماني و يمكنه من تحقيق متطلبات الأعمار. ويجب ان يكون ذلك أيضا وفق ضوابط الصكوك الإسلامية.

خامساً – للاستفادة من نظام التوريق في العراق يجب :-
توفير المستلزمات المادية التي تتمثل : –
أ– تنشيط سوق العراق للأوراق المالية و تحسين أدائها في تداول السندات.
ب – إنشاء مؤسسات التوريق و حصر نشاطاها بالتوريق و إصدار السندات .
جـ – إيجاد وكالات التصنيف الائتماني المسؤولة عن تحديد القيمة الائتمانية للمؤسسات المالية بالشكل الذي يمكن
المستثمرين من التقييم الصائب للعوائد و المخاطر الائتمانية و بناء الثقة السليمة باتفاقات التوريق .
د – تحسين معايير المحاسبة العامة و تأمين الشفافية لتوفير المعلومات الصحيحة لطائفة المستثمرين و للجهات الرقابية .

2-على المشرع العراقي معالجة توريق الديون بقانون خاص يبرز فيه الجوانب القانونية لهذا الاتفاق ويققن فيه ضوابطه الشرعية , و عليه مراعاة ما يأتي عند إصدار التشريع :-
أ – تنظيم إنشاء و عمل مؤسسات التوريق الخاصة بممارسة نشاط التوريق والتي يمكن أن تتخذ عندنا في العراق شكل شركة مساهمة أو شكل شركة استثمار مالي.

حصر عمليات التوريق بالأصول التي يجوز توريقها شرعا وكما هو معمول به في التوريق الإسلامي ووفقا لضوابطه الشرعية.

ج -تحديد حوالة الحق طريق وحيد لنقل الأصول من البادئ للتوريق إلى مؤسسة التوريق وفق الضوابط الشرعية المعمول بها في التوريق الاسلامي فهي تمكن من الإبقاء على التأمينات الضامنة للأصل عند نقله كما فعل القانون الفرنسي و بالطريقة التي أستخدمها قانون التمويل العقاري المصري لنقل الأصول , دون اشتراط قبول المدينين للحوالة وبإمكانه أن يكتفي باشتراط إعلان الحوالة إلى جميع المدينين بإعلان عام عن طريق الصحف مثلا كما فعل القانون الياباني.

د-إيجاد المعايير الشرعية اللازمة لاعتبار صفقة نقل الأصول بيع حقيقي و ليست مجرد قرض مضمون وقد يكون ذلك من خلال حظر الشروط التي تؤثر على طبيعة الصفقة و تقلل من قيمتها ألائتمانية كشرطي الاسترداد و المشاركة في الفائض ، وبيان الحالات التي يحق فيها لمؤسسة التوريق الرجوع على البادئ للتوريق عند وجود عيب في الأصول المنقولة أو في ضماناتها .

ه- معالجة الإفلاس بقواعد قانونية تضمن للمستثمرين عدم امتداد أثار إفلاس البادئ للتوريق إلى مؤسسة التوريق spv بما يحفظ ثقتهم بصفقات التوريق.

و– تنظيم نشاط التوريق من الناحية الضريبية بقواعد تمنع ازدواج الضريبة في عمليات نقل الأصول , و منح المؤسسات المالية حوافز ضريبية في هذا الإطار .

ز- معالجة مسائل رسوم التسجيل و النقل و رسوم إصدار السندات و منح المؤسسات المالية حوافز في هذا المجال .

قائمة المصادر

أولاً – المصادر العربية:

د. احمد جشي / التوريق هو التحديات و الفرص للمؤسسات المالية العربية , حوار في مجلة الجيش اللبنانية , العدد (209) , 2002 .
د.أحمد عبد الرحمن الملحم؛ د.محمود أحمد الكندري/عقد التمويل باستخدام الحقوق التجارية وعمليات التوريق،مجلس النشر العلمي جامعة الكويت،2004.
د.حسن علي الذنون / النظرية العامة للالتزامات , بغداد , 1976 .
د. حسين فتحي عثمان / التوريق المصرفي للديون الممارسة و الإطار القانوني , بحث منشور على الموقع : www.arablawinfo.com
عبد الستار القطان / مقال في مجلة المستثمرين : Mosjcc.com
د.عجيل جاسم النشمي، التوريق والتصكيك وتطبيقاتهما، منظمة المؤتمر الإسلامي، المجمع الفقهي الدولي، الدورة التاسعة عشرة إمارة الشارقة دولة الإمارات العربية المتحدة.
د.فلاح خلف الربيعي / ورقة عمل على الموقع : www.Iraqdierctory.com
د.مجيد حميد العنبكي / مبادئ العقد في القانون الانكليزي , بغداد , 2001 .
محمد صلاح سالم / حوار في جريدة الرأي : www.alrai.om
محمد طه البشير , د.غني حسون طه / الحقوق العينية , القسم الثاني , الحقوق العينية التبعية , بغداد, 1982 .
د.محمد عبد الحليم عمر / ندوة (التورق و التوريق بين أحكام الشريعة الإسلامية و التطبيق المالي المعاصر ) , مركز كامل صالح للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر .
ممدوح الولي / ندوة ( التورق و التوريق بين أحكام الشريعة الإسلامية و التطبيق المالي المعاصر ) , مركز كامل صالح للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر .
د. منى خالد فرحات، توريق الدين التقليدي والإسلامي، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية – المجلد 29 -العدد الأول، 2013.

د. نزيه كمال حماد، بيع الدين أحكامه وتطبيقاته المعاصرة، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الحادية عشرة، المجلد الأول.
قرارات المجمع الفقهي الإسلامي الدولي، منظمة المؤتمر الإسلامي.
المعيار الشرعي رقم (17) ” صكوك الاستثمار” الصادر عن المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 .
قانون الشركات العراقي رقم (21)لسنة 1997.
القانون المدني المصري رقم (131 ) لسنة 1948 .
قانون التمويل العقاري المصري رقم (148 ) لسنة 2001 .

ثانياً :- المصادر الأجنبية :-

Cummins (D .J . ) , securitization of life insurance assets and liabilities , The warton school , fic. Warton. upon . edu
Frankel (T. ) , plume ( W.J. ) , securitizing insurance Risks , Annual Review of Banking law, 2000. Giddy (H.I.) , Asset securitization in Asia , new York ,2000 , www.stern.nyn Jane Borrows , sidley , and Austin , legal and regulatory consideration , Gardener work book , euromoney . rub . plc.1996 .
Joywin Mathew , legal Aspects of life insurance securitization in India , www.securitization.net Kandall(L.T.) , Fishman (J.M) , Aprimer on securitization , press London , 3rd edition .
Shenker (S.C) , colletta (J.A) Asset securitization : Evolution , current Issues and new frontiers , 1991 . 69 – Tex . L . Rev .
Securitization introduction , www.wolfblock.com
Securitization in international relations , en.wikipedia.org
Securitization www.riskglossary.com

بقلم ذ علاء حسين علي
أستاذ القانون المدني والمعاملات المدنية المساعد جامعة الانبار-كلية القانون والعلوم السياسية

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.