الحوافز الملائمة وحوكمة الشركات
جولي تشن
تقييم عقود توظيف كبار التنفيذيين، يعد من النقاط التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند وضع استراتيجية طويلة الأجل. وينبغي على الشركات التي تسعى لتحقيق النجاح على المدى الطويل، جعل المعرفة إحدى الركائز الأساسية للشركة. وهذه العملية التي تتطلب جهودا مضنية كونها تتم خطوة بخطوة، غالبا ما تكون مدفوعة بالتطورات التكنولوجية، وبذلك تستطيع الشركة رسم طريقها في خضم تقلبات السوق، حيث لا يستطيع المنافسون مجاراتها بسهولة. وباختصار، تعد الموارد المعرفية للشركات بمنزلة المحرك الذي يعطيها هويتها ويميزها عن الآخرين، وبالتالي هي عنصر أساس للقدرة على المنافسة.

تكمن المعضلة هنا، بالنسبة للرؤساء التنفيذيين وكبار المديرين في أن العمل على بناء أصول معرفية عميقة قد يقوي علاقتهم الحالية بالشركة، ولكنه يقف عائقا أمام الاستفادة من خبراتهم في شركات أخرى. ومع التوجه السائد نحو تقليص المناصب العليا في الشركات الكبرى، لم يعد البقاء في شركة واحدة لفترة طويلة ميزة بحد ذاته بالنسبة للرؤساء التنفيذيين، ولا سيما الذين ينزعون بشكل طبيعي إلى توجيه الجهود في اتجاه أكثر عمومية. ولتحفيز كبار المديرين على تركيز طاقاتهم واهتمامهم داخليا عوضا عن المنصب المستقبلي، قد تحتاج الشركات إلى تصميم نظام حوافز يضع جهودهم في هذا المجال كمعيار أساس. ولا يعني ذلك وضع نظام مكافآت على المدى الطويل فقط، بل أيضا توفير قدر معقول من معايير الأمان الوظيفي، وبذلك يشعر المديرون بالاستقرار ويحفزهم ذلك على الاستثمار في رأس المال البشري بشكل أفضل. توصلت في دراسة نشرت أخيرا في مجلة الإدارة الاستراتيجية (بالاشتراك مع هيلي وانج من كلية لي كونج تشيان لإدارة الأعمال في جامعة سنغافورة للإدارة، وشان تشاو من مدرسة جرينوبل للإدارة) إلى نتيجة مفادها أن الشركات التي تملك بنية معرفية متخصصة، تميل إلى عكس ذلك في عقود التوظيف الخاصة بالمديرين التنفيذيين. رصدنا جميع الشركات في قاعدة بيانات “إيكسيكومب” عن الفترة بين عامي 1993 و2001، استخدمنا النسب المئوية للاستشهادات المرجعية لبراءات الاختراع (إلى أي مدى استشهدت باختراعات سابقة) كدليل على الأصول المعرفية الخاصة بالشركات. وتوصلنا إلى نتيجة مفادها، أن مع كل براءة اختراع، يصبح الابتكار في الشركة أكثر تخصصا وتمايزا ويصعب على المنافسين مجاراته.

كما رصدنا علاوة على ذلك قيمة الأسهم المقيدة “أي الأسهم التي لا تمنح إلا بعد مرور فترة زمنية معينة” كجزء من تعويضات الرئيس التنفيذي. وبالمثل، درسنا جميع حالات إنهاء خدمات الرئيس التنفيذي خلال فترة الدراسة. وأشار كلا المعيارين إلى مستوى الالتزام على المدى الطويل في علاقة الشركات بالرؤساء التنفيذيين.

وكما توقعنا، وجدنا علاقة بين الاستشهادات المرجعية لبراءات الاختراع وقيمة الأسهم المقيدة والرغبة في الحفاظ على الرئيس التنفيذي، حتى في ظل عدم تميزه على المدى القصير. على سبيل المثال، وجدنا انخفاض احتمالية إنهاء خدمات الرئيس التنفيذي بنسبة 15 في المائة، في حال امتلاك الشركة لبنية معرفية متخصصة. وللتأكد من كون المعرفة المتخصصة هي العامل المؤثر وليست عوامل أخرى، قمنا بمقارنة الرؤساء التنفيذيين لعدة شركات في قطاعات مختلفة، مع أقرانهم المتخصصين في مجال معين. وبما أن المديرين التنفيذيين في الشركات العاملة في عدة قطاعات ليسوا مطلعين على التفاصيل التشغيلية أو معنيين بنشر موارد معرفية متخصصة، فإن فرص حصولهم على مهارات متخصصة تكون أقل، كما أن حاجة الشركة إلى منحهم حوافز مقابل استثمارهم في رأس المال البشري المتخصص غير كبيرة.

وأظهرت دراستنا لهذه العينة، أن التأثير الإيجابي للمعارف المتخصصة في كل من الأسهم المقيدة والأمان الوظيفي للرئيس التنفيذي كان أقل في الشركات العاملة في قطاعات متنوعة.

وتشير الدراسة إلى أن العلاقات بين المديرين التنفيذيين وشركاتهم عادة ما تتأثر بعدة عوامل تتجاوز مهارات التفاوض لكلا الطرفين. فالشركات تستخدم أدوات أخرى، مثل نظام التعويضات ودرجة الأمان الوظيفي، لتوجيه جهود المديرين التنفيذيين نحو تطوير أصول معرفية متخصصة ذات قيمة أكثر استدامة.

من منظور حكومة الشركات: يؤكد بحثنا أهمية عدم القفز إلى استنتاجات عند تقييم مدى ملاءمة بعض الجوانب الأساسية للعلاقة بين الشركة والرئيس التنفيذي. على سبيل المثال، يمكن نظريا توسيع دراستنا لتشمل تعويضات نهاية الخدمة، التي غالبا ما يراها المساهمون أنها تكاليف. من جهة أخرى قد يُنظر للمبلغ نفسه بحسب الطريقة التي أدرج فيها عند إبرام الاتفاق مع الرئيس التنفيذي، فقد يتم ورودها في العقد الأولي تحت بند الأمان الوظيفي ليتفرغ الرئيس التنفيذي لتطوير قيمة طويلة الأمد للشركة. ولكن في حال تم ذكرها في وقت لاحق بعد المفاوضات، فقد تشير إلى تحول في ميزان القوى لمصلحة الرئيس التنفيذي الذي نجح في انتزاعها من الشركة.

يجب أن تؤخذ مسألة إثبات الجدارة بعين الاعتبار خلال فترة تولي المناصب العليا. حيث يسعى المديرون إلى إثبات أنفسهم في الشركة عن طريق إيجاد مصادر معرفية متخصصة، وبذلك تترسخ مكانتهم ويصبح من الصعب الاستغناء عنهم. وينطبق الشيء ذاته على مؤسسي الشركات الناشئة الذين تتطور خبراتهم عندما تترسخ مكانة الشركة. ومع تزايد اعتماد الشركات على شخص واحد، فإن احتمال إظهار المدير لثقة مفرطة، وفقا لبحث قمت به سابقا، ستؤثر في طريقة تعامله مع العلامات التحذيرية، أو تقوم بتحويله لشخص غير مسؤول اجتماعيا. ولتجنب هذا الاحتمال، ينبغي على المديرين أن يقوموا بتوزيع السلطة على فريق الإدارة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت