مدى تأثير العقوبة في اصلاح الجاني والمجتمع

الإنسان كائن إجتماعي لا يمكنه العيش منفردا عن أفراد مجتمعه, وها العيش تتبعه علاقات عامة بين أفراد المجتمع وطوائفه, هذه العلاقات قد تكون عقدية أو فكرية أو إقتصادية وإجتماعية وغيرها, ولكون الفرد عادة يبحث عن مصلحته ورغباته الملزمة للحياة من مال وزوجة وأملاك خاصة, ولأجل ذلك يعمل بعض الأفراد على الحصول على ما يحلو لهم ولو كان على حساب الغير, مما يعقد الأمور وتبدأ الإختلافات تم النزاعات تم الإعتداءات الجسدية أو على المال أو العرض وغيرها .

وعليه, وجد المجتمع نفسه أمام مشاكل يجب إيجاد الحلول لها, فسن أعرافا متعارف عليها تم بعد ذلك قنن هذه الأعراف تحرم بعض الأفعال التي يراها الحاكم مضرة بالمجتمع أو بالأفراد, وعين قضاة باسمه يتولون تطبيق هذه القواعد على كل من سولت له نفسه اختراقها أو عدم إحترامها, حتى يأتمن الفرد في المجتمع على نفسه وماله وأعضاء أسرته ولا يتعسف هو في استعمال حقه إلا في حدود ما تسمح به الشريعة السائدة, وهذه التشريعات أو القواعد المكتوبة أو المعلومة هي القوانين المنظمة للمجتمع ومن هذه القوانين قانون العقوبات, هذا القانون هو وحده الذي يحدد الأفعال المعتبرة جرائم ويحدد لكل فعل مجرم عقوبة يراها تحقق الغاية المرجوة وهي منع الأفراد من إتيان الفعل المنهى عنه, أو يحدد تدابير أمنية لتحقيق نفس الغاية .

وقد سبق أن بينا أسس العقوبة والمدارس المعرفة لها ولغايتها في الفصل الثاني من الباب الأول ولا حاجة لنا لإعادة ذلك, لكن مالم نتكلم عنه هو كيف تحدد العقوبة الوضعية وفق النظريات السالفة الذكر.

فالعقوبة كما سبق ذكره تحدد فعليا على مراحل أساسية وهي :

1. مرحلة ظهور ضرر فعل منكر في المجتمع : هذه المرحلة عرفت بالمرحلة التاريخية للعقاب, فكان الجاني إذا ارتكب فعلا أضر بغيره ينتقم منه, وهذا في العصور القديمة حيث يتولى الشخص المتضرر عقاب الجاني بنفسه وبما يراه مناسبا وقد يتعدى هذا العقاب إلى أقاربه, وبعد أن ظهرت العشائر والقبائل تولت العشيرة والقبيلة تطبيق ما تراه مناسبا في فعل أفرادها أو أفراد غيرها وبذلك توقف الإنتقام الفردي لكنه انتقل إلى العشائر والقبائل في كثير من الأحيان باستثناء الإتفاق على عقوبة بدنية أو مالية مع قبيلة أو عشيرة الفاعل.

وبعد أن تكونت الممالك والدول ظهرت سلطة الدولة التي منعت مباشرة العقاب من الأفراد إلا من طرف قضائها حتى ولو كان الفاعل من الأسرة الواحدة وظهرت للوجود نظريات قديمة منها نظرية القصاص العادل مثل ما هو معروف في التشريعات اليونانية والعبرية وغيرها, تم تولت التشريعات الدينية العقاب كما جاء ذلك في التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية وتولت الدولة تنظيم العقاب لكنه كانت مقيتا وقاسيا, إذ كانت الزوجة التي تقتل زوجها تحرق حية بالنار والسفاحون يقطعون بطريقة بشعة, حيث يربط الجاني بين حصانين من الأطراف تم يضرب الحصان فيقطع على أجزاء متناثرة ووصل هذا الأمر إلى قتل بعض الجناة بالغلي في الماء.

كل هذه الهمجية كانت محل انتقاد فلاسفة وحكام كل عصر من العصور البالية خاصة التجريم والعقوبة التي تركت في يد القضاء بتجريم الفاعل تم تحديد العقوبة التي يراها مناسبة له في كل الأحوال .

وفي القرن 18 تطورت فكرة العقوبة ودرسها علماء مشهورون منهم روسو، وبيكاريا ومنتسكيو وغيرهم وقد أثروا في تغيير الأسس القديمة للتجريم والعقاب وهذه الأسس هي التأديب والإصلاح والزجر عوضا عن الإنتقام .

ومنذ الثورة الفرنسية التي صدر بعدها قانون 1790 الذي ألغى كثيرا من العقوبات القاسية وتكلم لأول مرة عن الشرعية في التجريم والعقاب, إلى أن جاء القانون المؤرخ في 1810 الذي أصبح نموذجا للأروبيين عامة, من ذلك تحديد الحد الأقصى والأدنى للعقوبة, فأصبح القاضي ملزم به, ثم وضع موضع الحد مبدأ الشرعية, فالتجريم لا يكون إلا بنص .

مرحلة تجريم الفعل وتحديد العقوبة : هذه المرحلة هي عصرية بالنسبة لما توصل إليها العقل الإنساني, إذ اعتمد فيها على أسلوب عقلاني يتمثل فيما يلي : كل فعل لم يجرم بنص خاص لا يعتبر جريمة ولا عقوبة له •و يعني هذا أن الأفعال التي تعتبر في المجتمع مشينة أو مضرة بمصلحته, يتلقفها المشرع عن طريق الدارسين لسلوك المجتمع أو الباحثين المختصين أو باقتراح من مسؤولين على هيئات علمية أو إجتماعية أو إقتصادية أو من أعضاء البرلمانات التشريعية, فيجرم ذلك الفعل بعد أن يكون جريمة فعلية في دنيا الناس, حينئذ يجرم بعد التجربة وتحدد له عقوبة مباشرة بعد التجريم, إذ لا تجريم بدون عقوبة أو تدابير أمن, ويعاب حسب أرينا على هذا المنهج أنه:

منهج يفرض من طرف المجتمع الذي يكون له دور بارز في إظهار فعل غير لائق ويجب تجريمه وحتى الدراسات العلمية عادة تخطىء وتحكم على فعل ما أنه يضر بأفراد المجتمع بينما الحقيقة غير ذلك .

وأن هذا المنهج يحدد عقوبة عند تجريم الفعل ولكن قد يتطور ذلك الفعل وتصبح العقوبة لا تؤدي الغرض المفروضة من أجله, والتعديل للعقوبة قد يمر بمراحل عويصة ولا يعدل إلا بعد فوات الأوان, مما ينتج عنه هلاك المجتمع من جراء العقوبة الغير مناسبة.

المقارنة بين النتائج العلمية للعقوبة في الشریعة والقانون :

قبل أن نتطرق للنتائج التي توصلنا إليها في بحثنا هذا, هناك ملاحظات لا بد من ذكرها قبل الخوض في مضمون المبحث وهي :

01- أن الشريعة الإسلامية ذات مصادر شرعية إلاهية من حيث الوحي المتمثل في القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة عن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” ولا يمكن أن نقارن كلام البشر المتغير في كل الأزمان والخاطىء كثيرا والقليل الصواب لطبعه في ذلك أو لأجل حماية مصالحه بما يراه مفيدا له وليس ما يراه صالحا للمجتمع, أعني مفيدا للأفراد القائمين على التشريع الوضعى من طوائف إحتكار المال أو الأعمال أو غيرها, ولهذا فإن مقارنتي في آخر بحثي هذا خاص بالنتائج العلمية طبقا لما عرف في الميدان.

02- )إن هدفنا من هذه المقارنة هو تلبية لمطلب شرعي طال عليه الزمان في البلدان الإسلامية وهو إظهار الغاية من تكرار قول القائلين أن نأخذ بأحكام الإسلام لأجل إقامة مجتمع إسلامي سليم البنية وسليم العقل والأخلاق عزيز مكرم في طياته وخارجه الخير والإطمئنان والأمن والأمان هذا هو الهدف من إثبات النتائج السليمة في الواقع التي لا يتنكر لها إلا من لا يعقل ما يقول و لا يصدق مايرى.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت