مصطلحات تتردد في المحاكم
يوسف الفراج
التماس إعاة النظر تنص الأنظمة على أن الحكم يكون نهائيا وقابلا للتنفيذ في حالات محددة , وهي ما إذا كان الحكم غير خاضع للتمييز – وذلك في القضايا البسيطة ويحددها المجلس الأعلى للقضاء – , وفي حال ما إذا قنع المحكوم عليه بالحكم أو فات آخر ميعاد للاعتراض أو تأيّد الحكم من محكمة التمييز , ففي هذه الحالات الأربع يُسمى الحكم نهائياً أو قطعياً , وللمحكوم له أن يتجه إلى قاضي التنفيذ للمطالبة بتنفيذ الحكم , ولا يجوز بحال أن يتم إيقاف التنفيذ أو التأخر فيه سواء من المحكوم ضده أو من القضاء – مع مراعاة أن للقضاء الحق في التحقق من توافر اشتراطات التنفيذ – , فلا يُقبل من المحكوم ضده في هذه المرحلة أن يعترض بعدم قناعته بالحكم أو أنه حصل عليه جورٌ ونحوها من الاعتراضات التي يرددها البعض عند التنفيذ .

إلا أنه ورد في النظام ثلاث صور يمكن فيها التوقف في تنفيذ الحكم ولو كان نهائيا , الأولى: وجود «منازعة تنفيذ» , وسيكون لها مقالة مستقلة – إن شاء الله -, الثانية أن يقع في منطوق الحكم غموضٌ أو لبسٌ , ففي هذه الحالة يتم تفسير الغموض وإزالة اللبس من محكمة الموضوع , ويكون هذا التفسير خاضعا لأحكام التمييز , والثالثة وهي الأهم والمقصودة في هذه المقالة فهي:» التماس إعادة النظر» .

ويُقصد بالتماس إعادة النظر : طلب أحد الخصوم في حالات محددة – ستأتي الإشارة إليها- من المحكمة إعادة النظر في الحكم النهائي , ولا بد من القول إن الأصل هو العمل بما يكفل ويحقق استقرار الأقضية ونفاذها وعدم فتح باب الاعتراض عليها , إلا أن المنظم راعى – استثناء- صوراً وأحوالاً يرَجحُ معها احتمالية تغيّر الحكم في حال ثبوتها , أو أن حسنَ سيرِ العدالة يقتضي مراعاتها لقطع المنازعات بين الخصوم , وعندما نقول «استثناء» فهذا يعني عدم جواز التوسع فيها أو القياس عليها , وقد أسند النظام تقدير قبول الطلب لمحكمة التمييز في القضايا الخاضعة لنظام المرافعات الشرعية فالتقديم يكون لها في نموذجٍ محددٍ متوافر لدى المحكمة .

والصور هي : 1- إذا كان الحكم قد بُني على أوراق ظهر بعد الحكم تزويرها ، أو بُني على شهادة قُضي من الجهة المختصة بعد الحكم بأنها مزورة.

2- إذا حصل الملتمس بعد الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كان قد تعذر عليه إبرازها قبل الحكم.

3- إذا وقع من الخصم غش من شأنه التأثير في الحكم(

4– إذا قضى الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو قضى بأكثر مما طلبوه .

5- إذا كان منطوق الحكم يناقض بعضه بعضاً.

6- إذا كان الحكم غيابياً.

7- إذا صدر الحكم على من لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً في الدعوى.

ولهذا الحكم « التماس إعادة النظر» أصلٌ في الفقه الإسلامي وهو ما يذكره الفقهاء ويعمل به قضاة المحاكم في المملكة: وهو أنه في حال كان الحكم ضد غائب فإنهم ينصّون في الحكم على أن الغائب على حجته متى ما حضر , وهذا يمكنه من الامتناع عن التنفيذ إلى حين إعادة المعاملة إلى قاضي الموضوع للنظر في ما لديه من حجج .

ولا بد من التأكيد أنه لا يجوز بحال أن يتم استغلال أي نص نظامي أو طريق من طرق الاعتراض كفله النظام لتأخير أداء الحقوق لأصحابها وتعطيل تنفيذ الأحكام لأن فيه مخالفة لقوله تعالى :» يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود « , ومن عطل الحكم فقد أخلّ بهذا الوفاء , كما أن فيه أكلا لأموال الناس بالباطل فالمدة التي تمرّ والخصم يعلم أحقية خصمه بما يطالب به فقد أكل حقه واستحق الوعيد , والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول :» من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه , ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» أخرجه البخاري.

ساري المفعول كثيرا ما يتردد في المحاكم وكتابات العدل في القضايا العقارية مصطلح: «ساري المفعول», حيث إن القاضي أو كاتب العدل يذكر في إحدى مراحل النظر في المعاملة أنه سوف يتأكد من سريان مفعول الصك العقاري, وقبل الإشارة إلى مدلول هذا المصطلح لا بد من الإشارة إلى أن القضايا تمرّ في المحاكم بثلاث مراحل, المرحلة الأولى:

مرحلة «الضبط» ويراد بها رصد كل ما يقدمه الأطراف في القضايا وبيناتهم وتقارير الخبراء وكل ما يتعلق بالقضية والحكم وأسبابه في محضر القضية ويسمى «الضبط» , والمرحلة الثانية: «الصك» وهو إعادة اختصار ما جرى ضبطه في محضر القضية مع حذف المكرر والحشو وكتابته في وثيقة تسمى:«الصك», والمرحلة الثالثة: «السجل», ويراد بها الاحتفاظ بنسخة طبق الأصل من الصك في المحكمة, وبهذا يتم نسخ الصك في دفاتر خاصة تسمى «السجلات», والسبب في هذا الإجراء الأخير هو أن الصك يُسلّم لصاحب العلاقة وبهذا لا بد من بقاء نسخة منه طبق الأصل في المحكمة, كما أن جميع التصرفات التي ستجرى على العقار من بيع للعقار أو رهنه أو نزع ملكيته فسوف يتم تسجيلها على السجل حفظا للحقوق وضبطا لها, وكل مرحلة من هذه المراحل لها أهميتها الخاصة إلا أن «السجلات» هي الوثائق الأهم لكونها الكاشف القانوني عن وضع العقار, وهل هو حرٌ أو مرهونٌ أو موقوفٌ, وهل ما زالت ملكيته باقية باسم من تقدم به , أم لا, وكل ما يؤثر في بيان وضع العقار القانوني.

ومن خلال هذا الاستعراض فإنه يتضح أن القضاة وكتاب العدل في المعاملات العقارية لا بد أن يتحققوا من أن الصك لا يزال ساري المفعول باسم صاحب العلاقة, ووفقا لما سبق فلا بد أن يكتبوا إلى قسم السجلات للتحقق من التأشيرات على سجل الصك وهل فيها ما يمنع من إجراء التصرف العقاري أم لا، وهو المراد من مصطلح:«سريان المفعول», وأشير هنا إلى أن العمل في كثير من المحاكم وكتابات العدل يجري بطريقة تقليدية لكون أغلب السجلات فيها لم تحفظ إلكترونيا حتى الآن, إلا أن هناك مشروعا ضخما في وزارة العدل باسم «حفظ الثروة العقارية» يهدف إلى توفير بيانات السجلات بطريقة إلكترونية تسهيلا للإجراءات, وأما كتابات العدل فالعمل جارٍ في الوقت الحاضر على «المشروع الشامل» وقد انتهى العمل به في بعض المناطق, وهو يوفر هذه المعلومات إلكترونيا. والتحقق من سريان مفعول الصك إجراء إلزامي على القضاة وكتاب العدل في كل معاملة تؤدي إلى تغيير الحالة القانونية للعقار من ملكٍ ورهنٍ وانتفاعٍ ونحوها من تصرفات تُرتب حقوقاً عينيةً على العقار, ومن النصوص في ذلك ما ورد في المادة السادسة عشرة من اللائحة التنفيذية لكتاب العدل, التي تنص على أنه :«إذا ظهر لكاتب العدل سلامة الصكوك والمستندات المقدمة إليه, فإن كانت صادرة من إدارته فعليه الاستفسار عن سريان سجلاتها, أما إذا كانت صادرة من المحكمة فعليه بعث الصك مرفقا به نموذج الاستفسار المعد لهذا الغرض من قبل الوزارة عبر القنوات الرسمية».

الحجج والمنح أشهر مفردتين في المحاكم وكتابات العدل هما: الحجج والمنح, وقد تحدثت عن أحكامهما كثيرا في هذه الزاوية, إلا أنه في سياق هذه السلسة قد يكون من المناسب أن أذكر أبرز أحكام هذين الموضوعين. فالحجج تستند في مرجعيتها الفقهية على أحكام إحياء الموات, والمنح تستند على أحكام الإقطاع, وهما أسباب التملك في النظام السعودي؛ وصكوك الحجج تفيد الحجية وكذلك صكوك المنح, وكلا الصكين لا يمنع من سماع الدعوى؛ والحجج لا تصدر إلا من القضاة في المحاكم العامة, والمنح تصدر من كتاب العدل ومن القضاة في المناطق التي لا يوجد فيها كتابة عدل؛ والحجج تبدأ بطلب من صاحب العلاقة, وأما المنح فعبارة عن إقرار من مندوب الجهة الحكومية المختصة لصاحب العلاقة؛ ولأن الحجج تستند إلى إحياء الموات فإن من إجراءات إصدارها الإعلان في الصحيفة لإعلان الكافة بطلب صاحب العلاقة, وأما المنح فلا إعلان فيها؛ وشهود الحجج هم شهود «إثبات» وبهذا فلا بد من تعديلهم, وأما المنح فالشهود فيها شهود «إقرار» فلا حاجة لتعديلهم؛ في الحجج لا بد من الكتابة إلى الدوائر الحكومية لمعرفة رأيها في طلب المنهي, وأما المنح فلا يكتب للدوائر؛ وفي الحجج يُفرَّق بين ما إذا كان الموقع داخل النطاق العمراني أو خارجه ففي الحالة الأولى يُكتب لثلاث جهات وفي الثانية يُكتب لقرابة عشر جهات, وأما المنح فلا تأثير لمكان المنحة على إجراءاتها.

وأخيرا فلا بد من: تنظيم أحكام الحجج, والعدالة في توزيع المنح.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت