بحث قانوني و دراسة عن معالجة القانون الاماراتي و الاردني للضرر

أ/ عدنان سرحان

الضـرر

يؤدي الضرر دورين مهمين في المسئولية عن الفعل الضار : فهو من ناحية أولى شرط لا يقوم الضمان بدونه ، ففعل الإضرار ، مهما كانت جسامته ، لا يلزم مرتكبه بالضمان ما لم ينجم عنه ضرر بالغير . وهذا ما يميز المسئولية المدنية عن المسئولية الجزائية التي يمكن أن تقوم لمجرد السلوك الآثم ، وإن لم ينجم عنه ضرر بأحد ، كما لو تجاوز شخص إشارة ضوئية حمراء ولكن لم يؤذي أحداً بفعله . ومن ناحية أخرى فإن الضرر مقياس للضمان ( التعويض) الذي على القاضي أن يحدده بما يساوي الضرر الواقع فعلاً .
والدور الثاني للضرر سيتم بحثه في باب آثار المسئولية عن الفعل الضار . أما الدور الأول فيقتضي من جهة أولى لإعماله أن يثبت المدعي في دعوى الضمان أنه قد أصابه ضرر قابل للتضمين من العمل محل المساءلة ، ومن جهة أخرى أن لا يستطيع المدعى عليه في هذه الدعوى نسبة هذا الضرر إلى سبب أجنبي غير العمل محل المساءلة . وهذا ما سنراه في مبحثين مستقلين:

المبحث الأول الضرر القابل للتضمين

الضرر هو الأذى الذي يصيب الشخص في حق أو مصلحة مشروعة. ويجب لتضمين الضرر أن يستجمع شروطاً معينة، سنعرض لها في مطلب أول ، ثم نبحث في مطلب ثان صور الضرر محل التضمين أو التعويض .

المطلب الأول شروط الضرر القابل للتضمين

يشترط في الضرر لإمكان تضمينه أن يصيب محلاً معصوماً (حقاً أو مصلحة مشروعة) للمضرور ، وأن يكون محققاً .

الفرع الأول أن يصيب الضرر محلاً معصوماً
لا تعويض إلا عن ضرر أصاب محلاً معصوماً. والمحل المعصوم ، إما أن يكون حقاً للمضرور ، وهو بطبيعته متقوم معصوم ، وإلا ما كان القانون يعترف به لصاحبه ، أو أن يكون مجرد مصلحة لا ترق لمنزلة الحق لكنها مشروعة متقومة تحظى بحماية القانون وحفظه(1).
فللإنسان حق في سلامة نفسه وجسده ، فأي اعتداء على هذا الحق ، كإتلاف النفس أو العضو أو تشويهه أو التسبب في فقدان حاسة من حواسه ، يستوجب التعويض . وللشخص الحق في سلامة أمواله ، فأي تجاوز على هذه الأموال بالإتلاف أو الغصب أو إنقاص القيمة أو تفويت المنفعة ، يضمنه المسئول عن الضرر . وللشخص أيضاً حق في حفظ وصيانة عرضه من الأذى، فأي مساس بهذا الحق ، بالتشهير أو تشويه السمعة ونحوهما ، يستحق المضرور التعويض عنه .
وللشخص أيضاً، مصالح مشروعة يحميها القانون وإن لم ترق إلى مرتبة الحق ، يستوجب المساس بها التعويض . فمن شرع في مفاوضات عقدية له مصلحة في الاستمرار فيها لحين الإفضاء إلى التعاقد ، فلو أغرى شخص أحد المتفاوضين على قطع المفاوضات العقدية واعداً إياه بالتعاقد معه بشروط أفضل ، ثم عدل عن وعده مفوتاً عليه فرصة التعاقد مع الأول ، كان من حقه المطالبة بالتعويض مع أن إبرام العقد مع الآخرين لا يشكل حقاً مكتسباً .
أما المصالح غير المشروعة ، فلا ضمان عند المساس بها ، فليس للخليلة أن تطالب بالتعويض عن انقطاع نفقة خليلها عليها بسبب موته بحادث ، ولا يحق لتاجر المخدرات أن يطالب بالتعويض ممن أتلفها أو دل الشرطة عليها فتمت مصادرتها وإتلافها . ففي كلتا الحالتين وجد ضرر ، لكن هذا الضرر لم يصب حقاً لأن الإنفاق على الخليلة ، والمخدرات ، أمر خارج عن دائرة القانون والتعامل المشروع ، وإنما أصاب الضرر مصلحة غير مشروعة لا ضمان فيها .

الفرع الثاني أن يكون الضرر محققاً
يشترط في الضرر أن يكون محققاً ، بأن ثبت على وجه اليقين والتأكيد ، فإن كان الضرر احتمالياً ، فلا يقوم الضمان عنه .
فلو تعرض شخص لحادث سير أدى إلى إتلاف سيارته وإصابته بجروح وكسور يمكن أن تتخلف عنها إعاقة جسدية دائمة ، فإن إتلاف السيارة والجروح والكسور تعد ضرراً محققاً يستحق عنه التعويض ، أما الإعاقة ، فهي ضرر محتمل ، يمكن أن يقع أو لا يقع ، فلا تعويض عنه . فإن اتضحت النتيجة النهائية وثبتت الإعاقة، صار الضرر في هذه الحالة محققاً واستحق المضرور التعويض عنه (1).
وإذا ضرب شخص امرأة حامل على بطنها ضرباً يحتمل معه إجهاضها، فلا يجوز لها أن تطالبه بالتعويض عن الإجهاض ما دام الجنين لا يزال في بطنها، فإذا أجهضت فقد تحقق الضرر ووجب التعويض(2). كما لا يمكن لمؤسسة خيرية أن تطالب بالتعويض عن الضرر الذي أصابها بسبب حرمانها من هبات رجل محسن كان يتبرع لها باستمرار.
ويعد محققاً بحسب الأصل كل ضرر حال قد وقع فعلاً، كإتلاف النفس أو المال . كما يمكن أن يكون محققاً كل ضرر مستقبل لم يقع بعد ، إذا تأكد أنه سيقع بعد حين ، بأن تحقق سببه وتراخت آثاره . فلو تعرض شخص لإصابة أفقدته القدرة على العمل بشكل نهائي ودائم ، ففصل من عمله وفقد أجره الذي كان يكسبه ، فإن العجز عن العمل وما يستتبعه من فقد الأجر من تاريخ الإصابة فصاعداً ضرر مستقبل ، فهو لم يقع بعد ولكن يجب التعويض عنه ، لأن تتالي وقوعه مع وحدات الزمن القادم أمر مؤكد فصار بذلك ضرراً محققاً . كما أن إصابة شخص بفيروس الإيدز إثر نقل دم ملوث له ، تجيز له المطالبة بالتعويض عن كافة النتائج المرضية التي سيتعرض لها مستقبلاً ، وإن كانت لا تظهر إلا بعد سنوات عديدة من حمله الفيروس ، باعتبارها أضراراً مستقبلية محققة ، مادام أنها مقطوع علمياً بحتمية وقوعها (1).

 الكسب الفائت ضرر محقق لا احتمالي.
الضرر قد يأتي بصورة خسارة تلحق المضرور، وهي كل مال كان في ذمة المضرور فخرج منها بسبب الفعل الضار، كإتلاف ملكه أو تكبده تكاليف إصلاح سيارته أو علاج نفسه بعد الحادث. كما قد يأتي بصورة كسب فاته ، وهو كل مال حال الفعل الضار دون دخوله إلى ذمة المضرور المالية ، كما لو اضطر صاحب محل تجاري إلى أن يغلق متجره طوال فترة مكوثه في المستشفى بعد تعرضه لحادث سير ، أو قعود صاحب سيارة أجرة عن الكسب طوال فترة بقائها في الورشة لإصلاحها إثر الحادث الذي تعرضت له بتعد من الغير ، أو حرمان مالك السيارة من الإنتفاع بسيارته طوال فترة الإصلاح واضطراره لاستخدام سيارة أخرى(2).
وفي كلتا الصورتين المتقدمتين يستحق المضرور التعويض، لأن الكسب الفائت، كالخسارة اللاحقة، ضرر محقق وليس ضرر احتمالي. وهو يكون كذلك سواء كان كسباً فائتاً حالاً، كما في الأمثلة المتقدمة ، أو كسباً مؤكد الفوات مستقبلاً، كما في تفويت قدرة المعاق جسدياً على الكسب طوال حياته المستقبلية بسبب حادث ألحق به عاهة مستديمة ، أو تسبب هذه الإعاقة في صرف جهة عمله النظر في ترقيته المستحقة (3) . وهذا ما قرره قانون المعاملات المدنية بنصه على أن : ( يقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون نتيجة طبيعية للفعل الضار ) (4) .

 تفويت فرصة الكسب.
يطرح التساؤل تقليدياً عن حكم الحرمان من فرصة ، وهل هو ضرر احتمالي لا ضمان فيه أم ضرر محقق يستوجب التعويض ؟
فيحصل أن يتسبب شخص بتعديه في تأخير طالب عن الوصول إلى قاعة الامتحان في الوقت المحدد فيحرم من دخول الامتحان ، أو أن تتأخر الطائرة التي تقل مسافر يقصد مكاناً للاشتراك في مسابقة للتعيين في وظيفة فتضيع عليه فرصة التعيين فيها ، أو يهمل محام في الطعن بالإستئناف في حكم قضائي حتى تنقضي المدة المحددة لذلك فتفوت فرصة الاستئناف على الموكل. في كل هذه الأمثلة يرى فقه القانون الوضعي (1) ، ويؤيده في ذلك القضاء في كثير من الدول (2) ، أن ما تتيحه الفرصة الضائعة من كسب هو أمر احتمالي لا يعوض عنه ، أما تفويت الفرصة فهو ضرر محقق لما يترتب عليه من زوال احتمال الكسب الذي كان قائماً ، فالفرصة بحد ذاتها تساوي شيئاً ما ، وهذا الشيء فقده المضرور نهائياً وهو ضرر يستحق التعويض الذي على القاضي تقديره بالنظر لمختلف الظروف بما في ذلك نسبة احتمال الكسب من عدمه . ولكن ما هو الموقف من تفويت الفرصة في القانون الإماراتي ؟
على خلاف حالة الكسب الفائت المنصوص على وجوب تعويضه في القانون الإماراتي، لم يرد في هذا القانون نص بشأن تفويت الفرصة ، الأمر الذي يقتضي الرجوع إلى قواعد الشريعة الإسلامية. وينسب المعاصرون من فقهاء الشريعة إلى الفقه الإسلامي قصره الضمان على الأضرار المادية الملموسة الواقعة فعلاً، وما كان مؤكداً من الأضرار المستقبلية التي تعد في حكم الواقعة ، أما المصالح أو الخسائر غير المؤكدة فلا يعوض عنها . ولكن ذهب بعضهم إلى أنه يمكن أن نجد مستنداً لتعويض تلك الأضرار في السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي فيما لا نص عليه ، عملاً بمبدأ السياسة الشرعية لإحقاق الحق وإقرار العدل ودفع الحرج والمشقة ، وأخذاً بمشروعية التعزيرات أو الغرامات المالية ، وبحسب ما تقتضيه الحاجة (3).
وهذا الرأي الأخير هو الذي تبناه المشرع الإماراتي عندما شمل في الضمان عنصر الكسب الفائت ، آخذاً في ذلك بالمفهوم الواسع للضرر المباشر واجب التعويض ، في الوقت الذي لا يعوض في أصل الحكم الفقهي الإسلامي إلا عن الأضرار الملموسة المتمثلة بعنصر الخسارة الواقعة فعلاً .
وقد جارى القضاء الإماراتي قانونه المدني ، عندما استقر على ضمان الكسب الفائت كعنصر من عناصر الضرر المادي ، لكنه أدخل في الكسب الفائت فرصة الكسب التي تشمل ما كان المضرور يأمل في الحصول عليه من وراء تحقق هذه الفرصة شريطة أن يكون هذا الأمل قائماً على أسباب معقولة من شأنها وفق المجرى العادي للأمور ترجيح كسب فوته عليه العمل الضار ، وباعتبار أن الفرصة وإن كانت أمراً محتملاً إلا أن تفويتها ضرر محقق (1)، وإن كنا نعتقد أنه في الكثير من هذه الحالات يتعلق الأمر بكسب مؤكد فائت وليس بمجرد تفويت فرصة مجردة .

المطلب الثاني صور الضرر

الضرر قد يكون مادياً وقد يكون أدبياً ، وهذا هو التصنيف المعتمد له لدى القضاء الإماراتي. ونرى كل منهما في فرع مستقل :

الفرع الأول الضرر المادي
وهو كل أذى ملموس محسوس يصيب جسد المضرور أو أمواله . وهذا الضرر يتفرع إلى
ضرر جسدي وضرر مالي (1).

أولاً- الضرر الجسدي .
ويطلق عليه في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي (أذى النفس) (2)، وقد أوجبت ضمانه المادة (299) من قانون المعاملات المدنية بنصها على أن : ( يلزم التعويض عن الإيذاء الذي يقع على النفس ) . وهو في القضاء الإماراتي عنصر من عناصر الضـرر المـادي ، ويعوض عنه منفرداً ، بغض النظر عن آثاره التبعية ، مالية كانت أو أدبية(3).
وهذا الضرر يشمل ما يلي :
1- الإصابات المميتة التي ينجم عنها إزهاق النفس البشرية المحترمة .
2- الإصابات غير المميتة . وتشمل صوراً عديدة للإيذاء تتدرج بحسب ما يلي :
أ‌- الإتلاف الكلي أو الجزئي للأعضاء ، كفقد يد أو عين أو أصبع أو شعر أو جلد .
ب‌- الفوات الكلي أو الجزئي لمنافع الأعضاء وأن بقيت على حالها ، كفقد العقل أو البصر أو القدرة على المشي أو الجماع أو الإنجاب ونحوها .
ت‌- فوات الجمال ، كتشويه الوجه وسائر الأعضاء.
ث‌- الجروح والكسور، ولو تعافى المضرور من الإصابة (1).
ج‌- الألم ، ولو تعافى المضرور من الإصابة.
والضرر الجسدي بهذا المعنى المحدد ، لا يختلف في أغلب صوره من إنسان لآخر ، فالخالق سبحانه وتعالى ساوى بين بني آدم ، فقيمة النفس البشرية المحترمة عند الله واحدة ، وفقد البصر واحد بالنسبة لكل الناس.وإذا كان هذا الضرر لا يتفاوت بتفاوت الناس بل بتفاوت الإصابة وحدها، وجب عندئذ أن يقدر بمعيار موضوعي ثابت ، وأن يكون مقدار تعويضه واحداً للجميع (2).
وهذا يسمح بتجنب تحكم القاضي في تقدير التعويض ، ويأذن للمشرع بتحديد مسبق للتعويض عن مختلف الإصابات الجسدية ، وهو ما أخذت به الشريعة الإسلامية والقانون الإماراتي بموجب نظام الدية والأرش المقدر ، والتي يشترط للحكم بها أن يكون الضرر قد استقر نهائياً وعرف نطاقه . على أن من صور هذا النوع من الضرر ما يختلف فيه الناس ، كالألم وبعض الجروح ، وهذا لا يمكن فيه التحديد المسبق لمقدار التعويض ، بل يجب أن يترك للسلطة التقديرية للقاضي ، وهو ما أخذ به الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي ، على ما سيلي بيانه لاحقاً.

ثانياً – الضرر المالي .
يكون الضرر مالياً إذا مس العناصر الإيجابية للذمة المالية للمضرور . وهو يشمل ما يلي :
1- كل صور الخسارة المالية : وتشتمل على كل ما يفقر الذمة المالية ، وهي يمكن أن تكون :
أ- خسارة أصلية، ناجمة عن الإضرار المباشر بالأموال، من أعيان وحقوق مالية أخرى، ومن صورها :
– الإتلاف الكلي أو الجزئي للأموال (3) ، كتدمير سيارة ، حرق بيت ، أو تمزيق بعض صفحات كتاب .
– غصب الأموال (1) ، وما يقوم مقامه من سرقة الأموال ، أو التقصير في حفظ الأمانة أو التعدي عليها .
– إنقاص قيم الأموال . كما لو ترتب على حادث السيارة نقص في قيمتها ، رغم إصلاحها على نفقة المسئول عن الضرر ، أو نتج عن مد أسلاك كهرباء ذات ضغط عال ، أو إقامة منشأة ملوثة للبيئة (2) ، نقص في قيمة العقارات المجاورة لها (3).
– تفويت المنافع . وبشأنها أخذ قانون المعاملات المدنية الإماراتي برأي جانب الفقه الإسلامي الذي يعتبر المنافع أموالاً يضمنها الغاصب كما يضمن العين المغصوبة ذاتها. فمن غصب مالاً وحرم مالكه من منفعته ، ألزم ، إضافة إلى رده إن كان قائماً أو مثله أو قيمته إن كان قد هلك ، بضمان منافعه وزواه (4). ويقاس على ذلك فوات منافع الأشخاص ، فرب العمل يستحق التعويض عن مبالغ الأجور التي يلزم قانوناً بدفعها للعامل المصاب بفعل من الغير مع تخلف العامل عن أداء العمل (5).
ب- خسارة تبعية، تنجم عن الإصابات الجسدية وتكون نتيجة مباشرة لها. وتشمل ما يتكبده
الشخص من نفقات العلاج ، كأجرة المستشفى والطبيب وثمن الأدوية أو الأجهزة البديلة سواء دفعت لعلاج المضرور نفسه أو لعلاج من هو ملزم بالإنفاق عليهم كأبويه وأولاده وزوجته(6). أو ما يتكبده الزوج بسبب وفاة زوجته بحادث من نفقات مربية تقوم بإرضاع ابنته منها ورعايتها والعناية بها ، ونفقات الزواج بامرأة أخرى (7).
2- كل صور الكسب الفائت (1) : وهي مثل الخسارة اللاحقة يمكن أن تكون أصلية أو تبعية :
أ- كسب فائت أصلي. كما إذا فوت شخص على آخر صفقة رابحة ، فلو تعاقد شخص مع آخر على أن يبع له مالاً مرابحة ، بثمنه الذي اشتراه وزيادة ربح محدد ، فأتلف ثالث المبيع قبل التسليم ، وفسخ المشتري البيع ، وجب على البائع رد الثمن للمشتري ، وجاز له الرجوع على المتلف بمثل المبيع أو قيمته ، مع حقه في المطالبة بالتعويض عن الربح الفائت . وكذلك حالة فوات دخل المضرور صاحب سيارة الأجرة بسبب حادث منع من الإستفادة منها طوال فترة إصلاحها . أو حالة نسخ غير مشروع لكتاب أو تقليد علامة تجارية محمية ، يفوت على صاحب الحق في استثمار الكتاب أو العلامة الكسب الذي كان سيجنيه والذي حرم منه بسبب بيع الكتاب المنسوخ أو البضاعة المقلدة (2).
ولا مانع في القانون الإماراتي من أن يكون الكسب الفائت عبارة عن ضياع الربح الممكن تحصيله من استثمار مبلغ من النقود لم يسدده المدين للدائن في الموعد المحدد ، ولكن على المضرور إثبات هذا الكسب الفائت ، إذ أنه لا يفترض ، وإلا عد فائدة محرمة (3).
ب- كسب فائت تبعي . وهو ما ضاع على المضرور من كسب نتيجة الإصابات الجسدية ، وهو يمكن أن يكون بصورتين :
أولاً – كسب يفوت على المصاب نفسه . سواء كان هذا الكسب حالاً أو مستقبلاً، كما في تفويت دخل مضرور يمتهن مهنة حرة طوال فترة عجزه المؤقت عن العمل(4) ، أو تفويت قدرة المصاب على الكسب ، مما يؤدي إلى حرمانه مما يتقاضاه من الأجر بسبب تسريحه من العمل ، أو منعه من الإستفادة من دخل عمل مثمر يمكن أن يحصل عليه مستقبلاً . هذا وقد استقر القضاء الإماراتي على أن القضاء بالدية أو الأرش لا يحول دون القضاء بتعويض عن فوات الكسب المادي إذ ثبت أن الإصابة قد فوتت على المضرور كسباً محققاً(1).
ثانياً- كسب يفوت على الغير . ويتمثل بحرمان الغير من الإستفادة من دخل المضرور الذي
فات بسبب الإصابة (2).
ولكن من هو الغير الذي يجوز له المطالبة بضمان هذا الكسب الفائت ؟
الاتجاه الغالب يذهب إلى تعميم معنى الغير ليشمل كل من يعتمد في معيشته على المضرور، سواء كانت إعالته شرعية قانونية أو على سبيل الإحسان(3). ويترب على هذا الاتجاه، أنه لو توفي شخص بحادث ، وكان قد اعتاد الإنفاق على شخص فقير لا تربطه به صلة قرابة ، كان للأخير الحق في المطالبة بالتعويض عن انقطاع النفقة، متى اثبت أن إنفاق المتوفى عليه أخذ صفة الدوام والاستقرار. بمقابل ذلك لو كان لدى المتوفى ولد كبير استقل اقتصادياً عن أبيه الذي لم يعد ينفق عليه، فإنه لا يستحق التعويض لأنه غير معال ، وبالتالي لم يتضرر مالياً من موت أبيه .

أما قانون المعاملات المدنية الإماراتي فقد جاء فيه النص على ضمان أذى النفس عاماً ومقتضباً ، عندما أشارت المادة (299) منه إلى أنه : ( يلزم التعويض عن الإيذاء الذي يقع على النفس . على انه في الحالات التي تستحق فيها الدية أو الأرش فلا يجوز الجمع بين أي منهما وبين التعويض ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك ) . وعموم هذا النص يسمح للمعالين، بصرف النظر عن طبيعة إعالتهم ، شرعية قانونية أو إعالة على سبيل الإحسان ، بالمطالبة بالتعويض عن انقطاع الإعالة بسبب الفعل الضار .
وغالب القضاء الإماراتي يحصر الحق في التعويض بالمعالين من ورثة المتوفى ممن تجب عليه إعالتهم شرعاً وقانوناً(1). في حين عممت بعض الأحكام هذا الحق على الورثة ، مساوية في ذلك بين المعالين وغير المعالين منهم ، استناداً إلى أن دخل المورث الذي انقطع بسبب الوفاة قد لا يذهب كله للمعالين ، فقد يدخر منه شيئاً يدخل في تركته عند وفاته ، فيشترك فيه كل الورثة . ولهذا ذهبت هذه الأحكام إلى توزيع هذا النوع من التعويض المستحق ، كما توزع الدية ، بحسب أنصبة الميراث .
ونحن نخالف هذا التوجه ونرى ضرورة التمييز بين كل من الدية والتعويض ، بحيث يختص الورثة فقط ، معالين أو غير معالين، بدية الوفاة وتوزع بينهم وفق أنصبتهم في الميراث ، لوجود نصوص شرعية تقرر ذلك، في حين يستحق المعالين من الورثة ومن غيرهم التعويض عن انقطاع الإعالة، ويوزع عليهم بحسب حاجتهم لها ، بحيث يمنح الصغير الذي يحتاج إلى الإعالة مدة أطول من غيره تعويضاً أكبر ، ولا يميز بين الذكر والأنثى ، فقد تكون الأنثى أكثر حاجة للإعالة من الذكر أحياناً (2).

الفرع الثاني الضرر الأدبي
وهو الأذى الذي يتعرض له الشخص في شعوره وعاطفته بسبب الإعتداء على شرفه أو عرضه أو كرامته أو سمعته أو مركزه الاجتماعي .

أولاً – مبدأ تعويض الضرر الأدبي .
ثار جدل بشأنه في الفقه الإسلامي والغربي على السواء , فرفض البعض تعويضه بدعوى أنه غير قابل للضبط والقياس ، فيصعب تقديره ، وأن تعويضه يتعارض مع الخلق الكريم ، فكم من المال يكفي للتعويض عن الكرامة أو الشرف المهان ؟ في حين أقر البعض التعويض عنه، بحجة أن صعوبة تقدير التعويض أمر يعرض للقاضي في الضرر المادي أيضاً ، فلا يجوز أن يحول ذلك دون اقتضاء الشخص لحقه ، خصوصاً أن القصد من تعويض الضرر الأدبي ليس إزالة الضرر وإنما مجرد إيجاد بديل وترضية المضرور ومواساته ورد اعتباره (1).
هذا الجدل لم يعد منتجاً في وقتنا الحاضر ، بعد أن أقرت جميع الشرائع والقوانين ومنها القانون الإماراتي التعويض عن هذا النوع من الضرر ، فقد نصت المادة (293/1) من قانون المعاملات المدنية على أن : ( يتناول حق الضمان الضرر الأدبي… ) (2).

ثانياً- صور الضرر الأدبي .
للضرر الأدبي صورتان هما :
أ- الضرر الأدبي المجرد .
وهو الأذى المعنوي الذي يتعرض له الشخص بسبب التعدي عليه في حريته أو عرضه أو شرفه أو سمعته أو مركزه الاجتماعي أو اعتباره المالي(3). فمن يتأذى نفسياً بسبب خطفه أو تقييد حريته دون وجه حق ، ومن يعاني من الإعتداء على عرضه وشرفه ، بالسب أو القذف أو تشويه السمعة ، والتاجر الذي يتهم باطلاً في أمانته أو ترفع ضده دعوى كيدية ، فيؤدي ذلك إلى كساد تجارته والإساءة إلى اعتباره المالي ، من حق كل هؤلاء وأمثالهم المطالبة بالتعويض عن هذه الأضرار الأدبية . ولا خلاف في القضاء الإماراتي على تعويض هذا الصنف من الضرر الأدبي (1) .
ب- الضرر الأدبي الناجم عن الإصابات الجسدية . ويتصور أن يصيب الضرر الأدبي المضرور نفسه، أو غيره.

أولاً- الضرر الأدبي للمصاب نفسه .
مقارنة بالألم الذي يتعرض له المضرور بسبب الإصابة في لحمه ودمه، فهو يمكن أن يتأذى أيضاّ معنوياً في نفسه وأحاسيسه. فمن يتعرض لإصابة جسدية غير مميتة، لابد أن يعاني من تشويه جسده، أو شعور بالنقص بسبب الإعاقة وما يستتبعها من وصفه بالمعاق ، ونظرات العطف التي تلاحقه في كل مكان ، أو الخوف على مصير عائلته التي لا معيل ولا سند لها غيره .
هذا النوع من الضرر الأدبي لا تنص القوانين صراحة على التعويض عنه ، واختلف القضاء في تعويضه . فأغلب أحكام المحاكم الفرنسية ترفض التعويض عنه ، باعتبار أنه يندرج ضمن تعويض التشوهات والآلام الجسدية وفقدان مباهج الحياة التي نشأت عنها المعاناة النفسية ، وأن تعويض هذه المعاناة مستقلة يؤدي إلى تعويض المضرور مرتين ، الأمر الذي يؤدي إلى تضخم مبلغ التعويض وهو أمر غير مرغوب فيه (2).
أما القضاء العربي، فيمكن تصنيف رأيه بشأن تعويض هذا النوع من الضرر الأدبي إلى صنفين :
الأول ، وهو قضاء الدول التي لا تأخذ بفكرة ضمان الضرر الجسدي بموجب الدية والأرش ، وهو يجيز التعويض عن هذا الضرر ، في الغالب شعوراً منه بعدم القدرة على منح المضرور مبالغ تعويض كبيرة ، لأسباب إقتصادية في الغالب ، فيحاول التخفيف من الأثر السلبي على المضرور من خلال التوسع في عناصر الضرر وبالأخص الضرر الأدبي .
والثاني ، وهو قضاء الدول التي تأخذ بضمان أذى النفس من الفقه الإسلامي، وهو لا يجيز تعويض المعاناة النفسية المجردة الناجمة عن الإصابات الجسدية. فمحكمة التمييز الأردنية مثلاً ترى بأن: ( المقصود بالضرر الأدبي حسب مفهوم القانون هو الضرر الناتج عن التعدي على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي ، حسب أحكام المادتين (266،267) من القانون المدني . وعلى ذلك فإن مطالبة المدعي المميز بالتعويض عن الضرر المعنوي بناءً على ما عاناه من آلام نفسية نتيجة إصابته في حادث الصدم هو خروج على مفهوم الضرر الأدبي ، لأن مشاعر الألم من الجروح لا تدخل في اعتبار الضرر الأدبي ) (1).

1- موقف القانون الإماراتي من تعويض الضرر الأدبي للمصاب .

• الموقف في التشريع الإماراتي .
لم يرد في قانون المعاملات المدنية الإماراتي نص صريح يقرر تعويض المضرور عن الضرر الأدبي التابع لإصابته الجسدية ، كما فعل بشأن الضرر الأدبي المجرد . ومع ذلك فإننا نعتقد أن تعويض هذا الضرر كان حاضراً في ذهن المشرع عندما قرر الانحياز إلى رأي القابلين بالتعويض عن الضرر الأدبي عموماً . ويمكن أن نستخلص ذلك مما يلي :
أ‌- في معرض تأييدها لقبول القانون الإماراتي بتعويض الضرر الأدبي ، أشارت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون إلى آراء فقهاء بعض المذاهب الإسلامية مما تراه مؤيداً لتعويض هذا الضرر، وكل هذه الآراء جاءت في معرض الحديث عن الضرر الناجم عن الإصابات الجسدية . ومن ذلك وجوب حكومة العدل بقدر ما لحق من الألم في الجراحات التي تندمل دون أثر عند الأحناف ، ووجوبها في الألم والإيلام وفي فوات الجمال في إزالة الشعر لما فيه من الزينة عند الزيدية ، ووجوبها في قطع حلمتي الثديين إن لم يذهب اللبن بقدر الشين عند بعض الحنابلة ، ووجوب الأرش عند الشيعة في قلع العظم الذي ينبته الإنسان مكان السن المقلوعة ، لما فيه من الألم والشين (1). مع ملاحظة أن الأضرار المتقدمة ، الألم والشين وفوات الجمال ، عدا الإيلام ، تعد في الفقه الإسلامي من الأضرار المادية لا الأدبية ، ويعوض عنها فيه بهذا الإعتبار .
ب‌- إن الفقرة الثانية من المادة (293) من قانون المعاملات المدنية تجيز صراحة القضاء بالضمان للأزواج والأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر أدبي ناتج عن موت المصاب. وليس من المعقول أن نعوض شخصاً عما شعر به من معاناة بسبب موت قريبه ، ولا نعوض المضرور نفسه إن ظل على قيد الحياة عن معاناته الناجمة عن الإصابة .
ت‌- في معرض حديثها عن انتقال التعويض عن الضرر الأدبي ، ميزت المذكرة الإيضاحية بين التعويض المستحق لأقارب المتوفى عما يشعرون به من ألم بسبب فقده ، وهم يستحقونه في كل الأحوال ، وبين التعويض الواجب للمضرور عن الضرر الأدبي الذي أصابه شخصياً، وهو لا ينتقل إلى الورثة بالوفاة إلا إذا تحدد مقداره من قبل باتفاق خاص أو حكم نهائي . وفي هذا إقرار صريح بحق المضرور في الإصابة الجسدية بالتعويض عن الضرر الأدبي الناجم عن هذه الإصابة .
نخلص من ذلك كله إلى حقيقتين واضحتين تمام الوضوح :
الأولى : إن قانون المعاملات المدنية الإماراتي قد أقر مبدأ تعويض الضرر الأدبي ، وبدا هذا واضحاً من نص المادة (293) وما جاء بشأنها في المذكرة الإيضاحية للقانون .
الثانية : إن إقرار هذا المبدأ لا يعني تعويض الضرر الأدبي في كل الأحوال ، إنما يعوض منه ما لا يتداخل مع صور أو عناصر أخرى للضرر ، لكي لا يحصل ازدواج أو تعويض لضرر واحد مرتين .
ويبدو أن المعاناة النفسية التي يتعرض لها المضرور في الإصابات الجسدية يتداخل ضمانها ، في الفقه الإسلامي والقانون الإماراتي ، مع ضمان الألم الجسدي والتشويه أو الشين وتفويت الجمال ، وفقدان الأعضاء ومنافع الجسد البشري ، فيمتنع عندئذ تعويضها لسبب يتعلق بالقواعد التي تحكم تقدير التعويض وليس لكونها تخرج عن نطاق الضرر القابل للتعويض .
ولهذا السبب ، كما نعتقد ، لم ينص القانون الإماراتي على تعويضها كعنصر مستقل للضرر، في الوقت الذي نص فيه صراحة على تعويض الضرر الأدبي المجرد ، المتمثل في الإعتداء على الشرف والكرامة والسمعة ، والضرر الأدبي الذي يصيب القريب من موت قريبه ، لأنها لا تتداخل مع عناصر أخرى للضرر ولا يعوض عنها بأية مناسبة أخرى .

2- موقف القضاء الإماراتي .

ويمكن تلخيص موقفه بالآتي :
أ- المحكمة الإتحادية العليا ، وقد تفاوت قضاءها في هذا الشأن ، فقبلت التعويض عن هذا الضرر في بعض أحكامها ، تارة تحت ستار السلطة التقديرية لقضاة الموضوع في تقدير التعويض الجابر للضررين المادي والأدبي(1) ، وبشكل سافر ودون تحفظ تارة أخرى(2) .
على أن المحكمة قد رفضت في أحكام أخرى وبشكل واضح التعويض عن هذا الضرر. ونحن نؤيد توجهها الأخير ، لقيامه على سند قانوني ومنطقي مفاده أن الضرر الأدبي المتمثل في المعاناة الناتجة عن الإصابة الجسدية يتداخل مع الإصابة ذاتها ، أي فقدان العضو أو فوات المنفعة والتشويه وفوات الجمال ونحوها ، والتي تعوض في القانون الإماراتي بالدية أو الأرش التي من مقاصدها ترضية المضرور ومواساته من هذه الإصابة ، فلا يصح بعد ذلك تعويض المعاناة النفسية بشكل منفرد ، وإلا كان ذلك تعويضاً عن ضرر واحد مرتين (1).
• قبول المحكمة التعويض عن الضرر الأدبي المرتبط بالإصابة الجسدية وغير المتولد عنها بذاتها .
يلاحظ أن بعض أحكام المحكمة الإتحادية الأكثر حداثة قد استثنت من المنع الحالة التي يرتبط فيها الضرر الأدبي بالإصابة الجسدية ، ولكن لا يتداخل معها ولا ينجم عنها بذاتها.
فهي قد قضت بتعويض الأم المصابة عن ضررها الأدبي المتمثل في معاناتها طيلة عشر أشهر تحت العلاج ، ليس من مجرد الإصابة ، بل مما نجم عنها من عدم قدرتها على إرضاع وليدها فضلاً عن قلقها على صحته وسلامته نتيجة حرمانها من رعايته في وقت هو فيه بأمس الحاجة لهذه الرعاية (2).
على أنها أيضاً سمحت بتعويض المضرور في الحالة التي يتخلف فيها عن فقد العضو أو منفعته شين أو تشويه يلحق بالمضرور آلاماً نفسية، باعتباره تعويضاً عن ضرر آخر خلاف ذلك الذي تغطيه الدية (3). ونحن نختلف مع المحكمة في هذا الحل ، ذلك أن الغالبية العظمى من حالات فقد الأعضاء أو منافعها يترتب عليها الشين والتشويه ، إلا في بعض حالات الأعضاء الداخلية أو المستورة ، الأمر الذي يفرغ مبدأ المنع من محتواه . ثم لماذا نسمح لمن بترت ساقه مثلاً أن يجمع بين التعويض عن الضررين المادي المتمثل بفقد العضو والأدبي المتمثل بالشين الذي لحق بجسده، ولا نقضي لمن شوه وجه دون أن يفقد له عضو أو منفعة إلا بالتعويض عن التشويه الذي هو ضرر مادي .

• قبول المحكمة التعويض عن الضرر الأدبي في الحالات التي تستحق فيها حكومة العدل .
إن سند المحكمة الإتحادية العليا في رفض تعويض الضرر الأدبي للمصاب ، أن القانون الإماراتي يعوض عن الضرر الجسدي بالدية أو الأرش التي من مقاصدها ترضية المضرور ومواساته من هذه الإصابة ، فلا يصح بعد ذلك تعويض المعاناة النفسية بشكل منفرد ، وإلا كان ذلك تعويضاً عن ضرر واحد مرتين ، وهو ما يخالف منطوق المادة (299) من قانون المعاملات التي تمنع الجمع بين الدية أو الأرش والتعويض . لهذا ذهبت بعض أحكام المحكمة إلى قبول تعويض المضرور عن هذا الصنف من الضرر الأدبي ، عندما لا يستحق عن إصابته الجسدية الدية أو الأرش ، إنما حكومة العدل ، بحيث يجمع المضرور بين التعويض عن الإصابة ذاتها والتعويض عن الضرر الأدبي الناجم عنها (1).
ونحن نؤيد المحكمة في هذا التوجه ، فحكومة العدل هي تقدير قضائي للتعويض ، يجب على القاضي عند تقديره احترام مبدأ التعويض الكامل للضرر، الذي يشترط شمول التعويض لكل عناصر الضرر المادية والأدبية ، ما دام أن الضرر الأدبي داخلاً في القانون الإماراتي ضمن الضرر القابل للتعويض ، سواء أفرد لكل من عنصري الضرر تعويضاً مستقلاً أو عوضهما معاً بمبلغ إجمالي .
• محكمة تمييز دبي ، وترى حق المضرور في الإصابات الجسدية في المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي الناجم عن الإصابة (2)، وذلك لعدم شموله بالتعويض المتمثل بالدية والأرش، لاقتصارهما فقط على تعويض الإصابة ذاتها . والقول بعدم تعويض المعاناة النفسية بشكل منفرد ، سيبقي على عنصر من عناصر الضرر دون تعويض ، وهو أمر مخالف لقواعد الشريعة والقانون ، التي تشترط في التعويض أن يغطي كامل الضرر الواقع فعلاً .

ثانياً – موقف القانون الإماراتي من تعويض الضرر الأدبي للغير .

• الموقف في التشريع الإماراتي .
تنص الفقرة الثانية من المادة (239) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على أنه : ( ويجوز أن يقضى بالضمان للأزواج والأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر أدبي بسـبب مـوت
المصاب).
وهذا النص يقرر صراحة التعويض عن الضرر الأدبي المتمثل بالشعور بالحزن والفجيعة والمعاناة النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الشخص بسبب موت عزيز له . ويطلق على هذا الضرر في فقه القانون الوضعي الضرر الأدبي المرتد ، لأن أصل الضرر كان جسدياً تعرض له المضرور المباشر ، وتمثل في فقد حياته ، وهو ضرر مادي ، غير أنه انعكس على شكل ضرر أدبي تعرض له المحبون من أقاربه .

أ‌- المستحقون للتعويض عن هذا الضرر .
حدد القانون الإماراتي الأشخاص الذين يحق لهم المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي بسبب موت المصاب بالأزواج والأقربين من الأسرة . وهذا يعني أن للزوج الحق في المطالبة بالتعويض عند موت زوجته ، وللزوجة أو الزوجات إن تعددن أن يطالبن به مادمن على ذمته عند وفاته . أما الأقارب فقد خص منهم القانون الأقربين من الأسرة ، وهم الأقارب من النسب، ذلك أن المادة ( 76) من قانون المعاملات المدنية تنص على أن : (1- تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه. 2- ويعتبر من ذوي القربى كل من يجمعهم أصل مشترك ) . ولكن لا يهم بعد ذلك أن يكونوا من القرابة المباشرة (1)، كقرابة الابن لأبيه ، أو غير المباشرة (2)، كقرابة الأخ لأخيه .
ولم يشترط القانون الإماراتي درجة من القرابة لاستحقاق التعويض ، بل ترك الأمر لتقدير القاضي(3)، الذي عليه أن يتحرى من أصيب من أسرة المتوفى بالحزن والفجيعة ممن لا يقتصر أمرهم على رغبة الإفادة مالياً ، وممن كانوا يكنون للمتوفى من عواطف الحب والولاء(4). وبهذا التحديد يخرج عمن يحق له المطالبة بالتعويض عن هذا النوع من الضرر الأدبي، أقرباء المصاهرة ، كوالدي الزوجة مثلاً ، والأقارب من الرضاعة ، والصديق والجار والمعلم ، مهما كانت تربطهم بالمتوفى علاقة حميمة ، وأياً ما كان الحزن الذي شعروا به إثر رحيله . كما لا يستحق التعويض أيضاً كل من استحال عليه الشعور بالمعاناة لفقده ، حال الموت أو مستقبلاً ، بسبب جنون مطبق مثلاً . ولكن هذا لا يسري على الصغير غير المميز ، فمن كان صغيراً غير مدرك عند موت أبيه ، لا يعاني حينها من هذا الموت ، لكنه سيشعر يوماً ما بالحزن وسيعاني حتما من ذل اليتم ، وهذا ضرر مستقبل مؤكد الوقوع لابد من تعويضه عنه(1).

ب‌- سبب الإستحقاق .
ضمن سياسته في عدم التوسع في تعويض الضرر الأدبي ، وغلق الباب أمام استغلال المسئول عن الضرر والإثراء على حسابه ، لم يسمح الـقانون الإماراتي للزوجة والأقارب بالمطالبة بالتعويض عن الإصابة الجسدية لقريبهم إلا إذا أدت هذه الإصابة إلى موته .وهذا يعني أنه مهما كانت الإصابة الجسدية جسيمة ، كما لو أدت إلى الإعاقة الشديدة ، وحتى لو ثبت على وجه اليقين تأثر وحزن أحد الأقارب الشديد من هذه الإصابة ، فلن تقبل مطالبته بالتعويض عن هذا الضرر الأدبي .
وقد تمسكت المحكمة الإتحادية العليا الإماراتية بهذا الموقف المعلن لقانون المعاملات المدنية ، فرفضت في أكثر من حكم تعويض الأقرباء عما يشعرون به من معاناة بسبب أذى آخر غير الوفاة أصاب قريبهم ، مشيرة إلى أن : ( المشرع بعد أن قرر مبدأ التعويض عن الضرر الأدبي بيِّن من يحق له المطالبة به وهو المضرور ، وكذا من يضار أدبياً بسبب موت المصاب من أزواج وأقارب ، ومن ثم فإنه إذا ظل المصاب على قيد الحياة فإن هؤلاء – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – لا يستحقون تعويضاً عن الضرر الأدبي بسبب الإصابة )(2) .
أما محكمة تمييز دبي ، فقد خرجت في بعض أحكامها عن ذلك الموقف ، عندما عوضت الأقارب عن ضررهم الأدبي في إصابات جسدية غير مميتة ، حجتها في ذلك أن نص قانون المعاملات المدنية على جواز القضاء بالضمان للأزواج والأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر أدبي بسبب موت المصاب ، جاء ليحدد المستحقين للتعويض وليس حالات وأسباب استحقاقه من وفاة أو إصابة ، وما دامت القاعدة هي التعويض عن عموم الضرر الواقع فعلاً ، فإن القريب يستحق التعويض كلما تعرض لمعاناة حقيقية من إصابة قريبه ، سواء كانت هذه الإصابة مميتة أو غير مميتة (3) .
ونحن لا نتفق مع تخريج محكمة تمييز دبي للمسألة ، إذ أن الفقرة الثانية من المادة (239) كما حددت المستحقين للتعويض ، وهم الأزواج والأقارب ، حددت أيضاً حالة الإستحقاق ، وهي موت المصاب ، وإن كنا نتفق مع هذه المحكمة في النتيجة التي وصلت إليها من حيث إقرارها التعويض في غير حالة الموت . فرغم أن الحياة ، مهما كان شكلها ، هي دائماً أمر إيجابي مقارنة بالموت ، إلا أن هناك من الحالات ما يكون فيها موت القريب ، أرحم على ذويه ومحبيه من حياته ، فقد يسلو الأب ، وإن بصعوبة ، فلذة كبده وينساه أو يتناساه بعد مدة من وفاته ، لكن كيف ينسى ابناً مشلولاً طريح الفراش يرى معاناته بأم عينه صباح مساء (1). لذلك نحن ندعو إلى النص صراحة على تعويض الشخص عن ضرره الأدبي الناجم عن الإصابات الجسدية غير المميتة لزوجه أو قريبه ، بشرط أن تكون هذه الإصابة جسيمة .

