العلاقة بين الإدارة المركزية والإدارة المحلية في الجزائر

الدكتور/ غانم عبدالغني
أستاذ في فرع التهيئة الحضرية – رئيس قسم التهيئة العمرانية
كلية علوم الأرض والتهيئة العمرانية – جامعة منتوري – قسنطينة – الجمهورية الجزائرية

تمهيـد :

في بداية القرن التاسع عشر كان نشاط الحكومات في الدول التي نسميها في عصرنا الحاضر بالدول المتطورة نشاطا محدود النطاق ، يقتصر على بعـض المرافق العامة(2) الضرورية لحماية كيان الدولة، كحمايتها من العدوان الخارجي و صيانة أمنها الداخلي. و لذلك كان تركيزها لجميع الهيآت الإدارية في يد السلطة المركزية بالعاصمة. إلاّ أن وظيفة الدولة قد اتسعت في بداية القرن العشرين فلم تعد محصورة على الأمن الداخلي و صدّ الغزو الخارجي و إقامة العدالة بين الناس بل أصبحت تتدخّل في أنواع من الخدمات كانت تعتبر من صميم النشاط الخاص هادفة إلـى رعايـة المواطنيـن اجتماعيا والعمـل على إتباع سياسة التوجيـه الاقتصادي و التخطيـط الاجتماعي.
و لا شك أن تحقيق العدالة الاجتماعية يقتضي تمكين جميع المواطنين في كافة أنحاء الدولة من التمتّع بالخدمات التي تؤدى إليهم. و لقد ثبت أن قيام السلطة المركزية بجميع المرافق العامة من وطنية وإقليمية يتعارض مع عدالة توزيع الأعباء الضريبية. فإن مراكز الولايات و المدن الكبرى تستأثر بالنصيب الأكبر من خدمات الدولة ومرافقها بينما يحرم منها دافعوا الضرائب من المقيمين بالأرياف. وهنا تنعدم العدالة الاجتماعية وعلى العكس من ذلك يقتضي التنظيم الإقليمي للبلديات أن يخصص ما يتحمله سكان البلدية (3) من أعباء ضريبية محلية لصرفـه فـي المرافق المحليـة و فـي هذا ضمان لوصـول الخدمات العامــة إلى المواطنيـن عبر المجال الوطني.
و قد ترتّب عن ذلك أنه قد أصبح من العسير على الإدارة المركزية أن تنهض وحدها بتلك الأعباء في كافة أقاليم البلاد ، في حين أن بعض هذه المرافق الجديدة مرافق محلية بحتة و بعضها مرافق وطنية . فعمدت الدولة إلى إقامة الهيآت العامة المحلية التي تتولّى إدارة المرافق المحلية على مستوى البلديات ممّا يخفّف من المهام الملقاة على عاتق الدولة، و بذلك تستطيع الحكومة المركزية التفرّغ للمرافق الوطنية الأكثر أهمية. و قد ثبت من تجارب الدول الديمقراطية أن المركزية الإدارية لا تتّفق مع النظام النيابي السليم، و أنه كلما ازدادت الدولة في الأخذ بالتركيز الإداري كلما كان نظامها النيابي غير سليم.و ليس من شكّ في أن إشراك المواطنين في إدارة شؤونهم المحلية يعمل على تربية المواطنين تربية سياسية صالحــة و يدريـهم على الحيـاة النيابيـة.
مع العلم أن الهيآت العامة المحلية تعتبر مدرسة عملية لتخريج أفضل الأعضاء للمجالس النيابية التشريعيـة فـي الدولـة.
و ممّا يؤدي إلى حسن العلاقة بين الإدارة المركزية و الإدارة المحلية ، أن الإدارة المحلية تتيح للبلديات فرصة ممارسة تجارب إدارية متعددة بغية الوصول إلى أفضل الأوضاع لإشباع حاجات المواطنين المتزايدة.
هذه هي الأسباب التي جعلت الدول المتطورة منذ بداية القرن التاسع عشر إلى الأخذ بنظام الإدارة المحلية و العمل على اتساع نطاقه. و لا شكّ أن هذه الأسباب متاحة في الجزائر و في البلدان العربية جميعها بل أن الظروف التـي مـرّت بهـا الجزائـر خاصـّة و الأمّة العربية بصفة عامـّة تجعلها أحـوج من غيـرها إلـى إتّبـاع نظـام الإدارة المحليـة.

أولا – نظام الإدارة المحلية بالجزائر
ورثت الجزائر تركة ثقيلة بعد الاستقلال و خاصّة بعد مغادرة الفرنسيين تمثّلت في انعدام الإطارات الجزائرية القادرة على إدارة الشؤون الإدارية ممّا أوقع البلديات في حالة خطيرة جدّا بالإضافة إلى ذلك فإن البلديات المختلفة عانت من عجز مالي كبير تمثّل بتناقص خطير في الموارد المالية مع زيادة كبيرة في النفقات نتيجة الواجبات الاجتماعية المفروضة على البلديات و خاصة المساعدات التي كانت تمنحها البلديات للمواطنين الذين تضرّروا أكثر بسبب حرب التحرير الوطني و أدّى ذلك بالدولة إلى أن تتدخّل وتنظّم دورات تدريبية خاصةّ و ملتقيات لصالح موظّفي البلدية الجدد. كما أن الدولة اضطرت لكي تخلق علاقة إيجابية بين الإدارة المركزية و الإدارة المحلية بتزويد الجماعات المحلية (البلديات) بالخدمات والمرافق الاجتماعية الأولى و تحقيق البنى التحتية التي تستهدف تحسين المستويات و الدّخل المتوسط للفلاّحين على وجه الخصوص و كذلك إصلاح حالة الديون المتراكمة على البلديات .
كما اضطرت الدولة كذلك في ميدان التنظيم الإقليمي البلدي إلى ضرورة إعادة تقسيم البلديات والولايات(4) ممّا خفّف بصورة محسوسة من أعباء تسيير البلديات و أقامت للبلدية أساسا ماليا وبشريا أكثر نفعا ونظرا لأن هذه العمليات وتلك التدابير التي فرضتها الاعتبارات التطبيقية والاهتمام بحسن التسيير الإداري والمالي لا يمكن أن يكون لها إلاّ آثار محـدودة التنظيم الكلّي للأجهزة البلدية ضمن آفاق جديدة وهي: العلاقـة بيـن الإدارة المركزيـة و الإدارة المحليـة و نظـرا لأن اللامركزية الضروريـة والمدروسة تبعا لاختيار الجزائر السياسي و الاقتصادي و ذلك ببعث وتنمية المساهمة المباشرة والإيجابية والدائمة للبلدية .
مع العلم أن الجزائر ورثت 1526(5) بلدية أغلبها يفتقر إلى الإمكانات البشرية و المادية بسبب صغر أحجام مراكزها . و لهذا ألغي أكثر من نصفها بعد الاستقلال ليصبح عددها 632 بلدية حسب ما جاء به مرسوم 16ماي 1963 ليسهل التحكم فيها .
و قد عرفت الجزائر منذ الاستقلال و إلى المرحلة الراهنة أهمّ تقسيمين للمجال الجزائري ، إذ كان لهما أثرا واضحا على المسار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي للقطر الجزائري و هما :

أ ـ التقسيم الإداري سنة 1974:
أعطى هذا التقسيم الصادر بمقتضى أمر 02 جويلية 1974 31 ولاية ، لاحظ الخريطة رقم (1) كبديل للتنظيم السابق (12 محافظة) ، و704 بلدية و160 دائرة . حيث كان يهدف هذا التقسيم إلى إيجاد التوازن الإقليمي(6) ، والتقليل من حدّة الفوارق(7) بين بلديات الوطن و ذلك بتوسيع و تكثيف الأنشطة الاقتصادية بإعطاء الولاية صلاحيات لتنمية مجالها في إطار حدودها الإدارية.
و كان الهدف النظري من هذا التقسيم هو خلق بلديات متجانسة بحصرها في حدود ولايات تتمتّع باكتفاء ذاتي في جميع الميادين، لكن الواقع التطبيقي أظهر عيوبا حالت دون ذلك.

ب- التقسيم الإداري سنة 1984:
جاء هذا التقسيم بمقتضى قانون 84 ـ 09 المؤرخ في 04 فيفري 1984 ليرفع من عدد الولايات بالقطر الجزائري إلى 48 ولاية ، كما هي واضحة في الخريطة رقم (2) و 1541 بلدية ، و 742 دائرة.
وكان هذا التقسيم الجديد نتيجة كثافة الشبكة العمرانية و نموّها السريع حيث ارتفع عدد المدن بكثرة لهذا أضيفت 837 بلدية جديدة للقضاء على المنافسة المجالية، و تنمية مدن مهمّشة . إنما التناقضات التي ظهرت في هذا التنظيم الإداري للمجال الوطني تمثّلت في عدم وجود تسلسل للمدن في ممارسة السيادة الإقليمية ، حيث أعطى لبعض المدن وظيفة القيادة الإدارية و هي ذات حجم صغير مقارنة مع مجالها الإداري الكبير، و العكس مدن كبيرة وظيفتها على مجال إداري صغير.
و هذا في الواقع كان له علاقة بتطور التوزيع المجالي للسكان و ذلك من أجل تحسين الأداء الإداري لتسهيل تنمية المناطق المتخلّفة و تنظيم المجال(جيد (L’organisation spatial) بفضل استقلالية تامّة لصلاحية البلدية و الولاية عن المركزية.

ثانيا – إشكالية الفوارق بين البلديات
إن سياسة التوازن الإقليمي في الجزائر(9) كانت دائما تسعى إلى تطوير أقاليم البلاد وفقا لما تقتضيه التنمية في كل بلدية وذلك عن طريق الإسراع بتحقيق استثمارات في مراكز لا تتوفّر بالضرورة على أحسن ظروف ملائمة للتنمية . وتؤدّي بهذا إلى توظيف استثمارات متوالية في مجال المنشآت العمرانية الأساسية والأمر هنا يتعلق بالقضاء في أكثر جهات الوطن تخلّفا على جيوب الرّكود و إقامة القواعد اللازمة لتطوير نشط يستمدّ طاقته من ذاته . و من أجل هذا تولّي سياسة التوازن الإقليمي أهمية خاصّة للاستثمارات الاجتماعية حتى تضمن لكل المواطنين نفس نوعية الحياة و ذلك بفضل إنشاء المستشفيات و توسيع المرافق الصحية ، و بناء المساكن و المدارس و شقّ الطرق ، و تعميم الكهرباء، و مضاعفة الربط الهاتفي و تنمية وسائل الاتصال و تقريب الإدارة من السكان.

ثالثا – كيف يمكن تشخيص العلاقة بين الإدارة المركزية و الإدارة المحلية في الجزائر؟
يمكن تشخيص تلك العلاقة من خلال معرفة اختصاصات رئيس المجلس الشعبي البلدي، و الوظائف التي تقوم بها أجهزة البلدية كما سيأتي :
يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بعدّة اختصاصات بعضها باعتباره ممثلا للمركزية (الدولة) وبعضها باعتباره ممثلا للبلدية (الإقليم البلدي) .
I ـ تمثيل البلدية في جميع الميادين
II ـ تمثيل الدولة
يكون رئيس المجلس الشعبي البلدي ممثلا للدولة في إطار حدودها الإدارية و من ثمّ يختصّ بالمسائل التالية : و يمارس تحت إشراف و سلطة الوالي :
1 ـ نشر و تنفيذ القوانين و اللّوائح و الأنظمة في إطار البلدية.
2 ـ التصديق على التوقيعات.
3 ـ مراجعة قوائم الانتخابات .
4 ـ القيام بمباشرة كل مسائل الحالة المدنية و العقود و السجلات.
وهيئات الدولة . وهذا يشجع المبادرة بعد أن كان يصعب عليها القيام بالإشراف المباشر.
وتطبيقا لذلك ، تمارس البلدية الوصاية العمومية على :
– مجموع الاستغلالات الزراعية
– مجموع المؤسسات الصناعية باستثناء المؤسسات التي تتجاوز نشاطها المجال البلدي (مع المساعدة التقنية من طرف الإدارات المتخصصة للدولة).
والبلدية تمارس هذه الوصاية لسببين :
الأول: ضمان احترام الوحدة المسيرة ذاتيا للقوانين والأنظمة الخاصة بذلك .
الثاني: أن البلدية هيئة لا مركزية تساعد على تنمية المؤسسات وتضمن حسن تسييرها.
وصور هذه الوصاية تتمثل في :
أ- العمل بكل حرية على تنمية الوحدات.
ب- مساعدة كل وحدة من الوحدات في الميادين الإدارية والثقافية مثل (تنظيم المحاسبة في هذه الوحدات في مجموع البلدية ، وفي ميدان التكوين ومحو الأمية عن العمال وإعداد الإطارات).
جـ- قيـام اللجان المختصة التابعة للمجلس البلدية بدارسة جميع المشاكل المتعلقة بالوحدة في البلديـة والقيام بعد ذلك بنشر التعليمات والتوصيات المفيدة المستخلصة من تلك الدراسة في أوساط وحدات الإنتاج المعينة.
د- مراقبة الوحـدات ولاسيما بواسطة مديري الوحدات المذكورة الذين يوضعون تحت السلطة الهيئـة التنفيذية للبلدية عند قيامهم بمهامهم.
هـ- منح القروض لوحدات الإنتاج.
ملاحظة هامة : النشاط الاقتصادي للبلدية يخدم الدولة والتخطيط
أ- اللامركزية التي تتمتع بها البلدية في ميدان الاقتصاد ، تساهم في تجنب المركزية بالنسبة لميدان التسيير الاقتصادي(13).
1- فهي تخفف من أعباء الإدارة المباشرة للدولة و الرقابة المباشرة لها على الهيئات الاقتصادية لأنها متعددة بين صناعية و تجارية وشركات وطنية.
2- ويتم تحويل مسؤولية الإدارة والرقابة في هذا الميدان إلى العمال أنفسهم .
وبذلك يخدم النشاط الاقتصادي للبلدية و الدولة.
ب- ومن ناحية أخرى فإن اللامركزية البلدية تخدم التخطيط كذلك لأن الدولة تخطط مخططاتها على ضوء تقارير البلديات ، ثم تتولى هذه تنفيذ كيفيات العمل حسب الظروف المحلية وبأنجح الطرق الممكنة، وهكذا فإن المجلس البلدي هو المحرك الأول ومنسق الإدارة المحلية الضرورية لتحقيق أهداف التخطيط، وفي ميادين الإنتاج والمبادلات والتجهيزات التي هي التنمية الاقتصادية(14).
و تساعد البلدية أيضا ماليا على تحقيق أهداف هذا التخطيط بالوسائل المتوفرة لديها باطراد، والتي تزودها بها مهمتها الاقتصادية ذاتها أي إدارة نشاطها الصناعي والتجاري المباشر وكذلك الضرائب التي تحصلها من المؤسسات والمجموعات الزراعية والصناعية التي ساهمت إنشائها والتي هي تحت رقابتها.
– دور البلدية في الميادين الاجتماعية والثقافية(15) :
أن البلدية كهيئة لا مركزية تحقق خدمة كبيرة للعائلة والفرد في الميادين الاجتماعية والثقافية للذين هم حقل خصب للنشاط المحلى التلقائي المباشر.
وفي هذا الميدان تحول المجالس البلدية جميع السلطات الممكنة حتى تصبح البلديات المحور الرئيسي للنشاط الاجتماعي.
أ- فبالنسبة لدور البلدية الاجتماعي :
1- تنظم البلدية الخدمة الاجتماعية (كالمساعدة للمحتاجين ، وتنظيم دور تربية الأطفال ورياض الأطفال ، وإعادة العاطلين ومسائل الصحة وحفظها).
2- تقوم البلديات بدور رئيسي في مسائل السكن التي هي شرط أساسي للحياة العائلية ، فالبلدية تحدد في هذا الميدان حاجة المواطنين والاختيارات في إطار التخطيط وتحقق و توجه تنفيذ البرامج التي يتم تنسيقها بمساعدة المصالح المختصة للدولة.
ب- على البلدية أن تكون الإطار الاجتماعي لتكوين الفرد وازدهاره.
1- ومهمة التكوين الأساسي للفرد – تقع على عاتق البلدية – من حيث نشر الثقافة ، والتعليم ومحو الأمية ، وتنظيم التكوين المهني لفائدة المستخدمين العاملين في المصالح البلدية وفي المصانع والمزارع .
2- وعليها أيضا مهمة ازدهار الأفراد – بتأسيسها مراكز الشباب وتجهيزها بالملاعب الرياضية وإنشاء المكاتب وقاعات المطالعة بها وإيجاد الوسائل الثقافية والترفيهية للشباب لشغل فراغه في النافع المفيد وبذلك تنجح البلدية في دورها إزاء الشبيبة .
4- دور البلدية في الميدان الفني:
تقوم البلدية بدور هام جدا في هذا الميدان إذ أن الجوانب الفنية والسينما خاصة أداة ممتازة لتنوير الفكر الفرد ولذا فعلى البلديات تسيير شؤونها والقيام بالمهمة الثقافية ذات الصالح العام.
وقد سلمت الحكومة في هذا الميدان للبلدية مهمة تسيير جميع المؤسسات والمرافق المتعلقة بالثقافة الوطنية، ومنحتها حق الاستمتاع بمدخولها فأصبحت البلدية هي التي تتولى تسيير المصالح كالمسارح والملاعب، كما قررت الحكومة أخيرا أن تسند إلى البلديات مهمة استغلال قاعات السينما التي كانت موضوعة من قبل تحت تصرف المركز الوطني للسينما.
إن النشاط الاجتماعي والثقافي للبلديات يجب أن تنميه وتشرف عليه الدولة بمجهودها لأن المبدأ هو أن البلديات هي التي تفي بالحاجات الضرورية ، بينما تضمن الدولة الواجبات الأخرى في الميادين الاجتماعية والثقافية.
والملاحظ أن التقدم الاجتماعي متوقف على نمو الإنتاج وازدهاره في الميدان الاقتصادي غير أن البلديات لا تتمتع كلها بالوسائل الكافية، ولهذا تم إنشاء صندوق التضامن الوطني لتحقيق التوازن بين البلديات الغنية والبلديات الفقيرة.
5- دور البلدية في النظافة والأمن والوقاية المدنية :
أن رئيس المجلس الشعبي البلدي بصفته رئيسا كذلك للهيئة المحلية يملك سلطة الشرطة المتعلقة بحفظ الأمن والنظام العالم في الشوارع والأسواق وغيرها من الأماكن العمومية لأن البلدية مطالبة بالسهر على تسهيل تنقلات الأشخاص والأموال في شوارعها وعلى حفظ أمن مواطنيها وزائريها.
ولكي يتسنى لها القيام بهذه المهام فإنها تملك سلطة الشرطة البلدية ، وحتى سلطة شرطة الدولة عند الضرورة ، واللامركزية التي تطبق في هذا الميدان تدل على الاهتمام الدائم بوضع أوسع سلطة بين أيدي المجلس الشعبي البلدي لأن المشاكل المطروحة عليه تهم الإدارة المحلية.
وفي الميدان الصحي(16) تتولى البلدية تسيير الوحدات الصغيرة والمتوسطة من المستشفيات والعيادات العمومية وبعض الصيدليات.
وبما أن رئيس المجلس الشعبي البلدي يتقلد مهام السلطة المتعلقة بالشرطة فإنه من المنطقي أن تكون له اليد العليا فيما يتعلق بإدارة هيئة رجال المطافئ ومراقبتها وحتى إنشائها كما أنه هو المسؤول عن وسائل الإسعاف التي تملكها مصالح الوقاية العامة في حالة ما إذا حدثت كارثة في مجال البلدية.
وفي هذا الميدان يحصل على المساعدات التقنية لدى سلطات الولاية ويكون له الحق في الأرباح التي تدرها عليها الوحدات الاقتصادية التي تسيرها بنفسها.
وكذلك نصيب البلدية في أرباح المؤسسات والمجموعات الزراعية والصناعية كما أن له أن يعقد قروضا بضمان صناديق الائتمان والضمان.

وأخيرا سلكت الدولة تجربة البرامج الخاصة بالبلديات الفقيرة وتمكينها من اللحاق بالبلديات الغنية، وذلك بتخصيص مبالغ إضافية زيادة على البرامج العادية ، لتحقيق التوازن داخل الدائرة(17) ذاتها ثم داخل الولاية و منها إلى مجموعة الوطن.أزمـة التنظيـم الإقلـيمي للبلـديـات فـي الجـزائـر:
من خلال هذه الدراسة المتعلقة بتحليل وتفسير واقع التنظيم الإقليمي للبلديات في الجزائر والعلاقة بين الإدارة المركزية والإدارة المحلية يتضح لنا مدى اتساع اختصاصات البلدية الجزائرية ومدى تدخلها في كل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلا أن هذه الاختصاصات مقيدة إلى حد كبير بتدخل سلطة الرقابة. فالرقابة الإدارية على البلدية في الجزائر مشددة مما أدى إلى ارتباط هؤلاء القادة برباط وثيق بالأجهزة المركزية التي توجهها كيفما اتجهت إرادتها من خلال ممثليها في الإدارة المحلية وهذه الضغوط الرقابية تعتبر من أهم أسباب أزمة الإدارة المحلية بالجزائر، بالإضافة لذلك فإن هناك انعكاسات بيروقراطية شديدة أدى إلى عرقلة نشاط الإدارية المحلية في مباشرة أعمالها الملقاة على عاتقها.
وأخطر من ذلك ما تعانيه الجزائر من الاختلاف الكبير بين القوانين والواقع المعاش فمن يقرأ، (ميثاق البلدية) وقانونها بدرك تماما في الوهلة الأولى مدى أهميتها والدور الكبير المسند إليها في اللالماء والتعمير ودفع عجلة الترقية المستقبلية . ولكن الواقع العملي غير ذلك تماما مما يفقد تلك النصوص قيمتها لأنه لا يتاح لقانون التطبيق الفعلي بتحويله لحقائق عملية فعالة ولا يحتاج لأي نظام محلي إلا بوصول خدماته للمواطن العادي وتحقيق الرفاهية الاجتماعية وكل ذلك مفتقد في الجزائر، بسبب التباين في السياسات التنموية واختلاف توجهاتها وتعاملها مع المجال مضافا إلى ذلك الأسباب التالية :
1- قصور الإمكانيات المتوفرة.
2- عجز وخمول وتقاعس المسؤولين في القاعدة وعدم إدراك المندوبين لدورهم بصفتهم مفوضين من الشعب ومناضلين في الأحزاب.
3- قلة التجربة التقنية والخبرة والمهارة .
4- عدم استعمال المجلس الشعبي البلدي لسلطاته كما ينبغي.
5- وجود الكتل الانتخابية والانقسامات القبلية بما يوفر الجو الملائم للعمل المفيد.
6- اللجان المشكلة من الهيئة التنفيذية البلدية لدراسة المشاكل وحلها لم تقم بدورها.
7- عدم إشراك المواطنين وفقا للميثاق ، وفي مداولات المجالس الشعبية.
8- انعزال هيئات الأحزاب والدولة ، وانعدام التنسيق بين أجهزة مجلسي الشعبي البلدي والولائي.
9- عدم تمكن المجلس البلدي من الاستفادة من اللامركزية المعطاة للبلدية.
والنتيجة أن البلدية قد فشلت في مهمتها التنشيطية في المرحلة السابقة وإن كانت قد نجحت فقط ، في وظيفتها الإدارية ، ولكن وقوع الأخطاء إثناء البدايات الأولى للتجربة مفيد، وما يطمئن هو خروج التجربة للعمل والممارسة.
وهنا تقول ما هي البدائل العلمية والعملية للخروج من هذه الأزمة التي تعانيها الإدارة المحلية في الجزائر؟
للخروج من ذلك نوصي بما يلي :
أولا – يجب العمل على تطبيق القانون الخاص بالبلدية تطبيقا سليما يتماشى واقتصاد السوق، وعدم توقيف نصوصه لأن القانون في جوهره متكامل وسليم تماما ولا ينقصه سوى التطبيق . وترجمة النصوص النظرية إلى الميدان العملي لأن أغلب مشاكل البلديات ناجم عن عدم ممارسة المجالس المحلية لاختصاصاتها الحقيقية.
ثانيا – ثم أن إنشاء مركز للتكوين متخصص للإدارة المحلية يتولى عمل تربصات مغلقة متخصصة لأعضاء الوحدات المحلية على كل أعمالهم واختصاصاتهم مما سيسهم مستقبلا في تحسين تجربتهم ومهارتهم كما يرفع من مستوى أدائهم.
الحواشي:
1- التنظيم الإقليمي : في جوهرة جزء من التنظيم الوطني ولا تعارض بينها، غير أن التنظيم الوطني مرتبط ارتباطا وثيقا بالإدارة المركزية بينما يرتبط التنظيم الإقليمي إلى حد كبير بالإدارة المحلية أي باللامركزية .
أنظـر: غانم عبد الغني – التنظيم المجالي حاضرا و مستقبلا في ولاية بسكرة أطروحة دكتوراه دولة في التهيئة العمرانية (غير منشورة) قسم التهيئة العمرانية، جامعة منتوري – قسنطينة – الجزائر. 1998. ص3. 446 ص.
2-المرافق العامة : نعني بها التجهيزات البلدية التي يمكن تقسيمها إلى تجهيزات مرتبطة بالتجهيزات الأساسية العمومية ، وتجهيزات ضرورية، وتجهيزات داخلية تفيد التطهير والنظافة، وتجهيزات تعني الرفاهية والتحضر، وهي تنقسم إلى نوعين : نوع يستعمل بصفة خاصة، ونوع يستعمل بصفة مشتركة.
أنظـر: غانم عبد الغني ، تحليل مدى التوازن بين السكان والسكن في مدينة بسكرة، رسالة ماجستير (غير منشورة) مارس 1984 قسم التهيئة العمرانية، جامعة منتوري – قسنطينة – الجزائر.
3- البلـديـة : هي الوحدة الإقليمية الأساسية الأولى في بنيان الدولة في النواحي السياسية والإدارية والاقتصادية والثقافية، وهي كجماعة أولى من جماعات الدولة تباشر أعمال التنمية التي تخصها وحدها ضمن حدودها وذلك بواسطة أجهزتها الخاصة بها.
أنظـر : ABID Lakhdar – L’organisation Administrative des collectives Locales, (O.P.U)
Alger 1987 P (66P) .