• الموقف في القضاء الإماراتي .
بالنسبة لحق الأزواج والأقربين بالمطالبة بالتعويض عن ضررهم الأدبي الناجم عن موت المصاب ، فهو الآخر قد اختلف بشأنه القضاء الإماراتي رغم وجود نص صريح يقرره .
فالمحكمة الاتحادية العليا ، قد منعت على أقارب المتوفى طلب التعويض عن الحزن الذي يشعرون به من موت قريبهم ، واكتفت بتقرير حق ورثته في دية الوفاة . حجتها في ذلك أن الحكم بالدية يشمله بالضرورة لدخول ذلك الطلب في الغاية من الحكم بالدية وهي ترضية الورثة ومواساتهم عن فقد مورثهم ، فلا يمكن بعد ذلك تعويضهم مرة أخرى وبشكل مستقل عن ذات الضرر(2). أما نص قانون المعاملات المدنية الذي يقرر حق هذا الحق للأزواج والأقارب ، فهو بالنسبة للمحكمة الإتحادية العليا في حكم المعطل .
أما محكمة تمييز دبي ، فضمن توجهها في إعتبار الدية والأرش بدلاً عن الإصابة الجسدية ذاتها فحسب ، سواء كانت مميتة أو غير مميتة ، أجازت لأقارب المتوفى المطالبة بالتعويض عن ضررهم الأدبي الناجم عن فقده ، باعتباره ضرراً مستقلاً قد أصابهم شخصياً ، إضافة للدية التي هي تعويض يثبت فيه الحق للمتوفى ثم ينتقل منه إلى الورثة بوفاته. وبالتالي فالاثنين يشكلان تعويضاً عن ضررين مختلفين لا ازدواج بينهما (1).
ونحن نعتقد أن الحكم في هذا الموضوع يجب أن يستند إلى طبيعة الدية ، وفيما إذا كانت حقاً موروثاً يمر عبر الذمة المالية للمتوفى ، أو حقاً شخصياً للورثة يثبت على ملكهم مباشرة دون أن يمر عبر ذمة المورث .
فإذا نظرنا إليها على أنها بدل عن حق المتوفى في الحياة ، ينشأ للمصاب ذاته ، ثم ينتقل منه إلى الورثة بوفاته ، يجب أن نسمح للورثة بالمطالبة بالتعويض إذا استطاعوا إثبات ضرر أدبي شخصي أصابهم من الوفاة ، وهذا يؤيد توجه محكمة تمييز دبي .
أما إذا اعتبرنا الدية تعويضاً عن ضرر شخصي أصاب الورثة من وفاة مورثهم ، يثبت مباشرة في ذمتهم الشخصية ولا ينتقل إليهم من مورثهم ، وهذا الضرر الشخصي الذي تعوض عنه الدية ليس إلا ذلك الضرر الأدبي المتمثل بالحزن على فقد عزيز ، وجاءت الدية لترضية الورثة ومواساتهم عنه، فيجب عندئذ عدم السماح لهم بالمطالبة بتعويض آخر عن هذا الضرر. وهذا يؤيد توجه المحكمة الإتحادية العليا الذي نميل إليه ، لكن هذه المحكمة قد خرجت عن مقتضى هذا التحليل ، فهي من جهة اعتبرت دية الوفاة تعويضاً موروثاً يستحق للمتوفى قبل وفاته ويدخل في ذمته المالية ويتلقاه ورثته كجزء من تركته (2) ، لكنها من جهة أخرى حرمت هؤلاء من المطالبة بالتعويض عما أصابهم من ضرر أدبي شخصي !
على أننا مع ذلك لا نوافق هذه المحكمة في تعطيلها لنص الفقرة الثانية من المادة (239) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي الذي جاء فيه: ( ويجوز أن يقضى بالضمان للأزواج والأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر أدبي بسبب موت المصاب ). ونرى ضرورة احترام إرادة المشرع الذي تبنى هذا النص والاستفادة منه بقدر الامكان . ونعتقد أنه سيكون مفيداً بالنسبة لأقرباء المتوفى من غير الورثة، فهؤلاء لا يستحقون في دية الوفاة ، لأنها شرعاً محصورة بالورثة ، ومع ذلك فمنهم من هو على درجة قرابة قريبة جداً من المتوفى كأخيه ، ولا شك في شعوره بالحزن لفقده، ولكن للمتوفى فرع وارث يحجبه من الميراث ،عندئذ يستطيع القاضي إعمال النص المتقدم ويمنح للأخ تعويضاً عن الضرر الأدبي الذي أصابه من موت أخيه.