4- الـولايـة : هي جماعة إقليمية محلية ذات شخصية معنوية واستقلال مالي، ولها اختصاصات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. وهي إحدى التقسيمات الإدارية للدولة . كما أنها همزة وصل بين الإدارة المركزية من جهة والإدارة المحلية من جهة ثانية.
أنظـر: جعفر أنس قاسم، أسس التنظيم الإداري والإدارة المحلية بالجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1978 ، ص 50.
5- العمري بوحيـط : البلـديـة – إصلاحات (مهام وأساليب) شركة زاغياش للطباعة والنشر، الجزائر فيفري 1997، 136 ص .
6- نعني بالتوازن الإقليمي : التوزيع العادل للخدمات والمرافق والبنى التحتية سواء بين الولايات أو بين البلديات ، لأن مسألة التنظيم المجالي أصبحت مرتبطة بإشكالية البعد المجالي أي في كيفية توزيع الاستثمارات توزيعا عقلانيا في إطار الانسجام بين المجالين الإداري والوظيفي.
أنظـر: غانم عبد الغني – مصدر سبق ذكره ص 207.
7- الفوارق الإقليمية : تعني الاختلال في التوازن بين الوحدات الإقليمية (البلديات) ويتمثل هذا الاختلال في التباينات الطبيعية والبشرية.
فالطبيعية تتجلى خاصة في الاختلافات التضاريسية و المناخ الحيوي . أما البشرية فتبدو في الاختلافات الاقتصادية ، السكانية والناحية الاجتماعية.
أنظر : Jaques BUGNICOURT, DISPARITES REGIONALES ET AMENAGEMENT DU
TERRITOIRE EN AFRIQUE. Armand Colin, Paris 1971, P 15. 335 P.
8- غانم عبد الغني – مصدر سبق ذكره ص 414.
9- ABRDE BENDJELID, planification et Organisation de l’espaces en Algérie (O.P.U) Algérie 1986 . 134 P.
10-إشراف الأستاذ نصر الدين شيبان ، مشروع تخرج (مهندس دولة) مجموعة من الطلبة، الهياكل التجارية ودورها في حركية المجال، سبتمبر 2001، قسم التهيئة العمرانية – جامعة منتوري قسنطينة ص 100. 140 ص.
11- COTE M. l’Espace Algérien, Les Principes d’un aménagement (O.P.U) Algérie, 1983 P119 . 275 P.
12-جعفر أنس قاسم، مصدر سبق ذكره ، ص 66.
13- BOUKERZAZA, H. Décentralisation, développement Local et Aménagement du territoire en Algérie les Cas de Wilaya de Skikda, Thèse de Doctorat de 3eme Cycle.
Université Poul Valéry, Montpellier, Juillet 1985 P 63. 263 P.
14- Abdellatif B. , Croissance et Développement Depuis 1945, tome II, 2eme ED (O.P.U) Alger 1982 P 705. 917 P.
15-الجزائر غدا، وضعية التراب الوطني، وزارة التجهيز والتهيئة العمرانية، (ملفات التهيئة العمرانية) ص22. 359 ص.
16- Rabeh BOUSSOUF, Géographie et la Santé en Algérie, (O.P.U) 1983, 256 P.
17- مفهوم الدائرة : يقسم إقليم الولاية إلى دوائر، والدائرة هي جزء من الولاية يشمل عدد من البلديات، وهي ليست إلا قسما إداريا لا تتمتع بالشخصية المعنوية ومن ثم ليس لها أي الاستقلال إداري أو مالي ، كما لا يوجد بها أية هيئة محلية منتخبة ، هي عبارة عن جهاز وسيط بين البلديات والولاية.
أنظـر : عبيد لخضر – التنظيم الإداري للجماعات المحلية – ديوان المطبوعات الجامعية .الجزائر. 1987 ص 41 . 49 ص.